المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس في متعلقه - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٢

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل السادس في متعلقه

‌الفصل السادس في متعلقه

ش: شرع المؤلف - رحمه الله تعالى - (1) في هذا الفصل في بيان متعلق الوجوب (2)، فالضمير في قوله: متعلقه يعود على الوجوب، يريد في متعلق الوجوب بالنسبة إلى الواجب فيه، والواجب نفسه، والواجب عليه.

فالواجب فيه هو: الواجب الموسع، والواجب نفسه هو: الواجب المخير، والواجب عليه هو: الواجب على الكفاية.

وذلك أن الوجوب (3) ينقسم بحسب وقته إلى: موسع، ومضيق، وينقسم بحسب المأمور به إلى: معين، ومخير، وينقسم بحسب المأمور إلى: عين، وكفاية.

قوله: (في متعلقه).

قال بعضهم: يعود الضمير على الأمر، فمتعلقه ثلاثة وهي: المأمور،

(1)"تعالى" لم ترد في ط.

(2)

انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 150 - 160، شرح التنقيح للمسطاسي ص 66 - 71، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 128 - 137.

(3)

في ط وز: "الواجب".

ص: 571

والمأمور به، والمأمور فيه، فالمأمور هو: المكلف، والمأمور به هو: الفعل، والمأمور فيه هو: الوقت، وفي كل واحد قسمان:[فالمأمور ينقسم إلى: عين وكفاية](1)، والمأمور به ينقسم (2) إلى: معين (3)، ومخير، والمأمور (4) ينقسم إلى: موسع، ومضيق (5)، فهذه ستة أقسام.

و (6) التأويلان المذكوران في معود (7) الضمير راجعان إلى معنى واحد.

فمثال الواجب الموسع: وقت الظهر مثلاً وغيرها من الأوقات المتوسعة (8) للعبادة.

ومثال الواجب الضيق: وقت المغرب.

ومثال الواجب المعين: التوجه إلى الكعبة المعظمة.

ومثال الواجب المخير: أحد الخصال الثلاث في كفارة اليمين بالله عز وجل.

ومثال الواجب على العين: الصلوات الخمس.

ومثال الواجب على الكفاية: جهاد الكفار، وطلب العلم.

(1) المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(2)

المثبت من ز، وفي الأصل:"فالمأمور ينقسم".

(3)

في ز: "عين".

(4)

في ط: "والمأمور فيه".

(5)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 66.

(6)

"الواو" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "موعود".

(8)

في ز وط: "المتسعة".

ص: 572

فالحاصل مما ذكرنا أن متعلق الوجوب ثلاثة وهي (1):

المأمور، والمأمور به، والمأمور فيه.

فالمأمور هو: المكلف، وفيه قسمان: وهما (2):

إما عين، وإما كفاية.

والمأمور به هو: الفعل، وفيه قسمان:

إما معين، وإما مخير.

والمأمور فيه: هو: الوقت، وفيه قسمان: وهما (3):

إما موسع، وإما مضيق.

فهي ستة أقسام، وهي التي تعرض المؤلف لبيانها في هذا الفصل.

قال شهاب الدين في القواعد السنية (4): إن (5) الواجب الكلي مخصوص (6) في عشرة أصناف وهي: الواجب نفسه، والواجب فيه، والواجب به سببًا، والواجب به أداة، والواجب عليه، والواجب عنه، والواجب عنده، والواجب منه، والواجب إليه، والواجب مثله.

فالواجب نفسه: هو: الواجب المخير، مثاله: أحد الخصال الثلاث (7) في

(1) في ز: "وهو".

(2)

"وهما" ساقطة من ز وط.

(3)

"وهما" ساقطة من ط.

(4)

"السنية" ساقطة من ط.

(5)

"أن" ساقطة من ط.

(6)

في ط وز: "منحصر".

(7)

في ط: "الثلاثة".

ص: 573

كفارة اليمين بالله عز وجل.

والواجب فيه مثاله: الواجب الموسع؛ كالقامة في الظهر.

والواجب به سببًا: مثاله السبب؛ كالزوال سببًا لوجوب الظهر (1) وكالإتلاف سببًا لوجوب الضمان، وكالنصاب سببًا لوجوب الزكاة.

والواجب به (2) أداة: مثاله (3): الماء الذي يتطهر (4) به؛ لأنه ليس سببًا للوجوب، بل هو أداة يفعل بها الفعل (5)، وسبب الطهارة إنما هو الحدث، وكذلك التراب في التيمم، هو: أداة وليس بسبب، وكذلك الثوب للسترة في الصلاة هو: أداة وليس بسبب.

والواجب عليه: هو: المكلف في فرض الكفاية.

والواجب عنه: مثاله: الإنسان الذي تخرج عنه زكاة الفطر كالعبد والزوجة.

والواجب عنده مثاله: الشرط كالحول بالنسبة إلى وجوب الزكاة، فإن النصاب هو الذي تجب به الزكاة، وأما دوران الحول فلا تجب به، وإما تجب عنده.

وكذلك عدم المانع كعدم الدين في الزكاة، وعدم (6) الحيض في الصلاة،

(1) في ز: "سبب للظهر".

(2)

في ط: "فيه".

(3)

"مثاله" ساقطة من ز.

(4)

في ط وز: "يتطهر به للعبادة".

(5)

في ز: "بفعل ما الفعل".

(6)

في ط: "وكعدم".

ص: 574

فإن الزكاة لا تجب بعدم الدين، وإنما (1) تجب عنده لا به، [وكذلك الصلاة لا تجب بعدم الحيض، وإنما تجب عنده لا به؛ لأنها إنما تجب بدخول الوقت](2).

وكذلك عدم الماء يجب عنده التيمم؛ لأن سبب الوجوب إنما هو الحدث لا عدم الماء.

والواجب منه: مثاله: الأجناس التي تخرج منها الزكاة من بهيمة الأنعام، والنقود، والحبوب، والثمار، والكفارات.

والواجب إليه مثاله: الغايات التي ينتهي إليها الحكم الشرعي؛ كغروب الشمس بالنسبة إلى صيام اليوم، وكشهر شوال بالنسبة إلى صوم شهر رمضان.

وكذلك (3) أوقات العدد، والاستبراء، والإحداد.

والواجب مثله مثاله: جزاء الصيد في الحج، فإنه يجب إخراج مثل الصيد المقتول.

وكذلك إتلاف المثليات من المكيلات والموزونات، يجب إخراج مثلها كما هو المعروف في كتب الفقه.

فهذه عشرة أشياء تعلق الوجوب في جميعها بالقول (4) المشترك، وهي

(1) في ز: "وأنه"، وفي ط:"وأنها".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

في ط: "وكقولك".

(4)

في ز: "بالقدر"، وفي ط:"الوجوب فيها بالقدر".

ص: 575

كلها متعلق الوجوب (1).

ولكن لم يتعرض المؤلف ها هنا إلا لثلاثة منها، وهي: الواجب فيه، والواجب نفسه، والواجب عليه.

فإذا تقرر هذا ففي هذا الفصل تسعة مطالب:

أحدها: في (2) الواجب الموسع.

والثاني: الواجب المخير.

والثالث: الواجب على الكفاية.

والرابع: الفرق بين هذه الثلاثة.

والخامس: هل المشترط في فرض الكفاية اليقين أو الظن؟

والسادس: في السبب الذي من أجله سقط فرض الكفاية عن (3) تاركه بفعل فاعله.

والسابع: ما الحكمة في جعل بعض الأحكام على الأعيان وجعل بعضها على الكفاية؟

والثامن: في الفوائد الثلاث (4) التي ذكرها المؤلف.

(1) نقل المؤلف هذه العشرة باختصار شديد، وقد أطال القرافي عليها في الفروق، في الفرق التاسع والستين بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب 2/ 67 - 82.

(2)

"في" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "على".

(4)

في ز: "الثلاثة".

ص: 576

والتاسع: في الأمر المعلق على الاسم الذي له مراتب، هل يتعلق (1) بأولها أو بآخرها؟

قوله: (فالواجب الموسع هو (2): أن يكون زمان الفعل يسع أكثر منه).

ش: هذا هو المطلب الأول، وهو الواجب الموسع، ذكر المؤلف معناه، وأقسامه، وحكمه.

أما معناه فهو: كون زمان الفعل المأمور به يسع أكثر من الفعل المأمور به.

واعلم أن الوقت بالنسبة إلى الفعل على ثلاثة أضرب:

تارة يكون الوقت مساويًا للفعل؛ كوقت المغرب وصوم يوم.

وتارة يكون الوقت أقل من الفعل؛ كما إذا (3) بقي من الوقت مقدار ركعة واحدة، ففي هذا ثلاثة أقوال:

قيل: الجميع أداء.

وقيل: الجميع قضاء.

وقيل: ما وقع (4) في الوقت أداء، وما وقع خارج الوقت قضاء.

وتارة يكون الوقت أكثر من الفعل؛ كوقت الظهر والعصر، والعشاء والصبح، وهذا الضرب هو المعبر عنه (5) بالواجب الموسع، وهو: أن يكون

(1) في ز: "يعلق".

(2)

في أوش: "وهو".

(3)

في ط: "كإذا".

(4)

في ط: "لمواقع".

(5)

في ط وز: "المعبر عنه عندهم".

ص: 577

يكون الوقت أكثر من الفعل المأمور به كما قال المؤلف.

قوله: (وقد لا يكون محدودًا، بل مغيا بالعمر (1)، وقد يكون محدودًا كأوقات الصلاة (2)).

ش: وهذا أقسام الواجب الموسع، قسمه (3) المؤلف إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون وقته غير محدود.

[والثاني: أن يكون وقته محدودًا](4).

مثال ما وقته غير محدود: كالحج على القول بتأخيره (5)، والعمرة، والنذر، والكفارة، وقضاء الصلوات (6) الفائتة.

ومثال ما وقته محدود: كوقت الظهر، والعصر، والعشاء، والصبح.

قوله: (وقد لا (7) يكون محدودًا كأوقات الصلوات).

ش: هذا القسم هو محل الخلاف بين العلماء.

قوله: (وهذا يعزى للشافعية منعه).

ش: الإشارة عائدة على (8) الواجب الموسع المحدود.

(1) في ز: "باللأمر".

(2)

في خ وش: "الصلوات".

(3)

في ط: "فقسمه".

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(5)

في ز وط: "بتراخيه".

(6)

في ط وز: "الصلاة".

(7)

"لا" ساقطة من ز وط.

(8)

في ز: "إلى".

ص: 578

و (1) قوله: (يعزى) معناه: ينسب؛ لأنك تقول: عزوت كذا إلى كذا إذا نسبته إليه.

وقوله: (منعه) أي: منع الواجب الموسع المحدود، أي: منع التوسع؛ ذلك أن الواجب الموسع المحدود اختلف فيه أرباب العلم.

ذكر فيه المؤلف في القواعد السنية (2) سبعة أقوال: قولان في جوازه، وخمسة أقوال في منعه (3).

(1)"الواو" ساقطة من ز.

(2)

الفروق 2/ 75 - 77.

(3)

المعترفون بالواجب الموسع القائلون بجوازه اختلفوا فيه على قولين:

الأول: أنه يجوز ترك الصلاة في أول الوقت إلى بدل هو: العزم عليها، وهو: قول أكثر المتكلمين، واختاره أبو بكر الباقلاني.

الثاني: أنه لا حاجة للبدل، أي لا يجب العزم على الإتيان بالفعل، واختار هذا القول أبو الحسين البصري، والإمام فخر الدين.

والقائلون بمنع الواجب الموسع وأن وقت أدائه ضيق، اختلفوا في وقته المضيق على خمسة أقوال:

القول الأول: أن الوجوب مختص بأول الوقت، وأنه لو أتى به في آخر الوقت كان قضاء سد مسد الأداء، وعزاه القرافي وفخر الدين لبعض الشافعية.

القول الثاني: أن الوجوب مختص بآخر الوقت، وأنه لو أتى به في أول الوقت كان مثل تعجيل الزكاة، قال به بعض من الحنفية.

القول الثالث: أن الوجوب متعلق بوقت الأداء سواء كان أول الوقت أو وسطه أو آخره، وإليه ذهب بعض الحنفية، وروي عن الكرخي أنه قال به.

القول الرابع: ذهب الكرخي من الحنفية أن الصلاة المأتي بها في أول الوقت موقوفة، فإن أدرك المصلي آخر الوقت وليس هو على صفة المكلفين كان ما فعله نفلاً، وإن أدركه على صفة المكلفين كان ما فعله واجبًا.

القول الخامس: للحنفية أيضًا بالتفصيل، وهو أن المكلف إن عجل الفعل منع تعجيله من تعليق الوجوب بآخر الوقت فلا يجزئ نفل عن فرض، ولا يكون موقوفًا، بل =

ص: 579

فإذا قلنا بجوازه فهل يجب العزم على الإتيان بالفعل آخر الوقت إذا أخره أو لا يجب عليه ذلك؟ قولان.

[فهذان قولان](1) في جوازه.

أما الأقوال الخمسة الكائنة في منعه فأحدها: منع التوسعة على الإطلاق.

وقالوا: لا يمكن أن يكون الوقت أزيد من الفعل، فالوجوب (2) متعلق بأول الوقت، فإن فعل الفعل آخر الوقت فذلك قضاء يسد مسد الأداء، أي: يقوم مقام الأداء في سقوط الإثم (3).

وإلى هذا القول (4) أشار المؤلف بقوله: (هذا (5) يعزى للشافعية (6) منعه،

= ينوي به النفل، وإن عجله كان آخر الوقت واجبًا موصوفًا بصفة الوجوب.

انظر: تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 150 - 152، الفروق للقرافي 2/ 75 - 77، شرح التنقيح للمسطاسي ص 66، 67، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 128، 129، الإحكام للآمدي 1/ 105 - 108، المحصول ج 1 ق 2 ص 289 - 304، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 241، المستصفى 1/ 69، 70، المعتمد 1/ 124 - 133، المنخول ص 121، الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 93 - 98، البرهان 1/ 238، 239، نهاية السول 1/ 160 - 178، اللمع للشيرازي المطبوع مع تخريجه ص 72، العدة لأبي يعلى 1/ 310 - 314، المسودة ص 28، 29، تيسير التحرير 2/ 191 ،192، فواتح الرحموت 1/ 73 - 75، ميزان الأصول ص 217، 218.

(1)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(2)

في ز: "فالواجب".

(3)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: الفروق للقرافي 2/ 75 - 77.

(4)

في ط: "الوقت".

(5)

في أوش وز وط: "وهذا".

(6)

في أ: "للشافعي".

ص: 580

بناء على تعلق (1) الوجوب بأول (2) الوقت، والواقع بعد ذلك قضاء يسد مسد الأداء).

قال المؤلف في الشرح: الشافعية اليوم تنكر هذا المذهب، غير أنه منقول في كتب كثيرة من كتب الأصول (3).

ومستند (4) هذا القول: أن الأصل [ترتب المسببات على أسبابها، فوجوب الظهر مثلاً متعلق بأول الوقت وهو الزوال؛ إذ الأصل (5)](6) ترتب المسبب عقيب سببه، وأيضًا الجمع بين التوسع والوجوب محال؛ لأنهما متناقضان؛ لأن التوسع يقتضي جواز الترك والوجوب يقتضي منع الترك وهما منتفيان (7)(8).

أجيب عن هذا: بأن جواز الترك في زمان خاص لا ينافي (9)[الوجوب، وإنما الذي ينافي](10) الوجوب هو: جواز الترك في جميع الأزمنة، ويرد على

(1) في ز: "أن تعلق".

(2)

في ط: "الأول".

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 150.

(4)

في ط: "ومسند".

(5)

في ز: "فالأصل".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(7)

في ط وز: "متنافيان".

(8)

ذكر هذا الدليل بمعناه القرافي في الفروق 2/ 76.

(9)

في ز: "تنافي".

(10)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

ص: 581

هذا المذهب: أن الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء لغير عذر غير معلوم في الشريعة، وقد اتفق العلماء على جواز التأخير في الصلاة وجواز التعجيل، وأما الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء لعذر فهو معلوم في الشريعة؛ كتفويت الأداء في حق المسافر فيصوم قضاء، فهذا مدرك هذا المذهب وما يرد عليه (1).

قوله: (وللحنفية (2) منعه بناء على تعلق الوجوب بآخر الوقت والواقع قبله نفل يسد مسد الواجب).

ش: هذا هو القول الثاني، وهو قول جمهور الحنفية أن الوجوب متعلق بآخر الوقت.

ومستند (3) هذا القول: أن الإثم إنما تعلق (4) بآخر الوقت على تقدير ترك الفعل، ولا يتعلق الإثم بأول الوقت؛ لأنه لو كان الوجوب متعلقًا بأول الوقت لكان مأثومًا بالتأخير عن أول الوقت؛ لأنه ترك واجبًا من (5) غير عذر ولا قائل بالتأثيم إذا أخر الفعل عن أول الوقت؛ لأن خاصية الوجوب الإثم، فإذا انتفى الإثم انتفى الوجوب؛ لأن انتفاء (6) خاصية الشيء يقتضي انتفاؤه (7)،

(1) نقل المؤلف هذا الاعتراض بمعناه من شرح التنقيح للقرافي ص 150، 151، وانظر أيضًا: الفروق للقرافي 2/ 76، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

(2)

"وللحنفية" ساقطة من ط.

(3)

في ط وز: "ومسند".

(4)

في ط: "يتعلق".

(5)

في ط: "عن".

(6)

في ط: "لانتفاء".

(7)

في ط: "انتفاء".

ص: 582

وثبوت خاصية الشيء يقتضي ثبوته (1).

وهذا معنى قوله: (وللحنفية منعه)[أي: منع التوسع بناء على تعلق الوجوب بآخر الوقت، أي: ويعزى للحنفية منعه](2)(والواقع (3) قبله) أي: قبل آخر الوقت، (نفل يسد مسد الواجب) أي: يقوم مقام الواجب في سقوط الإثم.

أجيب عن هذا: بأن ترتيب الإثم؛ لأجل تعطيل القدر المشترك، لا لأجل تعلق الوجوب (4) بآخر الوقت (5).

ويرد (6) على هذا المذهب: أن إجزاء غير الواجب عن الواجب خلاف الأصول والقواعد، هذا مدرك هذا المذهب وما يرد عليه (7).

قوله: (وللكرخي (8) منعه؛ بناء (9) على أن الواقع من الفعل موقوف، فإِن كان الفاعل (10) في آخر الوقت من المكلفين فالواقع فرض، وإِلا فهو (11)

(1) انظر هذا الدليل بمعناه في شرح التنقيح للقرافي ص 151، والفروق 2/ 76، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

في ط: "قوله والواقع".

(4)

في ز: "الواجب".

(5)

ذكر هذا الجواب المسطاسي في شرح التنقيح ص 67.

(6)

في ط: "ويريد".

(7)

ذكر هذا الرد القرافي في شرح التنقيح ص 151، وفي الفروق 2/ 76.

(8)

في أ: "والكرخي".

(9)

"بناء" ساقطة من أ.

(10)

"الفاعل" ساقطة من ز.

(11)

في ز: "فهي".

ص: 583

نفل).

ش: أي: ويعزى للكرخي (1) من الحنفية منع التوسع؛ بناء على أن فعل الفاعل في أول الوقت أو وسطه.

(موقوف) أي: غير موصوف بالفرض ولا بالنفل، فإن كان الفاعل من المكلفين في آخر الوقت (2) فالفعل الذي فعله أولاً هو فرض، وإن لم يكن من المكلفين في آخر الوقت فالفعل الذي فعله أولاً هو نفل.

ومستند هذا القول: أن الواجب هو الذي يجزي عن الواجب، والأداء هو الذي يجزي عن الأداء بخلاف القولين الأولين؛ إذ في أحدهما إجزاء النفل عن الواجب، وفي الآخر إجزاء (3) القضاء عن الأداء، وكلاهما خلاف الأصول والقواعد.

[ويرد على هذا المذهب: أن صلاة تقع في الوجود لا توصف بكونها فرضًا ولا نفلاً خلاف الأصول والقواعد](4).

وأيضًا: انعقد الإجماع على أن من صلى أول الوقت فمات، فهو مؤد لفرضه إجماعًا، فهذا مدرك هذا المذهب وما يرد عليه (5).

(1) في ز: "للكراخي".

(2)

في ط: "الفاعل في آخر الوقت من المتكلفين".

(3)

في ط: "جزاء".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

وقد ذكر هذا الرد القرافي في شرح التنقيح ص 151، انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

(5)

ذكر هذا الجواب المسطاسي في شرح التنقيح ص 67.

ص: 584

فهذه الأقوال (1) المذكورة في منع التوسع ذكرها (2) المؤلف ها هنا.

القول الرابع للحنفية أيضًا: ذكره المؤلف في الشرح، وفي القواعد: أن الوجوب متعلق بوقت الإيقاع، أي وقت كان: أوله، أو وسطه أو آخره (3).

ومستند هذا القول: الفرار من الإشكالات الواردة على الأقوال الثلاثة المقدمة (4)، إذ لا يلزمه شيء من الإلزامات المتقدمة.

ويرد على هذا المذهب: أن المعروف في الشريعة تعيين الوقت قبل الفعل، أما (5) تعيين الوقت بالفعل فهو غير مقصود (6) في الشريعة، فهذا مدرك هذا المذهب وما يرد عليه (7).

القول الخامس للحنفية أيضًا ذكره المؤلف في الشرح وفي القواعد: أن المكلف إن عجل الفعل منع تعجيله من تعلق الوجوب بآخر الوقت، فلا

(1) في ط وز: "الأقوال الثلاثة".

(2)

في ز: "ذكره".

(3)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"وآخره"، وانظر: شرح التنقيح للقرافي ص 151، والفروق للقرافي 2/ 76، 77، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

(4)

في ط: "المتقدمة".

(5)

في ز وط: "وأما".

(6)

في ز وط: "معهود".

(7)

انظر هذا الاعتراض في: شرح التنقيح للقرافي ص 151، الفروق 2/ 77، شرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

ص: 585

يجزي نفل عن فرض، ولا يكون موقوفًا، بل هو غاية (1) النفل، وإن لم يعجله كان آخر الوقت واجبًا موصوفًا بصفة الوجوب، فلا يرد عليه ما ورد على الكرخي (2).

ويرد على هذا المذهب: أن الرسول (3) صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ما صلّوا فرضًا قط؛ لأنهم كانوا يصلون أول الوقت، ولا يؤخرون إلى آخر الوقت فيفوت لهم على هذا القول أجر (4) الواجب (5)، وذلك في غاية البعد (6).

ولكن هذا القول لم يظهر لي؛ لأن قولهم: تعجيل الفعل يمنع من تعلق الوجوب بآخر الوقت، ما صفة هذا التعجيل هل النفل أو الفرض أو الإبهام؟

فإن كان نفلًا فهو: قول الحنفية القائلة: بأن الفعل أول الوقت نفل، وإن كان فرضًا فهو: قول الشافعية القائلة: بأن الفعل أول الوقت فرض، وإن كان أمرًا مبهمًا (7) فلا معنى له، والله أعلم.

فهذه مدارك (8) هذه المذاهب وما يرد عليها من الإشكالات.

(1) في ز وط: "بل ينوي به النفل".

(2)

بيان هذا القول هو نص كلام القرافي في الفروق (2/ 76) وانظر: شرح التنقيح للقرافي ص 151، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 67.

(3)

في ط: "رسول".

(4)

في ط: "إذ".

(5)

في ز: "أجزاء الوجوب".

(6)

في ز: "في غاية من البعد" وانظر هذا الاعتراض في: شرح التنقيح للقرافي ص 151، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 67، والفروق للقرافي 2/ 76.

(7)

في ط: "منهما".

(8)

في ز: "مدرك".

ص: 586

قوله: (ومذهبنا جوازه (1)).

ش: أي: ومذهبنا نحن المالكية وهو قول جمهور العلماء جواز الواجب الموسع المحدود.

قوله: (والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين).

ش: معناه: والتكليف عندنا متعلق بالقدر المشترك الذي هو: مفهوم جزء الزمان وهو أمر كلي لا جزئي، وهو: معنى شائع بين أجزاء الوقت كلها لا يتعين لجزئي أولي، ولا لجزئي آخري، ولا لجزئي وسطي (2)؛ لصدقه على كل جزء على البدلية.

ومدرك هذا المذهب الجمهوري: أن قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (3) عام لجميع أجزاء الوقت؛ لأنه يصلح (4) لكل جزء من أجزاء الوقت للظهر، فتعيين (5) جزء منها لإيقاع الفعل فيه تحكم، فللمكلف أن يوقع الفعل في أي جزء أراده، فالواجب الموسع في التحقيق كالواجب (6) المخير؛ لأن للمكلف أن يخص بفعله ما شاء منها.

(1) في ش: "جوازه مطلقًا".

(2)

في ز: "لا يتعين بجزء ولا بجزء وسطي".

(3)

آية رقم 78 من سورة الإسراء.

(4)

في ط: "يصح".

(5)

في ز: "فيتعين".

(6)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"كالجواب".

ص: 587

والمراد (8) بالحدين في قوله: (الكائنة بين الحدين)(1) أول الوقت وآخره.

قوله: (فلا جرم (2)).

قال المهدوي في التحصيل في قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} (3): معنى لا جرم عند الخليل وسيبويه: حق، فـ "لا"، و"جرم"(4) كلمة واحدة بنيتا على الفتح.

وعن الخليل أيضًا: أن معناها لا بد ولا محالة.

الكسائي معناها: لا صد ولا منع.

وقيل: معناها: لا قطع عن: {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} وأصل جرم من (5) معنى القطع.

وقيل: المعنى: لا قطع قاطع عن ذلك، فحذف الفاعل (6) حين كثر استعماله فصار كالمثل.

وذهب الزجّاج إلى أن لا رد لما (7) قالوا (8)، وجرم بمعنى (9) كسب، أي:

(1) في "ط": وقوله: "الكائنة بين الحدين"، والمراد بالحدين أول الوقت وآخره.

(2)

في ط: "فلا جريم".

(3)

آية 22 من سورة هود.

(4)

في ز: "فلا جرم".

(5)

في ز: "هو".

(6)

في ط: "فاعل".

(7)

في ط: "بما".

(8)

في ط: "قاله".

(9)

في ز: "معناه".

ص: 588

كسب ذلك الفعل لهم الخسران. انتهى نصه (1).

قوله: (فلا جرم: صح أول الوقت لوجود المشترك ولم يأثم بالتأخير؛ لبقاء (2) المشترك [في آخره ويأثم إِذا (3) فوت جملة الوقت لتعطيل المشترك](4) الذي هو: متعلق الوجوب).

ش: أي (5): لا ريب ولا محالة.

[صح أول الوقت أي](6): صح إيقاع الفعل في أول الوقت لوجود المشترك الذي هو: مسمى الجزء، خلافًا لمن يقول: الوجوب متعلق بآخر (7) الوقت، ولم يأثم بالتأخير لبقاء القدر المشترك الذي هو مفهوم الجزء الصالح لإيقاع الفعل فيه، خلافًا لمن يقول: الوجوب متعلق بأول الوقت، ويأثم إذا فوّت جملة الوقت لتعطيل (8) القدر المشترك، وهو (9): مسمى الجزء الشائع بين أجزاء العامة مثلًا بالنسبة إلى الظهر إلى آخر القامة.

(1) انظر: التحصيل للمهدوي في تفسيره لقوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} آخر ورقة من المخطوط وهو مخطوط ناقص الأول والآخر غير مرقم متآكل الأطراف يبدأ بتفسير آية 44 من سورة آل عمران وينتهي بتفسير آية 23 من سورة هود، وهو موجود بخزانة ابن يوسف في مراكش برقم 658.

(2)

في ز: "لوجود".

(3)

في ط: "إذ".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من أ.

(5)

في ط قوله: "لا جرم أي لا ريب".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(7)

المثبت من ز، وفي الأصل:"كآخر".

(8)

في ز: "ويأثم لتعطيل".

(9)

في ط: "وهما".

ص: 589

ويرد (1) على مذهبنا أن قالوا: التوسعة والوجوب لا يمكن اجتماعهما؛ لأن التوسعة يقتضي جواز الترك، والوجوب يقتضي منع الترك.

والجواب عنه: أنّا لا نقول بجواز الترك [مطلقًا، بل نقول بجواز الترك](2) إلى غاية، وهي (3) قوله:(ويأثم إِذا فوّت جملة الوقت).

قوله: (فلا يرد علينا مخالفة قاعدة ألبتة، بخلاف غيرنا).

ش: لأن من قال بتعيين أول الوقت وما بعده قضاء يسد (4) مسد الأداء: يلزمه مخالفة القواعد (5) وهو كون القضاء كالأداء، ومن قال بتعيين آخر الوقت [وما قبله] (6) نفل يسد مسد (7) الواجب: يلزمه مخالفة القواعد وهو كون النفل كالواجب.

ومن قال بأن الفعل موقوف: يلزمه مخالفة القواعد وهو [كون الفعل لا يوجد موصوفًا بالواجب ولا بالنفل.

ومن قال بأن الفعل موقوف بإيقاع الفعل: فيلزمه (8) مخالفة القواعد وهو] (9): تعيين (10) الوقت بالفعل - كما تقدم ذلك -، وإلى هذا أشار المؤلف

(1) في ط: "ويريد".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

في ز: "وهو".

(4)

في ز: "سد".

(5)

في ز: "القاعدة".

(6)

المثبت من "ز" و"ط" وفي الأصل (وما قبل).

(7)

"مسد" ساقطة من ط.

(8)

في ط: "ومن قال بتعيين الوقت بإيقاع الفعل فيه يلزمه".

(9)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(10)

في ط: "تغيير".

ص: 590

بقوله: (فلا يرد علينا مخالفة قاعدة ألبتة) أي: قطعًا؛ لأن ألبتة لغة معناه: القطع (1).

وهذا المذهب الذي هو مذهبنا (2) نحن المالكية، وهو ثبوت الواجب الموسع اختلف (3) هل يشترط فيه العزم (4) على الفعل بعد أول الوقت؟ قولان (5):

قيل: يشترط فيه العزم وهو المشهور في المذهب؛ لأن من لم يفعل ولا عزم على الفعل يعد معرضًا (6) عن الأمر.

وقيل: ليس بشرط؛ لأن اللفظ لم يدل مثلًا إلا على الصلاة، ولم يدل على العزم.

وفيه قول ثالث: اختاره الغزالي رضي الله عنه (7)، ذكره المؤلف [في القواعد وهو: الفرق بين الغافل والذاكر:

فمن غفل عن الفعل والترك فلا يجب عليه العزم] (8).

(1) يقول ابن منظور في اللسان: ولا أفعله ألبتة، كأنه قطع فعله، قال سيبويه: وقالوا: قعد ألبتة مصدر مؤكد ولا يستعمل إلا بالألف واللام، ويقال: لا أفعله بتة ولا أفعله ألبتة لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر، قال ابن بري: مذهب سيبويه وأصحابه أن ألبتة لا تكون إلا معرفة لا غير، وإنما أجاز تنكيره الفراء وحده وهو كوفي انظر اللسان (2/ 7) مادة "بتت".

(2)

في ط: "قدمهما" وهو تصحيف.

(3)

في ط: "وانظر اختلف".

(4)

المثبت من ط وز، ولم يرد "العزم" في الأصل.

(5)

في ز: "أولا يشترط قولان"، وفي ط:"أولا يشترط فيه قولان".

(6)

في ز: "مفرطًا"، وفي ط:"حوضًا" وهو تصحيف.

(7)

"رضي الله عنه" لم ترد في ز وط.

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

ص: 591

وأما الذاكر وهو: الذي خطر (1) بباله الفعل والترك فهذا إن لم يعزم على الفعل عزم على الترك لغير ضرورة، فيجب عليه العزم على الفعل، وهي (2): طريقة حسنة، قاله المؤلف في القواعد (3).

ها هنا فرع مرتب على القول بالتوسعة، هل يشترط سلامة العاقبة مع التأخير؟ فإذ مات قبل الفعل فقد أخّر مختارًا فيأثم، وهو قول الشافعية.

أو لا يأثم؛ لأن الشارع قد أذن له في التأخير، ومن فعل ما أذن له فيه فلا إثم عليه مع أن الأصل عدم اشتراط سلامة العاقبة وهو مذهب المالكية، وهو الصحيح من جهة النظر. انتهى (4).

فالواجب الموسع إذا أخره الإنسان فإن غلب على ظنه أنه يموت قبل فعله في وقته: فإنه مأثوم بالتأخير.

ثم إن (5) لم يمت ففعله في وقته هل ذلك أداء؟ قاله الغزالي والجمهور.

أو هو (6) قضاء؟ قاله أبو بكر (7).

وإن غلب على ظنه أنه لا يموت قبل فعله في وقته فأخّره: فهو غير مأثوم في الموسع المحدود كالظهر (8) مثلًا، وهو مأثوم في الموسع غير المحدود

(1) في ز: "حظر"، وفي ط:"وهو نظر بما له الفعل".

(2)

في ز: "وهو".

(3)

انظر: الفروق للقرافي 2/ 77، والمستصفى للغزالي 1/ 70.

(4)

نقل المؤلف بالمعنى من الفروق للقرافي 2/ 77.

(5)

في ز: "إنه".

(6)

في ط: "وهو".

(7)

في ط وز: "القاضي أبي بكر".

(8)

في ط: "كالظهر والعصر".

ص: 592

كالحج (1).

قال ابن الحاجب في كتاب (2) الأصول: مسألة [من أخر](3) مع ظن الموت قبل الفعل عصى اتفاقًا.

فإن لم يمت ثم فعله في وقته:

فالجمهور أداء.

وقال القاضي: قضاء.

فإن أراد وجوب نية القضاء فبعيد، ويلزمه لو اعتقد انقضاء الوقت قبل الموت (4) فيعصي بالتأخير.

ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة، فالتحقيق: لا يعصي، بخلاف ما وقته العمر (5). انتهى نصّه (6).

قوله: (وكذلك الواجب المخير).

(1) انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: المحصول ج 1 ق 2 ص 304، 305، المستصفى 1/ 70، 71، الإحكام للآمدي 1/ 109، شرح العضد على مختصر المنتهى 1/ 243، الإبهاج شرح المنهاج 1/ 98، 99، نهاية السول 1/ 179 - 184، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 190 - 192، الفروق 1/ 77.

(2)

"كتاب" ساقطة من ط.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"الوقت".

(5)

"العمر" ساقطة من ز.

(6)

انظر: مختصر المنتهى لابن الحاجب المطبوع مع شرح العضد وحاشية التفتازاني 1/ 243.

ص: 593

ش: هذا هو المطلب الثاني وهو الواجب المخير، وهو الواجب نفسه.

والإشارة بقوله (1): (وكذلك) راجعة إلى الواجب الموسع (2) والتشبيه راجع إلى القدر المشترك، تقديره على هذا (3): والواجب المخير كالواجب الموسع [في تعلقه بالقدر المشترك، ولكن يكون تكرارًا لقوله: بعد: والمخير عندنا كالموسع.

ويحتمل أن يكون التشبيه في مطلق الخلاف، تقديره: على هذا والواجب المخير (4) كالواجب الموسع] (5) في كونه مختلفًا فيه، ولكن ليس الخلاف كالخلاف لا (6) في عدده ولا في كيفيته؛ لأن عدد الخلاف في الواجب الموسع أربعة أقوال، وعدد (7) الخلاف في الواجب المخير ثلاثة أقوال، وكيفية الخلاف في الواجب الموسع مخالفة لكيفيته في الواجب المخير.

ومعنى الواجب المخير هو: الأمر بواحد من أحد (8) الخصال على التخيير من غير تعيين.

مثاله: قوله تعالى في كفارة اليمين بالله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ

(1) في ط وز: "في قوله".

(2)

في ط: "إلى الواجب إلى الموسع".

(3)

"على هذا" ساقطة من ط وز.

(4)

في ط: "الواجب الموسع المخير".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

"لا" ساقطة من ط.

(7)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"وعد".

(8)

في ط وز: "آحاد".

ص: 594

مَسَاكِينَ} (1) الآية.

لأن الله تعالى خيّر المكلف بين هذه الخصال الثلاث (2) وهي: الإطعام، والكسوة، والإعتاق، من غير تعيين (3) واحدة منها، فاختلف العلماء في ذلك على (4) ثلاثة أقوال (5).

قوله: (قالت المعتزلة: الوجوب (6) متعلق بجملة الخصال).

ش: هذا أحد الأقوال وهو قول المعتزلة، معناه: أن المعتزلة يقولون

(1) آية 89 من سورة المائدة.

(2)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"الثلاثة".

(3)

في ز: "تعين".

(4)

"على" ساقطة من ط.

(5)

الأمر اللفظي إما أن يكون أمرًا بواحد معين مثل: "صل"، ويسمى: واجبًا معينًا، وإما أن يكون أمرًا بواحد مبهم من أشياء معينة كما في خصال كفارة اليمين ويسمى: واجبًا مخيرًا، والأول لا خلاف فيه، وأما الثاني فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: لأهل السنة من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية أن الواجب واحد منها لا بعينه وهو القدر المشترك بينها.

المذهب الثاني: للمعتزلة أن الواجب الجميع على التخيير.

المذهب الثالث: للمعتزلة أيضًا أن الواجب واحد معين عند الله.

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 152 - 155، الفروق 2/ 67 - 75، شرح التنقيح للمسطاسي ص 68، 69، المحصول ج 1 ق 2 ص 266 - 284، الإحكام للآمدي 1/ 100 - 104، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 235 - 241، المعتمد 1/ 77 - 90، المستصفى 1/ 67، 68، نهاية السول 1/ 132 - 155، الإبهاج شرح المنهاج 1/ 84 - 90، المنخول ص 119، 120، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 175 - 182، العدة لأبي يعلى 1/ 302 - 309، المسودة ص 27، 28، تيسير التحرير 2/ 111 - 113، فواتح الرحموت 1/ 66 - 68.

(6)

في ش: "الوجوب أيضًا".

ص: 595

بوجوب الجميع على التخيير، أي: لا يجوز الإخلال بجميعها، ولا يجب الإتيان (1) بجميعها.

قال المؤلف في الشرح: وقول المعتزلة أنه متعلق (2) بالجميع معناه: بالجميع على وجه تبرأ ذمته بفعل البعض فلا يكون خلافًا للمذهب الآخر.

وعند التحقيق (3) تستوي (4) المذاهب في هذه المسألة، وتبقى لا خلاف فيها (5)، فإن المذهب الآخر ينكرونه. انتهى نصه (6).

قوله: (وعندنا وعند بقية (7) أهل السنة بواحد لا بعينه).

ش: هذا قول ثان، وهو قول الفقهاء: أن (8) الوجوب عندنا نحن المالكية، وعند بقية أهل السنة وهم، الشافعية، والحنفية، والحنبلية (9)، متعلق بفرد واحد من حيث هو واحد، أي. تعلق الوجوب بخصلة واحدة من تلك الخصال من حيث هي: خصلة ولا يتعلق بخصوصية الخصلة (10).

وانظر هذا الخلاف المذكور بين المعتزلة والفقهاء ما ثمرته؟

قالوا: الخلاف بين الفريقين لفظي لا معنوي؛ لأن الفريقين قد اتفقوا على

(1) في ط: "ألاتيا".

(2)

في ط "متعلقة".

(3)

في ط: "التحقق".

(4)

في ز: "يستوي".

(5)

"فيها" ساقطة من ط.

(6)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 153.

(7)

"بقية" ساقطة من أ.

(8)

في ط وز: "أي".

(9)

"والحنبلية" ساقطة من ز.

(10)

"الخصلة" ساقطة من ط.

ص: 596

أنه لا يجوز ترك جميع الخصال، ولا يجب فعل جميع الخصال (1).

[واتفقوا على أنه إذا فعل خصلة واحدة أجزأه.

واتفقوا على أن للمكلف أن يختار (2) أي خصلة من الخصال شاء] (3).

فلا خلاف إذًا بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في اللفظ؛ لأن المعتزلة يقولون بوجوب الجميع على التخيير، والفقهاء يقولون بوجوب واحد من حيث هو أحدها.

والمعتزلة أيضًا (4) يطلقون (5) الواجب على كل فرد بالحقيقة، ويطلقونه على القدر المشترك بالمجاز (6).

[والفقهاء يقولون بعكس ذلك؛ لأنهم يطلقون الواجب على القدر المشترك بالحقيقة ويطلقونه على كل فرد بالمجاز (7)](8).

(1)"الخصال" ساقطة من ط.

(2)

في ط: "أيختار"

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(4)

"أيضًا" ساقطة من ط.

(5)

في ز: "يقولون".

(6)

في ط: "على كل فرد بالمجاز".

(7)

القرافي وأبو الحسين البصري والإمام فخر الدين هم من الذين ردوا الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة في هذه المسألة إلى اللفظ دون المعنى، وتعقب الآمدي أبا الحسين بأن رده هذا تكلف، وقال بأن ما ذكره في تفسير وجوب الجميع وإن كان رافعًا للخلاف، غير أنه خلاف ما نقله الأئمة عن الجبائي وابنه من إطلاق القول بوجوب الجميع والدلائل المشعرة بذلك.

انظر: المعتمد 1/ 79، الأحكام للآمدي 1/ 101، نهاية السول 1/ 136، 137، المحصول ج 1 ق 2 ص 268.

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

ص: 597

قوله: (ويحكى عن المعتزلة أيضًا: أنه متعلق بواحد معين عند الله تعالى، وهو ما علم أن المكلف سيوقعه، وهم ينقلون أيضًا هذا المذهب عنا).

ش: [هذا قول ثالث وهو (1): أن الوجوب بواحد (2) معلوم عند الله تعالى، وهو مجهول عندنا، وذلك الواحد الذي تعلق به الواجب هو الذي علم الله تعالى في أزله أن المكلف سيفعله](3).

وهذا القول ينقله (4) أهل السنة عن المعتزلة، وينقله المعتزلة (5) عن أهل السنة، فكل واحد من الفريقين ينسبه إلى الآخر (6)، واتفق الفريقان على بطلانه؛ لأن هذا القول يستلزم التخيير بين الواجب المعين، وما ليس بواجب، وذلك (7) محال؛ لأن التخيير يستلزم جواز ترك كل واحد منها على

(1) في ط: "فهي".

(2)

في ط: "متعلق بواحد".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

في ط: "ينضله" وهو تصحيف.

(5)

"وينقله المعتزلة" ساقط من ط.

(6)

هذا القول يسمى بقول التراجم؛ لأن أهل السنة يروونه عن المعتزلة، والمعتزلة يروونه عن أهل السنة، ولا يعلم قائله. يقول السبكي في الإبهاج: "وعندي أنه لم يقل به قائل، وإنما المعتزلة تضمن ردهم علينا ومبالغتهم في تقرير تعلق الوجوب بالجميع ذلك، فصار معنى يرد عليه، وأما رواية أصحابنا له عن المعتزلة فلا وجه له لمنافاته قواعدهم.

انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 87، ونهاية السول 1/ 140، 141، والمحصول ج 1 ق 2 ص 267.

(7)

في ط: "وهو".

ص: 598

الخصوص، والتعيين يستلزم عدم جواز ترك المعين مع أن التخيير ثابت فيقتضي (1) التعيين (2).

قوله: (والمخير عندنا كالموسع).

ش: يعني: أن الواجب المخير عندنا نحن المالكية بمنزلة الواجب الموسع [في كونه متعلقًا بالقدر المشترك؛ لأن الواجب الموسع](3) كالقامة في الظهر مثلًا (4) تعلق الوجوب فيها بجزء شائع بين أجزاء الوقت من غير تعيين جزء من الأجزاء، وكذلك الواجب المخير تعلق الوجوب فيها (5) بخصلة (6) شائعة بين الخصال من غير تعيين خصلة من الخصال.

قوله: (والوجوب (7) فيه متعلق بمفهوم أحد (8) الخصال الذي هو (9) قدر مشترك بينها وخصوصيتها (10) متعلق التخيير (11)، فما هو واجب لا تخيير فيه، وما هو مخير لا وجوب (12) فيه).

(1) في ط وز: "فينتفي".

(2)

انظر المصادر السابقة.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

"مثلًا" ساقطة من ز.

(5)

"فيها" ساقطة من ط.

(6)

في ز: "بحمله".

(7)

في ط: "والواجب".

(8)

في ش وط: "إحدى".

(9)

"هو" ساقطة من ز.

(10)

في أوش: "وخصوصياتها".

(11)

في ز: "بالتخيير".

(12)

في أوخ وش: "فيه لا وجوب".

ص: 599

ش: يعني: أن الوجوب في الواجب المخير متعلق بالقدر المشترك بين الخصال، وهو: أحدها من حيث هو أحدها، فالواجب هو: أحد الخصال وهو القدر المشترك بينها (1) لصدقه (2) على كل واحد منها، والصادق على أشياء هو مشترك (3) بينها (4)، فالواجب إذًا هو القدر المشترك.

وأما الخصوصيات التي هي: الإطعام، والكسوة، والإعتاق: فلا تجب؛ إذ هي متعلق التخيير، فالمشترك هو متعلق الوجوب من غير تخيير [والخصوصيات هي: متعلق التخيير من غير إيجاب] (5).

قوله: (فما هو واجب لا تخيير (6) فيه، وما هو مخير لا وجوب فيه) معناه: فالقدر (7) المشترك الذي هو: واجب لا تخيير فيه للمكلف لامتناع (8) تركه، والخصوصيات التي هي: محل التخيير لا وجوب فيها (9)؛ لعدم تعيين الشارع كل واحدة (10) منها بالوجوب، فالواجب واجب من غير تخيير، والمخير فيه (11) مخير فيه غير وجوب.

(1) في ز: "بينهما".

(2)

في ز: "لصدقها".

(3)

في ط: "المشترك".

(4)

في ز: "بينهما".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

"لا تخيير" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "والقدر".

(8)

في ط: "لامتنا".

(9)

في ط وز: "فيه".

(10)

في ط: "واحد".

(11)

"فيه" ساقطة من ز.

ص: 600

وذلك: أن الله تعالى لم يخير المكلف بين فعل أحد الخصال، وبين ترك هذا إلا حد (1) المفهوم، فإن ترك هذا المفهوم إنما هو بترك جميعها، وإنما خيره (2) بين الخصوصيات، أعني: الإطعام، والكسوة، والإعتاق (3).

فإن قلت، قولكم: الواجب المخير، يقتضي أن الواجب هو (4): المخير، وأن المخير هو: الواجب، وذلك ممنوع؛ لأنه (5) يقتضي: اجتماع (6) الوجوب والتخيير وهما متناقضان (7)؛ لأن الوجوب يقتضي منع الترك، والتخيير يقتضي جواز الترك، والجمع بينهما محال.

قلنا: معناه: الواجب (8) الذي خير المكلف في أفراده؛ لأن المشترك الذي هو الواجب لا تخيير فيه لامتناع تركه، والمخير فيه الذي [هو الخصوصيات لا تجب لعدم تعيينها بالوجوب.

فإن قلت: قولكم: الواجب أحد الخصال، ممنوع؛ لأنه يؤدي إلى التخيير بين الواجب وغير الواجب، فذلك] (9) يؤدي إلى ترك الواجب إذا اختار مكلف غير الواجب وهو خلاف الإجماع.

قلنا: جوابه ما ذكر المؤلف وهو: أن محل الوجوب غير محل التخيير.

(1) في ط: "الآحاد".

(2)

في ز: "خير".

(3)

في ز: "أو الكسوة أو الإعتاق".

(4)

في ط: "هي"

(5)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"لا يقتضى".

(6)

في ط: "إجماع".

(7)

في ط: "ومعناهما مناقضان".

(8)

في ز: "الوجوب".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

ص: 601

قوله: (فلا جرم يجزيه كل معين منها) لتضمنه القدر المشترك وفاعل الأخص فاعل الأعم، ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض؛ لأنه تارك للخصوص (1) المباح فاعل للمشترك الواجب، ويأثم بترك الجميع لتعطيله المشترك بينها.

قوله: (فلا جرم يجزيه كل معين منها) أي: فلا ريب ولا محالة أن كلما عينه المكلف من الخصال بفعله (2) أجزأه؛ لأجل تضمن المفعول منها القدر المشترك؛ لأن القدر المشترك الذي هو أحد الخصال يصدق على كل واحد (3) من الخصال، وهو أعم منها؛ إذ هو أعم من كل واحدة من الخصال، وكل واحدة من الخصال أخص من القدر المشترك الذي هو: مفهوم (4) أحد الخصال، فإذا عين المكلف واحدة من الخصال ففعلها أجزأه؛ لأنه فعل الأخص، فمن فعل الأخص فقد فعل الأعم؛ لأنه يلزم من وجود [الأخص وجود](5) الأعم (6)؛ لأن الأخص جزئي والأعم كلي.

قوله: (ولا يأثم بترك بعضها إِذا فعل البعض)(7)؛ لأن خصوصيات

(1) في ز: "بخصوص للخصوص".

(2)

في ط: "بفعل".

(3)

في ط وز: "واحدة".

(4)

في ط: "المفهوم".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط: "ترك".

(7)

في أوش: "ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض؛ لأنه تارك للخصوص المباح فاعل للمشترك الواجب، ويأثم بترك الجميع لتعطيله القدر المشترك بينهما".

ص: 602

الخصال لا مدخل فيها في الوجوب؛ لأن الشارع لم يوجب علينا أن نكفر بعين خصلة مخصوصة، ومن ترك غير الواجب فلا إثم عليه، فمن (1) ترك الإطعام وأعتق مثلًا فلا إثم عليه؛ لأنه (2) تارك للخصوص المباح، فاعل للمشترك الواجب، وإنما يلزمه الإثم إذا ترك جميع الخصال؛ لأجل تعطيله (3) فعل القدر المشترك لا لأجل ترك الخصوصات (4).

قال المؤلف في الشرح: القدر المشترك بين الخصال المخير بينها متعلق بخمسة (5) أحكام: الوجوب، والثواب، والعقاب، وبراءة الذمة، [والنية، فلا يجب](6) إلا القدر (7) المشترك ولا يثاب إلا على القدر المشترك [إذا فعل، ولا يعاقب إلا على القدر المشترك إذا ترك، ولا تبرأ الذمة إلا بالقدر المشترك إذا فعل، ولا ينوي أداء الواجب إلا بالقدر المشترك (8)](9).

قال المؤلف في القواعد: فإن قيل: القدر المشترك كلي، والكلي لا يقع في الخارج، وما لا يقع في الخارج لا يجب فعله في الخارج، وما لا يجب فعله لا يتعلق به (10) وجوب (11)، ولا ثواب، ولا عقاب، ولا براءة ذمة، ولا نية،

(1) في ط: "ومن".

(2)

في ط: "لأن".

(3)

في ز: "تعطيل".

(4)

في ز: "الخصوصيات".

(5)

في ط: "خمسة".

(6)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(7)

في ط: "الإقرار".

(8)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 152، 153.

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(10)

المثبت من ز وط، ولم ترد "به" في الأصل.

(11)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"الوجوب".

ص: 603

فكيف تتعلق هذه الأحكام الخمسة المذكورة بالقدر المشترك بين الخصال؟ إذ الكلي لا وجود له في الأعيان، وإنما وجوده في الأذهان، والذي يحصل في الخارج هو الجزئي لا الكلي؟

قلنا: إن الكلي في ضمن الجزئي، فإذا حصل الجزئي حصل الكلي بالضرورة، فمن أعتق رقبة معينة فقد أعتق مطلق الرقبة، وكذلك من أخرج شاة معينة في الزكاة فقد أخرج مطلق الشاة، وكذلك من أعطى دينارًا معينًا في الزكاة فقد أعطى مطلق الدينار (1).

ومعنى قولهم: الكلي لا يقع في الخارج، معناه: لا يقع في الخارج مجردًا عن شخص متعين (2).

فإن قلت: يلزم ما تقدم (3): أن تكون الشاة المأخوذة في الزكاة من أربعين واجبًا مخيرًا، وكذلك الدينار المأخوذ من عشرين، ولا قائل بأنه يسمى واجبًا مخيرًا، مع أن الله تعالى لم يوجب علينا خصوص شاة، ولا خصوص دينار، بل (4) أوجب علينا مفهوم الشاة، ومفهوم الدينار (5) من غير تعيين.

قلنا: الجواب عنه: أن القدر المشترك على قسمين: تارة يكون بين أجناس

(1) نقل المؤلف بالمعنى. انظر: الفروق للقرافي القاعدة الأولى من الفرق التاسع والستين 2/ 73.

(2)

في ط: "معين".

(3)

في ط: "على ما تقدم".

(4)

في ز: "وقيل".

(5)

"الدينار" ساقطة من ط.

ص: 604

مختلفة الحقائق كالعتق (1)، والإطعام، والكسوة، وتارة يكون بين (2) أفراد جنس متحد الحقيقة، فاصطلح العلماء على تسمية الأول: بالواجب المخير دون الثاني (3).

قال المؤلف في الشرح: تعلق الخطاب بالقدر المشترك: تارة يكون بين أجناس مختلفة بالحقيقة (4) كالإطعام، والكسوة، والإعتاق، وتارة يكون بين أفراد جنس متحد الحقيقة كالشاة، والدينار في الزكاة، فاصطلح العلماء على أن الأول يسمى واجبًا مخيرًا دون الثاني (5).

قوله: (وكذلك فرض (6) الكفاية).

ش: هذا هو المطلب الثالث، و (7) هو: الواجب على الكفاية، وهو: الواجب عليه، يسمى (8) فرض الكفاية؛ لأن البعض يكفي في القيام به.

ولأجل ذلك يقال في معناه: هو الواجب الذي يسقط عن المكلف بفعل (9) غيره، وسمي فرض العين بفرض (10) العين لتعلقه بكل عين ولا يكفي

(1) في ز: "كالعتق المعين".

(2)

"بين" ساقطة من ط.

(3)

نقل المؤلف بالمعنى هذا الجواب من شرح التنقيح للمسطاسي ص 68.

(4)

في ز: "الحقيقة".

(5)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 152.

(6)

في ط: "فر".

(7)

"الواو" ساقطة من ز.

(8)

في ط: "سمى".

(9)

في ز: "فعل".

(10)

في ز: "فرض".

ص: 605

يكفي فيه البعض عن البعض.

قوله (1): (وكذلك فرض الكفاية) الإشارة تعود على الواجب الموسع (2)، أو الواجب المخير (3).

والتشبيه يحتمل أن يكون في التعلق بالقدر المشترك تقديره [على هذا: كما تعلق (4) الواجب الموسع أو الواجب المخير بالقدر المشترك، كذلك](5) فرض الكفاية (6) هو (7): متعلق بالقدر المشترك.

ويحتمل: أن يكون التشبيه في مطلق الخلاف تقديره على هذا: اختلف في متعلق فرض الكفاية، كما اختلف في متعلق الواجب المخير، أو الواجب الموسع، ولكن ليس الخلاف كالخلاف.

واختلف الأصوليون في متعلق خطاب (8) الكفاية (9):

(1)"قوله" ساقطة من ز.

(2)

في ط وز: "المخير".

(3)

في ط وز: "الموسع".

(4)

في ط: "تعلقوا".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

في ز: "كفاية".

(7)

في ط: "هي".

(8)

في ز: "الخطاب في الكفاية".

(9)

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين كما ذكر المؤلف:

القول الأول: أنه واجب على جميع المكلفين، ولكن سقط بفعل البعض، وهو مذهب الجمهور، وقد نص عليه الإمام الشافعي ونقله الآمدي عن أصحاب الشافعي، واختاره تقي الدين السبكي، وابن الحاجب، والكمال بن الهمام في تحريره.

القول الثاني: أنه واجب على طائفة غير معينة، واختار هذا القول الإمام الرازي، والبيضاوي، ثم اختلف أصحاب هذا المذهب في هذا البعض على ثلاثة أقوال: =

ص: 606

قيل: واجب على جميع المكلفين، ولكن سقط (1) بفعل البعض، وهو مذهب المحققين.

وقيل: واجب على طائفة غير متعينة (2).

قال ابن العربي: تعينهم السعادة (3) والمبادرة (4).

حجة القول بوجوبه على الجميع: أنهم يأثمون كلهم إذا تركوه، ولا يأثم المكلف إلا على (5) ترك ما وجب عليه.

حجة القول بوجوبه على البعض: أنه يسقط بفعل البعض، فلو كان واجبًا على الجميع لما سقط عن (6) البعض؛ إذ لا يسقط عن (7) المكلف ما وجب

= أحدها: أنه بعض مبهم؛ إذ لا دليل على أنه معين.

ثانيها: أنه معين عند الله.

ثالثها: أنه من قام به لسقوطه بفعله.

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 155، 156، الفروق للقرافي 2/ 79، شرح التنقيح للمسطاسي ص 69، المحصول ج 1 ق 2 ص 310 - 312 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 234، نهاية السول 1/ 185 - 197، الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 100 - 102، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 182 - 186، الإحكام للآمدي 1/ 100، المسودة ص 30، 31، تيسير التحرير 2/ 213 - 215، فواتح الرحموت 1/ 62 - 66.

(1)

في ط وز: "يسقط".

(2)

في ز وط: "معينة".

(3)

أي يبادرون إلى الخير فيعلم أنهم من السعداء في الآخرة.

(4)

في ط: "الباردة".

(5)

في ز: "إذًا".

(6)

في ز وط: "بفعل".

(7)

في ز: "على".

ص: 607

عليه بفعل غيره.

أجيب عن هذا: أنه إنما سقط (1) بفعل البعض وإن كان واجبًا على الجميع لاستلزام فعل البعض انتفاء علة الوجوب على الجميع.

قوله: (المقصود بالطلب لغة (2): إِنما هو أحد الطوائف التي هي (3) قدر مشترك بينها).

ش: يعني أن المعني بالطلب في فرض الكفاية في عرف اللغة هو: مطلق الطائفة الذي هو قدر مشترك بين الطوائف.

قال المؤلف في الشرح: إنما قلت: إن الخطاب يتعلق في الكفاية بالمشترك؛ لأن المطلوب فعل إحدى (4) الطوائف، ومفهوم إحدى (5) الطوائف قدر مشترك بينها (6) لصدقه على كل طائفة، والصادق على أشياء مشترك بينها كصدق الحيوان على جميع أنواعه.

واللغة لم تقتض (7) إلا ذلك في النصوص الواردة بفرض الكفاية، كقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

(1) في ز: "يسقط".

(2)

في خ: "المقصود بالطلب فيه".

(3)

في ش وز: "الذي هو".

(4)

في ز: "أحد".

(5)

في ز: "أحد".

(6)

في ز: "بينهما".

(7)

في ط: "تعتض" وهو تصحيف.

ص: 608

الْمُنكَرِ} (1)، وقوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (2)، ونحو هذه النصوص، إنما مقتضى اللغة فيها غير [معين، وهو مشترك بين الطوائف. انتهى (3).

يعني: أن مقتضى العرف اللغوي يقتضي أن فرض الكفاية يتعلق بطائفة غير] (4) معينة، ولكن خالف الشرع مقتضى اللغة فعلق خطاب الكفاية على جميع المكلفين، وإنما خالف الشرع ها هنا عرف اللغة لتعذر (5) خطاب المجهول كما قرره المؤلف.

قوله: (المقصود بالطلب لغة) احترازًا من المقصود بالطلب شرعًا؛ لأن الشرع أوجب في فرض الكفاية خلاف ما أوجبه مقتضى اللغة.

قوله: (غير أن الخطاب يتعلق بالجميع أول الأمر (6) لتعذر خطاب المجهول).

ش: يعني أن الشرع علق الخطاب في فرض الكفاية على جميع المكلفين، ولم يعلقه على بعض غير معين كما هو مقتضى اللغة لتعذر خطاب المجهول، وهو: غير المعين؛ لأنه لو علق الخطاب بغير معين لأدى ذلك إلى تعذر الامتثال فيضيع الواجب حينئذ؛ إذ لكل واحد من المكلفين أن يقول:

(1) آية 104 من سورة آل عمران.

(2)

آية 122 من سورة التوبة.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 155، 156.

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

في ط: "لعقدر" وهو تصحيف.

(6)

"الأمر" ساقطة من أ.

ص: 609

إني (1) لم أتعين لذلك، فيضيع الواجب (2)، فإذا أوجب (3) ابتداءً على الجميع، فإن كل واحد يبعث (4) إلى فعله ليخلص من العقاب.

قوله: (أول الأمر) احترازًا من آخر الأمر، وهو بعد فعله؛ لأن فرض الكفاية بعد فعله من البعض غير متعلق بالجميع.

قوله: (لتعذر خطاب المجهول) يعني: أن خطاب المجهول ممتنع بخلاف الخطاب بالمجهول كالخطاب المخير (5) في خصال الكفارة في اليمين بالله تعالى فإنه جائز شرعًا؛ لأن المكلف متمكن من إيقاعه في المعين فلا يتعذر؛ كتحرير رقبة غير معينة، وكذلك شاة من أربعين، ودينار من عشرين في الزكاة، وكذلك الخطاب في المجهول فهو (6) جائز أيضًا كصلاة الظهر في أجزاء الإقامة؛ إذ المكلف متمكن من إيقاع هذا الواجب في المعين (7) أيضًا.

فهذه ثلاثة أشياء:

خطاب المجهول، والخطاب بالمجهول، والخطاب في المجهول، فالأول ممنوع والآخران جائزان.

قوله: (فلا جرم سقط الوجوب بفعل طائفة معينة من الطوائف لوجود المشترك فيها).

(1)"إني" ساقطة من ط.

(2)

في ز: "الوجوب".

(3)

في ز وط: "وجب".

(4)

في ز وط: "ينبعث".

(5)

في ز: "بالمخير".

(6)

في ز: "وهو".

(7)

في ز: "العين".

ص: 610

ش: أي: فلا ريب ولا محالة ولا خلاف: أن الوجوب ساقط عن جميع الطوائف إذا فعلت (1) طائفة واحدة من الطوائف.

قوله: (لوجود المشترك (2) فيها) أي: إنما سقط الوجوب عن الجميع بفعل البعض لحصول القدر المشترك وهو فعل إحدى الطوائف.

واعترض قوله: (لوجود المشترك فيها) بالتناقض، وذلك أن ظاهر قوله ها هنا يقتضي أن سبب سقوطه عن غير الفاعل وجود القدر المشترك، وظاهر قوله بعد هذا أنه إنما سقط لتعذر [تحصيل مصلحة الوجوب؛ لأنه قال بعد هذا: فسبب سقوطه عن الفاعل فعله وعن غير الفاعل تعذر] (3) تحصيل (4) تلك المصلحة التي (5) لأجلها وجب الفعل، فانتفى الوجوب لتعذر حكمته.

أجاب بعضهم (6) بأن قال (7): لما كان فعل البعض سببًا لانتفاء علة الوجوب نسب السقوط إليه تجوزًا.

واعترض أيضًا: بأن ما تعلق بالجميع، أي: بكل واحد ابتداء فلا يكون

(1) في ز وط: "فعلته".

(2)

في ز: "الاشتراك".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

في ط: "تحميل".

(5)

"التي" ساقطة من ط.

(6)

في ز وط: "أجاب بعضهم عن هذا".

(7)

"قال" ساقطة من ط.

ص: 611

متعلقًا بالقدر المشترك.

صوابه أن يقول: فلا جرم سقط (1) الوجوب بفعل طائفة معينة من الطوائف؛ لانتفاء علة الوجوب من حيث حصول المقصود، فيكون حينئذ موافقًا لما قال بعد هذا.

قوله: (ولا تأثم (2) طائفة معينة إِذا غلب على الظن فعل غيرها؛ لتحقق (3) الفعل من المشترك بينها ظنًا، ويأثم الجميع إِذا تواطئوا على الترك لتحقق تعطيل المشترك بينها (4))

ش: إنما سقط (5) الإثم عن (6) التاركة بظن فعل الفاعلة؛ لأن التكليف في الكفاية موقوف على حصول الظن الغالب.

قوله: (لتحقق الفعل) أطلق المؤلف التحقق (7)[بظن الفاعلة؛ لأن التكليف في الكفاية موقوف](8) على الظن مجازًا ليقابل به تحقق التعطيل، وتقول (9): في الكلام حذف مضاف تقديره: لظن تحقيق (10) الفعل.

(1) في ز: "سقوط".

(2)

المثبت من أوخ وش وز وط، وفي الأصل:"ولا تأثيم".

(3)

في ز: "للتحقق".

(4)

في أ: "بينهما"، وفي ش:"بينهما ظنا".

(5)

في ط: "يسقط".

(6)

في ز: "على".

(7)

في ز: "التحقيق".

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.

(9)

في ز وط: "أو تقول".

(10)

في ز وط: "تحقق".

ص: 612

واعترض قوله: (لتحقق الفعل) من المشترك بينها (1) كالاعتراض المتقدم، صوابه أن يقول: الانتفاء علة الوجوب.

واعترض قوله: (لتحقق تعطيل (2) المشترك بينها) كما تقدم في العلة التي قبلها في قوله: (لوجود المشترك فيها)، صوابه أن يقول - والله أعلم -: ويأثم الجميع إذا تواطئوا على الترك؛ لعدم حصول المقصود.

قوله: (إِذا تقرر (3) تعلق الخطاب في الأبواب الثلاثة بالقدر المشترك فالفرق بينها: أن المشترك في الموسع هو: الواجب فيه، وفي الكفاية (4): الواجب عليه، وفي المخير (5): الواجب نفسه).

ش: هذا هو المطلب الرابع، وهو بيان الفرق بين الواجبات الثلاثة (6)، المراد بالأبواب الثلاثة: الواجب الموسع، والواجب على الكفاية، والواجب المخير، فالألف واللام في الأبواب للحوالة (7).

فالمشترك في الموسع هو: الواجب فيه، أي: الزمان (8) الذي يجب فيه الفعل.

والواجب في الكفاية هو: المكلف الذي يجب عليه الفعل.

(1) في ز: "بينهما".

(2)

في ط: "قوله لتعطيل".

(3)

في أ: "إذا تقرر ذلك".

(4)

في خ وش: "وفي الكفاية هو الواجب عليه".

(5)

في ز: "التخيير".

(6)

في ط: "الثلاث".

(7)

في ط: "للحوافة".

(8)

في ط: "أي في الزمان".

ص: 613

والواجب في (1) المخير هو: الشيء الذي يجب، أي: هو الفعل الواجب نفسه، أي: الفعل المأمور به.

قوله (2): (وفي الكفاية الواجب عليه) فيه نظر كما تقدم؛ لأن متعلق الوجوب في الكفاية هو (3) كل واحد لا القدر المشترك؛ لأن الخطاب إذا دار بين أفراد جنس على (4) البدلية يكون متعلقًا بالقدر المشترك بين تلك الأفراد، وليس الواجب على الكفاية كذلك؛ لأنه متعلق بالجميع على القول الصحيح.

قوله: (فائدة: لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل؛ بل ظنه، فإِذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه، وإِذا غلب على ظن تلك الطائفة أن هذه فعلته (5) سقط عنها، وإِذا غلب على ظن الطائفتين فعل كل واحدة منهما سقط عنهما).

ش: هذا هو المطلب الخامس وهو قولنا: هل يشترط (6) في فرض الكفاية اليقين أو الظن؟

قوله: (لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل).

(1)"في" ساقطة من ز.

(2)

في ط: "وقوله".

(3)

في ز: "هل".

(4)

"على" ساقطة من ط.

(5)

في أوخ وش وط: "فعلت".

(6)

في ز: "المشترط".

ص: 614

معناه: لا يشترط في سقوط فرض الكفاية عنك (1) تحقق صدور الفعل من غيرك، بل المشترط في سقوطه ظن صدور الفعل.

قال فخر الدين في المحصول: التكليف في الكفاية موقوف على حصول الظن الغالب (2)؛ لأن تحصيل العلم بأن غيري هل فعل (3) هذا أم لا؟ غير ممكن، إنما الممكن تحصيل الظن.

قوله: (فإِذا غلب على ظن هذه الطائفة) إلى آخره يعني: أن هذه الحالات الثلاث كلها مبنية على الظن دون اليقين.

قال المؤلف في الشرح: أصل التكليف ألا يكون إلا بالعلم [في أكثر الصور أقام الشرع الظن مقامه](4) لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (5).

وقوله تعالى (6): {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (7)، ولكن لما تعذر حصول (8) العلم في أكثر الصور (9) أقام الشرع الظن (10) مقامه؛ لغلبة صوابه،

(1) المثبت من ز، وفي الأصل وط:"عند".

(2)

انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 311.

(3)

في ز: "هل هو فعل".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.

(5)

آية 36 من سورة الإسراء.

(6)

"تعالى" لم ترد في ز وط.

(7)

آية 28 من سورة النجم.

(8)

"حصول" ساقطة من ط.

(9)

في ط: "الصوم" وهو تصحيف.

(10)

"الظن" ساقطة من ط.

ص: 615

وندرة خطئه (1)، فنيطت به التكاليف. انتهى (2).

قوله: (فنيطت به التكاليف) يعني: أن التكليف يقع بالظن ويسقط بالظن.

قال الفهري (3) في المعالم (4): هذا ضعيف؛ لأنه يؤدي إلى تضييع الواجب، فلا بد في هذا المسقط من التفصيل، فما يتأتى العلم بحصوله، فلا يسقط إلا بالعلم، ولا يسقط بالظن، كميت حاضر بين أيدينا، فإنا خوطبنا (5) بتغسيله، وتكفينه، ودفنه، وما يتعذر العلم بحصوله يكفي الظن في سقوطه كما في قيام طائفة بالجهاد (6).

قال المؤلف في الشرح: فمن غلب على ظنه أن هذه امرأته جاز له وطؤها، أو غلب على ظنه أن هذه غير امرأته حرم عليه وطؤها، أو غلب على

(1) في ز: "وندارة خطيئته".

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 156.

(3)

هو شرف الدين عبد الله بن محمَّد بن علي الفهري المعروف بابن التلمساني، ولد سنة سبع وستين وخمسمائة (567 هـ)، كان أصوليًا متكلمًا ديّنًا خيّرًا، من علماء الديار المصرية ومحققيهم، توفي بالقاهرة سنة أربع وأربعين وستمائة (644 هـ)، من مصنفاته:"شرح المعالم" في أصول الفقه، "شرح التنبيه"، "المجموع".

انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق الحلو والطناحي 8/ 160، حسن المحاضرة للسيوطي، 1/ 413، كشف الظنون 1/ 491، إيضاح المكنون 1/ 430.

(4)

في ز: "العالم".

(5)

في ز: "قد طلبنا".

(6)

انظر: ورقة 24 من مخطوط شرح المعالم، موجود في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى برقم 261 فيلم.

ص: 616

ظنه أن هذا الخمر خل جاز له شربه، أو غلب (1) على ظنه أن هذا الخل خمر حرم عليه شربه، أو غلب على ظنه أنه متطهر وهو محدث (2) أجزأته صلاته، أو غلب على ظنه أنه محدث لم تجز (3) صلاته، وغير ذلك من نظائره مما تعظم (4) مشقته، فأسقطه (5) الشارع عن الخلق (6).

قوله: (سؤال: إِذا تقرر الوجوب في فرض الكفاية على جملة الطوائف (7) فكيف يسقط عمن لم يفعل بفعل غيره (8)؟ مع أن الفعل البدني كصلاة الجنائز (9)، والجهاد مثلًا لا يجزئ فيه أحد عن أحد، فكيف (10) يسوي الشرع بين من (11) فعل، وبين (12) من لم يفعل؟).

ش: هذا هو المطلب السادس في السبب الذي من أجله سقط فرض الكفاية عن (13) تاركه بفعل غيره.

(1)"غلب" ساقطة من ز.

(2)

"وهو محدث" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "تجزه"، وفي ط:"تجزأه".

(4)

في ز وط: "قد تعظم".

(5)

في ط: "فأسقط".

(6)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 156، 157.

(7)

في أوخ وش وط: "على جملة الطوائف في فرض الكفاية".

(8)

المثبت من أوخ وش وط، وفي الأصل وز:"ويفعل غيره".

(9)

في أوخ وش وط: "الجنازة".

(10)

في أوخ وش وط: "وكيف".

(11)

"من" ساقطة من ط.

(12)

"بين" ساقطة من أوخ وش وط.

(13)

في ز: "على".

ص: 617

ومعنى كلامه في تقرير (1) هذا السؤال أنا إذا قلنا: إن فرض الكفاية واجب على كل واحد ابتداء على القول الصحيح، فإذا فعله البعض سقط عن الغير، فكيف يسقط الوجوب عن التارك بسبب فعل الفاعل؟ مع (2) أن القاعدة: أن الفعل البدني لا يجزئ فيه أحد عن أحد، وصلاة (3) الجنازة والجهاد من أفعال البدن، وكذلك غيرها (4) من فروض الكفاية كغسل الميت، وتكفينه، ودفنه، فالجاري على القواعد ألا يجزئ (5) فيه أحد عن أحد، فكيف يسوي الشرع بين من فعل ومن لم يفعل في السقوط؟ فالجاري على القواعد: أن يسقط الوجوب عن الفاعل [دون التارك.

قوله: (جوابه: أن الفاعل يساوي غير الفاعل في سقوط التكليف، واختلف (6) السبب، فسبب سقوطه عن الفاعل] (7): فعله، وعن غير الفاعل: تعذر تحصيل تلك المصلحة التي لأجلها وجب الفعل، فانتفى الوجوب لتعذر حكمته).

ش: يعني: أن الفعل مساوٍ للتارك في سقوط الوجوب لا في الثواب؛ إذ لا يثاب إلا الفاعل، ولا يثاب التارك.

(1) في ط: "تقدير".

(2)

في ط: "من".

(3)

في ط: "في صلاة".

(4)

في ط: "غيرهما".

(5)

في ز: "أنه لا يجزئ".

(6)

في ز: "باختلاف".

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

ص: 618

ولكن اختلف سبب سقوط (1) الوجوب (2) فسبب سقوط الوجوب عن الفاعل: فعله، وسبب سقوط الوجوب عن التارك: تعذر تحصيل تلك المصلحة التي لأجلها وجب الفعل فانتفى الوجوب لتعذر حكمته.

فالسقوط في حق التارك ليس بفعل الفاعل كما ذكره السائل، وإنما السقوط من وجه آخر وهو: عدم حكمة الوجوب؛ وذلك أن الغريق في البحر مثلًا إذا شيل من البحر انتفى التكليف بعد ذلك، فنزول البحر بعد ذلك لا فائدة فيه لعدم [حكمة الوجوب.

فتحصل مما قررناه (3): أن التساوي حاصل بين الفاعل والتارك في أصل السقوط، ولا يلزم من] (4) حصول التساوي في أصل السقوط حصول التساوي مطلقًا في الثواب وغيره، بل يمتاز الفاعل بالثواب على (5) فعله أن فعله تقربًا، وأما غير الفاعل، فإن نوى الفعل ثم سبقه (6) إليه غيره، فله ثواب نيته.

يدل (7) على ذلك: قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (8)، يؤخذ منه أن

(1) في ز وط: "السقوط".

(2)

"الوجوب" ساقطة من ز وط.

(3)

في ط: "فتفصيل ما قررناه".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

في ط: "عن".

(6)

في ط: "سقطه"، وهو تصحيف.

(7)

في ط: "ويدل".

(8)

آية رقم 95 من سورة النساء.

ص: 619

أولي الضرر يساوونهم.

ويدل عليه أيضًا قوله عليه السلام: "إذا شغل العبد عن عمل كان يعمله بمرض ابتلاه الله به، كتب له أجر ذلك العمل ما دام في وثاق (1) مرضه"(2).

ودليله أيضًا: قوله عليه السلام [في](3) الحديث الصحيح ذكره (4) البخاري (5) عن أنس بن مالك (6) قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك

(1) في ط: "فيه وثاق".

(2)

لم أجده بهذا اللفظ، وورد بمعناه ما أخرجه البخاري قال: حدثنا مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا العوام، حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي، قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا".

انظر: صحيح البخاري كتاب الجهاد، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة (2/ 169).

وأخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 410، 418، وقد ذكر ابن حجر طرقًا وألفاظًا أخرى للحديث، انظر: فتح الباري 12/ 101، 102.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(4)

في ط: "ذكر".

(5)

هو أبو عبد الله محمَّد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن برزدبه البخاري، ولد ببخارى سنة (194 هـ) ونشأ بها، ثم رحل في طلب الحديث إلى خراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، توفي رحمه الله سنة (256 هـ). من مصنفاته: الجامع الصحيح، وهو أصح كتب السنة.

انظر: تهذيب التهذيب 9/ 47.

(6)

هو الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري، خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وكان أحد المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (93 هـ).

انظر: الإصابة 1/ 71، الاستيعاب بهامش الإصابة 1/ 71.

ص: 620

فقال: "إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبسهم (1) العذر"(2).

قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن في سورة التوبة في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} (3): أعطى الله تعالى للمعذور ما أعطى للقوي العامل بفضله.

قال (4): وقال بعض الناس: إنما يكون له الأجر غير مضاعف (5)، ويضاعف للعامل المباشر، وهذا تحكم على الله تعالى، وتضييق (6) لسعة رحمته (7).

(1) في ز: "حسبهم".

(2)

أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة فقال:"إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم" قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال:"وهم بالمدينة، حبسهم العذر".

انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك (3/ 90).

وأخرجه مسلم عن جابر في كتاب الإمارة، باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر (6/ 49).

وأخرجه أبو داود عن أنس في كتاب الجهاد، باب في الرخصة في القعود من العذر، رقم الحديث العام 2508 (3/ 12).

وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد، باب من حبسه العذر، رقم الحديث العام 2764 (2/ 923).

(3)

آية رقم 120 من سورة التوبة.

(4)

"قال" ساقطة من ط.

(5)

"مضاعف" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "تضيق".

(7)

انظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/ 1029.

ص: 621

قوله: (قاعدة: الفعل على قسمين: منه ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات (1) الخمس؛ فإن مصلحتها الخضوع لذي الجلال، وهو متكرر بتكرر الصلاة (2)، ومنه ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كإِنقاذ الغريق، فإِنه إِذا شيل (3) من البحر فالنازل بعد ذلك إِلى البحر لا يحصل شيئًا من المصلحة، وكذلك إِطعام الجيعان (4) وإِكساء (5) العريان، وقتل الكفار (6)، فالقسم الأول: جعله الشرع على الأعيان تكثيرًا للمصلحة، والقسم الثاني على الكفاية لعدم الفائدة في (7) الأعيان).

ش: هذا هو المطلب السابع، وهو قولنا: ما الحكمة في جعل بعض الأحكام على الأعيان، وجعل بعضها على الكفاية؟

قوله: (قاعدة) هذه (8) أول القواعد الست (9) التي أشار إليها (10) في مقدمة الكتاب في قوله: (مع (11) أني زدت كثيرًا من القواعد) والمراد (12) بالقواعد: القوانين والضوابط.

(1) في أوز: "كالصلاة".

(2)

في ط: "الصلوات".

(3)

في خ: "انتشل من البحر"، وفي ط:"اشيل".

(4)

في أوخ: "الجوعان"، وفي نسخة م ش:"الجائع".

(5)

في ش: "وكذلك كسوة العريان".

(6)

"وقتل الكفار" ساقط من ط.

(7)

في ز: "على".

(8)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"هذا".

(9)

في ط: "الستة".

(10)

في ز: "إليها المؤلف".

(11)

"مع" ساقطة من ز.

(12)

في ز: "فالمراد".

ص: 622

ومعنى القاعدة: صورة (1) كلية تتبين لها جميع جزئياتها.

قال المؤلف في الشرح: هذه القاعدة هي: سر (2) ما يشرع على الكفاية، وما يشرع في الأعيان، وهو تكرار (3) المصلحة وعدم تكررها، فمن علم ذلك علم ما هو على الكفاية (4) وما هو على الأعيان في الشريعة، غير أنه يشكل على هذه القاعدة صلاة الجنازة؛ فإنها ينبغي ألا تكون على الكفاية وأن تشرع إعادتها وتكررها كما قاله الشافعي (5) رضي الله عنه فإن مصلحتها المغفرة للميت ولم يعلم حصولها، فينبغي أن يصلى عليه أبدًا وتكون على الأعيان، مع أنهم جعلوها على الكفاية، بخلاف إنقاذ الغريق وشبهه، فإن مصلحته قد حصلت فلا فائدة في تكريره.

والجواب: أن مصلحة صلاة الجنازة: حصول المغفرة ظنًا، وقد حصلت المغفرة ظنًا بالطائفة الأولى؛ لأن الدعاء مظنة الإجابة، لقوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (6).

و (7) لأن العلم بحصول المغفرة متعذر؛ فيتعين (8) الظن (9)، فاندرجت

(1) في ط: "صوريه".

(2)

في ط: "سمى".

(3)

في ز وط: "تكرر".

(4)

في ط: "ما هو للكفاية".

(5)

يقول الشافعي في الأم (1/ 275): "وأحب أن تكون الصلاة صلاة واحدة".

(6)

آية 60 من سورة غافر.

(7)

"الواو" ساقطة من ز.

(8)

في ط: "فتعين".

(9)

نقل المؤلف بالمعنى. =

ص: 623

صلاة (1) الجنازة في فرض الكفاية، وامتنعت الإعادة كما قاله (2) مالك رضي الله عنه.

وسبب الخلاف بين مالك والشافعي في تكرير (3) الصلاة على الجنازة حصول المصلحة، وعدم حصولها:

فمالك قال: حصلت المصلحة وهي: المغفرة اعتمادًا على الظن فلا تكرر الصلاة على الجنازة.

والشافعي قال: لم تحصل المصلحة وهي: المغفرة اعتمادًا على العلم فتكرر الصلاة على الجنازة.

قال بعض الشراح (4): [مصلحة صلاة الجنازة هي: الاستغفار، وهو: طلب المغفرة لا نفس المغفرة، فهذه المصلحة](5) قد حصلت قطعًا لا ظنًا كما زعمه الشهاب (6).

وهذا الذي قاله هذا الشارح ضعيف؛ لأن الاستغفار الذي هو: طلب الدعاء وسيلة، والمقصود هو: حصول المغفرة نفسها لا طلبها، وإنما الخلاف: هل المطلوب ظن حصولها كما قال مالك؟ أو علم حصولها كما قاله

= انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 157، 158، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 70.

(1)

في ط: "الصلاة".

(2)

في ز: "قال".

(3)

في ز: "تكرر".

(4)

في ط: "الشارح".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للمسطاسي ص 70.

ص: 624

الشافعي رضي الله عنهما (1).

فإذا قلنا: المطلوب ظن حصول المغفرة: فقد (2) حصل ظنها بالمرة الأولى فلا تعاد.

وإذا قلنا: المطلوب علم حصولها: فلم يحصل علمها فتعاد.

قوله (3): (فوائد (4)[ثلاث](5): الأولى: الكفاية والأعيان (6) كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات، كالأذان، والإِقامة (7)، والتسليم، والتشميت، وما يفعل بالأموات من المندوبات، فهذه (8) على الكفاية، وعلى الأعيان: كالوتر، والفجر، وصيام الأيام الفاضلة، وصلاة العيدين (9)، والطواف (10) في غير النسك، والصدقات).

ش: هذا هو المطلب الثامن، وهو الفوائد الثلاث التي ذكرها المؤلف.

قوله: (الأولى: الكفاية والأعيان) إلى آخره.

ومقصود المؤلف بهذه الفائدة التنبيه: على أن الندب يوصف بالكفاية

(1) في ط: "رضي الله عنه".

(2)

في ط: "قد".

(3)

"قوله" ساقط من ط.

(4)

في ط: "فائدة".

(5)

المثبت من خ وش وز وط، وفي الأصل:"ثلاثة".

(6)

في أ: "الكفاية في الأعيان".

(7)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"والإمامة".

(8)

في ز: "فهذا".

(9)

في ط: "العيد".

(10)

في ط: "الطوائف" وهو تصحيف.

ص: 625

والأعيان (1) كما يوصف به الفرض؛ لأن أكثر الناس إنما يتخيلون ذلك في الفرض خاصة دون النفل (2).

قوله: (كالأذان) أي (3): إذا كان سنة، وهو إذا لم يقصد به إظهار شعائر الإِسلام، وإنما قصد به الإعلام بدخول الوقت؛ لأنه إذا قصد به إظهار الإِسلام يكون (4) فرضًا، وإذا قصد به الإعلام بدخول الوقت (5) كان (6) سنة (7).

(1) في ز وط: "وبالأعيان".

(2)

في ط: "التنقل".

والخلاف في سنة الكفاية كالخلاف في فرض الكفاية؛ فقد اختلف فيها على قولين:

القول الأول: أنها مطلوبة من الكل عند الجمهور.

القول الثاني: أنها مطلوبة من البعض.

واختلف في هذا البعض:

فقيل: هو بعض مبهم.

وقيل: هو معين عند الله يسقط الطلب بفعله وبفعل غيره.

وقيل: من بعض قام بها.

انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 187، نهاية السول وحاشية الشيخ محمَّد بخيت 1/ 187 - 190.

(3)

في ط: "يعني".

(4)

في ط: "فيكون".

(5)

في ط: "الاعلام بالوقت".

(6)

في ز وط: "يكون سنة على الكفاية".

(7)

اختلف العلماء في حكم الأذان على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه سنة مؤكدة وهو: قول الشافعي، وأبي حنيفة، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة.

القول الثاني: أنه فرض كفاية، وهو قول: أكثر الحنابلة، وبعض المالكية. =

ص: 626

قوله: (والإِقامة) أي: إقامة الصلاة.

يعني: إقامة الصلاة في حق الجماعة، وأما إقامة الصلاة في حق المنفرد فهي سنة على الأعيان.

قوله: (والتسليم) أي: التحية بين الناس، وهو (1) السلام عليكم، أو سلام عليكم، يعني الابتداء به؛ [لأن الابتداء بالسلام سنة على الكفاية على المشهور.

وقيل: فرض كفاية] (2).

وأما رده (3) فهو: فرض كفاية على المشهور.

وقيل: هو (4) فرض عين.

[وقال ابن أبي زيد في رسالته: ورد السلام واجب، والابتداء به سنة مرغّب فيها، وقال: و (5) إذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم، وكذلك إن

= القول الثالث: بالتفصيل، وهو: أن الأذان على خمسة أنواع:

واجب، وهو أذان الجمعة، ومندوب، وهو لسائر الفرائض في المساجد، وحرام، وهو أذان المرأة، ومكروه، وهو الأذان للنوافل، ومباح، وهو أذان المنفرد، وقيل: مندوب.

انظر: القوانين الفقهية لابن جزي ص 45، الوسيط للغزالي، 2/ 563، المغني لابن قدامة 1/ 417.

(1)

في ز: "وهي".

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ز وط: "وأما رد السلام".

(4)

"هو" ساقطة من ز وط.

(5)

"الواو" ساقطة من ط.

ص: 627

رد واحد منهم (1)] (2).

قوله: (والتشميت) أي: تشميت (3) العاطس، وهو: أن يقول له من سمع حمده (4): يرحمك الله.

ويقال: تشميت العاطس، وتسميت العاطس بالشين المعجمة، وبالسين (5) المهملة.

ومعناه بالمعجمة (6): أبعد الله عنك الشماتة وجنّبك ما [يشمت به عليك (7)، والعرب تقول](8): شمت به شماتة إذا سر ببلاء نزل به (9).

وفي الحديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك"(10).

(1) انظر: متن الرسالة، باب في السلام والاستئذان ص 139 - 140.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(3)

"تشميت" ساقطة من ط.

(4)

في ط: "من سمعه حمد".

(5)

في ز: "والسين".

(6)

المثبت من ز، وفي الأصل:"بالعجمة".

(7)

انظر: اللسان مادة (شمت).

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(9)

يقول ابن منظور في اللسان: "الشماتة: فرح العدو، وقيل: الفرح ببلية العدو، وقيل: ببلية تنزل بمن تعاديه، والفعل منها شمت به - بالكسر - يشمت شماتة وشماتًا".

انظر: اللسان مادة (شمت).

(10)

تفرد به وأخرجه الترمذي عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك".

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

انظر: سنن الترمذي، باب لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك، رقم الحديث =

ص: 628

ومعناه بالمهملة: جعلك الله على سمة حسنة.

وهي: الرجوع إلى حالته التي كان عليها قبل العطاس (1).

قوله: (والتشميت) أي: على القول بسنيته (2)؛ إذ فيه قولان: سنة، وفرض.

وفي كل واحد من (3) هذين القولين قولان (4):

قيل: على الأعيان.

وقيل: على الكفاية (5).

= العام 2508 (7/ 196).

وذكره السمهودي في كتاب الغماز على اللماز، وقال: إنه لا أصل له. انظر كتاب: الغماز، تحقيق محمَّد إسحاق السلفي، حديث رقم 344 (ص 154).

وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن إسماعيل لا يعد، وقال يحيى: ليس بشيء، كذاب، رجل سوء، خبيث، وقال الدارقطني: متروك، وقد رواه أبو حاتم بن حبان من حديث القاسم بن أمية الحذّاء عن حفص بن غياث، وقال: لا يجوز الاحتجاج بالقاسم، قال: وهذا حديث لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انظر: الموضوعات 3/ 224.

(1)

في اللسان: "تشميت العاطس: الدعاء له، التشميت والتسميت: الدعاء له بالخير والبركة".

انظر: مادة (شمت).

(2)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"بسنته".

(3)

"واحد من" ساقط من ط.

(4)

"قولان" ساقط من ط.

(5)

يقول ابن مفلح في الأداب الشرعية (2/ 344): تشميت العاطس وجوابه فرض كفاية، قدمه ابن تميم وابن حمدان، وهو ظاهر مذهب مالك وغيره. =

ص: 629

قوله: (وما يفعل بالأموات من المندوبات) كتلقين المحتضر، وتوجيهه إلى القبلة (1) وإغماضه، وتحنيطه، وأما غسله، وكفنه، وحمله ودفنه (2) فذلك كله واجب.

قوله: (فهذه على الكفاية) أي: هذه الأمور الخمسة كلها مندوب إليها على الكفاية، أي: يكفي فيها من قام بها.

قوله: (وعلى الأعيان) أي (3): وأما المندوبات على الأعيان كالوتر، والفجر، وصيام الأيام الفاضلة.

قال بعضهم: الأيام الفاضلة هي سبعة أيام في السنة.

وقال بعضهم: هي عشرة أيام.

وقال بعضهم: هي ثلاثة عشر يومًا.

من قال: هي سبعة أيام جمعت (4) في هذه الأبيات، وهي هذه (5):

والجيم والياء من المحرم

جيم رجب أيضًا وزك تفهم

ويه بشعبان وهك بالقعدة

سابعها التاسع من ذي الحجة

= وقيل: بل هما سنة، وهو مذهب الشافعي وغيره.

وقيل: بل واجبان، وهو قول بعض العلماء.

(1)

في ز: "القلبة".

(2)

في ز وط: "وصلاته ودفنه".

(3)

"أي" ساقطة من ط.

(4)

في ز: "فقد جمعت".

(5)

"وهي هذه" ساقطة من ز.

ص: 630

صيامها ما دمت (1) بالحياة

بادر وحاذ منهج الثقات (2)

ومن قال: هي عشرة أيام، أو ثلاثة عشر، فهي مجموعة في هذه الأبيات، وهي هذه:

وثالث وعاشر المحرم

جيم وزك من رجب المعظم

والخامس عشر من شعبان

ثم هك من قعدة الأمان

وأول وسابع وثامن

وتاسع من حجة يا فاطن

والصوم في الثلاثة الأيام

من كل شهر كصيام العام

فهذه الأيام بالصيام

تخص (3) عند فقها الأنام (4)

قوله: (والطواف في غير النسك) أي: في غير الحج والعمرة الواجبين، معناه: الطواف غير الواجب، وكذلك صلاة الاستسقاء، وصلاة (5) الكسوف (6)، والخسوف (7)، وتحية المسجد، وصلاة الضحى (8)،

(1) في ط: "ما دامت".

(2)

في ز: "الشعاة".

ولم أجد قائل هذه المنظومة، وقد فسرت الأبيات التي بعدها بعض رموزها إلى الأيام، وبقي قوله:"زك" يعني به يوم 27 من رجب، و"هك" يعني به يوم 25 من ذي القعدة.

(3)

في ز: "تختص".

(4)

لم أجد قائل هذه المنظومة.

(5)

"صلاة" لم ترد في ط.

(6)

في ز: "استسقاء وصلاة كسوف".

(7)

"والخسوف" ساقطة من ز.

(8)

في ز وط: "وصلاة الضحى وتحية المسجد".

ص: 631

وقيام الليل، وغير ذلك، فهذه المندوبات كلها على الأعيان.

قوله: (الثانية: نقل صاحب الطراز وغيره: أن اللاحق بالمجاهدين وقد كان سقط عنه الفرض (1): يقع فعله فرضًا بعدما لم يكن واجبًا عليه، وطرده (2) غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية، كمن يلتحق بمجهز (3) الأموات من الأحياء أو (4) بالساعين (5) في تحصيل العلم من العلماء، فإِن ذلك الطالب للعلم يقع فعله واجبًا معللًا لذلك؛ فإِن (6) مصلحة الوجوب لم تتحقق (7) بعد (8) ولم تحصل إِلا بفعل الجميع، فوجب (9): أن يكون فعل الجميع واجبًا ويختلف ثوابهم بحسب (10) مساعيهم).

ش: قوله: (وطرده بعضهم) أي: عممه.

قوله: (مجهز (11) الأموات) أي: فيما هو فرض من التجهيز؛ كالغسل والتكفين (12) والصلاة، والدفن.

(1) في أوخ: "وقد سقط الفرض عنه"، وفي ط:"وقد كان سقط الفرض عنه يقع"، وفي ز:"وقد كان سقط الفرض عنه ويقع".

(2)

في ش: "وطرد".

(3)

المثبت من أوخ وز وش، وفي الأصل وط:"ومجهز".

(4)

في خ وز وش: "وبالساعين".

(5)

في ط: "أو بالساعقي" وهو تصحيف.

(6)

في أوخ وش وط: "بأن".

(7)

في ز وط: "تحقق".

(8)

"بعد" ساقطة من ش.

(9)

في ز: "فيجب".

(10)

في ز: "بسبب".

(11)

في ز: "مجهزي"، وفي ط:"بمجهز".

(12)

في ز: "والتكفن".

ص: 632

قوله: (فإِن ذلك الطالب (1)) يعني به: اللاحق.

قوله: (معللًا) أي: محتجًا، وهو حال من الغير أو من صاحب الطراز (2).

قوله: (لذلك الحكم) أي (3): الذي هو مساواة اللاحق والسابق (4).

قوله: (لم تتحقق بعد) أي: لم تحصل بعد وصول اللاحق.

قوله: (بفعل الجميع) يعني: اللاحق والسابق.

قال المؤلف في الشرح: الوجوب يتبع المصلحة، فإذا لم تحصل المصلحة بقي الخطاب بالوجوب، فمن أوقع مصلحة الوجوب استحق ثواب الواجب، والجميع موقع لمصلحة الوجوب [فوجب اشتراكهم في ثواب الواجب، والكلام حيث لم تتحقق المصلحة](5)، أما من جاء بعد تحقيقها (6) فلا.

(1) في ط: "الطالب للعلم".

(2)

صاحب الطراز هو أبو علي سند بن عنان بن إبراهيم بن حريز بن الحسين بن خلف الأزدي الفقيه المالكي، سمع من شيخه أبي بكر الطرطوشي، وكان من زهاد العلماء، وكبار الصالحين، فقيهًا فاضلًا، روى عنه جماعة من الأعيان، وألّف كتابًا حسنًا في الفقه سماه:"الطراز" شرح به المدونة في نحو ثلاثين سفرًا، وتوفي قبل إكماله، توفي رحمه الله بالإسكندرية سنة إحدى وأربعين وخمسمائة (541 هـ).

انظر ترجمته في: الديباج المذهب، 1/ 399، 400، حسن المحاضرة 1/ 452.

(3)

"أي" ساقطة من ز.

(4)

في ز وط: "للسابق".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ز: "تحققها"

ص: 633

انتهى نصّه (1).

قال المؤلف في القواعد: يرد على حد الواجب: بأن هذا اللاحق بالمجاهدين أو بغيرهم (2) كان له الترك إجماعًا من غير ذم، ومع ذلك فقد وصف فعله بالوجوب، وعدم الذم على تركه، وذلك مناقض لحد الواجب.

والجواب: أن الوجوب في هذه الصورة مشروط بالاتصال، [والاجتماع مع الفاعلين، فإن ترك مع الاجتماع أثم، والترك (3)](4) مع الاجتماع لا يتصور إلا بترك الجميع، والعقاب حينئذ متحقق، والقاعدة: أن الوجوب المشروط بشرط ينتفي (5) عند انتفاء ذلك الشرط، فإذا كان منفردًا عنهم (6) فشرط الوجوب مفقود: فينتفي الوجوب (7).

قوله: (الثالثة: الأشياء المأمور بها على الترتيب، أو على البدل قد يحرم الجمع بينها (8)؛ كالمباح، والميتة من المرتبات، وتزويج المرأة من أحد (9) الكفأين من المشروع على سبيل البدل، وقد يباح كالوضوء، والتيمم

(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 158.

(2)

في ط: "وبغيرهم".

(3)

المثبت من ط، وفي الأصل:"التراك".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

في ط: "فيتفي".

(6)

في ط: "عندهم".

(7)

نقل المؤلف بالمعنى.

انظر: الفروق للقرافي الفرق الثالث عشر بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين 1/ 117، 118.

(8)

المثبت من "خ" و"ش" و"ز" وفي الأصل (بينهما).

(9)

"أحد" ساقطة من أ.

ص: 634

من المرتبات، والسترة من (1) أحد الثوبين من باب البدل، وقد يستحب (2) كخصال الكفارة في الظهار (3) من المرتبات (4)، وخصال كفارة الحنث (5) مما شرع (6) على البدل).

ش: ذكر المؤلف في هذه الفائدة الثالثة (7): أحكام المأمورات المرتبات، والمخيرات.

ومعنى المرتبات: هي الأشياء التي لا يجوز فعل الثاني منها إلا عند تعذر الأول، حسًا، أو شرعًا.

ومعنى المخيرات: هي الأشياء التي يتخير المكلف بينها.

فذكر المؤلف أن هذه المأمورات بجملتها (8)، أعني: ذوات الترتيب، وذوات التخيير - لها ثلاثة أحكام بالنسبة إلى جمعها، وهي: تحريم جمعها، وإباحة جمعها، واستحباب جمعها.

مثال تحريم جمعها في المرتبات: كأكل المباح، وأكل الميتة؛ فلا يجوز الجمع بينهما؛ إذ لا يجوز الإقدام على أكل الميتة إلا عند تعذر أكل المباح.

(1) في ش وط: "والسترة بأحد الثوبين"، وفي أوخ:"والسترة بالثوبين".

(2)

في ش: "وقد تستحب".

(3)

في أ: "في الظهارة".

(4)

"من المرتبات" ساقطة من أوخ وش.

(5)

في ز: "الكفارة في الحنث".

(6)

في خ وش: "فيما يشرع".

(7)

في ط "الثلاثة".

(8)

في ز: "بجملها".

ص: 635

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: (كالمباح والميتة من المرتب)(1).

ومثال تحريم جمعها في المخيرات (2): تزويج المرأة من أحد الكفأين؛ فإن الولي يتخير في تزويج وليته ممن شاء من الكفأين، ولا يجوز أن يزوجها (3) منهما معًا؛ إذ لا يجوز في الشريعة المحمدية أن يتزوج رجلان امرأة واحدة.

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: (وتزويج المرأة (4) من أحد الكفأين من المشروع على سبيل البدل)، أي: على سبيل التخيير، أي: يتخير في (5) أيهما شاء.

ومثال إباحة الجمع بينهما في المرتبات: الوضوء والتيمم؛ [فيجوز الجمع بين الوضوء والتيمم](6).

قال المؤلف في الشرح: إباحة التيمم مع الوضوء معناه: صورة التيمم، أما التيمم الشرعي المبيح للصلاة فلا تتصور حقيقته (7) مع الوضوء؛ لأنه حينئذ غير مشروع طهارة، وإن أبيحت صورته (8).

(1) في ز: "وأكل الميتة من المرتبات"، وفي ط:"والميتة من المرتبات".

(2)

في ط: "التخييرات".

(3)

في ط: "يتزوجها".

(4)

"المرأة" ساقطة من ط.

(5)

"في" ساقطة من ز.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(7)

في ز: "فلا تتوصو حقيقة"، وفي ط:"فلا تتصور حقيقة".

(8)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 159.

ص: 636

فإباحة التيمم في (1) الوضوء إذًا إنما هو من حيث الصورة لا من حيث المشروعية (2).

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: وقد يباح، يعني: الجمع كالوضوء والتيمم من المرتبات.

ومثال إباحة الجمع في المخيرات: التستر (3) بأحد الثوبين الطاهرين في الصلاة، فإن المصلي يباح له أن يجمع بين الثوبين فيصلي بهما معًا، كما يجوز له أن يصلي بواحد منهما.

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: والسترة (4) بأحد الثوبين من باب البدل، أي: من باب التخيير.

ومثال استحباب الجمع [بينها](5) في المرتبات: خصال الكفارة في الظهار؛ فإن المظاهر إن كان موسرًا ففرضه العتق، وإن كان (6) معسرًا (7) ففرضه الصيام، وإن كان عاجزًا ففرضه الإطعام، فإن المظاهر يستحب له أن يجمع بين الخصال الثلاثة (8).

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: وقد يستحب لخصال الكفارة في الظهار من

(1) في ط وز: "منع".

(2)

في ز: "المشروعة".

(3)

في ز: "الستر".

(4)

في ز: "والستر".

(5)

المثبت من "ط" و"ز" وفي الأصل (بينهما).

(6)

"كان" ساقطة من ط.

(7)

في ز: "موسرًا".

(8)

في ز وط: "الثلاث".

ص: 637

المرتبات، وإنما يستحب له الجمع بينها؛ لأنها كلها مصالح وقربات.

قال أبو إسحاق الشيرازي - في مختصره في الأصول -: فإن جمع (1) من فرضه العتق بين الجميع (2): سقط الفرض عنه بالعتق، وما عداه تطوع، وإن جمع من فرضه الصيام بين الجميع: ففرضه أحد (3) الأمرين من العتق، أو الصيام، والإطعام، تطوع، وإذ جمع من فرضه الإطعام بين الجميع: ففرضه واحد من الثلاثة كالكفارة المخيرة (4).

ومثال استحباب الجمع بينها في المخيرات (5): خصال كفارة الحنث في اليمين بالله تعالى؛ لأن كفارة اليمين مخيرة، فيتخير الحانث فيها بين العتق، والكسوة، والإطعام.

وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: وخصال كفارة الحنث مما شرع [على البدل أي](6): على التخيير بين تلك الأشياء.

قال القاضي (7) أبو الوليد الباجي - في الفصول -: إن فعل المكلف واحدًا من خصال كفارة اليمين: كان هو الواجب، وإن فعلها كلها، فإن نوى بأداء فرضه واحدًا منها: كان هو الواجب دون غيره (8)، وإن نوى جميعها: كان

(1) في ط: "الجمع".

(2)

في ط: "الجمع".

(3)

في ز: "واحد".

(4)

انظر: اللمع المطبوع مع تخريجه ص 74.

(5)

"في المخيرات" ساقطة من ز.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(7)

"القاضي" لم ترد في ط.

(8)

يقول الباجي في إحكام الفصول (1/ 91): فإن فعلها كلها فلا يخلو: أن يفعل =

ص: 638

الواجب أعلاها وأكثرها ثوابًا، وأما إذا لم يفعل منها شيئًا (1):

فقيل: إن العقاب يكون على ترك أدناها؛ لأنه لو فعله لبرئت (2) الذمة (3).

قال المؤلف في الشرح: كفارة الظهار مرتبة، وكفارة اليمين بالله تعالى (4) مخيرة، والكل يستحب الجمع (5) بين خصالها من العتق، والكسوة، والطعام، والصيام؛ لأنها مصالح وقربات تكثر وتجتمع (6)، وإن كان بعضها إذا انفرد لا يجزئ في المرتبات (7).

قوله: (فرع: اختار القاضي عبد الوهاب: أن (8) الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله، والزائد على ذلك إِما مندوب، أو (9) ساقط).

ش: هذا هو المطلب التاسع في الأمر المعلق على الاسم الذي له مراتب، هل يتعلق (10) بأولها (11) أو بآخرها؟

= أولها وهو ينوي أن يفعل سائرها، أو يفعل أولها، وهو ينوي به أداء فرضه دون سائرها، فإن قصد بذلك أداء فرضه كان هو الواجب.

(1)

في ط: "يفعل شيئًا منها".

(2)

في ز: "براءة".

(3)

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي 1/ 91.

(4)

"تعالى" لم ترد في ز.

(5)

في ط: "الجميع".

(6)

في ز: "وتجمع".

(7)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 159.

(8)

في ز: "بأن".

(9)

في ز: "وأما".

(10)

في ز: "يعلق".

(11)

في ط: "أم".

ص: 639

هذه المسألة مشهورة بالأخذ (1) بأوائل الأسماء، أو بأواخرها (2) ، ففي ذلك قولان للعلماء.

ومعنى هذه المسألة: أن الحكم إذا علق على معنى كلي له محال كثيرة، وجزئيات متباينة في العلو، والسفل، والكثرة، والقلة (3)، هل يقتصر (4) بذلك الحكم على أدنى المراتب لتحقق المسمى بجملته فيه؟ أو يسلك (5) به طريق الاحتياط فيقصد في ذلك المعنى الكلي أعلى المراتب؟ ففي ذلك قولان:

والمختار عند القاضي عبد الوهاب في كتابه الملخص: أن يقتصر به على أقل مراتبه (6).

مثال ذلك قوله عليه السلام: "إذا ركعت فاطمئن راكعًا"(7).

(1)"بالأخذ" ساقطة من ز.

(2)

في ز: "بآخرها".

(3)

في ز: "والقلة والكثرة".

(4)

في ز: "يقضي".

(5)

في ط: "سلك".

(6)

انظر قول القاضي عبد الوهاب في: التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 137.

(7)

جزء من حديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل، فصلى ثم جاء فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ارجع فصل، فإنك لم تصلّ"، فصلى، ثم جاء فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ارجع فصل، فإنك لم تصلّ" ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني، قال:"إذا قمت إلى الصلاة فكبّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" كتاب الأذان، باب =

ص: 640

فهذا أمر بالطمأنينة، فهل يكتفى بأدنى رتبة تصدق فيه الطمأنينة؟ أو يقصد أعلاها؟ قولان للعلماء.

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام: "خللوا الشعر وأنقوا البشر (1)، فإن تحت كل شعرة جنابة"(2).

فهذا أمر بالتدلك فهل يقصر على أدنى رتبة التدلك؟ أو يقصد أعلاها (3)؟ قولان للعلماء.

= استواء الظهر في الركوع (1/ 144).

وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، رقم الحديث العام 397 (1/ 298).

(1)

في ط وز: "البشرة".

(2)

أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر" كتاب الطهارة، باب الغسل من الجنابة، رقم الحديث العام 248 (1/ 65) تعليق محمَّد محيي الدين عبد الحميد.

وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وفيه: "وأنقوا البشرة" كتاب الطهارة، باب تحت كل شعرة جنابة، رقم الحديث العام 597 (1/ 196).

وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة في كتاب الطهارة باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، رقم الحديث العام 106 (1/ 120 - 121).

وفي سنده الحارث بن وجيه، قال فيه أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف.

انظر: سنن أبي داود (1/ 65).

وقال الترمذي: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه.

انظر: سنن الترمذي 1/ 121، والحارث بن وجيه ضعفه ابن حجر في التقريب (1/ 145)

(3)

في ز: "بها أعلاها".

ص: 641

قوله: (والزائد على ذلك إِما مندوب، أو ساقط).

فالمندوب كزيادة الطمأنينة، والساقط (1) كزيادة التدلك، فإن الشرع لم يندب لزيادة التدلك كما ندب لزيادة الطمأنينة (2).

[فرع (3): الطمأنينة.

والتدلك.

وحكاية الأذان.

والتفرقة في الأم وولدها.

وحضانة الولد.

والحلف بالحرام.

قيل: الطلاق الثلاث.

وقيل: الطلقة الواحدة.

وكذلك الشك في عدد الطلاق.

ومن ذلك: الرشد في اليتامى.

قيل: الرشد في المال خاصة، قاله مالك.

وقيل: الرشد في المال والدين، قاله الشافعي.

(1) في ز: "الساقطة".

(2)

نقل المؤلف من شرح التنقيح للقرافي ص 160.

(3)

بدأ المؤلف يذكر فروعًا فقهية للقاعدة السابقة وهي الأمر المعلق على الاسم الذي له مراتب هل يتعلق بأولها أو بآخرها؟

وهو يذكر هذه الفروع أولًا إجمالًا ثم يشرع في التفصيل.

ص: 642

ومن أمثلة هذه القاعدة أيضًا: الأمة المتواضعة للاستبراء:

قيل: يعد الاستبراء بأول دخولها في الحيض.

وقيل: بخروجها من الحيضة.

ومنه أيضًا: من اشترى نخلًا فأثمرت عنده، ثم ردت النخلة بعيب أو استحقاق، أو شفعة، أو فساد البيع، أو بغير ذلك، ففي كل ذلك قولان:

قيل: الغلة للمشتري بالطيب.

وقيل: بالجذاذ.

وقال بعض المدنيين: الغلة للمشتري بالأبار.

قوله: (والزائد على ذلك)] (1).

قال المؤلف في الشرح: [ووجه الاقتصار على أول المراتب (2) جمعًا بين الدال على الوجوب، وأن الأصل براءة الذمة، كما أنه لو وجب (3) عتق رقبة واقتصرنا على مسمى الرقبة أجزأ، وإن كانت أدنى الرقاب (4).

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام: "إذا سمعتم المؤذن (5) فقولوا مثل ما يقول المؤذن (6) "(7).

(1) المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(2)

في ط: "على الأول الرتبة".

(3)

في ط: "لوجب".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 160.

(5)

في ز: "المؤذنين".

(6)

"المؤذن" ساقطة من ز وط.

(7)

أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم =

ص: 643

فإن المثلية تصدق في اللغة بأي وصف كان من غير شمول لجميع الأوصاف، كقولنا (1) مثلًا (2): زيد مثل الأسد، يكتفى في ذلك (3) بالشجاعة دون سائر الأوصاف، فالمثل (4) المذكور في الحديث إن حمل على أعلى (5) المراتب فيحكى إلى (6) آخر الأذان، وإن حمل على أدنى المراتب فيحكى إلى آخر التشهدين (7) وهو مشهور المذهب المالكي (8).

= النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع النداء (1/ 115).

ومسلم كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل ما يقول المؤذن، رقم الحديث العام 383 (1/ 288).

وأخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري في كتاب الأذان، باب ما يقال إذا أذّن المؤذن، رقم الحديث العام 720 (1/ 238).

وأخرجه النسائي عن أبي سعيد الخدرى في كتاب الأذان، باب القول مثل ما يقول المؤذن (2/ 20).

وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري في كتاب الصلاة، باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن (1/ 271).

وأخرجه مالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري في كتاب الصلاة، باب ما جاء في النداء للصلاة (1/ 67).

(1)

في ز: "وكقولنا".

(2)

"مثلًا" ساقطة من ط.

(3)

في ط: "فيكتفى ذلك".

(4)

في ط: "في المثل".

(5)

المثبت من ز وط، ولم ترد "أعلى" في الأصل.

(6)

في ط: "المرأ آخر الأذان".

(7)

في ز: "الشهادتين".

(8)

في ز: "مذهب مالك".

ص: 644

ومثاله أيضًا قوله عليه السلام في التفرقة (1) بين الأمة (2) وولدها: "لا توله والدة (3) عن (4) ولدها"(5).

فإن هذا عام في أشخاص الولد (6)، والقاعدة: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال، فهو إذًا مطلق في أحوال الولد، فإذا كان مطلقًا في الأحوال فيتناول أمرًا كليًا، فيصدق في رتبة دنيا، وهي: الإثغار (7)، ويصدق في رتبة (8) عليا وهي: البلوغ، فهل يقصد بهذا أعلى الرتب (9) وهو (10) البلوغ؟ أو يقتصر (11) به على أدنى الرتب، وهو الإثغار؟

(1) في ز: "التفريقية".

(2)

في ط: "الأم".

(3)

في ط: "واحدة".

(4)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"على".

(5)

أخرجه البيهقي من حديث أبي بكر رضي الله عنه، كما عزاه له ابن حجر، وذكر أن سنده ضعيف.

وعزاه ابن حجر لأبي عبيد في غريب الحديث من مرسل الزهري، وقال: إن راويه عنه ضعيف، وعزاه للبيهقي الألباني في ضعيف الجامع الصغير (2/ 278).

انظر: التلخيص الحبير 3/ 15، وفيض القدير 6/ 423.

(6)

في ط: "الولي".

(7)

يقال: أثغر الصبي على وزن أسرج إذا أبدل أسنانه.

انظر: كتاب شرح غريب ألفاظ المدونة للجبي، تحقيق محمَّد محفوظ ص 26.

(8)

"رتبة" ساقطة من ز.

(9)

في ط: "يقصد بها أعلى المراتب".

(10)

في ز وط: "وهي".

(11)

المثبت من ز، وفي الأصل:"يقصد".

ص: 645

وهذا هو المشهور في المذهب (1) المالكي.

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام في الحضانة: "أنت أحق به ما لم تنكحي"(2).

وهذه الأحقية (3) أدنى مراتبها: الإثغار (4)، وأعلاها: البلوغ، و (5) المشهور هو (6): البلوغ في المذهب المالكي.

[ومثاله أيضًا: قوله أنت عليّ حرام، فهل (7) يحمل على أعلى مراتب (8) التحريم؟ وهو: الثلاث، أو يحمل على أدناها (9) وهو الطلقة الواحدة؟](10).

ومثاله أيضًا: قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (11):

(1) في ط: "كالمذهب".

(2)

أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق به ما لم تنكحي".

انظر: سنن أبي داود كتاب الطلاق، باب أحق بالولد، رقم الحديث العام 2276 (2/ 707، 708).

(3)

في ز: "اللاحقية".

(4)

في ط: "إثغار وأعلى".

(5)

"الواو" ساقطة من ط.

(6)

"هو" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "وهل".

(8)

في ط: "المراتب".

(9)

في ط: "أدنى المراتب".

(10)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(11)

آية 6 من سورة النساء.

ص: 646

فقيل: يحمل على أدنى مراتب الرشد، وهو: الرشد في المال خاصة، وهو مذهب مالك رحمه الله (1).

أو يحمل على أعلى (2) مراتب الرشد، وهو: الرشد في المال والدين، وهو مذهب الشافعي (3) رحمه الله تعالى (4).

[ومثاله أيضًا: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (5).

فهل يحمل على أدنى المراتب؟ وهو مطلق ما يسمى صعيدًا، ترابًا كان أو غيره من أنواع الأرض، وهو: مذهب مالك رضي الله عنه (6).

أو يحمل على أعلى (7) مراتب الصعيد، وهو: التراب، وهو مذهب الشافعي (8) رضي الله عنه] (9).

قوله: (الأمر المعلق (10) على الاسم).

يريد الاسم الكلي ولا يريد الاسم الكل، فالكلي يقابله الجزئي، والكل يقابله الجزء، وقد تقدم لنا في الفصل الخامس من الباب الأول بيان ذلك (11).

(1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/ 322.

(2)

المثبت من ز، ولم ترد "أعلى" في الأصل وط.

(3)

انظر المصدر السابق.

(4)

"تعالى" لم ترد في ز، وفي ط:"رضي الله عنه".

(5)

آية 43 من سورة النساء.

(6)

انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/ 448.

(7)

المثبت من ز، ولم ترد "أعلى" في الأصل.

(8)

انظر مذهب الشافعي في: الوسيط للغزالي 1/ 443.

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(10)

في ط: "المطلق".

(11)

انظر (1/ 237، 246، 249) من هذا الكتاب.

ص: 647

فالكلي هو الذي لا (1) يمنع تصوره من الشركة (2) فيه؛ كالإنسان مثلًا؛ فإنه يصدق على جميع أشخاص الأناسي (3).

والجزئي هو الذي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه (4) كسائر أشخاص الإنسان؛ كزيد، وعمرو، وهند، ودعد.

ومعنى الكل هو: الحكم على المجموع من حيث هو مجموع كأسماء الأعداد كالعشرة (5) مثلًا.

ومعنى الجزء: ما تركب مثله ومن غيره كل (6) كالخمسة مع العشرة، فمحل الخلاف الذي ذكر المؤلف رحمه الله هو: المعنى الكلي (7) دون المعنى (8) الكل، فإن الكلي إذا علق عليه الحكم فاختلف فيه هل يحمل على جميع جزئياته؟ أو يحمل على أدنى جزئياته؟ قولان كما تقدم في الطمأنينة وفي التدلك وغيرهما.

وإنما قلنا: موضع هذا الخلاف هو: المعنى الكلي دون معنى الكل؛ لأن الكلي لا يدل على جزئياته بخلاف الكل (9)، فإنه يدل على جزئياته (10).

(1)"لا" ساقطة من ط.

(2)

في ط وز: "وقوع الشركة".

(3)

في ط: "الإنساني".

(4)

"فيه" ساقطة من ط.

(5)

في ز: "العشرة".

(6)

في ز: "لكل".

(7)

في ط: "الكل".

(8)

"المعنى" ساقطة من ز.

(9)

في ط: "الكلي".

(10)

في ز: "أجزائه".

ص: 648

وإنما قلنا: الكلي لا يدل على جزئياته؛ لأنك إذا قلت: في الدار جسم، لا يدل على (1) أنه حيوان، وإذا قلت: فيها حيوان لا يدل على (2) أنه إنسان، وإذا قلت: فيها إنسان لا يدل على أنه رجل، وإذا (3) قلت: فيها رجل، لا يدل على أنه زيد فظهر لك بهذا: أن الكلي لا يدل على تعيين جزء (4) من جزئياته.

وإنما قلنا: الكل يدل على أجزائه؛ لأنك إذا قلت: عندي عشرة، فإنه يدل (5) على خمسة، وعلى ستة، وعلى جميع أجزائه التي هي: الوحدات (6) التي تركب منها العشرة، وإذا قلت: عندي نصاب وهو عشرون دينارًا، فإنه يدل على أن عنده (7) عشرة دنانير، وغيرها من سائر الأجزاء التي تركب منها العشرون.

فقولنا: الكلي (8) لا يدل على جزئياته، هذه القاعدة مطردة لا تفصيل فيها؛ لأن الكلي دال على الأعم، فالدال على الأعم غير دال على الأخص.

(1) المثبت من ز، ولم ترد "على" في الأصل وط.

(2)

المثبت من ز، ولم ترد "على" في الأصل وط.

(3)

في ز: "فإذا".

(4)

في ط وز: "جزئي".

(5)

في ز: "فإنها تدل".

(6)

في ز: "الذي هو الواحدة"، وفي ط:"التي هي الواحد".

(7)

في ز: "عندك".

(8)

في ز: "الكل".

ص: 649

وقولنا: الكل (1) يدل على أجزائه (2)، هذه القاعدة مطردة في الإيجاب دون السلب، وإنما قلنا (3): مطردة في الإيجاب؛ لأنك إذا قلت: عندي عشرة، فإنه يدل على أن عندك خمسة، وجميع الأجزاء التي تركب منها العشرة، وكذلك إذا قلت: عندي نصاب، فإنه يدل على أن عندك عشرة وخمسة وجميع الأجزاء التي تركب منها النصاب الذي هو العشرون (4).

وإنما قلنا: لا تطرد في السلب؛ لأنك إذا قلت: ليس عنده عشرة لا يلزم ألا يكون عنده خمسة أو تسعة، وكذلك إذا قلت: ليس عنده نصاب لا يلزم ألا يكون عنده عشرة أو تسعة عشر (5).

وإنما قلنا: دلالة الكل على أجزائه مطردة في الثبوت دون النفي؛ لأن الحقيقة لا تثبت إلا لجميع (6) أجزائها، وتنعدم الحقيقة بعدم جزء واحد (7) من أجزائها، فلا يثبت النصاب مثلًا إلا بجميع ثبوت (8) العشرين دينارًا، وينعدم النصاب بعدم دينار واحد من العشرين.

فإذا تقرر هذا تبين لك: أن محل الخلاف الذي ذكره المؤلف إنما هو الكلي لا الكل، فإذا قال الله تعالى مثلًا: صوموا رمضان، فهذا أمر بالكل، وهو

(1) في ز: "والكل".

(2)

في ز: "جزئياته".

(3)

في ز: "قلت".

(4)

في ز: "النصاب وهو العشرون".

(5)

"عشر" ساقطة من ط.

(6)

في ط وز: "بجميع".

(7)

"واحد" ساقطة من ز.

(8)

في ز: "إلا بثبوت جميع"، وفي ط:"إلا بثبوت العشرين".

ص: 650

مجموع أيام شهر رمضان، فلو حملنا الأمر على أدنى أجزائه فصمنا يومًا واحدًا مثلًا ففيه مخالفة للفظ صاحب الشرع، [ومخالفة لفظ صاحب الشرع](1) لا تجوز، بخلاف ما إذا قال الله تعالى: اعتقوا رقبة، فعتقنا رقبة تساوي عشرة، وتركنا رقبة تساوي ألفًا، فليس هذا (2) مخالفة للفظ صاحب الشرع (3).

فقوله (4): (الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله)، يعني بالاسم (5): الكلي دون الاسم الكل.

قال المؤلف في الشرح: وكثير من الفقهاء غلط في تصوير هذه المسألة حتى خرج عليها (6) ما ليس من فروعها ظنًا أنها من فروعها.

فقال أبو الطاهر وغيره: التيمم إلى الكوعين، أو إلى المرفقين، أو إلى الإبطين، ثلاثة أقوال، أن ذلك يتخرج على هذه القاعدة، هل يؤخذ بأوائل الأسماء فيقتصر على الكوع (7)؟ أو بأواخرها فيصل إلى الإبطين؟ ويجعلون كل (8) ما هو من هذا (9) الباب مخرجًا على هذه القاعدة وهذا باطل

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

في ز وط: "فيها".

(3)

من قوله: "فإذا قال الله تعالى" إلى آخره، ذكره القرافي بالمعنى في الفروق، الفرق الحادي والعشرين 1/ 136.

(4)

في ط: "قوله".

(5)

في ط وز: "يعني به الاسم".

(6)

"عليها" ساقطة من ط.

(7)

في ط: "الكوعين".

(8)

في ز: "من".

(9)

في ط: "ما هو مذهب الباب" وهو تصحيف.

ص: 651

إجماعًا.

ومنشأ الغلط: إجراء أحكام [الجزئيات على الأجزاء](1) والتسوية بينهما، ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه، فلا تجزئ (2) ركعة عن (3) ركعتين في الصبح، ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم (4)، ونظائره كثيرة. انتهى نصه (5).

[فقول المؤلف: (يقتضي الاقتصار على أوله)، أي: على أول جزئياته لا أول أجزائه.

والفرق بين الجزئي والجزء: أن الجزئي يستلزم الكلي، ولا يستلزم الجزء الكل؛ فلأجل ذلك أجزأ الجزئي عن الكلي، ولا يجزئ الجزء عن الكل؛ لأن أدنى رتبة الطمأنينة: طمأنينة (6)، وأدنى رتبة (7) التدلك: تدلك، وليست (8) الركعة ركعتين، ولا يوم (9) من الشهر شهرًا في الصوم.

وسبب الخلاف في الحقيقة في (10) منتهى التيمم من اليد، هل الكوع، أو المرفق، أو الإبط، هو: الخلاف في المطلق إذا دار بين مقيدين، هل يحمل

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

في ز: "يجزيء".

(3)

في ط: "من".

(4)

"في الصوم" ساقطة من ز.

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 159.

(6)

"طمأنينة" ساقطة من ط، وفي ز:"الطمأنينة".

(7)

في ط: "رتب".

(8)

في ط: "وليس".

(9)

في ط: "ولا اليوم".

(10)

"في" ساقطة من ط.

ص: 652

على أقيسهما أو يبقى على إطلاقه؟

فمنهم من حمل آية التيمم على آية القطع؛ لأن آية القطع قيدتها (1) السنة بالكوع فيتيمم إلى الكوعين؛ لأنه عضو أطلق النص فيه (2) فيختص بالكوعين قياسًا على القطع في السرقة.

ومنهم من حملها على آية الوضوء؛ لأن القرآن قيدها (3) بالمرفق، وهذا أقيس لاشتراك التيمم والوضوء (4)(5) في جنس الطهارة، فحمل الشيء على جنسة أولى من حمله على غير جنسه.

ومنهم من أبقاها على إطلاقها؛ إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر، فقال: يتيمم إلى الإبط؛ لأنه مسمى اليد لغة، فلذلك لما نزلت آية التيمم تيمم الصحابة إلى الإبط] (6).

قال المؤلف في القواعد: وبهذا يظهر بطلان من (7) يخرج الخلاف في غسل الذكر من المذي، هل يقتصر فيه على الحشفة؟ أم (8) لا بد من جملته على

(1) في ز: "قيدته".

(2)

في ز: "أطلق فيه النص".

(3)

في ط: "قيد بها".

(4)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"الوضوء".

(5)

قوله (لأن القرآن قيدها بالمرفق وهذا أقيس لاشتراك التيمم والوضوء) ساقط من ز.

(6)

ما بين المعقوفتين جاء بالترتيب المثبت في ز وط، وفي الأصل ورد بين قوله:"وقال مع ذلك وما قدروا والله حق قدره"، وقوله: "وقسم مختلف فيه

إلخ".

(7)

في ط: "قول من".

(8)

في ط: "أو".

ص: 653

هذه القاعدة؛ لأن هذا (1) اقتصار على جزء لا على (2) جزئي، فهذا بمنزلة الاقتصار على يوم من رمضان، فلا يصح. انتهى نصه (3).

قوله: (الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله) هذا الخلاف ليس بمطلق في جميع فروع هذه (4) القاعدة، بل فروعها ثلاثة أقسام:

قسم يجب الحمل فيه (5) على أعلى (6) المراتب بالإجماع، و (7) هو: الأمر بالتوحيد، والتعظيم، والإجلال في ذات الله تعالى وصفاته (8).

وقسم يجب فيه الحمل على أدنى المراتب وهو: الأقارير (9)، كقول المقر له: عندي دنانير؛ فإنه يحمل على أدنى المراتب في الجميع (10)، وهو أقل الجمع بالإجماع، فيقبل تفسيره بأقل المراتب (11) وهو ثلاثة، وإن كان لفظه يصدق على الألف؛ لأن الأصل براءة الذمة.

(1)"هذا" ساقطة من ط.

(2)

"على" ساقطة من ز وط.

(3)

انظر: الفروق للقرافي، الفرق الحادي والعشرين بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى وقاعدة الحمل على أول أجزائه 1/ 136.

(4)

في ز: "هذا".

(5)

في ط: "يجب فيه الحمل على".

(6)

المثبت من ز وط، ولم ترد:"أعلى" في الأصل.

(7)

"الواو" ساقطة من ط.

(8)

في ط وز: "وصفاته العلا".

(9)

في ز: "الأقارين"، وفي ط:"الإقرار".

(10)

في ز: "الجمع".

(11)

في ز: "الرتب".

ص: 654

وليس الأصل في القسم الأول إهمال (1) جانب الربوبية، بل الأصل تعظيمها والمبالغة في إجلال الله تعالى بكل ما يمكن للعبد، لقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} (2)، وقال مع ذلك:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (3).

وقسم مختلف فيه، وهو: ما عدا هذين القسمين (4) كما تقدم من أمثلته، انظر: القواعد السنية في الفرق الحادي (5) والعشرين بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى، وقاعدة الحمل على أول أجزائه (6)، وبالله التوفيق (7).

(1) في ط: "اهما".

(2)

آية 56 من سورة الذاريات.

(3)

آية 67 من سورة الزمر.

(4)

في ط وز: "القسمين المذكورين".

(5)

في ز: "الحادية".

(6)

انظر هذه الفروع الثلاثة في: الفروق للقرافي، الفرق الحادي والعشرين 1/ 140.

(7)

في ز: "التوفيق بمنه"، وفي ط:"حسن التوفيق بمنه".

ص: 655