المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوحدة الموضوعية في القرآن: - رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

[موسى البسيط]

الفصل: ‌الوحدة الموضوعية في القرآن:

‌الوحدة الموضوعية في القرآن:

يقول في (ص 43 الفقرة -1- من المذكرة)

"غالباً ما تكون السورة لبعض الموضوعات التي ليس بينهما علاقة مباشرة.

هناك سُور كثيرة مكونةٌ من قِطع تمّ جمعها بعضها إلى بعض – كما يبدو- في فترات مختلفة.

ونقول:

إن هذه الدعوى أن السورة في القرآن تشتمل على مجموعة من الموضوعات لا رابط بينهما، فالوحدة الموضوعية بين موضوعات السورة الواحدة منعدمة.

وهذه الدعوى تصدر في الحقيقة عمن لا يتأمل القرآن ولا يتدبر آياته، إذ لو تدبره لوجده مترابط المعاني متحد الموضوع، وتأمل معي ظاهرة تبدو لنا في القرآن المكي والمدني وهي: وجود آيات مدنية في سورة مكية، وآيات مكية في سورة مدنية، أي أن هناك آيات أنزلت في المدينة ولكنها ألحقت بسور مكية وآيات أنزلت في مكة ولكنها ألحقت بسور مدنية.

ففي سورة القصص - وهي مكية - آية نزلت بالجحفة في أثناء الهجرة، وهي قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] وآية في سورة محمد - وهي مدنية - نزلت في الطريق أثناء الهجرة، وهي قوله تعالى:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد: 13] وآية في سورة البقرة نزلت بمنى

ص: 91

في حجة الوداع، وهي قوله تعالى:{وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] .

والذي يُلفت النظر أن مكان نزول الآية لم يكن هو الذي حدد موضوعها في المصحف، الآية الأخيرة من سورة المزمل المكية:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل:20] ، تنزلت في المدينة ثم أُلحقت بسورةٍ مكيةٍ قبل ذلك بعشر سنوات أو أكثر.

إن هذا الانتخاب والتداخل إنما يدل على شيء واحد ألا وهو الوحدةُ الموضوعية لكثير من سور القرآن.

وقد تكلم على الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم أئمةٌ يُعتد بكلامهم، منهم الإمام الشاطبي حيث قال:"إن بعض سور القرآن الكريم لكل سورة منها موضوعٌ واحد والبعض الآخر له أكثر من موضوع"(1)

وصنف الإمام المفسر برهان الدين البقاعي (ت:885هـ) كتاباً وَسَمه بـ (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) أثبت فيه أن القرآن وحدةٌ مترابطة، وأن هذه الوحدة تسري بين سُوره وآياته؛ وقال في المقدمة:

"إن اسم كل سورة مُتَرجِم عن مقصودها؛ لأن اسم كل شيء يُظهر المناسبةَ بينه وبين مسماه، عنوانُه الدالُّ إجمالاً على تفصيل ما فيه

فأذكر المقصود من كل سورة، وأربط بينه وبين اسمها وأفسر كل بسملة بما يوافق مقصود السورة" (2) .

(1) الشاطبي، الموافقات 3/279.

(2)

البقاعي، نظم الدرر 1/18- 19.

ص: 92

ولو تتبعنا العلماء المعاصرين لوجدناهم قد انتهوا إلى إثبات الوحدة الموضوعية في كل سورة من سور القرآن.

يقول محمد عبد الله دراز وهو يتعرض لإعجاز القرآن:" وإن هذه المعاني تتسق في السورة كما تتسق الحجرات في البنيان

بل إنها لتلتحم فيها كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان، فبين كل قطعة وجارتها رباط موضعي من أنفسها، كما يلتقي العظمان عند المفصل

ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين، وتؤدي بمجموعها غَرضاً خاصاً " (1) .

ولو تأملنا صنيع سيد قطب في تفسيره في ظلال القرآن لوقفنا بأنفسنا على الترابط والتلاحم بين أجزاء السورة الواحدة، يقول عن سورة البقرة:

"هذه السورة تضم عدة موضوعات، ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد "(2) ويقول عن سورة آل عمران:" ألا إنّ لكل سورة من سور القرآن شخصيتها الخاصة وملامحها المميزة ومحورها الذي تشد إليه موضوعاتها جميعاً"(3) .

إن ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر كَتَبَة الوحي بكتابة الآية في موضعها ويقول لهم: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا (4) .

(1) دراز، محمد عبد الله، النبأ العظيم 154-155.

(2)

سيد- قطب، في ظلال القرآن 1/28.

(3)

المصدر السابق 1/555.

(4)

السيوطي، الإتقان في علوم القرآن ج1 ص60.

ص: 93

عن عثمان بن أبي العاص قال: "كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه، ثم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من هذه السورة {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} (1) .

إن جمع القرآن أي كتابته عن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في اللحظة الأولى لتنزّل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما اتفقا على تكليف زيد بن ثابت بجمع القرآن وتتبعه من العسب واللِّخاف، وصدور الرجال. وقد راعى زيد بن ثابت الدقة والتثبت في الكتابة والجمع فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة (2) .

(1) أخرجه أحمد (4/218) وإسناده حسن.

(2)

مناع القطان، مباحث في علوم القرآن 126.

ص: 94