المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: جواز تكليف ما لا يطاق - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٢

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الرابع: جواز تكليف ما لا يطاق

‌الفصل الرابع: جواز تكليف ما لا يطاق

(1)

[قوله](2): (يجوز تكليف ما لا يطاق، خلافًا للمعتزلة، والغزالي، وإِن كان لم يقع في الشرع خلافًا للإِمام فخر الدين).

ش: ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى (3) - في هذا (4) الفصل ثلاثة مطالب:

الأول: هل يجوز التكليف بما لا يطاق أم لا؟

الثاني: إذا قلنا بجوازه، هل هو واقع في الشرع أم لا؟

الثالث: بيان محل النزاع ما هو؟.

أما المطلب الأول وهو قولنا: هل يجوز التكليف بما لا يطاق أم لا؟ فقد (5) ذكر فيه المؤلف قولين (6):

(1) هذا العنوان غير موجود في الأصل وط وز، وموجود في أوش.

(2)

ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ المخطوطة.

(3)

"رحمه الله تعالى" لم ترد في ز.

(4)

في ز:"ها هنا في هذا الفصل".

(5)

في ز: "فذكر".

(6)

القول الأول: يجوز تكليف ما لا يطاق مطلقًا، وهو مذهب جمهور الأشعرية، واختار هذا القول الإمام فخر الدين، وابن السبكي.

القول الثاني: أنه غير جائز وهو مذهب المعتزلة، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والغزالي، وابن الحاجب، وابن دقيق العيد.

ص: 529

بالجواز: وهو مذهب جمهور (1) الأشعرية.

والقول الثاني: بمنع (2) الجواز، وهو مذهب المعتزلة، والغزالي (3).

مثاله: كالجمع بين السواد والبياض في محل واحد.

وكالجمع بين الحركة والسكون في محل واحد، وكجعل الجسد الواحد في مكانين في وقت واحد (4).

وسبب الخلاف: هل من شرط الفعل المكلف به أن يكون ممكن الوقوع عادة أو ليس من شرطه؟

فمن قال: من شرطه إمكان وقوعه عادة قال: لا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم شرطه الذي هو إمكان وقوعه.

= وهناك قول ثالث: وهو منع المستحيل لذاته، وجواز المستحيل لغيره عادة، واختاره الآمدي وشيخ الإسلام، وذكر أن لفظ التكليف بما لا يطاق من الألفاظ المجملة.

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 143، 144، شرح التنقيح للمسطاسي ص 63، 64، المحصول ج 1 ق 2 ص 363 - 399، المعالم ص 140 - 144، البرهان 1/ 102 - 103، المستصفى 1/ 86 - 88، الإحكام للآمدي 1/ 133 - 144، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 9 - 11، كشف الأسرار 1/ 191، 192. نهاية السول 1/ 345 - 351، المنخول 22 - 28، المسودة ص 79، الفتاوى لشيخ الإسلام 8/ 471، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 59، فواتح الرحموت 1/ 123، إرشاد الفحول ص 9، معالم أصول الفقه عند أهل السنة للجيزاني ص 343.

(1)

"جمهور" ساقطة من ط.

(2)

في ط: "بمعنى".

(3)

انظر: المستصفى 1/ 86.

(4)

في ز: "وكجسم واحد في مكانين".

ص: 530

ومن قال: ليس من شرطه إمكان وقوعه (1) عادة، قال: يجوز التكليف به.

قوله: (وإِن كان لم يقع في الشرع خلافًا للإِمام فخر الدين).

ش: هذا هو المطلب الثاني وهو قولنا: إذا قلنا بجوازه هل هو (2) واقع في الشرع أو لا (3)، ذكر المؤلف أيضًا (4) فيه قولين:

مذهب الجمهور أنه غير واقع.

ومذهب فخر الدين أنه واقع.

قوله: (لنا: قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (5)، فسؤال دفعه يدل على جوازه) (6).

ش: هذا حجة القول بجواز التكليف بما لا يطاق.

ووجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة (7): أن الدعاء بما لا يجوز حرام، فلو كان التكليف بما لا يطاق ممنوعًا لما جاز الدعاء به، فلما وجدنا الصحابة رضي الله

(1) في ز: "الوقوع".

(2)

"هو" ساقطة من ط وز.

(3)

في ط وز: "أم لا".

(4)

"أيضًا" ساقطة من ز.

(5)

آية 286 من سورة البقرة.

(6)

في أ: "لنا قوله: {لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ".

(7)

"الكريمة" لم ترد في ز.

ص: 531

عنهم دعوا به ها هنا، دل ذلك على أن التكليف به جائز.

قال المؤلف في الشرح: ووجه الاستدلال بالآية: أن الدعاء بمتعذر الوقوع حرام؛ فلا يجوز: اللهم اجمع بين الضدين، ولا: اللهم اغفر للكافرين (1)، ولا غير ذلك من الممتنعات عقلاً، أو شرعًا، أو عادة، فلما سألوا دفعه، وذكر الله تعالى ذلك (2) في سياق المدح لهم دل (3) على أنهم لم يعصوا في دعائهم، فيكون دعاء بما يجوز، وهو المطلوب. انتهى نصه (4).

قوله: (لنا قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}).

قال بعضهم: الاستدلال بهذه الآية ضعيف؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد بهذه الآية العقوبات لا التكليفات؛ لئلا تكون الآية تكرارًا للآية (5) التي قبلها، وهي قوله تعالى:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (6)؛ إذ الآية الأولى طلبوا فيها عدم التكليفات الشاقة (7)، والآية الثانية طلبوا عدم (8) العقوبات النازلة بمن قبلهم على تفريطهم في المحافظة على التكاليف التي كلفوها.

(1) في ط: "لكافرين".

(2)

في ط: "في ذلك".

(3)

في ز: "دل ذلك".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 143، 144.

(5)

في ط: "الآية".

(6)

آية 286 من سورة البقرة.

(7)

في ط: "المشاقات"، وفي ز:"الثاقلة".

(8)

في ط وز: "فيها عدم".

ص: 532

وقوله (1): (وقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} (2) يدل على عدم وقوعه).

ش: هذا دليل الجماعة على عدم وقوع (3) التكليف بما لا يطاق (4) في الشرع، وكذلك يدل عليه أيضًا (5):{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا} (6).

وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (7).

قال المؤلف (8) في الشرح: وأما قول الإمام: إنه واقع، فاعتمد في ذلك على أن جميع التكاليف إما معلومة الوجود: فتكون واجبة الوقوع، وإما معلومة العدم فتكون ممتنعة الوقوع، والتكليف بالواجب الوقوع، أو ممتنع الوقوع تكليف بما لا يطاق.

وهذا إنما يقتضي وقوع (9) تكليف ما لا يطاق عقلاً لا عادة، فإن امتناع خلاف المعلوم إنما هو عقلي (10)، والنزاع ليس فيه، بل النزاع في المحال العادي فقط، فلا يحصل مطلوب الإمام. انتهى نصه (11).

(1)"الواو" ساقطة من ط وز.

(2)

آية 286 من سورة البقرة.

(3)

"وقوع" ساقطة من ز.

(4)

في ط: "بما يطاق".

(5)

في ط وز: "أيضًا قوله تعالى".

(6)

آية 7 من سورة الطلاق.

(7)

آية 185 من سورة البقرة.

(8)

في ط: "الإمام".

(9)

"وقوع" ساقطة من ط وز.

(10)

المثبت من ز، وفي الأصل:"عقل".

(11)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 144.

ص: 533

قوله: (وها هنا دقيقة، وهي: أن كلما (1) لا يطاق قد يكون عاديًا فقط نحو (2): الطيران في الهواء، أو عقلاً (3) فقط كإِيمان الكافر الذي علم الله (4) أنه لا يؤمن، أو عاديًا وعقليًا (5) كالجمع بين الضدين، فالأول (6)، والثالث، هما المرادان (7) دون الثاني (8)).

ش: هذا بيان (9) المطلب الثالث، وهو بيان محل النزاع المذكور.

قوله: (دقيقة) الدقيقة عبارة عن المعنى الذي يدق في فهمه النظر، تقدير الكلام: وها هنا قاعدة دقيقة المعنى (10)، والفهم.

فذكر المؤلف: أن محل النزاع المذكور إنما هو فيما لا يطاق عادة نحو: الطيران في الهواء، وفيما لا يطاق عادة وعقلاً (11) نحو: الجمع (12) بين الضدين، كالجمع بين الحركة والسكون في وقت واحد؛ وذلك أن الطيران في

(1) في أوخ وش: "وهي أن ما لا يطاق".

(2)

في ش: "كالطيران".

(3)

في أوخ وش وط وز: "أو عقليًا".

(4)

في أوخ وش وط: "علم الله تعالى".

(5)

في خ وش: "أو عاديًا وعقليًا معًا"، وفي ط:"أو عاديًا أو عقليًا".

(6)

في ش: "والأول".

(7)

في خ وش: "هما المرادان ها هنا دون الثاني"، وفي ط:"هنا دون الثاني".

(8)

"دون الثاني" ساقطة من أ.

(9)

في ز: "هذا هو المطلب".

(10)

في ط: "رقيقة المغزل".

(11)

في ط وز: "وعقلاً معًا".

(12)

في ط: "كالجمع".

ص: 534

الهواء تحيله (1) العادة، وأما العقل فيجيزه، فهذا المحال عادي فقط.

أما (2) الجمع بين الضدين فهو محال عادة وعقلاً معًا، فإن العادة تحيله، وكذلك (3) العقل يحيله أيضًا، فهذا المحال عادي، وعقلي.

فهذان القسمان هما محل النزاع بيننا وبين المعتزلة، فنحن نجيزه، والمعتزلة تمنعه.

وأما القسم الذي هو محل الاتفاق بيننا وبين المعتزلة، وهو المشار إليه بقول المؤلف:(دون الثاني) فهو المحال عقلاً خاصة، أي دون العادة، نحو: إيمان الكافر الذي علم الله أنه (4) لا يؤمن، فلا خلاف بيننا وبين المعتزلة في جواز التكليف به، وفي وقوعه، فإن الله تعالى كلفه (5) بالإيمان مع علمه بأنه لا يؤمن، وخلاف (6) معلوم الله تعالى لا يقع، فهذا (7) المحال هو عقلي لا عادي؛ لأن العقل هو الذي يحيله دون العادة، فإن أهل العادة إذا سئلوا عنه جوزوه، فهو: عقلي فقط.

وإنما ذكر المؤلف هذه الدقيقة ليبين أن قول الإمام فخر الدين: "تكليف ما

(1) في ط: "يحيله".

(2)

في ط وز: "وأما".

(3)

في ز: "وكذا".

(4)

في ط: "الذي".

(5)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"كلف".

(6)

في ز: "إذ خلاف".

(7)

في ط: "فها".

ص: 535

لا يطاق واقع" (1) في الشرع (2) خارج عن محل النزاع؛ لأن الذي وقع في الشرع هو القسم المحال عقلاً لا عادة، وليس محل النزاع، بل يجوز التكليف به اتفاقًا.

قال بعضهم: يلزم الإمام فخر الدين أن جميع التكاليف تكليف بما لا يطاق، وذلك باطل بالإجماع.

(1) انظر: المعالم للإمام فخر الدين ص 140.

(2)

في ط: "في الشر" وهو تصحيف.

ص: 536

الفصل الخامس فيما ليس من (1) مقتضاه (2)

ش: ترجم المؤلف رحمه الله ها هنا للأشياء (3) التي لا يقتضيها الأمر، أي: لا يدل عليها الأمر (4).

[اعترض هذا بأن قيل: ما لا يقتضيه الأمر لا تعلق له بالأمر، فلا معنى لذكره في مسائل الأمر](5)؛ لعدم تعلقه به، وأيضًا ما لا تعلق له بالأمر غير محصور، وكل ما تشتمل عليه هذه الترجمة محصور، فهذا تناقض، كأنه ترجم لغير محصور وهو محصور.

أجيب عن ذلك: بأن المسائل الخمس التي ذكر المؤلف في هذا الفصل قد اختلف فيها كلها، هل هي من مقتضيات (6) الأمر أم لا؟ فلما كان الصحيح عند المؤلف أن الأمر لا (7) يقتضيها لصحة مستندها عنده، كان مستند من زعم

(1)"من" ساقطة من ز.

(2)

انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 144 - 149، شرح التنقيح للمسطاسي ص 64 - 66، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 123 - 128.

(3)

في ط: "الأشياء".

(4)

في ز: "الأمر عليها".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

المثبت من ز، وفي الأصل:"هل من مقتضاه".

(7)

"لا" ساقطة من ز.

ص: 537

أن الأمر يقتضيها وهمًا، فتقدير الترجمة إذًا: الفصل الخامس: فيما يتوهم أنه من مقتضى الأمر وليس من مقتضاه.

ونظير هذه الترجمة قوله في باب النسخ: الفصل الرابع: فيما يتوهم أنه ناسخ (1) يعني وليس بناسخ.

ونظيره أيضًا: قوله في باب العمومات: الفصل الرابع: فيما ليس من المخصصات للعموم (2).

فتبين بهذا: أن المؤلف لم يترجم ها هنا إلا لمتعلق بالأمر محصور، وفي هذا الفصل خمسة مطالب:

المطلب الأول: هو قوله: (لا يوجب القضاء عند اختلال المأمور به عملاً بالأصل، بل القضاء بأمر جديد خلافًا لأبي بكر الرازي).

ش: ومعنى هذه المسألة: أن الأمر إذا ورد بعبادة في وقت معين، ولم تفعل (3) في ذلك الوقت لعذر أو لغير عذر (4)، أو فعلت مع اختلال بعض أركانها، فهل يجب قضاء (5) بعد ذلك الوقت بالأمر الأول؟ قاله أبو بكر الرازي من الحنفية (6) وهو مذهب الحنابلة.

(1) في ز: "مناسخ".

(2)

في ز: "المخصوصات"، وفي ط:"مخصصات العموم"، وانظر: هذا الفصل في (3/ 329) من هذا الكتاب.

(3)

في ط: "يفعل".

(4)

"عذر" ساقطة من ط.

(5)

في ط وز: "قضاؤها".

(6)

في ط: "الحقيقه" وهو تصحيف.

ص: 538

أو لا يجب قضاؤها إلا بأمر آخر مجدد، قاله القاضي أبو بكر، وهو مذهب المحققين من الشافعية والمعتزلة وغيرهم (1).

وهكذا الحكم في الأمر بالعبادة من غير تعيين وقت بل ورد الأمر مطلقًا من غير تقييد بوقت معين (2)، وقلنا: الأمر للفور، فلم تفعل تلك العبادة في أول أوقات الإمكان، أو فعلت على نوع من الخلل، فهل يجب قضاؤها بذلك الأمر الأول؟ أو لا يجب إلا بأمر جديد (3)؟

وهذا القسم داخل في القسم الأول: فالحكم (4) فيهما (5) واحد؛ لأن أول أوقات الإمكان على القول بالفور هو (6) وقت معين للعبادة أيضًا، فكلام المؤلف يتناول القسمين معًا، أعني: سواء كان الوقت معينًا أو فوريًا.

قوله: (عند اختلال المأمور به) يعني: عند وقوع الفساد في الفعل المأمور

(1) منشأ الخلاف في هذه المسألة كما ذكره فخر الدين أن قول القائل لغيره: افعل كذا، هل معناه: افعل في الزمان الثاني، فإن عصيت ففي الثالث، فإن عصيت ففي الرابع، أو معناه: افعل في الثاني من غير بيان حال زمان الثالث والرابع، فعلى القول الأول: اقتضى الأمر الفعل في سائر الأزمان، وعلى القول الثاني: لم يقتضه.

انظر الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 144، 145، شرح التنقيح للمسطاسي ص 64، المحصول ج 1 ق 2 ص 420 - 425، المعالم ص 146 - 147، الإحكام للآمدي 2/ 179 - 181، المنخول ص 121، العدة لأبي يعلى 1/ 293 - 300، المسودة ص 27، ميزان الأصول للسمرقندي ص 220 - 222.

(2)

"معين" ساقطة من ز.

(3)

في ط وز: "ثان".

(4)

"فالحكم" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "فيها".

(6)

في ط: "وهو".

ص: 539

به (1) إما بفوات وقته وإما بفساد بعض أركانه.

قوله: (عملاً بالأصل) هذا حجة القول بأن الأمر الأول لا يوجب القضاء (2)؛ لأن الأصل عدم دلالة الأمر على القضاء، فتقدير الكلام على هذا: وإنما قلنا: لا يوجب الأمر الأول القضاء عملاً بالأصل (3)، عدم دلالة الأمر على القضاء، ويحتمل أن يريد بالأصل: براءة الذمة.

[فتقدير الكلام على هذا التأويل](4): وإنما قلنا: لا يوجب الأمر الأول القضاء عملاً بأن الأصل براءة الذمة، ولكن هذا التأويل فيه نظر؛ لأن (5) للمخالف أن (6) يقول: ارتفع براءة الذمة بدلالة الأمر على القضاء.

قوله: (بل القضاء بأمر جديد) أي: يجب القضاء بأمر آخر مجدد كقوله عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها"(7)، فهذا أمر ثان بقضائها، والأصل في الكلام التأسيس دون التأكيد؛

(1)"به" ساقطة من ز.

(2)

"القضاء" ساقطة من ط.

(3)

في ط: "بأن".

(4)

ما بين المعقوفتين ورد في ز بلفظ: "ولكن هذا التأويل فيه نظر".

(5)

"لأن" ساقطة من ط.

(6)

في ط: "أنه".

(7)

أخرجه البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لذِكْرِي} "[كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها (1/ 112)].

وأخرجه مسلم عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة (1/ 477).

وأخرجه أبو داود عن أنس بن مالك في كتاب الصلاة، باب من نام عن الصلاة أو =

ص: 540

وذلك (1) يدل على وجوب القضاء بالأمر الثاني دون الأول.

و (2) حجة القول بأن القضاء بالأمر الأول: أن القضاء لو كان بأمر جديد (3) لما كان لتسميته قضاء فائدة؛ لأنه أداء كما هو في الأمر الأول.

أجيب عنه: بأنه إنما سمي قضاء؛ لأنه وجب استدراكًا لما فات من مصلحة الأداء، فذلك هو المعني بالقضاء.

قال المؤلف في الشرح: هذه المسألة مبنية على قاعدتين:

القاعدة الأولى: أن الأمر بالفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بذلك الوقت.

القاعدة الثانية: أن الأمر (4) بالمركب أمر (5) بمفرداته.

فمن لاحظ القاعدة الأولى قال: الأوقات لا (6) تتساوى (7)، ولا تتقارب

= نسيها، رقم الحديث العام 442 (1/ 121).

وأخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك في كتاب الصلاة، باب من نام عن الصلاة أو نسيها، رقم الحديث العام 696 (1/ 227).

(1)

في ز: "كذلك".

(2)

"الواو" ساقطة من ز.

(3)

في ط وز: "مجدد".

(4)

في ط: "للأمر".

(5)

في ط: "لأمر".

(6)

"لا" ساقطة من ط.

(7)

في ز: "تساوى".

ص: 541

في المصالح إلا (1) بدليل، فلا قضاء إلا بأمر جديد (2) يدل على أن الوقت الثاني فيه مصلحة لفعل (3) المأمور به كالوقت الأول، ومن لاحظ القاعدة الثانية قال: الأمر بالفعل في الوقت المعين يقتضي الأمر بشيئين وهما (4): إيقاع الفعل، وبكونه في ذلك الوقت، فهذا أمر بمركب (5)، فإذا تعذر أحد الجزئين وهو الوقت، بقي الجزء الآخر (6) وهو الفعل، فيوقعه في أي وقت شاء، فيكون القضاء بالأمر الأول (7).

قوله: (وإِذا تعلق بحقيقة كلية لا يكون متعلقًا (8) بشيء من جزئياتها (9)؛ لأن الدال على الأعم غير دال على الأخص).

ش: هذه (10) مسألة ثانية، فهذه قاعدة عظيمة (11) تبنى عليها فروع كثيرة من أحكام الفقه.

وبيان هذه القاعدة: أنك إذا قلت مثلاً: في الدار جسم فلا يدل على أنه حيوان؛ لأن الجسم أعم من الحيوان؛ لأن الجسم يصدق على الحيوان،

(1) في ط: "لاء".

(2)

في ط وز: "مجدد".

(3)

في ط وز: "الفعل".

(4)

في ز: "وهو".

(5)

في ز: "مركب".

(6)

في ط: "للآخر".

(7)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 144.

(8)

في ش: "لا يكون معلقًا".

(9)

في ط: "جزئياته".

(10)

في ز: "هذا".

(11)

في ط: "عقلية".

ص: 542

والجماد، فلا يلزم من وجود العام وجود الخاص، وإذا قلت: في الدار حيوان فلا يدل على أنه إنسان، وإذا قلت: في الدار إنسان، فلا يدل على أنه رجل، وإذا (1) قلت: في الدار رجل، فلا يدل على أنه زيد (2)، فقوله تعالى مثلاً:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (3) يدل على وجود الصلاة ولا يدل على زمان مخصوص، ولا مكان مخصوص، ولا هيئة مخصوصة (4).

[قال](5) المؤلف في الشرح: ولأجل هذه القاعدة قلنا: إن الوكيل بالبيع لا يملك البيع بثمن المثل بمقتضى اللفظ، وإنما يملكه بمقتضى العادة، فإذا قيل له: بع (6) سلعتي، حمل على ثمن المثل بالعادة، لا باللفظ، فلولا تقييد إطلاق الكلام بالعادة لكان للوكيل أن يبيع بثمن المثل، أو أقل منه، أو أكثر منه؛ لأن البيع حقيقة كلية مشتركة بين ثمن المثل، والزائد والناقص. انتهى نصه (7).

وبيان ذلك: أن الوكيل أمر بمطلق البيع، ومطلق البيع أعم من مثل الثمن (8)، وأقل وأكثر (9) ، والخالص والمغشوش، والعين، والعرض (10)، فالدال على الأعم غير دال على الأخص، وإنما تعين ثمن المثل بدليل منفصل

(1) في ز: "فإذا".

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 145.

(3)

سورة البقرة آية (43).

(4)

في ط وز: "ولا هيئة مخصوصة لأن الدال على الأعم غير الدال على الأخص".

(5)

المثبت من "ط" و"ز" وفي الأصل "فقال".

(6)

في ز: "قال بع".

(7)

نقل المؤلف بالمعنى، شرح التنقيح للقرافي ص 145.

(8)

في ط: "من ثمن المثل".

(9)

في ط: "أو أقل أو أكثر".

(10)

في ز: "والحين والعوض".

ص: 543

وهو العرف.

ولأجل هذه القاعدة قال مالك والشافعي رضي الله عنهما: ليس للوكيل بالبيع أن يبيع بأقل من ثمن المثل وهو الغبن [الفاحش](1)؛ لأنه غير مأذون له فيه؛ إذ لفظ (2) الموكل لا يدل عليه.

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: للوكيل أن يبيع بأقل من المثل (3) وهو الغبن الفاحش.

وسبب الخلاف بين الفقهاء هو الخلاف بين الأصوليين في (4) المطلوب من الأمر بالفعل المطلق، كقول الموكل لوكيله: بع هذا الثوب.

فقال (5) الإمام فخر الدين: المطلوب به الماهية أي: ماهية البيع فلا يتناول الأمر جزئياتها (6).

وقال سيف الدين الآمدي، وجمال الدين بن الحاجب: المطلوب به هو الجزئي، أي جزئي من جزئيات الماهية، فالأمر إنما يتعلق بجزئي (7) الماهية لا بالماهية (8).

(1) المثبت من "ط" و"ز" وفي الأصل "المتفاحش".

(2)

في ط: "اذا لفظ".

(3)

في ط: "الثمن".

(4)

في ز: "مع".

(5)

في ز: "قال".

(6)

انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 427، والمعالم ص 147، 148.

(7)

في ز: "بجزئيات".

(8)

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 183، 184، مختصر المنتهى لابن الحاجب، وحاشية التفتازاني 2/ 93، 94، وانظر أيضًا الكلام حول هذه المسألة في: شرح التنقيح =

ص: 544

حجة الفخر القائل: يتعلق الأمر بالماهية: أن الماهية أمر كلي، وهو قدر مشترك بين جزئياتها (1)، فلا يدل القدر المشترك على الجزئيات؛ إذ لا يدل الأعم على الأخص، فلا يدل البيع على خصوصياته من ثمن المثل، أو أقل أو أكثر، فثبت بذلك (2): أن الوكيل بالبيع غير مأذون له في البيع بأقل من ثمن المثل، وهو الغبن الفاحش (3)

وحجة سيف الدين القائل: يتعلق الأمر بجزئي الماهية، لا بالماهية: أن (4) الماهية أمر كلي، والكلي (5) يستحيل وجوده في الأعيان، وإنما يوجد في الذهن، وإنما قلنا: يستحيل وجود الماهية الكلية في الأعيان؛ [لأن الماهية الموجودة في الأعيان](6) يلزم تشخصها، فلو (7) وجدت الماهية الكلية في الأعيان لكانت جزئية، والمفروض أنها كلية هذا محال، فإذا لم يمكن وجود الماهية الكلية في الأعيان لم تكن مطلوبة من الأمر، وإلا لكان ذلك تكليفًا بما لا يمكن وهو: محال (8).

= للقرافي ص 145، شرح التنقيح للمسطاسي ص 65، فواتح الرحموت 1/ 392، 393، إرشاد الفحول ص 108، المسودة ص 98.

(1)

في ز: "جزئياته".

(2)

في ط: "من ذلك".

(3)

انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 427، 428.

(4)

في ط: "لأن".

(5)

في ز: "والكل".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من "ز".

(7)

في ط: "ولو".

(8)

انظر: شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 93.

ص: 545

فتعين بذلك: أن المطلوب من الأمر أحد الجزئيات المطابقة للماهية، فيدل البيع إذًا على جزئيات الثمن من المثل (1) أو أقل، أو أكثر، فثبت بذلك: أن الوكيل بالبيع مأذون له في البيع بثمن المثل، أو الأكثر، أو الأقل (2)، وهو الغبن الفاحش؛ وذلك أن البيع لا يدخل في الوجود إلا في بعض جزئياته، وليس في اللفظ ما يبين (3) بعض (4) جزئياته، فتكون نسبة اللفظ إلى جميع الجزئيات نسبة واحدة، فأي جزئي باع به الوكيل فهو مأذون له (5) فيه، سواء باع بغبن فاحش أو بغيره (6).

فالحاصل مما قررناه: أن فخر الدين نظر إلى الحقيقة الكلية من حيث هي، فلا دلالة لها على شيء من جزئياتها، ونظر سيف الدين إليها من حيث هي متعلق الطلب، فطلب المحال ممتنع.

قوله: (ولا تشترط (7) مقارنته للمأمور، بل يتعلق (8) في الأزل بالشخص الحادث [خلافًا لسائر الفرق (9) ، ولكنه لا يصير مأمورًا إِلا حالة الملابسة](10)

(1) في ط: "الثمن".

(2)

في ز: "أو الأقل أو الأكثر".

(3)

في ط وز: "يعين".

(4)

"بعض" ساقطة من ز.

(5)

"له" ساقطة من ط.

(6)

نقل المؤلف هذا الدليل بالمعنى.

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 183 - 184.

(7)

في ش: "ولا يشترك"، في خ وط:"ولا يشترط".

(8)

في ش: "بل يجوز تعلقه".

(9)

في أ: "خلافًا لسائر المعتزلة".

(10)

ما بين المعقوفتين ساقط من أ.

ص: 546

خلافًا للمعتزلة، والحاصل قبل ذلك إِعلام بأنه سيصير مأمورًا؛ لأن (1) كلام الله تعالى قديم، والأمر متعلق لذاته (2)، فلا يوجد غير متعلق، والأمر بالشيء حالة عدمه محال للجمع بين النقيضين، وحالة بقائه (3) محال لتحصيل الحاصل، فيتعين زمان (4) الحدوث).

ش: هذه مسألة ثالثة.

قوله: (ولا يشترط (5) مقارنته للمأمور) هذه المسألة وقع فيها (6) الخلاف بين أهل السنة وأهل الاعتزال، وهي أمر المعدوم هل يجوز عقلاً أو لا يجوز (7)؟

(1) في ط: "لأنه".

(2)

في ش: "بذاته".

(3)

في أ: "مقارنة"، وفي خ وش:"ايقاعه"، وفي ز:"وجوده".

(4)

في أوخ وش: "زمن".

(5)

في ط: "تشترط".

(6)

في ط: "فيه".

(7)

اختلف الأصوليون في هذه المسألة على مذهبين:

المذهب الأول: أن الأمر لا يتناول المعدوم، وهو مذهب الأشاعرة وأكثر الشافعية والقرافي.

المذهب الثاني: أنه لا يتناول المعدوم، وهو مذهب المعتزلة.

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 145 - 147، شرح التنقيح للمسطاسي ص 65، المحصول ج 1 ق 2 ص 429 - 434، البرهان 1/ 270، ميزان الأصول ص 169، المستصفى 1/ 85 - 86، المنخول ص 123، 124، المسودة ص 44، الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 149 - 152، نهاية السول 1/ 298 - 305، الفتاوى لشيخ الإسلام 8/ 9، 183 - 184، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين لمحمد العروسي ص 149.

ص: 547

ذهب أرباب السنة إلى جوازه، وإليه أشار المؤلف بقوله:(ولا تشترط مقارنته للمأمور) أي (1): ولا يشترط في صحة الأمر وجود المأمور، أي: ولا يشترط في تعلق الأمر بالمأمور مقارنة وجوده لوجود المأمور.

قوله: (بل يتعلق في الأزل بالشخص الحادث) عطف المؤلف (2) بحرف (بل) ها هنا تنبيهًا على انتهاء غرض واستئناف غيره؛ وذلك أنه حين انتفت شرطية مقارنة وجود الأمر لوجود المأمور: جاز تقديم الأمر على المأمور، فيتعلق الأمر في الأزل بالمأمور المعدوم الذي علم الله أنه سيوجد.

قوله: (في الأزل) أي: في القدم الذي ليس له ابتداء، الأزل (3): لفظة قديمة معربة دخيلة في لغة العرب (4).

قوله: (بل يتعلق في الأزل) يعني: يتعلق الأمر بالمأمور في الأزل تعلقًا عقليًا، وهو: كون المأمور المعدوم مأمورًا على تقدير وجوده واستجماع شروط (5) شرائط التكليف، وليس المراد بذلك التعلق تعلق تنجيز التكليف، وهو كون المأمور المعدوم مكلفًا بالإتيان بالفعل في حالة عدمه لاستحالة

(1)"الواو" ساقطة من ز وط.

(2)

في ز: "المؤلف رحمه الله".

(3)

في ط: "لأن الأزل".

(4)

يقول الجرجاني: الأزل استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي، كما أن الأبد استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل.

انظر: التعريفات للجرجاني ص 11، 12.

(5)

"شروط" ساقطة من ز وط.

ص: 548

ذلك، فالتعلق المراد هنا هو: التعلق العقلي لا التعلق (1) الوجودي في الخارج.

قوله: (بالشخص الحادث) أي: المكلف الذي علم الله تعالى أنه سيحدث أي: سيوجد في الدنيا، فيتعلق الأمر بذلك الشخص، وهو في طي العدم (2) على تقدير وجوده (3) واستجماع شرائط التكليف، وذلك أن الله تبارك (4) وتعالى أوجب الصلاة مثلاً على فلان على تقدير وجوده ووجود أسباب الوجوب (5)، وشروط انتفاء (6) موانعه (7)، وكذلك تقول فيما حرمه الله عليه، وإنما قال أرباب السنة: يتعلق الأمر بالمأمور بناء منهم على ثبوت الكلام النفساني (8)، والأمر نوع من أنواع الكلام.

قوله: (خلافًا لسائر الفرق) أي: خلافًا (9) لسائر الطوائف من أهل الاعتزال القائلين: بأن الأمر لا يتعلق بالمعدوم ولا يتعلق إلا بالموجود (10) بناء منهم (11) على الكلام اللساني؛ لأنهم أنكروا الكلام النفساني.

(1) في ط: "العقلي بالتعلق".

(2)

في ط: "وهو هي العدم".

(3)

في ز: "وجودي"، وفي ط:"وجود".

(4)

"تبارك" لم ترد في ط.

(5)

في ط: "الوجود".

(6)

في ط: "وشروطه وانتفاء".

(7)

في ز: "مانعه".

(8)

هذا هو مذهب الأشاعرة، وأما مذهب السلف فهو أن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى.

(9)

"خلافًا" ساقطة من ط.

(10)

في ط: "بالوجود".

(11)

"منهم" ساقطة من ز.

ص: 549

لأنهم قالوا (1): كلام الله حادث، تعالى الله عن قولهم [علوًا كبيرًا](2).

وأما أهل السنة والحق: فكلام الله عندهم قديم؛ لأنه صفة من صفات ذاته جل وعلا (3).

والدليل على جواز تقدم (4) الأمر على المأمور: أنا مأمورون بأوامر النبي عليه السلام ونحن (5) في زمانه [عليه السلام ونحن (6)](7) في طي العدم.

وإنما قال المؤلف: (خلافًا لسائر الفرق)؛ لأنه لم يقل بالكلام النفساني إلا نحن أهل السنة، ولذلك يتصور على مذهبنا تعلقه في الأزل، وأما طوائف المعتزلة القائلين بالكلام اللساني فلا يتصور ذلك على مذهبهم.

(1) في ط وز: "يقولون".

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(3)

هذا هو مذهب الأشاعرة، ويعنون بالقديم: قديم العين، أي أن الكلام لا يتجدد وأنه سبحانه تكلم ثم سكت، وأنه سبحانه لا يتكلم متى شاء.

أما مذهب أهل السنة والجماعة فلا يصفون كلام الله بأنه قديم؛ لأن هذا اللفظ لم يستعمله السلف، لكنه لفط فيه إجمال، فأجازوا استعماله إن عني به أن أنواعه قديمة لا أول له، وهو سبحانه لا يزال متكلمًا متى شاء، فمن عنى بالقديم هذا المعنى وأن الكلام بدأ من الله وأنه غير مخلوق، فهذا المعنى صحيح.

انظر تفصيل الكلام في هذه المسألة في: الفتاوى لشيخ الإسلام 6/ 161، 234، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين لمحمد العروسي ص 217 - 224.

(4)

في ز: "تقديم".

(5)

في ط: "ونحو".

(6)

"ونحن" ساقطة من ط.

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

ص: 550

قوله: (ولكنه لا يصير مأمورًا إِلا حالة الملابسة) إلى قوله (1): (زمان الحدوث).

قال المؤلف في الشرح (2): هذه (3) المسألة لعلها أغمض مسألة في أصول الفقه، والعبارة عنها عسيرة الفهم (4).

قوله (5): [(ولكنه لا يصير مأمورًا إِلا حالة الملابسة)](6) أي: لا يكون المأمور (7) مأمورًا إلا في حالة إمكان الملابسة، وهو: القدرة على العمل.

قوله: (ولكنه لا يصير مأمورًا إِلا (8) حالة الملابسة).

قال المؤلف في الشرح: مقصودنا بهذا: بيان صفة التعلق، وليس مقصودنا (9) به أن الملابسة شرط في التعلق، وإلا تعذر وجود العصيان أبدًا؛ لأن الإنسان يقول: الملابسة شرط لكوني مأمورًا، وأنا لا أتلبس (10) فلست مأمورًا فلا أكون عاصيًا، ومعنى قولنا: يصير مأمورًا حالة الملابسة، أي: تلك الحالة هي: الحالة التي تعلق (11) بها الأمر،

(1) المثبت من ز، ولم ترد "قوله" في الأصل.

(2)

في ز: "شرحه".

(3)

في ط: "هذا".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 146.

(5)

"قوله" ساقطة من ط وز.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(7)

في ز وط: "أي لكن المأمور لا يكون مأمورًا".

(8)

في ز: "في حالة".

(9)

في ط: "المقصود".

(10)

في ط: "التبس".

(11)

في ز: "يتعلق".

ص: 551

وتعلقه (1) متقدم عليها بالفعل فيها (2).

قوله: (خلافًا للمعتزلة) القائلين بأنه يكون مأمورًا قبل إمكان الملابسة، وعند حدوثه.

قوله: (والحاصل قبل ذلك) [أي: الأمر (3) المتقدم (4) قبل إمكان الملابسة، إعلام بأنه سيكون مأمورًا عند الملابسة.

قوله: (لأن كلام الله تعالى قديم).

هذا دليل أهل السنة القائلين: بأن الأمر يتعلق بالمأمور في الأزل، أي: لأن كلام الله تعالى قديم، والأمر نوع من أنواع الكلام، فالأمر إذًا قديم أزلي، وكذلك النهي وجميع الأحكام.

قوله: (والأمر متعلق (5) لذاته (6)) أي (7): من ضرورة الأمر تعلقه بالمأمور (8)؛ لأن الأمر طلب والطلب يستدعي مطلوبًا عقلاً، فلا يوجد الأمر غير متعلق بالمأمور، وذلك المأمور لا يخلو من أن يكون موجودًا، أو معدومًا، فلا مأمور موجود في الأزل، فتعين تعلقه بالمأمور المعدوم، على تقدير وجوده واستجماع شرائط التكليف.

(1) المثبت من "ط" و"ز" وفي الأصل "تعلقه".

(2)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 146.

(3)

في ز: "والأمر".

(4)

في ط: "والحاصل قبل ذلك إعلام بأنه سيصير مأمورًا، أي والأمر المتقدم".

(5)

في ط: "يتعلق".

(6)

في ز: "لذلك".

(7)

"أي" ساقطة من ط.

(8)

في ط: "لمأمور".

ص: 552

وبيان ذلك: أن الله تعالى حرم امرأة مثلاً (1) على زيد على تقدير وجود أسباب التحريم، وشرائطه، وانتفاء موانعه، فإذا وجدت هذه الأشياء كلها فقد وجد التقدير الذي تعلق الحكم فيه بالشخص الحادث، وكذلك في سائر (2) أحكام الله تعالى من الأمر، والنهي، والإباحة، فإن الحكم الشرعي هو كلام الله تعالى القديم، ومن جملة كلامه: الأمر، فالأمر قديم وتعلقه بالمأمور قديم، فإنه يستحيل وجود أمر بلا مأمور ووجود نهي بلا منهي (3)، ووجود إباحة (4) بلا مباح، فالمتعلق الذي هو الأمر قديم، وتعلقه الذي هو نسبه (5) بينه وبين المأمور قديم أيضًا.

وأما المتعلَّق بفتح اللام الذي هو المأمور فهو حادث، قاله المؤلف في الشرح (6).

قوله: (والأمر بالشيء حالة عدمه محال) هذا دليل لقوله: (لا يصير مأمورًا إِلا حالة الملابسة).

يعني: أن الأمر بالفعل حالة عدم إمكان الفعل من المأمور، وهو قول المعتزلة يكون مأمورًا قبل إمكان في الفعل يدل على وجود (7) إمكان

(1) في ط وز: "مثلاً امرأة".

(2)

في ط: "نقول في سائر".

(3)

في ط: "لا منهي".

(4)

في ط: "الإباحة".

(5)

في ط: "الذي نسبته".

(6)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 145.

(7)

في ط: "الوجود".

ص: 553

الفعل، وكونه لم يكن (1) منه الفعل يدل على عدم الإمكان، وذلك جمع بين النقيضين وهما: الوجود والعدم.

قوله: (وحالة بقائه)[أي: والأمر بالفعل في حالة بقائه، أي: في حالة فراغه وتمامه، وفي بعض النسخ: حالة وجوده، أي: حالة استمرار وجوده ومعناهما واحد](2)، أي: ذلك محال (3)؛ لأنه طلب تحصيل الحاصل، أي: طلب فعل المفعول.

قوله: (فيتعين زمان الحدوث) أي: فيتعين (4) زمان إمكان حدوث الفعل وهو دخول الوقت.

قوله: (والأمر بالأمر (5) بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء إِلا أن ينص الآمر على ذلك، كقوله عليه السلام:"مروهم بالصلاة لسبع (6)، واضربوهم عليها (7) لعشر"(8)).

(1) في ط: "يمكن".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

"محال" ساقطة من ز.

(4)

في ز: "يتعين".

(5)

"بالأمر" ساقطة من ز.

(6)

في ط: "لسبع سنين".

(7)

في نسخة أ: "واضربوهم لعشر".

(8)

أخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع" كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم الحديث العام 495 (1/ 133).

ص: 554

ش: معناه (1) إذا أمر الآمر فلانًا أن يأمر غيره بأن يفعل كذا، فإن ذلك الأمر لا يكون أمرًا لذلك الغير، فإذا قلت: يا زيد قل لعمرو أن يفعل كذا، فلا يكون ذلك أمرًا لعمرو (2).

قوله: (والأمر بالأمر بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء) تقديره: والأمر للثاني بالأمر بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء للثالث.

قال المؤلف في الشرح (3): من أمر غيره أن يأمر شخصًا فهو كمن أمر زيدًا أن يصيح على الدابة، فإنه لا يصدق عليه أمر للدابة (4)(5).

قوله: (إِلا أن ينص الآمر على ذلك) معناه: إلا إذا نص الآمر [على ذلك، أي: إلا أن ينص الآمر](6) على أن أمره أمر للثالث.

مثاله: أن يقول السيد لعبده: كل ما أمرت به زيدًا فأنت مأمور به، ثم يقول لزيد (7): مر عبدي أن يفعل كذا.

[قوله: (إِلا أن ينص الآمر على ذلك) أي: إلا أن ينص الآمر على أن

(1) في ط وز: "هذه مسألة رابعة معناه

" إلخ.

(2)

اختار هذا القول أيضًا الإمام فخر الدين والبيضاوي والآمدي والإسنوي، انظر تفصيل الكلام حول هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 148، شرح التنقيح للمسطاسي ص 66، المحصول ج 1 ق 2 ص 426، الإحكام للآمدي 2/ 182، نهاية السول 2/ 292.

(3)

في ز: "شرحه".

(4)

في ط وز: "أنه أمر الدابة".

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 148.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(7)

المثبت من ز، وفي الأصل:"زيد".

ص: 555

الأمر للثاني هو (1) أمر للثالث] (2).

قوله: (إِلا أن ينص الآمر على ذلك) يريد: أو يفهم ذلك من القرائن كقوله عليه السلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث ابنه عبد الله لما طلق في الحيض: "مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (3) "(4).

لأنه فهم من قوله: "مره" أنه أمر (5) لابن عمر، بدليل قوله:"فليراجعها".

قال المؤلف في الشرح: ومتى علم أن الآمر قصد بذلك الأمر التبليغ، كان ذلك أمرًا للثالث، كقوله عليه السلام لعمر بن الخطاب (6) في حق ابنه لما

(1)"هو" ساقطة من ز.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

"النساء" ساقطة من ط.

(4)

أخرجه البخاري عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".

انظر: صحيح البخاري كتاب الطلاق 3/ 268.

وأخرجه مسلم عن ابن عمر في كتاب الطلاق 4/ 179.

وأخرجه أبو داود عن ابن عمر في كتاب الطلاق، باب في طلاق السنة، رقم الحديث العام 2179 (2/ 255).

وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر في كتاب الطلاق، باب طلاق السنة، رقم الحديث العام 2019 (1/ 651).

وأخرجه الدارمي عن ابن عمر في كتاب الطلاق، باب السنة في الطلاق 2/ 160.

(5)

"أمر" ساقطة من ط.

(6)

في ط: "لعمر بن الخطاب رضي الله عنه".

ص: 556

طلق في الحيض: "مره فليراجعها" الحديث المتقدم.

ومقتضى القاعدة المتقدمة أن ابن عمر رضي الله عنه لا تجب (1) عليه المراجعة؛ إذ الأمر بالأمر لا يكون أمرًا، ولكن علم من الشريعة أن كل (2) من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر غيره، إنما هو على سبيل التبليغ، ومتى كان على سبيل التبليغ صار (3) الثالث مأمورًا إجماعًا. انتهى نصه (4).

قوله: (والأمر بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء).

هذا مذهب الجمهور.

وقيل: يكون أمرًا، وهو مذهب الشذوذ.

ودليل الجمهور: أن السيد يجوز أن يقول لعبده سالم (5): مر غانمًا بكذا مع نهيه غانمًا عن طاعة سالم، ولا يُحْدِثُ (6) ذلك تناقضًا، فلو كان ذلك أمرًا لغانم لكان تناقضًا (7).

ودليل القائلين بأنه أمر: أنه فهم من أمر الله تعالى (8) رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرنا كوننا مأمورين.

(1) في ط: "لا يجب".

(2)

"كل" ساقطة من ط.

(3)

في ط: "كان".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 148، 149.

(5)

"سالم" ساقطة من ط وز.

(6)

في ط وز: "ولا يعد".

(7)

ذكر هذا الدليل الآمدي في الإحكام 2/ 182.

(8)

"تعالى" لم ترد في ط.

ص: 557

وكذلك يفهم من قول الملك لوزيره: قل لفلان: افعل كذا، كون فلان مأمورًا.

أجيب عن الأول: بأن كوننا مأمورين لم يفهم ذلك من مجرد الصيغة، وإنما فهم ذلك من دليل آخر وهو قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1).

وأجيب عن الثاني: بأن فهم الأمر (2) من قول الملك لوزيره [إنما هو بحصول (3) العلم بأنه مبلغ لأمر (4) الملك للرعية، وقد تقدم ما يراد (5) به](6) إنما هو (7) التبليغ فهو أمر بإجماع.

قوله: (كقوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر").

هذا مثال الأمر بالأمر (8)؛ لأنه عليه السلام أمر أولياء الصبيان بأن يأمروهم بالصلاة لسبع سنين، فلا يكون هذا الحديث أمرًا للصبيان بالصلاة، لأن الأمر بالأمر لا يكون أمرًا، وإنما فهم أمر الصبيان بالمندوبات من حديث آخر وهو حديث الخثعمية؛ لأنها أخذت بضَبْعي (9) صبي فقالت: ألهذا

(1) آية 7 من سورة الحشر.

(2)

في ز: "الأول".

(3)

في ط: "لحصول".

(4)

في ط: "الأمر".

(5)

في ط: "قصد".

(6)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(7)

"إنما هو" ساقطة من ط.

(8)

في ط: "بالأمر بالشيء".

(9)

في اللسان (8/ 216)"الضَّبْع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه، تقول: أخذ بضَبْعيه أي: بعضُديه".

ص: 558

حج يا رسول لله؟ قال: "نعم، ولك أجر"(1).

واختلف أرباب العلم في عبادة الصبيان، هل يحصل بها الأجر أم لا؟ على ثمانية مذاهب:

قيل: لا يحصل بها أجر، بل أمرهم بذلك على سبيل الاستصلاح؛ كاستصلاح البهائم عن النفار والشِّمَاس (2)، لا أن لها أجورًا. هذا القول نقله المؤلف في شرحه (3).

وقيل: إنما يحصل الأجر للأب خاصة.

وقيل: يحصل (4) الأجر للأم خاصة.

وقيل: يحصل للأب والأم معًا أنصافًا؛ لأنهما أصلان لوجوده وسببان لوجوده.

(1) أخرجه مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت، قال:"رسول الله"، فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".

انظر: صحيح مسلم كتاب الحج، باب صفة حج الصبي (2/ 101).

وأخرجه أيضًا أبو داود عن ابن عباس وفيه: ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ قال:"نعم ولك أجر".

سنن أبي داود كتاب المناسك، باب في الصبي يحج، (2/ 142 - 143).

وأخرجه النسائي عن ابن عباس في كتاب الحج، باب الحج بالصغير (5/ 92).

(2)

في اللسان (6/ 113): شَمَست الدابة والفرس تشمس شِماسًا وشموسًا: شردتْ وجمحت ومنعت ظهرها.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 148.

(4)

في ط وز: "إنما يحصل".

ص: 559

ويدل عليه أن رجلاً قال لمالك (1) رضي الله عنه: أرسل إليّ أبي من السودان أن آتيه ومنعتني أمي، فقال له (2): أطع (3) أباك ولا تعص أمك.

وقيل: يحصل الأجر للأب والأم أثلاثًا، أي (4): ثلث للأب وثلثان للأم.

وقيل: يحصل لهما الأجر (5) أرباعًا، أي ربع للأب وثلاثة أرباع للأم.

دليل (6) هذين القولين: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (7): من أبر من والديَّ (8) يا رسول الله؟ فقال (9) له: "أمك"، ثم (10) قال له: ثم من؟ قال: "أمك"، ثم قال له في الثالثة أو في الرابعة:"ثم أباك"(11).

وقيل: يحصل للأم من الأجر أكثر ما يحصل للأب من غير تحديد، وهذا

(1) في ط: "مالك".

(2)

"له" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "طع".

(4)

"أي" ساقطة من ز.

(5)

في ز: "يحصل الأجر للأب والأم"، وفي ط:"يحصل الأجر لهما".

(6)

في ز: "ودليل".

(7)

"فقال له" ساقطة من ز.

(8)

في ط: "من أبر بوالدي".

(9)

في ز: "قال".

(10)

"ثم" ساقطة من ز.

(11)

أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال:"أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك".

صحيح البخاري كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة 4/ 47.

وأخرجه مسلم عن أبي هريرة في كتاب البر، باب بر الوالدين 7/ 2.

ص: 560

القول هو الذي صححه المؤلف في القواعد السنية (1).

وقيل: إنما يحصل الأجر للصبيان، قال صاحب الحلل (2): هذا قول المحققين (3).

والدليل عليه: أن الصبيان يتفاوتون في درجات الجنة كما يتفاوتون في الأعمال الصالحة في الدنيا، كما يتفاوت الكبار في درجات الجنة و (4) في الأعمال الصالحة في الدنيا.

وأما الأقوال المتقدمة فهي ضعيفة (5) - والله أعلم -، وإنما تصح تلك الأقوال لو قدر (6) عدم الولد في الآخرة، وأما مع وجوده واحتياجه إلى ما يحتاج إليه الكبير فلا.

(1) انظر: الفروق للقرافي الفرق الثالث والعشرون بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب للوالدين على الأولاد خاصة (1/ 149 - 150).

(2)

هو أبو عمران موسى بن أبي علي الزناتي الزموري مولدًا ومنشأ، نزيل مراكش، كان فقيهًا صالحًا، أخذ عنه أبو العباس بن البنا، توفي بمراكش سنة سبعمائة واثنين (702 هـ). من مصنفاته: الحلل شرح رسالة ابن أبي زيد ويسمى: "حلل المقالة في شرح الرسالة"، و"شرح المدونة"، و"شرح مقامات الحريري".

انظر ترجمته في: نيل الابتهاج ص 342، وفيات ابن قنفد ص 99، وفيات الونشريسي ص 167.

(3)

لم أتمكن من توثيق هذا النقل من كتاب حلل المقالة في شرح الرسالة وهو مخطوط بالمكتبة الملكية بالرباط برقم 5221.

(4)

"الواو" ساقطة من ز.

(5)

في ط: "صيغة".

(6)

في ط: "لا قدر".

ص: 561

ويدل عليه حديث الخثعمية؛ لأنها أخذت (1) بضبعي صبي (2) فقالت: ألهذا حج يا رسول الله؟ فقال: "نعم، ولك أجر"(3).

ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} (4).

فإذا قلنا بأن ما يحصل للأم (5) من الأجر أكثر مما يحصل للأب فما سبب ذلك؟

قالوا (6): سبب ذلك التفاوت: أن قيام الأم بالولد أكثر من قيام الأب به؛ لأن الأم اختصت بثلاثة أشياء: الحمل، والرضاع، والتربية.

وقد روي (7) أن أبا الأسود الدؤلي (8) رضي الله عنه أراد أن

(1) في ط: "لحرث".

(2)

"صبي" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "أجره".

(4)

آية 39 من سورة النجم.

(5)

في ط: "للأمر".

(6)

في ز: "قال".

(7)

في ط: "ورد".

(8)

هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي، وهو أول من أسس العربية ووضع قياسها، وذلك حين اضطرب كلام العرب وانتشر اللحن، فوضع باب الفاعل، والمفعول به، والمضاف إليه، والتعجب، وحروف النصب، والرفع، والجر، والجزم، وكان قاضيًا خطيبًا حليمًا حازمًا متقنًا للمعاني شاعرًا، وهو القائل:

وما كل ذي لب مؤتيك نصحه

وما كل مؤت نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب

فحق له من طاعة بنصيب

توفي رحمه الله سنة تسع وستين (69 هـ) في طاعون الجارف بالبصرة.

انظر: طبقات النحويين للزبيدي، ص 21 - 26، المؤتلف والمختلف للآمدي، =

ص: 562

ينتزع (1) ولده من زوجته، فدعته زوجته إلى زياد بن أبي سفيان (2) والي (3) البصرة، فقالت له: يا أمير المؤمنين بطني له وعاء، و (4) ثديي له سقاء، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، صبرت على ذلك سبعة أعوام، فلما كمل فصاله، وتم فعاله، أرجو نفعه، وأطلب دفعه، أراد نزعه مني، فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين (5) حملته قبلها (6)، ووضعته مثلها، فقالت: يا أمير المؤمنين، حمله خفيفًا (7)، ووضعه بشهوة (8)، وحملته ثقيلاً ووضعته بمشقة، فقال أمير

= ص 224، شذرات الذهب 1/ 76.

(1)

في ط: "ينزع".

(2)

في ز: "إلى أبي سفيان" بحذف زياد، وفي ط:"زياد بن أبي سفيان".

اختلف في نسبه، فقيل: زياد بن أبيه، وقيل: زياد بن سمية منسوبًا لأمه.

وقيل: زياد بن عبيد الثقفي منسوبًا لزوج أمه سمية.

وقيل: زياد بن أبي سفيان، ولما كان عام 44 هـ استلحقه معاوية بأنه أخوه، وكان من نبلاء الرجال رأيًا وعقلاً وحزمًا ودهاءً وفطنة، وكان كاتبًا، خطيبًا بليغًا، وطّد زياد الملك لمعاوية، وأخذ بالظنة، وعاقب بالشبهة فخافه الناس خوفًا شديدًا، وقيل: إن زيادًا كتب إلى معاوية: إني قد ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة، وسأله أن يوليه الحجاز، توفي سنة (53 هـ).

انظر: الكامل لابن الأثير 3/ 195، تاريخ الطبري 6/ 162، تهذيب ابن عساكر 4/ 406 - 423، خزانة الأدب للبغدادي 2/ 517، سير أعلام النبلاء 3/ 494 - 497.

(3)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"إلى".

(4)

"الواو" ساقطة من ط.

(5)

"يا أمير المؤمنين" ساقطة من ط.

(6)

"قبلها" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "حفيظ" وهو تصحيف.

(8)

في ط: "بشهود" وهو تصحيف.

ص: 563

المؤمنين: دعها من سجعك وأعطها ولدها.

قوله: (وليس من شرطه (1) تحقق العقاب على الترك (2) عند القاضي أبي بكر، والإِمام (3) ، خلافًا للغزالي، لقوله تعالى:{وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (4)).

ش: وهذه (5) مسألة خامسة أي: وليس من شرط تمييز الأمر بالوجوب عن الأمر بالندب استحقاق العقاب على الترك، أي: على ترك المأمور (6) عند القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني (7) ، وعند الإمام فخر الدين (8).

خلافًا لأبي حامد الغزالي القائل: باشتراط استحقاق [العقاب في أمر الوجوب، قال: إذ بذلك يتميز (9) أمر الوجوب وأمر (10) الندب (11).

(1) في أ: "وليس من شرط".

(2)

في ش: "على تركه".

(3)

"الإمام" ساقطة من ش.

(4)

سورة الشورى آية (30).

(5)

في ز: "هذا"، وفي ط:"هذه".

(6)

في ز: "المأمور به".

(7)

انظر: المستصفى 1/ 66، المحصول ج 1 ق 2 ص 339.

(8)

انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 339.

(9)

في ط: "التمييز".

(10)

في ط: "على أمر".

(11)

نسب هذا القول للغزالي فخر الدين، ولكنه تعجب من اضطراب كلام الغزالي فيه؛ حيث إنه زيف ما قيل في حد الواجب بأنه "الذي يعاقب على تركه"، ومال إلى تعريف القاضي أبي بكر "بأنه الذي يذم تاركه" ثم نقل قول القاضي أبي بكر: لو أوجب الله علينا شيئًا ولم يتوعد بعقاب على تركه لوجب. فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب، ثم عقّب عليه بقوله: وفيه نظر؛ لأن ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى لوصفه بالوجوب؛ إذ لا نعقل وجوبًا إلا بأن يترجح فعله على تركه بالإضافة =

ص: 564

قوله: (وليس من شرطه تحقيق العقاب على الترك)(1).

أي: ولا يشترط في حقيقة الأمر استحقاق] (2) العقاب على تركه، بل قد يوجد الأمر بدون العقاب على تركه (3)، لقوله تعالى:{وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (4).

ولأجل هذا قالوا: مَن حدّ الواجب لقوله: ما يعاقب على تركه، فحدّه باطل؛ لأنه غير جامع؛ لأنه قد يوجد الواجب بدون العقوبة على تركه، [ولا يخرجه ذلك عن كونه واجبًا.

فمذهب القاضي والإمام: أن الأمر لا يقتضي إلا الطلب الجازم، ولا يقتضي العقاب على الترك] (5)، والذي يقتضي العقاب على الترك هو: دليل آخر لا مجرد الأمر.

ومذهب الإمام (6) الغزالي: أن الأمر يقتضي (7) الطلب الجازم، واستحقاق العقاب على الترك، قال: إذ بذلك يمتاز أمر الوجوب عن أمر

= إلى أغراضنا، فإذا انتفى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلاً.

انظر: المستصفى 1/ 66، المحصول ج 1 ق 2 ص 339 - 341، المنخول ص 136.

(1)

في ز: "تركه".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

"على تركه" ساقطة من ط وز.

(4)

قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفو عَن كَثِيرٍ} آية 30 من سورة الشورى.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

"الإمام" ساقطة من ط وز.

(7)

في ط وز: "يقتضي الأمرين يقتضي الطلب

" إلخ.

ص: 565

الندب (1).

قال ابن العربي (2) في أحكام القرآن في سورة التوبة في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (3): إن الأمر إذا ورد لا يقتضي أكثر من اقتضاء الفعل، فأما العقاب عند الترك، فلا يؤخذ من نفس الأمر ولا يقتضيه (4) الاقتضاء، وإنما يكون العقاب بالخبر عنه، وهو قوله (5): إن لم تفعل كذا عذبتك (6) كما ورد في هذه الآية (7).

قوله: (وليس من شرطه تحقق العقاب

) إلى آخره.

ظاهر الكلام يقتضي أن الخلاف في إنفاذ العقاب على ترك (8) المأمور به، هل ينفذ فيه العقاب أم لا؟

(1) يقول الغزالي في المنخول بعد ذكره للمذاهب في مقتضى صيغة الأمر: فالمختار أن مقتضى صيغة الأمر في اللسان طلب جازم إلا أن تغيره قرينة، وقد فهمنا ذلك على الضرورة من تفريق العرب بين قولهم: افعل ولا تفعل، وتسميتهم أحدهما أمرًا، والآخر نهيًا، وإنكار ذلك خلاف لما عليه أهل اللغة قاطبة، ولكن الوجوب يتلقى من قرينة أخرى؛ إذ لا يتقرر معناه ما لم يخف العقاب على تركه، ومجرد الصيغة لا يشعر بالعقاب.

انظر: المنخول ص 107، 108.

(2)

في ط: "ابن الغزالي".

(3)

آية 39 من سورة التوبة.

(4)

في ز: "يقتضي".

(5)

في ط وز: "كقوله".

(6)

في ط: "عذبتك عليه".

(7)

انظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/ 949.

(8)

في ز: "تارك".

ص: 566

وليس الأمر كذلك؛ إذ لا خلاف بين أرباب السنة والإسلام، أنه لا يشترط في الأمر إنفاذ العقاب في تاركه، لقوله تعالى:{وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (1).

والذين يقولون: لا بد من إنفاذ (2) الوعيد هم المعتزلة (3) الضُلال (4).

وقد مر أبو عمرو بن العلاء رضى الله عنه برجل من أهل (5) البصرة يتكلم في الوعيد وأنه لا بد من إنفاذه من الله تعالى، فقال له أبو عمرو بن العلاء: من العجمة (6) أوتيتم، أما علمتم (7) أن الكريم إذا وعد وفا، وإذا توعد (8) عفا، ثم أنشد يقول (9):

وإني إن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

(1) آية 30 من سورة الشورى.

(2)

في ط: "بنفاد".

(3)

أصول المعتزلة خمسة هي:

1 -

التوحيد: ويقصدون به نفي الصفات.

2 -

العدل: ويقصدون به نفي القدر.

3 -

النبوة: ويقصدون بها السياسة العادلة التي وضعت للمصلحة العامة.

4 -

إنفاذ الوعيد: وذلك بتخليد العصاة في النار.

5 -

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وضمنوه جواز الخروج على الأئمة بالقتال.

انظر: الملل والنحل للشهرستاني المطبوع مع الفصل في الملل والنحل لابن حزم ص 55، 56، شرح الطحاوية ص 250.

(4)

"الضلال" ساقطة من ط.

(5)

"أهل" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "العجمية".

(7)

في ط: "وآتيتم ما علمتم".

(8)

في ز: "تواعد".

(9)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"فيقول".

ص: 567

قوله: (وليس من شرطه تحقق العقاب (1)) إلى آخره.

قال المؤلف في الشرح: هذ المسألة ليست على هذه الصورة في أصول الفقه، ولا قال القاضي بهذه العبارة، ولا الغزالي أيضًا، بل المنقول في كتاب القاضي أنه قال: إذا أوجب (2) الله علينا شيئًا وجب، ولا يشترط في تحقيق الوجوب استحقاق العقاب على الترك، بل يكفي في (3) الوجوب الطلب الجازم.

وقال غيره: الوجوب والندب اشتركا في رجحان الفعل، ولم يتميز الوجوب إلا باستحقاق العقاب، فإذا أسقطناه عن الاعتبار لم يبق فرق ألبتة، والحق ما قاله القاضي، [فإنا إذا] (4) دعونا وقلنا: اللهم توفنا مسلمين، فإنا نجد أنفسنا جازمة بهذا الطلب من غير رخصة في تركه، وإذا قلنا: اللهم أعطنا عشرة آلاف دينار، فإنا نجد رخصة في أنها لو كانت خمسة لم نتألم لذلك، فالطلب ها هنا غير جازم بخلاف الأول، وقد تصورنا الطلب (5) هنا في حق الله جازمًا، وغير جازم مع استحالة استحقاق الذم ونحوه، فإذا تصورنا الطلب الجازم بدون استحقاق الذم: صح ما قاله القاضي.

والغزالي لم (6) يخاف في لزوم العقاب، بل الغزالي وكل مُنْتَمٍ إلى

(1) في ط: "العقاب على الترك".

(2)

في ط: "وجب".

(3)

"في" ساقطة من ط.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(5)

في ط: "للطلب".

(6)

"لم" ساقطة من ز.

ص: 568

شريعة الإسلام يقول بجواز العفو ولو بعد التوبة، لأن عدم (1) الغفران مطلقًا (2) لم (3) يقل به أحد. انتهى نصه (4).

ولا يقول الغزالي رضي الله عنه (5) - ولا كل مسلم بتحقق العقاب ولزومه؛ لجواز العفو، فعبارة الإمام في هذا غير سديدة.

والصواب: أن يقول: وليس من شرطه تحقق (6) استحقاق العقاب على الترك فإن الاستحقاق معناه: الأهلية، أي هو أهل لذلك، وأما التحقق (7) فمعناه: اللزوم والثبوت، أي: لا انفكاك عنه (8)، فالاستحقاق خلاف التحقق (9).

(1) في ز وط: "أما عدم".

(2)

في ط: "ملفًا".

(3)

في ز وط: "فلم".

(4)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 149.

(5)

"رضي الله عنه" لم ترد في ط.

(6)

"تحقق" ساقطة من ز وط.

(7)

في ز: "التحقيق".

(8)

في ط: "لو عنه".

(9)

في ط: "التحقيق".

ص: 569