المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ذكرنا ذلك من قبل، أي أن " هذا ما يتمنونه، - زهرة التفاسير - جـ ١

[محمد أبو زهرة]

الفصل: ذكرنا ذلك من قبل، أي أن " هذا ما يتمنونه،

ذكرنا ذلك من قبل، أي أن " هذا ما يتمنونه، ولكن لماذا قال تلك أمانيهم ولم يقل تلك أمنيتهم فذكر ذلك بلفظ الجمع " قالوا "؟: إذ الجمع يدل على أنه أمنية كل واحد نعينه فجمعت للدلالة على عموم التمني، وذلك لأنهم يحكمون لأنفسهم بأمانيهم لا بأعمالهم بما يتمنونه لَا بما يتخذون لنيله الأسباب.

ولأن لفظ الجمع تأكيد لأن يكون هذا تمنيا لهم استجابة لغرورهم وأهوائهم، وقد قال تعالى لبيان أنها أمان كاذبة ليس لها من سبب ولا دليل (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) أقر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: هاتوا برهانكم، ولم يقل سبحانه سنكل طلب البرهان إلينا، لأنه عالم الغيب والشهادة، يعلم كذب ما يقولون وافتراءهم، وقد حكم سبحانه وتعالى بأنه ما يتمنونه لَا ما يستحقون فلا يطلب الدليل من يعلم؛ وقد فرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب لَا ليقتنع ولكن ليبين كذبهم في ادعائهم.

طلب منهم أن يأتوا ببرهان، والبرهان هو الدليل القاطع الملزم الذي لَا يعتريه ريب ولا شك أنه ليس عندهم دليل ظني أو قطعي من كتاب منزل أو قول نبي مرسل.

ولذلك قال سبحانه: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فجعل أداة التعليق الدالة على الشك، وهي " إن "، إذ إنه لَا دليل عندهم فهم غير صادقين.

ثم بين سبحانه وتعالى أن دخول الجنة بالإخلاص والعمل لَا بالتمني الكاذب فقال تعالى:

ص: 366

(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنونَ ‌

(112)

بلى حرف للجواب بالنفي كما أن نعم للجواب بالإيجاب، وبلى تتضمن معنى الإضراب وهذا الكلام رد على المفترين الذين يتمنون الأماني الكاذبة فليست الجنة إلا جزاء المتقين ولا تكون للكذابين الجاحدين.

(مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَفوَ مُحْسِنٌ) ومعنى أسلم وجهه لله تعالى أسلم نفسه كلها لله تعالى، فتكون كل جوارحه وكل أحاسيسه وحركات قلبه خالصة لله تعالى خائفة منه خاضعة لكل ما يأمر وينهى، وعبر بالوجه فإنه كثير ما يعبر به عن الذات

ص: 366

كما قال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. . .)، ولأنه مظهر النفس، ولأنه هو الذي تكون به المواجهة وهو الذي يكون به السجود ومظاهر الطاعة والخضوع والاستجابة.

ولا يكون إسلام النفس إلا وهو معه الإحسان في الأعمال كلها، فمعنى وهو محسن أنه يكون محسنا للناس في معاملتهم فيمدهم بالعون عند موجبه يعين الضعيف ويغيث الملهوف، ويحمل الكَلّ، فلا يحسد الناس على ما آتاهم من خير ولا يكذب ولا يحقد ولا يمشي بنميم بين الناس ولا يتخذ السعاية سبيله، ولا يقطع ما وصل الله، ولا يفرق بين الأحبة، هذا كله يشمله معنى الإحسان وهو لا يحصى في خصائصه ومزاياه وجملة (وَهُوَ مُحْسِنٌ) حالية ومعناها أنه متلبس بالإحسان لَا يصدر عنه غيره.

و (مَنْ) مِن أسماء الشرط و (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) شرطه، وجزاؤه قوله تعالى:(فَلَهُ أَجْرُهُ) ثواب ذلك الإحسان وإسلام الوجه لله تعالى، أما الادعاء المغرور، والتمني الكاذب فجزاؤه جهنم وبئس المصير، وإنه لَا خوف عليهم من عقاب، ولا حزن يعتريهم من عمل أسلفوه.

ولذا قال تعالى: (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي أنهم لَا يخافون حسابا ولا عقابا ولا يحزنون لأمر نالهم، بل إن إخلاصهم لله، وإحسانهم العمل لَا يجعل للعقاب سبيلا لهم، فهم في أمن من الله لأنهم أطاعوه، أما غيرهم فهم في غيهم وغرورهم يوم القيامة يخافون مما يستقبلهم ويحزنون على ما فاتهم.

* * *

ص: 367