الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمتولي: نساؤه خير نساء هذه الأمة المذكورة يحتملهما. والآية محتملة أيضاً لظاهر العموم، وقد يحتج له بأن هذه أمة خير الأمم، فنساؤها خير نساء الأمم، والتفضيل على الأفضل تفضيل على من دونه بطريق الأولى.
وفي هذا بحث من جهة أن التفضيل تحمله هذه الأمة، وتفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد، فقد يكون في الجملة المفضولة واحد أفضل من كل فرد في الجملة الفاضلة، ويكون في باقي الجملة الفاضلة أفراد كثيرة مجموعها أفضل من باقي الجملة المفضولة، أو من كلها، إذا فهمت هذا فانظر إلى الآية الكريمة تجدها اقتضت التفضيل على كل فرد لا على الجملة، فإن حملناها على العموم اقتضت تفضيل نسائه عليه الصلاة والسلام على كل فرد من جميع النساء، فيلزم أن لا يكون في واحد من النساء المتقدمة.
تنبيه:
الإجماع على أن النبي أفضل من غير النبي، وقد اختلفوا في مريم: هل هي نبية أم لا؟ وكذلك في أم موسى وآسية وحواء وسارة، ولم يصح عندنا في ذلك شيء وقد يشهد لنبوة مريم ذكرها في سورة مريم مع الأنبياء، وهي قرينة فإذا ثبتت نبوة امرأة، فإما أن يكون عاما مخصوصا، وإما أن يكون المراد نساء هذه الأمة وفي الحديث:«لم يكمل من النساء إلا أربع» ذكر منهن مريم وخديجة. ولا شك أن خديجة ليست نبية فلا دلالة في الحديث على كون مريم نبية أو ليست نبية، وبقي بحث وهو أن الآية الكريمة نصت على الإفراد بقوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب 32] وهو عام لأنه نكرة في سياق النفي، ولا شك أنه إذا أخذ واحد واحد كان مفضلا عليه، وإذا أخذ المجموع لم يلزم ذلك فيه وإذا أخذت جملة من آحاد المجموع احتمل أن يقال: إن حد العموم يشملها، ولا يخرج عنها إلا المجموع بضرورة التبعيض، فهذا البحث ينبغي أن ينظر فيه ويعمل ما يقتضيه ولا شك أنك إذا قلت: ما جاءني من أحد من النساء اقتضى نفي مجيء كل واحد منهم مطابقة، واقتضى نفي المجموع التزاما، وأما اقتضاؤه لنفي مجيء جملة منهم فهو بالالتزام كالمجموع، وقد قال القرافي: إن الضمائر عامة والظاهر أنه يحسب ما يعود عليه وهي هنا لجمع مضاف، فهي بجنسه وهو عام يدل ظاهرا على كل فرد ويحتمل المجموع، فضميره كذلك، فإن جعلناه للمجموع فمعناه أن جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من كل جمع من النساء قل أو كثر، وهذا نتيجة البحث المتقدم، فإن أحدا يجيء هنا بمعنى بعض، فهو وإن جعلناه لكل فرد فمعناه أن كل واحدة منهن مفضلة على جمع من النساء، على البحث المتقدم. وأما تفضيل كل واحدة منهن على مجموع النساء سواهن فاللفظ ساكت عنه، وقد ظهر من هذا أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مفضلات على نساء هذه الأمة، وكذا على نساء سائر الأمم: إن جعل اللفظ على عمومه إن لم يكن في النساء نبية لكن في هذا إشكال من ثلاثة أوجه:
الأول: أن فاطمة رضي الله عنها أفضل كما سنبينه. دل اللفظ بها أو نقول: إنها داخلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنها ابنته وهي داخلة معهن في اسم النساء في الجملة، والإضافة مختلفة فيها معنى النبوة وفيهن بمعنى الزوجية.
الثاني: أن الخطاب للنساء الموجودات حين نزول الآية، فيلزم أنهن أفضل من خديجة، ولا خلاف أن خديجة رضي الله عنه أفضل منهن بعد عائشة، وجوابه: أن خديجة داخلة في جملة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم تكن مخاطبة لكن دل الخطاب على أن التفضيل إنما حصل للمخاطبات لكونهنّ نساء النبي حاصل فيها فلا تخرج عن حكمه.
الثالث: أن يلزم تفضيل حفصة وأم سلمة وزينب وميمونة وسودة وجويرية، وأم حبيبة على نساء سائر الأمم إذا جعلنا النساء للعموم ولا شك أن مريم أفضل من هؤلاء الثمان للحديث:
«لم يكمل من النساء أربع» فذكر مريم وخديجة وجوابه: إنا نلتزم التخصيص لذلك، وعند هذا أقول: أن الآية تضمنت تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور منها: أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب 29] وكلهن محسنات فعلمنا أن الله أعد لهن أجرا عظيما عنده، ويصغر في عين العظيم العظائم فمعظم الأجر المعد لهن لا يعلمه إلا الله.
ومنها أنهن يؤتين أجرهن مرتين، ولهذا لم يحصل لغيرهن إلا للثلاثة المذكورات في القرآن والحديث.
ومنها إعداد الله عز وجل لهن رزقا كريما، والشهداء أثنى عليهم بأنهم عند ربهم يرزقون، وهؤلاء زادهن مع الرزق كونه كريما.
ومنها المعاونة (بينهن وبين)[ (1) ] غيرهن وإرادته تعال بإذهاب الرجس عنهن، وتطهيرهن تطهيرا مؤكدا، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وليس في الآية إلا ذلك، وشرفهن بانتسابهن إليه عليه الصلاة والسلام وأناقة قدرهن بذلك حتى تفارق صفاتهن صفات غيرهن، وليس في الآية تصريح بما أراده الفقهاء، وتكلفوا فيه من التفضيل حتى يتكلف النظر بينهن وبين مريم، فنقول ما قاله الله تعالى بقوله، ونسكت عما سكت عنه، وزعم بعضهم أن أفضل الصحابة زوجاته عليه الصلاة والسلام، لأنهن معه في درجته التي هي أعلى الدرجات، وهذا قول ساقط مردود، وأما فاطمة وخديجة ثم عائشة، رضي الله عنهن فقال البلقيني في «فتاويه» :
الذي نختاره أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، للحديث الصحيح،
وأنه قال لفاطمة: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين»
وفي النسائي مرفوعا: «أفضل
[ (1) ] في ج (عليهن وعن) .