الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة:
وتحت مادة "السنة" صفحة 967-968 المجلد الرابع يزعم الكاتب أنه يمكن تشبيه السنّة من جهة طابعها "بالمدراش التشريعي" في الديانة اليهودية "والأغاداة" أي قصص حكماء اليهود - بل يرى أن السنة أكثر شبهاً بهذين الأمرين من المشناة والغماراة.
ويقول"السنة مكونة من وحدات صغيرة: وهي الحديث، والإسناد، والمتن.
إن الاختلاف بين علماء الحديث أدى إلى التشكيك بصحة أحاديث كثيرة.
وبالفعل فإن الحديث كان بمثابة شكل أدبي لاستحداث تشريعات جديدة.
إننا نلمس تأثيرات يهودية "مسيحية" وأخرى على "الحديث" بأماكن كثيرة، ونجد التأثير بأخذ أقوال حكماء اليهود وعيسى ونسبتها إلى محمد، ومن هنا تطور فرع خاص هو قصص الأنبياء.
قصص الأنبياء تشمل؛ حياتهم، وهي مكونة من مواد مأخوذة من التوراة، المدراش، والإسلام.
إن شكل الحديث أيضاً يدل على تأثير يهودي بارز".
ورداً على ذلك نقول:
لابد أن نُعَرِّف بالمدراش والأغاداة قبل توضيح حقيقة السنة ومفهومها لدينا.
إن "المدراش" مقطوعة أدبية تشتمل على نص من التوراة مع تعليقات لحكماء اليهود، وتشتمل المدراش على الإسناد أحياناً، وإنما المقصود منها العبرة والعظة.
"والأغاداة" تشتمل على جانب قصصي أكثر، وبسبب هذه الميزة لا نجدها تتمتع بدقة المعلومات، لكن المقصود منها إنما هو العبرة والعظة.
وكلا هذين الأمرين - المدراش والأغاداة - يبحث في الأشياء غير المفهومة في نص التوراة، ويعطي أجوبة حسب اجتهادات حكماء اليهود، كالبحث في تحديد ماهية الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام....
ونتسائل أي شَبَهٍ يُعْقد بين السنة النبوية الشريفة وبين هذين الشكلين من أشكال التراث الديني عند اليهود؟!
إن السنة مصطلح له دلالات عديدة بحسب اختلاف مناهج العلماء، فقد استعملت بمعنى تعاليم الشريعة الإسلامية، وما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما إذا كان العمل مخالفاً فيقال عنه "بدعة".
والسنة عند المحدثين هي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، وسيره ومغازيه وبعض أخباره قبل البعثة.
وما يهم المحدثين هو رصْد كل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتصف به.
أما الأصوليون فعنايتهم متجهةٌ إلى ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن - من الأقوال والأفعال والتقريرات، وتعريفهم للسنة مبني على عنايتهم بالدليل.
والفقهاء يعدون السنة ما سوى الافتراض والوجوب بمعنى النافلة، أو المندوب.
أما الحديث – لغةً – فهو: ضد القديم، وفي الاصطلاح: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية، وعليه فالحديث مرادف للسنة.
والسنة بهذا المفهوم هي الأصل الثاني للإسلام، وهي وحي من الله تعالى إلى رسوله أمره أن يبلغه إلى الناس:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] .
إن هذا التبليغ هو مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووظيفته: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه – يفصّل مجمل القرآن، ويبين مُشكِلَهُ ويُقَيِّد مطلقه، هذه هي العلاقة الوثيقة التي تربط بين القرآن والسنة، فكلاهما وحي من الله؛ القرآن وحي متلو، والسنة وحي غير متلو:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] .
بل إن السنة النبوية تستقل بتشريع بعض الأحكام؛ فقد جاءت فيها أحكام شرعية لم يذكرها القرآن، مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها، وتحريم الذهب للرجال، وتحريم الوشم، ووصل الشعر، وتحريم لحوم الحمر الأهلية
…
وغير ذلك.
وهل السنة – كما يقول – مكونة من وحدات صغيرة هي الحديث والإسناد والمتن؟
الحديث عرَّفنا به، أما الإسناد فهو شطر الحديث الذي يضمن التوثيق له والعناية به، وكما قال علماؤنا:"لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، وقد
كان المحدِّثون من التابعين يُعْنَوْن بالإسناد ويسألون عنه في الأحاديث، فإذا كان الرواة ثقات حملوا عنهم، وإن كانوا غير ذلك تركوا حديثهم.
أما المتن فهو شطر الحديث المتعلق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره وهو من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن المعنى العام من وحي الله تعالى.
إن هذه الأحاديث ثابتة النسبة إلى رسول الله وليست من وضع أصحابه كما يعتقد المستشرقون، فكلُّ تشريع جديد تحمله، فإنه تشريع رب العالمين بلّغه إلى محمد فحَمله عنه الصحابة بأمانة ودقة.