الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة والعشرون:
وبعدم جواز الاحتلام عليهم على الصواب فإنه من تلاعب الشيطان.
وروى الطبراني والدينوري في المجالسة عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال:
ما احتلم نبي قط وإنما الاحتلام من الشيطان» .
الرابعة والعشرون:
وبأن الأرض لا تأكل لحومهم كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعا وسيأتي الكلام عليه في باب حياته صلى الله عليه وسلم في قبره بعد الوفاة.
الخامسة والعشرون:
وبأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كبيرة وليس كالكذب على غيره في تشديد الحرمة كما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة وقد جاء في حديث التحذير من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- حتى قال النووي- رحمه الله تعالى- أنه قيل جاء عن مائتين من الصحابة، ولا فرق في تحريم الكذب عليه بين ما كان من الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب، والمواعظ وغير ذلك وكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع من يعتد به وبأن من كذب عليه عمدا من غير استحلال يكفر ويراق دمه قاله الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين، والجمهور على خلافه وأنه لا يكفر إلا إذا استحل ذلك.
السادسة والعشرون:
وبأن من رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورته كما رواه البخاري عن أنس والشيخان عن أبي قتادة والبخاري عن أبي سعيد ومسلم عن جابر والشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الأنبياء.
وقال الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» ذكر المحققون أن هذا المعنى خاص به صلى الله عليه وسلم وقالوا في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع أحكام الحق وصفاته تخلقاً وتحققاً فإن من مقتضى مقام رسالته وإرشاده للخلق ودعوته إياهم إلى صفات الحق الذي أرسله إليهم هو أن يكون الأظهر فيه حكماً وسأظنه من صفات الحق وأسمائه صفة الهداية، والاسم الهادي كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله.. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى/ 52] فهو- عليه الصلاة والسلام صورة الاسم الهادي ومظهر صفات الهادي والشيطان مظهرا لاسم المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصورة الآخر فالنبي صلى الله عليه وسلم خلقه الله تعالى للهداية فلو ساغ ظهور إبليس في صورته زال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن شاء هدايته به فلهذه الحكمة عصم الله تعالى صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان.
فإن قيل: عظمة الحق سبحانه وتعالى أتم من عظمة كل عظيم فكيف اعتاض على
إبليس أن يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن إبليس اللعين قد تراءى لكثيرين وخاطبهم بأنه الحق طلبا لإضلالهم، وقد أضل جماعة بمثل هذا- حتى ظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه.
فالجواب من وجهين أحدهما: أن كل عاقل يعلم أن الحق- سبحانه وتعالى ليست له صورة معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذو صورة معينة معلومة مشهورة.
والثاني: أن مقتضى حكم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه متصف بصفة الهداية، وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد، وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله هداية به صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: المراد
بقوله «من رآني في المنام فقد رآني»
أن رؤياه صحيحة، لا تكون أضغاثا، ولا تكون من تشبيهات الشيطان قال: ويعضده قوله في بعض طرقه «فقد رأى الحق» وفي قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي» إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رآه على غيرها كانت تأويلا لا رؤيا حقيقية، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل.
قال النووي وهذا الذي قاله ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري قال الحافظ: وهذا الذي رده النووي روى عن ابن سرين أمام المعبرين اعتباره فقد روى: إسماعيل بن إسحاق بسند صحيح عن أيوب قال كان محمد- يعني- ابن سيرين إذا قص رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف الذي رأيته فإن وصف له صبغة لم يعرفها قال لم تره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قاله المازري، بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، وإن كان على غير صورته كان النقص من جهة الرأي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا: إذا قال الجاهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فإن وافق الصفة المرئية وإلا فلا يقبل منه.
قال الحافظ: وذهب الشيخ ابن أبي جمرة إلى ما اختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف، ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن، في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص، فذلك خلل في الرائي من الدين، قال: وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أولا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة
الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حس أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم إنه يعرض على سنة فما وافقها فهو حق، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي، أو بصره.
قال: وهذا خير ما سمعته في ذلك.
قال الحافظ: ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا تحتاج إلى تأويل وعليها يتنزل قوله «فقد رأى الحق» ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك، ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة من ذلك فقد رآه حقيقة وقال الغزالي: ليس معنى قوله «رآني» أنه رأى جسمي وبدني وإنما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك قوله «فسيراني في اليقظة» وليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال ومثل ذلك من يرى الله- سبحانه وتعالى في المنام قال فإن ذاته منزهة من الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فيقول: الذي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري، ما حاصله: أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله تبارك وتعالى على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك ويقدح في رؤيته، بل تكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل.
وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رآني الرؤيا الحق التي هي من الله تعالى وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي، وكذا أقوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق للباطل، وكذا قوله:«فقد رآني» فإن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد ابن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من
قوله «فإن الشيطان لا يتمثل بي»
أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، إن ذلك يكون حقا، بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم لما من الله تعالى به عليهم من تنوير قلوبهم.