الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادسة والتسعون
.
وبأن الله تعالى فرض على العالم طاعته والتأسي به فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء فقال جل اسمه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر 7] وقال:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء 80] وقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب 21] واستثنى في التأسي بخليله، فقال: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى أن قال: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة 4] الآية.
وبأنه تعالى وصفه في كتابه عضوا عضوا فقال في وجهه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ [البقرة 144] وفي عينيه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه 131] وفي لسانه: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ [الدخان 58] وفي يده وعنقه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء 29] وفي صدره وظهره: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح 1، 2، 3] وفي قلبه: نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [البقرة 97] وفي خلقه:
إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم 4] .
السابعة والتسعون
.
وبأنه صلى الله عليه وسلم فضل الله تبارك وتعالى مخاطبته من مخاطبة الأنبياء قبله تشريفا له وإجلالا وذلك أن الأمم كانوا يقولون لأنبيائهم: راعنا سمعك فنهى الله هذه الأمة إن يخاطبوا نبيهم بهذه المخاطبة فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا، وَقُولُوا: انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة 104] .
الثامنة والتسعون
.
وبأنه تعالى لم يخاطبه في القرآن باسمه بل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ بخلاف غيره من الأنبياء فلم ينادهم إلا بأسمائهم كما قال تعالى في حق غيره: يا آدَمُ، اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة 35] يا نُوحُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود 46] أَنْ يا إِبْراهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات 105] يا لُوطُ، إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود 81] يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص 26] يا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص 30] يا زَكَرِيَّا، إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مريم 7] يا يَحْيى، خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مريم 12] يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ [المائدة 110] وجمع في الذكر بين اسمه واسم خليله إبراهيم فسمى الخليل، وكنى محمدا صلى الله عليه وسلم فقال:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ [آل عمران 68] فهذا غاية الإجلال
والتعظيم صلى الله وسلم عليهما. فإن قيل: قد ذكر باسمه في قوله تعالى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف 6] وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ [محمد 2] وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران 144] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح 29] ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [الأحزاب 40] وغير ذلك فكيف يتم ما تقدم؟ فالجواب أنه إنما ذكر باسمه للتعريف بأنه الذي أخذ الله عهده على الأنبياء بالإيمان به، ولو لم يسمه لم يعرفوه بذلك والنداء إنما هو بالإجلال والتعظيم، والتسمية في مقام الخبر، فإن قيل: فقد ناداه ب: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل 1] وب: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر 1] فالجواب: أن هذا من باب التلطيف والرفق.
وقال الإمام العلامة جمال الدين محمود بن محمد بن جملة: إن قيل: والحكمة في التصريح باسمه في حديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه برفع العمى عنه فعلمه أن يقول: «اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي» إلى آخره فيمكن أن يقال في الأول: إنه إنما كان كذلك، لأنه لما كان التعليم من جهته تواضع لربه فصرح باسمه إلى آخره.
وأما الثاني: فلم يذكر الاسم فيه إلا مقترنا بالتعظيم، وهو وصفه للنبي بالرحمة، إذ المقام يقتضي ذلك، وظهر لي هاهنا معنى حسن وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا ألجم الناس العرق وسألوا عن من يشفع لهم إلى ربهم فسألوا آدم فمن بعده إلى أن ينتهوا إلى عيسى، فيقول: اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فذكره باسمه الدال على الصفة التي يحمده بها جميع الخلائق، وكأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود الذي يطلب فيه الشفاعة له علمهم أن يذكروا هذا الاسم الذي هو صفته في عرصات القيامة، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في وحين يأتي في ذلك اليوم، ويخر لربه ساجدا، يقول له ربه سبحانه وتعالى: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع إلى آخره فيناديه سبحانه وتعالى باسمه يا محمد، لما تقدم من المعنى، وفي الدنيا يناديه البارئ تعالى ب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ فانظر إلى هذا التعظيم العظيم ينادي في كل مقام بأشرف تعظيم يناسبه ذلك المقام ففي الدنيا بالنبوة والرسالة يشهد له بهما، وفي الآخرة لما تحقق الخلائق ناداه باسمه لما اشتمل عليه من المعنى المناسب لذلك المقام، وخص هذا الاسم من بين الأسماء، ليشهد له أيضاً سبحانه وتعالى بما دل عليه من المعنى المناسب لذلك اليوم وكيفا سبحانه وتعالى بما دل على صفة يحمده بها الخلق ليستدل بالنداء بها صلى الله عليه وسلم علي قبول شفاعته ثم عقّب ذلك سبحانه وتعالى بقوله: قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه فهو تكريم بعد تكريم، وتعظيم بعد تعظيم، وتفخيم بعد تفخيم.