الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحيث تصنع ضلعاً أكبر مقابلاً لزاوية منفرجة أحد ضلعيها الجبل، والآخر المنحدر، وتصعد عليها العربة بواسطة حبال، تسحبها آلة بخارية في أعلى الجبل، ومذ صعدنا ألفينا حرشاً صغيراً مستوراً بالأشجار، وحوله الجبال شامخة، وشمنا غديراً ينصبُّ من أعلى كشلال، ويتكسر على الصخور بقوة عظيمة، حتى يصب في تلك البحيرة المذكورة صانعاً عليها قوساً منحنياً، ويسمى الجبل الذي ينحدر منه ذلك الغدير بالقرن الأسود، وارتفاعه عن سطح البحيرة 350 متراً وكلمة جيسباخ معناها (الغدير المنصَبّ).
إلى لوتسرن
هذا ولما انتعشت منا الخواطر بحسن تلك المناظر، مددنا يد الوداع راجين عودة التلاق بعد ذلك الفراق، فبارحت ذلك الموضع قاصداً مدينة لوتسرن وبينما ينهب القطار الأقطار إذا رأيت من نفسي بعض توعك فعرجت على قرية وسط الطريق تدعى ميرنجن ونزلت بأوتيل بها صغير قد أقيم من الأخشاب، دعوني سادتي أصف لكم قاعاته التي ما وجدت أطرب منها مدة حياتي، تميل حيطانها ولا تمايل الأغصان، إذا تحرك به الإنسان، فهي في الواقع كما قيل في وصف المثيل.
تُسارِرُها هَفَوات النسيم
…
فتصْغي بلا أذن سامعة
وأخشى بها أن أقيم الصلاة
…
فتسجد حيطانها الراكعة
إذا ما قرأتُ إذا زلزلت
…
خشيت بأن تقرأ الواقعة
أما سرر النوم فتزدري بالصخور صلابة، وقد امتلأ قلبها قساوة، بألحفة قد صنعتها يد البخل والقل، وعلى قدرها تُمَدُّ الأرجل، وبالجملة فقد قضيت بها الليلة ما كان أهناها وأصفاها وأبهاها وأحلاها، ليلة ولا كليلِ صُولٍ على حُنْدُج حيث قال وهو من شعراء الحماسة:
في ليلِ صُولٍ تناهى العرضُ والطولُ
…
كأنما ليله بالليل مَوْصولُ
لا فارقَ الصبح كفِّي إن ظَفِرْتُ به
…
وإن بدت غُرَّة منه وتَحجيل
ومذ انفلق عن طولها الفجر بعدما نفد الصبر، ولاح الصباح، ولمع من الطير الجناح نزلت تلك القرية لأخبر شأنها فأرتني منها مناظر حسنة، حيث هي في وادٍ عظيم يشقه نهر آر وتتشعب فيه غدران وجداول، ولمحت من بعد جبلاً قد تعَرَّض، فقصدته حتى إذا قربت الخطوة منه شاهدته جبلاً قد انشقَّ قسمين من أعلاه إلى أسفله، وقد جرى بينهما آر المذكور بقوة عظيمة وهيئة عجيبة فسرتني رؤيته لاسيما ما صنعته يد الإنسان فيه، حيث أقاموا بين ذلك الشق طريقاً من الحديد لها حواجز تسهيلاً للمتفرجين، فصعدت عليها ضمن الصاعدين، وسرنا والنهر يجري تحت أرجلنا، ونحن بين جبلين يكادان يتعانقان حتى خرجنا إلى طريق أخرى مكبرين