المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٢

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الخامس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

‌الفصل الخامس عشر فيما تتوقف عليه الأحكام

(1)

ش: الألف واللام في الأحكام للحوالة (2) المتقدمة في فصل الحكم الشرعي في قوله: (واختلف في أقسامه فقيل: خمسة: الوجوب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإِباحة).

وإلى تلك الأحكام الخمسة أشار بالألف (3) واللام، وهي الأحكام التكليفية

قوله: (وهو ثلاثة: السبب، والشرط، وانتفاء المانع).

قال المؤلف في الشرح: لا يوجد متوقف عليه وهو كمال ما يتوقف عليه [إلا أحد هذه الثلاثة، والعقليات والشرطيات (4) والعاديات، وقولي: وهو كمال ما يتوقف عليه](5) احترازًا من جزء السبب، وجزء الشرط بخلاف جزء المانع لا يتوقف على انتفائه؛ بل يكفي انتفاء تلك الحقيقة، ويكفي في انتفائها

(1) انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 78 - 85، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32 - 35، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 69 - 75.

(2)

في ط: "للحوالة على الأحكام".

(3)

في ز: "أشار المؤلف بالألف

إلخ".

(4)

في ط: "والشرعيات".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

ص: 65

جزء من أجزائها؛ إذ لو كان الجزء أيضًا مانعًا لكان ذلك موانع لا مانعًا (1)(2).

[مثال جزء السبب: بعض النصاب في الزكاة.

ومثال جزء الشرط: بعض الحول في الزكاة أيضًا] (3).

قوله: (وهو (4) ثلاثة) يعني: كاملة، وإلا فهي خمسة باعتبار الجزئين (5) المذكورين.

قوله: (وهو (6) ثلاثة) حصر المتوقف (7) في الثلاثة إنما هو من حيث الكمال لا من حيث الجزئية، وذلك أن الحكم يتوقف أيضًا (8) على جزء سببه وعلى جزء شرطه، كما (9) يتوقف على كمال السبب والشرط، بخلاف جزء المانع، فإن الحكم لا يتوقف (10)[على انتفائه، فلو توقف](11) على انتفائه لزم أن يكون الباقي مانعًا مستقلاً.

مثاله: القتل العمد العدوان مانعًا من الميراث، فإذا عدم الوصفان أو عدم أحدهما ثبت الميراث.

(1) في ز وط: "انتهى نصه".

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(4)

في ز: "وهي".

(5)

"الجزئين" ساقطة من ط.

(6)

في ز: "وهي".

(7)

في ط: "التوقف".

(8)

في ط: "الحكم أيضًا يتوقف".

(9)

"كما" ساقطة من ط.

(10)

في ط: "فإنما يتوقف".

(11)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

ص: 66

وسبب ذلك أن توقف الحكم على السبب والشرط، إنما هو من حيث الوجود، فلا توجد الحقيقة (1) إلا (2) بوجود جميع أجزائها، وتوقف الحكم على المانع إنما هو من حيث العلم، وعدم الحقيقة يصدق بعدم جزء واحد من أجزائها، يعني: أن الحكم التكليفي يتوقف على الحكم الوضعي، فالمتوقف هو: الأحكام التكليفية والمتوقف [عليه](3) هو الأحكام الوضعية؛ لأن كل حكم تكليفي لا بد له من سبب وشرط وانتفاء مانع، فإذا وجدت الأسباب والشروط وانتفت الموانع: وجب وقوع الحكم لدلالة تلك الأدلة على وقوعه، وإذا عدمت الشروط أو وجدت (4) الموانع: سقط وقوع الحكم لدلالة تلك الأدلة على سقوطه، وإن عدمت (5) الأسباب: سقط وقوع الحكم لعدم الدليل على وقوعه.

ومثال ذلك: أن تقول (6) مثلاً: الزوال سبب لوجوب الظهر، والبلوغ شرط فيه، والحيض مانع منه، فإذا وجد الزوال والبلوغ وانتفى الحيض وجبت (7) صلاة الظهر، وإن عدم البلوغ أو (8) وجد الحيض: سقط وجوب

(1)"الحقيقة" ساقطة من ز.

(2)

"إلا" ساقطة من ز.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

في ط: "ووجدت".

(5)

في ز: "عدم".

(6)

في ط: "نقول".

(7)

في ط: "وحيث".

(8)

في ط: "ووجد".

ص: 67

صلاة الظهر، وإن عدم الزوال سقط وجوب الظهر أَيضًا.

ومثال آخر (1): أن تقول (2) أيضًا (3): رؤية الهلال سبب لوجوب صوم شهر رمضان، والإقامة والقدرة شرط، والحيض مانع، فإذا وجدت الرؤية، والإقامة، والقدرة، وعدم الحيض: وجب الصوم، وإذا عدم الإقامة بسفر، وعدمت (4) القدرة بمرض أو وجد الحيض: سقط وجوب الصوم، وإن عدمت الرؤية: سقط الوجوب.

ومثال آخر أيضًا: أن تقول (5): وجود (6) النصاب سبب لوجوب الزكاة، ودوران الحول شرط في وجوبها، والدين مانع لوجوبها، فإذا وجد النصاب ودوران الحول وعدم الدين وجبت الزكاة، وإذا عدم دوران الحول أو وجد الدين سقطت الزكاة، وكذلك إذا عدم النصاب

قوله: (فإِن الله تعالى شرع الأحكام وشرع لها (7) أسبابًا وشروطًا وموانع).

ش: يعني بالأحكام ها هنا: الأحكام (8)[التكليفية](9) الخمسة.

(1) في ز: "آخر أيضًا".

(2)

في ط: "نقول".

(3)

"أيضًا" ساقطة من ز.

(4)

في ز وط: "أو عدمت".

(5)

في ط: "نقول".

(6)

في ز: "وجد".

(7)

في ز: "بها".

(8)

"الأحكام" ساقطة من ط.

(9)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"التكليفات".

ص: 68

قوله: (وشرع لها) أي: شرع لوقوعها في الوجود أسبابًا وشروطًا وموانع.

قال أبو حامد الغزالي في المستصفى: لما انقطع الوحي وعسر على الخلق معرفة خطاب الله تعالى في كل حال أظهر الله تعالى (1) خطابه [بنصب الأسباب (2)](3).

قوله: (وورود خطابه على قسمين: خطاب تكليف يشترط فيه علم المكلف، وقدرته، وغير ذلك كالعبادات).

ش: هذا تفصيل الحكم الشرعي الذي حده المؤلف بخطاب الله تعالى (4) القديم في الفصل الثالث عشر، فذكر ها هنا أن ورود خطاب الله تعالى (5) في الشريعة منحصر (6) في (7) قسمين وهما (8):

خطاب التكليف.

وخطاب الوضع.

(1)"تعالى" لم ترد في ط

(2)

يقول الغزالي في المستصفى (1/ 93): اعلم أنه لما عسر على الخلق معرفة خطاب الله تعالى في كل حال لا سيما بعد انقطاع الوحي أظهر الله سبحانه خطابه لخلقه بأمور محسوسة نصبها أسبابًا لأحكامه وجعلها موجبة ومقتضية للأحكام على مثال اقتضاء العلة الحسية معلولها.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

"تعالى" لم ترد في ط.

(5)

"تعالى" لم ترد في ط.

(6)

في ز: "ينقسم"

(7)

في ز: "إلى".

(8)

"وهما" ساقطة من ط.

ص: 69

فمعنى خطاب التكليف: ما كلف الله تبارك (1) وتعالى به عباده.

ومعنى خطاب الوضع ما وضعه الله تبارك وتعالى دليلاً وعلامة لوقوع الأحكام الشرعية ولم يكلف به عباده.

وخطاب التكليف محصور في خمسة أشياء وهي: الوجوب، والتحريم والندب، والكراهية، والإباحة.

وخطاب الوضع محصور في خمسة أشياء أيضًا وهي: الأسباب، والشروط، والموانع، والتقادير الشرعية، والحجج عند القضاة.

وسيأتي بيان جميع ذلك مع حروف (2) الكتاب [وزاد سيف الدين ثلاثة وهي: الصحة، والبطلان، والرخصة، فخطاب الوضع إذًا ثمانية](3).

قوله: (خطاب تكليف)[سمي](4) هذا الخطاب بخطاب (5) التكليف مأخوذ من الكلفة والمشقة، وهي توقع العقوبة الربانية، ولكن لا يوجد ذلك إلا في ترك الواجب وفعل المحرم، ولا يوجد ذلك في الأحكام الثلاثة الباقية، وهي: الندب، والكراهة، والإباحة؛ ولأجل ذلك نقول: الصبي غير مكلف وإن كان مندوبًا إلى الصلاة والحج على الأصح.

وإنما أطلق خطاب التكليف على الجميع تجوزًا وتوسعًا، فغلب البعض

(1)"تبارك" لم ترد في ز.

(2)

في ط: "معروف".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل، وانظر: الأحكام للآمدي 1/ 130، 131.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"يسمى".

(5)

في ز: "خطاب".

ص: 70

على البعض على جهة التوسع، قاله المؤلف في الشرح (1).

وهذا على (2) القول المشهور: أن الأحكام الثلاثة التي هي (3): الندب والكراهة، والإباحة لا تكليف فيها، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني (4): إن هذه الأحكام (5) الثلاثة تكليفية (6).

قالوا: هذا الخلاف لفظي، وذلك [أنه إن أريد] (7) بالتكليف: ما لا يتخير (8) فيه بين الفعل والترك (9) فالأحكام (10) الثلاثة لا تكليف فيها كما قال الجمهور، وإن أريد (11) بالتكليف: وجوب اعتقاد كون المندوب مندوبًا، وكون

(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79، وانظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(2)

في ز: "وعلى هذا"، وفي ط:"وهذا القول".

(3)

"التي هي" ساقطة من ط وز.

(4)

هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، ولد حوالي سنة 338 هـ، الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي، جمع أشتات العلوم وبلغ رتبة الاجتهاد، رحل إلى العراق وخراسان، وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور، توفي رحمه الله بها ودفن بإسفراين سنة ثماني عشرة وأربعمائة (418 هـ)، من مصنفاته: الجامع، وتعليقة في أصول الفقه.

انظر: طبقات الشافعية لابن السبكي 4/ 256، وفيات الأعيان 1/ 28، شذرات الذهب 3/ 209، مفتاح السعادة 2/ 321، تبيين كذب المفتري ص 244.

(5)

"الأحكام" ساقطة من ط.

(6)

انظر نسبة هذا القول لأبي إسحاق في الأحكام للآمدي 1/ 121، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ط، وفي الأصل:"أنه أريد به"، وفي ز:"أنه إذا أريد".

(8)

في ز: "يتخير".

(9)

في ط: "الترك والفعل".

(10)

في ط: "فإن الأحكام".

(11)

في ط: "أراد".

ص: 71

المكروه مكروهًا، وكون المباح مباحًا فالأحكام الثلاثة تكليفية كما قاله (1) أبو إسحاق الإسفراييني.

فالخلاف إذًا في اللفظ لا في المعنى؛ إذ لا خلاف بين القولين في المعنى.

قوله: (يشترط فيه علم المكلف وقدرته وغير ذلك كالعبادات).

ش: يعني أن خطاب التكليف الذي كلف الله به عباده يشترط فيه: أن يكون المكلف عالمًا (2) بأنه كلف (3)، أما إذا لم يعلم أنه كلف به فإنه معذور.

فإن من (4) فعل محرمًا غير عالم بتحريمه أو ترك واجبًا غير عالم بوجوبه فلا إثم عليه، [ومن وطئ امرأة يظن أنها زوجته، أو شرب خمرًا يظن أنه خل فلا إثم عليه](5) بالإجماع (6)؛ لعدم العلم؛ إذ العلم شرط في التكليف.

والدليل على أن العلم شرط في التكليف: قوله تبارك وتعالى (7): {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (8)، نفى التعذيب حتى يحصل العلم بالتبليغ.

(1) في ز: "قال".

(2)

"عالمًا" ساقطة من ز

(3)

في ط: "كلف به".

(4)

"من" ساقطة من ط.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقطة من ط.

(6)

في ز: "بإجماع".

(7)

"تبارك وتعالى" لم ترد في ط.

(8)

سورة الإسراء آية رقم (15).

ص: 72

وقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (1).

فهذا يدل على أن الحجة تكون للخلق من جهة الجهل [بعدم](2) التبليغ (3).

وقوله: (وقدرته) يعني: أن المكلف يشترط أيضًا أن يكون قادرًا على ما كلف به (4)؛ إذ العاجز غير مكلف إجماعًا.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} (5).

فهذه الآية تدل على اشتراط (6) العلم والقدرة (7) في التكليف، فلو كلف الإنسان بما لا يعلمه، أو كلف بما لا يقدر عليه لكان تكليفًا بغير الوسع، والله (8) تعالى لا يكلف بغير [الوسع](9) وهو المقدور عليه (10).

وقوله: (وغير ذلك) الإشارة [تعود](11) على الاثنين وهما: العلم

(1) سورة النساء آية رقم (165).

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(4)

"به" ساقطة من ط.

(5)

سورة البقرة آية رقم (286).

(6)

في ز: "شرط".

(7)

في ز: "القدرة والعلم".

(8)

في ط: "فالله".

(9)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل:"الموسع" ولم يتضح في ط.

(10)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(11)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

ص: 73

والقدرة على حد قوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (1)، والمراد بهذا الغير: سائر الشروط التي تختص بكل عبادة؛ لأن كل عبادة لها شروط تختص بها.

مثال ذلك: اشتراط الزوال في وجوب الظهر، واشتراط الإقامة في وجوب الجمعة ووجوب الصوم، واشتراط دوران الحول في وجوب الزكاة، واشتراط الاستطاعة في وجوب الحج وغير ذلك، وذلك كثير (2) مبسوط في كتب الفقه (3).

وقوله (4): (كالعبادات) هذا (5) مثال لخطاب التكليف، وتقدير الكلام: خطاب تكليف كالعبادات يشترط فيه (6) علم المكلف وقدرته وغير ذلك.

قوله: (كالعبادات) نحو: الصلاة والصيام والزكاة (7) والحج والجهاد.

قوله: (وخطاب وضع لا يشترط فيه شيء من ذلك).

ش: يقال له (8): خطاب وضع وخطاب (9) إخبار، سمي بخطاب

(1) سورة البقرة آية رقم (68).

(2)

"كثير" ساقطة من ط.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(4)

في ط وز: "قوله".

(5)

في ط: "هو".

(6)

في ز: "فيها".

(7)

"الزكاة" لم ترد في ز، ووردت في ط بعد الجهاد.

(8)

"له" ساقطة من ط.

(9)

في ط: "في خطاب".

ص: 74

وضع (1)؛ لأن الله تعالى (2) وضعه علامة لخطاب التكليف (3)، وسمي بخطاب إخبار؛ [لأنه لا طلب](4) فيه؛ لأن الله تعالى (5) لم يأمر به أحدًا (6).

قوله: (لا يشترط فيه شيء من ذلك) الإشارة تعود على الثلاثة المذكورة وهي: العلم، والقدرة، والغير.

لما بين القسم الأول الذي هو خطاب التكليف، تعرض ها هنا لبيان مقابله الذي هو خطاب الوضع، فذكر أنه لا يشترط فيه علم المكلف، ولا قدرته ولا غيرهما، وإنما لا تشترط هذه الشروط المذكورة في خطاب الوضع؛ لأن المكلف لم يكلف بهذا حتى يحتاج إلى العلم والقدرة أو غيرهما؛ لأن (7) معنى (8) خطاب الوضع أن يقول الشارع مثلاً: إذا رأيتم كذا فاعلموا أني حكمت بكذا.

قوله: (لا يشترط فيه) يعني في حله (9) على حذف مضاف، ويدل على هذا المحذوف، [قوله] (10): وهو الخطاب بكثير من الأسباب والشروط

إلى آخره.

(1) في ز: "الوضع".

(2)

"تعالى" لم ترد في ط.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 79، 80، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 32.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل:"لأن المطلب".

(5)

في ز: "تبارك وتعالى"، و"تعالى" لم ترد في ط.

(6)

زيادة في الهامش: "ولا نهى عنه كالميراث والزوال ودخول رمضان".

(7)

"لأن" ساقطة من ط.

(8)

في ط: "ومعنى".

(9)

في ز وط: "جله".

(10)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

ص: 75

قوله: (وهو الخطاب بكثير من الأسباب، والشروط، والموانع، وليس ذلك عامًا فيها).

ش: أي: ليس عدم اشتراط العلم والقدرة عامًا في جميع الأسباب والشروط؛ بل يشترط العلم والقدرة وغيرهما في بعض الأسباب، وقد بيّن ذلك بقوله بعد: وقد يشترط في السبب العلم كما سيأتي بيانه (1).

قوله: (وهو الخطاب بكثير من الأسباب إِلى آخره).

مثال الأسباب: نصب الزوال وقتًا للظهر.

ومثال الشروط: نصب الحول للزكاة (2).

ومثال الموانع: نصب الحيض مانعًا للصلاة والصوم، ونصب القتل والرق والكفر مانعًا من الميراث وغير ذلك.

والباء في قوله: (بكثير) بمعنى (3) مع؛ إذ لا يخاطب الإنسان بتحصيل الأسباب والشروط وانتفاء (4) الموانع وإنما يخاطب بالحكم عند حصولها.

قوله: (فلذلك (5) نوجب الضمان على المجانين والغافلين بسبب الإِتلاف).

[الإشارة تعود على قوله: لا يشترط شيء (6) من ذلك، أي: ولأجل عدم

(1) انظر (2/ 79) من هذا الكتاب.

(2)

في ط وز: "نصب الحول للزكاة، ونصب الطهارة للصلاة".

(3)

"بمعنى" ساقطة من ط.

(4)

"وانتفاء" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "ولذلك".

(6)

في ط: "فيه شيء".

ص: 76

اشتراط العلم والقدرة في خطاب الوضع نوجب الضمان على المجانين والغافين] (1)[بسبب الإتلاف](2)؛ [لأن المجنون أو الغافل (3)](4) أو النائم (5) إذا أتلف شيئًا: وجب عليه غرمه، وإن لم يكن عالمًا بما أتلفه (6) ولا قادرًا على التحرز من إتلافه (7).

قوله: (لكونه من باب الوضع الذي معناه أن الله تعالى (8) قال: إِذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني حكمت بكذا).

ش: هذا جواب عن سؤال مقدر كأنه يقول: إنما قلنا بثبوت الضمان على المجانين والغافلين من غير علمهم ولا قدرتهم على التحرز من (9) الإتلاف لكون هذا من خطاب الوضع الذي معناه في الشرع أن الله تعالى (10) يقول [لعباده](11): إذا وقع هذا الإتلاف [مثلاً](12) فاعلموا أني حكمت

(1) المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(3)

في ز: "والغافل"

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(5)

في ط: "والنائمين".

(6)

في ط: "أتلف".

(7)

في ط: "من إتلاف"، وفي ز:"عن الإتلاف".

(8)

في ش: "تبارك وتعالى"، والأولى حذف عبارة:"أن الله تعالى قال"، ويضاف حرف:"لو" فتكون العبارة: "لو قال".

(9)

في ز: "عن".

(10)

ز: "تبارك وتعالى"، و"تعالى" لم ترد في ط.

(11)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(12)

"مثلاً" وردت في ط وز، ولم ترد في الأصل.

ص: 77

بالضمان.

[قوله: (إِذا وقع هذا في الوجود)، تقديره: إذا وقع السبب فاعلموا أني حكمت بالحكم، وإذا عدم الشرط (1) فاعلموا أني حكمت بعدم الحكم، وإذا وقع المانع فاعلموا أني حكمت بعدم الحكم](2).

قوله: (ومن ذلك الطلاق بالإِضرار والإِعسار، والتوريث بالأنساب).

ش: يعني: ومن خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه العلم والقدرة: الطلاق بسبب الإضرار بالزوجة، والطلاق بسبب الإعسار (3) بنفقة الزوجة، فإنه يقضى [على الزوج](4) بالطلاق بسبب الإضرار، أو بسبب (5) الإعسار بالإنفاق وإن كان الزوج مجنونًا غير عالم ولا قادر، أي (6): وإن كان زمنًا عاجزًا عن النفقة.

وكذلك التوريث بالأنساب فيقضى بالتوريث للوارث وإن لم يعلم الوارث بموت الموروث (7)، فإن الإنسان إذا مات له قريب (8) دخلت التركة في ملكه بنفس موت قريبه، وإن لم (9) يعلم الوارث، ولا كان (10) ذلك

(1) المثبت من ط، وفي الأصل وز:"وقع الشرط".

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ط: "الإضرار".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

في ز: "وبسبب".

(6)

"أي" ساقطة من ط وز.

(7)

في ط وز: "الموروث".

(8)

في ط: "لتقريب".

(9)

"لم" ساقطة من ط.

(10)

في ز: "ولكن".

ص: 78

بقدرته (1)، حتى لو كان في التركة من يعتق عليه لعتق (2).

قوله: (وقد يشترط في السبب العلم كإِيجاب الزنا للحد والقتل للقصاص).

ش: هذا بيان خطاب الوضع الذي يشترط فيه علم المكلف، وهو القسم القليل المقابل للقسم الكثير المشار إليه بقوله (3): وهو الخطاب بكثير من الأسباب، مفهومه أن هناك قسمًا قليلاً من خطاب الوضع يشترط فيه (4)[علم المكلف وقدرته](5).

مثله المؤلف بقوله: كإيجاب الزنا للحد، والقتل للقصاص، فإن من (6) وطئ أجنبية يظنها (7) زوجته لا حد عليه (8)؛ لعدم علمه وإن وجب عليه الصداق.

وكذلك من قتل رجلاً خطأ لا قصاص عليه، وإن وجبت عليه الدية

(1) في ز: "لا بقدرته".

(2)

ذكر هذه الأمثلة القرافي في شرح التنقيح ص 80، والمسطاسي في شرح التنقيح في ص 32.

(3)

في ط: "قوله".

(4)

في ط وز: "فيه ذلك"

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(6)

"من" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "يظنها أنها".

(8)

هذا على مذهب المالكية، انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 317.

وخالف في ذلك الحنفية وقالوا: عليه الحد، يقول الزيلعي: يحد بوطء امرأة أجنبية وجدت في فراشه، كان قال: ظننت أنها امرأتي.

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 3/ 178.

ص: 79

لعدم علمه

وهذا الخطاب الذي يشترط فيه علم المكلف وقدرته من خطاب الوضع مطرد في نوعين:

أحدهما: أسباب العقوبات.

الثاني (1): أسباب انتقال الأملاك.

أما أسباب العقوبات وهي الجنايات التي توجب العقوبة (2) كالزنا والقتل وشرب الخمر، فلا بد فيها من العلم والقدرة، فإن من (3) وطئ أجنبية يظنها زوجته فلا حد عليه - كما تقدم - لعدم (4) العلم، وكذلك من قتل رجلاً خطأ فلا قصاص عليه؛ لعدم العلم، وكذلك من شرب خمرًا يظنه خلاً فلا حد عليه؛ لعدم العلم، وكذلك المكره (5) على الزنا لا حد عليه؛ لعدم (6) القدرة، وكذلك جميع الجنايات التي هي أسباب العقوبة يشترط فيها العلم والقدرة.

وإنما اشترطوا العلم والقدرة في هذا النوع؛ لأن القاعدة الشرعية تقتضي ألا يعاقب من لم يقصد المفسدة ولم يشعر بها (7) أو وقعت بغير كسبه؛ فلأجل ذلك اشترط العلم والقدرة في الجنايات التي توجب العقوبة (8)، بخلاف

(1) في ط: "والثاني".

(2)

في ز: "العقوبات".

(3)

"من" ساقطة من ز.

(4)

"لعدم" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "المكروه".

(6)

في ز: "عدم".

(7)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 80، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 33.

(8)

في ز: "العقوبات".

ص: 80

الجنايات (1) التي لا توجب العقوبة وإنما توجب الغرامة وهي الإتلافات، فإن من أتلف شيئًا يجب عليه غرمه، ولا يشترط فيه علمه ولا قدرته على التحرز من إتلافه، ولا فرق (2) بين العمد والنسيان والعلم والجهل؛ إذ العمد والخطأ في أموال الناس سواء.

والفرق بين الجنايات التي توجب العقوبة، والجنايات التي توجب الغرامة:

أن العقوبة زاجرة، والغرامة جابرة، فأين إحداهما (3) من الأخرى (4)، فإن العقوبات (5) من باب الزواجر، والغرامات (6) من باب الجوابر، وشرعت الزواجر لدرء المفاسد المتوقعة، وشرعت الجوابر لاستدراك المصالح الفائتة، هذا بيان أحد (7) القسمين اللذين يشترط فيهما علم المكلف وقدرته، وهو أسباب العقوبات.

وأما القسم الثاني: وهو أسباب انتقال الأملاك في الأعيان والمنافع (8)

(1) في ز: "الجناية".

(2)

في ز وط: "ولا فرق في ذلك".

(3)

في ط: "أحدهما".

(4)

في ز: "الآخر".

(5)

في ز: "العقوبة".

(6)

في ز: "الغرامة".

(7)

"أحد" ساقطة من ز.

(8)

في ز: "المنافع الأعيان والمنافع".

ص: 81

والأبضاع (1) كالبيع، والإجارة، والقراض، والمساقاة، والجعالة (2)، والعارية، والهبة، والصدقة، والوقف (3) والوصية، وغير ذلك، مما هو سبب انتقال الأملاك، فلا بد في هذا القسم من العلم والقدرة والإرادة.

فمن باع مثلاً وهو لا يعلم أن هذا اللفظ، أو (4) هذا التصرف مثلاً يوجب انتقال الملك (5) لكونه أعجميًا أو طارئًا على بلاد الإسلام فلا يلزمه البيع، وكذلك سائر العقود، وكذلك من أكره على البيع فباع بغير اختياره، وقدرته الناشئة عن داعية الطبيعة لا يلزمه البيع، وكذلك ما ذكر معه من العقود المذكورة.

وإنما اشترطوا العلم والقدرة في هذا النوع لقوله عليه السلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"(6)، ولا يحصل الرضى إلا مع الشعور

(1) في ز: "الأبطاع".

(2)

في ز: "الجعالات".

(3)

"الوقف" ساقطة من ط.

(4)

في ز وط: "وهذا".

(5)

في ط: "المكلف".

(6)

هذا طرف من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 72) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه، فقال:"يا أيها الناس، أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟ " قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال:"فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه"، ثم قال:"اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه" إلى آخر الحديث.

وأخرجه الإمام أحمد من حديث عمرو بن يثربي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا ولا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه"

الحديث. =

ص: 82

والإرادة والتمكن من التصرف.

فتحصل مما ذكرنا أن قوله: (وقد يشترط في السبب العلم) أن ذلك السبب يطرد في نوعين:

أسباب العقوبات (1).

وأسباب الانتقالات.

قال بعض الشراح: هذه (2) الأسباب المستثناة من خطاب الوضع، أعني: أسباب العقوبات وأسباب انتقال الأملاك هي في (3) التحقيق خطاب تكليف وليست بخطاب وضع؛ لأنها متعلقة بأفعال المكلفين؛ لأن حدود الجنايات لا تلزم إلا المكلفين خاصة، وكذلك عقود انتقال الأملاك لا تنعقد إلا على المكلفين خاصة؛ ولذلك اشترط فيها علم المكلف وقدرته (4).

قال المؤلف في القواعد (5): قد يجتمع خطاب الوضع مع خطاب التكليف، وقد ينفرد كل واحد منهما بنفسه.

فمثال اجتماعهما: أسباب العقوبات: كالزنا والسرقة، فمن حيث إنها

= انظر: المسند 2/ 13.

وذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/ 516) بلفظ: "لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه" وقال: رواه الديلمي عن أنس.

(1)

في ز: "العقوبة".

(2)

"هذه" ساقطة من ز.

(3)

"في" ساقطة من ط.

(4)

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 51.

(5)

انظر: الفروق للقرافي، الفرق السادس والعشرين بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع 1/ 161.

ص: 83

حرام: خطاب تكليف، ومن حيث إنها سبب للعقوبة: خطاب وضع.

وكذلك أسباب انتقال الأملاك: كالبيع والصدقة، فمن (1) حيث إنها مباحة أو مندوبة (2): خطاب تكليف، ومن حيث إنها سبب انتقال الملك (3) خطاب وضع (4).

وقال غيره: و (5) من أمثلة اجتماع الخطابين أيضًا: النكاح، والطلاق، والرجعة، والظهار (6)، والإيلاء، واللعان، والخلع، والرضاع، والعتاق، والطهارة، والستارة في الصلاة وغير ذلك (7).

وهذه الأشياء كلها يشترط فيها العلم والقدرة (7).

(1) في ز: "من".

(2)

في ط: "ومندوبه".

(3)

في ط: "الأملاك".

(4)

نقل المؤلف بالمعنى، انظر: الفروق 1/ 163.

(5)

"الواو" ساقطة من ط.

(6)

في ز: "والظاهر".

(7)

يقول المسطاسي في شرح التنقيح: التمثيل على اجتماع خطاب الوضع وخطاب التكليف، فاجتماعهما في شيء واحد كالزنا والسرقة والقتل والنكاح، والطلاق، واللعان، والعقود، والطهارة وما أشبه ذلك، فالسرقة والزنا من حيث كونها أسباب للعقوبات هي: وضعية، ومن حيث كونها محرمة هي: تكليفية، والنكاح من حيث هو سبب للإباحة فهو وضعي، ومن حيث كونه مندوبًا أو مباحًا فهو تكليفي، والطلاق من حيث هو سبب التحريم: وضعي، ومن حيث كونه مباحًا أو مكروهًا فهو: تكليفي، واللعان من حيث هو سبب في نفي الولد وتأبيد التحريم: وضعي، ومن حيث كونه واجبًا أو مباحًا: تكليفي، والعقود من حيث إنها سبب في انتقال الأملاك هي: وضعية، ومن حيث إنها مباحة هي: تكليفية.

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 33.

ص: 84

قال المؤلف في القواعد (1): مثال (2) انفراد خطاب الوضع كالزوال أو طلوع (3) الهلال، ودوران الحول ونحوها، فإنها خطاب الوضع؛ إذ ليس فيها أمر ولا نهي (4) ولا إذن من حيث هي كذلك.

ومثال انفراد خطاب التكليف كأداء الواجبات، واجتناب المحرمات: كإيقاع الصلاة (5)، وترك المنكرات (6).

فإن الشرع لم يجعل هذه الأشياء سببًا لفعل آخر نؤمر به وننهى (7) عنه، وإن (8) كان الشرع قد جعلها سببًا لبراءة الذمة وترتيب الثواب ودرء العقاب؛ لأن هذه الأمور ليست أفعالاً للمكلف، ونحن لا نعني بكون (9) الشيء سببًا إلا كونه وضع بسبب (10) الفعل من قبل المكلف (11).

وهذا الذي ذكره المؤلف في القواعد من انفراد خطاب التكليف مخالف لما ذكره في الشرح؛ لأنه (12) قال في الشرح: لا يتصور انفراد التكليف؛ إذ لا

(1) انظر: الفروق للقرافي، الفرق السادس والعشرون 1/ 163.

(2)

في ز وط: "ومثال".

(3)

في ز وط: "وطلوع".

(4)

في ط: "ونهى".

(5)

في ط: "الصلوات".

(6)

في ط: "المحرمات".

(7)

في ز: "أو ننهى".

(8)

"وإن" ساقطة من ط.

(9)

في ط: "يكون".

(10)

في ط وز: "سببب".

(11)

نقل المؤلف بالمعنى من الفروق للقرافي 1/ 163، 164.

(12)

"لأنه" ساقطة من ز.

ص: 85

تكليف إلا له سبب أو شرط أو مانع، وأبعد الأمور عن ذلك: الإيمان بالله تعالى (1) وهو سبب لعصمة الدم والمال، والكفر سبب لإباحتهما (2). انتهى (3).

قال بعض الشراح: هذا المعنى أجنبي عن المسألة؛ لأن البحث إنما هو في (4) كون الشيء في نفسه خطاب تكليف أو خطاب (5) وضع لا أنه متوقف على خطاب (6) الوضع، فما قال (7) في القواعد هو الصواب والله أعلم.

وقد تقدم لنا أن خطاب الوضع محصور في خمسة أشياء وهي:

الأسباب، والشروط، والموانع، والتقادير الشرعية، والحجج عند القضاة (8).

أما الأسباب والشروط والموانع فقد تقدم بيانها.

وأما التقارير الشرعية (9) فهي محصورة في ستة أشياء: وهي:

(1)"تعالى" لم ترد في ط.

(2)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"لإباحتها".

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 81.

(4)

"في" ساقطة من ز.

(5)

في ز: "وخطاب".

(6)

في ط: "لأنه".

(7)

في ط: "بل قال".

(8)

في ز: "القضاء".

(9)

"الشرعية" لم ترد في ز.

ص: 86

تقريب البعيد، وتبعيد القريب، وإيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، وتوحيد المتعدد، وتعديد المتحد (1).

فمثال تقريب البعيد: كالبصاق؛ فإنه بعَّده الطبع ولكن قرَّبه الشرع.

ومثال تبعيد القريب: كالخمر؛ فإنه قرَّبه الطبع وبعَّده الشرع.

ومثال إيجاد المعدوم: كالحمل في الميراث.

ومثاله أيضًا: تقدير ملك الدية للمقتول خطأ قبل موته ليصح فيها الإرث، وكذلك تقدير ملك (2) العبد لمن قال لغيره: أعتق عبدك عني لتثبت (3) له الكفارة والولاء.

ومثال إعدام الموجود: كقاتل مورثه.

ومثاله أيضًا: تعذر استعمال الماء للطهارة (4) مع وجوده، وكذلك تقدير النجاسة المعفو عنها في حكم العدم كالدم القليل ودم البراغيث، وموضع الحدث في المخرجين وغير ذلك.

ومثال توحيد المتعدد: كشهادة النساء في الأموال.

قال الشيخ أبو محمد رحمه الله (5) في الرسالة: ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال ومائة امرأة كامرأتين، وذلك كرجل واحد يقضي

(1) في ط: "المتحدد".

(2)

في ط: "مالك".

(3)

في ط: "تثبت".

(4)

في ز: "للطاهر".

(5)

"رحمه الله" لم ترد في ز وط.

ص: 87

[بذلك](1) مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين (2).

ومثال تعديد المتحد: كالإمام الراتب.

قال أبو محمد في الرسالة: والإمام الراتب يقوم مقام الجماعة (3).

قال المؤلف في القواعد: ولا يكاد باب من أبواب الفقه ينفك عن التقدير الشرعي، وقد بسطت ذلك في كتاب الأمنية في إدراك النية فطالعه (4).

وأما الحجج عند القضاة: فإنه (5) إذا (6) ثبت الحق بالإقرار، أو بالشهادة، أو بالشهادة واليمين، أو بغير ذلك وجب الحكم.

قوله: (فإِذا (7) تقرر هذا فنقول: السبب ما يلزم من وجوده الوجود

(1) المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل:"بدل".

(2)

انظر متن الرسالة باب في الأقضية والشهادات ص 116.

(3)

في الرسالة: والإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة.

انظر: الرسالة، باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم ص 35.

(4)

انظر: الفروق للقرافي الفرق السادس والعشرين 1/ 161.

ويقول القرافي في كتاب الأمنية (ص 62) بعد ذكره للأمثلة على التقديرات الشرعية: فقد ظهر حينئذ معنى قول الفقهاء في رفض النية وفي نظائرها وحصل التنبيه على تخريج الجميع على قاعدة واحدة، وهي: قاعدة التقديرات، هي: قاعدة أجمع العلماء عليها وإذا خرجت الفروع الكثيرة على قاعدة واحدة، فهو أولى من تخريج كل فرع بمعنى يخصه؛ لأنه أضبط للفقيه.

ولمزيد من التفصيل انظر: الأمنية في إدراك النية، الباب العاشر ص 48 - 63.

(5)

"فإنه" ساقطة من ز وط.

(6)

في ز وط: "فإذا".

(7)

في أوخ وش: "إذا".

ص: 88

ومن عدمه العلم لذاته).

ش: الإشارة بقوله: (هذا) تعود على المذكور كله، تقدير الكلام: فإذا تقرر توقف الخطاب الشرعي على الأسباب والشروط والموانع، وتقرر انحصار الخطاب في التكليفي والوضعي، وتقرر اشتراط العلم والقدرة في الخطاب التكليفي دون الوضعي فنقول: السبب ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته.

السبب لغة (1): عبارة عما يتوصل به إلى مقصود ما، ومنه سمي الحبل سببًا (2).

ومنه قوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} (3) أي: بحبل إلى السقف وكذلك الطريق يسمى سببًا، ومنه قوله تعالى:{فَأَتْبَعَ سَبَبًا} (4) أي: طريقًا بين الشرق (5) والغرب (6).

وأما معناه في الاصطلاح (7): فهو كما قرره المؤلف.

(1)"لغة" ساقطة من ط.

(2)

هذا التعريف ذكره الآمدي في الإحكام (1/ 127).

وعرفه ابن منظور فقال: السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره، وقال: السبب الحبل. لسان العرب مادة (سبب).

وقال الفيروزآبادي في القاموس: والسبب الحبل وما يتوصل به إلى غيره. فصل السين باب الباء مادة (سبب).

(3)

سورة الحج آية رقم (15).

(4)

سورة الكهف آية رقم 85.

(5)

في ط وز: "المشرق".

(6)

في ط وز: "المغرب".

(7)

اختلف الأصوليون في تعريف السبب، وأهم هذه التعريفات التعريف الأول وهو ما =

ص: 89

ويقال له في الاصطلاح: سبب وعلة وموجب، ومقتضى، [ومعرف، ومؤثر عند المعتزلة](1).

فقوله: (ما يلزم من وجوده الوجود

) إلى آخره هذا الرسم ركبه المؤلف من جنس وثلاثة فصول:

= ذكره القرافي وهو التعريف المشهور، وذكر الأصوليون للسبب عدة تعريفات أذكر منها:

تعريف الآمدي حيث قال: وهو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفًا لحكم شرعي.

وتعريف الغزالي حيث قال: ونعني بالأسباب ها هنا أنها هي التي أضاف الأحكام إليها.

وتعريف السبكي في جمع الجوامع حيث قال: ما يضاف الحكم إليه لتعلق الحكم به من حيث إنه معرف للحكم أو غيره.

وتعريف البزدوي حيث قال: هو في الشريعة عبارة عما هو طريق إلى الشيء، من سلكه وصل إليه فناله مي طريقه ذلك لا بالطريق الذي سلكه، كمن سلك طريقًا إلى مصر بلغه من ذلك الطريق لا به لكن بمشيه.

وتابعه السرخسي والنسفي.

وتعريف الشاطبي عرف السبب: بأنه ما وضع شرعًا لحكم، لحكمة يقتضيها ذلك الحكم، كما كان حصول النصاب سببًا في وجوب الزكاة والزوال سببًا في وجوب الصلاة، والسرقة سببًا في وجوب القطع، والعقود سببًا في إباحة الانتفاع أو انتقال الأملاك.

انظر هذه التعريفات للسبب، وتفصيل القول في ذلك في: شرح التنقيح للقرافي ص 81، الإحكام للآمدي 1/ 127، المستصفى للغزالي 1/ 93، جمع الجوامع وشرحه 1/ 94، كشف الأسرار للبزدوي 4/ 1290، أصول السرخسي 2/ 301، الموافقات للشاطبي 1/ 265، السبب عند الأصوليين تأليف د. عبد العزيز الربيعة 1/ 165 - 181.

(1)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

ص: 90

فالجنس هو: "ما"، وهي واقعة على الوصف، أي: الوصف الذي يلزم من وجوب وجود الحكم الشرعي.

الفصل الأول من الفصول الثلاثة: هو قوله: (يلزم من وجوده (1) الوجود).

والفصل الثاني: هو قوله: (ومن (2) عدمه العدم) أي: يلزم (3) من عدمه عدم الحكم الشرعي

والفصل الثالث: هو قوله: (لذاته) أي: لذات السبب، أي: لنفس السبب لا لأمر آخر خارج عن ذات السبب.

قوله: (فالأول، احترازًا من الشرط، والثاني: احترازًا من المانع، والثالث: احترازًا من مقارنته فقدان الشرط أو وجود المانع فلا يلزم من وجوده الوجود، أو إِخلافه بسبب (4) آخر فلا يلزم من عدمه العلم).

ش: أراد بالأول قوله: ما يلزم من وجوده (5) الوجود [أي: يلزم من وجود السبب وجود الحكم](6) كالنصاب يلزم من وجوده وجود (7) وجوب الزكاة.

(1) في ط: "وجود".

(2)

في ز: "من".

(3)

في ز: "ويلزم".

(4)

في ط: "فسبب".

(5)

في ط: "وجود".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(7)

"وجود" ساقطة من ز.

ص: 91

واحترز بذلك من الشرط؛ [لأن الشرط](1) لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، كدوران الحول، فإن دوران الحول لا يلزم من وجوده وجود وجوب الزكاة ولا عدمه (2).

قوله (3): (والثاني احترازًا من المانع) أراد بالثاني قوله: (ومن عدمه العدم)، واحترز بذلك: من المانع؛ فإن المانع (4) لا يلزم منه شيء لا وجود ولا عدم، كالدين مانع (5) للزكاة (6)، فمن لا دين عليه [قد لا](7) تجب عليه الزكاة لعدم النصاب، وقد تجب لوجود [نصاب](8) حال عليه الحول.

وقوله (9): (والثاني: احترازًا من المانع) ولم يقل احترازًا من الشرط؛ لأن هذا الوصف شارك فيه الشرط السبب، والشرط (10) يلزم من عدمه العدم كالسبب (11) دون المانع.

[قوله: (والثالث) أراد به](12) قوله لذاته واحترز به (13) من ثلاثة عوارض

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 81، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 33.

(3)

في ز: "وقوله".

(4)

في ز وط: "عدم المانع".

(5)

في ط: "مانعًا".

(6)

في ط: "من الزكاة".

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"فذلك".

(8)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل:"النصاب".

(9)

في ط: "قوله".

(10)

في ز: "لأن الشرط".

(11)

"كالسبب" ساقطة من ز.

(12)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(13)

"به" ساقطة من ط.

ص: 92

وهي: مقارنته فقدان الشرط، أو وجود (1) المانع، أو خلافه (2) بسبب آخر، عارضان لوجوده، وعارض لعدمه.

وهذا القيد الثالث: مركب (3) من نقيض القيد الأول، ومن نقيض القيد الثاني، فهو تتميم (4) لهما معًا.

وبيان ذلك: أن قوله يلزم من وجوده الوجود يعني: بالنظر (5) إلى ذات السبب ما لم يعرض له أمر خارجي عنه.

مثال ذلك العارض الخارج عن ذات السبب مقارنة السبب فقدان الشرط كنصاب (6) لم يحل عليه الحول، فلا يلزم من وجود هذا السبب وجود (7) وجوب (8) الزكاة (9)، ولكن ذلك لفقدان شرط الزكاة لا لنفس السبب.

وكذلك إذا قارن السبب وجود المانع، كالدين، فلا يلزم من وجود السبب ها هنا وجوب الزكاة لوجود المانع الذي هو الدين لا لذات السبب.

وإلى هذين المثالين أشار المؤلف (10) بقوله: (والثالث: احترازًا من

(1) في ط: "ووجود".

(2)

في ز: "إخلافه"، وفي ط:"وإخلافه".

(3)

في ط: "ركب".

(4)

في ط: "تيمم".

(5)

في ط: "لا للنظر".

(6)

في ط: "وله كنصاب".

(7)

في ط: "ووجود".

(8)

"وجوب" ساقطة من ط وز.

(9)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 81.

(10)

"المؤلف" ساقطة من ز.

ص: 93

مقارنته فقدان الشرط أو وجود المانع فلا يلزم من وجوده الوجود) يعني: في الصورتين وهما: عدم الشرط، أو وجود المانع.

قوله (1): (احترازًا من مقارنته فقدان الشرط أو وجود المانع) هذا راجع إلى قوله: يلزم من وجوده الوجود.

قوله: (أو إِخلافه بسبب آخر فلا يلزم من عدمه العدم).

ش: هذا راجع إلى قوله في السبب: ويلزم من عدمه العدم، يعني: أن سبب الحكم إذا عدم وأخلفه بسبب (2) آخر [فلا يلزم من عدم ذلك السبب المعدوم عدم الحكم؛ لأن السبب الآخر](3) قام مقام المعدوم في وجود الحكم، كما إذا عدم الزنا مثلاً ووجد (4) القذف، فلا يلزم من عدم الزنا عدم الحد؛ لأن القذف أخلفه في وجود الحد.

وكذلك إذا عدمت الردة ووجد موجب القتل، كقتل (5) العمد العدوان، فإن القتل يجب وإن عدمت الردة؛ لأن القتل الموصوف أخلف الردة في وجوب القتل.

وكذلك إذا عدم القتل الموصوف ووجد ترك الصلاة عمدًا فإن القتل يجب، وكذلك إذا عدم البول ووجد (6) الريح وجب الوضوء، ولا يلزم من

(1) في ط: "وقوله".

(2)

في ز وط: "سبب".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

المثبت من ط، وفي الأصل:"وجد"، وفي ز:"ووجود".

(5)

"كقتل" ساقطة من ط، وفي ز:"كالقتل".

(6)

في ز: "وجب".

ص: 94

عدم البول عدم الوضوء؛ لأن وجود الريح أخلف البول في وجوب الوضوء، لأن الأسباب الشرعية يخلف بعضها بعضًا، ولا تنافي بين اقتضاء الشيء بالذات وبين تخلفه للعوارض (1)، كقولنا (2): العالم جائز بالنسبة إلى ذاته.

[وواجب](3) بالنسبة إلى تعلق علم الله تعالى (4) وإرادته بإيجاده [وقد يكون السبب تعبديًا كالزوال سببًا للظهر، وقد يكون معقول (5) المعنى كالإسكار سببًا لتحريم الخمر](6).

قوله: (والشرط (7) ما يلزم من عدمه العلم ولا يلزم من وجوده وجود

(1) ذكر هذا الكلام بمعناه القرافي في شرح التنقيح ص 81، 82.

(2)

في ز: "كقولك".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من خ وز، وفي الأصل:"وأجيب"، وفي ط:"واجب".

(4)

"تعالى" لم ترد في ط.

(5)

في ط: "معقود".

(6)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(7)

الشرط لغة: بالتحريك العلامة، وبالسكون الإلزام والالتزام.

يقول الفيروزآبادي: الشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه كالشريطة جمع شروط

وبالتحريك العلامة جمع أشراط. القاموس المحيط مادة (شرط).

وقال ابن منظور: الشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، والجمع شروط

والشرط بالتحريك، العلامة، والجمع أشراط، وأشراط الساعة أعلامها. انظر مادة:(شرط).

وانظر تعريف الشرط اصطلاحًا في: شرح التنقيح للقرافي 82، شرح التنقيح للمسطاسي ص 34، شرح الكوكب المنير 1/ 452، التعويفات للجرجاني ص 111، الإحكام للآمدي 1/ 130، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، كشف الأسرار للبزدوي 4/ 1293، أصول السرخسي 2/ 303، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 66، الموافقات للشاطبي 1/ 262، السبب عند الأصوليين تأليف د. عبد العزيز الربيعة 2/ 31 - 53.

ص: 95

ولا عدم لذاته).

ش: هذا الرسم ركبه المؤلف من جنس وثلاثة فصول: فالجنس قوله (1): "ما".

والقيد الأول: هو قوله: (يلزم من عدمه العدم).

والقيد الثاني: قوله (2): (ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم).

والقيد الثالث: هو قوله: (لذاته) أي: لنفس الشرط.

قوله: (ما يلزم) أي: هو الوصف الذي يلزم من عدمه عدم الحكم الشرعي.

و (3) قوله: (يلزم من عدمه العدم) هذا القيد شارك فيه الشرط السبب؛ لأن كل واحد منهما يلزم من عدمه العدم، واحترز بذلك من المانع؛ لأن المانع لا يلزم من عدمه شيء.

وقوله: (ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم) احترز به (4) من شيئين وهما: السبب والمانع؛ لأن السبب يلزم من وجوده الوجود، والمانع يلزم من وجوده العلم، فالأول للأول، والثاني للثاني.

(1) في ز وط: "هو قوله".

(2)

في ز وط: "هو قوله".

(3)

"الواو" ساقطة من ط.

(4)

في ز: "بها".

ص: 96

فقوله: (احترازًا من السبب)(1) راجع إلى قوله: (ولا يلزم من وجوده وجود).

وقوله: (احترازًا من المانع)(2) راجع إلى قوله: ولا عدم، أي: ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ولا عدمه احترازًا من المانع؛ لأنه يلزم من وجوده (3) عدم المشروط.

وهذا الذي قررناه هو: معنى قوله: (فالأول احترازًا من المانع، والثاني احترازًا من السبب والمانع أيضًا).

قوله: (والثالث احترازًا من مقارنته لوجود السبب، فيلزم الوجود عند وجوده قيام المانع فيقارن العدم)(4).

ش: المراد بالثالث: هو قوله: لذاته، واحترز بذلك من عارضين.

أحدهما: مقارنة الشرط لوجود السبب.

والعارض الآخر: مقارنة الشرط لوجود المانع.

فإذا قارن الشرط وجود السبب فيلزم الحكم بوجود الشرط، لكن ذلك لعارض (5) وهو مقارنته للسبب (6).

(1) في أوخ وش: "والثاني احترازًا من السبب والمانع أيضًا".

(2)

في أوخ وش: "فالأول احترازًا من المانع".

(3)

في ز: "وجده".

(4)

"فيقارن العدم" ساقط من أ.

(5)

في ط: "العارض".

(6)

في ز: "بالسبب".

ص: 97

مثال ذلك: الحول في الزكاة إذا قارنه وجود النصاب فإنه يلزم وجوب الزكاة، لكن لا لذات الشرط الذي هو وجود الحول، بل (1) لذات (2) وجود السبب (3)[الذي هو النصاب](4).

وإلى هذا العارض أشار بقوله: (احترازًا)(5) من مقارنته لوجود السبب فيلزم الوجود عند وجوده (6).

وإذا قارن الحول في الزكاة وجود الدين الذي هو المانع، فلا تجب الزكاة، ولكن ذلك لعارض وهو: وجود المانع لا لذات الشرط؛ لأن الشرط بالنظر إلى نفسه لا يلزم من وجوده شيء لا وجود ولا عدم، وإنما يأتي اللزوم من أمور خارجة عن ذات الشرط، ولا تنافي بين عدم اللزوم بالنظر (7) إلى الذات وبين اللزوم بالنظر إلى الأمور الخارجية (8) كما تقدم في السبب.

قوله: (والمانع: ما يلزم من وجوده العدم (9)، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته) (10).

(1)"بل" ساقطة من ط.

(2)

في ط: "بالذات".

(3)

انظر هذه المحترزات لتعريف الشرط في: شرح التنقيح للقرافي ص 82، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 34.

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(5)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"احترز".

(6)

في ز: "الوجود".

(7)

في ط: "وبين النظر".

(8)

في ز: "الخارجة".

(9)

قوله: "والمانع ما يلزم من وجوده العدم" ساقطة من أ.

(10)

هذا التعريف ذكره الفتوحي في شرح الكوكب المنير 1/ 456، وانظر أيضًا: جمع الجوامع 1/ 98، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 67، الإحكام للآمدي =

ص: 98

ش: هذا الرسم مركب من جنس وثلاثة فصول وهي: القيود:

فالجنس "ما" وهي: واقعة على الوصف الوجودي الظاهر.

فالقيد الأول: هو قوله: (يلزم من وجوده العدم (1)).

والقيد الثاني: هو قوله (2): (ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم).

والقيد الثالث: هو قوله: (لذاته).

قوله: (فالأول احترازًا من السبب، والثاني: احترازًا من الشرط، والثالث: احترازًا من مقارنة عدمه لوجود السبب).

ش: أراد بالأول قوله: (يلزم من وجوده العلم)، واحترز بذلك من السبب؛ لأنه يلزم (3) من وجوده الوجود لا العدم.

وأراد بالثاني قوله: (ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم) واحترز بذلك من الشرط؛ لأنه يلزم من عدمه العدم.

وأراد بالثالث قوله: (لذاته) أي: لذات المانع، واحترز بذلك من عارض واحد وهو: مقارنة عدم المانع (4) وجود السبب.

مثال ذلك: إذا عدم الدين في الزكاة، وقارن ذلك وجود النصاب

= 1/ 130، الموافقات للشاطبي 1/ 179.

(1)

"العدم" ساقطة من ط.

(2)

"هو قوله" ساقطة من ز.

(3)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"لا يلزم".

(4)

انظر هذه المحترزات لتعريف المانع في: شرح التنقيح للمسطاسي ص 34، شرح الكوكب المنير 1/ 457.

ص: 99

ودوران الحول، فيلزم هنا (1) من عدم المانع: وجود الحكم الذي هو: وجوب (2) الزكاة، وإنما يلزم من عدم المانع ها هنا وجود الحكم لأمر عارض خارجي عن ذات المانع لا بالنظر إلى ذاته، ولا تنافي بين عدم اللزوم بالنظر إلى الذات وبين اللزوم بالنظر إلى أمر خارجي كما تقدم.

و (3) قوله: (احترازًا من مقارنة عدمه لوجود السبب) فهذا راجع إلى قوله: (ولا يلزم من عدمه وجود) أي: إلا إذا قارن عدمه وجود السبب.

انظر قوله: (فالأول: احترازًا من السبب) ظاهره: أن السبب هو: الذي خرج بهذا القيد دون الشرط، مع أن الشرط خرج به (4) أيضًا؛ لأنه لا يلزم من وجوده شيء.

وكذلك قوله: (والثاني: احترازًا من الشرط) ظاهره: أن الشرط هو الخارج بهذا القيد دون السبب مع أن السبب خرج به أيضًا (5)؛ لأنه يلزم من عدمه العدم.

قوله: (فالمعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده

(1) في ط: "ههنا".

(2)

في ط: "وجود".

(3)

"الواو" ساقطة من ط.

(4)

يقول المسطاسي في شرح التنقيح (ص 34): والقيد الأول احترازًا من السبب والشرط.

(5)

يقول المسطاسي في شرح التنقيح (ص 34): والثاني احترازًا من السبب والشرط أيضًا.

ص: 100

وعدمه).

ش: هذا بيان جهات تأثير كل واحد من الثلاثة، فذكر أن المعتبر من المانع: وجوده لا عبرة بعدمه؛ لأن تأثير المانع في وجوده.

وأن المعتبر من الشرط: عدمه لا وجوده ولا عبرة بوجوده؛ لأن (1) تأثير الشرط في عدمه.

وأن المعتبر من السبب: وجوده وعدمه معًا؛ لأن تأثير (2) السبب في وجوده وعدمه.

قوله: (فالمعتبر من المانع وجوده

) إلى آخره تقديره: فالذي يؤثر من المانع وجوده خاصة، والذي يؤثر من الشرط عدمه خاصة، والذي يؤثر من السبب وجوده وعدمه جميعًا.

فتأثير المانع في الوجود (3)، وتأثير الشرط في العدم، وتأثير السبب في الوجود والعدم معًا.

قال بعض الأشياخ (4): المانع مانعان: مانع الحكم، ومانع السبب، والشرط شرطان: شرط الحكم، وشرط السبب.

وبيان ذلك في المانع: أن وجود المانع إن كان مستلزمًا لحكمة تقتضي

(1)"لأن" ساقطة من ز.

(2)

في ز: "فتأثير".

(3)

في ز: "بالوجود".

(4)

هو الشيخ سيف الدين الآمدي، ذكر هذا القول في كتابه الإحكام 1/ 130، ونسبه له المسطاسي في شرح التنقيح ص 34.

ص: 101

نقيض حكم (1) السبب (2) مع بقاء حكمة السبب فهو: مانع الحكم.

مثاله: الأبوَّة في باب القصاص، فإنها تمنع القصاص مع وجود السبب الذي هو القتل العمد العدوان؛ لأن الأبوة تستلزم حكمة تقتضي عدم القصاص، وهي: الجناية الطبيعية، فامتنع العدم ها هنا وهو القصاص لمانع (3) الأبوة مع بقاء حكمة السبب وهو (4) الزجر.

وإن كان وجود المانع يخل بحكمة السبب فهو: مانع السبب.

مثاله (5): الدَّين في الزكاة فإنه يمنع الزكاة مع وجود النصاب؛ لأنه يخل بالمعنى الموجب (6) للزكاة وهو: الغنى فهو مانع السبب، والأول مانع الحكم.

وبيان ذلك في الشرط: أن عدم الشرط إن كان مستلزمًا لحكمة تقتضي نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب فهو: شرط الحكم (7).

مثاله: الطهارة في الصلاة؛ فإن عدم الطهارة يقتضي (8): عدم الثواب مع وجود سببه الذي هو الإتيان بالصلاة؛ لأن عدم الطهارة يستلزم عدم (9)

(1)"حكم" ساقطة من ز.

(2)

في ط: "السيد" وهو تصحيف.

(3)

في ط: "المانع".

(4)

في ز وط: "وهي".

(5)

في ط: "ومثاله".

(6)

في ط: "الذي يوجب".

(7)

في ط: "الحكمة".

(8)

في ز: "تقتضي".

(9)

"عدم" ساقطة من ط.

ص: 102

الثواب [الذي هو: نقيض الحكم](1)[الذي هو الثواب](2) مع بقاء حكمة السبب (3) وهو التوجه إلى الله تعالى بالصلاة، فهذا شرط في الحكم.

وإن كان عدم الشرط مستلزمًا لعدم حكمة السبب أي: مخلاً بحكمة السبب فهو: شرط السبب.

مثاله: القدرة على التسليم في باب البيع (4) فإنها شرط صحة البيع الذي [هو](5) سبب ثبوت الملك؛ لأن حكمة البيع هو: الانتفاع بالمبيع، فعدم القدرة على التسليم مستلزم لعدم الانتفاع بالمبيع الذي هو (6) حكمة السبب.

فتحصل مما ذكرنا أن شرط الحكم ما اقتضى عدمه نقيض حكم السبب [مع بقاء حكمة السبب](7) كعدم الطهارة في الصلاة مع الإتيان بمسماها.

وشرط السبب ما أخلّ عدمه بحكمة السبب، كعدم القدرة على التسليم في البيع.

ومانع الحكم بيانه (8): ما اقتضى وجوب نقيض حكم السبب مع بقاء

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

"السبب" ساقط من ط.

(4)

من قوله: "قال بعض الأشياخ" إلى هذا الموضوع نقله المؤلف بالمعنى مع تقديم وتأخير من الإحكام للآمدي 1/ 130، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 34.

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(6)

"هو" ساقطة من ط.

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(8)

"بيانه" ساقطة من ز.

ص: 103

حكمة السبب كالأبوة في القصاص.

ومانع السبب: ما أخل وجوده بحكمة السبب كالدين في الزكاة فإنه يخل بحكمة ملك النصاب فأشبه الفقير.

قوله: (فوائد خمس: الأولى: الشرط وجزاء (1) العلة كلاهما يلزم من عدمهما (2) العدم، ولا يلزم من وجودهما وجود (3) ولا عدم فهما يلتبسان، والفرق بينهما: أن جزء العلة مناسب في (4) ذاته (5)، والشرط مناسب في غيره، كجزء النصاب فإِنه مشتمل على بعض الغنى في ذاته، ودوران الحول ليس فيه شيء من الغنى، وإِنما هو مكمل للغنى الكائن في النصاب).

ش: هذه الفوائد ناشئة ومتفرعة عن الفصل المتضمن لتوقف الأحكام على موجباتها من الأسباب والشروط (6) والموانع، فذكر في هذه الفائدة الأولى: الفرق بين الشرط وجزء العلة بعد الجمع بينهما؛ فإن كل واحد منهما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود (7) ولا عدم.

وبيان ذلك: أن بعض نصاب الزكاة يلزم من عدمه عدم الزكاة كما يلزم من عدم جميع النصاب، وكذلك دوران الحول يلزم من عدمه عدم الزكاة.

(1) في أوخ وش وط: "جزء العلة".

(2)

في أوخ وش: "من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده".

(3)

في أ: "الوجود"

(4)

"في" ساقطة من ط.

(5)

"ذاته" ساقطة من ط.

(6)

في ط: "والشرط".

(7)

في ط: "الوجود".

ص: 104

فذكر المؤلف أن الفرق بين جزء السبب وهو المراد بجزء العلة مناسب في ذاته أي: في نفسه، أي: مقصود في ذاته، أي: متضمن (1) لحكمة التعليل في نفسه، وأما الشرط فهو مشتمل على حكمة التعليل في (2) غيره، والمراد بالمناسب هو المتضمن للحكمة، أي: المقتضي لحكمة الحكم، والمراد بالعلة السبب ويقال: الأمارة، والداعي، والباعث، والحامل، والمناط، والدليل، والمقتضي، والموجب، والمعرّف، والمؤثر، فهذه اثنا عشر لقبًا.

قوله: (كجزء (3) النصاب) فإن بعض النصاب مشتمل على الحكمة بنفسه (4)، والحكمة (5) هي: الغنى؛ لأن (6) الغنى (7) هو: سبب مشروعيتها - أعني: مشروعية الزكاة -، وأما الحول فليس فيه شيء من الغنى وإنما هو مكمل ومتمم ومكثر للحكمة الكائنة في النصاب.

فتبين أن الفرق بينهما: أن جزء السبب مشتمل على الحكمة في ذاته، والشرط مشتمل على الحكمة في غيره، فإن جزء السبب مشتمل على الحكمة الكائنة في ذاته، والشرط مشتمل على الحكمة الكائنة في غيره أي: الكائنة في سببه لا في نفسه.

(1) المثبت من ط وفي الأصل "يتضمن" وفي ز "متميز".

(2)

"في" ساقطة من ط.

(3)

في ط: "جزء".

(4)

في ط: "لنفسه".

(5)

في ط: "الحكمة".

(6)

"لأن" ساقطة من ط.

(7)

"الغنى" ساقطة من ط.

ص: 105

قوله: (الثانية: إِذا اجتمعت أجزاء العلة ترتب الحكم (1)، وإِذا اجتمعت العلل المستقلة ترتب الحكم (2)، فما الفرق بين الوصف الذي هو جزء علة (3)، وبين (4) الذي هو علة مستقلة؟ والفرق أن الذي هو: جزء (5) العلة إِذا انفرد لا يترتب (6) معه الحكم كأحد أوصاف القتل العمد العدوان، فإِن المجموع سبب (7) للقصاص (8) وإِذا انفرد جزء (9) العلة (10) لا يترتب (11) عليه قصاص (12)، والوصف الذي هو علة مستقلة إِذا اجتمع مع غيره ترتب الحكم، وإِذا انفرد ترتب معه (13) أيضًا، كإِيجاب الوضوء على من لامس وبال ونام، وإِذا انفرد أحدها وجب الوضوء (14)).

(1) في ش: "ترتب الحكم أيضًا".

(2)

في ش: "ترتب الحكم أيضًا".

(3)

في أوخ وش: "الحكم الذي هو جزء علة".

(4)

في ش: "وبين الوصف".

(5)

في أوخ وز وش: "والفرق بينهما أن جزء العلة"، وفي ط:"والفرق لو أن الوصف الذي هو جزء العلة".

(6)

في أوخ وز وش وط: "لا يثبت".

(7)

في ش: "علة سبب".

(8)

في خ وش: "القصاص".

(9)

في أ: "جزؤه".

(10)

"العلة" ساقطة من أوخ.

(11)

في أ: "لا يثبت".

(12)

في ش: "القصاص".

(13)

في أوخ: "ترتب معه الحكم"، وفي ش:"ترتب الحكم".

(14)

في أوخ وش وط: "وجب الوضوء أيضًا".

ص: 106

ش: واعلم أن تلخيص (1) ما ذكره المؤلف ها هنا: أن الحكم إذا رتبه الشرع على أوصاف وناطه بها؛ فإما أن تكون تلك الأوصاف كلها مناسبة ليستقل الحكم بكل (2) واحدة (3) منها، وإما أن تكون كلها مناسبة لا يستقل الحكم بكل واحد منها وإنما يستقل بمجموعها، وإما أن يكون بعضها مناسبًا وبعضها غير مناسب، فهذه ثلاثة أقسام (4).

فإن كانت كلها مناسبة استقل الحكم بكل واحد منها فهي علل مستقلة، أي: علل مجتمعة كإيجاب الوضوء من البول، واللمس، والنوم.

وإن كانت كلها مناسبة لا يستقل الحكم إلا بمجموعها فهي أجزاء علة، كإيجاب القصاص من القتل العمد العدوان فهي أجزاء علة، إذ مجموعها هو العلة.

وأما القسم الثالث: وهو أن يكون بعض الأوصاف مناسبًا ويكون البعض غير مناسب، فالمناسب إما علة مستقلة (5) أو جزء علة، وغير المناسب إما شرط تام وإما جزء شرط، والمراد بالمناسب ما تضمن تحصيله مصلحة أو درء مفسدة، فالمناسب أبدًا هو: السبب، وغير المناسب هو: الشرط، وإنما جعل شرطًا لتوقف الحكم عليه.

(1) في ط: "تلخص".

(2)

"بكل" ساقطة من ط.

(3)

في ط: "واحد".

(4)

انظر هذه الأقسام في شرح التنقيح للقرافي ص 83، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 34.

(5)

"مستقلة" ساقطة من ز.

ص: 107

قوله: (الثالثة: الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على (1) وجود شرطه فيم (2) يعلم كل واحد منهما يعلم (3) بأن السبب مناسب في ذاته، والشرط مناسبته (4) في غيره كالنصاب؛ فإِنه (5) مشتمل على الغنى في ذاته، ودوران الحول ليس فيه شيء من الغنى، وإِنما هو مكمل (6) لحكمة الغنى (7) في النصاب بالتمكن من التنمية) (8).

ش: ذكر في هذه الفائدة الجمع والفرق بين السبب والشرط، ففرق بينهما بالمناسبة وعدمها وذلك بيّن (9).

قوله: (الرابعة: الموانع الشرعية على ثلاثة أقسام: منها ما يمنع ابتداء الحكم واستمراره، ومنها ما يمنع ابتداءه فقط، ومنها ما اختلف فيه؛ هل

(1) قوله: "الثالثة: الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على" ساقط من ط.

(2)

في خ: "فبم".

(3)

في ش: "الجواب يعلم

" إلخ.

(4)

في ز: "مناسب".

(5)

"فإنه" ساقطة من أوخ وش.

(6)

في أوخ وش: "والحول مكمّل".

(7)

في ز وط: "الغنى الكائن".

(8)

"التنمية" ساقطة من أ.

(9)

وضح القرافي ذلك فقال: ونبسط ذلك بقاعدة؛ وهي أن الشرع إذا رتب الحكم عقيب أوصاف، فإن كانت كلها مناسبة في ذاتها قلنا: الجميع علة، ولا نجعل بعضها شرطًا كورود القصاص مع القتل العمد العدوان المجموع: علة وسبب؛ لأن الجميع مناسب في ذاته، وإن كان البعض مناسبًا في ذاته دون البعض قلنا: المناسب في ذاته هو: السبب، والمناسب في غيره هو: الشرط.

انظر: الفروق الفرق السادس 1/ 109، وانظر أيضًا: شرح الكوكب المنير 1/ 459.

ص: 108

يلحق بالأول أو بالثاني.

فالأول: كالرضاع يمنع ابتداء (1) النكاح واستمراره إِذا طرأ عليه.

والثاني: كالاستبراء يمنع ابتداء النكاح ولا يبطل استمراره إِذا طرأ عليه.

والثالث: كالإِحرام (2) بالنسبة إِلى وضع اليد على الصيد فإِنه يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء، فإِن طرأ على الصيد فهل تجب (3) إِزالة (4) اليد (5) عنه (6) أم لا (7)؟ فيه خلاف بين العلماء.

وكالطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء، فإِن طرأ عليه فهل يبطله أم لا (8)؟ فيه (9) خلاف (10).

و (11) كوجود الماء يمنع التيمم ابتداء، فإِن (12) طرأ عليه (13) فهل يبطله أم

(1) في ش: "حكم النكاح".

(2)

في أ: "والإحرام".

(3)

في خ: "يجب".

(4)

في ز: "إزالته".

(5)

"اليد" ساقطة من ز.

(6)

"عنه" ساقطة من ز وط.

(7)

"أم لا" ساقطة من أوخ وش.

(8)

"أم لا" ساقطة من أوخ وش.

(9)

"فيه" ساقطة من ش.

(10)

في ط: "فيه خلاف بين العلماء".

(11)

"الواو" ساقطة من ش.

(12)

في أوخ ش: "فلو طرأ".

(13)

في أوخ وش "بعده".

ص: 109

لا؟ (1) فيه (2) خلاف (3)).

ش: ذكر في هذه الفائدة الرابعة تنويع المانع وتقسيمه، فنوعه ثلاثة أنواع، فمثل النوع الأول وهو: المانع من الابتداء والاستمرار: بالرضاع؛ لأن رضيعة الإنسان لا يجوز له أن يتزوجها (4) ابتداء، وكذلك إذا طرأ الرضاع على النكاح كإذا تزوج بنتًا (5) فترضعها أمه فتصير أخته فتحرم عليه (6).

وكذلك إذا تزوج بنتًا فترضعها امرأته فإن دخل بتلك المرضعة الكبيرة حرمتا الكبيرة عليه معًا الكبيرة والصغيرة، وإنما تحرم عليه الكبيرة؛ لأنها أم امرأته وقد دخل بها، وإنما تحرم عليه الصغيرة لأنها بنته (7) بلبنه (8)، فإن لم يدخل بالكبيرة المرضعة حرمت الكبيرة خاصة؛ لأنها أم امرأته ولا تحرم الصغيرة (9).

(1)"أم لا" ساقطة من أوخ وش.

(2)

"فيه" ساقطة من أ.

(3)

في ط: "فيه خلاف بين العلماء".

(4)

في ز: "يزوجها".

(5)

في ط: "بنتًا رضيعة".

(6)

انظر هذه المسألة في شرح التنقيح للقرافي ص 84، والفروق للقرافي الفرق التاسع 1/ 110، شرح الكوكب المنير 1/ 463.

(7)

في ز: "بنته بالرضاع"، وفي ط:"بنته للبنه".

(8)

انظر هذه المسألة في المغني لابن قدامة 7/ 549.

(9)

ذكر ابن قدامة في حرمة الصغيرة روايتين:

الأولى: أنها لا تحرم عليه، ونكاحها ثابت؛ لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [سورة النساء: آية (23)].

ص: 110

ومثّل المؤلف النوع الثاني وهو المانع للابتداء خاصة دون الاستمرار بالاستبراء، فإن المعتدة لا يجوز عقد النكاح عليها صونًا لماء الغير من الاختلاط، فإن طرأ الاستبراء على النكاح مثل: أن توطأ امرأة متزوجة بغصب أو بزنًا أو بشبهة، فإنها تستبرأ من هذا الماء الفاسد (1)، ليتبين هل يكون منه (2) ولد فيلحق بالغير في وطء الشبهة، أو تلاعن منه في الزنا ولا يبطل النكاح بهذا الاستبراء فقد قوي الاستبراء على منع المبادي [وما قوي](3) على قطع التمادي (4).

ومثّل المؤلف النوع الثالث وهو المانع المختلف فيه بثلاثة أمثلة:

المثال الأول: الإحرام؛ فإنه يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء، فإن طرأ الإحرام على الصيد كأن يحرم وعنده صيد صاده قبل الإحرام، فهل يجب (5) عليه إزالة اليد عنه وإطلاقه؟ فيه خلاف بين العلماء.

= الرواية الثانية: ينفسخ نكاحها لأنهما صارت أمًا وبنتًا واجتمعتا في نكاحه، والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا أختين.

والجواب عنه: بأنه أمكن إزالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهي أولى به؛ لأن نكاحها محرم على التأبيد، ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت فاختص الفسخ بنكاح الأم.

انظر: المغني لابن قدامة 7/ 549.

(1)

"الفاسد" ساقطة من ز وط.

(2)

"منه" ساقطة من ز.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"ولا يقوى".

(4)

انظر هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 84، والفروق للقرافي الفرق التاسع 1/ 110، شرح الكوكب المنير 1/ 463.

(5)

في ط: "تجب".

ص: 111

المثال الثاني: في وجود الطول؛ فإنه يمنع من نكاح الأمة ابتداء، فإن تزوجها وهو غير واجد للطول [ثم حدث الطول](1) عنده، فهل يبطل نكاح الأمة أم لا (2)؟ فيه خلاف.

المثال الثالث: وجود الماء؛ فإنه يمنع من التيمم ابتداء، فإن طرأ وجود الماء بعد التيمم فهل يبطل التيمم أم لا؟ فيه خلاف (3).

قوله: (الخامسة: الشروط اللغوية أسباب، لأنها (4) يلزم من وجودها الوجود، ومن عدمها العدم، بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم، والشرعية كالطهارة مع الصلاة، والعادية كالغذاء مع الحياة في بعض الحيوانات (5)).

ش: ذكر المؤلف [في هذه الفائدة تنويع الشروط، وقسمه على أربعة أقسام (6): لغوي، وعقلي، وشرعي، وعادي.

وفي] (7) هذه (8) الفائدة تنبيه على أن الشرط الذي حده أولاً إنما هو غير

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

"أم لا" ساقطة من ز.

(3)

انظر هذه الأمثلة الثلاثة في: المصادر السابقة.

(4)

في خ وش: "لأنه يلزم"، وفي أ:"لا يلزم".

(5)

لفظ: "في بعض الحيوانات" ساقطة من نسخة أ.

(6)

انظر أقسام هذه الشروط في: شرح التنقيح للقرافي (ص 85)، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 34، الفروق للقرافي الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره (1/ 62)، شرح الكوكب المنير (1/ 455)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص 68)، الموافقات للشاطبي (1/ 266).

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(8)

في ز: "بهذه".

ص: 112

الشرط اللغوي، وأما الشرط اللغوي [وهو الذي بصيغة إن وأخواتها](1) فلا يتناوله الحد المذكور في حقيقة الشرط، وإنما يتناوله الحد الذي ذكره في السبب؛ لأن الشرط اللغوي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم كالسبب.

فإذا قلت: إن دخلت الدار فأنت حر، فهذا شرط لغوي يلزم من وجود الدخول وجود الحرية (2)[ومن عدم الدخول عدم الحرية](3) وذلك شأن السبب، بخلاف الشروط العقلية، والشرعية والعادية، فلا يلزم من وجودها الوجود كشرطية الحياة مع العلم؛ إذ لا يلزم من وجود الحياة وجود العلم؛ لأن الإنسان قد يحيى جاهلاً، وكشرطية (4) الطهارة مع الصلاة؛ إذ لا يلزم من وجود الطهارة وجود صحة الصلاة لاحتمال عدم الصلاة بالكلية أو يصليها بغير شرط أو ركن، وكشرطية الحياة مع الغذاء، إذ لا يلزم من وجود الحياة وجود الغذاء.

قال المؤلف في الشرح: وقولي: في بعض الحيوانات احترازًا مما يحكى عن الحيات أنها تمكث تحت الأرض في الشتاء بغير غذاء، وقيل: تتغذى بالتراب فلا يحترز عنها حينئذ. انتهى نصه (5).

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط

(2)

في ط: "حريته".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(4)

في ط: "وكشرعية".

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 85.

ص: 113

وقال (1) بعضهم: احترز بقوله: (في بعض الحيوانات) من الحيات في الشتاء، والحلزوني (2) في الصيف.

وقال بعضهم: احترز به من بعض أولياء الله (3)؛ فإنهم يمكثون [أزمانًا](4) عديدة من غير طعام ولا شراب (5).

وبالله التوفيق.

(1) في ط: "قال".

(2)

المثبت من ز، وفي الأصل:"الحلزوي".

(3)

في ز: "أولياء الله تعالى".

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل وط:"زمانًا".

(5)

ذكر هذا المسطاسي في شرح التنقيح ص 35.

ولكن في ثبوته نظر، ولو ثبت شيء من ذلك لكان معجزة وكرامة، والمعجزة خاصة بالأنبياء، ولعل هذا من الأمور الخرافية الكثيرة التي يدعيها أتباع الطرق الصوفية؛ ليضللوا بها العامة.

ص: 114