الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحداد المعتدَّة نفيًا وإثباتًا
ثبت في «الصَّحيحين»
(1)
عن حُميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة أنَّها أخبرتْه هذه الأحاديث الثَّلاثة، قالت زينب: دخلتُ على أم حبيبة زوجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حين توفِّي أبوها أبو سفيان، فدَعَتْ أم حبيبة بطيبٍ فيه صفرةٌ خَلوقٌ أو غيره، فدَهنتْ منه جاريةً، ثمَّ مسَّت بعارضَيها
(2)
، ثمَّ قالت: والله ما لي بالطِّيب من حاجةٍ، غير أنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليوم الآخر تُحِدُّ على ميِّتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا» .
قالت زينب: ثمَّ دخلتُ على زينب بنت جحش حين توفِّي أخوها، فدعتْ بطيبٍ فمسَّتْ منه، ثمَّ قالت: والله ما لي بالطِّيب من حاجةٍ، غير أنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تُحِدُّ على ميِّتٍ فوق ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا» .
قالت زينب: وسمعتُ أمِّي أم سلمة تقول: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنَّ بنتي تُوفِّي عنها زوجها، وقد اشتكت عينَها أفتَكْحَلُها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا» مرَّتين أو ثلاثًا، كلُّ ذلك يقول: لا، ثمَّ قال: «إنَّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ
(3)
، وقد كانت إحداكنَّ في الجاهليَّة تَرمي بالبَعرة على [رأس]
(4)
الحول».
(1)
البخاري (5334 - 5337) ومسلم (1486 - 1489).
(2)
أي جانبي وجهها.
(3)
ص، د، م:«وعشرا» .
(4)
الزيادة من البخاري، وليست في النسخ.
فقالت
(1)
زينب: كانت المرأة إذا توفِّي عنها زوجها دخلتْ حِفْشًا
(2)
، ولبستْ شرَّ ثيابها، ولم تمسَّ طيبًا ولا شيئًا حتَّى تمرَّ بها سنةٌ، ثمَّ تُؤتى بدابَّةٍ ــ حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ ــ فتفتضُّ به، فقلَّما تَفْتضُّ بشيءٍ إلا مات، ثمَّ تخرج فتُعطى بعرةً فترمي بها، ثمَّ تُراجِعُ بعدُ ما شاءتْ من طِيبٍ أو غيره. قال مالك: تَفْتضُّ به تَدْلُكُ به جلْدَها.
وفي «الصَّحيحين»
(3)
عن أم سلمة أنَّ امرأةً تُوفِّي عنها زوجها فخافوا على عينها، فأتوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد كانت إحداكنَّ تكون في شرِّ بيتها في أحْلاسِها
(4)
ــ أو: في شرّ أحلاسها في بيتها ــ حولًا، فإذا مرَّ كلبٌ رَمَتْ ببعرةٍ فخرجت، فلا أقلَّ من
(5)
أربعة أشهرٍ وعشرًا».
وفي «الصَّحيحين»
(6)
عن أم عطية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُحِدُّ امرأة على ميِّتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عصْبٍ
(7)
، ولا تكتحل، ولا تمسُّ طيبًا إلا إذا طهرتْ نُبذةً
(1)
قبلها في «الصحيحين» : «قال حميد: قلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟» .
(2)
في النسخ: «حشفا» ، تحريف. والتصويب من «الصحيحين». والحِفْش: البيت الصغير، وقيل غير ذلك. انظر:«فتح الباري» (9/ 489).
(3)
البخاري (5338) ومسلم (1488).
(4)
جمع حِلْس، والمراد: في شر ثيابها.
(5)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «أفلا» كما عند مسلم. وفي البخاري: «فلا حتّى تمضي» .
(6)
البخاري (5341) ومسلم (938).
(7)
هي برود اليمن يُعصب غزلها أي يُربط ثم يُصبغ ثم يُنسج معصوبًا فيخرج موشّى. وقيل غير ذلك. انظر: «الفتح» (9/ 491).
من قُسْطٍ أو أَظْفارٍ
(1)
».
وفي «سنن أبي داود»
(2)
من حديث الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «المتوفَّى عنها زوجُها لا تلبسُ المعصفرَ من الثِّياب ولا المُمَشَّقةَ
(3)
ولا الحُلِيَّ، ولا تكتحل، ولا تختضب».
وفي «سننه»
(4)
أيضًا من حديث ابن وهب، أخبرني مَخْرمة، عن أبيه قال سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حَكيم بنت أُسَيد، عن أمِّها:
(1)
نوعان معروفان من البخور، وليسا من مقصود الطيب، رُخّص فيه لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيُّب.
(2)
برقم (2304). وأخرجه أحمد (26581) والنسائي (3535) وابن حبان (4306). وقد روي موقوفًا على أم سلمة رضي الله عنها، أخرجه عبد الرزاق (12114)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 440)، وفي «معرفة السنن والآثار» (11/ 223).
(3)
هي الثياب المصبوغة بالمِشْق أي المغَرة.
(4)
برقم (2305)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 440). وأخرجه النسائي في «المجتبى» (3537) وفي «الكبرى» (5700) والطبراني في «الكبير» (11/ 223)، وفي إسناده المغيرة بن الضحاك وأم حكيم وأمها، وكلهم مجاهيل. وله شاهد من حديث أم سلمة أيضًا، أخرجه مالك (1751، 1757، 1761) بلاغًا، ومن طريقه الشافعي في «الأم» (6/ 587)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 440)، وهو منقطع، ويرى بعض الحفاظ أنه حديث واحد، فرَّقه بعض الرُّواة، كما سيأتي في كلام المصنف. والحديث حسَّنَه الحافظ ابن حجر في «البلوغ» (1118)، وضعفه جمع من الحفاظ كابن حزم، وعبد الحق الإشبيلي، وابن الملقن، والمنذري، والألباني. وينظر:«المحلى» لابن حزم (10/ 277) و «البدر المنير» لابن الملقن (8/ 240) و «ضعيف أبي داود» للألباني (2/ 245).
أنَّ زوجها توفِّي وكانت تشتكي عينَها
(1)
فتكتحل بالجِلَاء
(2)
. (قال أحمد بن صالح: الصَّواب: بكُحْلِ الجِلاء) فأرسلتْ مولاةً لها إلى أم سلمة، فسألتْها عن كُحْل الجِلاء فقالت: لا تكتحلي
(3)
به إلا من أمرٍ لا بدَّ منه يشتدُّ عليك، فتكتحلينَ باللَّيل وتمسحِينَه بالنَّهار. ثمَّ قالت عند ذلك أم سلمة: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفِّي أبو سلمة، وقد جعلتُ على [عيني]
(4)
صَبِرًا، فقال ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: هو صَبِرٌ يا رسول الله ليس فيه طيبٌ. قال: «إنَّه يَشُبُّ الوجه
(5)
،
فلا تجعليه إلا باللَّيل وتنزِعيه بالنَّهار، ولا تمتشطي
(6)
بالطِّيب ولا بالحنَّاء، فإنَّه خضابٌ». قالت: قلت: بأيِّ شيءٍ أمتشط يا رسول اللَّه؟ قال: «بالسِّدر، تُغلِّفين به رأسَكِ» .
وقد تضمَّنت هذه السنن أحكامًا عديدةً:
أحدها: أنَّه لا يجوز الإحداد على ميِّتٍ فوق ثلاثة أيَّامٍ كائنًا من كان إلا الزَّوج وحده. وتضمَّن الحديث الفرقَ بين الإحدادين من وجهين:
أحدهما: من جهة الوجوب والجواز، فإنَّ الإحداد على الزَّوج واجبٌ وعلى غيره جائزٌ.
الثَّاني: من مقدار مدَّة الإحداد، فالإحداد على الزَّوج عزيمةٌ وعلى غيره
(1)
كذا في النسخ. وفي «السنن» : «عينيها» .
(2)
هو الإثمد، وقيل غير ذلك. انظر:«النهاية» (1/ 290).
(3)
في النسخ: «لا تكتحل» . والتصويب من «السنن» ، وهو الظاهر من السياق.
(4)
الزيادة من «السنن» .
(5)
أي يُلوّنه ويُحسِّنه ..
(6)
ص، د، ز:«ولا تمتشطين» .
رخصةٌ، وأجمعت الأمَّة على وجوبه على المتوفَّى عنها زوجها، إلا ما حُكِي عن الحسن والحكم بن عُتَيبة
(1)
.
أمَّا الحسن فروى حمَّاد بن سلمة عن حميد عنه: أنَّ المطلَّقة ثلاثًا والمتوفَّى عنها زوجها تكتحلان، وتمتشطان، وتتطيَّبان، وتختضبان، وتنتعلان، وتصنعان ما شاءتا
(2)
.
وأمَّا الحكم فذكر عنه شعبة: أنَّ المتوفَّى عنها لا تُحِدُّ
(3)
.
قال ابن حزمٍ
(4)
: واحتجَّ أهل هذه المقالة، ثمَّ ساق من طريق الخُشَني
(5)
محمد بن عبد السلام، ثنا محمَّد بن بشَّارٍ، ثنا محمَّد بن جعفرٍ، ثنا شعبة، ثنا الحكم بن عُتَيبة، عن عبد الله بن شدَّاد بن الهادِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر بن أبي طالبٍ:«إذا كان ثلاثة أيَّامٍ فالبسي ما شئتِ» ، [أو]
(6)
«إذا كان بعد ثلاثة أيَّامٍ» شعبة شكَّ
(7)
.
(1)
وحكي أيضًا عن الشعبي، كما في فتح الباري (9/ 486).
(2)
«المحلى» لابن حزم (10/ 279). وانظر: «سنن سعيد بن منصور» (1/ 365)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (19635).
(3)
هكذا معلقًا في «المحلى» (10/ 279)، لكن أخرج ابن أبي شيبة (19301) أن شعبة ذكر عنه أن المطلقة ثلاثًا لا تكتحل ولا تزين، وهو أشد عنده من المتوفى عنها. وانظر:«المحلى» (10/ 281). فلعل له قولين في المسألة.
(4)
في «المحلى» (10/ 280).
(5)
في النسخ: «الحسن» . وفي المطبوع: «أبي الحسن» . وكلاهما خطأ. والتصويب من «المحلى» .
(6)
«أو» ليست في النسخ. واستدركتْ من «المحلى» .
(7)
اختلف فيه على الحكم بن عتيبة، فقد رواه عنه شعبة مرسلًا كما تقدم عند ابن حزم في «المحلى» (10/ 280)، وذكره الدارقطني في «العلل» (3965). ورواه عنه محمد بن طلحة بن مصرف عند إسحاق في «مسنده» (2141)، وأحمد في «مسنده» (27468)، والطبراني في «الكبير» (24/ 139)، وابن حبان في «صحيحه» (3148)، وعبد الغفار بن القاسم، والحسن بن عمارة، ذكره الدارقطني في «العلل» (3965) ثلاثتهم (محمد، وعبد الغفار، والحسن) عن عبد الله بن شداد عن أسماء به موصولًا، ورجح الدارقطني إرساله في «العلل» ، وصححه بعض الحفاظ كأحمد وابن حبان وابن حجر، وينظر «العلل» لابن أبي حاتم (1318)، و «العلل» للدارقطني (3965، 4050)، و «فتح الباري» لابن حجر (9/ 487)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3226).
ومن طريق حمَّاد بن سلمة، ثنا الحجَّاج بن أرطاة، عن الحسن بن سعدٍ
(1)
، عن عبد الله بن شدَّادٍ: أنَّ أسماء بنت عُمَيس استأذنت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأته، فأذن لها ثلاثة أيَّامٍ، ثمَّ بعث إليها بعد ثلاثة أيَّامٍ أن:«تَطهَّري واكتحلي»
(2)
.
قالوا: وهذا ناسخٌ لأحاديث الإحداد لأنَّه بعدها، فإنَّ أم سلمة روت حديثَ الإحداد، وأنَّه صلى الله عليه وسلم أمرها به إثرَ موتِ أبي سلمة، ولا خلافَ أنَّ موت أبي سلمة كان قبل جعفر رضي الله عنهما.
(1)
في «المحلى» : «سعيد» ، وهو خطأ. انظر:«تهذيب التهذيب» (2/ 279).
(2)
«المحلى» (10/ 280). والحجاج كثير الخطأ والتدليس، واختلف عنه أيضًا: فقد رواه عنه أبو خالد الأحمر عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن شداد عن أم سلمة أن أسماء بكت على جعفر
…
الحديث. أخرجه أبو سعيد الأشج في «جزئه» (80)، والطبراني في «الكبير» (23/ 278)، ورواه أسد بن عمرو البجلي عن الحجاج عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن شداد به مرسلًا، ذكره الدارقطني في «العلل» (4050)، ورجح الدارقطني الإرسال، وأسد متكلم فيه، وكذبه بعض الأئمة.
وأجاب النَّاس عن ذلك بأنَّ هذا حديثٌ منقطعٌ، فإنَّ عبد الله بن شدَّاد بن الهاد لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه، فكيف يُقدَّم حديثه على الأحاديث الصَّحيحة المسندة الَّتي لا مطعنَ فيها؟
وفي الحديث الثَّاني: الحجَّاج بن أرطاة، ولا يُعارَض بحديثه حديثُ الأئمَّة الأثبات الذين هم فرسان الحديث.
فصل
الحكم الثَّاني: أنَّ الإحداد تابعٌ للعدَّة بالشُّهور، وأمَّا الحامل فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد عنها اتِّفاقًا، فإنَّ لها أن تتزوَّج وتتجمَّل وتتطيَّب
(1)
لزوجها وتتزيَّن له ما شاءت.
فإن قيل: فإذا زادت مدَّة الحمل على أربعة أشهرٍ وعشرٍ هل يسقط وجوب الإحداد أم يستمرُّ إلى حين الوضع؟
قيل: بل يستمرُّ الإحداد إلى حين الوضع، فإنَّه من توابع العدَّة، ولهذا قُيِّد بمدَّتها، وهو حكمٌ من أحكام العدَّة وواجبٌ من واجباتها، فكان معها وجودًا وعدمًا.
فصل
الحكم الثَّالث: أنَّ الإحداد يستوي فيه جميع الزَّوجات المسلمة والكافرة والحرَّة والأمة الصَّغيرة والكبيرة، هذا قول الجمهور: أحمد والشَّافعيِّ ومالك، إلا أنَّ أشهب وابن نافع قالا: لا إحدادَ على الذِّمِّيَّة. رواه
(1)
ص، د:«تطيب» .
أشهب عن مالك
(1)
، وهو قول أبي حنيفة، ولا إحدادَ عنده على الصَّغيرة.
واحتجَّ أرباب هذا القول بأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جعل الإحداد من أحكام من يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا تدخل فيه الكافرة، ولأنَّها غير مكلَّفةٍ بأحكام الفروع.
قالوا: وعدولُه عن اللَّفظ العامِّ المطلق إلى الخاصِّ المقيَّد بالإيمان يقتضي أنَّ هذا من أحكام الإيمان ولوازمه وواجباته، فكأنَّه قال: من التزم الإيمان فهذا من شرائعه وواجباته.
والتَّحقيق: أنَّ نفْيَ حلِّ الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفْيَ حكمه عن الكفَّار، ولا إثباتَ الحلّ لهم أيضًا، وإنَّما يقتضي أنَّ من التزم الإيمانَ وشرائعه فهذا لا يحلُّ له، ويجب على كلِّ حالٍ أن يلزم الإيمانَ وشرائعه، ولكن لا يُلزِمه الشَّارع شرائعَ الإيمان إلا بعد دخوله فيه. وهذا كما لو قيل: لا يحلُّ لمؤمنٍ أن يترك الصَّلاة والزَّكاة والحجَّ، فهذا لا يدلُّ على أنَّ ذلك حلٌّ للكافر، وهذا كما قال في لباس الذهب
(2)
(3)
، فلا يدلُّ على أنَّه ينبغي لغيرهم، وكذا قوله:«لا ينبغي للمؤمنِ أن يكون لعَّانًا»
(4)
.
(1)
انظر: «المدونة» (5/ 430).
(2)
كذا في جميع النسخ، وهو خطأ من المؤلف. والصواب:«الحرير» كما في «الصحيحين» . وصوَّبه في المطبوع.
(3)
أخرجه البخاري (375) ومسلم (2075).
(4)
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (309) والترمذي (2019) والحاكم (1/ 47) من حديث ابن عمر، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب» . وأخرجه مسلم (2597) من حديث أبي هريرة بلفظ: «لصديق» بدل «للمؤمن» .
وسرُّ المسألة: أنَّ شرائع الحلال والحرام والإيجاب إنَّما شُرِعت لمن التزم أصلَ الإيمان، ومن لم يلتزمه وخُلِّي بينه وبين دينه فإنَّه يُخلَّى بينه وبين شرائع الدِّين الذي التزمه كما خلِّي بينه وبين أصله، ما لم يحاكم إلينا. وهذه القاعدة متَّفقٌ عليها بين العلماء، ولكن عذر الذين أوجبوا الإحداد على الذِّمِّيَّة أنَّه يتعلَّق به حقُّ الزَّوج المسلم، وكان في إلزامها به كأصل العدَّة، ولهذا لا يُلزِمونها به في عدَّتها من الذِّمِّيِّ، ولا يُتعرَّض لها فيها، فصار هذا كعقودهم مع المسلمين، فإنَّهم يُلزَمون فيها بأحكام الإسلام، وإنّا
(1)
لم نتعرَّض لعقودهم مع بعضهم بعضًا. ومن ينازعهم في ذلك يقولون: الإحداد حقٌّ لله، ولهذا لو اتَّفقت هي والأولياء والمتوفَّى على سقوطه ــ بأن أوصاها بتركه ــ لم يسقط، ولزِمَها الإتيان به، فهو جارٍ مجرى العبادات، وليست الذِّمِّيَّة من أهلها، فهذا سرُّ المسألة.
فصل
الحكم الخامس
(2)
: أنَّ الإحداد لا يجب على الأمة ولا أمِّ الولد إذا مات سيِّدهما
(3)
، لأنَّهما ليسا بزوجين. قال ابن المنذر
(4)
: لا أعلمهم يختلفون
(5)
في ذلك.
(1)
م: «وإذا» .
(2)
كذا في جميع النسخ. ولم يسبق ذكر الحكم الرابع.
(3)
د، ز:«سيدها» .
(4)
كما في «المغني» (11/ 284). وانظر: «الأوسط» (9/ 565).
(5)
ص، د، ز، م:«يخلفون» .
فإن قيل: فهل لهما أن تُحِدَّان
(1)
ثلاثة أيَّامٍ؟
قيل: نعم لهما ذلك، فإنَّ النَّصَّ إنَّما حرَّم الإحداد فوق الثَّلاث على غير الزَّوج، وأوجبه أربعة أشهرٍ وعشرًا على الزَّوج، فدخلت الأمة وأمُّ الولد فيمن يحلُّ له الإحدادُ، لا فيمن يحرم عليهنَّ، ولا فيمن يجب.
فإن قيل: فهل يجب على المعتدَّة من طلاقٍ، أو وطءِ شبهةٍ، أو زنًا، أو استبراءٍ إحدادٌ؟
قلنا: هذا هو الحكم السادس الذي دلَّت عليه السُّنَّة، أنَّه لا إحدادَ على واحدةٍ من هؤلاء؛ لأنَّ السُّنَّة أثبتتْ ونفتْ، فخصَّت بالإحداد الواجب الزَّوجاتِ وبالجائز غيرَهنَّ على الأموات خاصَّةً، وما عداهما فهو داخلٌ في حكم التَّحريم على الأموات، فمن أين لكم دخولُه في الإحداد على المطلَّقة البائن
(2)
؟ وقد قال سعيد بن المسيب وأبو عبيد وأبو ثورٍ وأبو حنيفة وأصحابه والإمام أحمد ــ في إحدى الرِّوايتين عنه اختارها الخرقي ــ: إنَّ البائن يجب عليها الإحداد، وهذا محض القياس؛ لأنَّها معتدَّةٌ بائنٌ من نكاحٍ، فلزمها الإحداد كالمتوفَّى عنها، لأنَّهما اشتركا في العدَّة واختلفا في سببها، ولأنَّ العدَّة تُحرِّم النِّكاحَ فحرمت دواعيه.
قالوا: ولا ريبَ أنَّ الإحداد معقول المعنى، وهو أنَّ إظهار الزِّينة والطِّيب والحُليِّ ممَّا يدعو المرأةَ إلى الرِّجال ويدعو الرِّجالَ إليها، فلا يُؤمَن
(1)
كذا بإثبات النون في جميع النسخ.
(2)
في النسخ: «والبائن» . والصواب حذف الواو، فإن المطلقة الرجعيّة لا إحداد عليها اتفاقًا، كما سيأتي في كلام المؤلف.
أن تكذب في انقضاء عدَّتها استعجالًا لذلك، فمُنِعت من دواعي ذلك وسُدَّت إليه الذَّريعةُ. هذا مع أنَّ الكذب في عدَّة
(1)
الوفاة يتعذَّر غالبًا، بظهور موت الزَّوج وكونِ العدَّة أيَّامًا معدودةً، بخلاف عدَّة الطَّلاق فإنَّها بالأقراء، وهي لا تُعلَم إلا من جهتها، فكان الاحتياط لها أولى.
قيل: قد أنكر الله سبحانه على من حرَّم زينته الَّتي أخرج لعباده والطَّيِّبات من الرِّزق، وهذا يدلُّ على أنَّه لا يجوز أن يُحرَّم من الزِّينة إلا ما حرَّمه الله ورسوله، والله سبحانه قد حرَّم على لسان رسوله زينةَ الإحداد على المتوفَّى عنها مدَّةَ العدَّة، وأباح رسوله الإحدادَ بتركها على غير الزَّوج، فلا يجوز تحريمُ غيرِ ما حرَّمه، بل هو على أصل الإباحة.
وليس الإحداد من لوازم العدَّة ولا توابعها، ولهذا لا يجب على الموطوءة بشبهةٍ، ولا المَزْنيِّ بها، ولا المستبرأةِ، ولا الرَّجعيَّةِ اتِّفاقًا. وهذا القياس أولى من قياسها على المتوفَّى عنها، لما بين العدَّتين من الفروق
(2)
قدرًا وسببًا وحكمًا، فإلحاق عدَّة الأقراء بالأقراء أولى من إلحاق عدَّة الأقراء بعدَّة الوفاة.
وليس المقصود من الإحداد على الزَّوج الميِّت مجرَّد ما ذكرتم من طلب الاستعجال، فإنَّ العدَّة فيه لم تكن لمجرَّد
(3)
العلم ببراءة الرَّحم، ولهذا تجب قبل الدُّخول، وإنَّما هو من تعظيم هذا العقد، وإظهارِ خَطَرِه وشَرَفِه، وأنَّه عند الله بمكانٍ، فجُعِلت العدَّة حريمًا له، وجُعِل الإحداد من
(1)
في النسخ: «هذه» ، تحريف.
(2)
في المطبوع: «القروء» ، تحريف.
(3)
في النسخ: «بمجرد» . والمثبت يناسب السياق.
تمام هذا المقصود وتأكُّدِه ومزيدِ الاعتناء به، حتَّى جُعِلت الزَّوجة أولى بفعله على زوجها من أبيها وأمها وأختها
(1)
وسائر أقاربها. وهذا من تعظيم هذا العقد وتشريفه، وتأكُّدِ الفرق بينه وبين السِّفاح من جميع أحكامه، ولهذا شُرِع في ابتدائه إعلانُه والإشهادُ عليه والضَّربُ بالدُّفِّ لتتحقَّق المضادَّة بينه وبين السِّفاح، وشُرِع في آخره وانتهائه من العدَّة والإحداد ما لم يُشرَع في غيره.
فصل
الحكم السابع: في الخصال الَّتي تجتنبها الحادَّة، وهي الَّتي دلَّ عليها النَّصُّ، دون الآراء والأقوال الَّتي لا دليل عليها، وهي أربعةٌ:
أحدها: الطِّيب، لقوله في الحديث الصَّحيح:«ولا تَمَسُّ طيبًا»
(2)
، ولا خلافَ في تحريمه عند من أوجب الإحداد، ولهذا لمَّا خرجت أم حبيبة من إحدادها على أبيها أبي سفيان دعتْ بطيبٍ فدهنتْ منه جاريةً، ثمَّ مسَّت بعارضيها، ثمَّ ذكرت الحديث
(3)
، ويدخل في الطِّيب المسكُ والعنبر والكافور والنَّدُّ والغالية والزَّباد
(4)
والذَّريرة والبخور، والأدهان المطيِّبة كدهن البان والورد والبَنَفْسَج والياسمين، والمياه المعتصرة من الأدهان الطَّيِّبة كماء الورد وماء القَرَنْفُل وماء زهر النَّارنج، فهذا كلُّه طيبٌ، ولا يدخل فيه
(1)
د، ص:«وابنها وأخيها» .
(2)
تقدم تخريجه من حديث أم عطية (ص 346).
(3)
تقدم تخريجه (ص 345)، وهو في البخاري (5334)، ومسلم (1486).
(4)
حيوان قريب من السنانير، له كيس عطر قريب من الشرج يفرز مادة دهنية تُستخدم أساسًا للعطر.
الزَّيت ولا الشَّيْرَج
(1)
ولا السَّمْن، ولا تُمنع من الادِّهان بشيءٍ من ذلك.
فصل
الحكم الثامن: الزينة
(2)
، وهي ثلاثة أنواعٍ:
أحدها: الزِّينة في يَدَيْها
(3)
، فيحرم عليها الخضاب والنَّقش والتَّطريف
(4)
والحمرة والإسْفِيْداج
(5)
، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نصَّ على الخضاب منبِّهًا به على هذه الأنواع، الَّتي هي أكثر زينةً منه وأعظم فتنةً وأشدُّ مضادَّةً لمقصود الإحداد.
ومنها: الكحل، والنَّهي عنه ثابتٌ بالنَّصِّ الصريح الصَّحيح.
ثمَّ قال طائفةٌ من أهل العلم من السَّلف والخلف ومنهم أبو محمَّد بن حزمٍ
(6)
: لا تكتحل ولو ذهبت عيناها، ليلًا ولا نهارًا، ويساعد قولَهم حديثُ أم سلمة المتَّفق عليه
(7)
: أنَّ امرأةً تُوفِّي عنها زوجها فخافوا على عينها، فأتوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل، فما أذِنَ فيه بل قال:«لا» مرَّتين أو ثلاثًا، ثمَّ ذكر لهم ما كانوا يفعلونه في الجاهليَّة من الإحداد البليغ سنةً ويصبرن على ذلك، أفلا يصبرن أربعة أشهرٍ وعشرًا؟ ولا ريبَ أنَّ الكحل من أبلغ الزِّينة،
(1)
زيت السمسم.
(2)
م، ح:«الثاني الزينة» .
(3)
د: «بيتها» . المطبوع: «بدنها» .
(4)
طَرَّفت المرأة أناملها وأظفارها: خضَّبتها وزيَّنتها.
(5)
د، ص:«الإسفيذاج» . وهو كربونات الرصاص، وهو مادة بيضاء تُستخدم في أعمال الطِّلاء.
(6)
في «المحلى» (10/ 277، 278).
(7)
تقدم تخريجه (ص 345).
فهو كالطِّيب أو أشدُّ منه.
وقال بعض الشَّافعيَّة
(1)
: للسَّوداء أن تكتحل. وهذا تصرُّفٌ مخالفٌ للنَّصِّ والمعنى، وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُفرِّق بين السُّود والبِيض، كما لا تُفرِّق بين الطِّوال والقصار، ومثل هذا القياس والرأي
(2)
الفاسد الذي اشتدَّ نَكرُ
(3)
السَّلفِ له وذَمُّهم إيَّاه.
وأمَّا جمهور العلماء ــ كمالك وأحمد وأبي حنيفة والشَّافعيِّ وأصحابهم ــ فقالوا: إن اضطُرَّت إلى الكحل بالإثمد تداويًا لا زينةً فلها أن تكتحل به ليلًا وتمسحه نهارًا. وحجَّتهم حديث أم سلمة المتقدِّم، وأنَّها قالت في كحل الجِلاء:«لا تكتحلي إلا ما لا بدَّ منه، يشتدُّ عليك فتكتحلين باللَّيل وتغسلينه بالنَّهار» .
ومن حجَّتهم حديث أم سلمة الآخر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وقد جعلت عليها صَبِرًا، فقال:«ما هذا يا أم سلمة؟» فقلت: صَبِرٌ يا رسول الله ليس فيه طيبٌ، قال:«إنَّه يَشُبُّ الوجه» ، فقال
(4)
: «لا تجعليه إلا باللَّيل، وتَنزِعينه بالنَّهار» . وهما حديثٌ واحدٌ فرَّقه الرُّواة، وأدخل مالك هذا القدر منه في «موطَّئه»
(5)
بلاغًا، وذكر أبو عمر في «التَّمهيد»
(6)
له طرقًا يشدُّ بعضها بعضًا، ويكفي احتجاج مالك به. وأدخله أهل السُّنن في كتبهم، واحتجَّ به الأئمَّة،
(1)
انظر: «روضة الطالبين» (8/ 407).
(2)
في المطبوع: «بالرأي» .
(3)
كذا في النسخ، وهو صواب. وجعله في المطبوع:«نكير» .
(4)
كذا في النسخ بزيادة «فقال» . والحديث متصل بدونها في «التمهيد» (24/ 363).
(5)
(1757)، وتقدم الكلام عليه (ص 347).
(6)
(24/ 362، 363).
وأقلُّ درجاته أن يكون حسنًا، ولكن حديثها هذا مخالفٌ في الظَّاهر لحديثها المسند المتَّفق عليه
(1)
، فإنَّه يدلُّ على أن المتوفَّى عنها لا تكتحل بحالٍ، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأذن للمشتكية عينها في الكحل، لا ليلًا ولا نهارًا، ولا من ضرورةٍ ولا غيرها، وقال «لا» مرَّتين أو ثلاثًا، ولم يقل: إلا أن تضطرَّ.
وقد ذكر مالك
(2)
عن نافع عن صفية ابنة أبي عُبيد أنَّها اشتكت عينها وهي حادٌّ على زوجها عبد الله بن عمر، فلم تكتحل حتَّى كادت عيناها تَرْمَصانِ
(3)
.
قال أبو عمر
(4)
: وهذا عندي ــ وإن كان ظاهره مخالفًا لحديثها الآخر، لما فيه من إباحته باللَّيل، وقوله في الحديث الآخر «لا» مرَّتين أو ثلاثًا على الإطلاق ــ أنَّ ترتيب الحديثين والله أعلم على أنَّ الشَّكاة الَّتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا» لم تبلغ ــ والله أعلم ــ منها مبلغًا لا بدَّ لها فيه من الكحل؛ فلذلك نهاها، ولو كانت محتاجةً مضطرَّةً تخاف
(5)
ذهابَ بصرها لأباح لها ذلك، كما فعل بالَّتي قال لها:«اجعليه باللَّيل وامسحيه بالنَّهار» . والنَّظر يشهد لهذا التّأويل؛ لأنَّ الضَّرورات تنقل المحظوراتِ إلى حال المباح في الأصول، ولذلك جعل مالك فتوى أم سلمة هذه تفسيرًا للحديث المسند في الكحل؛ لأنَّ أم سلمة روتْه، وما كانت لتخالفه إذا صحَّ عندها، وهي أعلم بتأويله
(1)
تقدم تخريجه (ص 348).
(2)
(1754). ومن طريقه عبد الرزاق (12125)، وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (12126) من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع به.
(3)
رَمِصتِ العينُ: اجتمع في موقها وسخٌ أبيض.
(4)
في «التمهيد» (17/ 319).
(5)
ص، د:«لخافت» .
ومخرجه. والنَّظر يشهد لذلك؛ لأنَّ المضطرَّ إلى شيءٍ لا يُحكم له بحكم المرفَّه المتزيِّن، وليس الدَّواء والتَّداوي من الزِّينة في شيءٍ، وإنَّما نُهِيت الحادُّ
(1)
عن الزِّينة لا عن التَّداوي، وأم سلمة أعلمُ بما روت مع صحَّته في النَّظر، وعليه أهل الفقه، وبه قال مالك والشَّافعيُّ وأكثر الفقهاء.
وقد ذكر مالك في «موطَّئه»
(2)
أنَّه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسارٍ أنَّهما كانا يقولان في المرأة يُتوفَّى عنها زوجها: إنَّها إذا خشيت على بصرها من رَمَدٍ بعينيها، أو شكوى أصابتها، أنَّها تكتحل وتتداوى بالكحل وإن كان فيه طيبٌ.
قال أبو عمر
(3)
: لأنَّ القصد إلى التَّداوي لا إلى التَّطيُّب، والأعمال بالنِّيَّات. وقال الشَّافعيُّ: الصَّبِر يُصفِّر فيكون زينةً، وليس بطيبٍ، وهو كحل الجِلاء، فأذنتْ فيه أم سلمة للمرأة باللَّيل حيث لا تُرى، وتمسحه بالنَّهار حيث تُرى، وكذلك ما أشبهه.
وقال أبو محمد بن قدامة في «المغني»
(4)
: وإنَّما تُمنع الحادُّ من الكحل بالإثمد لأنَّه الذي تحصل به الزِّينة، فأمَّا الكحل بالتُّوتيا
(5)
والعَنْزَرُوت
(6)
(1)
«الحادّ» مثل الحائض بدون الهاء في جميع النسخ. وفي المطبوع: «الحادة» .
(2)
برقم (1752).
(3)
في «التمهيد» (17/ 320).
(4)
(11/ 288).
(5)
التوتيا تكون في المعادن، منها بيضاء، ومنها إلى الخضرة، ومنها إلى الخضرة مُشرب بحمرة، وهي جيدة لتقوية العين.
(6)
هو صمغ شجرة شبيهة بالكندر، صغيرة الحصا، في طعمه مرارة، ولونه إلى الحمرة، تقطع الرطوبة السائلة في العين.
ونحوهما فلا بأس به، لأنَّه لا زينةَ فيه، بل يُقبِّح العين ويزيدها مَرَهًا
(1)
.
قال
(2)
: ولا تُمنَع من جَعْل الصَّبِر على غير وجهها من بدنها، لأنَّه إنَّما مُنِع منه في الوجه لأنَّه يُصَفِّره فيشبه الخضاب، فلهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّه يَشُبُّ الوجهَ» .
قال: ولا تُمنع من تقليم الأظفار ونَتْف الإبط وحلق الشَّعر المندوب إلى حلقه، ولا من الاغتسال بالسِّدر والامتشاط به، لحديث أم سلمة، ولأنَّه يراد للتَّنظيف لا للطِّيب.
وقال إبراهيم بن هانئٍ النَّيسابوريُّ في «مسائله»
(3)
: قيل لأبي عبد الله: المتوفَّى عنها أتكتحل بالإثمد؟ قال: لا، ولكن إن
(4)
أرادت اكتحلت بالصَّبر إذا خافت على عينها، أو اشتكت شكوى شديدةً.
فصل
النَّوع الثَّاني: زينة الثِّياب، فيحرم عليها ما نهاها عنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وما هو أولى بالمنع منه، وما هو مثله. وقد صحَّ عنه أنَّه قال:«ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا»
(5)
، وهذا يعمُّ المعصفرَ والمزعفر، وسائرَ المصبوغ بالأحمر
(1)
مرهت العين: ابيضت حماليقها أو فسدت لترك الكحل.
(2)
الكلام متصل بما قبله.
(3)
كذا، وهو في مسائل ابنه إسحاق (1/ 242).
(4)
م: «إذا» .
(5)
تقدم تخريجه من حديث أم عطية (ص 346).
والأصفر والأخضر والأزرق الصَّافي، وكلَّ ما يُصبغ للتَّحسين والتَّزيين. وفي اللَّفظ الآخر:«ولا تلبسُ المعصفرَ من الثِّياب، ولا المُمَشَّقَ»
(1)
.
وههنا نوعان آخران:
أحدهما: مأذونٌ فيه، وهو ما نُسِج من الثِّياب على وجهه ولم يدخل عليه صبغٌ: من خَزٍّ
(2)
، أو قُطنٍ، أو كتَّانٍ، أو صوفٍ، أو وبرٍ، أو شعرٍ، أو صُبِغ غزلُه ونُسِج مع غيره كالبرود
(3)
.
والثَّاني: ما لا يراد بصبغه الزِّينة، مثل السَّواد وما صُبغ ليقبح
(4)
أو ليستُرَ الوسخَ، فهذا لا يُمنع منه.
قال الشَّافعيُّ
(5)
رحمه الله : في الثِّياب زينتان، إحداهما: جمال الثِّياب على اللَّابسين، والسُّترة للعورة. فالثِّياب زينةٌ لمن لبسها، وإنَّما نُهِيت الحادَّة
(6)
عن زينة بدنها ولم تُنْهَ عن ستر عورتها، فلا بأس أن تلبس كلَّ ثوبٍ من البياض؛ لأنَّ البياض ليس بمزيِّنٍ، وكذلك الصُّوف والوبَر وكلُّ ما يُنسَج على وجهه ولم يدخل عليه صَبْغٌ من خزٍّ أو غيره، وكذلك كلُّ صبغٍ لم يُرَد به
(1)
تقدم تخريجه من حديث أم سلمة (ص 347).
(2)
بعدها في المطبوع: «أو قز» ، وليست في النسخ.
(3)
ص، د، ح:«كالدود» .
(4)
في المطبوع: «لتقبيح» خلاف النسخ.
(5)
في «الأم» (6/ 587، 588) بتصرف. وما نقله المؤلف موافق لما في «التمهيد» (17/ 320).
(6)
كذا في النسخ بالهاء، وهو في «التمهيد» بدون الهاء.
التزيُّن، مثل السَّواد وما صُبِغ ليقبح أو لنفي الوسخ عنه، فأمَّا ما كان من زينةٍ أو وَشْيٍ
(1)
في ثوب أو غيره، فلا تلبسه الحادُّ، وذلك لكلِّ حرَّةٍ أو أمةٍ، وكبيرةٍ وصغيرةٍ، مسلمةٍ أو ذمِّيَّةٍ. انتهى كلامه.
قال أبو عمر
(2)
: وقول الشَّافعيِّ في هذا الباب نحو قول مالك، وقال أبو حنيفة: لا تلبس ثوبَ عَصْبٍ ولا خَزٍّ وإن لم يكن مصبوغًا إذا أرادت به الزِّينة، وإن لم تُرِد بلبس
(3)
الثَّوب المصبوغ الزِّينةَ فلا بأسَ أن تلبسه. وإذا اشتكت عينَها اكتحلت بالأسود وغيره، وإن لم تشتكِ عينَها
(4)
لم تكتحل.
فصل
وأمَّا الإمام أحمد فقال في رواية أبي طالب: ولا تتزيَّن المعتدَّة، ولا تتطيَّب بشيءٍ من الطِّيب، ولا تكتحل بكحلِ زينةٍ، وتَدَّهن بدهنٍ ليس فيه طيبٌ، ولا تقرب مسكًا ولا زعفرانًا للطِّيب، والمطلَّقة واحدةً أو اثنتين تتزيَّن وتتشوَّف لعلَّه أن يراجعها.
وقال أبو داود في «مسائله»
(5)
: سألت أحمد قال: المتوفَّى عنها زوجُها والمطلَّقة ثلاثًا والمُحرِمة يجتنبن الطِّيبَ والزِّينة.
(1)
في النسخ: «أو شيء» . والتصويب من المصدرين.
(2)
في «التمهيد» (17/ 320).
(3)
في «التمهيد» : «فليس» ، تحريف.
(4)
«اكتحلت
…
عينها» ساقطة من ص، د.
(5)
(ص 251).
وقال حرب في «مسائله»
(1)
: سألت أحمد قلت: المتوفَّى عنها زوجها والمطلَّقة هل تلبسانِ البُردَ ليس بحريرٍ؟ فقال: لا تتطيَّب
(2)
المتوفَّى عنها، ولا تتزيَّنُ
(3)
بزينةٍ، وشدَّد في الطِّيب إلا أن يكون قليلًا عند طهرها. ثمَّ قال: وشبِّهت المطلَّقة ثلاثًا بالمتوفَّى عنها لأنَّه ليس لزوجها عليها رجعةٌ. ثمَّ ساق حرب بإسناده إلى أم سلمة قالت: المتوفَّى عنها لا تلبس المعصفر من الثِّياب، ولا تختضب، ولا تكتحل، ولا تتطيَّب
(4)
، ولا تمتشط بطيبٍ
(5)
.
وقال إبراهيم بن هانئٍ النَّيسابوريُّ في «مسائله»
(6)
: سألت أبا عبد الله عن المرأة تنتقب في عدَّتها أو تَدَّهن في عدَّتها؟ قال: لا بأس به، وإنَّما كُرِه للمتوفَّى عنها زوجها أن تتزيَّن. وقال أبو عبد الله: كلُّ دهنٍ فيه طيبٌ فلا تَدَّهِن به.
فقد دار كلام الإمام أحمد والشَّافعيِّ وأبي حنيفة على أنَّ الممنوع منه من الثِّياب ما كان من لباس الزِّينة من أيِّ نوعٍ كان. وهذا هو الصَّواب قطعًا، فإنَّ المعنى الذي مُنِعت من المعصفر والممشَّق لأجله مفهومٌ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خصَّه بالذِّكر مع المصبوغ تنبيهًا على ما هو مثله وأولى بالمنع، فإذا كان الأبيض والبرود المحرَّرة
(7)
الرَّفيعة الغالية الأثمان ممَّا يراد للزِّينة
(1)
(ص 230).
(2)
ص، د:«لا تطيب» .
(3)
ص، د، ز:«ولا تزين» .
(4)
ص، د، ز:«ولا تطيب» .
(5)
تقدم الكلام عليه.
(6)
هو في مسائل ابنه إسحاق (1/ 243) كما سيأتي عند المؤلف (ص 369).
(7)
كذا في جميع النسخ، ولعلها بمعنى المنسوجة من الحرير. وفي المطبوع:«المحبرة» .
لارتفاعهما وتَناهِي جودتهما كانا
(1)
أولى بالمنع من الثَّوب المصبوغ.
وكلُّ من عقَلَ عن الله ورسوله لم يسترِبْ في ذلك، لا كما قال أبو محمَّد بن حزمٍ
(2)
: إنَّها تجتنب الثِّياب المصبَّغة فقط، ومباحٌ لها أن تلبس بعدُ ما شاءت من حريرٍ أبيض وأصفر من لونه الذي لم يُصبغ، وصوف البحر الذي هو لونه، وغير ذلك. ومباحٌ لها أن تلبس المنسوج بالذَّهب والحليِّ كلّه من الذَّهب والفضَّة والجوهر والياقوت والزُّمرُّد وغير ذلك. فهي خمسة أشياء تجتنبها فقط، وهي الكحلُ كلُّه لضرورةٍ أو لغير ضرورةٍ، ولو ذهبت عيناها، لا ليلًا ولا نهارًا. وتجتنب فرضًا كلَّ ثوبٍ مصبوغٍ ممَّا يُلبس في الرَّأس أو على الجسد أو على شيءٍ منه، سواءٌ في ذلك السَّواد والخضرة والحمرة والصُّفرة وغير ذلك، إلا العَصب وحده، وهي
(3)
ثيابٌ موشَّاةٌ تُعمل باليمن، فهو مباحٌ لها. وتجتنب أيضًا فرضًا الخضابَ كلَّه جملةً. وتجتنب الامتشاطَ حاشا التَّسريح بالمُشْط فقط فهو حلالٌ لها. وتجتنب أيضًا فرضًا الطِّيبَ كلَّه ولا تقربه، حاشا شيئًا من قُسْطٍ أو أظفارٍ عند طهرها فقط. فهذه الخمسة الَّتي ذكرها، حكينا كلامه فيها بنصِّه.
وليس بعجيبٍ منه تحريمُ لبسِ ثوبٍ أسودَ عليها ليس
(4)
من الزِّينة في شيءٍ، وإباحةُ ثوبٍ يتَّقد ذهبًا ولؤلؤًا وجواهرَ، ولا تحريمُ
(5)
المصبوغِ
(1)
م: «كان» .
(2)
في «المحلى» (10/ 276).
(3)
ص، د، م:«وهن» .
(4)
«ليس» ساقطة من المطبوع.
(5)
ص، د، م:«ولا يحرم» .
الغليظ لحمل الوسخ، وإباحةُ الحرير الذي هو يأخذ بالعيون حسنُه وبهاؤه ورُواؤه، وإنَّما العجب منه أن [يقول]
(1)
: هذا دين الله في نفس الأمر وأنَّه لا يحلُّ لأحدٍ خلافه.
وأعجبُ من هذا إقدامُه على خلاف الحديث الصَّحيح في نهيه صلى الله عليه وسلم لها عن لباس الحُليِّ.
وأعجبُ من هذا أنَّه ذكر الخبر بذلك، ثمَّ قال
(2)
: ولا يصحُّ لأنَّه من رواية إبراهيم بن طَهْمان، وهو ضعيفٌ، ولو صحَّ لقلنا به. فللَّه ما لقي إبراهيم بن طهمان من أبي محمَّد بن حزمٍ! وهو من الحفَّاظ الأثبات الثِّقات الذين اتَّفق الأئمَّة السِّتَّة على إخراج حديثه، واتَّفق أصحاب الصَّحيح ــ وفيهم الشَّيخان ــ على الاحتجاج بحديثه، وشهدَ له الأئمَّة بالثِّقة والصِّدق، ولم يُحفظ عن أحدٍ منهم فيه جرحٌ ولا خَدْشٌ، ولا يُحفظ عن أحدٍ من المحدِّثين قطُّ تعليلُ حديثٍ رواه، ولا تضعيفُه به.
وقرئ على شيخنا أبي الحجاج الحافظ في «التَّهذيب» وأنا أسمع قال
(3)
: إبراهيم بن طهمان بن سعيد
(4)
الخراساني أبو سعيدٍ الهرويُّ، ولد بهراةَ، وسكن نيسابور، وقدم بغداد وحدَّث بها، ثمَّ سكن بمكَّة حتَّى مات بها.
(1)
ليست في النسخ، زدناها ليستقيم السياق.
(2)
«المحلى» (10/ 277).
(3)
«تهذيب الكمال» (2/ 108 وما بعدها).
(4)
كذا في النسخ. وفي «التهذيب» : «شعبة» ، وكذا في «سير أعلام النبلاء» (7/ 378) و «تهذيب التهذيب» (1/ 129)، وهو الصواب.
ثمَّ ذكر عمَّن روى ومن روى عنه، ثمَّ قال: قال نوح أبو عمرو المروزي
(1)
عن سفيان بن عبد الملك عن ابن المبارك: صحيح الحديث. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبلٍ عن أبيه وأبو
(2)
حاتم: ثقةٌ. وقال عبد الله بن أحمد عن يحيى بن معينٍ: لا بأس به. وكذلك قال العجلي. وقال أبو حاتم: صدوقٌ حسن الحديث. وقال عثمان بن سعيدٍ الدَّارميُّ: كان ثقةً في الحديث، لم يزل الأئمَّة يشتهون حديثه ويرغبون فيه ويوثِّقونه. وقال أبو داود: ثقةٌ. وقال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث، حسن الرِّواية، كثير السَّماع، ما كان بخراسان أكثر حديثًا منه، وهو ثقةٌ. روى له الجماعة. وقال يحيى بن أكثم القاضي: كان من أنبلِ من حدَّث بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم، وأوسعهم علمًا. وقال المسعودي: سمعت مالك بن سليمان يقول: مات إبراهيم بن طهمان سنة ثمانٍ وستِّين ومائةٍ بمكَّة، ولم يخلف مثله.
وقد أفتى الصَّحابة رضي الله عنهم بما هو مطابقٌ لهذه النُّصوص وكاشفٌ عن معناها ومقصودها، فصحَّ عن ابن عمر أنَّه قال: لا تكتحل، ولا تطيَّبُ، ولا تختضب، ولا تلبس المعصفر ولا ثوبًا مصبوغًا إلّا
(3)
بردًا، ولا تتزيَّن بحليٍّ، ولا تلبس شيئًا تريد به الزِّينة، ولا تكتحل بكُحلٍ تريد به الزِّينة إلا أن تشتكي عينَها
(4)
.
(1)
في المطبوع: «نوح بن عمرو بن المروزي» خلاف النسخ و «التهذيب» .
(2)
كذا في النسخ و «التهذيب» . وفي المطبوع: «وأبي» .
(3)
في المطبوع: «ولا» خلاف النسخ و «المحلى» .
(4)
علقه ابنُ حزم في «المحلى» (10/ 277) بهذا اللفظ وصححه، ولم أقف عليه عند غيره بهذا اللفظ، وقد أخرجه بنحوه دون الزيادة الأخيرة: «ولا تكتحل بكحل
…
» عبد الرزاق (12115، 12116)، وابن أبي شيبة (19306، 19308)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 724).
وصحَّ عنه
(1)
من طريق عبد الرزاق
(2)
عن سفيان الثَّوريِّ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: لا تمسُّ المتوفَّى عنها طيبًا، ولا تختضب، ولا تكتحل، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ
(3)
تتجلببُ به.
وصحَّ عن أم عطية: لا تلبس الثِّياب المصبَّغة إلا العَصْب، ولا تمسُّ طيبًا إلا أدنى الطِّيب بالقُسْط والأظفار، ولا تكتحل بكُحلِ زينةٍ
(4)
.
وصحَّ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: تجتنب الطِّيب والزِّينة
(5)
.
وصحَّ عن أم سلمة: لا تلبس من الثِّياب المصبَّغة شيئًا، ولا تكتحل، ولا تلبس حُليًّا، ولا تختضب، ولا تتطيَّب
(6)
.
(1)
«عنه» ليست في ص، د.
(2)
في «المصنف» (12116). وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 724) من طريق ابن نمير عن عبيد الله عن نافع به.
(3)
تقدم شرحه (ص 346)، وانظر:«النهاية» (3/ 245).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12128)، ومن طريقه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (2350)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (4674)، والطبراني في «المعجم الكبير» (25/ 54).
(5)
أخرجه ابن حزم معلَّقًا في «المحلى» (10/ 278).
(6)
روي مرفوعًا وموقوفًا على أم سلمة رضي الله عنها، وقد تقدم تخريجه (ص 347 - 348).
وقالت عائشة أمُّ المؤمنين: لا تلبس معصفرًا، ولا تقرب طيبًا، ولا تكتحل، ولا تلبس حليًّا، وتلبس إن شاءت ثيابَ العَصْب
(1)
.
فصل
وأمَّا النِّقاب فقال الخِرَقي في «مختصره»
(2)
: وتجتنب الزَّوجة المتوفَّى عنها زوجُها الطِّيبَ والزِّينة، والبيتوتةَ في غير منزلها، والكحلَ بالإثمد، والنِّقابَ.
ولم أجد بهذا نصًّا عن أحمد، وقد قال إسحاق بن هانئ في «مسائله»
(3)
: سألت أبا عبد الله عن المرأة تنتقب في عدَّتها أو تدَّهن في عدَّتها؟ قال لا بأسَ به، وإنَّما كره للمتوفَّى عنها زوجها أن تتزيَّن.
ولكن قد قال أبو داود في «مسائله»
(4)
: قال أحمد: المتوفَّى عنها زوجها والمطلَّقة ثلاثًا والمُحرِمة يجتنبنَ
(5)
الطِّيبَ والزِّينة.
فجعل المتوفَّى عنها بمنزلة المُحرِمة فيما تجتنبه، فظاهر هذا أنَّها تجتنب النِّقاب، فلعلَّ أبا القاسم أخذ من نصِّه هذا، فالله أعلم. وبهذا علَّله أبو محمد في
(1)
أخرجه ابن حزم بهذا اللفظ معلَّقًا في «المحلى» (10/ 278)، وضعفه بابن لهيعة، وقد أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 252)، وفي إسناده محمد بن حميد وهو ضعيف، إلا أنها من روايته عن ابن المبارك، وقد صحح الإمام أحمد ما حدث به ابن حميد عن ابن المبارك فيما قرأه عليه ابنه عبد الله.
(2)
(11/ 284 - بشرحه «المغني»).
(3)
(1/ 243).
(4)
(ص 251). وتقدم هذا النصّ وما قبله (ص 363، 364).
(5)
في المطبوع: «تجتنبن» ، خطأ.
«المغني» فقال
(1)
: فصل، الثَّالث مما
(2)
تجتنبه الحادَّة النِّقاب وما في معناه مثل البرقع ونحوه؛ لأنَّ المعتدَّة مشبَّهةٌ بالمحرِمة، والمحرمة تُمنَع من ذلك. وإذا احتاجت إلى سَتْر وجهها سَدَلتْ عليه كما تفعل المحرمة.
فصل
فإن قيل: فما تقولون في الثَّوب إذا صُبِغ غَزْلُه، ثمَّ نُسِجَ، هل لها لُبْسُه؟
قيل: فيه وجهان، وهما احتمالان في «المغني»
(3)
:
أحدهما: يحرم لبسه؛ لأنَّه أحسن وأرفع، ولأنَّه مصبوغٌ للحسن فأشبهَ ما صُبِغ بعد نسجه.
والثَّاني: لا يحرم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة:«إلَّا ثوبَ عَصْبٍ» ، وهو ما صُبِغ غزله قبل نسجه. ذكره القاضي.
قال الشَّيخ
(4)
: والأوَّل أصحُّ، وأمَّا العَصْب فالصَّحيح أنَّه نبتٌ تُصْبَغ به الثِّياب. قال السهيلي
(5)
: الورس والعَصْب نبتانِ باليمن لا ينبتان إلا به. فأرخص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للحادَّة في لبس ما يُصْبغ بالعَصْب، لأنَّه في معنى ما يُصبغ لغير التحسين كالأحمر والأصفر، فلا معنى لتجويز لُبسه مع حصول الزِّينة بصبغه، كحصولها بما صُبِغ بعد نسجه. والله أعلم.
(1)
(11/ 290).
(2)
في المطبوع: «فيما» خلاف النسخ و «المغني» .
(3)
(11/ 289).
(4)
أي ابن قدامة في «المغني» .
(5)
في «الروض الأنف» (1/ 189). والمؤلف نقله من «المغني» .