الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة: ضمير الفصل، وهو " هم ".
الرابعة - تعريف الطرفين (1) وهو دال على القصر، أي أنهم مقصورون على الفساد، لَا يتجاوزونه، وهو محيط بهم إحاطة الدائرة بقطرها، فهم يسارعون فيه، ولا يخرجون عنه.
ومع هذه الحال، وهذا الحكم المؤكد (لا يَشْعُرُونَ)، والشعور هو الإحساس الجسدي والنفسي والعقلي بخطأ ما يفعلون، فالشر قد استغرقهم، حتى أصبحوا لا يدركون بعقلهم الذي غمره الفساد ولا بنفوسهم الأمارة بالسوء، ولا بإحساسهم الذي آفته آفة الشر.
وإذا كان فسادهم قد ذاع وشاع فسببه أنهم جعلوا أنفسهم في حيز فكري ونفسي وأهل الإيمان في حيز غيره، وشأن المنافق دائما أنه يعتقد أنه في مكانة من الفكر والتدبر، وغيره ممن يدركون الحق في سفه وحمق، فهم يريدون أن يصرفوهم عن الإيمان ليضلوهم، ويفتنوهم لولا أن يتداركهم الله برحمته، فيستنقذهم منهم.
كانوا صنفا قائما بين الناس لَا هم كفار أعلنوا كفرهم، ولا هم مؤمنون قد رضوا بالإسلام دينا، وانحازوا بحالهم التي هي أشد كفرا ومقتا عند الله وعند الناس، فكان من سنة الناس أن يسألوهم لماذا لم يؤمنوا بقلوبهم؟ ولماذا يقفون ذلك الموقف الحائر المحير. لابد أن يكونوا كفارا معلنين كفرهم، وإلا اختاروا الإيمان.
(1) أي: اسم إن وخبرها، وأصلهما المبتدأ والخبر؛ إذا عرّفا دل على القصر.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ
(13)
بني الفعل (قِيلَ) للمجهول للإشارة إلى عموم القائلين لأن موقفهم المتردد المتذبذب بين حق خالص لاريب فيه، وباطل لَا ريب في بطلانه، فهم يعلنون الإيمان، ولم يعلنوا الكفر، وإن كانت حالهم أشد الكفر وأمقته، كان هذا السؤال يتردد في كل القلوب،
ويتساءل عنه كل أهل العقل والمنطق، ولذلك كان التعميم في (وَإِذَا قِيلَ لَهمْ) قال المخلصون: آمنوا أي صدقوا واعتقدوا الوحدانية، وأن تؤمنوا بالله ورسوله والملائكة والرسل جميعا، (كَمَا آمَنَ النَّاسُ)، و " أل " في الناس للعهد أي الناس العهودين المعروفين، وهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه المجاهدون الذين أخلصوا دينهم لله.
وعبر عنهم بالناس إشارة إلى أنهم الناس حقا وصدقا الذين بلغوا أعلى درجات الإنسانية بإيمانهم وطهارة نفوسهم، وعظم مداركهم، وإذعانهم للحق إذ دعوا إليه.
ولكن مع جلال ما آمنوا به، وصدقه، استعلى المنافقون بالباطل، وكذلك شأن المنافق يظن أن ما هو عليه من نفاق ومراء هو عين العقل، وما عليه غيره هو عين السفه.
قالوا مستنكرين ما قيل ويقال لهم: (أَنُؤْمِنُ كمَا آمَنَ السّفَهَاءُ) والسفهاء جمع " سفيه "، وهو الأحمق الذي لَا يتخير الأمور، ولا يتعرف أحسنها فيتبعه، وقد ظن المنافقون أنهم أهل الحكمة، فقالوا:(أَنُؤْمِن كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) وهم في زعمهم محمد وأصحابه، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي: لَا نؤمن، ولا نصدق برسالة محمد إلى الخلق، كما صدق محمد وأتباعه، ومن ساروا على منهاجه، وكذلك زين لهم تفكيرهم الفاسد، وغرهم ما كانوا يفترون، ويكذبون به، وتكرر كذبهم، حتى ظنوها الأعلى، وهو الدرك الأسفل، ولقد حكم الله تعالى، وهو الحكم العدل، وهو خير الفاصلين، فقال تعالت كلماته:(أَلا إِنَّهُمْ هُم السُّفَهَاءُ) يقرر الله تعالى الحكم عليهم بالسفه، وجعلهم مقصورين عليه يدورون في إطاره ويسارعون فيه، فهم يخرجون من سفه إلى سفه، ويسارعون في السفاهة، ويسيرون فيها حتى يصلوا إلى الدرك الأسفل منها.