الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجلاء اليهود عن المدينة:
يزعم كاتب الموسوعة في (المجلد 22) الصفحة (1013) الفقرة الأخيرة أنّ:
"سبب إجلاء اليهود من المدينة ومحاربتهم بقسوة كان شجاراً بين مسلمين ويهود بسوق المدينة، وهو ذاته سبب محاربة اليهود بقسوة".
"ولأن وجودهم يذكّر محمداً بفشله في إقناعهم بدعوته"(ص1014) .
ويزعم: "أنّ المسلمين أخذوا كل أملاك اليهود بعد إجلائهم بما فيها مجوهراتهم"(ج22 ص1013) وفي صفحة (1014) يزعم أنّ بني قريظة بقوا حياديين عند محاصرة المدينة.
ولكن صاحب الموسوعة أشار (ص1012) إلى شمول دستور المدينة لليهود أيضاً طلباً؛ لتأييدهم ومحاولة لاسترضائهم
…
".
ونقول:
لم يكن سببُ إجلاء اليهود من المدينة شجاراً بينهم وبين المسلمين في سوقها، إنّ حادث الشجار له خلفيته التي بيّنها علماء السنة والسيرة ونقلوها لنا نقلاً صحيحاً جلياً، وأنا أورد الحادثة وليتأملها المتأملون، ومن ثم لهم أن يحكموا بإنصاف ونزاهة:
حين انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر حرك هذا الانتصار حفيظة اليهود وصاروا يرجفون (*) في المدينة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم بالحسنى،
(*) أرجف القوم: إذا خاضوا في الأخبار السيئة وذكر الفتن. (والمرجفون في المدينة) هم الذين يُولّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب - لسان العرب - مادة (رجف) .
ويدعوهم إلى الدخول في الإسلام، وقابلهم في سوقهم وقال لهم:"يا معشر اليهود: احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهْد الله إليكم" فقالوا له: "يا محمد لا يغرنّك أنّك لقيت قوماً لا علم لهم بالحروب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس"(1) فأنزل الله تعالى قوله: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 12-13] ، لكن بني قينقاع تمادوا في إيذائهم، فكانت الحادثة التي سببّت إجلاءهم.
وتتلخص الحادثة في أنّ امرأة من العرب قدِمَت بجَلَب لها فباعته بسوق بني قينقاع، ثم جلست إلى صائغ منهم، فجعلوا يريدونها عن كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عمل مشين، فقد عقد طرف ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها، فصاحت واستغاثت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، فتجمّع اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل الإسلام المسلمين، فغضب المسلمون ووقع الشر بينهم وبين اليهود (2) .
(1) سيرة ابن هشام 294والسنن لأبي داود (3/267) ك: الخراج والإمارة والفيء ح3001، مع تفاوت يسير في اللفظ.
(2)
سيرة ابن هشام 294.
وإزاء ذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني قينقاع نقضوا العهد بهذه الفعلة النكرة، فأخبرهم بنقض العهد الذي كان بينه وبينهم؛ تأدباً بأدب القرآن الذي يأمر بذلك فيقول:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} [الأنفال:58] ، ثم حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم الله ورسوله، فاستشار الرسول كبارَ أصحابه وانتهى الأمر بإجلائهم (1) .
ولا يُعتقد أنّ سبب إجلاء بني قينقاع يعود إلى رفضهم قبول الإسلام، ففي هذه المرحلة كان يُقبل التعايش السلمي معهم، ولم يكن الرسول ليشترط على أحد من اليهود أن يدخل الإسلام مقابل بقائه في المدينة، بل إنّ نصوص المعاهدة تؤكد إعطاء اليهود حريتهم الدينية في المدينة المنورة.
(1) صحيح البخاري 3/11، وانظر السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 2/395.