الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باتباعه، فقد قال تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. . .)، فهم يطلبون أن يهديهم الله تعالى إلى هذا الطريق المستقيم وهو صراط الذين أنعمت عليهم من عبادك الصالحين.
* * *
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
(7)
هذا بيان للصراط المستقيم، أي المستوي الذي لَا اعوجاج فيه، وهو معبَّد لا يقف السائر فيه بعثرة يعثرها ولا بحجارة تدعثره، فإعراب (صراط الذين أنعمت عليهم) بدل من (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، يعمل فيها عامله (اهْدِنَا) فمعنى النص الكريم اهدنا طريق الذين أنعمت عليهم.
وأصل النعمة ما يستلذه الإنسان أو يستطيبه، ولكنها هنا تفسر بأنها المنفعة التي تدوم، ويستطيبها القلب، سواء أكانت عاجلة أم آجلة، وسواء أكانت دنيوية أم كانت أخروية، وسواء أكانت مادية أم كانت روحية، وإن نعم الله تعالى على عباده لا يحصيها العدُّ ولا يحيط بها الحصر، كما قال تعالى:(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)، فهناك نعمة الخلق الإنساني القويم والتكوين الجسمي السليم الذي يوجد أحيانا الغرور عند غير المؤمنين، كما قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيم الَّذِي خلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شَاءَ رَكَّبَكَ).
ومن النعم أن يمكِّنه من زخارف الحياة من لباس حسن يلبسه، وزخرفة باهرة يزخرف بها مسكنه، وطيب رائحة يطيب بها نفسه، ويقبل بها على جمعه، فهذه نعم ظاهرة وباطنة، فإن آمن بالنعم وشكر له، فإنها نعمة، وإن غره الغرور، وفاخر بها، واستطال على الناس فإنها عند الله النقمة.
ومن النعم أن يحس بإشراق النفس وإخلاص القلب، والاتجاه إلى الله تعالى، وأن يكون مستقيم الفكر، نير المدارك، ولا يضل، بل يهتدي بما أنعم، ومن النعم نعمة الإخلاص في القول والصدق فيه، وأن يعمل العمل، لَا يعمله إلا لله، وأن يراقب الله في سره وجهره وعمله، حتى يصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لَا يحبه إلا لله "(1).
إذا كان المؤمن كذلك يكون ممن هداه الله إلى صراط الذين أنعم عليهم، كما قال تعالى:(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا).
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) المغضوب عليهم هم الذين ينزل عليهم غضب الله، ووراء غضبه عذابه إلا أن يتغمدهم الله برحمته فيتوبوا، والتوبة تجبُّ ما قبلها، وبذلك لَا يكونون من المغضوب عليهم، بل ينخلعون منهم، وإنما الأعمال بخواتيمها، وإنما المغضوب عليهم هم من انتهوا إلى ألا يتوبوا، وألا ينتهوا عما يوجب غضب الله تعالى.
والذين ينطبق عليهم غضب الله تعالى لدوام شرهم، وبقاء فسادهم حتى يلقوا ربهم، وهم على هذه الحال - الكافرون سواء أكانوا وثنيين، وكثير ما هم في الماضي والحاضر، أم كانوا من الذين أوتوا الكتاب كاليهود - لعنهم الله - ونصارى بولس الذين يعبدون المسيح، وهو بريء منهم، هؤلاء هم المغضوب عليهم ولا ريب في نزول غضب الله تعالى بهم إلى يوم القيامة (غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم. . .).
والضالون قال بعض العلماء إنهم النصارى لقوله تعالى: (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)، وإنه لينطبق عليهم بلا ريب
(1) أخرجه البخاري بنحوه، كتاب الأدب - باب: الحب في الله (6041).
وصف الضالين؛ لأنهم عند تخلِّيهم عن مبادئ المسيح أضلهم بولس وأشباهه، فضلوا، ثم أضلوا غيرهم من بعدهم، وكفروا بما جاء به المسيح، وضلوا ضلالا بعيدا، وكفروا، ولا يزالون يتيهون في أوهامهم، كما توهموا وأوهموا فيما سموه رؤية العذراء، وكذبوا وافتروا، وحاولوا الإضلال كثيرا.
ومع انطباق الضلال والتضليل عليهم أولى بهم ثم أولى أن يكونوا ممن غضب الله تعالى عليهم، فغضب الله تعالى يحيط بهم من كل جانب؛ ولذلك نرى أن يدخلوا فيمن غضب الله تعالى عليه، ويصح أن نقول: إن فيهم الأمرين، فهم مغضوب عليهم وهم يَضِلُّون، ويُضِلُّون كثيرا إلى اليوم كما رأيتَ في أمر العذراء.
والضالون كما تدل الآية الكريمة هم الذين في حيرة من أمر اعتقادهم، لا يهتدون إلى عقيدة يطمئنون إليها ويسشقرون عليها، وليسوا مع هؤلاء ولا هؤلاء. . ولقد قيل إنهم المنافقون الذين ينطبق عليهم ذلك الوصف، وتلك الحال المضطربة.
ولقد يكون ذلك من ناحية حالهم قريبا في ذاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بالاضطراب والحيرة، فقال صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ المُنَافِقِ كمَثَلِ الشَّاةِ العَائِرَةِ بَيْنَ غَنَمَيْنِ، إلَى أئهِمَا تَذْهب "(1)، فالمنافق ضال حائر، لايستقر على قرار، ولا يطمئن إلى إيمان أو كفر، والمنافقون كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله:(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلا إِلَى هَؤُلَاءِ. . .).
- وهم أيضا موضع غضب الله تعالى؛ لأنهم كفار كإخوانهم المغضوب عليهم، ولكنهم اختصوا بأنهم ليس لهم اعتقاد، فالمشركون لهم اعتقاد باطل، وكذلك النصارى واليهود يعتقدون اعتقادًا باطلا ليس لهم سلطان ولا حجة في اعتقادهم.
(1) رواه مسلم في صفات المنافقين (2784)، وأحمد: مسند المكثرين من الصحابة (59 0 5)، والنسائي: كتاب الإيمان وشرائعه (5037).
وقراءة الفاتحة مطلوبة في الصلاة بحيث لَا تكمل الصلاة إلا بها بيد أنها فرضٌ عند الشافعي لَا تصح الصلاة إلا بها، وكذلك عند الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا صَلاةَ لمن لم يقرأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ "(1)، ولذلك سميت الصلاة، كما ذكرنا من قبل، لأن الصلاة ملازمة لها، ومن المجاز المرسل أن يسمى اللازم باسم الملزوم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عُرف أنه ترك قراءة الفاتحة. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه الفاتحة واجبة، والواجب عند الحنفية دون الفرض؛ لأن الفرض ما ثبت طلبه حتما بدليل قطعي لَا شبهة فيه. والواجب ما ثبت طلبه الحتمي بدليل ظني فيه شبهة، والفرض في الصلاة بالنسبة للقراءة قراءة ما تيسر من القرآن لقوله تعالى:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. . .)؛ ولذلك لو ترك الفاتحة وقرأ أي قدر من القرآن تصح صلاته، وإن كانت غير كاملة؛ لأن الفاتحة تعينت للوجوب بدليل ظني فيه شبهة، وهو حديث الآحاد.
* * *
و (آمين) يجب النطق بها عقب قراءة الفاتحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وعلمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة "، وقال:" إنه كالختم على الكتاب "(2)، فقد روي أن عليا كرم الله تعالى وجهه قال:(آمين خاتم رب العالمين)(3) روي عن وَائِلِ ابنِ حُجْرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولا الضالين آمين "(4)، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين "(5)
(1) أخرجه البخاري: كتاب الآذان - باب: وجوب القراءة للإمام والماموم، ومسلم: كتاب الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2)
سنن أبي داود: الصلاة - التأمين وراء الإمام بنحوه.
(3)
أخرجه ابن عدي، والطبراني في الكبير؛ عن أبي هريرة بلفظ: آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين.
(4)
الترمذي: الصلاة - ما جاء في التأمين وكذا رواه أبو داود: الصلاة (923) وبنحوه عند أحمد: أول مسند الكوفيين (18362) والدارمي: الصلاة (1219).
(5)
أخرجه البخاري: الأذان: جهر المأموم بالتأمين (782)، ومسلم بنحوه: الصلاة: (250).
وهكذا جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، بذكر آمين من المأمومين عندما يقرأ الإمام (وَلَا الضَّالِّينَ)، والمنفرد ينطق بها، وبذلك قال جمهور الفقهاء وروى أن أبا حنيفة لم يلتزم ولم يلزم بقولها، وروي عنه أنه يخفت بها ولا يجهر عند قول الإمام ولا الضالين، ومهما يكن ما روي بالنسبة لها من أخبار فإن المجمع عليه أنها ليست من القرآن فهي زيادة بطلب إجابة الدعاء الذي اشتملت عليه فاتحة الكتاب من الضراعة والاستعانة وطلب الهداية، فهي اسم فعل بمعنى استجب.
وإنما أجمع على أنها ليست من القرآن لأنها ليست بين دفتي المصحف كالبسملة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مع طلبها لم يذكر أنها قرآن ولا من القرآن.
ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبيٍّ بن كعمب: " ألا أخبرك بسورة لم تنزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها، قال: قلت: بلى يا رسول الله قال: " إنها الفاتحة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " (1).
تم - بحمد الله - تفسير سورة الفاتحة
* * *
(1) أخرجه الترمذي في سننه: فضائل القرآن: ما جاء في فضل فاتحة الكتاب (2875).