المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحج: وفي صفحة 29 (من المذكرة) الفقرة الأخيرة يقول كاتب الموسوعة - رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

[موسى البسيط]

الفصل: ‌ ‌الحج: وفي صفحة 29 (من المذكرة) الفقرة الأخيرة يقول كاتب الموسوعة

‌الحج:

وفي صفحة 29 (من المذكرة) الفقرة الأخيرة يقول كاتب الموسوعة العبرية: "الحج لمكة في الجاهلية نَقَله محمد صلى الله عليه وسلم للإسلام، ورغم صياغة مضمون جديد لعادة الحج الجاهلية، إلا أنّ مناسك الحج الجاهلية لم تتغير تقريباً في الإسلام، فبقيت هذه العبادة موروثاً وثنياً غريباً في الإسلام، وكل فترة تُسمع أصوات متنكِرة لهذه العبادة - خاصة لمس الحجر الأسود أو تقبيله - مثل استهجان عمر بن الخطاب لهذه العادة بقوله: (لولا أنّي رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك) ".

وفي صفحة (30) الفقرة الثالثة (من المذكرة) يقول:

"هناك من حاول إيجاد تفسير تأويلي للحج إلى الكعبة، وكان ثمّة من عارض تنفيذ ركن الحج معارضة واضحة مع تطبيقه باقي الأركان".

ونقول: إنّ البيت العتيق الذي يحج المسلمون إليه هو أول بيت أقيم في الأرض لعبادة الله، وبانيه هو الخليل إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وهما الرسولان الكريمان اللذان جعل الله من ذريتهما هذه الأمة المسلمة:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: 127-128] .

إن دعوة إبراهيم هي دعوة التوحيد، وإبراهيم أبو الملة الحنيفية، وإننا نحن أمة الإسلام تربطنا بإبراهيم رابطة العقيدة: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن

ص: 41

كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:67-68] .

ولما كان البيت الحرام بمكة بهذه المنزلة وقد شهد الله بأنه بيت الله أقيم في الأرض {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96] فقد فرض تعالى القصد إليه وتعظيمه فقال: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وأهم أعمال الحج بعد الإحرام إنّما هي الطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة في نهار التاسع من ذي الحجة. وكان كثير من هذه الأعمال في حج الجاهلية توارثوها عن ملة إبراهيم عليه السلام، ولكنهم خلطوا حقاً بباطل، فحرفوا الحج عن وجهته وملؤوا بيت الله الحرام بالأوثان والأصنام واتخذوها آلهة تقربّهم إلى الله، ومارسوا أنواع العبادة لها

فلما جاء الإسلام نظف ونقى الحج الذي هو من شعائر الإسلام التي دعا إليها إبراهيم عليه السلام، وأمره الله تعالى بأن يؤذن في الناس بالحج:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] . نظفه من ضلالات الجاهلية وأدرانها، إذن الحج ليس موروثاً وثنياً وإنما هو موروث توحيدي حنيفي يعود إلى ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، إنّه لا ضير على الإسلام أن يُبْقِي الصالح من تقاليد العرب وشرائعهم التي ورثوها من إبراهيم، وهو بذلك يقرر وحدة الدين وامتداد نسبه في أعماق التاريخ السحيق.

ويحلو للكاتب أن يغمز الإسلام في عبادة الحج بأنها بقية من وثنية العرب.

ص: 42

إنّ هذه الأقوال من كاتب الموسوعة مجانبة للصواب بعيدة عن العلمية، والمسلم الذي يطوف بالكعبة أو يستلم الحجر يعتقد اعتقاداً جازماً، أنها جميعاً أحجار لا تضر ولا تنفع وأننا نطوف ونقبّل الحجر؛ إتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء حرباً على الوثنية.

وعبادةُ الحج بكل مناسكها تدعو إلى التوحيد.

إن العبادات في الإسلام ذات مقصد عظيم هو الامتثال لله وطاعته فيما أمر، الحجُّ من أكثر العبادات الإسلامية اشتمالاً على الأمور التعبدية التي لا تُعْرف حكمتُها التفصيلية على وجه التأكيد، إنّ الآية الكريمة تعلّل هذه العبادة بقولها:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28] .

وعبارة "منافع لهم" مختصرة موجزة تحتها تفصيل يمكننا جعله في نقاط:

أولاً: أنّ للحج آثاراً في النفس والضمير فيعود المسلم أصفى قلباً وأطهر مسلكاً وأقوى عزيمة على الخير.. وكلما كان حجه مبروراً خالصاً لله كان أثره في حياته يقيناً لا ريب فيه، بل إنّ هذه الشحنة الروحية العاصفة.. تعيده كأنما هو مولود جديد.. (1) .

ثانياً: أنّ الحج فيه توسيعٌ لأفق المسلم الثقافي، كما أن فيه درْبة له على تحمّل المشاق وتربية المسلم على احتمال الشدائد والصبر على المكاره ومواجهة المصاعب.

ثالثاً: في الحج جانب مادي هو تبادل المنافع التجارية على نطاق واسع بين المسلمين.

(1) القرضاوي، نظام الإسلام 286-292.

ص: 43

رابعاً: يتجلّى في الحج معنى المساواة في أجلى صوره، لا فرق بين غني وفقير أو حاكم ومحكوم، ولا بين أبيض وأسود.

خامساً: الحج مؤتمر عالمي يتيح للمسلم أن يجتمع بالمسلم مهما كانت جنسيته أو قوميته، وقد عرف علماء الإسلام قيمة هذا المؤتمر فاتخذوا منه مناسبة لتبادل الآراء والمعارف والأفكار.

إنّ التاريخ البشري لم يحفظ معارضاً واحداً يعارض تنفيذ ركن الحج معارضة واضحة، فهل لكاتب الموسوعة أن يَنْبِس ولو بواحد؟

وصنيع عمر رضي الله عنه حين قبّل الحجر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنّما يُجسّد قمة الولاء والإتباع للحق، ممثلاً بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من وحي رباني.

إنّ ركن الزكاة وجد معارضة في تنفيذه عند مرتدة العرب، على عكس فرض الحج الذي يُجمِع عليه حتى الجاهليون الذين ورثوه من إبراهيم عليه السلام.

ص: 44