الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هدف الجهاد:
وزعم كاتب الموسوعة في (المجلد 22) الصفحة (1014- 1015) :
"أن غزوات المسلمين كانت لأطماع مادية".
وفي الصفحة الثالثة عشرة الفقرة الأخيرة حتى الصفحة الرابعة عشرة الفقرة الأولى زعم: "أن محمداً صلى الله عليه وسلم عقد صلح الحديبية مع قريش وهذا لم يرق للمسلمين الذين أرادوا القتال فعوضهم محمد بحرب تعطي ثماراً (غنائم وقتْل) وهي حربه ضد خيبر، وكان سبب الحرب ضد خيبر تعطش المسلمين للقتل وسفك الدماء".
ونقول:
إن الغاية التي من أجلها شرع الجهاد إنما هي نشر كلمة الله وإعلاء رسالة الإسلام في الأرض، وإخراج الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، ولم تكن دوافع الجهاد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً دوافع مادية يهدف من خلالها إلى الاستيلاء على الأموال والأرزاق والغنائم، بل الهدف أسمى من ذلك.
وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عقد صلح الحديبية مع قريش وأمّنهم، وأمِنَ منطقة الجنوب، أراد بسط سيطرته على ناحية الشمال من الجزيرة، وكان في هذه المنطقة يهود خيبر.
ولم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهراً حتى أمر بالتجهيز للخروج إلى خيبر، واشترط أن لا يغزو معه إلا من شهد الحديبية كما أمره الله تعالى، وذلك ليضمن صدق النوايا، حتى إن بعض الأعراب الذين تخلفوا عن الحديبية أرادوا أن يخرجوا معه فقال لهم: "لا
تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أمّا الغنيمة فلا أعطيكم منها شيئاً" وقد أراد الرسول بذلك أن يبين لهم أن لا حاجة له بالذين لا همّ لهم إلا الغنيمة (1) .
ومما يدل على أن المغانم والأموال لم تكن هدف المسلمين من حربهم واستيلائهم على خيبر، ولم يكن التعطش للقتل وسفك الدماء بغيتهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى علياً رضي الله عنه أن يدعو يهود خيبر إلى الإسلام وما يجب عليهم من حق الله، وقال له:"فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم"(2) إنها فرحة لا تعدِلُها فرحة أن يهتدي يهود أو يهتدي أحد منهم إلى الإسلام، إذن كان همُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحه خيبر نشر العقيدة وإزاحة العقبات من طريقها. ولما سأله علي رضي الله عنه:"يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (3) .
هذا على مستوى القيادة، أما على مستوى الأفراد والأتباع والجند فتأمل هذه الحادثة:
"صح أن أعرابياً شهد فتح خيبر أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائباً، فلما حضر أعطوه ما قسم له، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما على هذا تبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى هاهنا وأشار إلى حلقه
(1) السيرة النبوية 2/414.
(2)
مسلم – فضائل الصحابة 4/1872.
(3)
مسلم مع شرح النووي 15/177.
بسهم، فأدخل الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تصدُق الله يصدقك، قال فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجُبّة وصلى عليه ودعا له فكان من قوله:"اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً وأنا عليه شهيد"(1) .
إنّ هذه الرواية وهي صحيحة تعد شاهداً قوياً على ما بلغته نفس هذا الجندي الأعرابي الذي ألِفَ حياة الغزو والسلب والنهب في الجاهلية، إنّه لا يَقْبَل ثمناً إلا الجنة، وإذا كان هذا دافع الإيمان في نفس هذا الفرد فكيف يبلغ الإيمان إذن في نفوس الصفوة المختارة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيقال: إنهم فتحوا ديار اليهود طمعاً في أرض أو مال؟
أيُتهمون بأن التعصب الديني دفعهم لطرد اليهود، وهم الذين دعوهم للإسلام قبل القتال، وقبلوا أن يعطوهم الأمان بعد الحصار، وأبقوهم في خيبر بعد الاستسلام، فمكثوا فيها حتى خلافة عمر رضي الله عنه، ثم بدت منهم العداوة وغدروا بالمسلمين فقتلوا منهم رجلاً وفدعوا (2) يدي عبد الله بن عمر وهو نائم في سهمه في خيبر، فأجلاهم عمر من خيبر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال" (3) .
وقد ورد في رواية صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض وألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف 5/276/برقم 9597، ورجاله ثقات.
(2)
الفدع: أن تزول المفاصل عن أماكنها (اللسان-فدع) .
(3)
المجتمع المدني 174-175.
والبيضاء والحَلْقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يعيبوا شيئاً فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد" (1) .
ونلخص ما سبق بما يلي:
*لم يكن إجلاء يهود بني قينقاع من المدينة بسبب شجار عابر، وإنما بعبارة مختصرة: لنقضهم العهد.
* ولم يكن دافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في غزوهم خيبر دافعاً مادياً أو تعطشاً للقتال، وإنما لنشر دعوة الإسلام وفي سبيل الله.
* لا يرى الإسلام مانعاً من قبول اليهود مواطنين في الدولة المسلمة، ولولا نقض العهد المتكرر منهم في المدينة لأمكن التعايش بسلام ووئام، وليس الدافع وراء إخراجهم أيضاً فشل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إياهم وأن وجودهم يذكره بذلك، كلا، فلأهل الكتاب نظرة خاصة مميزة تتلخص في الإحسان إليهم والعدل فيهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا (2) .
(1) أبو داود في السنن (3/170) برقم 3006، وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/252. والصفراء: الذهب، والبيضاء: الفضة، والحَلْقة: الدروع.
(2)
ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار 3/307.