الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع عشر في بيان العموم والخصوص والمساواة والمباينة وأحكامها
(1)
ش: تعرض المؤلف في هذا الفصل لبيان موارد العموم والخصوص، وموارد المساواة، وموارد المباينة الضدية، أو النقيضية، وبيان أحكام هذه الأشياء والمراد بأحكامها: الاستدلال ببعضها (2) على بعض، فتعرض المؤلف في هذا الفصل لأمرين:
أحدهما: في (3) معاني هذه الألفاظ.
والثاني: في أحكامها من حيث الاستدلال ببعضها على بعض (4).
فالعموم هو: الشمول (5)، ومنه قولهم: عمهم المطر، أو العدل، وقولهم: عادة عامة وقاعدة عامة.
(1) انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 96، 97، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 39، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 83.
(2)
في ط: "ببعض".
(3)
"في" ساقطة من ز.
(4)
"بعض" ساقطة من ط.
(5)
انظر: القاموس المحيط 4/ 154، 155، فصل العين باب الميم مادة (عمّ) كتاب الأفعال للسرقسطي 1/ 204.
والخصوص هو: الانفراد بشيء (1).
والمساواة هي: المماثلة (2).
والمباينة هي: المباعدة مأخوذ من البين، وهو: البعد (3).
قوله: (الحقائق كلها على (4) أربعة أقسام).
ش: والمراد بهذه الأقسام الأربعة: المساواة، والمباينة، والعموم مع الخصوص من كل وجه، والعموم من وجه مع الخصوص من وجه، فكل أمرين من الأمور المعقولة فلا بد بينهما من أحد هذه الأمور الأربعة.
قال المؤلف في الشرح: دليل حصر الحقائق في هذه الأقسام الأربعة أن المعلومين إما أن يجتمعا، أو لا، الثاني: هما المتباينان، والأول: لا يخلو إما أن يصدق [على](5) كل واحد منهما في جميع موارد الآخر [أو لا، والأول: هما المتساويان، والثاني: أن يصدق أحدهما في جميع موارد الآخر](6) من غير عكس فهو الأعم مطلقًا، والأخص مطلقًا، وإلا فهو الأعم من وجه، والأخص من وجه (7).
قوله: (إِما متساويان (8) وهما اللذان يلزم من وجود كل واحد منهما
(1) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 474.
(2)
انظر: القاموس المحيط 4/ 345، فصل السين باب الواو مادة (سواء).
(3)
انظر: القاموس المحيط 4/ 204، فصل الباء، باب النون مادة (بين).
(4)
"على" ساقطة من أوخ وش وط.
(5)
المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.
(6)
المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.
(7)
نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 96.
(8)
في ش: "متساويات".
وجود الآخر ومن عدمه عدمه؛ كالرجم وزنا المحصن).
ش: واعلم أن هذا الفصل يحتوي على خمسة مطالب:
أحدها: المتساويان، وهذا الذي فسره المؤلف مثاله: الرجم مع زنا المحصن، فهما متلازمان في الوجود، والعدم.
قال المؤلف في الشرح: تمثيلي المتساويين بالرجم وزنا المحصن إنما يجري على مذهب الشافعي (1) القائل بأن اللائط لا يرجم.
وأما على مذهب من قال برجمه (2): فالرجم أعم من زنا المحصن مطلقًا (3)، وزنا المحصن أخص مطلقًا، فنقول إذًا على تساوي المعنيين: كل (4) مرجوم زان محصن، وكل زان محصن مرجوم، فهما متلازمان، وجودًا أو عدمًا (5)، هذا مثال المتساويين في الفقهيات.
ومثالهما في العقليات: الإنسان مع الضاحك بالقوة، فلا إنسان إلا وهو ضاحك بالقوة، ولا ضاحك بالقوة (6) [إلا وهو إنسان، والمراد
(1) لم ينسب القرافي هذا المذهب للشافعي، بل نسبه المسطاسي في شرح التنقيح ص 39.
وذكر أبو إسحاق الشيرازي في التنبيه (ص 140) في اللائط قولين:
الأول: أنه يجب عليه الرجم.
والثاني: يجب عليه الرجم إن كان محصنًا والجلد والتغريب إن لم يكن محصنًا.
(2)
أي برجمه مطلقًا سواء كان محصنًا أو غير محصن، وهو قول الإمام مالك وهو المشهور في مذهب مالك.
انظر: المنتقى للباجي 7/ 141، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 39.
(3)
نقل المؤلف بالمعنى: انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 97.
(4)
"كل" ساقطة من ط.
(5)
"أو عدمًا" ساقطة من ز، وفي ط:"وعدمًا".
(6)
في الأصل: "إلا بالقوة"
بالقوة] (1) كونه قابلاً له وإن لم يقع، بخلاف الضاحك بالفعل وهو المباشر للضحك (2)، وإنما سميا متساويين لتساويهما في الدلالة على الملازمة من جهة (3) الوجود والعدم.
قوله: (وإِما متباينان وهما: اللذان لا يجتمعان (4) في محل (5)؛ كالإِسلام والجزية).
ش: هذا هو المطلب الثاني، وهما المتباينان.
مثالهما: الإسلام والجزية، هذا مثالهما في الفقهيات.
ومثالهما في العقليات: الإنسان مع الفرس، فلا شيء من الإنسان بفرس، ولا شيء من الفرس بإنسان (6).
(1) المثبت بين المعقوفتين من ز وط ولم يرد في الأصل.
(2)
انظر هذا المثال العقلي للمتساويين في شرح التنقيح للقرافي ص 96.
(3)
في ط: "جهتي".
(4)
في خ: "لا يجتمع أحدهما مع الآخر في محل واحد".
(5)
في ش: "في محل واحد".
(6)
انظر هذا المثال العقلي للمتباينات في: شرح التنقيح للقرافي ص 96.
ذكر البناني في شرح السلم في المنطق (ص 87): للتباين أربعة أقسام:
1 -
أن يكون كليًا في المفهوم والمصدوق بأن لا يصدق أحدهما على شيء مما يصدق عليه الآخر؛ كالإنسان والحجر.
2 -
تباين المشتق منه، كالعلم والعالم.
3 -
التباين في المفهوم فقط مع تساويهما في المصدوق، كالضاحك والناطق.
4 -
التباين في المفهوم مع عدم التساوي بأن يفترقا في بعض أفراد المصدوق، والافتراق إما من جهة واحدة وهو: العموم والخصوص بإطلاق؛ كالحيوان والإنسان
…
وإما من الجهتين معًا وهو: العموم والخصوص من وجه؛ كالإنسان وكالصارم والمهند".
قوله: (وإِما أعم مطلقًا وأخص مطلقًا وهما: اللذان وجد أحدهما مع وجود كل أفراد الآخر من غير عكس؛ كالغسل، والإِنزال المعتبر، فإِن الغسل أعم مطلقًا، والإِنزال أخص مطلقًا).
ش: هذا هو المطلب الثالث: ومعناهما: اللذان يصدق أحدهما في جميع موارد الآخر، ولا يصدق الآخر إلا في بعض موارد الآخر.
مثالهما في الفقهيات: الغسل مع الإنزال المعتبر.
ومعنى المعتبر: المقرون باللذة المعتادة.
[وقولنا: المقرون باللذة المعتادة (1):](2) احترازًا من العاري من اللذة، كالملدوغ، والمضروب إذا أمنى من ذلك.
وقولنا: اللذة المعتادة: احترازًا من اللذة النادرة؛ كمن حك لجرب أو صب عليه الماء (3) السخون (4) أو بشر ببشارة، أو حكم له القاضي، أو سبق في ميدان الاستباق.
ولكن هذا الاحتراز كله إنما هو على القول بعدم وجوب الغسل من هذه الصور (5) المذكورة، وأما إذا قلنا بوجوب الغسل من الإنزال مطلقًا فلا حاجة إلى قوله: الإنزال المعتبر؛ وذلك أن العلماء اختلفوا في وجوب الغسل في
(1)"المعتادة" ساقطة من ز.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(3)
"الماء" ساقطة من ط.
(4)
في ز: "المسخون".
(5)
في ط: "الصورة".
هذه الأمثلة المذكورة على قولين (1).
ثم إذا قلنا بعدم الوجوب فهل يجب الوضوء أم لا؟ قولان أيضًا.
قال أبو عمرو بن الحاجب: فإن أمنى بغير لذة أو بلذة غير معتادة كمن حك لجرب، أو لدغته عقرب، أو ضرب فأمنى: فقولان (2)، وعلى النفي
(1) حرر ابن رشد الخلاف في هذه المسألة فقال: اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبًا للطهر:
1 -
فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك.
2 -
وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء خرج بلذة أو بغير لذة، وسبب اختلافهم في ذلك هو شيئان:
أحدهما: هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة غير المعتادة أم ليس ينطلق عليه؟
فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة.
ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج أوجب منه الطهر وإن لم يخرج مع لذة.
والسبب الثاني: تشبيه خروجه بغير لذة بدم الاستحاضة واختلافهم في خروج الدم على جهة الاستحاضة، هل يوجب طهرًا أم ليس يوجبه.
انظر: بداية المجتهد 1/ 47، 48.
وانظر أيضًا: المنتقى للباجي 1/ 105، المغني لابن قدامة 1/ 199، المجموع شرح المهذب 2/ 139.
(2)
يقول محمد بن عبد السلام في شرحه لكتاب ابن الحاجب: وقوله: "فإن أمنى بغير لذة
…
" إلى آخره وهما راجعان إلى مراعاة الصور النادرة؛ لأن العادة خروج المني بلذة الجماع أو بمقدماته، فلا فرق بين خروجه عن غير لذة مطلقًا، كالملدوغ والمضروب، وبين لذة غير معهودة معه، كحك الجرب. =
ففي الوضوء قولان.
سبب [الخلاف بين](1) هذين القولين في الوضوء، هل هو بمنزلة الودي (2)؟ أو بمنزلة السلس (3)؟
فيلزم من وجود الإنزال المعتبر وجود الغسل، ولا يلزم من وجود الغسل وجود الإنزال؛ لأنه قد يجب من دم الحيض، أو دم النفاس أو الإيلاج وغير
= (ج 1 ورقة 16 ب) مخطوط في خزانة ابن يوسف في مراكش برقم 322/ 1.
ويقول الخرشي في شرح مختصر خليل (1/ 163): يجب الغسل بسبب خروج مني بلذة معتادة لا إن خرج بلا لذة، كمن لدغته عقرب فأمنى، أو بلذة غير معتادة لجرب، أو نزل في ماء حار فأمنى؛ فإنه لا يجب عليه الغسل على المشهور خلافًا لسحنون، وإذا لم يجب الغسل لخروج هذا المني يتوضأ.
(1)
ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.
(2)
يقول ابن رشد في المقدمات (ص 44): ويجب الوضوء من تسعة أشياء على اتفاق في المذهب وهي: المذي، والودي، والبول، والغائط، والريح، والقبلة مع وجود اللذة أو القصد إليها، والمباشرة، واللمس مع وجود اللذة، وزوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون.
(3)
قسم الحطاب حالات السلس إلى أربعة أقسام، لكَل قسم حكم:
الأول: أن يلازم ولا يفارق، فلا يجب الوضوء ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.
الثاني: أن يكون ملازمته أكثر من مفارقته فيستحب الوضوء، إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان:
قال ابن رشد: والمشهور لا يجب، وقال ابن هارون: الظاهر الوجوب.
الرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء.
انظر: شرح مختصر خليل 1/ 191، 192.
ذلك من أسباب الغسل.
قوله: (كالغسل والإِنزال المعتبر) هذا مثالهما في الفقهيات.
ومثالهما في العقليات: الإنسان مع الحيوان.
فالحيوان أعم مطلقًا؛ لأنه يصدق في جميع أفراد الإنسان، والإنسان أخص مطلقًا، لأنه لا يصدق إلا في بعض أفراد الحيوان.
قوله: (وإِما كل واحد منهما أعم من وجه، وأخص من وجه، وهما: اللذان يوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه؛ كحل النكاح مع ملك اليمين، يوجد (1) حل (2) النكاح بدون الملك (3) في الحرائر، ويوجد الملك بدون حل النكاح في موطوءات الآباء من الإِماء، ويجتمعان معًا في الأمة التي ليس فيها مانع شرعي) (4).
ش: هذا هو المطلب الرابع، وهو كون كل واحد منهما أعم، وأخص، مثالهما: حل النكاح الذي هو الوطء مع ملك اليمين.
وضابطهما: أنهما يجتمعان في سورة، وينفرد (5) كل واحد منهما بصورته (6) هذا مثالهما في الفقهيات.
(1) في أوخ وش: "فيوجد".
(2)
في ط: "حد".
(3)
في ش "بدون ملك اليمين في الحرائر".
(4)
"شرعي" ساقطة من أوخ.
(5)
في ط: "وينفرد أيضًا".
(6)
في ز: "بصورة".
ومثالهما في العقليات: الحيوان والأبيض (1)، يوجد الحيوان بدون الأبيض في السودان، ويوجد الأبيض بدون الحيوان في الثلج واللبن، ويجتمعان في الحيوان الأبيض.
قوله: (فيستدل بوجود المساوي على وجود مساويه، وبعدمه على عدمه وبوجود الأخص على وجود الأعم، وبنفي الأعم على نفي (2) الأخص، وبوجود المباين على عدم (3) مباينته (4) ولا دلالة (5) في الأعم من وجه مطلقًا، ولا في عدم الأخص، ولا في (6) وجود الأعم)
ش: هذا هو المطلب الخامس وهو المراد بالأحكام المذكورة في الترجمة، فذكر المؤلف خمسة أنواع من الاستدلال:
أحدها: الاستدلال بوجود المساوي على وجود مساويه.
الثاني: الاستدلال بعدم المساوي على عدم مساويه.
الثالث: الاستدلال بوجود الأخص على وجود الأعم.
الرابع: الاستدلال بعدم الأعم على عدم الأخص.
الخامس: الاستدلال بوجود المباين على عدم مباينه.
(1) المثبت من ط وز، وفي الأصل:"الأبيض".
(2)
في ط: "وجود".
(3)
في أوش: "على عدم وجود مباينه".
(4)
في أوخ وش وز: "مباينه".
(5)
في ز: "ولا دليل".
(6)
"في" ساقطة من أوش.
فالاستدلال بالمساوي من جهتين (1): من جهة الوجود، ومن جهة العدم، والاستدلال بوجود الأخص من جهة واحدة وهي: جهة الوجود خاصة، والاستدلال بعدم الأعم من جهة واحدة وهي: جهة العدم خاصة، والاستدلال بوجود المباين هو أيضًا من جهة واحدة، وهي: جهة الوجود.
قوله: (وبوجود المباين على عدم ماينه) يقتضي: أن دلالة المباين من جهة الوجود خاصة دون جهة العلم، وهذا صحيح في المباين الضد، نحو الجسم: إما جماد وإما حيوان؛ إذ لا دلالة في عدم أحدهما على وجود الآخر ولا على (2) عدمه؛ لأن الجسم قد يكون نباتًا.
وكذلك قولك: اللون إما أسود، وإما أبيض، ولا دلالة في عدم أحدهما على [وجود](3) الآخر ولا على عدمه؛ لأن اللون قد (4) يكون أحمر (5).
وأما إما كان المباين نقيضًا فيدل من جهتي الوجود والعدم نحو: العدد إما زوج وإما فرد، فيستدل بوجوده على العدم وبعدمه على الوجود.
وذكر المؤلف ثلاثة أنواع لا دلالة فيها وهي: الاستدلال بوجود الأعم من وجه مطلقًا، أي: لا دلالة فيه مطلقًا لا على الوجود ولا على العدم.
النوع الثاني: الاستدلال بعدم الأخص: لا دلالة فيه مطلقًا، لا على الوجود ولا على العدم.
(1) المثبت من ط وز، وفي الأصل:"وجهين".
(2)
في ط: "مع".
(3)
المثبت من ط، ولم ترد في الأصل وز.
(4)
"قد" ساقطة من ز.
(5)
في ز: "أحمر من وجه".
النوع الثالث: الاستدلال بوجود الأعم، لا دلالة فيه مطلقًا لا على الوجود ولا على العدم.
وإلى هذه الثلاثة المسلوبة الدلالة أشار المؤلف بقوله: (ولا دلالة في الأعم من وجه مطلقًا
…
) إلى آخره أي: لا دلالة في الأعم من وجه مطلقًا كقولك: في الدار حيوان، لا يلزم أن يكون: أبيض أو غير أبيض.
ولا دلالة في عدم الأخص، كقولك: ليس في الدار إنسان لا يلزم أن يكون فيها غير إنسان من الحيوان، أو لا يكون فيها.
ولا دلالة في وجود الأعم كقولك: في الدار حيوان، لا يلزم أن يكون إنسانًا أو (1) غير إنسان، وبالله التوفيق.
…
(1) في ط: "ولا".