الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ارتفاع ذلك الجبل عن سطح البحر المحيط فهو 1800 متر وعن سطح البحيرة المتقدم ذكرها 1363 متراً، ويطرق هذا الجبل كثير من الغرباء لحسن موقعه، وجمال منظره ويبيتون بذروته في أوتيلات إلى الصباح كي ينظروا محاسن الطبيعة عند شروق الشمس، ولما كنت خبيراً بحسن إشراقها، وجمال أشعتها أيام عهدي بالوطن العزيز قصدت النزول والانحدار إلى نقطة أخرى، فقلتني ضمن السياحين عربة بخارية كالسابقة وانحدرت بنا، وكل يجد من نفسه كأنه يميل إلى الوقوع، لا سيما مذ تعرض لنا في الطريق مَهْوى عميق، سارت العربة فوقه على قضبان كأنها الجسر، وينحدر فيه غدير انحداراً قوياً، وعرض ذلك المهوى 36 متراً.
ولا تسلني عن السيدات والأطفال وقتئذ، وقد استمسك كل بالآخر يضحكهم الخوف ويطربهم الفزع، ولم نزل نعجب ونطرب حتى استقامت لنا السبيل، فنزلنا في بلدة
يقال لها أرت ومنها إلى قطار سار بنا على عجل قاصدين مدينة تسوريخ مركز الفنون والصنائع.
استقبال في تسوريخ
فنزلت بها، وقد آذنت الشمس بالغروب، وبت بها ليلتئذ متفكراً في أعمال الوسائط التي تمكنني من مشاهدة مدارسها، واستكشاف أحوالها، وطرق تعليمها، ولما أصبح الصباح علمت أن بهذه المدينة مكتباً أقامته الحكومة والأهالي للغرباء الذين يريدون الاستفهام عن الأحوال التجارية أو الصناعية
أو العلمية، فقصدته حتى إذا كنت به اتجهت إلى حضرة مديره، وسألته عن الوسائط في ذلك، فلم يزدني علماً إلا بمواقعها من المدينة، فتشكرت له وأردت الخروج، فطلب مني تذكرة زيارتي لتقييد اسمي في دفتر كعادتهم مع الغرباء، فناولته إياها، ومذ قرأها انتصب قائماً يطلب مني العفو، وأجلسني بجانبه قائلاً: لقد كانت رؤياك إحدى أمانيَّ، حيث سمعت بوجودك ببرلين، وإني أحمد الله عليه الآن، فقدمت له جزيل شكري، وجميل ممنونيتي.
ومذ دار بيننا الحديث بشأن مشاهدتي للمدارس أجابني بالقبول.
وبالجملة فقد مكثت بتلك المدينة خمسة أيام صحبني فيها حضرته، وبعض من مفتشي المدارس ونظارها وكثير من المعلمين وناظر محطة المدينة، ولازمني أغلبهم حين مشاهدتي للمحلات العمومية.
وكتبوا في جرائدهم بقدومي ومبارحتي، وأعدوا لي وليمة قام فيها أغلبهم خطباء، ثم شربوا كؤوسهم على صحة مولاي الجناب الخديو الأعظم، فقمت متشكراً لهم رافعاً يدي قائلاً: ليدم تحالفكم وأمراؤكم مراراً ولما شِمْت أني مغمور بفضائلهم أعددت لهم وليمةً قمت فيها خطيباً مظهراً فخارهم، وأبهة حكومتهم، وتقدمهم في العلوم والصنائع.