المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(النسخ في القرآن الكريم) - زهرة التفاسير - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

الفصل: ‌(النسخ في القرآن الكريم)

خلاف في أن للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا في أن الميراث يكون للأقرب فالأقرب، ولكن الاختلاف في معنى القرابة أحيانا، وأحيانا نجد النص القرآني يقرب، ولا يبعد.

ومسلكنا في آيات الأحكام أن نذكر الأحكام الثابتة بالقرآن بإجمال مستعينين بالسنة القولية والعملية في العبادات، وفي الأنكحة، وغيرها.

نذكر الأحكام بإجمال تفسير الآيات القرآنية مبينين ما يحتاج إلى بيان بالسنة النبوية، مرجحين ما يتفق مع السنة، أو ما نراه أقرب إلى النص، كمعنى قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ

)، فإنا في هذه نأخذ بما يُفهم من السنة.

وهكذا لَا نتعرض للخلاف الفقهي إلا في أضيق دائرة، وما يوجبه علينا ذكر معاني القرآن واضحة نيرة كشأنها دائما، ولا نخضع هذه المعاني لآراء الفقهاء، إنما نخضع آراء الفقهاء لها؛ لأنها الحكم الذي لَا ترد حكومته، والقرآن هو الحاكم بالصحة لآراء الفقهاء وليس محكوما بها.

* * *

(النسخ في القرآن الكريم)

لابد قبل أن نبدي رأينا في النسخ في القرآن الكريم أن نقرر حقائق ثلاثا لابد من بيانها أو الإشارة إليها، نكتفي هنا بالإشارة إليها:

الحقيقة الأولى: أن القرآن الكريم نسخ من الشرائع السابقة التي أتى بها الوحي وهي الشرائع السماوية، فما بقي منها أبقاه القرآن الكريم، ونص على بقائها كبعض أحكام القصاص، وكتحريم الربا، وكتحريم المحرمات وغير ذلك، وكان النص عليه في القرآن الكريم دليلًا على بقائه من غير نسخ.

الحقيقة الثانية أن النسخ جرى في السنة، ذلك أن السنة كما تتولى بيان الأحكام تتولى علاج المسائل الوقتية، ويختلف الحكم الوقتي في بعض الأوقات عنه في بعضها؛ ولذا جرى النسخ في السنة.

ص: 40

الحقيقة الثالثة: أن القرآن الكريم سجل هذه الشريعة الخالدة، بل سجل الشرائع السماوية، ومعجزات النبيين جميعا، وما نسخ منها أشار إلى نسخه، وما بقي منها صرح ببقائه، كالقصاص، وخصوصا في الأطراف، كما جاء في قوله تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45).

ولذا نحن نرى ما رآه من قبل أبو مسلم الأصفهاني، وهو أنه لَا نسخ في القرآن قط؛ لأنه شريعة الله تعالى الباقية إلى يوم القيامة، ولأن النسخ لم يثبت بنص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ آية من القرآن، وما جاء من عبارات النسخ في القرآن إنما في نسخ المعجزات الحسية بالقرآن الكريم، وقد بينا ذلك في موضعه من معاني الذكر الحكيم.

ولأن النسخ يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد، وإحداهما مُثْبِتَة والأخرى نافية، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات، وما ادُّعِيَ النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن، وما أمكن التوفيق فلا نسخ، وقد اشتركنا في كتابة التفسير مع بعض العلماء ولم نجد آيتين متعارضتين لم يمكن التوفيق بينهما، وقد طبع ذلك التفسير وسمي بـ " المنتخب " طبعته إحدى الجامعات الإسلامية، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ص: 41