المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الموافق لكتاب الله أنهلا نفقة للمبتوتة ولا سكنى - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٦

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ذكْرُ حكمه صلى الله عليه وسلم في الولد مَن أحقُّ به في الحضانة

- ‌ذِكر ما في هذا الكلام من مقبول ومردود

- ‌ذِكر حكمه صلى الله عليه وسلم في النفقة على الزوجات

- ‌ذِكر ما رُوي من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتمكين المرأة من فراقِ زوجها إذا أعسَرَ بنفقتها

- ‌فصلفي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الموافق لكتاب الله أنهلا نفقة للمبتوتة ولا سكنى

- ‌ذِكر المطاعن التي طُعِن بها على حديث فاطمة بنت قيسقديمًا وحديثًا

- ‌ا طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب

- ‌ذكر الأجوبة عن هذه المطاعن وبيان بطلانها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الموافق لكتاب اللهمن وجوب النفقة للأقارب

- ‌ذِكر حكمه صلى الله عليه وسلم في الرضاعةوما يَحرُم بها وما لا يَحرُم وحكمه في القدر المحرِّم منها،وحكمه في رضاع الكبير هل له تأثير أم لا

- ‌ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في العِدَد

- ‌فصلفي الأجوبة عن اعتراضكم على أدلتنا

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتداد المتوفى عنها في منزلهاالذي توفي زوجها وهي فيه

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحداد المعتدَّة نفيًا وإثباتًا

- ‌ذِكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستبراء

- ‌ذِكْر أحكامه صلى الله عليه وسلم في البيوع

- ‌ حكمه فيما يحرم بيعه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن الكلب والسِّنَّور

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في بيع عَسْبِ الفحل وضِرابه

- ‌ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في المنع من بيع الماء الذي يشترك فيه الناس

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الرجل من بيع ما ليس عنده

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع الحصاة والغرر والملامسة والمنابذة

الفصل: ‌فصلفي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الموافق لكتاب الله أنهلا نفقة للمبتوتة ولا سكنى

ثمَّ الذين يُجوِّزون لها الفسخ يقولون: لها أن تفسخ ولو كان معها القناطير المقنطرة من الذَّهب والفضَّة إذا عجز الزَّوج عن نفقتها، وبإزاء هذا القول قولُ منجنيقِ الغرب أبي محمد ابن حزم

(1)

: إنَّه يجب عليها أن تنفق عليه في هذه الحال، فتعطيه مالها وتمكِّنه من نفسها. ومن العجائب قول العنبري بأنَّه يُحْبَس.

وإذا تأمَّلت أصول الشَّريعة وقواعدها، وما اشتملت عليه من المصالح ودرء المفاسد، ودفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما= تبيَّن لك القول الرَّاجح من هذه الأقوال، وباللَّه التَّوفيق.

‌فصل

في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الموافق لكتاب الله أنه

لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى

روى مسلم في «صحيحه»

(2)

عن فاطمة بنت قيس: أنَّ أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتَّةَ وهو غائبٌ، فأرسل إليها وكيله بشعيرٍ، فسَخِطَتْه، فقال: والله ما لكِ علينا من شيءٍ، فجاءت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال:«ليس لكِ عليه نفقةٌ» ، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أم شَرِيك، ثمَّ قال: «تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدِّي عند ابن أمِّ

(3)

مكتومٍ، فإنَّه رجلٌ أعمى تضعين

(1)

في «المحلى» (10/ 92).

(2)

برقم (1480/ 36).

(3)

«أم» ليست في د.

ص: 120

ثيابكِ، فإذا حللتِ فآذِنيني». قالت: فلمَّا حللتُ ذكرتُ له أنَّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمَّا أبو جهم فلا يضعُ عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوكٌ لا مال له، انكِحي أسامةَ بن زيدٍ» . فكرهتُه، ثمَّ قال:«انكِحي أسامةَ» ، فنكحتُه، فجعل الله فيه خيرًا واغتبطتُ به.

وفي «صحيحه»

(1)

أيضًا عنها: أنَّها طلَّقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقةً دُوْنًا

(2)

، فلمَّا رأت ذلك قالت: والله لأُعلِمَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإن كانت لي نفقةٌ أخذتُ الذي يُصلِحني، وإن لم تكن لي نفقةٌ لم آخُذْ منه شيئًا، قالت: فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا نفقةَ لكِ ولا سُكنى» .

وفي «صحيحه»

(3)

أيضًا عنها: أنَّ أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلَّقها ثلاثًا، ثمَّ انطلق إلى اليمن، فقال لها أهله: ليس لكِ علينا نفقةٌ. فانطلق خالد بن الوليد في نفرٍ، فأَتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فقالوا: إنَّ أبا حفص طلَّق امرأته ثلاثًا، فهل لها من نفقةٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ليست لها نفقةٌ، وعليها العدَّة» . وأرسل إليها: أن لا تَسْبِقيني بنفسك، وأمرها أن تنتقل إلى أم شريك. ثمَّ أرسل إليها: أنَّ أم شريك يأتيها المهاجرون الأوَّلون، فانطلقي إلى ابن أمِّ مكتومٍ الأعمى، فإنَّكِ إذا وضعتِ خماركِ لم يركِ. فانطلقَتْ إليه، فلمَّا انقضَتْ عدَّتها أنكحَها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيد بن حارثة.

(1)

برقم (1480/ 37).

(2)

عند مسلم: «نفقة دون» بالإضافة.

(3)

برقم (1480/ 38).

ص: 121

وفي «صحيحه»

(1)

أيضًا عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة: أنَّ أبا عمرو بن

(2)

حفص بن المغيرة خرج مع عليِّ بن أبي طالبٍ

(3)

، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقةٍ كانت بقيت من تطليقها، وأمر لها الحارثَ بن هشامٍ وعيَّاشَ بن أبي ربيعة بنفقةٍ، فقالا لها: والله ما لكِ نفقةٌ إلا أن تكوني حاملًا، فأتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرتْ له قولهما، فقال:«لا نفقة لك» ، فاستأذنتْه في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين يا رسول اللَّه؟ قال: «إلى ابن أمِّ مكتومٍ» . وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يراها، فلمَّا مضتْ عدَّتها أنكحَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيدٍ. فأرسل إليها مروانُ قَبِيصةَ بن ذؤيب يسألها عن الحديث فحدَّثته به، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأةٍ، سنأخذ بالعصمة الَّتي وجدنا النَّاس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان: فبيني وبينكم القرآن، قال الله عز وجل:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إلى قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]. قالت: هذا لمن كان له مراجعةٌ، فأيُّ أمرٍ يحدث بعد ذلك؟ فكيف تقولون: لا نفقةَ لها إذا لم تكن حاملًا، فعلامَ تَحبِسونها؟

وزاد أبو داود

(4)

في هذا الحديث بإسناد مسلم عقيبَ قول عيَّاش بن أبي

(1)

(1480/ 41).

(2)

«عمرو بن» ليس في ص، د.

(3)

بعدها في المطبوع زيادة: «إلى اليمن» ، وليست في النسخ.

(4)

برقم (2290). وأخرجه أحمد (27337)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (4601)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 777)، كلهم من طريق عبد الرزاق (12025)، وأصله في مسلم (1480/ 41)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود- الأم» (7/ 85).

ص: 122

ربيعة والحارث بن هشامٍ «لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا» : فأتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لا نفقة لكِ إلا أن تكوني حاملًا

(1)

».

وفي «صحيحه»

(2)

أيضًا عن الشَّعبيِّ قال: دخلتُ على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فقالت: طلَّقها زوجها البتَّةَ، فخاصمتْه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السُّكنى والنَّفقة، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقةً، وأمرني أن أعتدَّ عند ابن أمِّ مكتومٍ.

وفي «صحيحه»

(3)

أيضًا عن أبي بكر بن أبي الجهم العَدَوي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: إنّ زوجها طلَّقها ثلاثًا، فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقةً. قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حللتِ فآذِنيني» . فآذنتُه، فخطبها معاوية وأبو جهم

(4)

وأسامة بن زيدٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمَّا معاوية فرجلٌ تَرِبٌ لا مالَ له، وأمَّا أبو جهم فرجلٌ ضَرَّابٌ للنِّساء، ولكن أسامة» . فقالت بيدها هكذا: أسامة! أسامة! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طاعةُ الله وطاعةُ رسوله خيرٌ لكِ» . فتزوَّجتُه فاغتبطتُ

(5)

.

وفي «صحيحه»

(6)

أيضًا عنها

(7)

قالت: أرسل إليَّ زوجي أبو عمرو بن

(1)

«فأتت

حاملًا» ساقطة من د.

(2)

برقم (1480/ 42).

(3)

برقم (1480/ 47).

(4)

ص: «أبو الجهم» .

(5)

بعدها في د، ز:«به» ، وليست في بقية النسخ و «صحيح مسلم» .

(6)

برقم (1480/ 48).

(7)

«عنها» ليست في د، ص.

ص: 123

حفص بن المغيرة عيَّاشَ بن أبي ربيعة بطلاقي، فأرسل معه بخمسة آصُعِ تمرٍ وخمسة آصُعِ شعيرٍ، فقلتُ: ما لي نفقةٌ إلا هذا؟ ولا أعتدُّ في منزلكم؟ قال: لا، فشددتُ عليَّ ثيابي، وأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«كم طلَّقكِ؟» ، قلت: ثلاثًا. قال: «صدقَ، ليس لكِ نفقةٌ، ولكن اعتدِّي في بيت ابن عمِّك ابن أمِّ مكتومٍ، فإنَّه ضرير البصر، تضعين ثوبك عنده، فإذا انقضتْ عدَّتُك فآذِنيني» .

وروى النَّسائيُّ في «سننه» هذا الحديث بطرقه وألفاظه، وفي بعضها

(1)

بإسنادٍ صحيحٍ لا مطعنَ فيه: فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما النَّفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرَّجعة» .

ورواه الدَّارقطنيُّ

(2)

وقال: فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكرتْ ذلك له، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقةً، وقال:«إنَّما السُّكنى والنَّفقة لمن يملك الرَّجعة» . وروى النَّسائيُّ

(3)

أيضًا هذا اللَّفظ، وإسنادهما صحيحٌ.

ذِكرُ موافقة هذا الحكم لكتاب الله عز وجل

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)

(1)

برقم (3403). وأخرجه أحمد (27100)، والطبراني في «الكبير» (24/ 378)، و «الأوسط» (7/ 144)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 64).

(2)

برقم (3957).

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 124

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} إلى قوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 1 - 3]. فأمر سبحانه الأزواجَ الذين لهم عند بلوغ الأجل الإمساكُ والتَّسريحُ بأن لا يُخرِجوا أزواجهم

(1)

من بيوتهنّ، وأمر أزواجَهم

(2)

أن لا يَخْرُجن، فدلَّ على جواز إخراج من ليس لزوجها إمساكُها بعد الطَّلاق، فإنَّه سبحانه ذكر لهؤلاء المطلَّقات أحكامًا متلازمةً لا ينفكُّ بعضها عن بعضٍ:

أحدها: أنَّ الأزواج لا يُخرِجوهنَّ

(3)

من بيوتهنَّ.

والثَّاني: أنَّهنَّ لا يخرجن من بيوت أزواجهنَّ.

والثَّالث: أنَّ لأزواجهنَّ إمساكهنَّ بالمعروف قبل انقضاء الأجل وترك الإمساك، فيسرِّحوهنَّ بإحسانٍ.

والرَّابع: إشهاد ذَوَي عدلٍ، وهو إشهادٌ على الرَّجعة إمَّا وجوبًا وإمَّا استحبابًا، وأشار سبحانه إلى حكمة ذلك وأنَّه

(4)

في الرَّجعيَّات خاصَّةً بقوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} . والأمر الذي يُرجى إحداثُه هاهنا هو المراجعة. هكذا قال السَّلف ومن بعدهم.

قال ابن أبي شيبة

(5)

: ثنا أبو معاوية عن داود الأَودي عن الشَّعبيِّ:

(1)

م، ح:«أزواجهن» .

(2)

في المطبوع: «أزواجهن» ، خطأ.

(3)

د، ح:«لا يخرجونهن» .

(4)

د: «فإنه» .

(5)

في «المصنف» (19569).

ص: 125

{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} قال: لعلَّك تندم فيكون لك سبيلٌ إلى

(1)

الرَّجعة.

وقال الضحاك: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} قال: لعلَّه أن يراجعها في العدَّة

(2)

. وقاله عطاء

(3)

وقتادة

(4)

والحسن

(5)

.

وقد تقدَّم قول فاطمة بنت قيس: أيُّ أمرٍ يَحدُث بعد الثَّلاث؟ فهذا يدلُّ على أنَّ الطَّلاق المذكور هو الرَّجعيُّ الذي تَثبتُ فيه هذه الأحكام، وأنَّ حكمة أحكم الحاكمين وأرحم الرَّاحمين اقتضَتْه؛ لعلَّ الزَّوج أن يندم ويزول الشَّرُّ الذي نَزَغَه الشَّيطان بينهما، فيُتْبِعها نفسَه فيراجعها، كما قال عليُّ بن أبي طالبٍ: لو أنَّ النَّاس أخذوا بأمر الله في الطَّلاق ما يُتْبِع رجلٌ نفسَه امرأةً يطلِّقها أبدًا.

ثمَّ ذكر سبحانه الأمر بإسكان هؤلاء المطلَّقات فقال: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، فالضَّمائر كلُّها يتَّحد مفسِّرها، وأحكامها كلُّها متلازمةٌ، وكان قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّما النَّفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعةٌ» مشتقًّا من كتاب الله ومفسِّرًا له، وبيانًا لمراد المتكلِّم به منه. فقد تبيَّن اتِّحاد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله عز وجل.

والميزان الصحيح العادل أيضًا معهما لا يخالفهما، فإنَّ النَّفقة إنَّما تكون لزوجةٍ، فإذا بانت منه صارت أجنبيَّةً، حكمها حكم سائر الأجنبيَّات،

(1)

د، ص، ز:«على» .

(2)

«المصنف» (19568).

(3)

«تفسير ابن كثير» (8/ 144).

(4)

«مصنف عبد الرزاق» (3237).

(5)

«تفسير ابن جرير» (23/ 38).

ص: 126