المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض ما اتفقت عليه الرسالات: - رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

[موسى البسيط]

الفصل: ‌بعض ما اتفقت عليه الرسالات:

لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة:44] .

ولا شك أنّ الديانات السماوية والرسل جميعاً متفقون في دعواتهم، فلقد جاء الدين واحداً، فالإسلام شعارٌ عام كان يدور على ألْسنةِ الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم عصور التاريخ، من لدن نوح عليه السلام، إذ قال:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:72]، وإبراهيم عليه السلام:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131]، وحتى موسى عليه السلام إذا قال لقومه:{يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس:84] .

ص: 15

‌جوهر الرسالات السماوية:

إنّ لب دعوة الرسل، وجوهر رسالاتهم إنما هو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبْذ ما يُعبد من دونه، وقد جاءت هذه القضية في القرآن في مواطن شتى من سيرة الرسل الكرام:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] .

ص: 15

‌بعض ما اتفقت عليه الرسالات:

وباستعراض آيات الكتاب نجد أموراً اتفقت عليها الرسالات، مما يوهم بأنّ المتأخر من الرسل اقتبس من المتقدم، وليس الأمر كذلك، غاية ما في الأمر أنّ مصدر هذه الرسالات واحد وبينها قواسم مشتركة، ولكن كلاً منها يحمل استقلالية وتميّزاً.

ص: 15

ومن القواسم المشتركة التي جاءت بها الديانات ودعت إليها واعتمدتها: الصوم والصلاة والزكاة ومواضع النسك: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ} [الأنبياء:73]، وقال تعالى لموسى عليه السلام:{فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]، وقال عيسى عليه السلام:{وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31]، وقال تعالى مخاطباً المؤمنين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج:34] .

إنّ هذه القواسم المشتركة بين ديانات السماء تختلف في أدائها من شريعة إلى شريعة، وقد يُحِلُّ الله أمراً في شريعة لحكمة، ويحرمه في شريعة أخرى لحكمة.

وعلى الرغم من اشتراك الإسلام مع غيره في هذه العبادات إلا أنّه جاء بتشريع متفرّد مستقل، إنّ هذا التشابه في بعض العبادات والشرائع، لا يعني بالضرورة أنّ المتأخر أخذ من المتقدم فزاد عليه أو أنقص منه، وإنّما مردّ ذلك إلى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران:19] ، وديانات السماء هي كالتوائم المتشابهة، والأنبياء أبناء علات أو إخوة من عَلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (1) . إنّ دعوى تأثّر الإسلام باليهودية في

(1) صحيح مسلم 4/1837 رقم (143) قال العلماء: أولاد العلات: الأخوة لأب من أمهات شتى، أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3/291) .

ص: 16

النواحي المادية، وتأثره بالمسيحية الشرقية في النواحي الروحانية، هذه الدعوى التي ادعاها الباحث "أندريه" إنما ينطلق فيها من كون اليهودية يغلب عليها الطابع المادي، ومن كون المسيحية يغلب عليها الطابع الروحاني، في الوقت الذي يمتاز الإسلام عن الديانتين بإحاطة مبادئه بالجانبين معاً؛ إذ فيه رصيد الروح من عبادات، ورصيد المادة من معاملات، بل إنّ كل شأن من شؤون الإسلام تجده مزيجاً من الأمرين معاً.

وما دمنا وضحنا استقلالية رسالة الإسلام، وكونها تصدر مع رسالات السماء من مشكاة واحدة، إذن فإنّ هذه الدعوى من الباحث أندريه تضمحل وتتلاشى.

لقد جاءت رسالة الإسلام خاتمة للرسالات السماوية، لذا أوجب الله على جميع من بلغته هذه الدعوة من جميع الأمم الانقياد إليها، ولم يقبل من أحد منهم ديناً سواها.

نعم، ختم الله الشرائع والملل بالشريعة العامة، الكاملة، المحتوية على جميع محاسن الشرائع المتضمنة لجميع مصالح العباد في المعاش والمعاد، فأكمل الله بها دينه الذي ارتضاه لنفسه، وختم بها العلم الذي أنزله من السماء على رسله، وزادت عليه أموراً عظيمة وأشياء كثيرة من العلوم النافعة والأعمال الصالحة التي خصّ بها هذه الأمة.

وفضلهم بها على منْ قبلهم من الأمم (1) .

(1) ابن رجب، جميع الرسل كان دينهم الإسلام ص20.

ص: 17