الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمَّة من
(1)
ينتفي عنه أسباب الكذب والخطأ، وقد نقل مَن صفتُه ذلك من علماء الأمَّة أنَّ المرأة إذا نكحت بعد بينونتها من زوجها زوجًا غيرَه أنَّ الأب أولى بحضانة ابنها
(2)
منها، فكان ذلك حجَّةً لازمةً غير جائزٍ الاعتراضُ عليها بالرَّأي، وهو قولُ من يجوز عليه الغلط في قوله. انتهى كلامه
(3)
.
ذِكر ما في هذا الكلام من مقبول ومردود
فأمَّا قوله: إنَّ فيه الدَّلالة على أنَّ قرابة الطِّفل من قبل أمَّهاته من النِّساء أحقُّ بحضانته من عصباته من قبل الأب وإن كنَّ ذواتِ أزواجٍ، فلا دلالة فيه على ذلك البتَّةَ، بل أحد ألفاظ الحديث صريحٌ في خلافه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«وأمَّا الابنة فإنِّي أقضي بها لجعفر»
(4)
. وأمَّا اللَّفظ الآخر: «فقضى بها لخالتها وقال: هي أمٌّ»
(5)
ــ وهو اللَّفظ الذي احتجَّ به أبو جعفر ــ فلا يدلُّ
(6)
على أنَّ قرابة الأمِّ مطلقًا أحقُّ من قرابة الأب، بل إقرار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عليًّا وجعفرًا على دعوى الحضانة يدلُّ على أنَّ لقرابة الأب مدخلًا فيها، وإنَّما قدَّم الخالة لكونها أنثى من أهل الحضانة، فتقديمها على قرابة الأب كتقديم الأمِّ على الأب. والحديث ليس فيه لفظٌ عامٌّ يدلُّ على ما ادَّعاه من
(7)
أنَّ من كان من
(1)
د، ص:«أن» ، خطأ.
(2)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «ابنتها» .
(3)
أي كلام ابن جرير في «تهذيب الآثار» .
(4)
أخرجه بهذا اللفظ أبو داود (2278).
(5)
أخرجه البخاري (2699)، وقد تقدم تخريجه (ص 5).
(6)
في المطبوع: «فلا دليل» .
(7)
في المطبوع: «لا من» .
قرابة الأمِّ أحقُّ بالحضانة من العصبة من قبل الأب، حتَّى تكون بنت الأخت للأمِّ أحقَّ من العمِّ، وبنت الخالة أحقَّ من العمِّ والعمَّة، فأين في الحديث دلالةٌ على هذا فضلًا عن أن تكون واضحةً؟
قوله: وكان معلومًا بذلك صحَّة قول من قال: لا حقَّ لعصبة الصَّغير والصَّغيرة من قبل الأب في حضانته ما لم يبلغ حدَّ الاختيار، يعني: فيُخيَّر بين قرابة أبيه وأمِّه. فيقال: ليس ذلك معلومًا من الحديث ولا مظنونًا، والحديث إنَّما دلَّ على أنَّ ابن العمِّ المزوَّج بالخالة أولى من ابن العمِّ الذي ليس تحته خالة الطِّفل، ويبقى تحقيق المناط: هل كانت جهة التَّعصيب مقتضيةً للحضانة
(1)
فاستوت في شخصين، فرجِّح أحدهما بكون خالة الطِّفل عنده وهي من أهل الحضانة؟ كما فهمه طائفةٌ من الحديث، أو أنَّ قرابة الأمِّ ــ وهي الخالة ــ أولى بحضانة الطِّفل من عصبة الأب؟ ولم تسقط حضانتها بالتَّزويج: إمَّا لكون الزَّوج لا يُسقِط الحضانة مطلقًا كقول الحسن ومَن وافقه، وإمَّا لكون المحضونة بنتًا كما قاله أحمد في روايةٍ
(2)
، وإمَّا لكون الزَّوج قرابةَ الطِّفل كالمشهور من مذهب أحمد، وإمَّا لكون الحاضنة غيرَ أمٍّ نازعَها الأب كما قاله أبو جعفر.
فهذه أربعة مداركَ، ولكنَّ المدرك الذي اختاره أبو جعفر ضعيفٌ جدًّا، فإنَّ المعنى الذي أسقط حضانةَ الأمِّ بتزويجها هو بعينه موجودٌ في سائر نساء الحضانة، والخالة غايتها أن تقوم مقام الأمِّ، وتُشبَّه بها، فلا تكون أقوى منها،
(1)
د، ص، ز:«لحضانته» .
(2)
د، ص، ز:«روايته» .
وكذلك سائر قرابة الأمِّ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم
(1)
يحكم حكمًا عامًّا أنَّ سائر أقارب الأمِّ من كنَّ لا تسقط حضانتهنَّ بالتَّزويج، وإنَّما حكم حكمًا معيَّنًا لخالة ابنة حمزة بالحضانة مع كونها مزوَّجةً بقريبٍ من الطِّفل، والطِّفل ابنةٌ.
وأمَّا الفرق الذي فرَّق به
(2)
بين الأمِّ وغيرها بالنَّقل المستفيض إلى آخره، فيريد به الإجماع الذي لا ينقضه عنده مخالفة الواحد والاثنين، وهذا أصلٌ تفرَّد به، ونازعه فيه النَّاس.
وأمَّا حكمه على حديث عمرو بن شعيبٍ بأنَّه واهٍ، فبناءً على ما وصل إليه من طريقه، فإنَّ فيه المثنَّى بن الصباح، وهو ضعيفٌ أو متروكٌ، ولكنَّ الحديث قد رواه الأوزاعيُّ عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، رواه أبو داود في «سننه»
(3)
.
فصل
وفي الحديث مسلكٌ خامسٌ، وهو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بها لخالتها وإن كانت ذات زوجٍ؛ لأنَّ البنت تَحْرُم على الزَّوج تحريمَ الجمع بين المرأة وخالتها، وقد نبَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذا بعينه في حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ، فذكر الحديث بطوله وقال فيه:«وأنت يا جعفر أولى بها: تحتك خالتها، ولا تُنكَح المرأة على عمَّتها ولا على خالتها»
(4)
. وليس
(1)
«لم» سقطت من ح.
(2)
«به» ليست في المطبوع.
(3)
برقم (2276). وقد تقدم تخريجه (ص 74).
(4)
أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (4/ 339) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (19/ 361) ، كلاهما من طريق الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة به، والواقدي كذاب، وابن أبي حبيبة متروك، وداود بن الحصين عن عكرمة منكر.
عن
(1)
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نصٌّ يقتضي أنَّ يكون الحاضن ذا رحمٍ
(2)
تَحرُم عليه البنت على التَّأبيد حتَّى يُعتَرض به على هذا المسلك، بل هذا ممَّا لا تأباه قواعد الفقه وأصول الشَّريعة، فإنَّ الخالة ما دامت في عصمة الحاضن فبنتُ أختها محرَّمةٌ عليه، فإذا فارقها فهي مع خالتها، فلا محذورَ في ذلك أصلًا.
ولا ريبَ أنَّ القول بهذا خيرٌ وأصلحُ للبنت من دَفْعها إلى الحاكم يدفعها إلى أجنبيٍّ تكون عنده؛ إذ الحاكم غير متصدٍّ للحضانة بنفسه. فهل يشكُّ أحدٌ أنَّ ما حكم به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة هو عين المصلحة والحكمة والعدل، وغاية الاحتياط للبنت والنَّظرِ لها، وأنَّ كلَّ حكمٍ خالفه لا ينفكُّ عن جَورٍ أو فسادٍ لا تأتي به الشَّريعة، فلا إشكالَ في حكمه صلى الله عليه وسلم، والإشكالُ كلُّ الإشكال فيما خالفه، والله المستعان وعليه التُّكلان.
(1)
د: «على» ، خطأ.
(2)
د: «زوج» .