الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْر أحكامه صلى الله عليه وسلم في البيوع
ذِكْر
حكمه فيما يحرم بيعه
ثبت في «الصَّحيحين»
(1)
من حديث جابر بن عبد الله أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله ورسوله حرَّم بيعَ الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام» . فقيل: يا رسول الله، أرأيتَ شحومَ الميتة، فإنه يُطلى بها السُّفُن، ويُدهن بها الجلود، ويَستصبح بها النَّاس؟ فقال:«لا، هو حرامٌ» . ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتلَ الله اليهودَ! إنَّ الله لمَّا حرَّم عليهم الشُّحومَ جمَلُوه
(2)
، ثمَّ باعوه فأكلوا ثمنَه».
وفيهما
(3)
أيضًا عن ابن عبَّاسٍ قال: بلغ عمرَ أنَّ سَمُرةَ باع خمرًا، فقال: قاتلَ الله سمرة! ألم يعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعنَ الله اليهودَ! حُرِّمت عليهم الشُّحوم، فجَمَلوها فباعوها» .
فهذا من مسند عمر، وقد رواه البيهقي
(4)
والحاكم في «صحيحه»
(5)
(1)
البخاري (2236)، ومسلم (1581).
(2)
أي أذابُوه.
(3)
البخاري (2223)، ومسلم (1582).
(4)
«السنن الكبرى» (9/ 353). وأخرجه أيضًا أحمد (2221، 2678، 2961)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 147)، وأبو داود في «سننه» (3488)، والطبراني في «الكبير» (12/ 200)، وابن حبان في «صحيحه» (4938).
(5)
لم أقف عليه فيه من حديث ابن عباس، وإنما أخرجه بنحوه من حديث أسامة بن زيد (4/ 194). ولعل المؤلف أراد:«ابن حبان في صحيحه» فأخطأ.
فجعلاه
(1)
من مسند ابن عبَّاسٍ، وفيه زيادةٌ، ولفظه: عن ابن عبَّاسٍ قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ــ يعني الحرام ــ فرفع بصره إلى السَّماء فتبسَّم، وقال:«لعن الله اليهودَ، لعن الله اليهودَ، لعن الله اليهودَ! إنَّ الله عز وجل حرَّم عليهم الشُّحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها، إنَّ الله إذا حرَّم على قومٍ أكلَ شيءٍ حرَّم عليهم ثمنَه» . وإسناده صحيحٌ، فإنَّ البيهقي رواه عن ابن عبدان، عن الصفّار، عن إسماعيل القاضي، حدَّثنا ابن منهال، حدَّثنا يزيد بن زُريع، حدَّثنا خالدٌ الحذَّاء، عن بَرَكةَ أبي الوليد، عن ابن عبَّاسٍ.
وفي «الصَّحيحين»
(2)
من حديث أبي هريرة نحوه، دون قوله:«إنَّ الله إذا حرَّم أكْلَ شيءٍ حرَّم ثمنَه» .
فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناسٍ: مشارب تُفسِد العقول، ومطاعم تُفسِد الطِّباع وتغذِّي غذاءً خبيثًا، وأعيانٍ تُفسِد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشِّرك.
فصانَ بتحريم النَّوع الأوَّل العقولَ عمَّا يُزِيلها ويُفسِدها، وبالثَّاني: القلوبَ عمَّا يُفسِدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها، والغاذي شبيهٌ بالمغتذي، وبالثَّالث: الأديانَ عمَّا وُضِع لإفسادها. فتضمَّن هذا التَّحريمُ صيانةَ العقول والقلوب والأديان.
ولكنَّ الشَّأن في معرفة حدود كلامه ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وما يدخل فيه، وما لا يدخل فيه، ليستبين عمومُ كلماته وجمعُها، وتناولُها لجميع
(1)
في النسخ: «فجعلناه» ، خطأ.
(2)
البخاري (2240) ومسلم (1583).
الأنواع الَّتي شَمِلَها
(1)
عمومُ لفظِه أو معناه، وهذه خاصِّيَّة الفهم عن الله ورسوله الذي تفاوتَتْ
(2)
فيه العلماء، ويؤتيه الله من يشاء.
فأمَّا تحريم بيع الخمر، فيدخل فيه تحريم بيع كلِّ مسكرٍ، مائعًا كان أو جامدًا، عصيرًا أو مطبوخًا، فيدخل فيه عصير العنب، وخمر الزَّبيب والتَّمرِ والذُّرَة والشَّعيرِ والعسل والحنطة، واللُّقَيمة الملعونة
(3)
لُقَيمة الفسق والقلب الَّتي تُحرِّك القلبَ السَّاكن إلى أخبث الأماكن، فإنَّ هذا كلَّه خمرٌ بنصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّحيح الصَّريح الذي لا مطعنَ في سنده، ولا إجمالَ في متنه، إذ صحَّ عنه قوله:«كلُّ مُسكرٍ خمرٌ»
(4)
، وصحَّ عن أصحابه الذين هم أعلمُ الأمَّة بخطابه ومراده: أنَّ الخمر ما خامر العقلَ.
فدخولُ هذه الأنواع تحت اسم «الخمر» كدخول جميع أنواع الذَّهب والفضَّة والبُرِّ والشَّعير والتَّمر والزَّبيب تحت قوله: «لا تبيعوا الذَّهب بالذَّهب، والفضَّة بالفضَّة، والبُرَّ بالبرِّ، والشَّعير بالشَّعير، والتَّمر بالتَّمر، والزبيب بالزبيب
(5)
، إلا مثلًا بمثلٍ»
(6)
. فكما لا يجوز إخراج صنفٍ من هذه
(1)
بعدها في المطبوع: «عموم كلماته وتأويلها بجميع الأنواع التي شملها» وليست في النسخ، وهي تكرار بلا فائدة.
(2)
في المطبوع: «التي تفاوت» خلاف النسخ.
(3)
أي من النباتات المسكرة التي توضع في الفم وتُمضغ، مثل الحشيش والقنَّب والبَنْج وغيرها.
(4)
أخرجه مسلم (2003) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «والملح بالملح» . وهكذا الرواية.
(6)
أخرجه مسلم (1587) من حديث عبادة بن الصامت بنحوه إلا قوله «والزبيب بالزبيب» ، وهي عند أبي عوانة في «مستخرجه» (5401) من حديث أبي هريرة، وعند الطبراني في «الصغير» (178) و «الأوسط» (2293) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الأصناف عن تناول اسمه له، فهكذا لا يجوز إخراج صنفٍ من أصناف المسكر عن اسم الخمر، فإنَّه يتضمَّن محذورين:
أحدهما: أن يُخرَج من كلامه ما قصد دخوله فيه.
والثَّاني: أن يُشرَع لذلك النَّوع الذي أُخرِج حكمٌ غير حكمه، فيكون تغييرًا لألفاظ الشَّارع ومعانيه، فإنَّه إذا سمَّى ذلك النَّوع بغير الاسم الذي سمَّاه به الشَّارع أزال عنه حكمَ ذلك المسمَّى، وأعطاه حكمًا آخر.
ولمَّا علم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من أمَّته من يُبتلى بهذا ــ كما قال: «ليشربنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونها بغير اسمها»
(1)
ــ قضى قضيَّةً كلِّيَّةً عامَّةً لا يتطرَّق إليها إجمالٌ ولا احتمالٌ، بل هي شافيةٌ كافيةٌ، فقال:«كلُّ مسكرٍ خمرٌ» . هذا، ولو أنَّ أبا عبيدة والخليل وأضرابهما من أئمَّة اللُّغة ذكروا هذه الكلمة هكذا لقالوا: قد نصَّ أئمَّة اللُّغة على أنَّ كلَّ مسكرٍ خمرٌ، وقولهم حجَّةٌ. وسيأتي إن شاء الله عند ذكر هديه في الأطعمة والأشربة مزيدُ تقريرٍ لهذا
(2)
، وأنَّه لو لم يتناوله لفظه لكان القياس الصَّريح الذي استوى فيه الأصل والفرع من كلِّ وجهٍ حاكمًا بالتَّسوية بين أنواع المسكر في تحريم البيع والشُّرب، فالتَّفريق بين نوعٍ ونوعٍ تفريقٌ بين متماثلين من جميع الوجوه.
(1)
أخرجه أحمد (22900) وأبو داود (3688) والنسائي (5658) وابن ماجه (4020) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (6758).
(2)
لم يأتِ ذكره، وهذا يدلّ على أن المؤلف لم يُتمَّ الكتاب كما أراد.
فصل
وأمَّا تحريم بيع الميتة، فيدخل فيه كلُّ ما يسمَّى ميتةً، سواءٌ مات حتْفَ أنفِه، أو ذُكِّي ذكاةً لا تفيد حلَّه، ويدخل فيه أبعاضُها أيضًا. ولهذا استشكل الصَّحابة تحريم بيع الشَّحم
(1)
، مع ما لهم فيه من المنفعة، فأخبرهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه حرامٌ، وإن كان فيه ما ذكروا من المنفعة.
وهذا موضعٌ اختلف النَّاس فيه؛ لاختلافهم في فهم مراده صلى الله عليه وسلم، وهو أنَّ قوله:«لا، هو حرامٌ»
(2)
هل هو عائدٌ إلى البيع، أو عائدٌ إلى الأفعال الَّتي سألوا عنها؟ فقال شيخنا
(3)
: هو راجعٌ إلى البيع؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم لمَّا أخبرهم أنَّ الله حرَّم بيع الميتة قالوا: إنَّ في شحومها من المنافع كذا وكذا، يَعْنُون: فهل ذلك مُسوِّغٌ لبيعها؟ فقال: «لا، هو حرامٌ» .
قلت: كأنَّهم طلبوا تخصيصَ الشُّحوم من جملة الميتة بالجواز، كما طلب العبَّاس تخصيصَ الإِذخِر من جملة تحريم نبات الحرم بالجواز
(4)
، فلم يُجِبهم إلى ذلك، فقال:«لا، هو حرامٌ» .
وقال غيره من أصحاب أحمد وغيرهم: التَّحريم عائدٌ إلى الأفعال المسؤول عنها، وقال: هو حرامٌ، ولم يقل: هي؛ لأنَّه أراد المذكور جميعه. ويرجِّح قولَهم عودُ الضَّمير إلى أقرب مذكورٍ، ويرجِّحه من جهة المعنى أنَّ
(1)
م، ح:«الخمر» ، خطأ.
(2)
تقدم تخريجه (ص 419).
(3)
لم أجد كلامه في كتبه المطبوعة.
(4)
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (1349) ومسلم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
إباحة هذه الأشياء ذريعةٌ إلى اقتناء الشُّحوم وبيعها.
ويرجِّحه أيضًا أنَّ في بعض ألفاظ الحديث، فقال:«لا، هي حرامٌ»
(1)
، وهذا الضَّمير إمَّا أن يرجع إلى الشُّحوم، وإمَّا إلى هذه الأفعال، وعلى التَّقديرين فهو حجَّةٌ على تحريم الأفعال الَّتي سألوا عنها.
ويرجِّحه أيضًا قولُه في حديث أبي هريرة في الفأرة الَّتي وقعت في السَّمْن: «إن كان جامدًا فأَلْقُوها وما حولَها وكُلُوه، وإن كان مائعًا فلا تَقْرَبوه»
(2)
. وفي الانتفاع به في الاستصباح وغيره قُربانٌ له.
ومن رجَّح الأوَّل يقول: ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّما حَرُمَ من الميتة أكلُها»
(3)
، وهذا صريحٌ في أنَّه لا يحرم الانتفاع بها في غير الأكل، كالوَقِيْد وسَدِّ البُثُوق ونحوهما.
قالوا: والخبيث إنَّما يَحرُم ملابسته باطنًا وظاهرًا، كالأكل واللُّبس، وأمَّا الانتفاع به من غير ملابسةٍ فلأيِّ شيءٍ يحرم؟
(1)
أخرجه أحمد (6997).
(2)
أخرجه أحمد (7177) والترمذي (1798) وأبو داود (3842) والنسائي (4260) من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به، ووهَّمَ الحفاظ معمرًا في إسناده ومتنه، فالمحفوظ ما رواه مالك وغيره عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال:«ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم» كما في «صحيح البخاري» (235) و «الموطأ» (2785) و «مسند أحمد» (26796)، وزيادة «إن كان جامدًا
…
» خطَّأَ الحفاظ كالبخاري وأبي حاتم والترمذي معمرًا فيها، قال الترمذي في «الجامع» (1798):«هذا خطأ أخطأ فيه معمر» .
(3)
أخرجه البخاري (2221) ومسلم (363) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قالوا: ومن تأمَّل سياق حديث جابر عَلِم أنَّ السُّؤال إنَّما كان منهم عن البيع، وأنَّهم طلبوا منه أن يُرخِّص لهم في بيع الشُّحوم، لما فيها من المنافع، فأبى عليهم، وقال:«هو حرامٌ» ، فإنَّهم لو سألوا عن حكم هذه الأفعال لقالوا: أرأيتَ شحومَ الميتة، هل يجوز أن يستصبح بها النَّاس، ويدهن بها الجلود؟ ولم يقولوا: فإنَّه يُفعل بها كذا وكذا، فإنَّ هذا إخبارٌ منهم لا سؤالٌ، وهم لم يخبروه بذلك عقيبَ تحريمِ هذه الأفعال عليهم؛ ليكون قوله:«لا، هو حرامٌ» صريحًا
(1)
في تحريمها، وإنَّما أخبروه به عقيبَ تحريم بيع الميتة، فكأنَّهم طلبوا منه أن يُرخِّص لهم في بيع الشُّحوم لهذه المنافع الَّتي ذكروها، فلم يفعل. ونهاية الأمر أنَّ الحديث يحتمل الأمرين، فلا يحرم ما لم يعلم أنَّ الله ورسوله حرَّمه.
قالوا: وقد ثبت عنه [أنَّه] نهاهم عن الاستسقاء من آبار ثمود، وأباح لهم أن يُطْعِموا ما عَجَنوا منه
(2)
من تلك الآبار للبهائم
(3)
.
قالوا: ومعلومٌ أنَّ إيقاد النَّجاسة والاستصباح بها انتفاعٌ خالٍ عن هذه المفسدة وعن ملابستها ظاهرًا وباطنًا، فهو نفعٌ محضٌ لا مفسدةَ فيه. وما كان هكذا فالشَّريعة لا تُحرِّمه، فإنَّ الشَّريعة إنَّما تُحرِّم المفاسد الخالصة أو الرَّاجحة وطُرقَها وأسبابَها المُوصِلة
(4)
إليها.
قالوا: وقد أجاز أحمد في إحدى الرِّوايتين الاستصباحَ بشحوم الميتة إذا
(1)
في النسخ: «صريح» .
(2)
«منه» ليست في ص، د، ز.
(3)
أخرجه البخاري (3379) ومسلم (2981) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
د، ص، ز:«الموصولة» .
خالطت دهنًا طاهرًا، فإنَّه في أكثر الرِّوايات عنه يُجوِّز الاستصباحَ بالزَّيت النَّجس، وطَلْيَ السُّفُن به، وهو اختيار طائفةٍ من أصحابه، منهم: الشَّيخ أبو محمد
(1)
وغيره، واحتجَّ بأنَّ ابن عمر أمر أن يستصبح به
(2)
.
وقال في رواية ابنَيه صالح وعبد الله
(3)
: ولا يُعجِبني بيعُ النَّجس، ويستصبح به إذا لم يَمَسُّوه، لأنَّه نجسٌ. وهذا يَعُمُّ النَّجسَ والمتنجِّسَ، ولو قُدِّر أنَّه إنَّما أراد به المتنجِّس فهو صريحٌ في القول بجواز الاستصباح بما خالطَتْه نجاسة ميتةٍ أو غيرها، وهذا مذهب الشَّافعيِّ. وأيُّ فرقٍ بين الاستصباح بشحم الميتة إذا كان مفردًا، وبين الاستصباح به إذا خالطَ دهنًا طاهرًا
(4)
فنجَّسه؟
فإن قيل: إذا كان مفردًا فهو نجس العين، وإذا خالطَ غيرَه تنجَّس به، فأمكن تطهيرُه بالغسل، فصار كالثَّوب النَّجس، ولهذا يجوز بيع الدُّهن المتنجِّس على أحد القولين دون دهن الميتة.
قيل: لا ريبَ أنَّ هذا هو الفرق الذي عَوَّل عليه المفرِّقون بينهما، ولكنَّه ضعيفٌ لوجهين:
أحدهما: أنَّه لا يُعرف عن الإمام أحمد ولا عن الشَّافعيِّ البتَّةَ غَسْلُ الدُّهن النَّجس، وليس عنهم في ذلك كلمةٌ واحدةٌ، وإنَّما ذلك من فتوى بعض
(1)
في «المغني» (13/ 348).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (24882) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (13/ 399 - 400).
(3)
«مسائله» (ص 6). ولم أجده في المطبوع من «مسائل صالح» .
(4)
في المطبوع: «خالطه دهن طاهر» خلاف النسخ.
المنتسبين
(1)
، وقد رُوي عن مالك أنَّه يطهر بالغسل، هذه رواية ابن نافع وابن القاسم عنه.
الثَّاني: أنَّ هذا الفرق وإن تأتَّى لأصحابه في الزَّيت والشَّيْرَج ونحوهما، فلا يتأتَّى لهم في جميع الأدهان، فإنَّ منها ما لا يمكن غَسْلُه، وأحمد والشَّافعيُّ قد أطلقا القول بجواز الاستصباح بالدُّهن النَّجس من غير تفريقٍ.
وأيضًا فإنَّ هذا الفرق لا يفيد في رفع
(2)
كونه مستعملًا للخبيث وللنَّجاسة، سواءٌ كانت عينيَّةً أو طارئةً، فإنَّه إن حُرِّم الاستصباح لما فيه من استعمال الخبيث فلا فرقَ، وإن حرِّم لأجل دخان النَّجاسة فلا فرق، وإن حُرِّم لكون الاستصباح به ذريعةً إلى اقتنائه فلا فرقَ، والفرقُ بين المذهبين في جواز الاستصباح بهذا دونَ هذا لا معنى له.
وأيضًا فقد جوَّز جمهور العلماء الانتفاعَ بالسِّرْقِين
(3)
النَّجِس في عمارة الأرض للزَّرع والبقل والثَّمر مع نجاسة عينه، وملابسة المستعمل له أكثر من ملابسة المُوقِد، وظهور أثرِه في البقول والزُّروع
(4)
والثِّمار فوقَ ظهور أثر الوقيد، وإحالة النَّار أتمّ من إحالة الأرض والهواء والشَّمس للسِّرقين، فإن كان التَّحريم لأجل دخان النَّجاسة فمَنْ سَلَّم أنَّ دخان النَّجاسة نجسٌ؟ وبأيِّ كتابٍ أم بأيَّة سنَّةٍ ثبت ذلك؟ وانقلابُ النَّجاسة إلى الدُّخان أتمُّ من انقلاب
(1)
أشير في هامش م أن في الأصل: «المتثبتين» .
(2)
في المطبوع: «دفع» خلاف النسخ.
(3)
هو السِّرجين أو الزَّبْل.
(4)
م، ز:«الزرع» .
عين
(1)
السِّرقين والماء النَّجس ثمرًا أو زرعًا، وهذا أمرٌ لا يُشَكُّ فيه، بل هو معلومٌ بالحسِّ والمشاهدة، حتَّى جوَّز بعض أصحاب مالك وأبي حنيفة بيعَه، فقال ابن الماجشون
(2)
: لا بأسَ ببيع العَذِرة؛ لأنَّ ذلك من منافع النَّاس. وقال ابن القاسم: لا بأسَ ببيع الزَّبل. قال اللخمي: وهذا يدلُّ من قوله على أنَّه يرى بيع العذرة. وقال أشهب في الزَّبل: المشتري أعذرُ فيه من البائع، يعني في اشترائه. وقال ابن عبد الحكم: لم يعذر الله واحدًا منهما، وهما سِيَّانِ في الإثم.
قلت: وهذا هو الصَّواب، وأنَّ بيع ذلك حرامٌ وإن جاز الانتفاع به. والمقصود أنَّه لا يلزم من تحريم بيع الميتة تحريمُ الانتفاع بها في غير ما حرَّمه الله ورسوله منها، كالوقيد وإطعام الصُّقور والبُزَاة. وقد نصَّ مالك
(3)
على جواز الاستصباح بالزَّيت النَّجِس في غير المساجد، وعلى جواز عمل الصَّابون منه. وينبغي أن يُعلَم أنَّ باب الانتفاع أوسع من باب البيع، فليس كلُّ ما حرم بيعه حرم الانتفاع به، بل لا تلازمَ بينهما، فلا يؤخذ تحريم الانتفاع من تحريم البيع.
فصل
ويدخل في تحريم بيع الميتة بيع جميع أجزائها الَّتي تَحُلُّها الحياة وتُفارِقها بالموت، كاللَّحم والشَّحم والعَصْب، وأمَّا الشَّعر والوَبَر والصُّوف فلا يدخل في ذلك؛ لأنَّه ليس بميتة، ولا تَحُلُّه الحياة. وكذلك قال جمهور
(1)
في النسخ: «غير» ، تصحيف.
(2)
انظر: «عقد الجواهر الثمينة» (2/ 333، 334).
(3)
انظر المصدر السابق (2/ 334).
أهل العلم: إنَّ شعور الميتة وأصوافها وأوبارها طاهرةٌ إذا كانت من حيوانٍ طاهرٍ، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبلٍ والليث والأوزاعيِّ والثَّوريِّ وداود وابن المنذر والمزني، ومن التَّابعين: الحسن
(1)
، وابن سيرين
(2)
، وأصحاب عبد الله بن مسعودٍ
(3)
.
وانفرد الشَّافعيُّ بالقول بنجاستها، واحتجَّ له بأنَّ اسم الميتة يتناولها كما يتناول سائرَ أجزائها بدليل الأثر والنَّظر:
أمَّا الأثر، ففي «الكامل»
(4)
لابن عديٍّ من حديث ابن عمر يرفعه: «ادْفِنوا الأظفارَ والدَّم والشَّعر، فإنَّها ميتةٌ» .
وأمَّا النَّظر، فلأنه متَّصلٌ بالحيوان ينمو بنمائه، فنَجِسَ
(5)
بالموت كسائر أعضائه. وبأنَّه شعرٌ نابتٌ في محلٍّ نجسٍ فكان نجسًا كشعر الخنزير، وهذا لأنَّ ارتباطه بأصله خلقةً يقتضي أن يثبت له حكمه تبعًا، فإنَّه محسوبٌ منه عرفًا، والشَّارع أجرى الأحكام فيه على وفق ذلك، فأوجب غَسْلَه في
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (25395).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (205)، وابن أبي شيبة (25393).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (25397) عن إبراهيم النخعي، وفي إسناده عمران القطان، وهو ضعيف.
(4)
(5/ 335). ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 23)، وابن الجوزي في «التحقيق» (1/ 91)، وفي إسناده عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، وهو منكر الحديث، وقد ضعف الحديث البيهقي والذهبي وابن عبد الهادي والألباني، وسيأتي كلام المؤلف عليه بعد صفحات. وينظر:«تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (1/ 120) و «السلسلة الضعيفة» للألباني (2181).
(5)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «فينجس» .
الطَّهارة، وأوجب الجزاء بأخْذِه
(1)
من الصَّيد كالأعضاء، وألحقه بالمرأة في النِّكاح والطَّلاق حلًّا وحرمةً، فكذلك هاهنا. وبأنَّ الشَّارع له تشوُّفٌ
(2)
إلى إصلاح الأموال وحفظِها وصيانتها وعدمِ إضاعتها. وقد قال لهم في شاة ميمونة: «هَلَّا أخذتم إهابَها؟ فدَبغتموه فانتفعتم به»
(3)
. ولو كان الشَّعر طاهرًا لكان إرشادهم إلى أخذه أولى؛ لأنَّه أقلُّ كلفةً، وأسهلُ تناولًا.
قال المطهِّرون للشُّعور: قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى} [النحل: 80]، وهذا يعمُّ أحياءها وأمواتَها.
وفي «مسند أحمد»
(4)
: عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهريِّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبَّاسٍ قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ لميمونةَ ميِّتةٍ، فقال: «ألَا اسْتمتعتم
(5)
بإهابها؟»، قالوا: وكيف وهي ميتةٌ؟ قال: «إنَّما حُرِّم لحمُها» . وهذا ظاهرٌ جدًّا في إباحة ما سوى اللَّحم، والشَّحمُ والكبِد والطِّحالُ والأَلْية كلُّها داخلةٌ في اللَّحم، كما دخلت في تحريم لحم الخنزير، ولا ينتقض هذا بالعَظْم والقَرْن، والظُّفر والحافر، فإنَّ الصَّحيح طهارة ذلك كما سنقرِّره عقيبَ هذه المسألة.
قالوا: ولأنَّه لو أُخِذ حالَ الحياة لكان طاهرًا، فلم ينجس بالموت كالبيض، وعكسه الأعضاء.
(1)
في المطبوع: «يأخذه» خلاف النسخ.
(2)
م، ح:«شوف» مصدر شَافَ بمعنى نظر.
(3)
أخرجه البخاري (2221) ومسلم (363) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
برقم (3452). وأخرجه أبو داود (4120) والنسائي (4234) ابن ماجه (3610).
(5)
في المطبوع: «هلا انتفعتم» خلاف النسخ و «المسند» .
قالوا: ولأنَّه لمَّا لم ينجس بجَزِّه في حال حياة الحيوان بالإجماع، دلَّ على أنَّه ليس جزءًا من الحيوان وأنَّه لا روحَ فيه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ما أُبِينَ من حيٍّ فهو ميِّتٌ» . رواه أهل السُّنن
(1)
.
ولأنَّه لا يتألَّم بأخذه، ولا يُحسُّ بمسِّه، وذلك دليل عدم الحياة فيه. وأمَّا النَّماء فلا يدلُّ على الحياة الحيوانيَّة الَّتي يتنجَّس الحيوان بمفارقتها، فإنَّ مجرَّد النَّماء لو دلَّ على الحياة ونَجِسَ المحلُّ بمفارقة هذه الحياة لتنجَّسَ الزَّرعُ بيُبْسِه، لمفارقة حياة النُّموِّ والاغتذاء له.
قالوا: فالحياة نوعان: حياة حسٍّ وحركةٍ، وحياة نموٍّ واغتذاءٍ، فالأولى هي الَّتي يُؤثِّر فَقْدُها في طهارة الحيِّ دون الثَّانية.
قالوا: واللَّحم إنَّما ينجس لاحتقان الرُّطوبات والفَضَلات الخبيثة فيه، والشُّعور والأصواف بريئةٌ من ذلك، ولا ينتقض بالعظام والأظفار لما سنذكره.
قالوا: والأصل في الأعيان الطَّهارة، وإنَّما يطرأ عليها التَّنجيس باستحالتها، كالرَّجيع المستحيل عن الغذاء، وكالخمر المستحيل عن العصير وأشباهها، والشُّعورُ في حال استحالتها كانت طاهرةً، ثمَّ لم يَعرِض لها ما
(1)
أخرجه أحمد (21903) وأبو داود (2858) ــ ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 23) ــ والترمذي (1480) والحاكم (4/ 239) من حديث أبي واقد الليثي، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب» . وقد روي عن أبي سعيد وابن عمر، وأخرجه عبد الرزاق (8611) عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلًا، واختلف في وصله وإرساله، ورجَّحَ إرساله أبو زرعة كما في «العلل» لابن أبي حاتم (1479) والدارقطنيُّ في «العلل» (1152، 2273).
يوجب نجاستها بخلاف أعضاء الحيوان، فإنَّها عَرَضَ لها ما يقتضي نجاستها، وهو احتقان الفضلات الخبيثة.
قالوا: وأمَّا حديث ابن عمر، ففي إسناده عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روَّاد. قال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: أحاديثه منكرةٌ، ليس محلُّه عندي الصِّدق. وقال عليُّ بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي فلسًا، يحدِّث بأحاديث كذبٍ
(1)
.
وأمَّا حديث الشَّاة الميتة وقوله: «ألا انتفعتم بإهابها» ، ولم يتعرَّض للشَّعر، فعنه ثلاثة أجوبةٍ:
أحدها: أنَّه أطلق الانتفاع بالإهاب، ولم يأمرهم بإزالة ما عليه من الشَّعر، مع أنَّه لا بدَّ فيه من شعرٍ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يقيِّد الإهاب المنتفَع به بوجهٍ دون وجهٍ، فدلَّ على الانتفاع به فَرْوًا وغيره ممَّا لا يخلو من الشَّعر.
الثَّاني: أنَّه صلى الله عليه وسلم قد أرشدهم إلى الانتفاع بالشَّعر في الحديث نفسه حيث يقول: «إنَّما حُرِّم من الميتة أكلُها أو لحمُها» .
الثَّالث: أنَّ الشَّعر ليس من الميتة ليتعرَّض له في الحديث؛ لأنَّه لا يَحُلُّه الموت. وتعليلهم بالتَّبعيَّة يَبطُل بجلد الميتة إذا دُبِغ وعليه شعرٌ، فإنَّه يطهر دون الشَّعر عندهم. وتمسُّكهم بغسله في الطَّهارة يبطل بالجبيرة، وتمسُّكهم بضمانه من الصَّيد يبطل بالبيض وبالحمل. وأمَّا في النِّكاح فإنَّه تبع الجملة لاتِّصاله بها، وزالَ حكمه
(2)
بانفصاله عنها، وهاهنا لو فارق الجملة بعد تَبَعِها في التنجيس
(3)
لم يفارقها فيه عندهم، فعُلِم الفرق.
(1)
انظر: «لسان الميزان» (4/ 516).
(2)
في المطبوع: «وزوال الجملة» .
(3)
في المطبوع: «التنجس» خلاف النسخ.
فصل
فإن قيل: فهل يدخل في تحريم بيعها تحريمُ بيع عظمها وقرنها وجلدها بعد الدِّباغ، لشمول اسم الميتة لذلك؟
قيل: الذي يحرم بيعُه منها هو الذي يحرم أكلُه واستعماله، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:«إنَّ الله إذا حَرَّم شيئًا حَرَّم ثمنَه»
(1)
. وفي اللَّفظ الآخر: «إذا حرَّم أكلَ شيءٍ حرَّم ثمنَه»
(2)
. فنبَّه على أنَّ الذي يحرم بيعُه يحرم أكلُه.
وأمَّا الجلد إذا دُبِغ فقد صار عينًا طاهرةً، يُنتفَع بها
(3)
في اللُّبس والفرش وسائر وجوه الاستعمال، فلا يمتنع جواز بيعه. وقد نصَّ الشَّافعيُّ في كتابه القديم على أنَّه لا يجوز بيعه
(4)
، واختلف أصحابه، فقال القفّال: لا يتَّجه هذا إلا بتقدير قولٍ يوافق مالكًا في أنَّه يطهر ظاهره دون باطنه، وقال بعضهم: لا يجوز بيعُه وإن طهر ظاهره وباطنه على قوله الجديد؛ فإنَّه جزءٌ من الميتة حقيقةً، فلا يجوز بيعه كعظمها ولحمها.
وقال بعضهم: بل يجوز بيعه بعد الدَّبغ؛ لأنَّه عينٌ طاهرةٌ مُنتفَعٌ بها، فجاز
(1)
هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم تخريجه (ص 420)، وهذا لفظ ابن حبان (4938) والدارقطني (3/ 388).
(2)
هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم، وهذا لفظ أحمد (2678) والطبراني في «الكبير» (12/ 200).
(3)
«بها» ساقطة من المطبوع.
(4)
انظر: «نهاية المطلب» (1/ 29) و «روضة الطالبين» (1/ 42).
بيعها كالمُذكَّى، وقال بعضهم: بل هذا ينبني على أنَّ الدَّبغ إزالةٌ أو إحالةٌ، فإن قلنا: إحالةٌ جاز بيعه؛ لأنَّه قد استحال من كونه جزءَ ميتةٍ إلى عينٍ أخرى، وإن قلنا: إزالةٌ لم يجز بيعه؛ لأنَّ وصف الميتة هو المحرِّم لبيعه، وذلك باقٍ لم يستحلَّ.
وبَنَوا على هذا الخلاف جوازَ أكله، ولهم فيه ثلاثة أوجهٍ: أكله مطلقًا، وتحريمه مطلقًا
(1)
، والتَّفصيل بين جلد المأكول وغير المأكول. فأصحاب الوجه الأوَّل غَلَّبوا حكم الإحالة، وأصحاب الوجه الثَّاني غَلَّبوا حكم الإزالة، وأصحاب الوجه الثَّالث أجْرَوا الدِّباغ مُجرى الذَّكاة، فأباحوا بها ما يباح أكلُه
(2)
إذا ذُكِّي دون غيره.
والقول بجواز أكله باطلٌ مخالفٌ لصريح السُّنَّة، ولهذا لم يُمكِن قائلَه القولُ به إلا بعد منعه كونَ الجلد بعد الدَّبغ ميتةً، وهذا منعٌ باطلٌ، فإنَّه جلد ميتةٍ حقيقةً وحسًّا وحكمًا، ولم يحدث له حياةٌ بالدَّبغ تَرفع عنه اسم الميتة. وكون الدَّبغ إحالةً باطلٌ حسًّا؛ فإنَّ الجلد لم تُستحلَّ ذاتُه وأجزاؤه وحقيقتُه بالدِّباغ، فدعوى أنَّ الدِّباغ إحالةٌ عن حقيقةٍ
(3)
إلى حقيقةٍ أخرى، كما تُحيل النَّارُ الحطبَ إلى الرَّماد، والمَلَّاحةُ
(4)
ما يلقى فيها من الميتات إلى الملح= دعوى باطلةٌ.
(1)
«مطلقًا» ليست في ص، د.
(2)
بعدها في المطبوع: «بالذكاة» ليست في النسخ، ولا حاجة إليها.
(3)
ص، د:«حقيقته» .
(4)
الملّاحة: مكان تكوُّنِ الملح.
وأمَّا أصحاب مالك ففي «المدوَّنة»
(1)
لابن القاسم المنع من بيعها وإن دبغت، وهو الذي ذكره صاحب «التَّهذيب»
(2)
. وقال المازري
(3)
: هذا هو مقتضى القول بأنَّها لا تطهر بالدِّباغ. قال: وأمَّا إذا فرَّعنا على أنَّها تطهر بالدِّباغ طهارةً كاملةً، فإنَّا نجيز بيعها لإباحة جملة منافعها.
قلت: عن مالك في طهارة الجلد المدبوغ روايتان
(4)
، إحداهما: يطهر ظاهره وباطنه، وبها قال ابن وهب
(5)
، وعلى هذه الرِّواية جوَّز أصحابه بيعه. والثَّانية ــ وهي أشهر الرِّوايتين عنه ــ أنَّه يطهر طهارةً مخصوصةً يجوز معها استعماله في اليابسات، وفي الماء وحده دون سائر المائعات، قال أصحابه: وعلى هذه الرِّواية لا يجوز بيعه، ولا الصَّلاة فيه، ولا الصَّلاة عليه.
وأمَّا مذهب الإمام أحمد، فإنَّه لا يصحُّ عنده بيع جلد الميتة قبل دبغه. وعنه في جوازه بعد الدَّبغ روايتان
(6)
، هكذا أطلقهما الأصحاب، وهما عندي مبنيَّتان على اختلاف الرِّواية عنه في طهارته بعد الدِّباغ.
وأمَّا بيع الدُّهن النَّجس ففيه ثلاثة أوجهٍ في مذهبه
(7)
:
أحدها: أنَّه لا يجوز بيعه.
(1)
(4/ 160).
(2)
«تهذيب مسائل المدونة» (3/ 124، 307).
(3)
كما في «عقد الجواهر الثمينة» (2/ 336).
(4)
انظر: «التمهيد» (4/ 156، 157) و «الاستذكار» (5/ 303).
(5)
في المطبوع: «قال وهب» ، خطأ.
(6)
انظر: «المغني» (6/ 363).
(7)
انظر: «الإنصاف» (4/ 281).
والثَّاني: يجوز بيعه لكافرٍ يعلم نجاسته، وهو المنصوص عنه. قلت: والمراد بعلم النَّجاسة العلمُ بالسَّبب المنجِّس، لا اعتقاد [الكافر]
(1)
في نجاسته.
والثَّالث: يجوز بيعه لمسلمٍ وكافرٍ. وخُرِّج هذا الوجه من جواز إيقاده، وخرِّج أيضًا من طهارته بالغسل، فيكون كالثَّوب النَّجس. وخرَّج بعض أصحابه وجهًا ببيع السِّرقين النَّجس للوقيد من بيع الزَّيت النَّجس له، وهو تخريجٌ صحيحٌ.
وأمَّا أصحاب أبي حنيفة
(2)
فجوَّزوا بيع السِّرجين النَّجس إذا كان تبعًا لغيره، ومنعوه إذا كان مفردًا.
فصل
وأمَّا عظمها، فمن لم يُنجِّسه بالموت ــ كأبي حنيفة، وبعض أصحاب أحمد، واختيار ابن وهب من أصحاب مالك ــ فيجوز بيعه عندهم، وإن اختلَف مأخذُ الطَّهارة:
فأصحاب أبي حنيفة قالوا: لا يدخل في الميتة، ولا يتناوله اسمها، ومنعوا كونَ الألم دليلَ حياته. قالوا: وإنَّما يألمه ما
(3)
جاوره من اللَّحم لا ذات العظم، وحملوا قوله تعالى:{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] على حذف مضافٍ، أي أصحابها.
(1)
هنا بياض في النسخ.
(2)
انظر: «بدائع الصنائع» (5/ 144).
(3)
في المطبوع: «تؤلمه لما» خلاف النسخ.
وغيرهم ضعَّف هذا المأخذ جدًّا، وقال: العظم يَألَم حسًّا، وألمُه أشدُّ من ألم اللَّحم. ولا يصحُّ حمل الآية على حذف مضافٍ لوجهين، أحدهما: أنَّه تقدير ما لا دليل عليه، فلا سبيل إليه. الثَّاني: أنَّ هذا التَّقدير يستلزم الإضرابَ عن جواب سؤال السَّائل الذي استشكل حياة العظام، فإنَّ أُبيّ بن خَلَف أخذ عظمًا باليًا، ثمَّ جاء به إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ففتَّه في يده، وقال: يا محمَّد! أترى الله يُحِيي هذا بعدما رَمَّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، ويَبعثك، ويُدخِلك النَّار»
(1)
. فمأخذ الطَّهارة أنَّ سبب تنجيس الميتة منتفٍ في العظام، فلم يحكم بنجاستها.
ولا يصحُّ قياسها على اللَّحم؛ لأنَّ احتقان الرُّطوبات والفَضَلات الخبيثة يختصُّ به دون العظام، كما أنَّ ما لا نفسَ له سائلةً لا ينجس
(2)
بالموت وهو حيوانٌ كاملٌ، لعدم سبب التَّنجيس
(3)
فيه، فالعظم أولى.
وهذا المأخذ أصحُّ وأقوى من الأوَّل، وعلى هذا فيجوز بيع عظام الميتة إذا كانت من حيوانٍ طاهر العين.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» عن قتادة (2498) ومن طريقه ابن جرير في «تفسيره» (19/ 486)، وعن الزهري (1001) ومن طريقه ابن جرير في «تفسيره» (11/ 87) مرسلًا، وأخرجه ابن جرير في «تفسيره» (19/ 486) عن مجاهد مختصرًا مرسلًا أيضًا، وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (365) عن أبي مالك غزوان الغفاري مرسلًا أيضًا، وهذه مراسيل يتقوى بمجموعها الخبر، وينظر:«صحيح السيرة النبوية» للألباني (201).
(2)
م، ح:«لا يتنجس» .
(3)
في النسخ: «السمين» أو قريب من رسمه. والمثبت يقتضيه السياق.
وأمَّا من رأى نجاستها فإنَّه لا يجوِّز بيعها، إذ نجاستها عينيَّةٌ، قال ابن القاسم
(1)
: قال مالك: لا أرى أن تُشترى عظام الميتة ولا تُباع، ولا أنياب الفيل، ولا يُتَّجر فيها، ولا يُمتشط بأمشاطها، ولا يُدَّهن بمداهنها. وكيف يجعل الدُّهن في الميتة، ويمشط لحيته بعظام الميتة وهي مبلولةٌ؟ وكره أن يطبخ بعظام الميتة. وأجاز مطرِّف وابن الماجشون بيع أنياب الفيل مطلقًا، وأجازه ابن وهب وأصبغ إذا أُغلِيت وصُلِقت، وجَعلا ذلك دِباغًا لها.
فصل
وأمَّا تحريم بيع الخنزير، فيتناول جملتَه وجميعَ أجزائه الظَّاهرة والباطنة. وتأمَّلْ كيف ذكر لحمه عند تحريم الأكل إشارةً إلى تحريم أكله ومعظمه اللَّحم، فذكر اللَّحم تنبيهًا على تحريم أكله دون قَتْله
(2)
، بخلاف الصَّيد، فإنَّه لم يقل فيه: وحرّم عليكم لحم الصَّيد، بل حرّم نفس الصَّيد ليتناول ذلك أكلَه وقتْلَه. وهاهنا لمَّا حرَّم البيع ذكر جملته، ولم يخصَّ التَّحريم بلحمه، ليتناول بيعه حيًّا وميِّتًا.
فصل
وأمَّا تحريم بيع الأصنام، فيُستفاد منه تحريم بيع كلِّ آلةٍ متَّخذةٍ للشِّرك، على أيِّ وجهٍ كانت، ومن أيِّ نوعٍ كانت، صنمًا أو وثنًا أو صليبًا، وكذلك الكتب المشتملة على الشِّرك وعبادةِ غير اللَّه، فهذه كلُّها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعةٌ إلى اقتنائها واتِّخاذها، فهي أولى بتحريم البيع من
كلِّ ما عداها، فإنَّ مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يؤخِّر ذكرها لخفَّة أمرها، ولكنَّه تدرَّج من الأسهل إلى ما هو أغلظ منه، فإنَّ الخمر أحسن حالًا من الميتة، فإنَّها قد تصير مالًا محترمًا إذا قَلَبها الله سبحانه ابتداءً
(1)
، أو قَلَبها آدميٌّ بصنعته عند طائفةٍ من العلماء، وتُضْمَن إذا أُتلِفت على الذِّمِّيِّ عند طائفةٍ بخلاف الميتة. وإنَّما لم يجعل الله في أكل الميتة حدًّا اكتفاءً بالزَّاجر الذي جعله الله في الطِّباع من كراهتها، والنَّفرة عنها، وإبعادها عنها، بخلاف الخمر.
والخنزير أشدُّ تحريمًا من الميتة، ولهذا أفرده الله سبحانه بالحكم عليه بأنّه رِجْسٌ في قوله:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، فالضَّمير في قوله «فإنَّه» وإن كان عوده إلى الثَّلاثة المذكورة باعتبار لفظ المحرَّم، فإنَّه يترجَّح اختصاص لحم الخنزير به لثلاثة أوجهٍ، أحدها: قربه منه، والثَّاني: تذكيره دون قوله «فإنَّها رجسٌ» ، والثَّالث: أنَّه أتى بالفاء و «إنَّ» تنبيهًا على علَّة التَّحريم لتنزجر النُّفوسُ عنه، ويقابل هذه العلَّة ما في طباع بعض النَّاس من استلذاذه واستطابته، فنفى عنه ذلك، وأخبر أنَّه رجسٌ. وهذا لا يُحتَاج إليه في الميتة والدَّم، لأنَّ كونهما رِجْسًا أمرٌ مستقرٌّ معلومٌ عندهم. ولهذا في القرآن نظائر، فتأمَّلْها.
ثمَّ ذكر بعدُ تحريمَ بيع الأصنام، وهو أعظم تحريمًا وإثمًا وأشدُّ منافاةً للإسلام من بيع الخمر والميتة والخنزير.
(1)
بعدها في المطبوع زيادة «خلًّا» . وليست في النسخ.
فصل
وفي قوله: «إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا أو حرَّم أكلَ شيءٍ حرَّم ثمنَه» ، يراد به أمران:
أحدهما: ما هو حرام العين والانتفاع جملةً، كالخمر والميتة والدَّم والخنزير وآلات الشِّرك، فهذه ثمنُها حرامٌ كيفما أُبِيعَتْ
(1)
.
والثَّاني: ما يباح الانتفاع به في غير الأكل، وإنَّما يحرم أكله، كجلد الميتة بعد الدِّباغ، وكالحُمُر الأهليَّة، والبغال ونحوها ممَّا يحرم أكله دون الانتفاع به، فهذا قد يقال: إنَّه لا يدخل في الحديث، وإنَّما يدخل فيه ما هو حرامٌ على الإطلاق. وقد يقال: إنَّه داخلٌ فيه، ويكون تحريم ثمنه إذا أُبِيعَ
(2)
لأجل المنفعة الَّتي حرمت منه، فإذا بِيع البغل والحمار لأكلهما حَرُمَ ثمنُهما، بخلاف ما إذا أُبِيعا للرُّكوب وغيره، وإذا بيع جلد الميتة للانتفاع به حلَّ ثمنه، وإذا بيع لأكله حرم ثمنه.
وطَرْدُ هذا ما قاله جمهور الفقهاء كأحمد ومالك وأتباعهما: إنَّه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرًا حرم أكلُ ثمنه، بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله. وكذلك السِّلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلمًا حرم أكلُ ثمنه، وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل اللَّه فثمنُه من الطَّيِّبات. وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممَّن تحرُم عليه حرم أكلُ ثمنها، بخلاف بيعها ممَّن يحلُّ له لبسها.
فإن قيل: فهل تُجوِّزون للمسلم بيعَ الخمر والخنزير من الذِّمِّيِّ لاعتقاد
(1)
في المطبوع: «اتفقت» خلاف النسخ. وأباعَ الشيءَ: عرضَه للبيع.
(2)
كذا في النسخ، وفي المطبوع:«بيع» .
الذِّمِّيِّ حِلَّهما له، كما جوَّزتم أن يبيعه الدُّهنَ المتنجِّس إذا بيَّن حاله لاعتقاده طهارتَه وحِلَّه؟
قيل: لا يجوز ذلك، وثمنه حرامٌ. والفرق بينهما: أنَّ الدُّهن المتنجِّس عينٌ طاهرةٌ خالطتْها نجاسةٌ، ويَسُوغ فيها النِّزاع. وقد ذهبت طائفةٌ من العلماء إلى أنَّه لا يتنجس إلا بالتَّغيُّر. وإن تغيَّر، فذهبت طائفةٌ إلى إمكان تطهيره بالغسل، بخلاف العين الَّتي حرَّمها الله في كلِّ ملَّةٍ، وعلى لسان كلِّ رسولٍ، كالميتة والدَّم والخنزير، فإنَّ استباحته مخالفةٌ لما أجمعت الرُّسل على تحريمه وإن اعتقد الكافر حلَّه، فهو كبيع الأصنام للمشركين، وهذا هو الذي حرَّمه الله ورسوله بعينه، وإلَّا فالمسلم لا يشتري صنمًا.
فإن قيل: فالخمر حلالٌ عند أهل الكتاب، فجَوِّزوا بيعَها منهم.
قيل: هذا هو الذي توهَّمه من توهَّمه من عمَّال عمر بن الخطَّاب، حتَّى كتب إليهم عمر
(1)
ينهاهم عنه، وأمر عمَّاله أن يولُّوا أهلَ الكتاب بيعَها بأنفسهم، وأن يأخذوا ما عليهم من أثمانها. فقال أبو عبيد
(2)
: ثنا عبد الرحمن، عن سفيان بن سعيدٍ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى الجعفي، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: بلغ عمرَ بن الخطَّاب أنَّ ناسًا يأخذون الجزية من الخنازير، فقام بلال فقال: إنَّهم ليفعلون، فقال عمر: لا تفعلوا، وَلُّوهم بيعَها.
(1)
«عمر» ليست في د، ز.
(2)
في «الأموال» (128). وأخرجه عبد الرزاق (9666، 14853، 19396)، وابن المنذر في «الأوسط» (11/ 11) من طرق عن سفيان به. وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 205) عن ابن عباس عن عمر، وفي إسناده جهالة.
قال أبو عبيد
(1)
: وحدَّثنا الأنصاري، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غَفَلة، أنَّ بلالًا قال لعمر: إنَّ عمَّالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج، فقال: لا تأخذوا منهم، ولكن وَلُّوهم بيعَها، وخذوا أنتم من الثَّمن.
قال أبو عبيد
(2)
: يريد أنَّ المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذِّمَّة الخمر والخنازير من جزية رؤوسهم، وخراج أرضهم بقيمتها، ثمَّ يتولَّى المسلمون بيعَها، فهذا الذي أنكره بلال، ونهى عنه عمر، ثمَّ رخَّص لهم أن يأخذوا ذلك من أثمانها إذا كان أهل الذِّمَّة المتولِّين لبيعها؛ لأنَّ الخمر والخنازير مالٌ من أموال أهل الذِّمَّة، ولا يكون ذلك للمسلمين.
قال
(3)
: وممَّا يُبيِّن ذلك حديثٌ آخر لعمر: حدَّثنا علي بن مَعْبد، عن عبيد الله
(4)
بن عمرٍو، عن ليث بن أبي سُليمٍ، أنَّ عمر بن الخطَّاب كتب إلى العمَّال يأمرهم بقتلِ الخنازير، وتُقَصُّ
(5)
أثمانها لأهل الجزية من جزيتهم
(6)
.
قال أبو عبيد
(7)
: فهو لم يجعلها قصاصًا من الجزية إلا وهو يراها مالًا
(1)
في «الأموال» (129).
(2)
تعقيبًا على الأثر السابق.
(3)
الكلام متصل بما قبله.
(4)
كذا في جميع النسخ مصغَّرًا. وفي «الأموال» : «عبد الله» .
(5)
في المطبوع: «وقبض» ، تحريف. وفي «الأموال»:«وتُقتَصُّ» . والمثبت من النسخ.
(6)
«الأموال» (130). وليث ضعيف، ولم يدرك عمر.
(7)
تعليقًا على الأثر السابق.
من أموالهم. فأمَّا إذا مرَّ الذِّمِّيُّ بالخمر والخنازير على العَاشِر
(1)
، فإنَّه لا يطيب له أن يَعْشِرَها، ولا يأخذَ ثمنَ العُشْر منها، وإن كان الذِّمِّيُّ هو المتولِّي لبيعها أيضًا. وهذا ليس من الباب الأوَّل، ولا يُشبِهه؛ لأنَّ ذلك حقٌّ وجب على رقابهم وأرضهم، وأنَّ العشر هاهنا إنَّما هو شيءٌ يوضع على الخمر والخنازير أنفسها، وكذلك ثمنُها لا يطيب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنَه»
(2)
. وقد رُوي عن عمر بن الخطَّاب أنَّه أفتى في مثل هذا بغير ما أفتى به في ذاك، وكذلك قال عمر بن عبد العزيز.
حدَّثنا أبو الأسود المصري
(3)
، ثنا عبد الله بن لَهيعة، عن عبد الله بن هُبَيرة السَّبائي، أنَّ عُتبة بن فَرقد بعث إلى عمر بن الخطَّاب بأربعين ألفَ درهمٍ صدقة الخمر، فكتب إليه عمر: بعثتَ إليَّ بصدقة الخمر، وأنت أحقُّ بها من المهاجرين. وأخبَر بذلك النَّاسَ، وقال: والله لا استعملتُكَ على شيءٍ بعدها. قال: فنزعه
(4)
(5)
.
وحدَّثنا عبد الرحمن، عن المثنَّى بن سعيد
(6)
، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديِّ بن أرطاة، أن ابعَثْ إليَّ بتفصيل
(7)
الأموال الَّتي قِبَلَك
(1)
الذي يأخذ عُشر المال.
(2)
تقدم تخريجه (ص 420).
(3)
في النسخ ما يشبه «البصري» . والمثبت من «الأموال» .
(4)
كذا في النسخ، وفي «الأموال»:«فتركه» .
(5)
«الأموال» (131). وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(6)
بعدها في المطبوع: «الضبعي» ، وليست في النسخ.
(7)
في «الأموال» : «بفضل» .