الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
الفلاح والثورة
يبقى هناك سؤال، في جملة الأسئلة، التي لا بد لها وأن تصدم بقوة كل باحث في عمق الثورة الجزائرية، ويتلخص هذا السؤال بالتالي: لقد انطلقت شرارة الثورة في المدينة، فلم تلبث حتى ألهبت السهل والجبل، فهل كان ذلك لأن العشب الجاف، والوقود الصلب، في السهل والجبل، كان أكثر استعدادا للاحتراق بنار الثورة؟. لقد انسحب الرواد التاريخيون بعد أن أيقظوا شعب الجزائر بتظاهرتهم العنيفة، ليستقروا - كالعقبان - في صياصي الجبال، فهل كان ذلك لمجرد الإفادة من منعة الطبيعة الجبلية في الأوراس ومنطقة القبائل، وما توفره هذه المناطق من الحماية الطبيعية؟ ولقد ألقت فرنسا بثقل قواتها لقمع الثورة منذ بداياتها المبكرة، واحتمل سكان السهول والجبال من الضيم والعسف ما لا تحتمله إلا الجبال الراسيات، فلم تضعف لأبناء السهول والجبال قناة، ولم تلن لهم إرادة. وأتعبوا أقوى جيوش الاستعمار ولم يتعبوا، فهل كان ذلك بسبب طبيعة أبناء هذه المناطق؟ ولقد تشكلت المناطق المحررة، أول ما تشكلت، في مناطق الأوراس والقبائل الكبرى، فما هو السر في ذلك؟ إن السر كامن في ذلك التلاحم الخالد بين المواطن الجزائري والأرض الجزائرية، وهو التلاحم الأبدي بين المواطن والوطن - وقد
صدرت أبحاث كثيرة عالجت هذه النقطة بالذات وقد يكون من الأفضل الامتناع عن كل تعليق، وإفساح المجال أمام بحث عن (دور الفلاح الجزائري في الثورة)(1) صدر في المراحل الأخيرة من هذه الثورة.
(إن أبرز سمات الثورة العربية بالجزائر، ارتباطها بالأرض. فالأرض هي الإطار الذي أبرز النضال، والأرض هي منبع مقاومة جيوش الاحتلال، وهي المصدر لكل الانتفاضات التي تطورت إلى ثورة اعتبرت معجزة في تاريخ نضال الشعوب ضد الاستعمار).
وإذا تفحصنا تاريخ الجزائر، بمجهر النزاهة العلمية، والإنصاف الموضوعي. وجدنا أن الفلاح هو العنصر المحرك - الدينامي - الفعال الذي مارس دورا رئيسيا في المقاومة والثورات. فالفلاح هو الذي قاد المقاومة ضد جيوش الاحتلال الفرنسي، والتي استمرت من سنة (1830) حتى سنة (1903). ومن الفلاحين شكل الأمير عبد القادر جيشه الذي قاد المقاومة مدة سبعة عشر عاما (من سنة 1830 حتى سنة 1847). والفلاحون هم الذين قاموا بثورة (أبي بغلة) سنة (1851) وهم قاموا بثورة (بني سناسن) سنة (1859) وهم الذين قاموا بثورة (أولاد سيدي الشيخ الأولى سنة 1864) والفلاحون هم الذين كون منهم البطلان (الشيخ الحداد والمقراني) جيشا ثوريا (سنة 1871) اضطر فرنسا إلى إرسال ربع مليون جندي لإخماد هذه الثورة بعد أن خسرت فيها (60) ألف جندي. والفلاحون هم الذين قاموا بثور أولاد سيدي الشيخ الثانية (سنة 1881) عقب احتلال فرنسا
(1) المرجع: مجلة (الشباب) الجزائرية. العدد السادس - نوفمبر 1961، و 2 - 6 والبحث للكاتب الجزائري عثمان سعدي.
لتونس مباشرة. والفلاحون مع البدو، هم الذين حاربوا جيوش فرنسا بصحراء الجزائر من سنة (1889) حتى سنة (1892) والفلاحون هم الذين قاموا بثورة (أوراس - سنة 1917).
لكن لماذا كان الفلاح بالجزائر عنيفا في مقاومته للاحتلال الفرنسي؟ إن الأرض هي السبب الرئيسي في عنف مقاومة الفلاح بالجزائر للاحتلال. فتوزيع الأرض بالجزائر يكاد يشكل نموذجا فريدا في نوعه، في تاريخ الأقطار الحديث. وإذا ما عدنا إلى العهد التركي فإننا نجد أن إدارة الحكم قد اكتفت بممارسة سلطتها على المدن الكبرى والمناطق القريبة التي لا تتجاوز سدس القطر الجزائري. وتركت للجزائريين حرية إدارة بلادهم. فتشكلت في كل منطقة إدارة أشبه ما تكون (بجمهوريات قبلية) وهكذا فعندما احتلت فرنسا الجزائر وجدت أربعة أنواع من الملكيات العقارية التي تشغل خمسة أسداس الجزائر، وكانت هذه الملكيات كالتالي:
1 -
ملكية الدولة (البايليك).
2 -
أراضي (الأحباس) الموقوفة للمساجد والجمعيات الخيرية والهيئات الدينية.
3 -
أراضي القبيلة أو القرية (أراضي العرش) وهي عبارة عن ملكية جماعية.
4 -
أراضي الملاك الأفراد.
وتكاد الملكية الفردية تنعدم تماما بالمقارنة مع انتشار الملكية الجماعية. حتى أن القبائل بالجزائر لم تعرف الملكية الفردية إلا بعد دخول الفرنسيين. وقد كان لكل قرية أرضها الخاصة بها، يستثمرها سكانها استثمارا جماعيا. ويعين شيخ القرية في كل سنة، جزءا من الأرض لكل أسرة، وتضم مجموعات من الأسر الأراضي المخصصة لها
بعضها الى بعض، ثم تزرعها، وتتعاون في العناية بها وحصاد محصولها. وللفرد والأسرة حق استثمار الأرض وليس لهما حق الملكية.
لم تكن القبائل تعرف بيع الأرض قبل دخول الفرنسيين للجزائر. ولهذا فإن النظام الزراعي الذي كان قائما في العهد التركي لم يسمح بظهور الإقطاعية. وخلق نوعا من الحياة الديمقراطية التي تتخذ العدالة الاجتماعية قاعدة لها. فالأرض ملك للجميع، والفرص متاحة أمام الجميع للعمل. وما على الفرد إلا أن يكد ويعمل حتى يحصل على الانتاج الذي يحفظ لا كرامته الإنسانية. وقد شهد بذلك القادة العسكريون الفرنسيون ذاتهم عندما دخلوا الجزائر، ووجدوا بها حياة ديمقراطية أفضل من الحياة التي كانت سائدة في فرنسا ذاتها - مثل الكونت دي هيرسون - الذي كتب يقول:
(إنني أشك في أمر احتلالنا لهذه البلاد. فإن للقبائل حق الأولوية - الذي لا جدال فيه - من العيش بين منازلها على نحو ما كان عليه حالها منذ أجيال مضت. ويبدو لي أن العرب لم يسيؤوا التصرف في معيشتهم، ما داموا يحكمون أنفسهم بقوانين ديمقراطية صالحة
…
ونحن نقسو عليهم لا لشيء إلا لأننا أقوى منهم
…
).
ويقول العقيد - الكولونيل فوري - في ذلك ما يلي: (لم أر قط، ولم أكن أتوقع مثل هذه الكثافة من السكان، ومن ضخامة المراكز التي تجمعهم كما رأيت في جبال - بني بوعايش - وبني مالك - فهنا تجد المساكن المنعزلة كثيرة. ولكن تجد أيضا مداشر وقرى، شبيهة بالتي عندنا في فرنسا، وفوق أحسن وأجمل ما تكون من المواقع. كلها محاطة بالبساتين والجبال المشجرة العالية العظيمة بأشجار الزيتون فيها. ولقد وقفنا كلنا ونحن في دهشة وذهول أمام هذا المجال الطبيعي الذي لا يكاد يحد. ولكن الأوامر هي الأوامر .. وقد كان اعتقادي
أنني أقوم بواجبي كأكمل ما يكون، عندما لا أترك قرية واحدة قائمة، ولا شجرة واقفة على ساقها، ولا حقلا عامرا. وإن الشرور التي اقترفها جنودي كانت لا تعد ولا تحصى. ولكن هل ذلك شر؟ أم هو خير؟ إنني أعتقد أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لحمل السكان على الاستسلام والهجرة).
كان من نتيجة هذه الحياة الجماعية العادلة، أن عاش الفلاح الجزائري بمستوى حياتي جيد ترك أثره في بنيته وصحته. وها هو الجنرال - فالازيه - يشهد بذلك في أحد تقاريره:(كان هؤلاء البدو والسكان في القرى والمداشر، يمارسون بعض الألعاب الرياضة البدنية، التي جعلت منهم، مع ما كانوا يتمتعون به من الهواء الطلق والرخاء الحقيقي في المعيشة، رجالا كاملي الرجولة).
لقد جعلت الحياة الديمقراطية، ورخاء العيش، وسلامة البنية، من الفلاح بالجرائر، نموذجا كاملا للاسان الثائر، فهو لا يعرف سوى الحرية، ويجهل كل أنواع العبودية وأشكالها - إلا العبودية لله الواحد القهار - له نفس تأبى الضيم وتعاف الذل، جبار إذا ما شعر أن كرامته قد أهينت، أسد إذا اعتدي عليه. وإذا ثار فهو صامد لا تلين له قناة، له إصرار على الوصول إلى الهدف يبلغ إلى حد العناد. وهذا النموذج الكامل للإنسان الثائر في شخصية الفلاح العربي المسلم بالجزائر هو الذي جعل مؤسس الإستعمار الفرنسي بالجزائر، (الجنرال بوجو) يصيح صيحة ملؤها الإعجاب فيقول:
(آه! لو لم يكن هناك عرب في الجزائر، أو لو كان العرب يشبهون تلك الشعوب المائعة التي في الهند
…
لما نصحت بلادي جلب جالية لنقيم إلى جانب العنصر العسكري. ولكن وجود هذه الأمة التي بلغت من شدة المراس والاستعداد للحرب حدا أرفع بكثير
مما هو عند الجماهير الأوروبية، يضطرنا اضطرارا إلى أن نضع أمامها وحولها وفي وسطها سكانا يكونون على أوفر ما يمكن من القوة).
هذه الصلابة، وهذا الثبات، وهذا الإصرار، وهذه البطولة الأسطورية التي امتاز بها الفلاح الجزائري هي التي دفعت ضابطا فرنسيا آخر (اسمه فيستي) يصرح بإعجاب وهو يروي لقائده -الجنرال - في أحد التقارير حادثة رجلين اتهما بقتل ضابط تركي يعمل في الجيش الفرنسي، وحكمت عليهما السلطة الفرنسية بقطع يديهما. قال الضابط الفرنسي:(حزم ذراع كل منهما عند الزند، وشد على شرايينهما بحبل، ثم وقع جز اليد بتمهل وبطء. ثم رميت اليدان على وجهيهما. ولكن يا سيدي الجنرال، لقد رأيت هذا بعيني؛ إنه لم يظهر على الرجلين أثناء العملية أي شعور بالألم. لقد بقي وجه كل واحد منهما طبيعيا، لا أثر فيه للتوتر أو الانفعال. ثم تناول كل منهما يده الملقاة على الأرض بيده السليمة. وسار الرجلان جنبا إلى جنب وهما يتحادثان بهدوء عجيب إن رجالا من هذا النموذج قادرون على أن يفعلوا شيئا عظيما ورائعا).
لقد استخدم جيش الاحتلال كل وسائل الرعب والإبادة والتقتيل الجماعي والتعذيب، وعلى الرغم من ذلك كله، فقد صمد الفلاحون صمودا عجيبا، ولم يستسلموا أبدا. وهذا ما أكده ضابط فرنسي يدعى - كاروبير - في تقرير له:(تجولنا طويلا ونحن نحرق ونتلف ونسحق القبائل بين - البليدة - و - الشلف، وفي ضواحي - شرشال، وبالرغم من أن الرعب الذي نشرناه كان عظيما، فإن الهدف الذي كنا نريد تحقيقه وهو حملهم على الاستسلام، لم يتحقق).
وثورات هؤلاء الفلاحين العزل، الذين أحرقت مزارعهم وقراهم، وقتلت مواشيهم، وهدمت منازلهم، هي التي بقيت مصدر تهديد للجيش الفرنسي ذو الماضي العريق بالأمجاد العسكرية، والتاريخ الطويل بأعمال الإبادة. قال الدوق دورليان - وهو من طليعة الاستعماريين في فترة احتلال الجزائر: (إن هؤلاء الرجال، ذوي الحمية والبأس، أذاقوا الفرنسيين متاعب لم يعرفوها في كامل حروبهم الامبراطورية، وساهموا - أكثر من أي جيش
نظامي آخر - في تدمير الجيش الفرنسي
…
لقد كانوا يمنعون الجيش الفرنسي أن يذوق للنوم طعما، فكانوا يضطرونه للبقاء على قدم التحفز الذي لا يهدأ ..).
لقد فشلت كل الوسائل التي استخدمها الفرنسيون زمن الاحتلال، لإخماد ثورات الفلاحين بالقوة. إذن، فما هو الحل الناجح لإيقاف هذه المقاومة الجبارة؟ لقد توصل الفرسيون أخيرا إلى الحل الذي وصفه - لاموريسيير - وهو من أوائل رجال الاستعمار في الجزائر أيضا - بقوله:(لكي نحقق تلك الغاية، فإنه يجب علينا استيراد مزارعين أوروبيين، لأنه ليس باستطاعتنا أبدا أن نثق بالأهالي ثقة تامة، ذلك أنهم على استعداد دائم للقيام بالثورة عند سماع أول كلمة بإعلان الحرب. فبين الغزو والاحتلال الحقيقي، يكون استسلام العربي مجرد استسلام مرحلي لا بد منه. إن السكان المسيحيين المزارعين - الفرنسيين - هم وحدهم الكفيلون بتحقيق أملنا في الاستقرار يوما من الأيام في الجزائر. يجب علينا إحضار أكبر عدد ممكن من المزارعين المعمرين، ونشجعهم بأن نقتطع لهم الأرض ونملكهم إياها حتى تتزايد أعدادهم). وهكذا، فإن الحل الذي توصل إليه الفرنسيون للقضاء على مقاومة الفلاحين هو في
تجريدهم من مصدر هذه القوة الجبارة. وهذا اللباس السحري هو في حرمانهم من الأرض التي كيفت شخصيتهم وأبرزتها إلى الوجود كشحنات من الطاقات الثورية الرهيبة. وصار العقاب الذي يسلط على القبائل الثائرة من بعد ذلك، هو انتزاع أرض هذه القبائل وطردهم منها، فمثلا فرضت على القبائل التي قامت بثورة سنة (1871) غرامة قدرها (36) مليونا من الفرنكات مع تجريدهم من أملاكهم التي قدرها المؤرخون الفرنسيون بنصف مليون هكتار (والهكتار يساوي فدانين ونصف الفدان في الجزائر).
لجأ القادة الفرنسيون أيضا إلى إغراء المجندين في جيش الاحتلال، بمنح كل جندي أو ضابط حصته من أرض القرية المقهورة. وهكذا صارت أرض القرية تقتطع للضباط الذين يخمدون ثورتها، ويجلون أهلها عن ترابها. أما السكان، فكانوا يطردون إلى المناطق النائية عن العمران. وفي ذلك قال أحد الضباط الفرنسيين:(أما وقد عجزنا عن إخضاع الجزائريين، فلنقذف بهم بعيدا كالوحوش الضارية التي تطرد من الأماكن المأهولة. علينا أن ندفع بهم أمامنا مع تقدم العمران حتى نرميهم في الصحراء. ونبقيهم هناك إلى الأبد).
انتشرت على أثر ذلك المضاربة بأراضي القبائل السليبة، لا سيما بين الضباط الفرنسيين. قالت زوجة الجنرال (برو) في خطاب أرسلته إلى أحد أصدقائها سنة 1834 ما يلي: (تسألني أيها الصديق عما وصلت إليه أعمال الاستعمار هنا، والحق أنها اقتصرت حتى الآن على الاستيلاء والمضاربة بالممتلكات. الناس يضاربون على الأراضي كما يضاربون في الأسواق على النبيذ واللبن. وقد تدهش إذا قلت لك أن أراضي - بليدة - قد بيعت إلى آلاف من الأفراد قبل
استيلاء جيشنا عليها. ويجد المشترون متعة في تركيب نظاراتهم المقربة، والوقوف على أعلى الهضاب التي تبعد مسافة ثلاثة فراسخ من - بليدة - لتنعم أعينهم بمشاهدة الأراضي التي دفعوا ثمنها، ولما يستولي عليها الجيش بعد. ويتوجه الكثيرون إلى مكان - التوثيق - لشراء مساحات من الأرض على أساس الوعود فقط. وهكذا نجد أن سهل متيجة - أو متوجة - وهو عبارة عن مستنقع - يبلغ طوله خمسة وعشرون فرسخا وعرضه نحو اثني عشر فرسخا، قد بيع عن آخره مقدما، ولم يبق على المشترين الجدد إلا أن يدفعونا للتقدم نحوه، فنقتل أونقتل في سبيل الحصول عليه).
اكتشف الفرنسيون بعد مدة أن هذه الوسيلة لم تجد نفعا، مع صلابة الفلاحين، مع هذا العنصر المنتج والفعال - الدينامي - إذ أخذ الفلاحون بعد طردهم من أرضهم، يتجهون إلى مناطق أخرى، يستقرون بها، ويستصلحون بورها، ويستثمرونها بطريقتهم الجماعية التعاونية، ثم سرعان ما يتخذونها قاعدة للهجوم على جيش الاحتلال من جديد. ولقد تحدث (مالارمي) عن جماعات في شرق محافظة (قسنطينة) فرضت عليهم العقوبات من قبل. ثم أعاد (أولاد يحيى) تنظيمهم وجمع شملهم. وقال هذا (المالارمي):(لكننا سنعمل على إفقارهم. ففي ذلك الضمانة الوحيدة للمستقبل).
لجأ الفرنسيون إلى حل ثان من أجل القضاء على ثورات الفلاحين وإخمادها. وهذا الحل هو استعمال التشريع (القانون سلاحا يدعم عمليات اغتصاب الأرض من الفلاحين. ففي 31 تموز - يوليو - 1872، صدر أمر بأن يضم إلى أملاك الدولة مجموع الأرض الخالية من العمران، والتي لا يستطيع أصحابها تقديم
سندات تثبت ملكيتهم لها قبل تموز - يوليو - سنة 1830. (السنة التي وقع فيها احتلال فرنسا للجزائر). وبطبيعة الحال، كانت الملكية الجماعية هي السائدة آنذاك، وهي لا تحتاج إلى سندات يحصل عليها الفلاحون لتثبت ملكيتهم للأرض. وما دامت الأرض ملكا للقبيلة، وللفرد حق الاستثمار فقط، وليس له حق البيع، وهو نظام تعاوني يخلق جوا من الانسجام والتعاون بين أفراد القبيلة، ويجعل منهم كتلة قوية متماسكة، ما دام هذا النظام هو السبب الرئيسي في قوة جبهة الفلاحين وصلابتها، فلتصدر القوانين التي تهدف إلى تفتيت هذا النظام الاجتماعي، وتؤدي إلى تمزيق هذا التجمع المتماسك، وتقلب كتلة القبيلة أو القبائل المتلاحمة إلى مجموعة أسر وأفراد متخاصمين متشاحنين، بالقضاء على الملكية الجماعية، وبتوزيع أرض القبائل بين أسرها وأفرادها، ثم إجازة بيعها. وكان نص قانون الاستيلاء على الأرض الجماعية هو التالي:(أليست الأراضي الشائعة التي تملكها القبيلة هي ملكية جماعية، وهي شيء ملك الله قبل كل شيء، وإذن فهي ملك للبايليك أي للدولة، فهي التي تمثل الله على الأرض، أليست القبائل تملك الأرض هذه ملكية جماعية لاستيلاء العرب عليها بالقوة من قبل؟ ومن جهة أخرى، ألا يجب أن تنتج أكثر من انتاجها وهي على هذه الحال؟ إذن، فلتعبر القبائل مستأجرة لهذه الأراضي من الدولة، وليس هناك ما يمنع الدولة من أن تقسمها وتديرها إدارة حسنة، وتصدر فيها سندات ملكية).
لقد كان قانون سنة (1872) هو أخطر قانون دمر جبهة الفلاحين، وتظهر فظاعة هذا القانون من خلال تصريح أحد فلاحي قبيله (أولاد أرشاش) عندما قال معلقا على هذا القانون (لقد
تغلب الفرنسيون علينا في حقول السبيخه - وهي الأراضي التي كانت تمتلكها القبيلة التي طردت منها - وقتلوا شبابنا، وفرضوا علينا غرامات ثقيلة وضرائب فادحة، لكن كل هذا هين ولا يعد شيئا، والجراح لا بد لها من أن تلتئم
…
لكن إنشاء الممتلكات الفردية الخاصة، والترخيص لكل فرد ببيع الأراضي التي تكون من نصيبه بعد اقتسامها، معناه إصدار قانون بإعدام القبيلة. فبعد عشرين عاما من بدء تنفيذ هذا القانون، سيكون أولاد أرشاش قد انقرصوا عن آخرهم).
لم يكن قائل هذه المقولة خبيرا اقتصاديا، ولا باحثا أو فيلسوفا اجتماعيا، وإنما هو فلاح بسيط في الجزائر، عاش حياة الجماعة، وعرف أنها النمط الوحيد الذي يحافظ على وجود الفلاحين ويحميه من الانقراض أمام سياسة الإبادة المنظمة وأساليب الإفقار والتجويع التي اتبعتها فرنسا، وهي وحدها التي تضمن لهم القدرة لاستعادة قواهم، ثم استرجاع أراضيهم من أيدي المغتصبين الفرنسيين وما دام الفرنسيون قد أدركوا سر قوة القبيلة، عملوا على حلها، فقبيلته ستنقرض بعد عشرين سنة، وفقا لتوقعاته.
وصل الفرنسيون إلى هدفهم، فحلوا الملكية الجماعية، وبحلهم لهذا النوع من الملكية، توصلوا إلى تفتيت جبهة الفلاحين، وخلقوا منازعات بينهم تطورت إلى حروب بين القبائل من أجل رسم الحدود الفاصلة بين الملكيات. وقد حفظ لنا الأجداد قصصا عن فظاعة تلك الحروب التي وقف الفرنسيون الاستعماريون وراءها، وعملوا على تغذيتها وزيادة عمق الخصومات فيها. وما لبثت مقاومة الفلاح لجيوش الاحتلال أن أخذت في الانحدار والتناقص (بعد ثورة سنة 1871). ولم يكد يحل العقد الأخير من
القرن التاسع عشر حتى كانت هذه المقاومة الإيجابية قد وصلت إلى نهاياتها. ثم جاءت فترة صمت، لم يسمع خلالها صوت يرتفع بالاحتجاج أو يطالب بحق. وقد يتبادر للذهن هذا السؤال: كيف حافظ الفلاح على ثوريته، بعد الضربات المتوالية التي وجهتها السلطات الاستعمارية الى كيانه الاجتماعي ونظامه الاقتصادي؟ .. وكيف يمكن للفلاح أن يبقى ثوريا بعد أن افتكت أرضه منه؟ أليست الأرض هي مصدر هذه الطاقات الثورية المتفجرة؟ .. والجواب هو أن الفلاح الذي تفتت كيانه الاجتماعي على أيدي قادة الاحتلال الفرنسي، لم يعدم بقية من آثار هذا الكيان المرتبط بالأرض، نقلت له في إطار تقاليد توارثها أبا عن جد، من خلال حلقات السلسلة التاريخية التي تربط عهد قيام كيانه الاجتماعي بتاريخه الحديث.
إن الفلاح إذا ارتبط بالأرض ارتباطا وثيقا وسليما، وإذا دام هذا الارتباط مدة تمكنه من الإثمار، فقد حمل في نفسه آثارا عميقة لا يمحوها الزمن، ولا يزيلها تعاقب الأحداث. وكانت هذه الآثار شبيهة بما تركته الأشجار الباسقة من آثار في طول عنق الزرافة - بحسب نظرية داروين في النشوء والارتقاء وإن كنا لا نؤمن بها والا نعتقد بصحتها -. وإن الذي يعيش في قرية من قرى الجزائر، ثم تتاح له فرصة التأمل في بنائها الاجتماعي من الخارج، وفي العادات المتوارثة في هذا البناء، سرعان ما يدرك وجود بقية من تقاليد وعادات ترجع إلى عهد الحياة الجماعية للفلاحين. فبالرغم من أن كل فلاح له أرضه التي تفصلها عن أرض جاره حدود معينة، فإن مضمون العلاقات التي تربط بين الفلاحين بقي جماعيا.
فنظام (الخماسة والقطاعة والجيارة والمزارعة والتويزة) كلها أنواع من التعاون والتكامل الاجتماعي في مجتمع القرية.
فنظام (الخماسة) يتيح لمن لا يملك أرضا يستثمرها، أن يشارك من يمتلكون أرضا في القرية بجهده، وبتطوعه للعمل فقط، ويسمى الخماس، ويحسب له صاحب الأرض هذا العمل كطرف في شركة. فيقوم الخماس بعملية الحراثة ورعاية الحقول طوال السنة. أما جمع المحصول، فإن طبيعة موسم الحصاد تقتضي التعجيل به. ولهذا فإن جمع المحصول لا يقوم به الخماس وحده، بل يشارك فيه صاحب الأرض. وإذا احتاج الخماس إلى مواد غذائية لأسرته، قبل حلول موسم الحصاد، قدمها له صاحب الأرض. ويتقاضى الخماس حمس المحصول مقابل عمله.
ونظام (القطاعة) عبارة عن قيام صاحب العمل بجمع محصول الملاك، مقابل نسبة يتفق عليها الطرفان، وتتراوح بين سبع وثمن المحصول يدفعه صاحب الزرع (للمقاطعي) مقابل عمله.
ونظام (الجيارة) عبارة عن علاقة تربط بين صاحب الحقل والعمال الزراعيين، وفي أغلب الأحيان يكون هؤلاء العمال غرباء عن القرية، جاؤوا إليها من مناطق أصيبت بالجفاف. ويقوم (الجيار) بعملية الحصاد فقط، أي حصد الزرع وتكديسه في الحقل، ويأخذ في مقابل هذا العمل عشر الأكداس التي جمعها. ولا تعتبر هذه النظم الثلاثة بأن العامل أجيرا يعمل ليبيع عمله نقدا، وإنما تدخله شبه ثشريك في محصول صاحب الأرض، وتمنحه نسبة معينة من هذا المحصول.
أما نظام (التويزة) فإنها نوع من التعاون بين سكان القرية على حرث الحقول أو جمع المحصود. ويدعو الفلاح إلى (تويزة) ويحدد الجميع يوما معينا لذلك. ويتعاون كل سكان القرية على جمع المحصول. أما الفلاح الداعي إلى (التويزة) فيقوم بإحضار
الفطور إلى الحصادين في الصباح بالحقل. ثم يأخذهم إلى منزله عند الظهيرة ليتناولوا وجبة الغداء عنده. ومن شروط (التويزة) أن يتم جمع المحصول على أنغام المزمار، وتوجد ألحان خاصة (بالتويزة) تساعد على تنشيط الحصادين، وخلق جو التنافس بينهم. وقد أجري بحث في إحدى (التوائز) فتبين أن عامل الحصاد في التويزة ينتج أربعة أمثال ما ينتجه في يوم من أيام عمله العادية. وتتكفل القرية أيضا بحرث أراضي الأرامل واليتامى، وأراضي الأوقاف، وجمع محصولها. بل إن التعاون بين الفلاحين امتد حتى شمل الزواج والختان. فالشاب يستطيع أن يختار الفتاة التي تروقه، وإذا وقع الاتفاق بينه وبين ولي أمرها، فإن مسألة المهر لا تقف عائقا في طريقه. فسكان القرية يقومون بجمع المهر وتقديمه لولي أمر العروسة.
إن هذه العلاقات التي تربط بين سكان القرية، تعتبر امتدادا للحياة الجماعية التي كان يحياها الفلاحون قبل دخول الفرنسيين للجزائر، وتفتيتهم لهذا النظام الجماعي، وهذه العلاقات الجماعية هي التي مارست دورها الرئيسي والحاسم في إنجاح ثورة الجزائر.
وإلى جانب هذه العلاقات الاجتمامعية - وجدت بعض الخصال الأخرى - المتممة لها والناتجة عنها - في نفسية الفلاح، ساعدت على إنجاحه للثورة. وأهم هذه الخصال (الثقة بالنفس) فالمعروف عن الفلاحين في كل أنحاء العالم أنهم مصابون بعقدة (الشعور بالنقص) إزاء ابن المدينة، ينظرون إليه نظرتهم إلى إنسان حصل على مميزات لم تتوافر لهم فرصة الحصول عليها، كالثقافة والمدنية والثروة المستقرة. إلا أن الفلاحين بالجزائر شذوا عن هذه القاعدة، فهم يحتقرون ساكن المدينة، ويسمونه (البلدي).
ومضمون كلمة (البلدي) في ذهن الفلاح هو خليط من الميوعة والبخل والانحلال وضعف الشخصية. لقد كان الفلاحون يحبون الاستماع إلى كلمة (الاستقلال) من هؤلاء (البلديين). ولكنهم كانوا في الوقت ذاته يسخرون من وسائلهم للحصول على هذا الاستقلال، ويؤمنون إيمانا راسخا بأن الاستقلال يأتي على أيدي الفلاحين. والفلاحون وحدهم هم الذين يملكون الوسائل التي تمكنهم من طرد فرنسا وجيشها وشرطتها - بوليسها - من الجزائر.
كنت - قبل الثورة - أوزع في إحدى الجولات الانتخابية على الفلاحين، نشرات الدعاية لمرشح وطني، وكنت ألاقي من الفلاحين - في معظم الأحيان - سخرية من الانتخابات، واحتقارا للأحزاب التي شاركت فيها. إلا أنني لن أنسى أبدا حادثة وقعت لي مع فلاح عجوز:1 (ناولته الورقة، وشرحت له كيف يضع هذه الورقة في الظرف ثم يلقيها في صندوق الاقتراع. ثم ألقيت عليه خطبة حول إخلاص المرشح ووطنيته، وكيف سلخ سنوات من عمره في السجن، وعن مواهبه الخارقة وجدارته في تحقيق الاستقلال بسرعة). واستمع إلي الفلاح العجوز في هدوء. لم تتحرك أثناءه عضلة واحدة من عضلات تقاسيم وجهه. ثم رفع إلي عينيه الخضراوين، وقال وهو يضع التبغ في الورقة التي أعطيتها له قبل قليل، ويلفها، ويقول:(إن هذه الورقة لا تصلح إلا للف الشعرة - التبغ -) وأردت أن أثور في وجه هذا الفلاح الذي أهان مرشحي البطل .. لكن الفلاح العجوز أوقفني بإشارة من يده، وقال وهو ينفخ أول خيط دخان من فمه، ويتابعه بنظراته، ويشير إلي بسبابته الخشنة: (إن كل مجهوداتكم هذه تتلاشى مع خيوط هذا الدخان الأزرق في الفضاء الواسع .. إذا أردت الاستقلال،
فأعطني بندقية، وأنا كفيل بأن أحضر لك هذا الاستقلال، وأطرد الفرنسيين من الوطن). ثم انطلق الفلاح العجوز وتركني جامدا في مكاني أتابع ببصري خيوط الدخان المتلاشي في الفضاء الواسع، وأضغط على رزمة المنشورات في يدي بعصبية.
إن شهامة الفلاح جعلته ينظر إلى فشل أول جولة في الانتخابات، كصفعة وجهها إليه ساكن المدينة (البلدي). لقد صدق أسطورة الانتخابات في أول الأمر. ولكن سرعان ما تركها واعتبر دعوة ساكن المدينة المستمرة لها سلسلة من العبث غير المجدي والسخرية.
وثارت تونس في سنة 1952، أي قبل ثورة الجزائر بسنتين، وتبادرت إلى أسماع الفلاحين حوادثها محاطة بهالة من الأسطورة المحببة لدى الجماهير البسيطة، فانطلقت أفواج هؤلاء الفلاحين تخترق حدود تونس إلى معاقل جيش التحرير التونسي، لتحارب جيش الاستعمار. ويكفي أن نعرف أن (الأزهر شريط) أحد أبطال (معارك الجرف) الخالدة، وقائد منطقة الجبل الأبيض، كان يحارب في صفوف جيش التحرير التونسي قبل غرة نوفمبر - تشرين الثاني - 1954. واعتبر الفلاحون بالجزائر تقاعس شعبهم، في الوقت الذي تثور فيه تونس ومراكش - المغرب - لطخة من العار. وكثيرا ما كان الفلاح يصرخ عند سماعه إذاعة (صوت العرب) عن أنباء تونس والمغرب (ألسنا رجالا؟ هل التونسيون والمراكشيون أرجل منا؟).
بدأ شباب جيش التحرير الوطني في الإعداد للثورة، منذ بداية سنة 1954، وانطلقوا في عملهم إلى القرى، فوجدوا الفلاحين يتقدون حماسة للثورة، ويهتاجون كالبراكين، ويترقبوا شارة
الانطلاق ليثبتوا للعالم أن الجزائر ستبقى غنية بأبطالها ومجاهديها. وما إن أعلنت ساعة الصفر حتى انطلق هذا الفلاح البسيط يمنح الفعالية والقوة، لا لثورة الجزائر فحسب، بل وللثورة العربية في كل بقاع العالم العربي. وراح الفلاح يفتح الجبهات الجديدة، من غير أن ينتظر تكليفا أو أمرا من القيادة، وما هي إلا شهور قليلة حتى كانت جبال الأوراس والنمامشة وشمال قسنطينة وجرجرة تنطلق بحسم الثورة ممتزجة بألحان الحرية.
ويبقى للفلاح الجزائري الفضل في استمرار الثورة وتجاوزها للصعوبات والعراقيل، واختراقها للستار الحديدي الذي فرضه الاستعمار على الثورة الجزائرية. فلقد صمد الفلاح لسياسة التجويع والتشريد والإبادة. وكانت الروح التعاونية السائدة بين الفلاحين هي التي كفت جيش التحرير الوطني مؤونة البحث عن الملجأ والطعام واللباس. ولم يكن غريبا أن تتعرض المناطق لنقص في التموين والمواد الغذائية، حيث كانت المناطق التي تجتاحها القوات الفرنسية تستيقظ فجأة فتجد أن ما تمتلكه من المواد الغذائية قد نفذ في لحظة واحدة. وهنا كان يسرع الأغنياء، ومن تمكنوا من الحفاظ على احتياطي من الحبوب أو النقود، لتقديم العون، فيتقاسمون مع بقية سكان العربية لقمة العيش، إلى أن طلع عليهم يوم، وأكياس سكان القرية، كل قرية، غنيهم وفقيرهم، ملاكهم ومعدمهم، وهي خالية من الزاد، فارغة من التموين.
كان الفلاحون، في الوقت الذي يشاهدون فيه فلذات أكبادهم يتضررون جوعا، يرسلون الوفود إلى قادة جيش التحرير، ليقولوا لهم بالحرف الواحد: (إياكم أن تتوهموا ضعف معنوياتنا فتراودكم نفوسكم على التنازل، استمروا في الكفاح، اثبتوا على الاستقلال
الكامل. والله معنا).
حكى أحد الزعماء الجزائريين القصة التالية: (قابلت مرة أحد الفلاحين، وشكا لي حاله، وكيف قتل الفرنسيون كل أبنائه، ودمعت عيناه. فسألته رأيه في الاستقلال الداخلي. فأجابني والدموع تنهمر من عينيه: إن الدموع لا تجففها سوى راية الاستقلال التام).
لقد أدى شعب الجزائر واجبه كاملا في ثورة العرب المسلمين بالجزائر. وأبيد منه أكثر من مليون مواطن، ودمرت قراه، وأتلفت ثرواته، واعتدي على شرف بناته، ومثل به أشنع تمثيل، وعلى الرغم من ذلك كله، فإنه لم يضعف، ولم يهن، ولم يتراجع، حتى حقق هدفه (في الاستقلال).
…
يبقى هناك تعليق لا بد منه، إن الفلاح الجزائري، مثله كمثل كل فلاح في الوطن العربي - الإسلامي، يمثل أصالة الإنسان العربي المسلم. فالفلاح، بطبيعته المحافظة، وبفضائله التي يمتلكها (كالشرف والإخلاص وصفاء النفس والوفاء) علاوة على ما سبقت الإشارة إليه من فضائل معروفة (الإباء والنزوع إلى الحرية والأخذ بالثأر ورفض الذل والخضوع إلا لله وحده)،كل ذلك مما أسهم في حفاظ الفلاح على أصالته. ولم يكن من الغريب أن تحتفظ (قسنطينة - قاعدة ابن باديس) و (الأغواط) في قلب الصحراء وعلى تخومها، ومناطق القبائل الكبرى، بكل أصالة الإنسان المسلم. وهي الأصالة التي أعطت للثورة زخمها واندفاعتها رغم كل المحاولات لتشويه هذه الحقيقة والتنكر لها.
لقد استطاع الفلاح الجزائري الصمود في وجه التحديات الثقيلة بفضل تمسكه بفضائله الإسلامية، وهي الفضائل التي يحتل (حب الأرض) والدفاع عن (بلاد المسلمين) في طليعتها، وبغير ذلك، لا يمكن فهم اندفاع الفلاح الجزائري لمساندة أخيه المجاهد في تونس والمغرب، وبغير ذلك أيضا، يصبح من المحال فهم الدعم المتبادل الذي استمر طوال الثورة ما بين الجزائر وجارتيها المغرب وتونس، والذي بقي الفلاح هو سدى هذا التعاون ولحمته، وهو العامل الذي سيبقى أبدا وسيلته وغايته.
***