الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة:
وبأن نكاحه ينعقد بلفظ الهبة على الأظهر لقوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب/ 50] .
قال الرافعي: وعلى قولنا بالانعقاد فلا يجب المهر بالفعل ولا بالدخول كما هي قضية الهبة، وهل يكفي لها لفظ الإتهاب من جهته أيضاً كما يكفي من جهة المرأة أو يشترط منه لفظ النكاح؟ وجهان أصحهما الثاني، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها [
…
] فاعتبر في جانبه النكاح.
وروى ابن سعد والبيهقي عن الشعبي في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب/ 51] قال: كل نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجى بعضا فلم ينكحن بعده، منهن أم شريك.
وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن المسيب قال: لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابعة:
وبأنه إذا رغب في نكاح امرأة وخطبها، فإن كانت خطبة لزمتها الإجابة، ولأنها إذا خالفت أمره كانت عاصية، وإن خالفت إرادته ورغبته كانت غير راضية بقوله وفعله، وذلك عصيان عظيم يؤدي إلى الكفر فيلزمها الإجابة، ويحرم على غيره خطبتها، لما فيه من المضارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل الماوردي بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال/ 24] .
الخامسة:
قيل: وبأنه إذا وقع بصره على امرأة، فوقعت منه موقعا وجب على الزوج تطليقها، لقصة زيد، قاله الغزالي. قال: ولعل السر فيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله، ولعل السر فيه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر، ومنعه من خائنة الأعين، ومن الإضمار الذي يخالف الإظهار، ولذلك قال تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها..
[الأحزاب/ 37] الآية، ليس فيها كما ترى ما يدل على أنه أوجب الطلاق على زيد، وظاهر الآية أن زيدا طلقها باختياره، لقوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37] وأما السنة فليس فيها ما يقضي إيجاب الطلاق عليه، وقد سبق إلى تفسير قصة زيد على النحو الذي ذكره الغزالي جماعة من المفسرين فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قولها وعصيانها، وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له:
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب/ 37] أي فيما تقول وهو يخفي الحرص على
طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفى في نفسه ولكنه لزم ما يحبّ من الأمر بالمعروف.
وقال القاضي، والحافظ، وغيرهما: وما زعمه هؤلاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي امرأة زيد وأحب طلاقها، وأنه أخفى ذلك عن زيد حين استشاره في طلاقه غيره صحيح، وإن صح عن قائله فهو منكر من القول يتحاشى جانب النبوة عنه، إذ كيف يتصور أن سيد الأولين والآخرين ينظر إلى زوجة رجل من أصحابه الخصيصين الذي ادعاه ولدا له وأنها تقع في خاطره، وأنه يقصد فراق زوجها، ليتزوجها، معاذ الله أن ينسب ذلك إليه، ولو نسب ذلك لآحاد الناس لم يرضه لنفسه، ولا يرضاه أحد لغيره، ومن قال هذه المقالة فقد اقتحم أمرا عظيما في جانب النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصا في زينب، فإنها ابنة عمته أميمة ونشأت بمكة ورآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجاب ورآها مرارا كثيرة، وعرفها معرفة تامة، وهو الذي خطبها لزيد وزوجه إياها، فكيف يقال إنه لما جاء إلى بيت زينب يطلبه ورآها أعجبته حينئذ حتى عاتبه الله بسبب ذلك.
قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة عن السدي فساقها مساقا حسنا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها أياه ثم أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعد أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمره بفراقها، وكان لا يزال بين زينب وبين زيد ما يكون من الناس، فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له:«اتق الله وأمسك عليك زوجك» ، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، وعند ابن أبي حاتم أيضاً عن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه قال: أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكو إليه قال له: «اتق الله، وأمسك عليك زوجك» ، قال الله تعالى: قد أخبرتك أني لمزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها الطبري وابن أبي حاتم ونقلها أكثر المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد، والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله تعالى إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله تعالى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا في وقوع ذلك من إمام المسلمين، ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الحبط في تأويل متعلق الخشية. انتهى والله أعلم فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه.
وقال الشيخ أبو حيان: وهذا المروي عن علي بن الحسين، أي والسدي أصح ما قيل