الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التميز في الشخصية:
"وفي (المجلد 22) الصفحة (1012) يقول كاتب الموسوعة:
"إن محمداً "عليه السلام" تقرب من اليهود بصوم عاشوراء وتحديد القدس قبلة للمسلمين بهدف نيل دعْم اليهود واعترافهم به نبياً، وهذا من شأنه أن يزيد من اعتناق الناس للإسلام".
وفي ج22 (ص1012) قال: "وعندما رفضوا دعوته غيّر القبلة".
وقال: "كان اليهود مشمولين بالاتفاق الذي كان بين محمد وأهل المدينة بالفعل، ولكي يحصل محمد على تأييد لمكانته كنبيّ ألبس أقواله لباساً بسبب رغبته أن يعطي لأقواله الاستمرارية مع أقوال الأنبياء الذين سبقوه!
لذا جعل محمد القدس قبلة الصلاة كما أنه طبّق الصوم اليهودي وحدّد ساعات بعد الظهر من يوم الجمعة كيوم الصلاة الأسبوعية الجماعية".
ونقول:
إن ديانة الإسلام منذ اللحظة الأولى من استقرارها في المدينة حرصت على تميز المسلم في تصوره وسلوكه وأسلوب حياته، حتى إن هذا التميز صِيغَ صياغة قانونية، فمذ وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عقد معاهدة بين المهاجرين والأنصار واليهود وهي معاهدة واضحة (1) ففي البند الأول منها:"أنهم - أي المؤمنين المهاجرين والأنصار أهل يثرب - أمة واحدة من دون الناس" تربط أفرادها رابطة العقيدة وليس الدم، فولاؤهم لا للقبيلة، ولا بد من تميز هؤلاء
(1) انظر نص الوثيقة ضمن مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة لمحمد حميد الله ص47.
على غيرهم، ويتضح هذا التميّز بالاتجاه نحو الكعبة بعد أن اتجهت الجماعة المسلمة ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس.
ومضى النبي صلى الله عليه وسلم يميّز أصحابه وأتباعه عن سواهم في أمور كثيرة، ويوضح لهم أنه يقصد بذلك مخالفة أهل الكتاب "اليهود" ومما أمر رسول الله صحابته بالمخالفة فيه:
أن اليهود لا يصلّون بالخف، فأذن النبي لأصحابه أن يصلوا بالخف (1) .
واليهود لا يصبغون الشيب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يغيروا الشَّيب بالحناء والكتم (2) .
واليهود يصومون عاشوراء، والنبي صلى الله عليه وسلم يصومه لكنه اعتزم آخر حياته أن يصوم يوماً قبله مخالفة لهم (3) .
ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ عاماً في التعامل مع اليهود تصوراً وسلوكاً وأسلوب حياة، هذا المبدأ هو (لا تشبهوا باليهود)(4) .
إنّ التميّز بصفات وتصورات وسمات لا يقف حائلاً أمام التعامل الإنساني والتبادل المعرفي؟ فالإسلام وعاء انصهرت فيه كثير من الثقافات، وأمكنه
(1) رواه أبو داود في سننه (1/302) ح652، صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود (1/193) للشيخ الألباني.
(2)
رواه الترمذي في سننه (3/359،358) ، رقم (1752و1753، وقال في الموضعين:"حديث حسن صحيح".
(3)
رواه أحمد (2/57) وهذا صححه على شرط الشيخين، شعيب ومن معه في تحقيق المسند انظر (9/174) ح5203، ولكنه ليس فيه ذكر المخالفة، إنما جاء فيه أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء..)
(4)
رواه أحمد (1/165، 2/356) والترمذي (2695)، وقال: هذا حديث إسناده ضعيف، لكنه حسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/77) برقم 2695 وفي الصحيحة برقم 9421.
احتواء أتباع من العالم كله بمختلف منابتهم ومشاربهم، والإسلام لا يمنع أحداً من اعتناقه إذا ما قبل به ديناً.
إنّ للمسلم ثقافته التي يحرص عليها ولا يتنازل عنها، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى بيت المقدس ليخطب ودّ يهود أو يصوم عاشوراء تقرباً لدينهم، كلا وإنما هي أوامر يتلقاها المصطفى صلى الله عليه وسلم بالوحي من ربه ولقد كانت الموافقة في بدايات التشريع، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (1) .
وكان هذا متقدماً ثم نُسخ بعد ذلك، وشرع له مخالفة أهل الكتاب، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سدل شعره موافقة لهم (2) ، ثم فرق شعره بعد.
قال ابن تيمية: "وهذا كما أن الله شرع في أول الأمر استقبال بيت المقدس موافقة لأهل الكتاب، ثم أنه نسخ ذلك وأمر باستقبال الكعبة، وأخبر عن اليهود وغيرهم أنهم سيقولون: {مَا وَلَاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة:142] وأنهم لا يرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتّبع قبلتهم"(3) .
أمّا صيامه صلى الله عليه وسلم عاشوراء: فقد ثبت أنه كان يصومه قبل الحديث مع اليهود بشأنه، بل إن قريشاً كانت تصومه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض صوم شهر
(1) البخاري (4/230) مسلم (2545رقم 90) أحمد (1/320،5278) .
(2)
مسلم 1818.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (173) .
رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه" (1) وحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق بموسى منكم" (2) قالها تأكيداً لصومه وبياناً أنّ الذي تفعلونه من موافقة موسى نحن أيضاً نفعله، فنكون أولى بموسى منكم"(3) .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (173) .
(2)
البخاري رقم (5404،2002) ، مسلم (ص796،793)
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (173) .