المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في مسماه ما هو - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٢

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الأول في مسماه ما هو

‌الفصل الأول في مسماه ما هو

(1)

قوله: (أما لفظ الأمر؛ فالصحيح أنه اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات؛ لأنه المتبادر إِلى الذهن (2)، هذا مذهب الجمهور وعند بعض (3) [الفقهاء: مشترك بين] (4) القول والفعل، وعند أبي الحسين: مشترك (5) بينهما (6) وبين الشيء والشأن (7) والصفة.

وقيل: موضوع (8) للكلام النفساني (9).

وقيل: مشترك (10) بينهما).

(1) انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 126 - 139، شرح التنقيح للمسطاسي ص53 - 60، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 108 - 119.

(2)

في أوخ: "إلى الذهن منها"، وفي ش:"للذهن منها".

(3)

في أ: "وعند بعضهم".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من أ.

(5)

في أ: "مشتركة".

(6)

في ش: "بينه".

(7)

في أوخ وش: "وبين الشأن والشيء والصفة".

(8)

في أوخ وش: "هو موضوع"، وفي ط:"هو موضع".

(9)

في أوخ وش وط: "النفساني دون اللساني".

(10)

في خ وش: "هو مشترك".

ص: 441

ش: و (1) في هذا الفصل ثمانية مطالب:

ما موضوع الأمر؟

وما موضوع موضوعه؟

وهل يدل على الفور أم لا؟

وهل يدل على التكرار أم لا؟

وهل يدل على الإجزاء أم لا؟

وهل يدل على النهي أم لا؟

وهل يشترط فيه العلو والاستعلاء أم لا؟

وهل تشترط فيه الإرادة أم لا (2)؟

قوله: (في مسماه) أي: في بيان موضوع لفظ (3) الأمر.

وقوله: (ما هو) أي: أي شيء هو مسمى الأمر؟

واعلم أن ما هو (4) يطلب به أحد أمرين: إما شرح الاسم، وإما شرح المسمى.

وقولنا (5): شرح الاسم، أي: شرح الاسم لمن هو عارف بالمسمى، لكنه جاهل بدلالة لفظ الاسم على المسمى.

(1)"الواو" ساقطة من ز.

(2)

"لا" ساقطة من ط.

(3)

"لفظ" ساقطة من ز.

(4)

في هامش ز تعليق، ونصه:"ما يسأل عنه بما هو".

(5)

في ز: "فقولنا".

ص: 442

وقولنا: شرح المسمى أي: شرح المسمى لمن هو عارف بدلالة لفظ الاسم على المسمى لكنه جاهل بالمسمى.

ومقصود المؤلف في هذه الترجمة أن يبين شرح المسمى، أي: أن يبين شرح مسمى لفظ (1) الأمر لمن هو عالم بدلالة لفظ الأمر على المسمى وضعًا، لكنه جاهل بالمسمى.

قوله: (أما لفظ الأمر فالصحيح: أنه اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات).

هذا هو المطلب الأول وهو: موضوع الأمر (2) أي: مسمى الأمر، فالموضوع والمسمى مترادفان.

واعلم أن العلماء قد اختلفوا في الكلام وجميع أنواعه: من الأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار، والتنبيه، والدعاء، وغير ذلك على ثلاثة مذاهب (3).

(1) في ز: "اللفظ أي لفظ".

(2)

انظر تفصيل الكلام في موضوع الأمر في:

شرح التنقيح للقرافي ص 126، 127، شرح التنقيح للمسطاسي ص 53، 54، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 108، 109، البرهان للجويني مسألة رقم 115، (1/ 199)، العدة لأبي يعلى 1/ 214، المستصفى للغزالي 1/ 412 - 416، الإحكام للآمدي 2/ 137، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 371، 372، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 3، 4، ميزان الأصول للسمرقندي ص83، 84.

(3)

حرر الغزالي الخلاف في هذه المسألة وذكر أن الخلاف منحصر في فريقين:

الفريق الأول: هم المثبتون لكلام النفس، وهؤلاء اختلفوا على مذهبين:

المذهب الأول، قالوا: إن الأمر مشترك بين المعنى القائم بالنفس وبين اللفظ الدال =

ص: 443

قيل: حقيقة في اللساني مجاز في النفساني، وهو مذهب الأصوليين.

وقيل: حقيقة في النفساني مجاز في اللساني، وهو مذهب المتكلمين.

وإليه أشار المؤلف بقوله: (وقيل (1): هو موضوع للكلام النفساني دون اللساني).

وقيل: هو حقيقة فيهما معًا، أي: حقيقة في اللساني والنفساني معًا، فيكون لفظًا مشتركًا بينهما، أي: بين اللساني والنفساني، وإليه أشار المؤلف بقوله:(وقيل: مشترك (2) بينهما).

= فيكون حقيقة فيهما.

المذهب الثاني: أن الأمر حقيقة في المعنى القائم بالنفس، وقوله: افعل، يسمى أمرًا مجازًا.

الفريق الثاني: هم المنكرون لكلام النفس، وهؤلاء انقسموا إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: قالوا: لا معنى للأمر إلا حرف وصوت، وإليه ذهب البلخي وزعم أن قوله: افعل أمر لذاته وجنسه.

الصنف الثاني: وفيهم جماعة من الفقهاء يقولون: أن قوله: افعل ليس أمرًا بمجرد صيغته وذاته، بل لصيغته وتجرده عن القرائن الصارفة له عن جهة الأمر إلى التهديد وغيره.

الصنف الثالث: من محققي المعتزلة قالوا: إنه ليس أمرًا لصيغته وذاته، ولا لكونه مجردًا عن القرائن مع الصيغة، بل يصير أمرًا بثلاث إرادات، إرادة المأمور به، وإرادة إحداث الصيغة، وإرادة الدلالة بالصيغة على الأمر دون الإباحة والتهديد. اهـ بتصرف.

انظر: المستصفى 1/ 413، 414.

(1)

"قيل" ساقطة من ط.

(2)

في ز: "هو مشترك".

ص: 444

قال المؤلف في الشرح: والاشتراك هو المشهور (1)، [وإن كان](2) المؤلف لم يذكر (3) هذا الخلاف إلا في خصوصية (4) الأمر، فهو عام في جميع أنواع الكلام.

[وقيل: للقدر المشترك بين اللساني والنفساني، وهو: قول رابع](5).

حجة القول بأنه حقيقة في اللساني خاصة: التبادر إلى الفهم؛ لأنك إذا سمعت أمر فلان بكذا فلا يتبادر إلى فهمك إلا خصوصية اللفظ دون غيره، والتبادر إلى الفهم دليل الحقيقة.

ورد هذا: بالمجاز (6) الراجح.

حجة القول بأنه حقيقة في النفساني خاصة: بيت الأخطل وهو قوله:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان (7) على الفؤاد دليلاً (8)

(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 126.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

في ز: "والمؤلف وإن لم يذكر".

(4)

في ط: "الخصوصية".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط. ولم يرد في الأصل، وقد ورد هذا القول في ط بعد قوله:"وقيل: مشترك بينهما".

(6)

في ط: "بأن المجاز".

(7)

في ط: "اللساني".

(8)

سبق عزو هذا البيت والرد على من قال: إن الكلام نفساني واستدل بهذا البيت وبطلان استدلاله.

انظر: (1/ 375 - 377) من هذا الكتاب.

ص: 445

وقال تبارك وتعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} (1).

حجة القول بأنه حقيقة فيهما: وروده واستعماله في اللساني والنفساني، والأصل في الاستعمال الحقيقة دون المجاز.

[حجة القول بأنه للقدر المشترك بين اللساني والنفساني: وروده مستعملاً فيهما](2).

[والأصل عدم المجاز وعدم الاشتراك فوجب أن يكون مستعملاً في القدر المشترك بينهما](3).

[وحجة أخرى: أن فيه الجمع بين الأدلة؛ إذ الجمع بينهما أولى من اطراح أحدهما (4)](5).

ثم إذا فرعنا على القول الذي هو حقيقة في اللساني خاصة وهو قول الأصوليين كما تقدم، فاختلفوا في حصر صفة (6) الأمر على ثلاثة أقوال (7):

(1) آية رقم 8 من سورة المجادلة.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(4)

في ز: "احدهما".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط وز: "خصوصية".

(7)

تحرير محل النزاع هو أن الأصوليين اتفقوا على أن لفظ أمر حقيقة في القول المخصوص، ومحل الخلاف هل يطلق على غيره إطلاقًا حقيقيًا أو لا؟

انظر الخلاف في هذه المسألة في: المعتمد لأبي الحسن البصري 1/ 39 - 42، شرح التنقيح للقرافي ص 126، 127، شرح التنقيح للمسطاسي ص 53، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 8، 9، الإحكام للآمدي 2/ 130 - 137، إحكام الفصول في أحكام الأصول 1/ 124 - 126، المحصول ج1 ق 2 ص 7 - 18.

ص: 446

قيل: حقيقية في القول مجاز في غيره، هذا مذهب (1) الجمهور، وإليه أشار المؤلف بقوله: والصحيح (2): أنه اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب من سائر اللغات، هذا هو (3) مذهب الجمهور (4).

وقيل: مشترك (5): بين شيئين، أي (6): بين القول والفعل، وهو مذهب الباجي (7) وغيره.

وإليه أشار المؤلف بقوله: (وعند بعض (8) الفقهاء مشترك بين القول والفعل).

حجته: أنه استعمل (9) فيهما (10) معًا (11)، والأصل الحقيقة.

ورد هذا: بأن الأصل عدم الاشتراك.

القول الثالث: أنه لفظ مشترك (12) بين خمسة أشياء: القول، والفعل،

(1) في ز: "هو مذهب".

(2)

في ز: "فالصحيح".

(3)

"هو" ساقطة من ز.

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 126.

(5)

في ز: "هو مشترك".

(6)

"أي" ساقطة من ز.

(7)

يقول الباجي في إحكام الفصول: الأمر يقع حقيقة على القول والفعل.

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول 1/ 124.

(8)

"بعض" ساقطة من ط.

(9)

في ط: "يستعمل".

(10)

في ط: "فيها".

(11)

"معًا" ساقطة من ط.

(12)

في ط: "اشتراك".

ص: 447

والشيء، والشأن، والصفة (1).

[وإليه أشار المؤلف بقوله: وعند أبي الحسين مشترك بينهما وبين الشيء والشأن والصفة](2).

فيكون مشتركًا بين هذه الأشياء الخمسة لورود استعمال لفظ الأمر في جميعها، والأصل الحقيقة (3).

ورد (4): بأن الأصل عدم الاشتراك.

مثال القول: قوله تعالى (5): {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (6).

ومثال الفعل: قوله تعالى: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (7).

[أي: من فعل الله](8).

وقولنا: كنا في أمر عظيم إذا كنا في الصلاة.

(1) يقول أبو الحسين البصري: وأنا أذهب إلى أن قول القائل: "أمر" مشترك بين الشيء والصفة وبين جملة الشأن والطرائق وبين القول المخصوص.

انظر: المعتمد 1/ 39.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(3)

في ز: "الحقيقة دون المجاز".

(4)

في ز: "ورد هذا".

(5)

"قوله تعالى" لم ترد في ز.

(6)

آية 97 سورة هود.

وجه الاستدلال من الآية: أي: ما قول فرعون.

(7)

آية 73 سورة هود.

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

ص: 448

ومثال الشيء قولك: ائتني بأمر ما، أي: بشيء ما، ومنه قولهم في المثل السائر: لأمر ما جدع قصير أنفَه (1).

ومثال الشأن: قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (2).

قال المؤلف في الشرح: معناه: وما شأننا في إيجادنا إلا ترتيب مقدورنا على قدرتنا وإرادتنا، من غير تأخير كلمح بالبصر (3)، أي: كخطفة (4) البصر (5).

ومثال الصفة قول الشاعر:

عزمت على إقامة ذي صباح

لأمر ما يسود من يسود

أي: لصفة ما يسود من يسود.

قوله: (اسم لمطلق الصيغة الدالة على الطلب (6)) المراد بالصيغة: اللفظ، أي: هو اسم لمطلق اللفظ الدال على الطلب، أي: هو اسم لمطلق اللفظ الذي

(1) وقصة هذا المثل أن قصيرًا بن سعد لما قتل جذيمة ونجا هو على العصا، قال لعمرو: ألا تطلب بثأر خالك اجدع أنفي، واقطع أذني، واضرب ظهري، حتى تؤثر فيه، ودعني وإياها، ففعل به عمرو ذلك، وروي أن عمرًا أبى عليه ففعل قصير بنفسه ذلك، فقيل في المثل: لأمر ما جدع قصير أنفه.

انظر كتاب: الفوائد المحصورة في شرح المقصورة، تأليف محمد بن أحمد بن هشام اللخمي، ص 199، 200، أمثال العرب للضبي ص 65، مجمع الأمثال للميداني 2/ 196، المستقصى ص 240.

(2)

آية 50 سورة القمر.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 127.

(4)

في ز: "كلحظة".

(5)

في ط وز: "بالبصر".

(6)

"الدالة على الطلب" ساقطة من ط وز.

ص: 449

هو قدر مشترك بين جميع صيغ الأمر، يعني لفظ الأمر الذي هو: مجموع الهمزة والميم والراء، هو: اسم الصيغة (1)"افعل"، أي:[هو اسم](2) للفظ افعل، عبّر المؤلف أولاً باللفظ في قوله:(أما لفظ الأمر)، وعبّر ثانيًا بالصيغة في قوله:(لمطلق الصيغة) كراهة إعادة اللفظ بعينه.

فقولك إذًا: أمر موضوع في اللغة العربية لقولك: افعل.

قوله: (لمطلق الصيغة) أي: لمطلق القول الدال على الطلب خلافًا للمتكلمين [القائلين](3) بأنه الموضوع [للطلب](4) القائم بالنفس وهو المعنى القائم بذات الأمر، وهو: مدلول اللفظ.

و (5) قوله: (الدالة) احترازًا من الصيغة المهملة (6).

وقوله: (على الطلب) الألف واللام للحوالة على قوله أولاً في حقيقة الأمر في الفصل السادس (7) في أسماء الألفاظ: "والأمر هو اللفظ الموضوع لطلب الفعل طلبًا جازمًا على سبيل الاستعلاء نحو: "قم" أي: على طلب الفعل طلبًا جازمًا على سبيل الاستعلاء، والمراد بالطلب: إيجاد الشيء وإدخاله في الوجود، فيندرج فيه طلب الفعل، وطلب القول، وطلب الاعتقاد، وقد تقدم ذلك في حقيقة الأمر في الفصل السادس (8).

(1) في ط: "لصيغة".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ط، وفي الأصل:"للطالب"، وفي ز:"للفظ".

(5)

"الواو" ساقطة من ز.

(6)

في ط: "المهمة".

(7)

من الباب الأول.

(8)

انظر (1/ 355 - 361) من هذا الكتاب.

ص: 450

قوله: (من سائر اللغات) يعني: من جميع اللغات، فيندرج في هذا الحد جميع الألفاظ الدالة على الطلب بأي لغة (1) كانت؛ لأن حقيقة الأمر لا تختلف باختلاف اللغات؛ فإن التركي مثلاً يأمر وينهى كما يأمر العربي وينهى.

قوله: (وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر، فهو: موضوع عند مالك رحمه الله وعند (2) أصحابه للوجوب، وعند أبي هاشم للندب، وللقدر المشترك بينهما عند قوم (3)، وعند آخرين (4) لا يعلم حاله).

ش: هذا هو المطلب الثاني، و (5) هو: بيان موضوع الأمر، فلما بيّن المؤلف رحمه الله موضوع الأمر الذي هو صيغة "افعل" أراد أن يبين موضوع صيغة (6)"افعل" يعني الصيغة المجردة عن القرائن.

قوله: (وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر).

ش: معناه: وأما اللفظ الذي هو موضوع الأمر ومسماه، فالموضوع والمسمى والمدلول ها هنا عند المؤلف مترادفة (7)، عبّر المؤلف أولاً بالمسمى وعبر ها هنا بالمدلول وهما واحد، وعبّر بالصيغة أولاً، وعبر ها هنا

(1) في ط: "أي على لغة"، وفي ز:"في أي لغة".

(2)

في ط: "وعذر".

(3)

لفظ: "للندب وللقدر المشترك بينهما عند قوم" ساقط من نسخة أ.

(4)

في ط وز: "قوم آخرين".

(5)

"الواو" ساقطة من ط.

(6)

"صيغة" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "مترادفة لمعنى واحد".

ص: 451

باللفظ والصيغة واللفظ أيضًا واحد.

قوله: (وأما اللفظ الذي هو مدلول (1) الأمر) أي: أما (2) الصيغة التي هي موضوع الأمر فهي موضوعة عند مالك رحمه الله وعند أصحابه للوجوب، ذكر المؤلف ها هنا أربعة أقوال (3) في موضوع صيغة افعل:

أحدها: الوجوب وهو مذهب مالك (4) والشافعي (5)، وجماعة من المتكلمين (6)، وجماعة من المعتزلة (7).

(1) في ط: "من أول".

(2)

في ط وز: "وأما".

(3)

انظر الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 127، شرح التنقيح للمسطاسي ص 54، 55، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 111، 112، المعتمد 1/ 50، 51، البرهان مسألة رقم (131، 132) ج 1/ 215 - 216، العدة 1/ 224 - 247، الإحكام للآمدي 2/ 144، 145، مختصر المنتهى لابن الحاجب وشرح العضد وحواشيه 2/ 79، 80، نهاية السول 2/ 251 - 271، المحصول ج 1 ق 2 ص 66 - 158، المعالم للرازي ص 91 - 103، إرشاد الفحول ص 94، ميزان الأصول للسمرقندي ص 96 - 109، الإبهاج شرح المنهاج 2/ 22 - 42، المستصفى للغزالي 1/ 423.

(4)

انظر نسبة القول للإمام مالك في شرح التنقيح للقرافي ص 127، وشرح التنقيح للمسطاسي ص54، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 111.

(5)

نسبه له الجويني في البرهان 1/ 216، والآمدي في الإحكام 2/ 144.

والقول بالوجوب هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.

انظر: العدة لأبي يعلى 1/ 224.

(6)

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 144.

(7)

انظر: البرهان للجويني 1/ 215.

ص: 452

قوله: (وعند أصحابه) يعني: جمهور (1) أصحاب مالك؛ [إذ من أصحاب مالك](2) من قال: بأن موضوعه الندب.

القول الثاني: أنه موضوع حقيقة للندب، وهو مذهب أبي هاشم (3)، وكثير من المعتزلة وكثير من المتكلمين (4)، وبعض المالكية (5).

القول الثالث: أنه موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب، أي: هو موضوع (6) للطلب المشترك بينهما وهو رجحان الفعل على الترك؛ لأن الوجوب والندب مشتركان في مطلق الطلب، ولا دلالة له على منع الترك ولا على الإذن في الترك؛ لأن الوجوب قد امتاز (7) بمنع (8) ترك [الفعل، وامتاز الندب بالإذن في ترك](9) الفعل، وإلى هذا القول الثالث أشار المؤلف بقوله:(وللقدر المشترك بينهما عند قوم).

القول الرابع: أنه حقيقة في أحدهما [من](10) غير تعيين وجوب ولا ندب، [ولا يدرى بعينه فيجزم بوضعه لأحدهما ويتوقف (11) في تعيينه، هذا

(1) في ز: "وعند جمهور".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

انظر نسبة هذا القول لأبي هاشم في: الإحكام للآمدي 2/ 144، نهاية السول 2/ 252.

(4)

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 144.

(5)

في ط: "الملائكة"، وهو تصحيف.

(6)

في ز: "هي موضوعة".

(7)

"قد امتاز" ساقط من ز.

(8)

في ز: "يمنع".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(10)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(11)

في ز: "بوضعه له ويوقف".

ص: 453

ظاهر كلام المؤلف في شرحه (1).

وظاهر كلام الإمام في المحصول أن هذا القول معناه: أنه حقيقة] (2) في واحد من ثلاثة أمور:

إما الوجوب، أو الندب، أو حقيقة (3) فيهما معًا، فيكون لفظًا (4) مشتركًا بينهما فهو حقيقة في واحد من هذه الثلاثة، ولكن لا يدرى تعيين موضوعه من هذه الثلاثة (5).

وهو مذهب الأشعري، والباقلاني، والغزالي (6).

وإلى هذا القول الرابع أشار المؤلف بقوله: وعند الآخرين لا يعلم حاله.

(1) يقول القرافي في بيان هذا المذهب: حجة أنه لأحدهما لا بعينه وروده في القسمين، والأصل عدم الاشتراك، ولم يدل دليل على أنه أخص بأحدهما فيجزم بالوضع ويتوقف في تعيين الموضوع له.

انظر: شرح التنقيح ص 128.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ز: "أو هو حقيقة".

(4)

في ز: "لفظه".

(5)

انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 68.

(6)

نسب هذا القول لهؤلاء العلماء الثلاثة ابن السبكي في الإبهاج 2/ 23، ونسب الآمدي في الإحكام (2/ 145) لهم القول بالتوقف، واختاره هو أيضًا.

وصرّح الغزالي بالتوقف، يقول الغزالي في المستصفى (1/ 423): وقد ذهب ذاهبون إلى أن وضعه للوجوب وقال قوم: للندب، وقال قوم: يتوقف فيه، ثم منهم من قال: هو مشترك كلفظ العين، ومنهم من قال: لا ندري أيضًا أنه مشترك أو وضع لأحدهما واستعمل في الثاني مجازًا، والمختار أنه متوقف فيه.

ص: 454

هذه أربعة أقوال ذكرها المؤلف ها هنا، وذكر المؤلف في الشرح سبعة مذاهب ونصه: في الأمر سبعة مذاهب: للوجوب، وللندب، للقدر المشترك بينهما، مشترك بينهما، لأحدهما (1) لا يعلم حاله، للإباحة، الوقف في ذلك كله، ذكر (2) الإمام فخر الدين في المحصول (3) والمعالم (4) بعضها ها هنا وبعضها ها هنا. انتهى نصه (5).

وذكر قطب الدين الشيرازي قولاً ثامنًا بأنه: موضوع [بالاشتراك اللفظي بين ثلاثة أشياء: الوجوب، والندب، والإباحة.

وذكر أيضًا قولاً تاسعًا بأنه موضوع] (6) بالاشتراك المعنوي وهو: القدر المشترك، وهو مطلق الإذن بين الوجوب، والندب، والإباحة.

[وذكر قولاً عاشرًا: بالاشتراك اللفظي بين أربعة أشياء وهي: الوجوب، والندب، والإباحة](7) والتهديد، وهو مذهب الشيعة (8).

فهذه عشرة أقوال (9) ذكر المؤلف منها ها هنا أربعة أقوال وهي: الوجوب،

(1) فى ط: "ولأحدهما".

(2)

في ط وز: "ذكرها".

(3)

انظر: المحصول ج 1 ق 2، ص 66، 67.

(4)

انظر: المعالم ص 91، 92.

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 127.

(6)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(8)

انتهى كلام قطب الدين، وقد نقله المؤلف بالمعنى.

انظر: شرح مختصر المنتهى، تأليف قطب الدين الشيرازي ج 1 ص 219 مخطوط في مكتبة الجامع الكبير بمكناس رقم 160.

(9)

هذه الأقوال العشرة: ذكرها أحمد حلولو في شرح التنقيح وزاد عليها ثلاثة أقوال =

ص: 455

والندب، والقدر المشترك، والوضع لأحدهما لا بعينه.

حجة القول بالوجوب: القرآن، والحديث، واللغة:

فالقرآن: قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (1).

ذمه على مخالفة أمره إياه بالسجود لآدم (2).

وقوله تعالى أيضًا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} (3).

فذمهم على مخالفة الأمر، والذم على المخالفة دليل على وجوبه.

وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (4) الآية ولا يعذب إلا في ترك الواجب (5).

وقوله تعالى: {وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} (6).

= أخرى وهي:

أنه مشترك بين الأربعة، والإرشاد.

أنه مشترك بين الأحكام الخمسة.

أن أمر الله تعالى حقيقة في الوجوب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة في الندب إذا كان مبتدأ، أي: ليس لبيان المجمل ولا موافق لنص من الكتاب.

حكاه القاضي عبد الوهاب عن الأبهري وحكى المازري عنه أيضًا أنه للندب مطلقًا. انظر: التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 112.

(1)

آية رقم 12 من سورة الأعراف.

(2)

ولو لم يكن الأمر للوجوب لما ذمه الله تعالى على الترك.

(3)

آية رقم 48 من سورة المرسلات.

(4)

آية رقم 63 من سورة النور.

(5)

في ز: "الوجوب".

(6)

آية رقم 12 من سورة سبأ.

ص: 456

والحديث (1) قوله عليه السلام: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"(2).

وليس هناك ما ينفي إلا الوجوب لثبوت الندب إلى السواك فلا (3) يصح نفيه مع ثبوته.

ودليل (4) اللغة: أن السيد إذا أمر عبده (5) بفعل (6) فلم (7) يفعل استحق الذم والتوبيخ، فدل على الوجوب.

وحجة القول بالندب: قوله عليه السلام: "إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(8).

(1) في ط: "وفي الحديث".

(2)

في ط: "عند كل صلاة"، وفي بعضها:"عند كل وضوء"، وفي ز، "عند كل صلاة"، وفي بعض الروايات:"عند كل وضوء"، وقد سبق تخريج هذا الحديث.

(3)

في ز: "ولا".

(4)

في ط: "والدليل".

(5)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"عبد".

(6)

فى ز: "بالفعل".

(7)

في ز: "ولم".

(8)

أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤلاتهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله (4/ 258).

وأخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة في خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

انظر: صحيح مسلم كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر (4/ 102).

وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به فخذوه =

ص: 457

ففوض فيه الأمر إلى مشيئتنا، وذلك دليل الندب.

أجيب (1) عن هذا الدليل: بأنه لم يرده (2) إلى مشيئتنا [وإنما رده (3) إلى استطاعتنا، فلو رده (4) إلى المشيئة لقال: فأتوا منه ما شئتم](5)، والرد إلى الاستطاعة (6) ليس من خواص المندوب؛ لأن كل واجب مردود إلى الاستطاعة (7) لقوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} (8).

وحجة القول بأنه للقدر المشترك بين الوجوب والندب أن الأمر ورد مستعملاً في الوجوب (9)، ومستعملاً في الندب (10)، والأصل عدم

= وما نهيتكم عنه فانتهوا".

سنن ابن ماجه المقدمة، حديث رقم 1 (1/ 3).

وأخرجه النسائي عن أبي هريرة من حديث طويل وفيه: "فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".

انظر: سنن النسائي كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج (5/ 83).

(1)

في ز: "وأجيب".

(2)

في ز: "يرد".

(3)

في ز: "رد".

(4)

في ز: "فلو رد".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط: "استطاعة".

(7)

في ط: "استطاعة".

(8)

آية 286 سورة البقرة، وانظر هذا الجواب في: الإحكام للآمدي 1/ 154.

(9)

في ط وز: "في الوجوب نحو قوله: {وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} " البقرة (43).

(10)

في ط وز: "في الندب كقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} الآية" النور (33).

ص: 458

الاشتراك، والأصل عدم المجاز، فوجب جعله للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو مطلق الطلب (1) بالفعل (2).

وحجة القول بأنه [لواحد من](3) الوجوب أو الندب (4) من غير تعيين: أنه ورد مستعملاً في الوجوب ومستعملاً في الندب، والأصل عدم الاشتراك، ولم يدل دليل على تعيين أحدهما فيجزم بالوضع [له](5) ويتوقف في التعيين.

وحجة القول بالإباحة: أن الوجوب، والندب، والإباحة، هذه الأقسام الثلاثة كلها مشتركة في معنى واحد وهو: جواز الإقدام على الفعل، فوجب حمله (6) على ذلك (7) المعنى، والأصل عدم اعتبار الخصوصية (8)(9).

(1) في ط: "للطلب".

(2)

يقول ابن السبكي في الجواب عن هذا الدليل: والجواب أنّا قد بينا أن الأمر حقيقة في الوجوب كما سبق، فالمصير إلى كونه مجازًا في الندب وغيره من الموارد واجب؛ لئلا يلزم الاشتراك، والمجاز أولى به.

انظر: الإبهاج شرح المنهاج 2/ 41.

(3)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"لأحد الوجوب".

(4)

في ط وز: "والندب".

(5)

المثبت من ز، ولم ترد:"له" فى الأصل وط.

(6)

في ط: "عمله".

(7)

في ط: "على إذا".

(8)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"الخصوصات".

(9)

ذكر هذا الدليل المسطاسي وأجاب عنه فقال: وقولهم: إن الأقسام كلها اشتركت في جواز الإقدام، فوجوب القول به إنما يجيء على مذهب المتقدمين في الإباحة؛ لأنها عندهم عبارة عن جواز الإقدام، وأما على مذهب المتأخرين الذين يقولون: عبارة عما استوى طرفاه في نظر الشرع فلا، والله أعلم.

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 55.

ص: 459

وحجة القول بأنه مشترك بين الوجوب والندب: أنه ورد مستعملاً في كل واحد منهما والأصل الحقيقة، والأصل عدم المجاز، فوجب جعله حقيقة في كل واحد من الثلاثة (1) فيكون لفظًا مشتركًا.

[وحجة القول بأنه مشترك بين الثلاثة: الوجوب، والندب، والإباحة بالاشتراك اللفظي: أنه مستعمل في الثلاثة، والأصل الحقيقة وعدم المجاز: فوجب جعله حقيقة (2) في كل واحد من الثلاثة، فيكون لفظًا مشتركًا](3).

وحجة القول بأنه للقدر المشترك (4) بين الثلاثة: الوجوب، والندب، والإباحة، والمراد بالقدر المشترك بينهما مطلق (5) الإذن: أن (6) هذه الأقسام الثلاثة مشتركة بالاشتراك المعنوي في معنى واحد، وهو: مطلق الإذن فوجب جعله لذلك المعنى.

وحجة القول بأنه مشترك بالاشتراك اللفظي بين أربعة أشياء: الوجوب، والندب، والإباحة، والتهديد: أنه ورد استعمال الأمر في كل واحد من الأربعة، والأصل عدم المجاز، فوجب جعله لفظًا (7) مشتركًا بين المعاني الأربعة.

قوله: (وهو عنده أيضًا للفور وعند الحنفية، خلافًا لأصحابنا (8) المغاربة

(1) في ط وز: "منهما".

(2)

"حقيقة" ساقطة من ز.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

في ط: "والمشترك".

(5)

في ط وز: "هو مطلق".

(6)

في ط: "لأن".

(7)

"لفظًا" ساقطة من ز.

(8)

في أ: "لاصحابه".

ص: 460

والشافعية، وقيل: بالوقف".

ش: هذا هو المطلب الثالث وهو قولنا: هل يدل الأمر على الفور أم لا (1)؟

ومعنى هذا: هل يجب تعجيل [الفعل](2) المأمور به في أول أزمنة الإمكان أم لا؟

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى (3) في ذلك ثلاثة أقوال (4):

(1) يقول المسطاسي: اختلفت عباراتهم في هذه المسألة، فمنهم من يقول: اختلفوا في الأمر هل يقتضي الفور أم لا؟

ومنهم من يقول: هل يقتضي التراخي أم لا؟ قال إمام الحرمين: هل يقتضي الامتثال من غير تخصيص بوقت أم لا؟

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 56.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل وط:"الأمر".

(3)

"رحمه الله" لم ترد في ز.

(4)

اختلف الأصوليون في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

الأول: وجوب المبادرة إلى الفعل أول أوقات إمكانه هو مذهب الإمام مالك، ونسبه أبو الوليد الباجي للبغداديين والبصريين من المالكية، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، وأخذ به أبو الحسن الكرخي من الحنفية، والغزالي، ونسبه الشيرازي للصيرفي وأبي حامد السيرافي من الشافعية.

الثاني: أنه يقتضي التراخي، ونسب هذا المذهب للشافعي، والمغاربة من المالكية، وإليه ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو إسحاق الشيرازي واختاره ابن الحاجب والآمدي والبيضاوي، وهو قول أبي علي وأبي هاشم من المعتزلة.

الثالث: الوقف، وانقسم القائلون بالوقف إلى فريقين:

الأول: غلاتهم قالوا: إن الفور والتأخير إذا لم يتبين أحدهما ولم يتعين بقرينة، فلو =

ص: 461

الأول: وجوب المبادرة إلى الفعل أول (1) أوقات إمكانه، وإليه أشار المؤلف - رحمه الله تعالى - بقوله:(وهو عنده أيضًا للفور وعند الحنفية) أي: ومدلول صيغة افعل عند مالك والحنفية (2)[عند عدم القرينة](3) موضوع للفور (4)، أي: مقتضٍ للفور، أي: مقتض للتعجيل والمبادرة دون تراخ (5)،

= أوقع المخاطب ما خوطب به عقيب فهم الصيغة لم يقطع بكونه ممتثلاً.

الثاني: المقتصدون قالوا: من بادر في أول الوقت كان ممتثلاً قطعًا، فإن أخر وأوقع الفعل المقتضى في آخر الوقت فلا يقطع بخروجه عن عهدة الخطاب، وقال الجويني: وهذا هو المختار عندنا.

انظر تفصيل هذه الأقوال في: شرح التنقيح للقرافي ص 129، 130، شرح التنقيح للمسطاسي ص55، 56، العدة لأبي يعلى 1/ 281 - 289، المعتمد 1/ 111 - 123، البرهان 1/ 231 - 248، المحصول ج 1 ق 2 ص 189 - 204، الإحكام للآمدي 2/ 165 - 170، المستصفى 2/ 9، المنخول ص 111 - 113، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 83 - 85، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 57 - 65، نهاية السول 2/ 286 - 291، المعالم للرازي ص 110 - 116، إحكام الفصول للباجي 1/ 92 - 96، فواتح الرحموت 1/ 387 - 391، كشف الأسرار 1/ 254، أصول السرخسي 1/ 26، تيسير التحرير 1/ 356، إرشاد الفحول 99 - 101، اللمع للشيرازي المطبوع مع تخريجه ص 71، 72.

(1)

في ط وز: "في أول".

(2)

في ط: "وعند الحنفية".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(4)

في ط: "للفوريه".

(5)

في ز: "تأخير".

وقد نسب هذا القول للحنفية الغزالي في المنخول ص 111، والجويني في البرهان 1/ 231، والآمدي في الإحكام 2/ 165.

ولكن هذه النسبة للحنفية ليست على إطلاقها، والصحيح في مذهب الحنفية: أنه على التراخي لكن مع التفصيل حيث قالوا: إن الأمر إما مقيد بوقت موسع أو مضيق، أو غير مقيد بوقت محدد كالأمر بالكفارات والقضاء للصوم والصلاة، فهو =

ص: 462

وهو مذهب البغداديين (1) من أصحاب مالك.

قال (2) القاضي عبد الوهاب في الملخص: الذي (3) ينصره أصحابنا أنه على الفور، وأخذوا ذلك (4) من أمر مالك بتعجيل الحج، ومنعه من تفرقة الوضوء، وغير ذلك من عدة مسائل في مذهبه (5).

القول الثاني: أنه يقتضي التراخي، وهو: جواز التأخير، لا وجوب التأخير، أي: يقتضي الأمر المطلق [المجرد من القرائن](6) جواز التأخير (7) للفعل المأمور به، ولا يقتضي الفور، أي: ولا يقتضي تعجيل الفعل المأمور به.

= لمجرد الطلب للفعل في المستقبل.

أما الأمر المضيق والمقيد بوقت محدد فلا يحتمل التأخير، أما الموسع وغير المقيد بوقت محدد فيجوز فيه التأخير كما تجوز المبادرة، وهو الصحيح عند الحنفية، ولم يقل بالفورية من الحنفية إلا أبو الحسن الكرخي كما صرح بذلك في مسلم الثبوت وشرحه، والشيخ بخيت في حاشيته على نهاية السول.

انظر: فواتح الرحموت 1/ 387، حاشية الشيخ بخيت على نهاية السول 2/ 286، 287، كشف الأسرار 1/ 254، أصول السرخسي 1/ 26.

(1)

نسبه للبغداديين أبو الوليد الباجي في إحكام الفصول 1/ 92.

(2)

في ز: "وقال".

(3)

"الذي" ساقطة من ز.

(4)

"ذلك" ساقطة من ط.

(5)

انظر قول القاضي عبد الوهاب في شرح التنقيح للقرافي ص 128، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 114.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(7)

في ط: "تأخير"، وفي ز:"تأخير الفعل".

ص: 463

وإلى هذا القول أشار المؤلف بقوله: (خلافًا لأصحابنا المغاربة والشافعية) يعني: القائلين بالتراخي، وهو مذهب القاضي (1) الباجي (2) والقاضي أبي بكر (3) الباقلاني (4).

القول (5) الثالث: أنه لا يتعين له وقت لا بتقديم ولا بتأخير، أي: لا يقتضي الفور ولا التراخي.

قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: وهو مذهب قوم من أصحابنا المتكلمين.

وإلى هذا القول أشار المؤلف بقوله: (وقيل بالوقف).

وهذا الخلاف كله إنما هو على القول: بأن الأمر لا يقتضي التكرار ولا يقتصي إلا مرة واحدة، وأما على القول بأن الأمر يقتضي التكرار فإنه يقتضي الفور باتفاق؛ لأن تعجيل المأمور به (6) في أول أزمنة الإمكان مع تكراره (7) يقتضي استقرار جميع الأزمنة حتى الزمان الفوري، ومسألة الفور هي من فروع مسألة التكرار، فينبغي أن تقدم مسألة التكرار (8) على مسألة الفور؛ إذ

(1)"القاضي" ساقطة من ز.

(2)

انظر: إحكام الفصول لأبي الوليد الباجي 1/ 92.

(3)

في ز: "وأبي بكر القاضي".

(4)

انظر: البرهان للجويني 1/ 232، الإحكام للآمدي 2/ 165.

(5)

في ز: "والقول".

(6)

"به" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "تكرار".

(8)

وقد قدم أحمد حلولو مسألة التكرار على مسألة الفور في التوضيح شرح التنقيح ص 112 - 114 كغيره من الأصوليين، بينما المؤلف قدم الفور تبعًا للقرافي.

ص: 464

الفرع يؤخر أصله، ولكن قدم المؤلف رحمه الله مسألة الفور لاجتماعها مع مسألة حمل الأمر على الوجوب في الدليل الواحد كما سيأتي بيان (1) دليلها.

حجة القول بأنه على الفور: قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (2) فلو لم يكن الأمر للفور لكان من حجة إبليس أن يقول: أمرتني بالسجود ولم توجب عليّ تعجيله.

وردّ بعضهم هذا الدليل بأن قال: الاستدلال لا يمس محل النزاع؛ لأن محل النزاع هو الأمر المجرد عن القرائن، وأما هذا (3) الدليل فقد اقترنت به قرينة لفظية تصرفه إلى الفور وهي (4) قوله (5):{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (6)؛ لأن الله تعالى رتّب السجود على هذه الأوصاف بفاء التعقيب، فهو يقتضي السجود عقيبها على الفور من غير تراخ (7).

(1)"بيان" ساقطة من ز.

(2)

آية 12 سورة الأعراف.

(3)

"هذا" ساقطة من ز.

(4)

في ز: "وهو".

(5)

في ط وز: "قوله تعالى".

(6)

آية 72 سورة ص.

(7)

ذكر هذا الجواب الآمدي، وذكر جواب آخر وهو: أن توبيخ إبليس إنما كان ذلك لإبائه واستكباره، ولا يمكن إضافة التوبيخ إلى مطلق الأمر من حيث هو أمر؛ لأنه منقسم إلى: أمر إيجاب واستحباب، ولا توبيخ على مخالفة أمر الاستحباب إجماعًا، ولو كان التوبيخ على مطلق الأمر لكان أمر الاستحباب موبخًا على مخالفته.

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 169.

ص: 465

وحجة القول بجواز التراخي: أن الذي يقتضيه الأمر هو وجوب الفعل، وليس في صيغته ما يدل على الوقت لا بتقديم ولا بتأخير، فوجب ألا يحمل على الفور إلا بدليل منفصل.

حجة (1) القول بالوقف: تعارض الأدلة.

قوله: (وهو عنده (2) للتكرار، قاله ابن القصار من استقراء كلامه، وخالفه أصحابه (3)، وقيل بالوقف).

ش: هذا هو المطلب الرابع وهو قولنا: هل يدل على التكرار أم لا؟ معناه: هل يدل الأمر (4) على تكرار الفعل المأمور به أو لا يدل إلا على المرة الواحدة؟ [وهذا أيضًا إذا تجرد عن القرينة](5).

ذكر المؤلف رحمه الله (6) في ذلك ثلاثة أقوال (7):

(1) في ط وز: "وحجة".

(2)

في ط: "عندي".

(3)

في ز: "صحابه".

(4)

"الأمر" ساقطة من ز.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(6)

"رحمه الله" لم ترد في ط.

(7)

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 130، 131، شرح التنقيح للمسطاسي ص 56، التوضيح شرح التنقيح ص 112 - 114، المعتمد 1/ 98 - 105، البرهان للجويني مسألة رقم 139 - 142، 1/ 224 - 230، المحصول ج 1 ق 2 ص 162 - 178، الإحكام للآمدي 2/ 155 - 160، المنخول ص 108، حاشية التفتازاني على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 81 - 82، المعالم للرازي ص 105 - 110، شرح البدخشي مع الإسنوي 2/ 274 - 282، الإبهاج شرح المنهاج 2/ 47 - 53، تيسير التحرير 1/ 351، أصول السرخسي 1/ 20، فواتح =

ص: 466

أحدها: أنه يدل على التكرار، وهو مذهب مالك، وجماعة من الفقهاء، والمتكلمين (1).

وإلى هذا القول أشار المؤلف بقوله: (وهو عنده للتكرار) أي: عند مالك.

القول الثاني: أنه للمرة الواحدة.

قال عبد الوهاب في الملخص (2) وفي الإفادة أيضًا: إنه مذهب أصحاب مالك (3).

وإلى هذا القول أشار المؤلف بقوله: (وخالفه أصحابه).

القول الثالث: أنه لا يقتضي شيئًا، أي (4): لا يقتضي (5) المرة الواحدة ولا التكرار على التعيين.

وإلى هذا القول أشار المؤلف بقوله: وقيل بالوقف.

وذهب إمام الحرمين (6) والإمام فخر الدين (7) وغيرهم (8) من

= الرحموت 1/ 380، 381، إرشاد الفحول 97 - 99.

(1)

وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 155، البرهان 1/ 224، المنخول ص 108.

(2)

في ط: "المخلص" وهو تصحيف.

(3)

انظر قول القاضي عبد الوهاب في: شرح التنقيح للقرافي ص 130، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 113.

(4)

"أي" ساقطة من ط وز.

(5)

"لا يقتضي" ساقطة من ز.

(6)

انظر: البرهان 1/ 229، 230.

(7)

انظر: المعالم ص 105، والمحصول ج 1 ق 2 ص 162، 163.

(8)

في ز: "وغيرهما".

ص: 467

المحققين (1) إلى أن الأمر إنما يفيد طلب الماهية من (2) غير إشعار بالوحدة أو التكرار (3)، ولكن لا بد من الوحدة لتحصيل مقتضى الصيغة، وهو: إدخال ماهية المأمور به في الوجود.

هذه (4) أربعة أقوال ذكر المؤلف منها ثلاثة وسكت عن الرابع.

واحتج القائلون بأنه (5) للتكرار بأربعة أوجه:

أحدها (6): أن الصديق رضي الله عنه استدل على وجوب تكرار الزكاة على أهل الردة بقوله تعالى: {وآتُوْا الْزَّكَاةَ} (7) بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليه، فكان إجماعًا سكوتيًا على أن الأمر للتكرار.

الثاني: قياس الأمر على النهي لاشتراكهما في مطلق الطلب، وإن كان الأمر طلب الفعل، والنهي طلب الترك، وهو ضده؛ لأن العرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على مثله، كما نصبوا بـ "لا" قياسًا على "إن" مع أنهما

(1) ممن اختار هذا المذهب أيضًا: الحنفية، وابن الحاجب والبيضاوى والآمدي.

انظر: تيسير التحرير 1/ 351، أصول السرخسي 1/ 20، مختصر المنتهى لابن الحاجب 1/ 82، المنهاج للبيضاوي وشرحه الإبهاج 2/ 47، الإحكام للآمدي 2/ 155، إرشاد الفحول ص 97.

(2)

في ط: "عن".

(3)

في ط وز: "والتكرار".

(4)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"هذا".

(5)

في ط: "لأنه".

(6)

في ط: "أحد".

(7)

ورد هذا الأمر في عدة مواضع منها: آية 277 سورة البقرة، آية 5 سورة التوبة، آية 11 سورة التوبة، آية 41 سورة الحج.

ص: 468

متضادان؛ لأن "لا" لتأكيد (1) النفي، و"إن" لتأكيد (2) الإيجاب، فحمل أحدهما على الآخر لاشتراكهما في مطلق التأكيد، كما قرره النحاة. قال ابن مالك في الألفية:

عمل إن اجعل للا في نكرة

مفردة جاءتك أو مكررة

فانصب بها مضافًا أو مضارعه

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه (3)

مثال المضاف: لا طالب (4) علم محروم (5).

ومثال مشابه المضاف: لا طالعًا جبلاً ظاهر (6).

الوجه الثالث: أن الأمر لو كان يقتضي المرة الواحدة ولا يقتضي التكرار (7) لامتنع ورود النسخ (8) بعد فعله مرة واحدة؛ لأنه إذا فعل مرة واحدة خرج المكلف به عن عهدة التكليف، ولم يبق هناك ما ينسخ؛ لأن ورود النسخ بعد المرة الواحدة يدل على البداء (9)، مع أن النسخ يجوز وروده على الأمر عند

(1) في ط: "للتأكيد".

(2)

في ط: "التأكيد".

(3)

انظر: ألفية ابن مالك فى "لا" التي لنفي الجنس ص 51، المطبوع بهامشها حواشي لمجموعة من العلماء.

(4)

في ط وز: "لا طلاب علم محروم لا غلام رجل هنا".

(5)

في شرح ابن عقيل (1/ 305): "لا غلام رجل حاضر".

(6)

انظر: المصدر السابق، وفي ط وز:"لا طالعًا جبلاً ظاهر، لا أفضل منك في هذا الزمان".

(7)

في ط: "ولا بتكرار".

(8)

فى ط وز: "النسخ عليه".

(9)

في ز: "البقاء".

ص: 469

الجميع.

[الوجه الرابع: أن الأمر لو كان يقتضي المرة الواحدة، ولا يقتضي التكرار لامتنع (1) ورود الاستثناء](2)[عليه مع أن الاستثناء يجوز ورود الأمر عليه عند الجميع](3).

فلو قلنا (4): لا يقتضي التكرار، لصار الاستثناء (5) بعد (6) المرة الواحدة نقضًا.

أجيب عن الأول، وهو استدلال الصدِّيق (7) بآية الزكاة على تكرار الزكاة على أهل الردة: بأن التكرار يحتمل أن يكون مستفادًا من القرائن لا من لفظ الآية.

وأجيب عن الثاني: وهو قياس الأمر على النهي: بأنه قياس في اللغة، وهو ضعيف على ما يأتي في باب القياس (8) إن شاء الله.

وأجيب عن الثالث: وهو (9) قولنا: لو لم يقتض (10) التكرار لامتنع ورود

(1) في ز: "لمنع".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(4)

في ط: "فلو كان".

(5)

في ط: "ورود الاستثناء".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(7)

في ز: "الصديق رضي الله عنه".

(8)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"النسخ".

(9)

"هو" ساقطة من ط.

(10)

في ط: "يقض".

ص: 470

النسخ عليه بعد فعله: بأن النسخ إذا ورد عليه صار ذلك قرينة تدل على أن المراد به التكرار دون المرة الواحدة.

وأجيب عن الرابع: وهو قولنا: لو لم يقتض (1) التكرار لامتنع ورود الاستثناء عليه: بأن الاستثناء إذا ورد عليه [ففائدته](2): المنع من إيقاع الفعل في بعض الأوقات التي كان المكلف مخيرًا بين إيقاع الفعل [فيه](3) وفي غيره من الأوقات.

واحتج القائلون بأنه للمرة الواحدة: أن السيد إذا أمر عبده (4) بفعل ففعله مرة واحدة (5) فإنهم يسمونه ممتثلاً وفاعلاً لما أمر به لغة، فدل ذلك على أنه موضوع للمرة الواحدة.

[أجيب عن هذا الدليل بأنه إنما سمي ممتثلاً؛ لأنه فعل ما (6) أمر به لإتيانه بالمرة الواحدة](7).

[واحتج القائلون بأن الأمر إنما يفيد](8) المأمور به لاستحالة دخول حقيقة

(1) في ط: "يقض".

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(4)

المثبت من ط، وفي الأصل:"عبد".

(5)

"واحدة" ساقطة من ز.

(6)

"ما" ساقطة من ط.

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(8)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل.

في ز بلفظ: "لأن المرة الواحدة من ضرورة الفعل المأمور به

" إلخ.

ص: 471

الفعل المأمور به في الوجود بدون المرة الواحدة.

واحتج القائلون بأن الأمر إنما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بالوحدة والتكرار: بأن مدلول صيغة الأمر طلب حقيقة الفعل، والمرة الواحدة والتكرار أمران خارجان عن حقيقة الفعل، فلا دلالة للصيغة (1) عليهما، فلو أمر السيد عبده أن يتصدق على فقير لخرج عن العهدة بفعل المأمور به، فلو زاد على المرة الواحدة استحق اللوم.

واحتج القائلون بالوقف: بتعارض الأدلة.

قوله (2): (لنا: قوله تعالى لإِبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (3) رتّب الذم على ترك الأمور به في الحال؛ وذلك دليل الوجوب والفور، وأما التكرار فلصحة الاستثناء في (4) كل زمان عن (5) الفعل).

ذكر المؤلف رحمه الله أن الأمر عند مالك رحمه الله يدل على الوجوب، والفور، والتكرار، أراد أن يقرر الدليل على هذه الثلاثة (6) فقال: لنا قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (7).

(1) المثبت من ز وط، وفي الأصل:"لصيغة".

(2)

في ز: "نص".

(3)

آية 12 سورة الأعراف.

(4)

"في" ساقطة من أ.

(5)

في خ وش: "من".

(6)

في ز: "الأمور الثلاثة".

(7)

آية 12 سورة الأعراف.

ص: 472

معناه: لنا نحن المالكية في الاستدلال على دلالة الأمر المطلق على الوجوب، و (1) على الفور هذه الآية الكريمة؛ وذلك أن الله تبارك (2) وتعالى رتب ذم إبليس على تركه السجود، وعلى ترك مبادرته به في الحال، فإن الذم على ترك المأمور به دليل الوجوب، والذم على ترك المبادرة به دليل الفور.

قوله: (وأما التكرار فلصحة الاستثناء في كل زمان عن الفعل).

هذا دليل كون الأمر المطلق يفيد التكرار، ومعنى هذا: أن أوقات الفعل المأمور به يصح أن يستثنى [منها](3) بعض الأوقات، فتقول مثلاً: صلّ إلا عند الزوال، وصلّ إلا عند الغروب، أو افعل كذا إلا في وقت كذا فلا تفعل فيه، فإذا صح الاستثناء لبعض الأوقات، دلّ ذلك الاستثناء على التكرار؛ إذ لا يصح الاستثناء إلا مما يمكن تكراره.

قوله: (وأما التكرار) فمعناه (4): وأما دليل التكرار فحذف المضاف.

قوله: (في كل زمان عن الفعل) أي: عن إيقاع الفعل؛ ففيه حذف (5) المضاف لدلالة السياق عليه.

قوله (6): (فإِن علق على الشرط (7) فهو عنده وعند جمهور أصحابه والشافعية للتكرار، خلافًا للحنفية).

(1)"الواو" ساقطة من ط.

(2)

"تبارك" لم ترد في ط.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز، وفي الأصل:"به"، وفي ط:"منه".

(4)

في ز: "معناه".

(5)

في ز: "فيه فحذف".

(6)

في ز: "نص".

(7)

في أوخ وش وط وز: "شرط".

ص: 473

ش: هذا الفرع من تمام المطلب الذي قبله، وذلك أنه ذكر أولاً الخلاف في الأمر المطلق: هل يقتضي التكرار أم لا؟ فذكر ها هنا الخلاف في خصوصية الأمر المعلق (1) على شرط (2)، ولكن هذا الخلاف إنما هو على القول: بأن الأمر المطلق لا يفيد التكرار (3)، وأما على القول بأن الأمر المطلق يفيد التكرار، فأولى وأحرى أن يفيد التكرار عند تعلقه بشرط؛ لأن الشروط اللغوية أسباب، والحكم يتكرر بتكرر أسبابه (4)، فيجتمع حينئذ موجبان للتكرار وهما: الوضع، والسببية.

وأما من قال: الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، فاختلفوا عند تعليقه.

(1) المثبت من ط، وفي الأصل:"المطلق".

(2)

حرر الآمدي في الإحكام (2/ 161) محل النزاع فقال: "ما علق به المأمور من الشرط والصفة إما أن يكون قد ثبت كونه علة في نفس الأمر لوجوب الفعل المأمور به كالزنا، أو لا يكون كذلك، بل الحكم متوقف عليه من غير تأثير له فيه، كالإحصان الذي يتوقف عليه الرجم في الزنا، فإن كان الأول فالاتفاق واقع على تكرر الفعل بتكرره، نظرًا إلى تكرر العلة ووقوع الاتفاق على التعبد باتباع العلة مهما وجدت، فالتكرار مستند إلى تكرار العلة لا إلى الأمر، وإن كان الثاني فهو محل الخلاف".

وانظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 131، 132، شرح التنقيح للمسطاسي ص 57، المعتمد 1/ 105 - 110، الإحكام للآمدي 2/ 161 - 164، إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي 1/ 78 - 80، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 53 - 57، نهاية السول في شرح منهاج الأصول 2/ 282 - 286، المحصول ج 1 ق 2 ص 178 - 189، حاشية التفتازاني على شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 83، ميزان الأصول للسمرقندي ص 126، 127.

(3)

في ط: "التكرر".

(4)

في ط وز: "سببه".

ص: 474

فمنهم من خالف أصله؛ لأجل السببية الناشئة عن التعليق وقال بإفادة التكرار.

ومنهم: من طرد أصله وقال بعدم التكرار.

قوله: (فإِن علق على شرط) يريد: أو صفة؛ إذ الحكم فيهما واحد.

مثال الشرط قولك: صلّ إذا زالت الشمس، أو صم إذا استهلّ الشهر.

ومثال الصفة قوله تعالى: {وَالسَّارِق وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1).

وقوله تعالى (2): {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} (3).

قوله: (فهو عنده) أي: عند مالك رحمه الله.

قوله: (والشافعية) أي: وجمهور الشافعية.

قوله: (خلافًا للحنفية) أي: القائلين بعدم التكرار.

حجة القول بالتكرار: [أن التكرار](4) ثبت في أوامر الشرع المتعلقة بشرط أو صفة، كقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُم} (5)، وقوله تعالى:{وَإِن كُنتُمْ جُبُبًا فَاطَّهَّرُوا} (6)، وقوله تعالى (7): {فَإِذَا لَقِيتُمُ

(1) آية (38) سورة المائدة.

(2)

"تعالى" لم ترد في ز.

(3)

آية 2 سورة النور.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(5)

آية 6 سورة المائدة.

(6)

آية 6 سورة المائدة.

(7)

"تعالى" لم ترد في ز.

ص: 475

الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (1)، وقوله تعالى (2):{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (3)، وقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (4)، وقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} (5)، فلما ثبت التكرار في الأوامر الشرعية المعلقة دل ذلك على أن الأمر المعلق على شرط أو صفة يدل على التكرار.

حجة القول بعدم التكرار: أن اللفظ لم يدل إلا على التعليق بالشرط، أو الصفة، والمفهوم من تعليق شيء على شيء أعم من كونه بوصف الدوام، أو المرة الواحدة، والدال على الأعم غير دال على الأخص، فتبين بذلك: أن التعليق لا دلالة فيه على التكرار؛ لأنه ليس فيه إلا مجرد الربط (6).

قال المؤلف في الشرح: حجة التكرار: أن الشرط والصفة يجريان مجرى العلة [والحكم يتكرر بتكرر علته (7). انتهى.

وهذا الاستدلال (8) بمحل النزاع؛ لأن الخصم يقول: لا نسلم أن الشرط والصفة يجريان مجرى العلة] (9).

(1) آية 4 سورة محمد.

(2)

"تعالى" لم ترد في ز.

(3)

آية 6 سورة الحجرات، هذه الآيات من أمثلة المعلق على شرط.

(4)

آية 38 سورة المائدة.

(5)

آية 2 سورة النور، هذه الآية والآية السابقة من أمثلة المعلق على صفة.

(6)

ذكر هذه الحجة القرافي في شرح التنقيح ص 131.

(7)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 131.

(8)

في ط: "الاستدلال".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

ص: 476

هذا كله إذا اتحد لفظ الأمر، فذكر فيه المؤلف أربعة أقوال.

ثالثها: يقتضي التكرار إن علق بشرط أو صفة.

ورابعها: الوقف. [وأما إن تعدد لفظ الأمر فهو (1) مسألة أخرى، فاعلم أنه (2)](3) إذا تكرر الأمر فلا يخلو:

إما أن يكون (4) الثاني خلاف الأول.

وإما أن يكون الثاني مثل الأول.

فإن كان الثاني خلاف الأول نحو قولك: صلّ ركعتين، صم يوم الخميس، فلا خلاف أن الثاني يحمل على التأسيس ولا يحمل على التأكيد.

وإن كان الثاني مثل الأول: فإما أن تكون هناك قرينة تمنع من التأسيس أم لا:

فإن كان هناك قرينة تمنع من التأسيس، فإنه يحمل على التأكيد باتفاق أيضًا، كقولك: أعط زيدًا درهمًا، أعط زيدًا الدرهم، فإن الدرهم الثاني هو الأول؛ لأن التعريف في الثاني (5) قرينة دالة على إحالة الثاني على الأول، كقوله تعالى:{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (6)، فالرسول الثاني هو الأول.

(1) في ز: "فهي".

(2)

"فاعلم أنه" ساقط من ز.

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

"يكون" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "بالثاني".

(6)

آية 15، 16 سورة المزمل.

ص: 477

وكذلك قول السيد لعبده: اسقني ماء اسقني ماء، فإن القرينة العادية تبين بأن (1) المراد بالثاني هو المراد بالأول (2).

وإن لم يكن هناك قرينة فهو محل الخلاف، كقولك: صل ركعتين [صل ركعتين](3) ففيه (4) ثلاثة أقوال (5):

قيل: يحمل الثاني على التأسيس، فيلزمه الإتيان بأربع ركعات.

قال الباجي: وهو الظاهر من مذهب مالك (6).

وقيل: الثاني يحمل على التأكيد للأول، وهو مذهب الصيرفي (7)، فلا

(1) في ط وز: "أن".

(2)

في ز: "هو الأول".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(4)

في ز: "فيه".

(5)

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للمسطاسي ص 57، العدة لأبي يعلى 1/ 279، الإحكام للآمدي 2/ 184 - 186، المعتمد 1/ 160 - 164، تيسير التحرير 1/ 361، 362، إحكام الفصول للباجي 1/ 81، 82، فواتح الرحموت 1/ 391، شرح الجلال على جمع الجوامع 1/ 389، 390، المسودة ص 23، المحصول ج 1 ق 1 ص 253 - 262.

(6)

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي 1/ 81.

(7)

هو أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي البغدادي، تفقه على أبي العباس ابن سريج، وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي، وهو إمام في الفقه والأصول، توفي رحمه الله سنة ثلاثين وثلاثمائة (330 هـ).

من مصنفاته: "شرح الرسالة"، و"البيان في دلائل الأعلام على أصول الأحكام"، "كتاب في الإجماع"، "كتاب في الشروط"، "كتاب الفرائض" وغيرها.

انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، تحقيق الطناحي والحلو 3/ 186، =

ص: 478

يلزمه إلا الإتيان (1) بركعتين (2).

وقيل: بالوقف وهو مذهب أبي الحسن (3) البصري (4).

حجة القول بالتأسيس (5): أن حمل الأمر الثاني على مقتضاه يفيد التأسيس، وحمله على مقتضى الأمر الأول يفيد التأكيد، والتأكيد فرع، والتأسيس أصل، والأصل أولى من الفرع.

حجة القول بالتأكيد: أن الأصل براءة الذمة، وحمله على التأسيس (6) عمارة (7) الذمة، وعمارة الذمة فرع، وبراءة الذمة أصل (8)، والأصل أولى من الفرع.

حجة القول بالوقف: تعارض الأدلة.

وهذا كله إذا كان الأمر الثاني مجردًا عن حرف العطف، وأما إذا (9) كان الأمر الثاني معطوفًا على الأول، نحو قولك (10): صلّ ركعتين وصلّ ركعتين

= تاريخ بغداد 5/ 449، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 346، وفيات الأعيان 4/ 199، شذرات الذهب 2/ 325.

(1)

في ز: "فيلزمه الإتيان".

(2)

انظر نسبة هذا القول للصيرفي في: إحكام الفصول للباجي 1/ 81، المسودة ص 23.

(3)

الصواب أبو الحسين.

(4)

انظر: المعتمد 1/ 163، والمحصول ج 1 ق 2 ص 155.

(5)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"بأن التأسيس"

(6)

في ز: "وحملهما على التأكيد".

(7)

في ز: "براءة".

(8)

في ط وز: "وبراءتها أصل".

(9)

في ط وز: "أن".

(10)

في ز: "قوله".

ص: 479

[أو صل الركعتين وصل الركعتين](1).

فإن كان هناك قرينة تبين التأسيس أو التأكيد، فيعتمد (2) على القرينة.

وإن لم يكن (3) هنالك قرينة فمحل الخلاف، فهل يحمل على التأسيس لأن العطف (4) يدل على المغايرة بين المتعاطفين؛ ولأن التأسيس [هو الأصل؟ أو يحمل على التأكيد لكثرة التأكيد في كلام العرب، فقولك مثلاً: صل ركعتين وصل الركعتين (5) في هذا المثال أمران موجبان (6): التأسيس](7) وهو (8) واو العطف، وموجب التأكيد وهو لام العهد:

فقيل: يترجح التأسيس.

وقيل: يترجح التأكيد.

وقيل بالوقف.

قال الإمام فخر الدين: يحمل على التغاير؛ لأن لام الجنس كما تستعمل للعهد تستعمل لبيان حقيقة الجنس (9)، كقول السيد لعبده: اشتر لنا الخبز، أو اشتر لنا اللحم.

(1) المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"أو صم يومين وصم يومين".

(2)

في ز: "فيعمد".

(3)

في ط: "تكن".

(4)

في ز: "اللفظ".

(5)

المثبت من ز، وفي الأصل:"ركعتين".

(6)

المثبت من ز، وفي الأصل:"وموجب".

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(8)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"هو".

(9)

نقل المؤلف بالمعنى. انظر: المحصول ج 1 ق 2 ص 259.

ص: 480

قوله (1): (وهو (2): يدل على الإِجزاء عند أصحابه (3)، خلافًا لأبي هاشم).

ش: هذا هو المطلب الخامس وهو قوله (4): (هل يدل على الإِجزاء أم لا؟)، الضمير في قوله:(هو) يعود على الأمر، والضمير في قوله:(أصحابه) يعود على مالك رضي الله عنه.

ذكر المؤلف في دلالة الأمر على الإجزاء قولين (5):

أحدهما: أنه يدل على إجزاء الفعل (6) المأمور به إذا فعله المكلف، وهو قول أصحاب مالك وجمهور الفقهاء (7).

القول الثاني: أنه لا يدل على الإجزاء، وهو قول أبي هاشم وجمهور الأصوليين (8).

(1) في ز: "نص".

(2)

"هو" ساقطة من ش.

(3)

في ز: "صحبه".

(4)

في ط وز: "قولنا".

(5)

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 133، 134، شرح التنقيح للمسطاسي ص 58، المعتمد 1/ 90 - 92، البرهان 1/ 255 - 257، العدة لأبي يعلى 1/ 300 - 302، المسودة ص 27، المحصول ج 1 ق 2 ص 415 - 419، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 90، الإحكام للآمدي 2/ 175 - 177، المستصفى 2/ 12، 13، المعالم للرازي ص 144، 145، المنخول ص 117، 118، اللمع للشيرازي المطبوع مع تخريجه ص 77، فواتح الرحموت 1/ 393، ميزان الأصول للسمرقندي ص 137 - 139.

(6)

في ز: "فعل".

(7)

واختار هذا القول ابن الحاجب والآمدي، انظر: مختصر المنتهى 2/ 90، والإحكام للآمدي 2/ 175.

(8)

وهو قول القاضي عبد الجبار أيضًا، انظر: المعتمد 1/ 90.

ص: 481

قوله (1): (لأنه لو بقيت الذمة مشغولة بعد (2) الفعل لم يكن (3) أتى بما أمر به، والمقدر خلافه، هذا (4) خلف).

ش: هذا دليل أصحاب مالك على دلالة الأمر على إجزاء (5) فعل المأمور به.

وبيانه: أن من أتى بما أمر به على الوجه (6) المأمور به برئت ذمته.

والدليل على براءة ذمته: أنه لو بقيت ذمته عامرة (7) بالتكليف بعدما فعل ما أمر به لم يكن حينئذ أتى بما أمر به.

(والمقدر خلافه) أي: والمفروض أنه أتى بما أمر له.

(هذا (8) خَلْف) أي: هذا (9) تناقض، بيان التناقض في كلام الخصم: أن الإتيان بالمأمور له يقتضي براءة الذمة، وشغل الذمة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به، فهذا تناقض، ومعنى التناقض ها هنا هو (10): قول رديء.

قال ابن السكيت (11): الخَلْفُ بفتح الخاء: الرديء من القول، يقال:

(1) في ز: "نص".

(2)

في ش: "مشغوله بالفعل".

(3)

في ط: "أكن".

(4)

في ش وط: "وهذا".

(5)

في ط: "الإجزاء".

(6)

في ط: "بالوجه".

(7)

في ط: "عامدة".

(8)

في ط: "وهذا".

(9)

"هذا" ساقطة من ط.

(10)

"هو" ساقطة من ط.

(11)

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت، النحوي، اللغوي، =

ص: 482

سكت ألفًا ونطق خلفًا، أي: سكت عن ألف كلمة، ثم تكلم بخطأ (1).

قال بعض الشراح: هذا الاستدلال لا يمس محل النزاع؛ إذ لا خلاف أن من فعل ما أمر به على الوجه المأمور به، فقد حصل له الإجزاء، وإنما الخلاف: من أين استفيد الإجزاء، هل من امتثال الأمر؟ قاله الجمهور.

أو هو مستفاد من البراءة الأصلية؟ قاله أبو هاشم وكثير من الأصوليين (2).

وحجة أبي هاشم: أن من صلى معتقدًا للطهارة، ثم تبين له أنه صلى بغير طهارة فإنه لا يحصل له الإجزاء، بل يجب عليه القضاء مع أنه أتى بالفعل المأمور به على الوجه المأمور به، فتبين بهذا: أن امتثال الأمر لا يستلزم

= وكان يعقوب بن السكيت يؤدب مع أبيه ببغداد صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب، فجعل يتعلم النحو، وكان فاضلاً موثوقًا عالمًا بنحو الكوفيين وعلوم القرآن واللغة، أخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء، وأبي عمر الشيباني، والأثرم، وابن الأعرابي، توفي سنة (243 هـ)، وقيل: سنة (246 هـ).

له مصنفات، منها:"إصلاح المنطق"، "المذكر والمؤنث"، "الأمثال"، "المقصور والممدود"، "الأضداد"، "النوادر".

انظر: تاريخ بغداد 14/ 273، وفيات الأعيان 6/ 395 - 401، بغية الوعاة 2/ 349.

(1)

انظر: إصلاح المنطق لابن السكيت ص 66، وتهذيب إصلاح المنطق للخطيب التبريزي ص 48، والمشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم للعكبري 1/ 253.

(2)

نقل المؤلف بالمعنى، انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 58.

ص: 483

الإجزاء؛ لأنه وجد ها هنا امتثال الأمر دون الإجزاء (1).

وحجة ثانية: أن من أفسد (2) حجه أو صومه يجب عليه التمادي فيهما، ويجب عليه قضاؤهما (3)، مع أنه أتى بما أمر به على الوجه المأمور به، فدل ذلك أيضًا على أن امتثال الأمر لا يدل على الإجزاء (4).

وحجة ثالثة: قياس الأمر على النهي لاشتراكهما (5) في الطلب، فكما أن النهي لا يدل على الفساد فكذلك الأمر لا يدل على الإجزاء (6).

أجيب عن الأول: بأن الكلام إنما هو في الفعل المستجمع للشروط (7) في نفس الأمر لا في نفس (8) المكلف (9) فقط (10).

أجيب عن الثاني: بأن (11) القضاء (12) إنما وجب استدراكًا لمصلحة ما أمر به أولاً من الحج، أو الصوم العاري (13) عن الفساد، وما يفعله في تماديه إنما هو

(1) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 177، شرح التنقيح للمسطاسي ص 58، شرح التنقيح للقرافي ص 135.

(2)

المثبت من ط، وفي الأصل وز:"فسد".

(3)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"قضاهما".

(4)

انظر: المصادر السابقة.

(5)

في ط: "لاشتراكها".

(6)

انظر: المصادر السابقة.

(7)

في ط: "شروط".

(8)

في ز: "لا المستجمع لها في نفس".

(9)

في ط: "الملك" وهو تصحيف.

(10)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 135، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 58.

(11)

في ز: "بأنه".

(12)

"القضاء" ساقطة من ز.

(13)

في ز: "والصيام العاريين".

ص: 484

مجزئ عن الأمر الوارد بالتمادي (1).

أجيب عن قياس الأمر على النهي: بأنه قياس [في](2) اللغة وهو: ضعيف (3)، وإن سلّمنا صحته فنمنع كون النهي لا يدل على الفساد بل يدل عليه.

قوله (4): (وعلى النهي عن أضداد (5) المأمور به عند أكثر أصحابه (6) من المعنى لا من اللفظ، خلافًا لجمهور المعتزلة وكثير من أهل (7) السنة).

ش: هذا هو المطلب السادس، وهو قولنا: هل يدل الأمر على النهي عن أضداد المأمور به أم لا؟ ذكر المؤلف فيه (8) قولين (9):

(1) انظر: المصدرين السابقين والإحكام للآمدي 2/ 177.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

انظر: المصادر السابقة.

(4)

في ز: "نص".

(5)

في أ: "أضداده".

(6)

في ز: "صحبه".

(7)

"أهل" ساقطة من أ.

(8)

"فيه" ساقطة من ز.

(9)

تحرير محل النزاع: اتفقوا على أن الأمر بالواجب الموسع والأمر بالواجب المخير ليس نهيًا عن ضدهما، كما اتفقوا على أنه لا نزاع في لفظ الأمر والنهي للقطع بأن الأمر موضوع بصيغة "افعل"، والنهي موضوع بصيغة "لا تفعل"، بل النزاع في طلب الفعل الذي هو الأمر؛ هل هو عين طلب ترك ضده الذي هو النهي؟ اختلفوا في ذلك على أربعة مذاهب:

المذهب الأول: للجمهور من أهل الأصول من الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي الحسين البصري، والقاضي عبد الجبار: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة المعنى لا من جهة اللفظ، بدلالة الالتزام لا بدلالة المطابقة.

ص: 485

قيل: صيغة "افعل" تدل على إيجاد الفعل المأمور به، وتدل أيضًا على ترك كل ما يضاد الفعل المأمور به، وهو مذهب أكثر (1) أصحاب مالك.

وإليه أشار المؤلف بقوله: (عند أكثر (2) أصحابه) أي: أصحاب مالك.

وقيل: لفظ الأمر لا يدل إلا على إيجاب الفعل، ولا يدل على المنع من أضداده.

وإليه أشار المؤلف بقوله: خلافًا لجمهور المعتزلة وكثير من أهل السنة.

وفيه قول ثالث بالتفصيل (3) بين أمر الوجوب (4) وأمر (5) الندب، فأمر

= المذهب الثاني: لإمام الحرمين الجويني، والإمام الغزالي، وابن الحاجب: أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده لا لفظًا ولا معنى.

المذهب الثالث: لفخر الإسلام البزدوي، والسرخسي، وصدر الشريعة، وأتباعهم من المتأخرين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده المفوت للمقصود، وإن لم يفوت فهو يقتضي الكراهة، أي ضد المأمور به.

المذهب الرابع: التفصيل بين أمر الإيجاب والندب، فأمر الإيجاب يكون نهيًا عن ضده بخلاف المندوب.

انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 135، 136، شرح التنقيح للمسطاسي ص 59، المعتمد 1/ 97، 98، البرهان 1/ 250 - 255، المستصفى 1/ 81 - 83، الإحكام للآمدي 2/ 170 - 175، المحصول ج 1 ق 2 ص 234، المعالم للرازي ص 136 - 138، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 85 - 88، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 385 - 389، المسودة ص 49، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 102، كشف الأسرار 2/ 328، 329، أصول السرخسي 1/ 94 - 95، ميزان الأصول ص 143 - 160، تيسير التحرير 1/ 362 - 364، إرشاد الفحول ص 101 - 105.

(1)

في ز: "كثير".

(2)

في ز: "كثير".

(3)

في ط: "وقيل بالتفصيل".

(4)

في ط: "الموجب".

(5)

"أمر" ساقطة من ز.

ص: 486

الوجوب يدل على النهي عن أضداده؛ [لأن أضداده](1) مانعة من فعل الواجب، بخلاف أمر الندب فلا يدل على النهي عن أضداده.

حجة القائلين بأن الأمر يقتضي النهي:

قول (2) المؤلف في الشرح: لأن الأمر بالشيء يدل على الوجوب، ومن لوازم الوجوب ترك جميع أضداده، والدال على الشيء دال على لوازمه، فالأمر يدل بالالتزام على ترك جميع الأضداد (3).

وحجة القائلين بأن الأمر لا يقتضي النهي:

[قول (4) المؤلف في الشرح](5): لأن الآمر بالشيء قد يكون غافلاً عن ضده، والغافل عن الشيء لا ينهى عنه (6).

قال المؤلف في الشرح: الجواب عن هذا: أن القصد إنما يشترط (7) في الدلالة باللفظ، وأما في دلالة اللفظ [فلا، وهذا من دلالة اللفظ](8)(9).

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"قال".

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 136.

(4)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"قال".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(6)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 136.

(7)

في ط: "يشترك" وهو تصحيف.

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(9)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 136.

ص: 487

قوله: (من المعنى لا من اللفظ) معناه: أنه (1) يدل على النهي من جهة المعنى لا من جهة اللفظ، أي: يدل على النهي بالالتزام لا (2) بالمطابقة؛ لأن لفظ الأمر إنما وضع لطلب الفعل لا لطلب الترك، ولكن يدل لفظ الأمر على طلب الترك بدلالة الالتزام، وهي: المراد بقوله: (من المعنى لا من اللفظ)(3).

قال المؤلف في الشرح: ومن محاسن العبارة في هذه المسألة أن يقال: الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، فإذا قال له: اجلس في البيت، فقد نهاه عن الجلوس في السوق، والحمام، والمسجد، والطريق، وجميع المواضع، وإذا قال له: لا تجلس في البيت، فقد أمره بأحد (4) المواضع، ولم يأمره بالجلوس في كلها. انتهى نصه (5).

وإنما يكون الأمر بالشيء نهيًا عن جميع الأضداد؛ لأنه لا يمكن الإتيان بالفعل المأمور به إلا بترك جميع أضداده.

وإنما يكون النهي عن الشيء أمرًا بأحد أضداده؛ لأنه لا يمكن ترك المحرم إلا بالتلبس بضد من أضداده.

قوله: (وعلى النهي عن أضداد المأمور به (6)

المسألة).

(1)"أنه" ساقطة من ز.

(2)

"لا" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "وهو معنى قول المؤلف من المعنى لا من اللفظ".

(4)

في ط: "بالجلوس في أحد".

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 136.

(6)

"به" ساقطة من ز.

ص: 488

هذا الذي قرره المؤلف إنما هو (1) تفريع على الكلام اللساني؛ لأن مسمى الأمر عنده هو صيغة "افعل" كما تقدم أول الفصل، وأما باعتبار الكلام النفساني فاختلف العلماء في الأمر الذي هو الطلب القائم بالنفس، هل هو نهي عن أضداده أم لا؟ على ثلاثة أقوال:

قيل: الأمر بالشيء هو بعينه نهي عن أضداده، معناه: أن طلب الفعل هو بعينه طلب (2) الترك لأضداده، وهو مذهب القاضي أبي بكر (3) في أول أقواله.

وقيل: الأمر بالشيء نهي عن أضداده؛ بمعنى أنه يستلزم عقلاً النهي عن أضداده، لا أنه عين النهي عن أضداده (4)، وهو اختيار أبي بكر (5) في آخر أقواله.

وقيل: الأمر بالشيء ليس نهيًا عن أضداده، ولا مستلزمًا للنهي عن أضداده وهو اختيار الغزالي (6)، وإمام الحرمين (7).

قوله (8): (ولا يشترط فيه علو الآمر، خلافًا للمعتزلة، واختار الباجي

(1)"هو" ساقطة من ط.

(2)

في ز: "نهي عن طلب".

(3)

"أبي بكر" ساقطة من ز.

(4)

"عن أضداده" ساقطة من ز.

(5)

في ط وز: "القاضي أبي بكر".

(6)

انظر: المستصفى 1/ 82.

(7)

انظر: البرهان 1/ 252.

(8)

في ز: "نص".

ص: 489

من المالكية، وأبو الحسين والإِمام فخر الدين (1) الاستعلاء، ولم يشترط غيرهم الاستعلاء ولا العلو.

والاستعلاء: هيئة (2) في الأمر من الترفع وإِظهار القهر.

والعلو: يرجع إِلى هيئة الآمر من شرفه (3) وعلو منزلته بالنسبة إِلى المأمور).

ش: هذا هو المطلب السابع (4) وهو قولنا: هل يشترط فيه العلو والاستعلاء أم لا؟ ذكر المؤلف في هذا الفرع ثلاثة أقوال:

أحدها: اشتراط العلو خاصة دون الاستعلاء (5).

القول الثاني: عكسه، وهو اشتراط الاستعلاء خاصة دون العلو (6).

القول الثالث: لا يشترط واحد منهما، لا علو ولا استعلاء (7).

(1) في أ: "وأبو الحسن والإمام فخر الدين من المعتزلة"، وفي ش:"والإمام فخر الدين وأبو الحسين من المعتزلة"، وفي خ وز:"وأبو الحسين من المعتزلة والإمام فخر الدين".

(2)

في ش: "في هيئة الأمر".

(3)

في ط: "في شرفه"، وفي ز:"وشرفه".

(4)

في ط: "السادس".

(5)

اختار هذا القول الشيرازي.

انظر: اللمع ص 64.

(6)

اختار هذا القول أيضًا: الباجي وابن الحاجب من المالكية.

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول 1/ 11، مختصر ابن الحاجب 2/ 77، الإحكام للآمدي 2/ 140.

(7)

اختار هذا القول القرافي من المالكية والبيضاوي وابن السبكي والأسنوي من الشافعية.

ص: 490

ومعنى العلو: أن يكون (1) الآمر أعلى رتبة من المأمور، كأمر الله (2) تعالى (3) عز وجل لعباده، وأمر النبي عليه السلام لأمته، وأمر الملك لرعيته، وأمر السيد لعبده، وأمر الزوج لزوجته.

ومعنى الاستعلاء: أن يكون في لفظ الأمر ما (4) يدل على الغلبة، والقهر؛ لأن الاستعلاء معناه الغلبة والقهر، ومنه قوله تعالى:{وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (5) أي: غلب (6) وقهر.

و (7) أما القول باشتراط العلو فهو (8) مختار القاضي عبد الوهاب في الملخص.

= وانظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 137، 138، شرح التنقيح للمسطاسي ص 59، 60، المعتمد 1/ 43، 44، شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 77، الإحكام للآمدي 2/ 140، المحصول ج 1 ق 2 ص 45 - 50، المعالم ص 90، إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي 1/ 11، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 3، 6، نهاية السول 2/ 235 - 238، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 369، اللمع للشيرازي ص 64، 65، المسودة ص 9، 10، تيسير التحرير 1/ 337، 338، ميزان الأصول للسمرقندي ص 83 - 89.

(1)

في ط: "تكون".

(2)

في ز: "كما أمر الله".

(3)

"تعالى" لم ترد في ز.

(4)

"ما" ساقطة من ط.

(5)

آية 64 سورة طه.

(6)

في ط وز: "من غلب".

(7)

"الواو" ساقطة من ط وز.

(8)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"وهو".

ص: 491

قال (1) في الملخص: وهو القول (2) الذي عليه أهل اللغة وجمهور أهل العلم (3).

فحجة (4) هذا القول: أن أرباب اللغة فرقوا بين الأمر والسؤال والالتماس بعلو المرتبة، فقالوا: إذا كان الطلب من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر، وإن كان الطلب من الأدنى إلى الأعلى فهو سؤال، وإن كان الطلب من المساوي إلى مساويه فهو التماس.

قال أبو عبد الله الخونجي في الجمل (5): واللفظ المركب إن دل بالقصد الأول على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرًا، ومع الخضوع سؤالاً، ومع التساوي التماسًا، وإلا كان تنبيهًا إن لم يحتمل الصدق والكذب، وإن احتملهما كان خبرًا وقضية. انتهى نصه (6).

فتبين بهذا التقرير (7): أن علو المرتبة يشترط في الأمر.

واعترض هذا القول: بأنه ورد الطلب (8) من الأدنى إلى الأعلى وسمي أمرًا، كقوله تعالى حكاية عن فرعون:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (9)، مع أن رتبة

(1) المثبت من ز، وفي الأصل وط:"وقال".

(2)

"القول" ساقطة من ط.

(3)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 137.

(4)

في ز: "حجة".

(5)

"في الجمل" ساقطة من ط.

(6)

انظر: كتاب الجمل تأليف أبي عبد الله الخونجي، تحقيق وتقديم سعد غراب ص 31.

(7)

في ط: "التقدير".

(8)

في ط: "القلب" وهو تصحيف.

(9)

الأعراف (110)، الشعراء (35).

ص: 492

قومه أخفض من رتبة فرعون، فسمي خطابهم إياه (1) أمرًا.

وكذلك قول عمرو بن العاص (2) لمعاوية (3) رضي الله عنهما:

أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني

وكان من التوفيق قتل (4) ابن هاشم (5)

(1)"إياه" ساقطة من ز.

(2)

هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي، يعد من دهاة العرب، وكان شاعرًا، أسلم قبل الفتح بستة أشهر، سنة ثمان للهجرة، ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه؛ لمعرفته وشجاعته، وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية نحو الشام، وعلى غزوة ذات السلاسل، ثم استعمله على عمان فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أميرها، وفي عهد عمر بن الخطاب ولاه عمر فلسطين ومصر، وهو الذي افتتحها، وفي عهد عثمان رضي الله عنه عزله عن مصر، وفي عهد معاوية ولاه على مصر سنة 38 هـ، واستمر واليًا فيها إلى أن توفي رحمه الله سنة ثلاث وأربعين (43 هـ).

انظر: الإصابة 4/ 650 - 654، الاستيعاب 3/ 1184 - 1190، الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 254 - 261.

(3)

"لمعاوية" ساقطة من ز.

ومعاوية هو الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، ولد قبل البعثة بخمس سنين، أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند في الفتح، وهو أحد الذين يكتبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاه عمر على الشام وبقي واليًا فيها في عهد عثمان وأربعة أعوام من خلافة علي، ثم بايع له أهل الشام خاصة بالخلافة سنة 38 هـ، ثم اجتمع عليه الناس حين بايع له الحسن بن علي سنة أربعين، وسمي عام الجماعة، فكان معاوية أميرًا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، توفي رحمه الله سنة (60 هـ) بدمشق.

انظر: الإصابة 6/ 151 - 155، الاستيعاب 3/ 1416 - 1423، أسد الغابة 4/ 385 - 387، تاريخ الطبري 6/ 180.

(4)

في ط: "مثل".

(5)

ابن هاشم هذا رجل من بني هاشم، خرج من العراق على معاوية رضي الله عنه =

ص: 493

مع أن رتبة عمرو بن العاص أخفض من رتبة معاوية، فدل ذلك على عدم اشتراط العلو.

أجيب عن هذا: أن هذا من باب المشورة، فالمستشير يعتقد أن رتبة المستشار في صواب الرأي أعلى من رتبته.

وأما القول باشتراط الاستعلاء فحجته: أن من قال لغيره: "افعل" على جهة التضرع [لا يقال (1) له: أمره، وإن كان أعلى رتبة منه، وإذا قال له: افعل، على سبيل الاستعلاء في اللفظ](2) يقال له: أمره، وإن كان الآمر أخفض رتبة من المأمور، ولأجل ذلك يصفون من فعل ذلك بالجهل والحمق، ويقولون للعبد: أتأمر سيدك (3)، إذا استعلى في لفظه، وأما إذا لم يستعل في لفظه فلا يقولون له ذلك، فدل على أن الاستعلاء شرط في الأمر.

واعترض (4): بأنه ورد في كتاب الله عز وجل الطلب من الله عز وجل عباده بالامتثال (5) لما أوجبه عليهم وخاطبهم بأحسن خطاب، وألين خطاب

= فأمسكه، فأشار عليه عمرو بقتله، فخالفه معاوية بشدة حلمه وكثرة عفوه، فأطلقه، فخرج عليه مرة أخرى فأنشده عمرو البيت في ذلك، ولم يرد بابن هاشم علي بن أبي طالب كما قد يتوهم، وهذا البيت مشهور عند الأصوليين.

انظر: شرح الحماسة للمرزوقي 2/ 814، حماسة البحتري ص 274، الوحشيات ص 57، المحصول للرازي ج 2 ق 2 ص 46، تيسير التحرير 1/ 338، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 7، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 369.

(1)

"لا يقال" ساقطة من ط.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ز: "سيدًا".

(4)

في ط وز: "واعترض هذا القول".

(5)

الأولى أن يقول: طلب الله عز وجل من عباده الامتثال.

ص: 494

من غير (1) استعلاء في الكلام، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2) وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} (3)، وقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (4)، وغير ذلك من التذكير بجميل نعمه وجزيل إحسانه، ومعلوم أن هذا [ضد](5) الاستعلاء، مع أن ذلك كله يسمى أمرًا إجماعًا، فدل هذا على أن الاستعلاء لا يشترط في الأمر.

أجيب عن هذا: بأن قيل: أوامر الله تبارك وتعالى تقتضي (6) التخويف وإن كانت (7) بأحسن خطاب، ولا معنى للاستعلاء إلا ذلك.

وأما القول بعدم اشتراط العلو والاستعلاء، قال فخر الدين: وهذا القول هو الذي عليه المتكلمون (8).

فحجته: أن صيغة افعل موضوعة لمعنى، فتصح مع العلو والاستعلاء وأضدادهما، كالخبر، والاستفهام، والترجي، والتمني، فإنها تصدق مع العلو، والدنو، والاستعلاء، والتواضع، ولا يختلف الحال بحسب اختلاف

(1)"غير" ساقطة من ط.

(2)

آية 1 سورة النساء.

(3)

آية 1 سورة النساء.

(4)

آية 16 سورة التغابن.

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط: "يقتضي".

(7)

في ز: "كان".

(8)

في ط: "المتكلمين".

ص: 495

المتكلمين (1)(2).

واعترض هذا القول بأن قيل: قولهم: وضع لمعنى محل النزاع، لأنا نقول: لا دلالة له على ذلك المعنى إلا مع العلو والاستعلاء، والله أعلم.

وأيضًا (3) قولهم: كالخبر والاستفهام، والترجي، والتمني، هو (4): قياس في اللغة، ونحن (5) نمنعه.

قوله: (والاستعلاء هيئة في الأمر) أي: صفة في لفظ الأمر، أي: صفة في نفس اللفظ.

قوله: (من الترفع وإِظهار القهر) هذا بيان تلك الصفة، وهي: إظهار ترفع الآمر على المأمور في لفظه، وإظهار قهر الآمر للمأمور، فالترفع وإظهار القهر بمعنى واحد.

مثاله: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (6).

قوله: (والعلو يرجع إِلى هيئة الآمر من شرفه (7) وعلو منزلته بالنسبة إِلى المأمور).

(1) في ط وز: "المتكلمين بها".

(2)

يقول الرازي في المحصول ج 1 ق 2 ص 45: وقال أصحابنا: لا يعتبر العلو، ولا الاستعلاء.

(3)

في ز: "وأما قولهم".

(4)

في ز: "هذا".

(5)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"وهو".

(6)

آية 63 سورة النور.

(7)

في ط: "في شرفه".

ص: 496

فالفرق بين العلو والاستعلاء على هذا: أن الاستعلاء صفة قائمة باللفظ، والعلو صفة قائمة باللافظ (1) وهو الآمر.

قوله (2): (ولا يشترط فيه إِرادة المأمور به، ولا إِرادة الطلب، خلافًا لأبي علي وأبي هاشم من المعتزلة).

ش: هذا هو المطلب الثامن وهو قولنا: هل تشترط الإرادة في الأمر أم لا؟

ذكر المؤلف رحمه الله ها هنا مسألتين، اختلف فيهما أهل السنة، وأهل الاعتزال:

المسألة (3) الأولى: هل يشترط في صيغة الأمر إرادة الفعل المأمور به أو لا تشترط (4) إرادته:

قالت المعتزلة: الإرادة شرط.

وقال أهل السنة: الإرادة غير مشروطة (5).

(1) في ط: "باللفظ".

(2)

في ز: "نص".

(3)

"المسألة" ساقطة من ز.

(4)

في ط وز: "يشترط".

(5)

في ز: "شرط".

انظر الخلاف في هذه المسألة في: شرح التنقيح للقرافي ص 138، 139، شرح التنقيح للمسطاسي ص 60، المعتمد 1/ 51، المحصول ج 1 ق 2 ص 43، 44، العدة لأبي يعلى 1/ 214، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 370، نهاية السول 2/ 240 - 245.

ص: 497

فسبب (1) الخلاف بين الفريقين:

[هل بين](2) الأمر والإرادة ملازمة، أو لا ملازمة بينهما؟

قالت المعتزلة: بين الأمر والإرادة ملازمة أي: ربط عقلي.

قالوا: وذلك أن العقل يقتضي ارتباط الأمر بالإرادة وارتباط النهي بعدم الإرادة.

فاستدلوا بالعقل. قالوا (3): وذلك أن الله تعالى أمر بالطاعة؛ لأنه أرادها، ولو لم يردها ما أمر بها، ونهى عن المعصية؛ لأنه لم يردها، ولو أرادها لما نهى عنها (4).

وقال أهل السنة (5): ليس بين الأمر والإرادة ملازمة، أي: ليس بين الأمر والإرادة ربط عقلي؛ لأنه قد يوجد الأمر بدون الإرادة، فإن الله تعالى يأمر بما يريد ويأمر بما لا يريد، فيأمر بما يريد في حق الطائع، ويأمر بما لا يريد في حق العاصي.

والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر إبليس بالسجود لآدم مع أنه لم يرد منه السجود؛ إذ لو أراد منه السجود لسجد؛ إذ خلاف مراد الله تعالى لا يقع

(1) في ط: "وسبب"، وفي ز:"سبب".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

في ط: "وقالوا".

(4)

انظر مذهب المعتزلة في: المعتمد 1/ 52 - 53.

(5)

هذا هو مذهب الأشاعرة، فالمراد بأهل السنة هنا: الأشاعرة.

انظر مذهب الأشاعرة في: المستصفى 1/ 414، البرهان 1/ 201

ص: 498

في ملكه (1).

وكذلك أيضًا (2): أمر الله تعالى الكافر بالإيمان، مع أنه لم يرد منه الإيمان؛ إذ لو أراد منه الإيمان لآمن؛ إذ خلاف مراد الله تعالى لا يقع، فتبين بما قررناه: عدم الملازمة بين الأمر والإرادة، وهكذا أيضًا نقول في النهي؛ أي لا ملازمة (3) بين النهي والإرادة، فإن الله تعالى ينهى عن شيء وهو (4) يريد وقوعه.

والدليل على ذلك: أن الله تعالى نهى آدم عليه السلام عن أكل الشجرة مع أن الله تعالى أراد منه الأكل؛ إذ لو لم يرد منه الأكل لما أكل منها؛ إذ خلاف مراد الله تعالي (5) لا يقع، وكذلك أيضًا نهي الله تعالى العاصي عن المعصية، مع أن الله أراد منه المعصية [إذ لو لم يرد منه المعصية](6) لما عصى، إذ خلاف مراد الله تعالى لا يقع (7).

(1)"في ملكه" لم ترد في ط وز.

(2)

"أيضًا" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "في الملازمة".

(4)

"هو" ساقطة من ز.

(5)

"تعالى" لم ترد في ط.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(7)

ذكر المؤلف مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة.

وبقي المذهب الثالث وهو مذهب أهل السنة والجماعة؛ حيث قالوا بالتفصيل: لأن الإرادة عند أهل السنة نوعان:

1 -

إرادة قدرية كونية، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14]، وهي لا تستلزم محبة الله ورضاه.

2 -

إِرادة دينية شرعية، فهذه متضمنة لمحبة الله ورضاه، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]. =

ص: 499

فتبين بهذا التقرير (1): عدم الملازمة أيضًا (2) بين النهي والإرادة، هذا بيان المسألة الأولى، وإليها أشار المؤلف بقوله:(ولا يشترط فيه إِرادة المأمور به).

وأما المسألة الثانية وهي قوله: (ولا إِرادة (3) الطلب)؛ وذلك (4) أن الخلاف واقع (5) بين أهل السنة والمعتزلة، هل يشترط في صيغة الأمر إرادة الطلب به (6) أم لا؟

معناه: هل يشترط إرادة استعمال لفظ الأمر للوجوب أم لا؟

قال أهل السنة: صيغة الأمر موضوعة للطلب، فتدل (7) على الطلب بمجرد الوضع فلا يحتاج (8) إلى إرادة (9) أخرى كسائر الألفاظ المفيدة لمعانيها

= فأوامر الله تعالى تستلزم الإرادة الشرعية، لكنها لا تستلزم الإرادة الكونية، فقد يأمر سبحانه بأمر يريده شرعًا وهو يعلم سبحانه أنه لا يريد وقوعه كونًا وقدرًا.

انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 59)، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني ص 409.

(1)

في ط: "التقدير".

(2)

"أيضًا" ساقطة من ز.

(3)

في ط: "والإرادة".

(4)

في ز: "فذلك".

(5)

في ط: "وقع".

(6)

"به" ساقطة من ط.

(7)

في ط: "فدل".

(8)

في ز: "تحتاج".

(9)

في ط: "لإرادة".

ص: 500

بمجرد وضعها، فلا تحتاج في إفادتها لمعناها إلى النية، وإنما المحتاج إلى النية هو المجاز.

وقال أهل الاعتزال: صيغة الأمر تستعمل لعشرين معنى، فلا تنصرف إلى الطلب إلا بالإرادة.

وبيان ذلك: أن (1) الأمر يكون للوجوب، كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (2).

ويكون للندب، كقوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (3).

ويكون للإرشاد، كقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (4).

ويكون للإباحة، كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (5).

ويكون للامتنان، كقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا} (6).

ويكون للإكرام، كقوله تعالى:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} (7).

ويكون للإهانة، كقوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (8).

(1)"أن" ساقطة من ط.

(2)

آية (43) سورة البقرة.

(3)

آية (33) من سورة النور.

(4)

آية (282) من سورة البقرة.

(5)

آية 2 من سورة المائدة.

(6)

آية (114) من سورة النحل.

(7)

آية (46) من سورة الحجر.

(8)

آية (49) من سورة الدخان.

ص: 501

ويكون للتهديد، كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (1).

ويكون للتعجيز، كقوله تعالى:{كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} (2).

ويكون للتكوين، كقوله تعالى:{كُن فَيكُونُ} (3)، وقوله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (4).

ويكون للدعاء، كقوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (5).

ويكون للإنذار، كقوله تعالى:{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} (6).

والفرق بين التهديد والإنذار: أن التهديد يكون بفعل (7) المهدِّد نفسه، والإنذار قد يكون بفعل الغير، فإن الرسول عليه السلام منذر بعقاب الله تعالى (8)، ولا يقال له: مهدِّد.

ويكون للتعجب، كقوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} (9)، ومنه قولهم (10): أكرم بزيد.

(1) آية (40) من سورة فصلت.

(2)

آية (50) من سورة الإسراء.

(3)

قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} آية (82) من سورة يس.

(4)

آية (65) من سورة البقرة.

(5)

آية (6) من سورة الفاتحة.

(6)

آية (46) من سورة المرسلات.

(7)

في ط: "بالفعل".

(8)

"تعالى" لم ترد في ط وز.

(9)

آية (38) من سورة مريم.

(10)

في ط: "ومنهم قدم".

ص: 502

ويكون للتخيير بين شيئين (1)، كقولك: كُل السمك أو اشرب (2) اللبن.

والفرق بين التخيير والإباحة: أن لك (3) الجمع في الإباحة دون التخيير.

ويكون للتفويض، كقوله تعالى:{فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} (4).

ويكون بمعنى الخبر، كقوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (5).

ومنه (6) قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (7) أي: ويحمل (8) خطاياكم، وقوله تعالى:{قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} (9)، تقديره: إن تنفقوا، فمعناه: الشرط والجزاء.

ويكون بمعنى النهي، كقوله عليه السلام:"وثق (10) بالناس رويدًا"(11) أي: لا تثق (12) بالناس إلا بعد مهلة.

(1) في ز: "الشيئين".

(2)

في ط: "واشرب".

(3)

في ط: "لذلك".

(4)

آية 72 من سورة طه.

(5)

آية 75 من سورة مريم.

(6)

"منه" ساقطة من ط وز.

(7)

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا للَّذينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} آية 12 من سورة العنكبوت.

(8)

في ز: "ونحمل".

(9)

آية 53 من سورة التوبة.

(10)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"واتق".

(11)

لم أجد هذا الحديث في كتب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها.

(12)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"لا تتق".

ص: 503

[ويكون للتسوية، كقوله تعالى:{فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} (1).

ويكون للتأديب، كقوله عليه السلام لابن عباس رضي الله عنه:"كُل ممّا يليك"(2).

والفرق بين التأديب والندب: أن التأديب مخصص (3) بإصلاح الأخلاق النفسية، فهو أخص من الندب؛ لأن الندب يكون في غير (4) ذلك؛ كالأمر

(1) آية 16 من سورة الطور.

(2)

أخرج هذا الحديث الإمام البخاري عن عمر بن أبي سلمة، وهو ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أكلت يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا، فجعلت آكل من نواحي الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كُل مما يليك".

صحيح البخاري كتاب الأطعمة، باب الأكل مما يليه 3/ 291.

وأخرجه الإمام مسلم عن عمر بن أبي سلمة، قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي:"يا غلام، سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك".

انظر: صحيح مسلم كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (6/ 109).

وأخرجه أبو داود عن عمر بن أبي سلمة في كتاب الأطعمة، باب الأكل باليمين (3/ 349).

وأخرجه ابن ماجه عن عمر بن أبي سلمة، رقم الحديث العام 3267 كتاب الأطعمة، باب الأكل باليمين 2/ 1087.

وأخرجه الدارمي في سننه عن عمر بن أبي سلمة في كتاب الأطعمة باب الذي يأكل مما يليه (2/ 100).

وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن عمر بن أبي سلمة (4/ 26 - 27)، ويقول الزركشي في المعتبر (ص 144): وهو متفق عليه من حديث عمر بن أبي سلمة وهو المقول له، ووقع في المستصفى أنه ابن عباس.

(3)

في ز: "مخصوص".

(4)

"غير" ساقطة من ط.

ص: 504

بالنافلة، كقوله في الحديث:"من دخل المسجد فليصل ركعتين"(1)] (2).

ويكون للتمني، كقول امرئ القيس:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح (3) فيك (4) بأمثل (5)

هذه (6) عشرون معنى (7).

(1) أخرجه البخاري عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس".

انظر: صحيح البخاري كتاب الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين (1/ 89).

وأخرجه الدارمي في سننه عن أبي قتادة في كتاب الصلاة، باب الركعتين إذا دخل المسجد (1/ 324).

وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي قتادة (5/ 295).

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"الصباح".

(4)

في شرح المعلقات: "منك".

(5)

هذا البيت من قصيدة لامرئ القيس، ومطلعها:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

قوله: "ألا انجلي" الانجلاء: الانكشاف، يقال: جلوته فانجلى، أي: كشفته فانكشف، قوله:"بأمثل" الأمثل: الأفضل، يخاطب الشاعر الليل فيقول: أيها الليل الطويل انكشف وتنح بصبح، أي: لينزل ظلامك بضياء من الصبح، ثم قال: وليس الصبح بأفضل منك عندى؛ لأني أقاسي الهموم نهارًا كما أعانيها ليلاً.

انظر: ديوان امرئ القيس ص 8، وشرح المعلقات السبع لأبي عبد الله الزوزني ص 28.

(6)

في ز: "هذا".

(7)

انظر هذه المعاني في: الإبهاج شرح المنهاج 2/ 16 - 21، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 101، 102، المحصول ج 1 ق 2 ص 57 - 61.

ص: 505

قالت المعتزلة: فلا ينصرف الأمر إلى معنى الطلب إلا بالإرادة؛ لاستعماله مترددًا (1) بين هذه المعاني المذكورة، فيحتاج إلى الإرادة في معنى الطلب.

وأجيب عن هذا: بأن صيغة الأمر حقيقة في معنى الطلب مجاز في غيره، فتحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على صرفها إلى غير الحقيقة.

قوله: (لنا: أنها معنى خفي يتوقف العلم بها (2) على اللفظ، فلو توقف اللفظ عليها للزم (3) الدور).

ش: هذا دليل على أن الإرادة [غير مشروطة في صيغة الأمر، وذلك أن الإرادة](4) معنى خفي، أي: أمر باطن لا يعلم إلا باللفظ، أي: لا يعلم إلا بصيغة الأمر، فيتوقف (5) العلم بها، أي: بالإرادة على اللفظ، أي: على سماع اللفظ من الأمر.

فلو قلنا: تشترط الإرادة في صيغة الأمر، لكانت صيغة الأمر متوقفة على الإرادة، فذلك دور لتوقف كل واحد من الأمرين على الآخر، والتعريف الدوري تعريف جهلي.

(1) في ز: "مردود".

(2)

في أوخ وش: "به".

(3)

فى أخ وش: "لذم".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

في ط: "يتوقف".

ص: 506