المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صدق الثورة ينتصر على كذب الاستعمار - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٢

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ صدق الثورة ينتصر على كذب الاستعمار

6 -

‌ صدق الثورة ينتصر على كذب الاستعمار

وتستمر الثورة في طريقها، متمسكة بفضائلها، معززة لقيمها، متباهية بأخلاقها، متحلية بإيمانها، لا يردعها عن هدفها رادع، ولا يحرفها عن طريقها عارض، مهما كبر وتعاظم، ويظن الاستعماريون أنهم بافتراءاتهم ومزاعمهم الكاذبة قادرون على حجب وهج الحقيقة الساطعة والمعتمدة على صدق الثوار وعزيمة الأحرار. فلا تلبث المزاعم الكاذبة أن تتهاوى، ولا تلبث الأقنعة المخادعة أن تتساقط. وتصاب الأجهزة الاستعمارية بالإحباط المرة بعد المرة، وتتلاحق عليها الهزائم الكرة بعد الكرة، وتتلقى الضربات الموجعة الصربة في إثر الضربة، وكان من أقسى تلك الهزائم، وأوجع تلك الضربات هي التي جاءت عن طريق (المحايدين) من المراقبين، أو حتى عن طريق الفرنسيين ذاتهم ممن عاشوا حياة الثورة بصفائها ونقائها وطهرها، سواء بسبب وقوعهم في أسر الثوار، أو بسبب معايشتهم لظروف الثورة. وقد تحدث الأسرى الفرنسيون بصراحة أذهلت الاستعماريين، فكان في ذلك نصرا حاسما من انتصارات جيش التحرير على الأكاذيب الفرنسية (1).

لقد أطلقت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في بداية سنة

(1) المرجع، مجلة (المجاهد) الجزائرية، العدد 43 تارخ 1/ 1959/6.

ص: 91

(1959)

سراح مجموعة مكونة من (16) أسيرا، بينهم أسير سويسري و (6) مدنيين فرنسيين والبقية من العسكريين الفرنسيين. وقد كان لهذا العمل الإنساني صداه البعيد في أوساط (الصليب الأحمر الدولي) الذي نشر بلاغا عبر فيه ارتياحه لموقف جيش التحرير - وقد قام جيش التحرير الوطني بهذا العمل الإنساني في الوقت الذي كان فيه العسكريون الفرنسيون يمارسون أبشع أعمال القمع والعنف والتعذيب ضد المدنيين الجزائريين، وفي ذات الوقت الذي يتعرض فيه أكثر من مليون جزائري في مراكز التجمع الى الموت البطيء والمجاعة المنظمة. وقد صرح أسيران فرنسيان ممن كانوا بالولاية الثالثة، تصريحات عبرا فيها عن المعاملة الطيبة التي يلقاها أسرى جيش التحرير، وكان في أقوالهما ما يلي:(إننا نحب أن نعلن عن المعاملة الطيبة التي لقيناها من الوطنيين الجزائريين، فلم نتعرض أبدا للشتم أو الإهانة، ولم يستعمل ضدنا أي ضغط مادي أو معنوي، وكنا نتناول طعامنا قبل الجميع. وفي غالب الأحيان كنا نخجل من هؤلاء الرجال الذين يعاملوننا بمنتهى الطيبة والروح الإنسانية في الوقت الذي خربت ديار أكثرهم وقتلت عائلاتهم).

(لقد كنا نظن أننا وقعنا بين أيدي عصابة من القتلة، ولكننا اكتشفنا جيشا نظاميا، ولقينا رجالا يمتازون بالنظام والحماسة والعزيمة القوية ويجاهدون لتحقيق هدف نبيل يؤمنون به.

إن جنود جيش التحرير شبان متفائلون، يستقبلون الحياة بالبهجة والثقة، وهم يضجون حيوية ونشاطا، ويشعر الإنسان معهم أن الحياة تتدفق من نفوسهم الفتية، الشابة، في قوتها وخصب، وأن هذه الصفة هي الميزة الرئيسية لكل من وقفوا حياتهم في جميع

ص: 92

أنحاء العالم من أجل خدمة العدالة والحرية.

إن أهم ما لاحظناه كذلك هو الروح الأخوية المهيمنة على علاقات جنود جيش التحرير بعضهم ببعض. فالضباط والجنود يعيشون بطريقة واحدة، ويتناولون طعاما واحدا. ولا تمنع الروح الأخوية من وجود طاعة شاملة ونظام متين يستمد قوته من كونه صادر عن طواعية واختيار.

لقد كان ضباطنا يقولون لنا في الثكنات أن جنود جيش التحرير لا يجدون ما يأكلون، ويتغذون من الأعشاب وجذور النباتات، ولكننا وجدنا الأمر على النقيض من ذلك؛ فالطعام متوافر بكميات كافية، وهو جيد في نوعه - في معظم الأحيان - وقد دهشنا للمستوى الرفيع من التنظيم الذي لم يكن لنا أن نتصوره على الإطلاق. ولقد رأينا وحدات عديدة وهي مسلحة بأفضل وأحدث الأسلحة. والتقينا بممرضين أكفياء، وبرجال فنيين يعملون في صناعة الأسلحة وإصلاحها، وبغيرهم من العناصر التي لا يضمها إلا جيش منظم حديث).

ومقابل ذلك، فإن معنويات الجيش الفرنسي منهارة جدا، فهو لا يحارب في سبيل مثل عليا أو هدف نبيل. ونحن نعلم أن الحرب التي يدفعوننا إليها تقوم على الظلم والاستعمار. ولو كان الجنود الفرنسيون يحاربون دفاعا عن استقلال وطنهم، لأظهروا نفس العناد، وذات الشجامعة التي يبديها مجاهدوا جيش التحرير الوطني

الجزائري، ولكنهم يرفضون أن يقتلوا من أجل حفنة من الاستعماريين (الكولون). إن الجندي الفرنسي يؤدي مهمته في

ص: 93

هم وقلق. وفي القلعة الزرقاء أطلق جندي رصاصة على فخذه حتى لا يشترك في العمليات. وفي كل الثكنات والمراكز يرتفع صوت واحد: (اتركونا نرجع إلى أهلنا). وإذا كان الشباب المترف من أبناء الإستعماريين (الكولون) يريد متابعة الحرب، فما عليه إلا أن يحارب ينفسه. إن من السهل على الرجال الاستعماريين أن يتصايحوا في طرقات الجزائر، بعد الرجوع من حفلات الرقص أو السينما، ومن السهل عليهم أن يتابعوا الحرب بدماء غيرهم. فليأتوا بأنفسهم الى المجزرة، وليحتملوا جزءا من غرائم الحرب.

إننا نعرف زيف البلاغات الفرنسية وكذبها، ولهذا فإنه ما من أحد منا يصدقها. إنهم لا يعرفون كيف يكذبون، وفي كثير من المرات كنا نعيش بأنفسنا الوقائع الصارخة التي تكذب بلاغات القيادة الفرنسية. فمنذ بضعة شهور، وقع جنود فرنسيون في كمين بناحية (المياه الساخنة) وقتل فيه (12) جنديا من زملائنا. وفي الغد قرأنا في الصحف أن الجيش الفرنسي نصب كمينا في المكان ذاته وقتل عشرات من الثوار. ولم ندهش لهذا الخبر، لأننا لو صدقنا البلاغات العسكرية الفردية، وما تقتله هذه البلاغات كل يوم من جنود جيش التحرير الوطني، لما بقي حتى الآن أي جزائري على قيد الحياة ولكانت الحرب قد انتهت منذ زمن بعيد.

أما في مجال علاقة الجنود الفرنسيين بالاستعماريين (الكولون) فيكفي القول بأن رجال الكولون يتظاهرون بالرقة واللطف مع القادة والضباط، ولكنهم يعاملون الجنود بوقاحة سافرة، وباستهتار يتجاوز كل الحدود. ففي الوقت الذي نسهر فيه على حراسة مزارعهم، محتملين قسوة البرد ولهب الحر، ومعرضين للموت المباغت في ظلمة الليل، يعيشون هم حياة

ص: 94

مترفة ناعمة هنيئة. ونفسيتهم هي نفسية محدثي النعمة الذين لا يحترمون إلا القوة المرافقة (للرتب والألقاب). وذات مرة كنا نقضي الليل في حراسة مزرعة (الأخوة صوير) قام هؤلاء بدعوة ضباطنا لتناول القهوة داخل المزرعة. وعندما سألهم أحد زملائنا إذا كان لديهم شيء من القهوة للجنود، أجابوه: بأن أمامهم الماء إن أرادوا شرب شيء.

وفي مجال علاقة الجنود الفرنسيين بجنود (القوم والحركة - من الجزائريين) فإنه بالإمكان القول، بأنه لم تكن لنا علاقة وثيقة بهؤلاء المرتزقة الذين لا نثق فيهم. وكنا نحتقر بيعهم لأنفسهم من أجل المال، وهم يعيشون منعزلين، ويتناولون طعامهم وحدهم، وينامون منعزلين، ومما زاد من مضايقاتهم وجود نسائهم معهم في المركز، الأمر الذي أدى في إحدى المرات، بالضابط المسؤول عن المركز، الى طردهم جميعا ما عدا ثلاثة منهم أما فيما يتعلق بقائدهم، المدعو (الشريف بن العيد) والذي سمى نفسه (الكولونيل - العقيد سي الشريف) فإننا لم نلتق به أو نجتمع إليه، ولكننا نعرف أنه تلقى في شهر كانون الثاني - جانفي - 1959: أمرا من الجنرال (ديغول) بأن يحمل رتبة (ملازم ثان - سوليتنان) فقط. وكان هو ينتحل رتبة عقيد (كولونيل) فتألم للأمر، واتخذت الاحتياطات توقعا لأي احتمال يمكن حدوثه، وألغيت إجازاتنا، وأعلنت حالة الطوارىء حتى نشدد الحراسة عليه حتى لا يفر. ولا يحمل ضباطنا أي احترام لهذا الشخص الذي يأخذون عليه رفضه الدائم للمشاركة في المعارك. أما هو، فإنه يتشبث بحمل رتبة عقيد، رغم ابتسامات السخرية التي يلقاها من الضباط الفرنسيين.

***

ص: 95

ما إن تم إطلاق سراح الأسرى حتى أسرع مراسلوا الصحف الفرنسية بالجزائر، لإجراء المقابلات معهم، والاستعلام عن طبيعة حياتهم في الأسر، وعن معاملة جيش التحرير لهم، فكتبت صحيفة (أوران ريبو بليكان) الصادرة يوم 21 أيار - مايو- 1959 ما يلي:(كان من بين الأسرى ثلاثة جنود مكثوا في الأسر مدة خمسة عشر شهرا ونصف وهم: بيير دي غانيدو، وريمون كابل، وبرانجينوا ديفيزا. وقد سردوا قصتهم فقال - دي غانيدو-: بعد وقوعنا في الأسر أخذنا الثوار معهم، ومشينا لمدة خمسة عشر يوما، ثم قدمونا الى الكولونيل - العقيد عميروش - الذي أكد لنا أنه سيطلق سراحنا قريبا، إما عن طريق الصليب الأحمر، أو عند نهاية الحرب. وهنا قاطعه صاحبه كوبل بقوله: ولم يسألنا عميروش أي سؤال، بل قال لنا أنه لا يطلب منا المعلومات لأنه يعرفها أحسن منا، وأخبرنا على سبيل المثال عن عدد الجنود في مراكزنا، مع أننا لم نكن نعرف نحن عددنا بالضبط. ثم استأنف - بيير دي غانيدو- حديثه قائلا: وفي الفترة الاولى من أسرنا حدث أن مكثنا في مكان واحد لمدة خمسة أشهر، وفي الليل، لا يتحدث حراسنا إلا عن حياة الجهاد، أما نحن فلا نتحدث إلا عن الطعام والمأكل، ونحلم بالمآدب الفخمة والأطعمة الفاخرة الشهية).

وكتبت صحيفة (صدى الجزائر- ايكو دالجي) الصادرة يوم 21 أيار - مايو- 1959 تحقيقا مع الأسرى جاء فيه: (قال دي غانيدو: لقد سمعت يوما بوضوح تام ضابطا فرنسيا يعطي أوامر السير لفصيلته، ولم يكن الجنود الفرنسيون يبعدون عن مخابئنا بأكثر من ثلاثين مترا، كما كانت الطائرات العمودية - الهيليكوبتر - تحلق فوق تلك المخابىء على مسافة منخفضة، من غير أن تتمكن من اكتشافها

ص: 96

أو رؤيتها. ولم يكن المجاهدون يعتبروننا مسؤولين عن الخسائر التي تصيب المدنيين من جراء قصف الطائرات الفرنسية. وفي المساء يأتوننا بالصحف، ويقرؤون لنا الأخبار، وكان أمين سر الولاية الثالثة - السكرتير - يقرأ لنا ما تحتويه صحيفتي (لوموند) و (الاكسبريس).

لقد جاء (ديغول) الى الجزائر، وإذ ذاك راود بعض الجنود أمل بأن تحصل الحكومة الجزائرية على استقلال الجزائر، عن طريق المفاوضات مع (ديغول) ولكن طبيبهم الذي كان يتناقش معهم أقنعهم بأن هذا الأمل بعيد التحقيق. لأن (ديغول) لن يقبل بالتفاوض مع (عباس فرحات) في بلد محايد. ولن يقبل (عباس) كذلك أن يذهب إلى باريس إذا لم يسبق ذلك مفاوضات تمهيدية. وحينئذ قال الجنود - المجاهدون - أنهم سيحاربون حتى النهاية من أجل الحصول على الاستقلال الذي هو مثلهم الأعلى، ولكنهم كانوا يعبرون عن هذا الإصرار من غير حقد ولا ضغينة. وتابع - دي غانيد -قوله: لقد بلغ عدد الأسرى - في بعض الأوقات - وفي المعسكر الذي كنا فيه فقط (25) أسيرا. أما (ديفيزا) صانع الأخشاب في (بوفاريك) و (هرننديز) الذي يعمل طباخا في (بوغني) الذي أسر منذ شهر ونصف عند عودته من إجازته في طريق (شعبة العامر) فقد أكد الاثنان بأن الثوار ليس لهم أي شعور عدائي خاص نحو الأوروبيين القاطنين في الجزائر - وقال (ديفيزا): لقد كانوا

يعاملوننا معاملة حسنة، مثل بقية زملائنا الأوروبيين القادمين من فرنسا، وكانوا يتوجهون بالحديث إلينا على الخصوص لأننا نفهم اللهجة العربية.

لقد علم الأسرى بموت القائد (سي عميروش) بعد يومين أو

ص: 97

ثلاثة من وقوع الاشتباك في (بو سعادة). وكان الحراس يتناقلون همسا بأن (سي عميروش) قد استشهد. ولكن لم يظهر عليهم أي تخوف من عواقب الحادث، بل كانوا يرددون بأنه (مكتوب). وفي 11 أيار - مايو- جاءنا القائد الذي تولى قيادة الولاية الثالثة بعد (عميروش). وقال لنا: إني أحمل لكم خبرا سعيدا فإننا سنطلق سراحكم يوم 18 أيار - مايو - جميعا، من مدنيين وعسكريين. فقد وصلتنا أوامر من حكومتنا بإطلاق سراحكم. ثم زارنا الطبيب في يوم 16 أيار - مايو - وسلم لنا ملابس نظيفة، وقبل ذهابنا قال لنا أمين سر الولاية الثالثة - سكرتيرها -: إننا لا نطلق سراحكم من أجل الدعاية في الخارج، ولكننا نرجع إليكم حريتكم بدافع إنساني محض. وعند توديعنا صافحنا جنود (جيش التحرير الوطني) بود خالص وقالوا لنا: إنهم مسرورون من أجل إطلاق سراحنا، واسعادتنا لحريتنا.

لقد أثارت هذه المقولات عاصفة قوية في غير مصلحة فرنسا، لا سيما وأنها أثارت مجال المقارنة بين هذه المعاملة الإنسانية السمحاء، وبين ما يلقاه مجاهدو جيش التحرير الوطني، ومناضلو جبهة التحرير الوطني، على أيدي الجلادين الفرنسيين عندما يقعون في قبضتهم، لا في الجزائر وحدها، وإنما في فرنسا أيضا. وكان من المفروض أن تتعلم (فرنسا الحضارة) من (جزائر الثورة) أساليب التعامل الإنساني. غير أن الحضارة المجردة من إنسانيتها مضت في وحشيتها، ويكفي التوقف عندما جاء في (نشرة جزائرية) بعد ذلك بمدة سنتين تقريبا، حيث ورد ما يلي (1):

(1) المرجع: نشرة جزائرية تحمل ما يلي (الجمهورية الجزائرية - وزارة الداخلية - نشرة داخلية - نوفمبر - 1961 - الصفحة الأولى).

ص: 98

(صوتت هيئة الأمم المتحدة أخيرا على توصية طلبت فيها إلى الحكومة الفرنسية احترام الأنظمة العالمية، بمنح المعتقلين السياسيين حقوقهم، ويلاحظ أن مظاهرات فرنسية مرت من أمام السجون الفرنسية، فبعد النساء الفرنسيات، طالب جمع من الشبان يقدر بعشرين ألف متظاهر، بوضع حد للظروف المهينة التي يعيشها المعتقلون الجزائريون في سجون فرنسا. ومن الملاحظ عجز فرنسا عن تحقيق التطابق بين أقوالها وأفعالها، فبينما تتحدث الحكومة الفرنسية (الديغولية) عن رغبتها في السلم بواسطة التفاوض مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. تتابع - هذه الحكومة - سياستها المجردة من كل المعاني الانسانية، فتخضع المعتقلين لأقسى أنواع القمع والقهر، وليس ذلك فحسب، بل إن القمع المنظم قد اتسع نطاقه حتى بات يشمل كل الجزائريين المهاجرين في فرنسا، بحيث بالت من الصعب وصف العمل الفرنسي ضد الجزائريين بغير كلمات الوحشية والفظاعة والعنصرية. وبات لا يمضي يوم من الأيام، إلا ويتم فيه التقاط جثث الأخوان الجزائريين الذين عذبوا، واستشهدوا ; وقذف بهم في نهر السين، ولا يمر يوم إلا يتم فيه اكتشاف جثث جديدة، فالشرطة الفرنسية (البوليس) تقتل، وتبيد، وتنهب، وتخفي جرائمها، ولقد التقطت ستين جثة من نهر السين، واكتشفت أيضا ثلاثين جثة في (غابة بولوني). واليوم يعترف القتلة بجرائمهم.

ولقد وزع منشور - غير موقع - يحمل عنوان (جمع من رجال الشرطة - البوليس - الجمهوريين) وجاء في هذا المنشور: (من بين آلاف الجزائريين الذين اقتيدوا إلى ساحة المعارض في باب فرساي، قتل عشرات بمؤخرات البنادق - أعقابها - وبالعصي -

ص: 99

الهراوات) فهشمت أعناقهم، أو حطمت أعضاؤهم، أو فتت أكبادهم، وسحقت أجسامهم وديست على مرأى المراقب العام المحترم (السيد باريس). في حين اقتلعت أصابع أو أظافر بعضهم من قبل رجال الأمن والدرك - الجندرمة - المتجولين الذين أطلق عليهم تجاوزا، ظلما وعدوانا، اسم: لجنة الاستقبال. وبالاضافة الى ذلك، فإن ميليشيا (المنظمة السرية المسلحة) تقتل وتنهب في طمأنينة كاملة تحت حماية (ميشيل دوبريه) الذي يشاركهم جرائمهم ويحميهم من المثول أمام العدالة. أما نحن - الثوار - فمثلنا اليوم مثل ما كنا بالأمس، وإن إرادتنا في تحرير بلادنا لن تضعف، لا بالإغراق في مياه السين، ولا في اعتقال إخواننا وإخضاعهم لظروف عنصرية وغير إنسانية - لقد عاهدنا على ذلك، وسنستمر حتى تتحقق تطلعاتنا الوطنية).

ص: 100