الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لك أنشأتَ الكونَ فأبدعتَ، وخلقتَ الخلقَ فأحسنتَ، مهدتَ الأرضَ ورفعتَ السماءَ، وأقمتَ الأعلامَ، وأجريتَ الماءَ، وشكراً لك على ما هديتنا إلى المحجة البيضاء، والصراط السواء، وصلاة وسلاماً منك على رسولك الجامع لشتات الجامعة، من الأقطار الشاسعة، وآله وأصحابه، وأتباعه وأحبابه.
وبعد، فأخبركم سادتي، وكلكم خبير بثمرات التجول في الأقطار، وملازمة عصا التَّسيار. هو السفر طالما أسفر عن عجائب، وهو الترحال كثر ما أعرب من غرائب، يدرِّبُ الإنسان ويشحذ الأذهان، وجدير بمن تحمَّل رعائبه، أن ينال رغائبه، ولو لم يكن نعمة عظمى لما منَّ سبحانه على أمَّة قريش بإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فآمن من خوفهم، وأطعم من جوعهم.
وقد انتبه لفوائده أمة أوروبا فساحوا في الأقطار، وجاسوا خلال البلاد والديار. فمنهم المشرِّقُ ومنهم المغرِّبُ، يتسنمون نجداً، ويتحدرون غوراً، دائبين على استكشاف البقاع ومعرفة أحوال الأمم على اختلاف طبائعها وعوائدها، فحصلوا من ذلك
على ما أكسبهم المعرفة، وأزال عنهم الجهالة، وأوسع من نطاق علمي الجغرافيا والتاريخ اللذين هما أساس التمدن ومركز دائرة المعارف. ولم يألُ كل سائح منهم جهداً في تقييد ما شاهده من البلدان، واستكشفه من أحوال أهلها المادية والأدبية، حتى صارت مؤلفاتهم في ذلك عدداً عديداً، فمنها ما هو ضمن كتب مستقلة، ومنها ما هو طي الجرائد اليومية، تسهيلاً للمطالعين، وتثقيفاً لعقولهم، فلست ترى عائلة أوروبية إلا ولديهم مجموع عظيم من ذلك، يجلبون بمطالعته أنسهم، ويوسعون بذكره دائرة أفكارهم.
ولما مَنَّ الله على الضعيف بالرحلة إلى بلاد أوروبا، والمكث في مدينة برلين عاصمة الإمبراطورية الألمانية لاكتساب الفنون والعلوم، رأيت من طبعي نزوعاً إلى السياحة والتَّجَوُّل في بلاد ألمانيا مدة المسامحة لأتعرّف أحوال أمَّته المعاشية
والأدبية، تطبيقاً للعلم على العمل، وتأكيداً للسماع بالنظر. وقد أكرمتني لذلك نظارة المعارف المصرية الجليلة بمدِّ يدِ المساعدة، حيث شملتني عناية مؤسس دعائمها قديماً وحديثاً سعادة وزيرها الأفخم علي مبارك باشا لازالت أبناء المعارف تبتسم عن شكر أياديه، ولا بَرِح الإقبال طوع أيديه.