الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يبقَ إلا مجرَّد اعتدادها منه، وذلك لا يوجب لها نفقةً كالموطوءة بشبهةٍ أو زنًا. ولأنَّ النَّفقة إنَّما تجب في مقابلة التَّمكُّن من الاستمتاع، وهذه لا يمكن استمتاعه بها بعد بينونتها. ولأنَّ النَّفقة لو وجبت لها عليه لأجل عدَّتها لوجبت للمتوفَّى عنها من ماله، ولا فرقَ بينهما البتَّةَ، فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما قد بانت عنه وهي معتدَّةٌ منه، وقد تعذَّر منهما الاستمتاع. ولأنَّها لو وجبت لها السُّكنى لوجبت لها النَّفقة كما يقوله من يوجبهما، فأمَّا أن تجب لها السُّكنى دون النَّفقة فالنَّصُّ والقياس يدفعه. وهذا قول عبد الله بن عبَّاسٍ وأصحابه وجابر بن عبد الله وفاطمة بنت قيس إحدى فقهاء نساء الصَّحابة، وكانت
(1)
تُناظِر عليه، وبه يقول أحمد بن حنبلٍ وأصحابه وإسحاق بن راهويه وأصحابه وداود بن علي وأصحابه وسائر أهل الحديث.
وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوالٍ وهي ثلاث رواياتٍ عن أحمد أحدها هذا. والثَّاني: أنَّ لها السُّكنى والنَّفقة، وهذا قول عمر بن الخطَّاب وابن مسعودٍ وفقهاء الكوفة. والثَّالث: أنَّ لها السُّكنى دون النَّفقة، وهذا مذهب أهل المدينة، وبه يقول مالك والشَّافعيُّ.
ذِكر المطاعن التي طُعِن بها على حديث فاطمة بنت قيس
قديمًا وحديثًا
(2)
فأوَّله
ا طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب
رضي الله عنه، فروى مسلم في «صحيحه»
(3)
عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسًا في
(1)
بعدها في المطبوع: «فاطمة» وليست في النسخ.
(2)
انظر بعضها في: «تهذيب السنن» (1/ 568 - 582).
(3)
برقم (1480/ 46).
المسجد الأعظم ومعنا الشَّعبيُّ، فحدَّث الشَّعبيُّ بحديث فاطمة بنت قيس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقةً، ثمَّ أخذ الأسود كفًّا من حصًى فحَصَبَه به، فقال: ويلك تُحدِّث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب الله عز وجل وسنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لقول امرأةٍ لا ندري أحفظتْ أم نسيتْ. لها السُّكنى والنَّفقة. قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].
قالوا: فهذا عمر يُخبر أنَّ سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ لها النَّفقة والسُّكنى، ولا ريبَ أنَّ هذا مرفوعٌ؛ فإنَّ الصَّحابيَّ إذا قال: من السُّنَّة كذا، كان مرفوعًا، فكيف إذا قال: من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكيف إذا كان القائل عمر بن الخطَّاب؟ وإذا تعارضت رواية عمر ورواية فاطمة فرواية عمر أولى، لا سيَّما ومعها ظاهر القرآن كما سنذكره.
وقال سعيد بن منصورٍ
(1)
: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عمر بن الخطَّاب إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس قال: ما كنَّا نَغتَرُّ
(2)
في ديننا بشهادة امرأةٍ.
ذِكر طعن عائشة رضي الله عنها في خبر فاطمة
في «الصَّحيحين»
(3)
من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: تزوَّج
(1)
في «سننه» (1/ 363).
(2)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «نغير» . وفي «سنن سعيد» : «نجيز» .
(3)
البخاري (5321)، ومسلم (1481/ 52). واللفظ لمسلم، وسيأتي لفظ البخاري.
يحيى بن سعيد بن العاص
(1)
بنتَ عبد الرحمن بن الحكم فطلَّقها، فأخرجها من عنده، فعاب ذلك عليهم عروة، فقالوا: إنَّ فاطمة قد خرجت، قال عروة: فأتيتُ عائشة فأخبرتها بذلك، فقالت: ما بفاطمة بنت قيس خيرٌ أن تذكر هذا الحديث. وقال البخاريُّ: فانتقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة إلى مروان وهو أمير المدينة: اتَّقِ الله واردُدْها إلى بيتها. قال مروان: إنَّ عبد الرحمن بن الحكم غلبني. قال [القاسم بن محمَّدٍ]
(2)
: أوَما بلغكِ شأنُ فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا يضرُّكَ أن لا تذكر حديث فاطمة، فقال مروان: إن كان بكِ شرٌّ فحسبك ما بين هذين من الشَّرِّ.
ومعنى كلامه: إن كان خروج فاطمة لما يقال من شرٍّ كان في لسانها، فيكفيكِ ما بين يحيى بن سعيد بن العاص وبين امرأته من الشَّرِّ.
وفي «الصَّحيحين»
(3)
عن عروة أنَّه قال لعائشة: ألم تَرَيْ إلى فلانة بنت الحكم، طلَّقها زوجُها البتَّةَ، فخرجتْ؟ فقالت: بئسَ ما صنعتْ، فقلت: ألم تسمعي إلى قول فاطمة؟ فقالت: أما إنَّه لا خيرَ لها في ذكر ذلك.
وفي حديث القاسم عن عائشة: تعني
(4)
قولها: لا سكنى لها ولا نفقة
(5)
.
(1)
«بن العاص» ليس في د، ص.
(2)
زيادة من البخاري.
(3)
البخاري (5325)، ومسلم (1481/ 54).
(4)
م: «معنى» . د، ص، ز:«بمعنى» .
(5)
البخاري (5323)، ومسلم (1481/ 54).
وفي «صحيح البخاريِّ»
(1)
عن عائشة أنَّها قالت: [ما] لفاطمة ألا تتَّقي اللَّه! يعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة.
وفي «صحيحه»
(2)
أيضًا عنها قالت: إنَّ فاطمة كانت في مكانٍ وحشٍ، فخِيْفَ على ناحيتها، فلذلك أرخص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لها.
وقال عبد الرزاق
(3)
عن ابن جريج، أخبرني ابن شهابٍ، عن عروة: أنَّ عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس، يعني: انتقال المطلَّقة ثلاثًا.
وذكر القاضي إسماعيل: ثنا نصر بن علي، حدَّثني أبي، عن هارون، عن محمد بن إسحاق، قال: أحسبه عن محمَّد بن إبراهيم، أنَّ عائشة قالت لفاطمة بنت قيس: إنَّما أخرجكِ هذا اللِّسان
(4)
.
ذِكر طعن أسامة بن زيد حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه
على حديث فاطمة
روى عبد الله بن صالح كاتب الليث قال: حدَّثني اللَّيث بن سعدٍ، حدَّثني جعفر، عن ابن هرمز، عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن قال: كان محمد بن أسامة بن زيد يقول: كان أسامة إذا ذكرتْ فاطمةُ شيئًا من ذلك
(1)
برقم (5323)، وما بين المعكوفتين منه.
(2)
برقم (5326).
(3)
في «المصنف» (12023).
(4)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» (10/ 294) من طريقه، وضعفه، وأعله بعدم سماع محمد بن إبراهيم من عائشة.
ــ يعني من انتقالها في عدَّتها ــ رماها بما في يده
(1)
.
ذكر طعن مروان على حديث فاطمة
روى مسلم في «صحيحه»
(2)
من حديث الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حديث فاطمة هذا: أنَّه حدَّث به مروان، فقال مروان: لم نسمع هذا إلا من امرأةٍ، سنأخذ بالعصمة الَّتي وجدنا النَّاس عليها.
ذكر طعن سعيد بن المسيّب
روى أبو داود في «سننه»
(3)
من حديث ميمون بن مهران قال: قدمتُ المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيَّب، فقلت: فاطمة بنت قيس طُلِّقتْ فخرجتْ من بيتها، فقال سعيد: تلك امرأةٌ فَتنتِ النَّاس، إنَّها كانت لَسِنةً، فوُضِعَتْ على يَدَيْ ابن أمِّ مكتومٍ.
ذكر طعن سليمان بن يسار
روى أبو داود في «سننه»
(4)
أيضًا قال في خروج فاطمة: إنَّما كان من
(1)
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (23/ 410) وابن حزم في «المحلى» (10/ 96) من طريق عبد الله بن صالح، وضعَّفَ ابن حزمٍ الخبر به، وتابع عبد الله شعيبُ بن الليث عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 68)، ويحيى بن بكير عند الطبراني في «الكبير» (23/ 410)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 429).
(2)
برقم (1480/ 41).
(3)
برقم (2296). وأخرجه الشافعي في «الأم» (5/ 251)، وعبد الرزاق (12038) ــ ومن طريقه إسحاق في «مسنده» (2378) ــ والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 433)، وابن حزم في «المحلى» (10/ 298).
(4)
برقم (2294)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 712). وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (4631)، وضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود- الأم» (2/ 253).
سوء الخلق.
ذكر طعن الأسود بن يزيد
تقدَّم
(1)
حديث «مسلم» أنَّ الشَّعبيَّ حدَّث بحديث فاطمة، فأخذ الأسود كفًّا من حَصًى
(2)
فحَصَبَه به، وقال: ويلك. تُحدِّث بمثل هذا؟
وقال النَّسائيُّ
(3)
: ويلك! لِمَ تُفتي بمثل هذا؟ قال عمر لها: إن جئتِ بشاهدين يشهدان أنَّهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلَّا لم نترك كتاب ربِّنا لقول امرأةٍ.
ذكر طعن أبي سلمة بن عبد الرحمن
قال الليث: حدَّثني عقيل، عن ابن شهابٍ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرَّحمن، فذكر حديث فاطمة ثمَّ قال: فأنكر النَّاس عليها ما كانت تُحدِّث من خروجها قبل أن تحلَّ
(4)
.
قالوا: وقد عارض روايةَ فاطمة صريحُ رواية عمر في إيجاب النَّفقة
(1)
ص (127).
(2)
في المطبوع: «حصباء» خلاف النسخ ومصدر التخريج.
(3)
برقم (3549). وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (4631).
(4)
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 65 - 69)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 472)، وأبو نعيم في «مستخرجه على صحيح مسلم» (3497)، (3498)، وابن حزم في «المحلى» (10/ 299) من طرق عن الليث به.