المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزل - زهرة التفاسير - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزل

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمي الذي بُعث رحمة للعالمين وسراجًا منيرًا، وعلى آله وأصحابه الذين قبسوا من نوره، وجمعوا القرآن وحفظوه ليكون حجة الله تعالى القائمة إلى يوم الدين؛ وتحقيقًا لقوله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9).

أما بعد:

فمنذ كنت طالبًا أشدُو في طلب العلم، وأنهل من معارفه على قدر طاقتي، وأنا أتَشَوَّف لمعرفة القرآن الحكيم، وأتعرف أسرار بيانه ومعانيه، وأرى أن علمه هو الشريعة، وأنه ما ترك صغيرة ولا كبيرة منها إلا أحصاها، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم علَّم الناس علمه، وبينه وأحكم بيانه، وحكم به بين الناس، وأظهر برهانه، فهو برهان الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكم برْهَانٌ مِن رَبِّكِمْ. . .، وهو الحق الذي لَا ريب فيه، وهو حكم الله تعالى لَا يأتيه الباطلِ من بين يديه ولا من خلفه، فقد قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)

ولقد كانت أمنيتي العلمية أن أكون قريبًا منه دائما، وكنت أراجع الكتب التي تصدت للتعريف بمعانيه؛ موجزها ووسيطها ومبسوطها، قديمها وجديدها، مؤمنا

ص: 13

بأن علمه هو علم الإسلام، بل هو علم النفوس البشرية، وأسرار الوجود، وأنه علم النبوة الإلهية في مختلف العصور.

ولما شرفنا الله تعالى بتدريس العلوم العربية والشرعية كان أول دروسنا في تعرف معاني القرآن، فكان ذلك يمنًا وبركة وإشعارًا بتوفيق الله تعالى لنا، في مستقبل أعمالنا.

ولكنا شُغِلْنَا عن تفسير القرآن بدروس إسلامية أخرى، وإن كنا لم ننقطع عن القرآن، وإن كان ذلك في أوقات قصيرة، فكلما دعينا لمحاضرة عامة، جعلنا القول في علم القرآن غايتنا، فكنا نعود إليه الفينة بعد الفينة، حتى دعتنا مجلة دينية كانت لها مكانتها، ولصاحبها مكانة من تقوى الله، لنكتب فيها تفسيرًا أتمم به ما بدأه طيب الذكر فضيلة الشيخ محمد الخضر التونسي رضي الله عنه، وكان قد وصل في تفسيره إلى قوله تعالى: (يَسْألُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ. . . .

وقمنا بما استطعنا، ووسعته طاقتنا حتى وصلنا إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: (وَعِندَة مَفَاتِح الْغَيْبِ. . .، ثم حيل بيننا وبين السير في محملنا، بمعوقات تتصل بوحدة النسق والكرامة.

والآن قد ابتدأنا الكتابة في معاني القرآن الكريم من أوله إلى ما وصل إليه الشيخ الإمام الخضر، رحمه الله تعالى.

حتى إذا وصلنا إلى ذلك نشرنا ما كنا قد كتبناه في المجلة، ثم نستأنف بعد ذلك القول في معاني القرآن من قوله تعالى:(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ. . . . وقد كان مقررًا أن نكتب مقدمة للتفسير نبين فيها نزول القرآن منجما، وجمعه في عهد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. وجمعه في عهد ذي النورين، وبيان إعجازه ووجوه ذلك الإعجاز، وعن قصصه، وعلومه، وجدله بالتي هي أحسن، وعن مناهج تفسيره وترجمته، (والغَناء به)(1).

(1) الغَناء - بالفتح - في كلام العرب: النفع والكفاية.

ص: 14

كان ذلك في تقديرنا، وأردنا القيام به بتوفيق الله تعالى، ليكون مقدمة للتفسير، يكون فيها تعريف به، وإن كانت حقيقة كتاب الوجود فوق التعريف والبيان.

ولكن وقد اتجهنا إلى ذلك اتسع البحث علينا، ووجدنا أن ذلك قد يكون في ذاته غرضًا مقصودًا يقصد بالذات لَا بالتبع؛ ولذلك أخرجناه كتابًا قائمًا بذاته سميناه " المعجزة الكبرى ".

فهذا الكتاب وإن كان مقصودا بالجوهر والذات، هو أيضا مقدمة للتفسير، ويغني عن كتابة مقدمة جديدة، وإنا بعون الله تعالى نتجه إلى الله تعالى ضارعين إليه أن يمدنا بعونه وتوفيقه في القيام بحق كتابه الكريم علينا، وإننا بكرمه وفضله دائبون على كتابة ما قصدنا، حتى يوافينا الأجل المحتوم ونحن في جوار كتابه العزيز، عاملين لَا نبتعد عن عَرفه (1) ولا تتجافى مقاعدنا عنه.

اللهم أيدنا بالقوة والإخلاص، وأن يجعله نورًا لنا، وأن يحفظ كتابه من الأهواء التي تبغي تأويله بغير هدى نبيه، وتحويل معانيه عن غاياتها، وأن يقيه من الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ولا يسلكون الجَدَد (2)، اللهم وفقنا لما تحب وترضي.

(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8).

الإمام محمد أبو زهرة

(1) العَرف، هكذا بالفتح: الرائحة مطلقا، وأكثر ما يسعمل في الطيبة منها.

(2)

يملكون الجَدَد: يجتهدون. والجدد: الأرض المستوية.

ص: 15