الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ الطُّيورِيّ، سَمِعْتُ الصُّوْرِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ نُوْحٍ، سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ العَسَّالَ، سَمِعْتُ صَالِحاً جَزَرَةَ يَقُوْلُ:
يحتَاجُ المُحَدِّث أَنْ يَكْتُبَ مائَة أَلْفٍ وَمائَة أَلْف - فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ: وَمائَةَ أَلْفٍ وَيرْفَعُ رَأَسَهُ إِلَى فَوْقَ، حَتَّى كَادَتْ قَلَنْسَوَتُهُ أَنْ تَسْقُطَ - حَدِيْثٍ بِعُلُوّ، وَمائَةَ أَلْفٍ وَمائَةَ أَلْف - وَجَعَلَ يخفِضُ رَأْسَهُ حَتَّى عَادَتِ القَلَنْسُوَة - حَدِيْثٍ بِنُزوْلٍ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ صَاحِبُ حَدِيْثٍ.
13 - مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ الحَجَّاجِ المَرْوَزِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلَامِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ.
مَوْلِدُهُ: بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، وَمَنْشَؤُهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمَسْكَنُهُ سَمَرْقَنْدُ.
كَانَ أَبُوْهُ مَرْوَزِيّاً، وَلَمْ يُرْفَعْ لَنَا فِي نَسَبِهِ.
ذَكَرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: إِمَامُ عَصْرِهِ بِلَا مُدَافعَةٍ فِي الحَدِيْثِ.
سَمِعَ بِخُرَاسَانَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي خَالِدِ يَزِيْدَ بنِ صَالِحٍ، وَعُمَرَ بنِ زُرَارَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ المَرْوَزِيّ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَعَلِيّ بنِ حُجْرٍ.
وَبَالرَّيِّ: مُحَمَّدَ بنَ مِهْرَانَ الحَمَّالِ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُقَاتِل
= وفيه: " لتعقل عنه " بدل " لتفهم عنه " ووهم الحاكم في استدراكه هذا الحديث، ودعواه ان البخاري لم يخرجه.
(*) طبقات العبادي: 49، تاريخ بغداد: 3 / 315 - 318، طبقات الشيرازي: 106 - 107، المنتظم: 6 / 66 63، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 94 92، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 112 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 650 - 653، العبر: 2 / 99، دول الإسلام: 1 / 178، الوافي بالوفيات: 5 / 111، مرآة الجنان: 2 / 223، طبقات الشافعية للسبكي: 2 / 246 - 255، البداية والنهاية: 11 / 103 102، تهذيب التهذيب: 9 / 489 - 490، النجوم الزاهرة: 3 / 161، طبقات الحفاظ: 284 285، حسن المحاضرة: 1 / 310 - 312، مفتاح السعادة: 2 / 71، شذرات الذهب: 2 / 216 - 217، الرسالة المستطرفة:46.
وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَبِبَغْدَادَ: مُحَمَّدَ بنَ بَكَّار بنِ الرَّيَّانِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيّ، وَالطَّبَقَة.
وَبِالبَصْرَة: شَيْبَانَ بنَ فَرُّوخٍ، وَهُدْبَةَ بنَ خَالِدٍ، وَعبدَ الواحدِ بنَ غِيَاثٍ، وَعِدَّةً.
وَبَالكُوْفَةِ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَهَنَّاد، وَابنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَطَائِفَةً.
وَبَالمَدِيْنَةِ: أَبَا مُصْعَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ المُنْذِرِ الحِزَامِيّ، وَطَائِفَةً.
وَبَالشَّامِ: هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَدُحَيْماً.
قُلْتُ: وَبِمِصْرَ مِنْ: يُوْنُسَ الصَّدَفيِّ، وَالرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، وَأَبِي إِسْمَاعِيْلَ المُزَنِيّ، وَأَخَذَ عَنْهُ كُتُبَ الشَّافِعِيّ ضَبْطاً وَتفَقُّهاً.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَبَرَعَ فِي عُلُومِ الإِسْلَامِ، وَكَانَ إِمَاماً مُجْتَهِداً عَلَاّمَةً، مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونَ مِثْلَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (1) :حَدَّثَ عَنْ: عَبْدَانَ بنِ عُثْمَانَ.
ثُمَّ سمَّى جَمَاعَةً، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُم فِي الأَحْكَامِ.
قُلْتُ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ أَعْلَم الأَئِمَّةِ بِاخْتِلَافِ العُلَمَاءِ عَلَى الإِطلَاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّر، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، وَأَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَوَلَدُهُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ نصرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّة: لَوْ لَمْ يُصَنِّفِ ابْنُ نَصْرٍ إِلَاّ كِتَابَ: (القسَامَةِ) لكَانَ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيّ، وَقِيْلَ لَهُ: أَلَا تَنْظُرْ إِلَى تَمَكُّنِ أَبِي
(1) في " تاريخه " 3 / 315، وما بن حاصرتين منه.
عليٍّ الثَّقَفِيِّ فِي عَقْلِهِ؟
فَقَالَ: ذَاكَ عَقْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
قِيْلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: إِنَّ مَالِكاً كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: صَارَ إِلَيْهِ عَقْلُ الَّذِيْنَ جَالسَهُم مِنَ التَّابِعِيْنَ، فجَالَسَهُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيّ، فَأَخَذَ مِنْ عَقْلِهِ وَسَمْتِهِ، ثُمَّ جَالسَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ سِنِيْنَ، حَتَّى أَخذَ مِنْ سَمْتِهِ وَعَقْله، فَلَمْ يُرَ بَعْدَ يَحْيَى مِنْ فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ أَعْقَلُ مِنِ ابْنِ نَصْرٍ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ جَالسَهُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ أَعْقَلُ مِنْ أَبِي عليٍّ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ بِمِصْرَ إِمَاماً، فَكَيْفَ بِخُرَاسَانَ؟
وَقَالَ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ مَنْ مَشَايِخنَا يَقُوْلُوْنَ: رِجَالُ خُرَاسَانَ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ.
وَمن كَلَامِ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ المَعَاصِي بَعْضُهَا كُفْراً وَبِعْضُهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَهَا، فَجَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: فَنَوْعٌ مِنْهَا كُفْرٌ، وَنوْعٌ مِنْهَا فُسُوقٌ، وَنوعٌ مِنْهَا عِصْيَانٌ، لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كرَّهَهَا كُلّهَا إِلَى المُؤْمِنِيْنَ.
وَلَمَّا كَانَتِ الطَّاعَاتُ كُلّهَا دَاخلَةٌ فِي الإِيْمَانِ، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ خَارجٌ عَنْهُ، لَمْ يُفَرِّق بَيْنَهَا، فَمَا، قَالَ: حَبَّبَ إِلَيْكُم الإِيْمَانَ وَالفَرَائِضَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ، بَلْ أَجْمَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ:{حَبَّبَ إِلَيْكُم الإِيْمَانَ} [الحجرَات:7] فَدَخَلَ فِيْهِ جَمِيْعُ الطَّاعَاتِ، لأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إِلَيْهِم الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ، وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ، وَيكْرَهُونَ المَعَاصِي كرَاهيَةَ تَدَيُّنٍ، وَمِنْهُ قَولُهُ عليه السلام:(مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)(1) .
(1) قطعة من حديث أخرجه الامام أحمد في " مسنده ": 1 / 18، 26، والترمذي (2165) في الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة من طريق محمد بن سوقة، عن عبد الله =
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ: انْصَرَفَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ مِنَ الرِّحلَةِ الثَّانِيَةِ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَاسْتَوْطَنَ نَيْسَابُوْرَ، فَلَمْ تَزَلْ تِجَارَتُهُ بِنَيْسَابُوْرَ، أَقَامَ مَعَ شَرِيْكٍ لَهُ مُضَارِبٍ، وَهُوَ يَشْتَغِلُ بِالعِلْمِ وَالعِبَادَةِ، ثُمَّ خَرَجَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَأَقَامَ بِهَا وَشريكُهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ وَقتَ مُقَامِهِ بِنَيْسَابُوْرَ هُوَ المُقَدّم وَالمُفْتِي بَعْدَ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَإِنَّ حَيْكَانَ (1) - يَعْنِي: يَحْيَى وَلدُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى - وَمَنْ بَعْدَهُ أَقَرُّوا لَهُ بِالفَضْلِ، وَالتَّقَدُّمِ.
قَالَ ابْنُ الأَخْرَمِ الحَافِظُ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ قُتَيْبَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى غَيْرَ مَرَّةٍ، إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُوْلُ: سَلُوا أَبَا عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيّ: أَدْرَكْتُ إِمَامَيْن لَمْ أُرْزَق السَّمَاعَ مِنْهُمَا: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فَأَمَّا ابْنُ نَصْرٍ، فَمَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْهُ، لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ زُنْبُوراً قَعَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ، فسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجهِهِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ، كَانَ الذُّبَابُ يقعُ عَلَى أُذُنِهِ، فَيَسِيْلُ الدَّمُ، وَلَا يَذُبُّهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَتَعَجَّبُ مِنْ حُسْنِ صَلَاتِهِ وَخُشُوعِهِ وَهَيئَتِهِ للصَّلَاةِ، كَانَ يَضَعُ ذَقْنَهُ
= ابن دينار، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: " أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بأمرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن ".
وسنده صحيح، وصححه الحاكم: 1 / 114، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(1)
هو الحافظ يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي، شيخ نيسابور، المتوفى 267 هـ، ويلقب: حيكان وقد تقامت ترجمته.
عَلَى صَدْرِهِ، فَيَنْتَصِبُ كَأَنَّهُ خشبَةٌ مَنْصوبَةٌ.
قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خَلقاً، كَأَنّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَانِ وَعَلَى خَدَّيْهِ كَالوَرْدِ، وَلحيتُهُ بَيْضَاءَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ: وَالِي خُرَاسَانَ - يَصِلُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ فِي العَامِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَيصِلُهُ أَخُوْهُ إِسْحَاقُ بِمِثْلِهَا، وَيصِلُهُ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ بِمِثْلِهَا، فَكَانَ يُنْفِقُهاً مِنَ السّنَةِ إِلَى السّنَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ عِيَالٌ، فَقِيْلَ لَهُ: لَوِ ادَّخَرْتَ لنَائِبَةٍ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَنَا بَقِيْتُ بِمِصْرَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، قُوتِي وثيَابِي وَكَاغَدِي (1) وَحِبرِي وَجَمِيْعُ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي فِي السّنَةِ عِشْرُوْنَ (2) دِرْهَماً، فَتَرَى إِنْ ذَهَبَ ذَا لَا يَبْقَى ذَاكَ!
قَالَ الحَافِظُ السُّلَيْمَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ إِمَامُ الأَئِمَّةِ الموفَّقُ مِنَ السَّمَاءِ، سَكَنَ سَمَرْقَنْدَ، سَمِعَ يَحْيَى بنَ يَحْيَى، وَعَبْدَان، وَعَبْد اللهِ المُسْنَدِيّ، وَإِسْحَاقَ، وَلَهُ كِتَابُ:(تعَظِيْم قدر الصَّلَاة) وَكِتَابُ: (رَفْع اليَدِين) وَغيرهُمَا مِنَ الكُتُبِ المُعْجِزَةِ.
كَذَا قَالَ السُّلَيمَانِي، وَلَا مُعْجِزَ إِلَاّ القُرْآنَ.
ثُمَّ قَالَ: مَاتَ هُوَ وَصَالِح جَزَرَة فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
أَنْبَأَنِي أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوا أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيه، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ جَعْفَرٍ اللَّبَّانُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ مِصْرَ وَمعِي جَارِيَةٌ فَرَكبتُ البَحْرَ أُريدُ مَكَّةَ، فَغَرقْتُ، فَذَهَبَ مِنِّي أَلْفَا
(1) بفتح الغين المعجمة: هو القرطاس. فارسي معرب.
(2)
في الأصل " عشرين " وهو خطأ.
جُزْءٍ وَصِرْتُ إِلَى جَزِيْرَةٍ أَنَا وَجَارِيَتِي، فَمَا رَأَينَا فِيْهَا أَحَداً، وَأَخَذَنِي العَطَشُ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى المَاءِ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى فَخِذِ جَارِيتِي مُسْتَسْلِماً لِلمَوْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ جَاءنِي وَمَعَهُ كُوزٌ، فَقَالَ لِي: هَاهُ.
فَشَرِبْتُ وَسقَيْتُهَا، ثُمَّ مَضَى، فَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ وَلَا مِنْ أَيْنَ رَاحَ؟
وفِي (الطَّبَقَاتِ) لأَبِي إِسْحَاقَ: وُلِدَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ بِبَغْدَادَ، وَنَشَأَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَاسْتوطَنَ سَمَرْقَنْدَ.
رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي حُسْنُ رَأْيٍ فِي الشَّافِعِيِّ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَغْفَيْتُ، فرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَكْتُبُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ؟
فَطَأَطَأَ رَأَسَهُ شِبْهَ الغَضْبَانِ وَقَالَ: (تَقُوْلُ رَأْي؟ لَيْسَ هُوَ بِالرَّأْي، هُوَ ردٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي) .
فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِ هَذِهِ الرُّؤيَا إِلَى مِصْرَ، فَكَتَبْتُ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ (1) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَصَنَّفَ ابْنُ نَصْرٍ كُتُباً، ضَمَّنَهَا الآثَارَ وَالفِقْهَ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الأَحْكَامِ، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِيمَا خَالَفَ أَبُو حَنِيْفَةَ عَلِيّاً وَابنَ مَسْعُوْدٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيّ: لَوْ لَمْ يُصَنِّف إِلَاّ كِتَاب: (القسَامَة) لكَانَ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ، كَيْفَ وَقَدْ صَنَّفَ سِوَاهُ؟!
قَالَ الوَزِيْرُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ البَلْعَمِيّ (2) :سَمِعْتُ الأَمِيْرَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِسَمَرْقَنْدَ، فجلَسْتُ يَوْماً للمظَالِمِ، وَجَلَسَ
(1) الخبر مطولا في " طبقات الشيرازي " ص 107 106 وما بين حاصرتين منه. وانظر أيضا " طبقات السبكي " 2 / 249.
(2)
بفتح الباء الموحدة " وسكون اللام، وفتح العين المهملة وفي آخرها الميم: نسبة إلى " بلعم " بلدة من بلاد الروم.
وفي سبب نسبة جد الوزير أبي الفضل اختلاف انظره في " اللباب " 1 / 174.
أَخِي إِسْحَاقُ إِلَى جَنْبِي، إِذْ دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ، فَقُمْتُ لَهُ إِجلَالاً لِلْعِلمِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَاتَبَنِي أَخِي وَقَالَ: أَنْتَ وَالِي خُرَاسَانَ تَقُوْمُ لِرَجُلٍ مِنَ الرَّعيَّةِ؟ هَذَا ذهَابُ السِّيَاسَةِ.
قَالَ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَنَا مُتَقَسِّمُ القَلْبِ، فرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي المَنَامِ كَأَنِّيْ وَاقِفٌ مَعَ أَخِي إِسْحَاقَ إِذْ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِعَضُدِي، فَقَالَ لِي: ثَبُتَ مِلْكُكَ وَملْكُ بَنِيْكَ بِإِجلَالِكَ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ.
ثُمَّ التَفَتَ إِلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ: ذَهَبَ مُلْكُ إِسْحَاقَ، وَمُلْكُ بَنِيْهِ بِاسْتِخْفَافِهِ بِمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ.
قُلْتُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ زَوْجَ أُخْتِ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ القَاضِي، وَاسمُهَا خَنَّةُ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُوْنٌ (1) ، مَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ قلَائِلَ مِنْ مَوْتِ صَالِحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَزَرَةَ، وَذَلِكَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ فِي مَسْأَلَةِ الإِيْمَان: صَرَّحَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ فِي كِتَاب (الإِيْمَان) بِأَنَّ الإِيْمَانَ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّ الإِقْرَارَ، وَالشَّهَادَةَ، وَقرَاءةَ القُرْآنِ بِلَفْظِهِ مَخْلُوْقٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ وَقتِهِ، وَخَالفَهُ أَئِمَّةُ خُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ.
قُلْتُ: الخَوْضُ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوْزُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَالُ: الإِيْمَانُ، وَالإِقْرَارُ، وَالقِرَاءةُ، وَالتَّلَفُّظُ بِالقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوْقٍ، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ العبَادَ وَأَعمَالَهُمُ، وَالإِيْمَانُ: فَقَوْلٌ وَعمَلٌ، وَالقِرَاءةُ وَالتَّلَفُّظُ: مِنْ كَسْبِ القَارِئِ، وَالمَقْرُوءُ المَلْفُوظُ: هُوَ كَلَامُ اللهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الإِيْمَانِ، وَهِيَ قَوْلُ (لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ) دَاخلَةٌ فِي القُرْآنِ، وَمَا كَانَ مِنَ القُرْآنِ فلَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ، وَالتَّكَلُّمُ بِهَا
(1) انظر " مشتبه النسبة " للمؤلف: 1 / 213.