الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ.
204 - الكَعْبِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ *
العَلَاّمَةُ، شَيْخُ المُعْتَزِلَة، أَبُو القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْد البَلْخِيُّ، المَعْرُوْف: بِالكَعْبِيِّ، مِنْ نُظَرَاء أَبِي عَلِيٍّ الجُبَائِيّ، وَكَانَ يَكْتُبُ الإِنشَاء لبَعْض الأُمَرَاء وَهُوَ أَحْمَد بن سَهْل مُتَوَلِّي نَيْسَابُوْر، فثَار أَحْمَد، وَرَام الْملك، فَلَمْ يتمَّ لَهُ، وَأُخذَ الكَعْبِيّ، وَسُجن مُدَّة، ثُمَّ خَلَّصَه وَزِيْرُ بَغْدَاد عليُّ بنُ عِيْسَى، فَقَدم بَغْدَاد، وَنَاظر بِهَا.
وَله مِنَ التَّصَانِيْف كِتَاب (المقَالَات) ، وَكِتَاب (الغُرَر) ، وَكِتَاب (الاسْتدلَال بِالشَّاهد عَلَى الغَائِب) ، وَكِتَاب (الجَدَل) ، وَكِتَاب (السُّنَّة وَالجَمَاعَة) ، وَكِتَاب (التَّفْسِيْر الكَبِيْر) ، وَكِتَاب فِي الرَّد عَلَى متنبِئٍ بِخُرَاسَانَ، وَكِتَاب فِي النَّقض عَلَى الرَّازِيّ فِي الفَلْسَفَة الإِلهيَّة، وَأَشيَاء سِوَى ذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْم: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ شَعْبَان سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِ مائَةٍ.
كَذَا قَالَ: وَصوَابُه: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَسيعَاد.
205 - الحَلَاّجُ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمِيٍّ **
هُوَ: الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرِ بن مَحْمِيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ - وَيُقَالُ: أَبُو مُغِيْثٍ -
(*) الفرق بين الفرق: 167 165، الفصل في الملل والنحل: 4 / 203، تاريخ بغداد: 9 / 384، الملل والنحل: 1 / 78 76، الأنساب: 485 / أ، المنتظم: 6 / 238، الكامل في التاريخ: 8 / 236، وفيات الأعيان: 3 / 45 العبر: 2 / 176، مرآة الجنان: 2 / 278، البداية والنهاية: 11 / 174، طبقات المعتزلة لابن المرتضي: 89 88، لسان الميزان: 3 / 256 255، شذرات الذهب: 2 / 281، طبقات الاصوليين: 1 / 171 170
(* *) صلة تاريخ الطبري: 94 79، طبقات الصوفية: 311 307، تجارب الأمم 1 / 76 حوادث سنة 309، فهرست ابن النديم: 272 269، تاريخ بغداد: =
الفَارِسِيُّ، البيضَاوِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وَالبَيْضَاء: مَدِيْنَة ببلَاد فَارس (1) .
وَكَانَ جَدُّهُ مَحْمِيٌّ مَجُوْسِيّاً.
نشَأَ الحُسَيْن بِتُسْتَر، فَصَحِب سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيّ، وَصَحِبَ بِبَغْدَادَ الجُنَيْد، وَأَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيّ، وَصَحِبَ عَمْرو بنَ عُثْمَانَ المَكِّيّ.
وَأَكْثَر التَّرحَال وَالأَسفَار وَالمُجَاهَدَة.
وَكَانَ يصحِّح حَالَه أَبُو العَبَّاسِ بنُ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَفِيْف، وَإِبْرَاهِيْمُ أَبُو القَاسِمِ النَّصْر آباذِيّ.
وَتبرَّأَ مِنْهُ سَائِرُ الصُّوْفِيَّة وَالمَشَايِخ وَالعُلَمَاء لِمَا سترَى مِنْ سوء سِيرتِهِ وَمُروقه، وَمِنْهُم مِنْ نَسَبَهُ إِلَى الحُلول، وَمِنْهُم مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَإِلَى الشَّعْبَذَةِ وَالزَّوكرَة، وَقَدْ تَسْتَّر بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ ذوِي الضَّلال وَالانحلَال، وَانتحلُوهُ وَروَّجُوا بِهِ عَلَى الجُهَّال.
نَسْأَلُ اللهَ العِصْمَة فِي الدِّين.
أَنْبَأَنِي ابْنُ عَلَاّنَ وَغَيْرهُ: أَنَّ أَبَا اليُمْن الكِنْدِيّ أَخْبَرَهُم قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مَسْعُوْدُ بنُ نَاصر
= 8 / 112 - 141، الأنساب: 181، المنتظم: 6 / 164 160، الكامل في التاريخ: 8 / 126 - 129، وفيات الأعيان: 2 / 140 - 146، العبر: 2 / 138 - 144، ميزان الاعتدال: 1 / 548، دول الإسلام: 1 / 187، مرآة الجنان: 2 / 253 - 261، البداية والنهاية: 11 / 132 - 144، المختصر في أخبار البشر: 2 / 71 70، طبقا ت الأولياء: 187 - 188، لسان الميزان: 2 / 314 - 315، النجوم الزاهرة: 3 / 182 و202 - 203، شذرات الذهب: 2 / 253 - 257، روضات الجنات: 226 - 237.
وانظر " أخبار الحلاج من جمع ماسبنيون (باريس 1957) و" ديوان الحلاج " جمع ما سينيون أيضا، نشر في المجلة الاسيوبة (باريس 1931) كما نشر ماسينيون " الأصول الأربعة " وهي تتعلق بسيرة الحلاج.
(1)
قال ياقوت في " البلدان " 1 / 529: " وقال الاصطخري: البيضاء: أكبر مدينة في كورة اصطخر، وإنما سميت البيضاء، لان لها قلعة تبين من بعد ويرى بياضها، وكانت =
السِّجْزِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَاكُويه، أَخْبَرَنِي حمدُ بنُ الحَلَاّج قَالَ: مَوْلِدُ أَبِي بِطُور البَيْضَاء، وَمنشؤُهُ تُسْتَر، وَتلمذ لسَهل سَنَتَين، ثُمَّ صعد إِلَى بَغْدَادَ.
كَانَ يَلْبس المُسوح، وَوقتاً يَلْبس الدُّرَّاعَة وَالعِمَامَة وَالقَبَاء، وَوقتاً يَمْشِي بِخِرْقَتين، فَأَوَّل مَا سَافر مِنْ تُسْتَر إِلَى البَصْرَةِ كَانَ لَهُ ثَمَان عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى عَمْرو المَكِّيّ، فَأَقَامَ مَعَهُ ثَمَانيَةَ عشرَ شَهْراً، ثُمَّ إِلَى الجُنَيْد، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُنَيْد لأَجل مَسْأَلَة، وَنسبه الجُنَيْد إِلَى أَنَّهُ مُدَّعٍ، فَاسْتوحَشَ وَأَخَذَ وَالدتِي، وَرَجَعَ إِلَى تُسْتَر، فَأَقَامَ سنَة، وَوَقَعَ لَهُ القَبول التَّامّ، وَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بن عُثْمَانَ يَكْتُبُ الكُتُب فِيْهِ بِالعظَائِم حَتَّى حرِد أَبِي وَرَمَى بثِيَاب الصُّوْفِيَّة، وَلبس قَباءٌ، وَأَخَذَ فِي صُحْبَة أَبْنَاء الدُّنْيَا.
ثمَّ إِنَّهُ خَرَجَ وَغَاب عَنَّا خَمْسَ سِنِيْنَ، بلغَ إِلَى مَا وَرَاء النَّهر، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فَارس، وَأَخَذَ يَتَكَلَّم عَلَى النَّاسِ، وَيعملُ المَجْلِس وَيدعُو إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَصَنَّفَ لَهُم تَصَانِيْف، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى مَا فِي قُلُوْب النَّاس، فسُمِّيَ بِذَلِكَ حلَاّج الأَسرَار، وَلُقب بِهِ.
ثمَّ قَدِمَ الأَهْوَاز وَطلبنِي، فحُملت إِلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَصْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وَلبس المرقَّعَة، وَخَرَجَ مَعَهُ خلق، وَحسَدَهُ أَبُو يَعْقُوْبَ النَّهْرَجُورِيّ، وَتكلّم فِيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الأَهْوَاز، وَحمل أُمِّي وَجَمَاعَة مِنْ كِبَار أَهْل الأَهْوَاز إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا سنَة.
ثُمَّ قصد إِلَى الهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهر ثَانياً، وَدَعَا إِلَى اللهِ، وَأَلَّف لَهُم كتباً، ثُمَّ رَجَعَ، فَكَانُوا يكَاتِبونه مِنَ الهِنْد بِالمُغِيْث، وَمِنْ بلَاد مَاصين وَتُرْكستَان بِالمُقيت، وَمِنْ خُرَاسَان بِأَبِي عَبْدِ اللهِ الزَّاهِد، وَمِنْ خوزستَان بِالشَّيْخ حلَاّج الأَسرَار.
= معسكرا للمسلمين يقصدونها في فتح إصطخر..وهي تامة العمارة، خصبة جدا، بينها وبين شيراز ثمانية فراسخ ".
وَكَانَ بِبَغْدَادَ قَوْم يُسَمُّونه المُصْطَلم، وَبِالبَصْرَة المُحيّر، ثُمَّ كثرتِ الأَقَاويلُ عَلَيْهِ بَعْد رُجُوعه مِنْ هَذِهِ السَّفرَة، فَقَامَ وَحَجّ ثَالِثاً، وَجَاور سَنَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ وَتَغَيَّر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الأَوَّل، وَاقتنَى العَقَار بِبَغْدَادَ، وَبنَى دَاراً، وَدَعَا النَّاس إِلَى مَعْنَى لَمْ أَقف عَلَيْهِ، إِلَاّ عَلَى شطر مِنْهُ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّبلِيِّ وَغَيْره مِنْ مَشَايِخ الصُّوْفِيَّة، فَقِيْلَ: هُوَ سَاحر.
وَقِيْلَ: هُوَ مَجْنُوْنَ.
وَقِيْلَ: هُوَ ذُو كَرَامَات، حَتَّى أَخذه السُّلْطَان.
انْتَهَى كَلَام وَلده.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: إِنَّمَا قِيْلَ لَهُ: الحَلَاّج لأَنَّه دَخَلَ وَاسطاً إِلَى حلَاّج، وَبعثَه فِي شُغل، فَقَالَ: أَنَا مَشْغُوْل بِصَنْعَتِي.
فَقَالَ: اذهبْ أَنْتَ حَتَّى أُعينك، فَلَمَّا رَجَعَ وَجد كُلَّ قُطْنٍ عِنْدَهُ محلوجاً.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ بنِ حَنْظَلَة الوَاسِطِيُّ السَّمَّاك، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
دَخَلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ وَاسطاً، فَاسْتقبله قَطَّان، فَكلَّفه الحُسَيْنُ إِصْلَاح شغله وَالرَّجُلُ يتثَاقل فِيْهِ، فَقَالَ: اذهبْ فَإِنِّي أُعينك.
فَذَهَبَ، فَلَمَّا رَجَعَ، رَأَى كُلَّ قُطْن عِنْدَهُ محلوجاً مندوَفاً، وَكَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ رَطْل.
وَقِيْلَ: بَلْ لتكلُّمه عَلَى الأَسرَار.
وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ حلَاّجاً.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّرَّاج: صَحِبَ الحَلَاّجُ عَمْرو بنَ عُثْمَانَ، وَسرقَ مِنْهُ كتباً فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ علم التصوُّف، فَدَعَا عَلَيْهِ عَمْرو: اللَّهُمَّ اقطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الوَلِيْدِ: كَانَ المَشَايِخُ يَسْتَثقلُوْنَ كلامَه، وَينَالُوْنَ مِنْهُ لأَنَّه كَانَ يَأْخذ نَفْسَه بِأَشيَاء تُخَالف الشَّريعَة، وَطَرِيْقَة الزُّهَّاد، وَكَانَ يدَّعِي المحبَّة للهِ، وَيظهر مِنْهُ مَا يخَالف دعوَاهُ.
قُلْتُ: وَلَا ريبَ أنَّ اتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم علمٌ لمحبَّة الله لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُم اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُم ذُنُوبكُم} [آل عِمْرَان:31] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَضْرَمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْد الجُنَيْد، إِذْ وَرد شَابٌّ عَلَيْهِ خِرْقَتَانِ، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ سَاعَة، فَأَقبل عَلَيْهِ الجُنَيْد، فَقَالَ لَهُ: سَلْ مَا تُرِيْد أَنْ تسأَل.
فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي بَايَنَ الخَلِيْفَة عَنْ رُسُوم الطَّبْع؟
فَقَالَ الجُنَيْد لَهُ: أَرَى فِي كَلَامك فُضُولاً، لِمَ لَا تسأَل عَنْ مَا فِي ضمِيرك مِنَ الخُرُوج وَالتَّقَدُّم عَلَى أَبْنَاء جِنْسِكَ؟
فَأَقبلَ الجُنَيْد يَتَكَلَّم، وَأَخَذَ هُوَ يُعَارِضُهُ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ الجُنَيْد: أَيّ خَشَبَةٍ تُفْسِدُهَا؟ يُرِيْد أَنَّهُ يُصْلب.
قَالَ السُّلَمِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الهَمَذَانِيَّ يَقُوْلُ: سأَلت إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَيْبَان عَنِ الحَلَاّج، فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُر إِلَى ثمرَات الدَّعَاوِي الفَاسِدَة فليَنْظُرْ إِلَى الحَلَاّج وَمَا صَارَ إِلَيْهِ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَاكويه: حَدَّثَنَا أَبُو الفَوَارِسِ الجَوْزَقَانِيّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَيْبَان قَالَ: سلَّم أُسْتَاذِي أَبُو عَبْدِ اللهِ المَغْرِبِيُّ عَلَى عَمْرو بنِ عُثْمَانَ، فجَارَاهُ فِي مَسْأَلَة، فجرَى فِي عُرض الكَلَام أَنْ قَالَ: هَا هُنَا شَابٌّ عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْس.
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْد عَمْرو صعِدنَا إِلَيْهِ، وَكَانَ وَقت الهَاجرَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالسٌ فِي صحْن الدَّار عَلَى صخرَةٍ فِي الشَّمْس، وَالعَرَقُ يسيلُ مِنْهُ عَلَى الصَّخْرَة، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ المَغْرِبِيُّ رَجَعَ وَأَشَار بِيَدِهِ: ارْجِع.
فنزلنَا المَسْجَد، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِن عشتَ ترَ مَا يَلقَى هَذَا، قَدْ قَعَدَ بِحمقِهِ يتصبَّر مَعَ الله.
فَسَأَلنَا عَنْهُ فَإِذَا هُوَ الحَلَاّج.
قَالَ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكتَّانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلَ الحَلَاّج مَكَّة، فجهِدْنَا حَتَّى أَخَذْنَا مرقَّعته، فَأَخَذْنَا مِنْهَا قَمْلَة، فوزنَّاهَا فَإِذَا فِيْهَا نِصْفُ دَانقٍ (1) مِنْ شِدَّة مُجَاهَدته.
(1) الدانق والدانق: من الاوزان. قال صاحب " اللسان ": هو سدس الدرهم، وأنشد ابن بري: =
قُلْتُ: ابْن شَاذَانَ مُتَّهَم، وَقَدْ سَمِعْنَا بِكَثْرَة الْقمل، أَمَا كبرُ الْقمل، فَمَا وَقَعَ، وَلَوْ كَانَ يَقَع، لتدَاوله النَّاس.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المُحَسِّنِ التَّنُوْخِيّ (1) :أَخْبَرَنَا أَبِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، قَالَ: حَمَلنِي خَالِي مَعَهُ إِلَى الحَلَاّج، فَقَالَ لِخَالِي: قَدْ عَملتُ عَلَى الخُرُوج مِنَ البَصْرَةِ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: قَدْ صيَّرَنِي أَهلُهَا حَدِيْثاً، حَتَّى إِنَّ رَجُلاً حمل إِلَيَّ درَاهم وَقَالَ: اصرِفْهَا إِلَى الفُقَرَاء، فَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرتِي أَحَد، فجعلتُهَا تَحْتَ بارِيَّة (2) ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ غدٍ احتفَّ بِي قَوْم مِنَ الفُقَرَاء، فَشُلْتُ البَارِيَّةَ وَأَعطَيْتُهُم تِلْكَ الدَّرَاهِم، فشَنَّعُوا وَقَالُوا: إِنِّيْ أَضرب بيدِي إِلَى التُّرَاب فَيصير درَاهم.
وَأَخَذَ يعدِّدُ مِثْل هَذَا، فَقَامَ خَالِي وَقَالَ: هَذَا مُتنمّس (3) .
قَالَ ابْنُ النَّدِيْم: قَرَأْتُ بخَطِّ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ: كَانَ الحَلَاّج مشعبذاً محتَالاً، يتعَاطَى التصرُّف، وَيدَّعِي كُلَّ علم، وَكَانَ صِفْراً مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ يَعْرِف فِي الكيمِيَاء، وَكَانَ مِقْدَاماً جسوراً عَلَى السَّلَاطين، مرتكباً لِلْعظَائِم، يروم إِقلَاب الدُّول، وَيدَّعِي عِنْد أَصْحَابه الإِلهيَّة، وَيَقُوْلُ بالحُلول، وَيُظهر التَّشَيُّع لِلْمُلُوْك، وَمَذَاهِبَ الصُّوْفِيَّة لِلْعَامَّة، وَفِي تضَاعِيف ذَلِكَ يَدَّعِي أَنَّ الإِلهيَّة حلَّت فِيْهِ، تَعَالَى الله وَتَقَدَّسَ عَمَّا يَقُوْلُ.
وَقَالَ ابْنُ بَاكويه: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي توبَة يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ
= يا قوم من يعذر من عجرد * القاتل المرء على الدانق
(1)
هو القاضي أبو القاسم، علي بن المحسن التنوخي.
من علماء المعتزلة، تقلد القضاء في عدة نواح، منها: المدائن وأذربيجان، وكان ظريفا نبيلا جيد النادرة.
توفي سنة سبع وأربعين وأربع مئة.
وسترد ترجمته في الجزء الثامن عشر.
وأبوه هو القاضي أبو علي المحسن بن أبي القاسم التنوخي الأديب الشاعر الاخباري صاحب " نشوار المحاضرة "، " والفرج بعد الشدة " المتوفي سنة 384 هـ.
(2)
هي الحصير المنسوج. انظر " تاج العروس " مادة: بور، والمعرب ص 46 للجواليقي.
(3)
أي: محتال.
أَحْمَد الحَاسِبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَالدِي يَقُوْلُ: وَجَّهنِي المُعْتَضِدُ إِلَى الهِنْد لأُمُورٍ أَتعرَّفُهَا لَهُ، فَكَانَ مَعِي فِي السَّفِيْنَة رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالحُسَيْن بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ حَسَنَ العِشْرَة، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمركب قُلْتُ: لِمَ جِئْت؟
قَالَ لأَتَعَلَّمَ السِّحرَ وَأَدْعُو الْخلق إِلَى اللهِ.
وَكَانَ عَلَى سطح كوخ فِيْهِ شَيْخ.
فَقَالَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكُم مَنْ يَعْرِف شَيْئاً مِنَ السّحر؟
قَالَ: فَأَخْرَجَ الشَّيْخ كُبَّةً مِنْ غزل، وَنَاول طرَفهَا الحُسَيْن، ثُمَّ رمَى الكُبَّةَ فِي الهوَاء، فصَارت طَاقَة وَاحِدَة، ثُمَّ صعد عَلَيْهَا وَنَزَلَ، وَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: مِثْل هَذَا تُرِيْد؟.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ (1) :سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق: حَدَّثَنِي غَيْر وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَات: أَنَّ الحَلَاّج كَانَ قَدْ أَنْفَذَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ إِلَى بلَاد الْجَبَل، وَوَافقه عَلَى حِيْلَةٍ يعملهَا، فسَافر، وَأَقَامَ عِنْدَهُم سِنِيْنَ يظْهر النُّسُكَ وَالعِبَادَة، وَإِقرَاء القُرْآن وَالصَّوْم، حَتَّى إِذَا علم أَنَّهُ قَدْ تَمَكَّنَ أَظهر أَنَّهُ قَدْ عَمِيَ، فَكَانَ يُقَاد إِلَى مَسْجِد، وَيتعَامَى شهوراً، ثُمَّ أَظهر أَنَّهُ قَدْ زَمِنَ، فَكَانَ يُحْمَلَ إِلَى المَسْجَد، حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَتقرَّر فِي النُّفُوْس زَمَانَتُهُ وَعَمَاهُ، فَقَالَ لَهُم بَعْدَ ذَلِكَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ لِي: إِنَّهُ يَطْرُقُ هَذَا البلدَ عَبْدٌ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، تُعَافَى عَلَى يَده، فَاطلبُوا لِي كُلَّ مَنْ يجتَاز مِنَ الفُقَرَاء، فلَعَلَّ الله أَنْ أُعَافَى.
فَتَعَلَّقَتِ النُّفُوْس بِذَلِكَ العَبْد، وَمَضَى الأَجلُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَلَاّج، فَقَدِمَ البلدَ، وَلبس الصُّوف، وَعكَفَ فِي الجَامِع، فتنبَّهُوا لَهُ، وَأَخبَرُوا الأَعمَى، فَقَالَ: احمِلونِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا حصل عِنْدَهُ وَعلم أَنَّهُ الحَلَاّج قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ: إِنِّيْ رَأَيْت منَاماً.
وَقصَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا وَمَا مَحَلِّي؟ ثُمَّ أَخذ يَدْعُو لَهُ، وَمسح يَده عَلَيْهِ، فَقَامَ
(1) الخبر في " نشوار المحاضرة " 6 / 78 76، و" تاريخ بغداد " 8 / 123 122 وما بين حاصرتين منهما.
المتزَامن صَحِيْحاً بَصِيْراً، فَانقلَبَ البَلَد، وَازْدَحَمُوا عَلَى الحَلَاّج، فتركهُم وَسَافَرَ، وَأَقَامَ المُعَافَى شهوراً، ثُمَّ قَالَ لَهُم: إِنَّ مِنْ حقِّ الله عِنْدِي، وَردِّهِ جَوَارحِي عليّ أَنْ أَنفردَ بِالعِبَادَة، وَأَنَّ أُقيمَ فِي الثَّغْرِ، وَأَنَا أَستودِعُكُم الله.
فَأَعطَاهُ هَذَا أَلفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ: اغزُ بِهَا عَنِّي، وَأَعطَاهُ هَذَا مائَة دِيْنَارٍ وَقَالَ: اخرجْ بِهَا فِي غَزْوَة، وَأَعطَاهُ هَذَا مَالاً، وَهَذَا مَالاً، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ أَلوف دَنَانِيْر وَدرَاهم، فَلحق بِالحَلَاّج، وَقَاسَمَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: مِنْ مخَاريق الحَلَاّج أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً وَمَعَهُ مَنْ يَتَنَمَّس عَلَيْهِ وَيَهُوسُهُ، قَدِمَ قَبْل ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه الَّذِيْنَ يَكْشِفُ لَهُم الأَمْر، ثُمَّ يمضِي إِلَى الصَّحرَاء، فَيُدْفَن فِيْهَا كَعْكاً، وَسُكَّراً، وَسَوِيقاً، وَفَاكهَةً يَابسَة، وَيعلِّم عَلَى مَوَاضِعهَا بِحجر، فَإِذَا خَرَجَ القَوْم وَتَعِبُوا قَالَ أَصْحَابُهُ: نريدُ السَّاعَة كَذَا وَكَذَا.
فينفردُ وَيُرِي أَنَّهُ يدعُو، ثُمَّ يَجِيْءُ إِلَى المَوْضِعِ فَيُخْرِجُ الدَّفين الْمَطْلُوب مِنْهُ.
أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الجَمُّ الغَفير، وَأَخبرُونِي قَالُوا: رُبَّمَا خَرَجَ إِلَى بِسَاتينِ البَلَد، فيقدِّم مَنْ يَدْفِنُ الفَالوذَجَ الحَارَّ فِي الرُّقَاق، وَالسَّمك السُّخن فِي الرُّقَاق، فَإِذَا خَرَجَ طلبَ مِنْهُ الرَّجُل - فِي الحَال - الَّذِي دَفنه، فيُخْرِجه هُوَ.
ابْنُ بَاكويه: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خَفِيْف: سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب النَّهرجورِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلَ الحَلَاّج مَكَّة وَمَعَهُ أَرْبَعُ مائَة رَجُل، فَأَخَذَ كُلُّ شَيْخ مِنْ شُيُوْخ الصُّوْفِيَّةِ جَمَاعَة، فَلَمَّا كَانَ وَقت المَغْرِب جِئْت إِلَيْهِ، قُلْتُ: قُمْ نُفْطِرْ.
فَقَالَ: نَأْكل عَلَى رَأْس أَبِي قُبَيْس.
فصعدنَا فَلَمَّا أَكَلْنَا قَالَ الحُسَيْنُ: لَمْ نَأْكل شَيْئاً حُلُواً!
قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أَكلنَا التَّمْر؟
فَقَالَ (1) :أُرِيْد شَيْئاً مَسَّته النَّار، فَهَام وَأَخَذَ
(1) في الأصل: قلت، وهو تصحيف.
ركوَة، وَغَاب سَاعَة، ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ جَامُ حلوَاء، فَوَضَعه بَيْنَ أَيدينَا وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ.
فَأَخَذَ القَوْم يَأْكلُوْنَ وَأَنَا أَقُول: قَدْ أَخذ فِي الصَّنعَة الَّتِي نسبهَا إِلَيْهِ عَمْرو بن عُثْمَانَ، فَأَخذتُ قطعَة، وَنزلتُ الوَادِي، وَدُرْتُ عَلَى الحلَاوييِّن أُريهُم تِلْكَ الحلوَاء، وَأَسأَلهُم، حَتَّى قَالَتْ لِي طبَّاخَة: لَا يعْمل هَذَا إِلَاّ بِزَبيْد، إِلَاّ أَنَّهُ لَا يُمكن حملُه، فَلَا أَدْرِي كَيْفَ حُمل؟ فَرَجَعَ رَجُلٌ مِنْ زَبيْد إِلَى زَبِيْد، فتعرَّف الْخبز بزَبيْد: هَلْ ضَاع لأَحَدٍ مِنَ الحلَاوييِّن جَامٌ علَامتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا بِهِ قَدْ حُمل مِنْ دكَانَ إِنْسَانٍ حلَاوِيّ، فصحَّ عِنْدِي أَنَّ الرَّجُل مَخْدُومِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ - فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْن نَاصر بِالإِجَازَةِ -:حرَّك الحَلَاّج يَده يَوْماً، فَنثرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ درَاهِم.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ درَاهم مَعْرُوْفَة، وَلَكِنْ أُؤمِنُ بِكَ إِذَا أَعطيتَنِي دِرْهَماً عَلَيْهِ اسْمُك وَاسمُ أَبيك.
فَقَالَ: وَكَيْفَ وَهَذَا لَمْ يُصنع؟
قَالَ: مَنْ أَحضرَ مَنْ لَيْسَ بحَاضِرٍ صَنَعَ مَا لَمْ يُصنع.
فَهَذِهِ حِكَايَة منقطعَة.
وَقَالَ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي: أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زنجِيّ الكَاتِب، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: حضَرتُ مَجْلِسَ حَامِد الوَزِيْر وَقَدْ أَحضر السِّمَّرِيّ - صَاحِب الحَلَاّج - وَسَأَلَهُ عَنْ أَشيَاء مِنْ أَمر الحَلَاّج، وَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا شَاهدت مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ رَأَى الوَزِيْر أَنْ يُعْفِيَنِي، فَعَلَ.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَعْلَم أَنِّي إِن حَدَّثْتُكُ كَذَّبْتَنِي، وَلَمْ آمن عقوبَة، فَأَمَّنَهُ، فَقَالَ: كُنْتُ مَعَهُ بفَارس فَخَرَجْنَا إِلَى إِصْطَخر (1) فِي الشِّتَاء، فَاشْتَهَيْتُ عَلَيْهِ
(1) قال ياقوت: " إصطخر بالكسر وسكون الخاء المعجمة: بلدة من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها، قيل: كان أول من أنشأها إصطخر بن طهمورث ملك الفرس. قال الاصطخري: بها كان مسكن ملك فارس حتى تحول أردشير إلى جور ".
انظر " معجم البلدان " 1 / 211.
خِيَاراً، فَقَالَ لِي: فِي مِثْلِ هَذَا المَكَان وَالزَّمَان؟
قُلْتُ: هُوَ شَيْءٌ عَرَضَ لِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَاعَة قَالَ: أَنْتَ عَلَى شَهْوَتك؟
قُلْتُ: نَعَم، فسرنَا إِلَى جبل ثَلج، فَأَدخل يَده فِيْهِ، وَأَخرج إِلَيَّ خيَارَةً خَضْرَاء، فَأَكَلتُهَا.
فَقَالَ حَامِد: كذبتَ يَا ابْنَ مائَة أَلْف زَانيَة، أَوجِعُوا فَكَّهُ.
فَأَسرع إِلَيْهِ الغلمَانُ، وَهُوَ يَصِيْح: أَلَيْسَ مِنْ هَذَا خِفْنَا؟ وَأُخرج، فَأَقبل حَامِد الوَزِيْر يتحدَّثُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ النِّيرنجَات (1) أَنَّهُم كَانُوا يغدُوْنَ بِإِخرَاج التِّين وَمَا يجرِي مجرَاهُ مِنَ الْفَوَاكِه، فَإِذَا حصل فِي يَد الإِنْسَان وَأَرَادَ أَنْ يَأْكله صَارَ بَعْراً (2) .
قُلْتُ: صدق حَامِد، هَذَا هُوَ شغل أَربَاب السِّحْرِ وَالسيمِيَاء، وَلَكِن قَدْ يقوَى فعلُهُم بِحَيْثُ يَأْكُلُ الرَّجُل البعرَ وَلَا يشعُرُ بِطعْمِهِ.
قَالَ ابْنُ بَاكويه: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُفْلِح، حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: تعجَّبت مِنْ أَمر الحَلَاّج، فَلَمْ أَزل أَتتبَّعُ وَأَطلبُ الحِيَلَ، وَأَتعلم النَّارنجيات لأَقف عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَدَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً مِنَ الأَيَّام، وَسلَّمتُ وَجلَسْتُ سَاعَة، فَقَالَ لِي: يَا طَاهِر! لَا تتعنَّ، فَإِنَّ الَّذِي ترَاهُ وَتسمعه مِنْ فعل الأَشخَاص لَا مِنْ فِعلِي، لَا تَظُنَّ أَنَّهُ كرَامَةٌ أَوْ شَعْوَذَة.
فعل الأَشخَاص: يَعْنِي بِهِ الجِنّ.
وَقَالَ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ الأَزْرَق: أَنَّ الحَلَاّج لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ اسْتغوَى خلقاً مِنَ النَّاس وَالرُّؤسَاء، وَكَانَ طمعُهُ فِي الرَّافِضَة أَقوَى لدُخُوْله فِي طَرِيقهمْ، فرَاسَلَ أَبَا سَهْل بن نُوْبَخْت
(1) النيرنجات، بكسر النون: ضرب من الشعوذة والاحتيال والخداع فارسي معرب عن نيرنك، وفي الأصل: عن قوم كفاريجيات، وما أثبتناه من نشوار المحاضرة، وتاريخ بغداد.
(2)
الخبر في " نشوار المحاضرة " 6 / 84 83، و" تاريخ بغداد " 8 / 136.
يَسْتَغويه، وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ فَطِناً، فَقَالَ لرَسُوْله: هَذِهِ المعجزَاتُ الَّتِي يُظهرهَا يُمكن فِيْهَا الحِيل، وَلَكِنِّي رَجُلٌ غزِل، وَلَا لذَّةَ لِي أَكْبَر مِنَ النِّسَاء، وَأَنَا مبتلَى بِالصَّلَع، فَإِن جَعَلَ لِي شَعراً وَردَّ لحيتِي سَوْدَاء، آمنتُ بِمَا يَدْعُونِي إِلَيْهِ وَقُلْتُ: إِنَّهُ بَابُ الإِمَامُ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ: إِنَّهُ الإِمَامُ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ: إِنَّهُ النَّبِيّ، وَإِن شَاءَ قُلْتُ: إِنَّهُ الله.
فَأَيِسَ الحَلَاّج مِنْهُ وَكفَّ.
قَالَ الأَزْرَق: وَكَانَ يدعُو كُلَّ قَوْمٍ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَشيَاء حسب مَا يَسْتَبله طَائِفَة طَائِفَة.
أَخْبَرَنِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه: أَنَّهُ لَمَّا افتُتِنَ بِهِ النَّاس بِالأَهْوَاز وَكُورِهَا بِمَا يُخْرِجُ لَهُم مِنَ الأَطعمَة وَالأَشربَة فِي غَيْر حينهَا، وَالدَّرَاهم الَّتِي سمَّاهَا درَاهم القُدرَة، فَحَدَّث أَبُو عَلِيٍّ الجبَائِيّ بِذَلِكَ، فَقَالَ: هَذِهِ الأَشيَاء يُمكن الحِيَل فِيْهَا فِي منَازل، لَكِن أَدخلُوهُ بيتاً مِنْ بُيُوْتكُم وَكلِّفُوهُ أَنْ يُخرج مِنْهُ جرزتين شوكاً.
فَبلغَ الحَلَاّج قَوْلُه، وَأَنَّ قَوْماً عَملُوا عَلَى ذَلِكَ، فسَافر.
وفِي (النشوَار) لِلتَّنُوخِيّ (1) :أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَهْوَازِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُنَجِّمٌ مَاهرٌ قَالَ: بَلَغَنِي خبر الحَلَاّج، فجئتُهُ كَالمسترشد، فَخَاطَبَنِي وَخَاطبته ثُمَّ قَالَ: تَشَهَّ السَّاعَة مَا شِئْت حَتَّى أَجيئَكَ بِهِ.
وَكُنَّا فِي بَعْضِ بلدَان الْجَبَل الَّتِي لَا يَكُوْن فِيْهَا الأَنهَار، فَقُلْتُ: أُرِيْدُ سَمَكاً طَرِيّاً حَيّاً، فَقَامَ، فَدَخَلَ البَيْت، وَأَغلق بَابَه، وَأَبطأَ سَاعَة، ثُمَّ جَاءنِي وَقَدْ خَاض وَحلاً إِلَى ركبته، وَمَعَهُ سمَكَةٌ تَضْطَرِب، وَقَالَ: دعوتُ الله، فَأَمرنِي أَنْ أَقصِدَ البطَائِح، فَجئْت بِهَذِهِ.
قَالَ: فعلمتُ أَنَّ هَذَا حِيْلَة، فَقُلْتُ لَهُ: فَدَعنِي أَدخل البَيْت، فَإِنْ لَمْ تَنْكَشِف لِي حِيْلَةٌ آمنتُ بِكَ؟.
قَالَ: شأَنك.
فَدَخَلت البَيْت وَغَلَّقْتُ عَلَى نَفْسِي، فَلَمْ أَجِدْ طريقاً وَلَا حِيلَة،
(1) 1 / 165 - 168 وما بين حاصرتين منه.
ثُمَّ قلعت مِنَ التَّأزير، وَدخلتُ إِلَى دَارٍ كَبِيْرَة فِيْهَا بستَانٌ عَظِيْم، فِيْهِ صُنُوف الأَشجَار، وَالثِّمَار، وَالرَّيْحَان، الَّتِي هُوَ وَقتهَا، وَمَا لَيْسَ وَقتهَا مِمَّا قَدْ غُطِّيَ وَعُتِّقَ وَاحتيل فِي بقَائِه، وَإِذَا الخزَائِن مُفَتَّحَةٌ، فِيْهَا أَنْوَاع الأَطعمَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِذَا بِرْكَةٌ كَبِيْرَة، فَخضتُهَا، فَإِذَا رجلِي قَدْ صَارت بِالوحلِ كَرِجْلَيه، فَقُلْتُ: الآنَ إِن خَرَجتُ وَمعِي سمَكةً قتلنِي، فَصِدْتُ سمَكَة، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى بَابِ البَيْت أَقبلتُ أَقُولُ: آمنتُ وَصَدَّقْتُ، مَا ثَمَّ حِيْلَة، وَلَيْسَ إِلَاّ التَّصْدِيق بِك.
قَالَ: فَخَرَجَ.
وَخَرَجتُ وَعدوتُ، فَرَأَى السّمَكَة مَعِي، فَعدَا خَلْفِي، فلحقنِي، فضربتُ بِالسَّمَكَةِ فِي وَجْهِهِ وَقُلْتُ لَهُ: أَتعبْتَنِي حَتَّى مَضَيْت إِلَى البَحْر فَاسْتَخرجت هَذِهِ، فَاشْتَغَل بِمَا لَحِقَهُ مِنَ السَّمَكَة، فَلَمَّا صرت فِي الطَّرِيْق رميت بنفسِي لِمَا لحقنِي مِنَ الْجزع وَالفزع، فَجَاءَ إِلَيَّ، وَضَاحكنِي وَقَالَ: ادْخل.
فَقُلْتُ: هَيْهَاتَ.
فَقَالَ: اسْمع، وَاللهِ لَئِنْ شِئْتُ قتلتُك عَلَى فِرَاشك، وَلَكِن إِن سَمِعْتُ بِهَذِهِ الحِكَايَة لأَقتلنَّك، فَمَا حكيتهَا حَتَّى قتل.
قُلْتُ: هَذَا المنجِّم مَجْهُوْل، أَنَا أَستَبْعِدُ صِدْقَهُ.
ابْنُ بَاكويه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ الفَارِسِيَّ بِالمَوْصِل، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ سعدَان يَقُوْلُ: قَالَ لِي الحَلَاّج: تُؤمن بِي حَتَّى أَبعثَ إِلَيْك بعُصفورٍ أَطرحُ مِنْ ذَرْقهَا وَزن حَبَّةٍ عَلَى كَذَا مَنّاً (1) نُحَاساً فَيَصِيْرُ ذَهباً؟
فَقُلْتُ لَهُ: بَلْ أَنْتَ تُؤمن بِي حَتَّى أَبعثَ إِلَيْكَ بفيلٍ يَسْتَلقِي فتصيرُ قَوَائِمُهُ فِي السَّمَاء، فَإِذَا أَردتَ أَنْ تُخفيهُ أَخفيتَه فِي إِحْدَى عَيْنَيْك.
قَالَ: فَبُهِتَ وَسَكَتَ.
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحلَاّج: أُرِيْد تُفَّاحَة، وَلَمْ يَكُنْ وَقته، فَأَومأَ بِيَدِهِ
(1) في " اللسان ": المن: لغة في المنا الذي يوزن به. ونقل عن الجوهري قوله: المن: المنا، وهو رطلان، والجمع أمنان، وجمع المنا: أمناء.
إِلَى الهوَاء، فَأَعطَاهُم تُفَّاحَةً وَقَالَ: هَذِهِ مِنَ الجَنَّة.
فَقِيْلَ لَهُ: فَاكهَة الجَنَّة غَيْرُ متغيِّرَة، وَهَذِهِ فِيْهَا دودَة.
فَقَالَ: لأَنَّهَا خَرَجت مِنْ دَار البَقَاء إِلَى دَار الفنَاء، فحلَّ بِهَا جُزْءٌ مِنَ البلَاءِ.
فَانظر إِلَى ترَامِي هَذَا المِسْكِيْنِ عَلَى الكَرَامَاتِ وَالخوَارق، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الخِذلَان، فَعَنْ عُمَر رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ خُشُوْعِ النِّفَاق.
قَالَ ابْنُ بَاكويه: حَدَّثَنَا حمدُ بنُ الحَلَاّج قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ أَبِي بَغْدَاد، وَبنَى دَاراً، وَدَعَا النَّاس إِلَى مَعْنَىً لَمْ أَقف إِلَاّ عَلَى شطرٍ مِنْهُ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَقبَّحُوا صورَتَه، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّبْلِيّ.
قَالَ ابْنُ بَاكويه: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ بَزُولٌ القَزْوِيْنِيّ يَقُوْلُ: إِنَّهُ سَأَلَ ابْنَ خَفِيْف عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الأَبيَات
سُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ نَاسُوْتُهُ
…
سِرَّ سَنَا لَاهُوتِه الثَّاقِبِ
ثُمَّ بدَا فِي خَلْقِهِ ظَاهِراً
…
فِي صُوْرَةِ الآكِلِ وَالشَّارِبِ
حَتَّى لَقَدْ عَايَنَهُ خَلْقُهُ
…
كَلَحْظَةِ الحَاجِبِ بِالحَاجِبِ
فَقَالَ ابْنُ خَفِيْف: عَلَى قَائِل ذَا لعنَةُ الله.
قَالَ: هَذَا شِعر الحُسَيْن الحَلَاّج.
قَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا اعْتِقَادَهُ فَهُوَ كَافِر فَرُبَّمَا يَكُوْن مَقُولاً عَلَيْهِ (1) .
السُّلَمِيّ (2) :أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِد بنُ بَكْرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ فَارس، سَمِعْتُ الحَلَاّج يَقُوْلُ: حجبَهُم الاسْم فَعَاشوا، وَلَوْ أَبَرَز لَهُم عُلُوْم القدرَة لطَاشوا.
(1) الابيات في " ديوان الحلاج " ص 41، والخبر بطوله في " تاريخ بغداد " 8 / 129. وانظر أيضا " المنتظم " لابن الجوزي: 6 / 162، و" البداية والنهاية " لابن كثير: 11 / 134.
(2)
في " طبقات الصوفية " ص 308.
وَقَالَ: أَسْمَاءُ اللهِ مِنْ حَيْثُ الإِدرَاكُ رسم (1) ، وَمِنْ حَيْثُ الحَقُّ حَقِيْقَة.
وَقَالَ: إِذَا تخلَّص العَبْدُ إِلَى مقَام المَعْرِفَة، أُوحيَ إِلَيْهِ بخَاطرَة.
وَقَالَ: مَنَ التمسَ الحَقَّ بِنُورِ الإِيْمَان، كَانَ كَمَنْ طَلَبَ الشَّمْس بِنُوْرِ الْكَوَاكِب.
وَقَالَ: مَا انفصَلَتِ البشريَّةُ عَنْهُ، وَلَا اتَّصلت بِهِ.
وَمِمَّا رُوِيَ لِلْحلاج:
أَنْتَ بَيْنَ الشَّغَافِ وَالقَلْبِ تَجْرِي
…
مِثْلَ جَرْيِ الدُّمُوعِ مِنْ أَجْفَانِي
وَتَحِلُّ الضَّمِيْرَ جَوْفَ فُؤَادِي
…
كَحُلُوْلِ الأَروَاحِ فِي الأَبْدَانِ
يَا هِلَالاً بَدَا لأَرْبَع عَشْرٍ
…
لِثَمَانٍ وَأَرْبَعٍ وَاثْنَتَان (2)
وَله:
مُزِجَتْ رُوْحِي فِي رِوحِكْ كَمَا
…
تُمْزَجُ الخَمْرَةُ بِالمَاءِ الزُّلَالِ
فَإِذَا مَسَّكَ شَيْءٌ مَسَّنِي
…
فَإِذَا أَنْتَ أَنَا فِي كُلِّ حَال (3)
وَعَنِ القَناد قَالَ: لقيتُ يَوْماً الحَلَاّج فِي حَالَةٍ رَثَّةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ حَالك؟ فَأَنشَأَ يَقُوْلُ:
(1) في " طبقات السلمي ": اسم.
(2)
الابيات في " ديوان الحلاج " ص 97 96، و" طبقات الصوفية " ص 309 و" أخبار الحلاج " ص 114 113.
(3)
البيتان في " ديوان الحلاج " ص 82، و" تاريخ بغداد " 8 / 115 ورواية البيت الأول فيهما:
مزجت روحك في روحي كما * تمزج الخمرة بالماء الزلال
لَئِنْ أَمْسَيْتُ فِي ثَوْبَي عَدِيْمٍ
…
لَقَدْ بَليَا عَلَى حُرٍّ كَرِيْمِ
فَلَا يَحْزُنْكَ أَنْ أَبْصَرْتَ حَالاً
…
مُغَيَّرَةً عَنِ الحَالِ القَدِيْم
فَلِي نَفْسٌ سَتَذْهَبُ أَوْ سَتَرْقَى
…
لَعَمْرُكَ بِي إِلَى أَمْرٍ جَسِيْم (1)
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِ مائَةٍ أُدخل الحَلَاّج بَغْدَاد مَشْهُوْراً عَلَى جَمل، قبض عَلَيْهِ بِالسُّوس، وَحُمِلَ إِلَى الرَّائِشِيّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ حَيّاً، وَنُودِي عَلَيْهِ: هَذَا أَحَدُ دُعَاة القرَامِطَة فَاعْرِفُوهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ: كَانَ الحَلَاّجُ قَدِ ادَّعَى أَنَّهُ إِله، وَأَنَّهُ يَقُوْلُ بِحُلُول اللَاّهُوتِ فِي النَّاسُوت، فَأَحْضَرَهُ الوَزِيْرُ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى فَلَمْ يجده - إِذْ سأَله - يُحْسِنُ القُرْآن وَالفِقْه وَلَا الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: تعلُّمُكَ الفرضَ وَالطَّهور أَجدَى عَلَيْكَ مِنْ رسَائِل لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ فِيْهَا.
كَمْ تَكْتُبُ - وَيْلَك - إِلَى النَّاس: تبَاركَ ذُو النُّوْرِ الشَّعْشَعَانِيّ؟! مَا أَحْوَجَكَ إِلَى أَدب! وَأَمَرَ بِهِ فصُلب فِي الجَانب الشَّرْقِيّ، ثُمَّ فِي الغربِيّ.
وَوُجد فِي كُتُبِه: إِنِّيْ مُغْرِقُ قَوْم نوح، وَمُهْلِك عَادَ وَثمود.
وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْوَاحِد مِنْ أَصْحَابه: أَنْتَ نُوح.
وَلآخر: أَنْتَ مُوْسَى.
وَلآخر: أَنْتَ مُحَمَّد.
وَقَالَ: مَنْ رَسَتْ قَدَمُهُ فِي مَكَان المنَاجَاة، وَكُوْشِفَ بِالمُبَاشرَة، وَلُوْطِفَ بِالمُجَاوَرَة، وَتلذَّذ بِالقُرْبِ، وَتزيَّن بِالأُنْس، وَترَشَّحَ بِمرَأَى الْمَلَكُوت، وَتوشَّح بِمَحَاسِن الجَبَروت، وَترقَّى بَعْدَ أَنْ توقَّى، وَتَحَقَّقَ بَعْدَ أَنْ تمَزَّق، وَتَمَزَّقَ بَعْدَ أَنْ تزندَق، وَتصرَّف بَعْدَ أَنْ تعرَّف، وَخَاطبَ وَمَا رَاقبَ، وَتدلَّلَ بَعْدَ أَنْ تَذَلَّل، وَدَخَلَ وَمَا اسْتَأَذنَ، وَقُرِّبَ لَمَّا خُرِّب، وَكُلِّمَ لَمَّا كُرِّم، مَا قتلُوهُ وَمَا صَلَبوهُ.
(1)" ديوان الحلاج 2 ص 118 117. وانظر أيضا " تاريخ بغداد " 8 / 117، و" البداية والنهاية " 11 / 134.
ابْنُ بَاكويه: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ المذَارِيّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب النَّهْرَجُورِيّ يَقُوْلُ: دَخَلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْر مَكَّة، فَجَلَسَ فِي صحْن المَسْجَد لَا يَبْرَحُ مِنْ مَوْضِعه إِلَاّ لِلطَّهَارَة أَوِ الطَّوَاف، لَا يُبَالِي بِالشَّمْس وَلَا بِالمَطَر، فَكَانَ يُحمل إِلَيْهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ كُوْزٌ وَقُرص، فيعَضُّ مِنْ جَوَانبه أَرْبَعَ عَضَّاتٍ وَيَشْرَبُ.
أَخْبَرَنَا المسلمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيّ كِتَابة، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ زُرَيْق، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحَسَنِ السَّاحلِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الحَافِظ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الوَاعِظ يَقُوْل: قَالَ أَبُو القَاسِمِ الرَّازِيّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مُمْشَاذ: حضَر عِنْدنَا بِالدِّيْنَور رَجُلٌ مَعَهُ مِخلَاة، فَفَتَّشوهَا، فَوَجَدُوا فِيْهَا كِتَاباً لِلْحلَاّج عنوَانُهُ: مِنَ الرَّحْمَن الرَّحِيْم إِلَى فُلَان بن فُلَان.
فَوجه إِلَى بَغْدَادَ فَأُحضرَ وَعُرض عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا خَطِّي وَأَنَا كَتَبْتُهُ.
فَقَالُوا: كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّة، صِرْتَ تَدَّعِي الرُّبوبيَّة؟!
قَالَ: لَا، وَلَكِن هَذَا عينُ الجَمْعِ عِنْدنَا، هَلِ الكَاتِب إِلَاّ الله وَأَنَا؟ فَاليد فِيْهِ آلَة.
فَقِيْلَ: هَلْ مَعَكَ أَحَد؟
قَالَ: نَعَمْ، ابْنُ عَطَاء، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَرِيْرِيّ، وَالشِّبلِيّ.
فَأُحضر الجَرِيْرِيّ، وَسُئِلَ، فَقَالَ: هَذَا كَافِر، يُقْتَل مَنْ يَقُوْلُ هَذَا.
وَسُئِلَ الشِّبلِيّ فَقَالَ: مَنْ يَقُوْلُ هَذَا يُمنع.
وَسُئِلَ ابْنُ عَطَاء، فَوَافق الحَلَاّج، فَكَانَ سَبَب قَتله.
قُلْتُ: أَمَّا أَبُو العَبَّاسِ بنُ عَطَاءٍ فَلَمْ يُقتل، وَكلَّم الوَزِيْر بكَلَام غليظٍ لَمَّا سأَله، وَقَالَ: مَا أَنْتَ وَهَذَا، اشْتَغَلت بظُلْم النَّاس.
فعزَّره.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ قَالَ: كَانَ الوَزِيْرَ حِيْنَ أُحضر الحَلَاّجُ لِلْقتل حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، فَأَمره أَنْ يَكْتُبَ اعْتِقَاده، فَكَتَبَ اعْتِقَاده، فَعَرضه الوَزِيْر عَلَى الفُقَهَاء بِبَغْدَادَ، فَأَنكروهُ، فَقِيْلَ لحَامِد: إِنَّ ابْنَ عَطَاء يُصَوِّب قَوْله، فَأَمر
بِهِ، فَعُرض عَلَى ابْنِ عَطَاءٍ، فَقَالَ: هَذَا اعْتِقَادٌ صَحِيْح، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ هَذَا فَهُوَ بِلَا اعْتِقَاد.
فَأُحضر إِلَى الوَزِيْرِ، فَجَاءَ، وَتصدَّر فِي المَجْلِسِ، فغَاظ الوَزِيْر ذَلِكَ، ثُمَّ أُخرج ذَلِكَ الخطّ فَقَالَ: أَتصوِّبُ هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، مَا لَك وَلِهَذَا؟ عَلَيْك بِمَا نُصِبْتَ لَهُ مِنَ المُصَادرَة وَالظُّلم، مَا لَك وَلِلْكَلَامِ فِي هَؤُلَاءِ السَّادَة؟
فَقَالَ الوَزِيْر: فَكَّيْهِ.
فَضُرِبَ فَكَّاهُ، فَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَلَّطْتَ هَذَا عليَّ عُقوبَةً لدُخُوْلِي عَلَيْهِ.
فَقَالَ الوَزِيْر: خُفَّه يَا غُلَام.
فَنزع خُفَّه.
فَقَالَ: دمَاغَه.
فَمَا زَالَ يضْرب دمَاغه حَتَّى سَالَ الدَّم مِنْ مَنْخِرَيه.
ثُمَّ قَالَ: الحَبْس.
فَقِيْلَ: أَيُّهَا الوَزِيْر؟ يتشوَّش العَامَّة.
فَحُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: حضَرتُ بَيْنَ يدِي أَبِي الحَسَنِ بنِ بَشَّارٍ، وَعِنْدَهُ أَبُو العَبَّاسِ الأَصْبَهَانِيّ، فَذَاكره بقصَّة الحَلَاّج، وَأَنَّهُ لَمَّا قُتل كتب ابْنُ عَطَاء إِلَى ابْنِ الحَلَاّج كِتَاباً يعزِّيه عَنْ أَبِيْهِ، وَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَاك، وَنسخَ رُوحه فِي أَطيبِ الأَجسَاد.
فدلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقُوْلُ بالتَّنَاسخ، فَوَقَعَ الكِتَابُ فِي يَد حَامِد، فَأَحضر أَبَا العَبَّاسِ بنَ عَطَاء وَقَالَ: هَذَا خَطَّكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِقرَارُك أَعْظَم.
قَالَ: فَشَيْخٌ يكذب؟!
فَأَمر بِهِ، فَصُفِعَ.
فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ بَشَّار: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللهُ حَامِد بن العَبَّاسِ الجَنَّة بِذَلِكَ الصَّفْع.
قَالَ السُّلَمِيُّ (1) :أَكْثَر المَشَايِخ ردُّوا الحَلَاّج وَنَفَوهُ، وَأَبَوْا أَنْ يَكُوْنَ لَهُ قَدَمٌ فِي التَّصَوُّف، وَقبله ابْنُ عَطَاء، وَابْنُ خَفِيْف، وَالنَّصْر آباذِيّ.
قُلْتُ: قَدْ مرَّ أَنَّ ابْنَ خَفِيْف عُرِض عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كَلَام الحَلَاّج، فَتبرَّأَ مِنْهُ.
(1) في " الطبقات " 308 307.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الرَّازِيّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمَانَ يلعنُ الحَلَاّج وَيَقُوْلُ: لَوْ قدرت عَلَيْهِ لقتلتُهُ بيدِي.
فَقُلْتُ: أَيش وَجد الشَّيْخ عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَرَأْتُ آيَةً مِنْ كِتَاب اللهِ فَقَالَ: يُمْكنُنِي أَنْ أُؤلِّف مثلَه.
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ الأَقطع: زوَّجتُ ابْنتِي مِنَ الحُسَيْنِ بنِ مَنْصُوْر لِمَا رَأَيْت مِنْ حُسنِ طَرِيقَته وَاجْتِهَاده، فَبَانَ لِي بَعْد مُدَّة يَسِيْرَة أَنَّهُ سَاحرٌ، محتَالٌ كَافِرٌ.
وَقَالَ أَبُو يَعْقُوْبَ النُّعْمَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ الفَقِيْه يَقُوْلُ: إِنْ كَانَ مَا أَنزل اللهُ عَلَى نَبِيّه حقاً، فَمَا يَقُوْلُ الحَلَاّج بَاطِل.
وَكَانَ شَدِيْداً عَلَيْهِ.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيَّ بِالكُوْفَةِ يَقُوْلُ: مَا تجرَّد أَحَدٌ عَلَى الحَلَاّج وَحَمَلَ السُّلْطَانَ عَلَى قَتله كَمَا تجرَّد لَهُ ابْن دَاوُدَ.
وَبلغَنِي أَنَّهُ لَمَّا أُخرج إِلَى الْقَتْل تغيَّر وَجهُ حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الفُقَهَاء: لَا تَشُكَّنَّ أَيُّهَا الوَزِيْر، إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حقّاً، فَمَا يَقُوْلُ هَذَا بَاطِل.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ يَحْيَى، سَمِعْتُ جَعْفَراً الخُلْدِيّ وَسُئِلَ عَنِ الحَلَاّج فَقَالَ: أَعرفُه وَهُوَ حَدَث، كَانَ هُوَ وَالفُوَطِيّ يصحَبَان عَمْراً المَكِّيَّ، وَهُوَ يِحلِج.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي سعدَان يَقُوْلُ: الحَلَاّجُ مُمَوِّهٌ مُمَخْرِق.
قَالَ السُّلَمِيُّ: وَبلغنِي أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الجُنَيْد، فَقَالَ: أَنَا الحَقّ.
قَالَ: بَلْ أَنْتَ بِالْحَقِّ، أَيَّ خشبَةٍ تُفسد.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ غَالِب يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصحَابنَا
يَقُوْلُ: لَمَّا أَرَادُوا قتلَ الحَلَاّج، أُحضر لِذَلِكَ الفُقَهَاء، فَسَأَلُوهُ: مَا البُرهَان؟
قَالَ: شوَاهد يُلْبِسُهَا الحَقُّ لأَهْل الإِخْلَاص، يجذبُ فِي النُّفُوْس إِلَيْهَا جَاذب الْقبُول.
فَقَالُوا بِأَجمعهم: هَذَا كَلَام أَهْل الزَّنْدَقَة.
فنَقُوْل: بَلْ مَنْ وَزَنَ نَفْسَه وَزمَّهَا (1) بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ صَاحِبُ برهَان وَحجَّة، فَمَا أَخيَبَ سَهْمَ مَنْ فَاته ذَلِكَ!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِيْمَا أَنبأُونِي عَنْهُ: إِنَّ شَيْخَه أَبَا بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ أَنبأَه قَالَ: شهدتُ أَنَا، وَجَمَاعَة عَلَى أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل قَالَ: كُنْتُ قَدِ اعتقدتُ فِي الحَلَاّج وَنصرته فِي جُزْء، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ قُتل بِإِجمَاع فُقَهَاء عصره، فَأَصَابُوا وَأَخْطَأَ هُوَ وَحده.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ مَنْصُوْر بنَ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ الشِّبلِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَالحَلَاّج شَيْئاً وَاحِداً، إِلَاّ أَنَّهُ أَظهرَ وَكتمتُ.
وَسَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ: وَقَفَ الشِّبلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوب، فَنَظَر إِلَيْهِ وَقَالَ: أَلم ننهَكَ عَنِ العَالمِين؟!
أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ حضَر مَجْلِس حَامِد وَجَاؤُوهُ بدَفَاتِر الحَلَاّج، فِيْهَا: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَغنِي عَنْهُ بِأَنَّ يعمدَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَاره، فَيعْمل فِيْهَا مِحرَاباً، وَيغتسل وَيُحرم، وَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا، وَيُصَلِّي كَذَا وَكَذَا، وَيطوفُ بِذَلِكَ البَيْت، فَإِذَا فرَغ فَقَدْ سَقَط عَنْهُ الحَجّ إِلَى الكَعْبَة.
فَأَقرَّ بِهِ الحَلَاّج وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ رويتُهُ كَمَا سمِعتهُ.
فتعلّق بِذَلِكَ عَلَيْهِ الوَزِيْر، وَاسْتفتَى القَاضِيَيْن: أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنَ البُهْلُول، وَأَبَا عُمَرَ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ يَجِبُ بِهَا الْقَتْل.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَجِبُ بِهَذَا قتلٌ إِلَاّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُه، لأَنَّ النَّاس قَدْ
(1) أي قيدها وجعل لها زماما.
يرْوونَ الكُفْرَ وَلَا يَعْتَقِدُوْنَهُ، وَإِنْ أَخبر أَنَّهُ يَعْتَقِده اسْتُتِيبَ مِنْهُ، فَإِنْ تَاب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِلَاّ قُتِلَ.
فعمِلَ الوَزِيْرُ عَلَى فتوَى أَبِي عُمَرَ عَلَى مَا شَاع وَذَاع مِنْ أَمره، وَظهرَ مِنْ إِلحَاده وَكُفره، فَاسْتُؤذِنَ المُقْتَدِرُ فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتغوَى نصراً القُشُورِيَّ مِنْ طَرِيْقِ الصَّلَاح وَالدِّين، لَا بِمَا كَانَ يدعُو إِلَيْهِ، فَخوَّفَ نصرٌ السَّيِّدَة أُمَّ المُقْتَدِر مِنْ قَتله، وَقَالَ: لَا آمَنُ أَنْ يلْحق ابْنَكِ عقوبَةُ هَذَا الصَّالِح.
فمَنَعَتِ المُقْتَدِرَ مِنْ قَتْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَمر حَامِداً بِقَتْلِهِ، فَحُمَّ المُقْتَدِرُ يَوْمهُ ذَلِكَ، فَازدَادَ نصرٌ وَأَمُّ المُقْتَدِر افتتَاناً، وَتشكَّكَ المُقْتَدِر، فَأَنفذ إِلَى حَامِد يمنعهُ مِنْ قَتْلِهِ، فَأَخَّر ذَلِكَ أَيَّاماً إِلَى أَنْ عُوفِي المُقْتَدِر.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِد وَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا إِن بَقِيَ قلبَ الشَّريعَة، وَارتدَّ خلقٌ عَلَى يَدَهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى زوَال سلطَانك، فدعنِي أَقتلْه، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَاقتُلنِي، فَأَذن لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَتَلَهُ مِنْ يَوْمه، فَلَمَّا قُتل قَالَ أَصْحَابُه: مَا قُتل وَإِنَّمَا قتل بِرْذَوْنٌ كَانَ لفُلَان الكَاتِب، نَفَقَ (1) يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يعُود إِلَيْنَا بَعْد مُدَّة، فصَارت هَذِهِ الجَهَالَةُ مَقَالَة طَائِفَة.
قَالَ: وَكَانَ أَكْثَر مخَاريق الحَلَاّج أَنَّهُ يظهرهَا كَالمعجزَات، يَسْتَغوِي بِهَا ضَعَفَة النَّاس.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّنُوْخِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَمَاعَة أَنَّ أَهْل مَقَالَة الحَلَاّج يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللَاّهوتَ الَّذِي كَانَ فِيْهِ حَالٌّ فِي ابْنٍ لَهُ بتُسْتَر، وَأَنَّ رَجُلاً فِيْهَا هَاشِم يُقَال لَهُ: أَبُو عُمَارَة مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ حلَّت فِيْهِ روح مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُخَاطب فِيهِم بسيِّدنَا.
قَالَ التَّنوخِيُّ الأَزْرَق: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنِ اسْتدَعَاهُ مِنَ الحَلَاّجيَّة إِلَى أَبِي عمَارَة هَذَا إِلَى مَجْلِس، فَتَكَلَّم فِيْهِ عَلَى مَذْهَب الحَلَاّج وَيدعُو إِلَيْهِ.
قَالَ: فَدَخَلتُ وَظنُّوا أَنِّي مُسترشِد، فَتَكَلَّم بِحَضْرتِي وَالرَّجُلُ أَحْوَل، فَكَانَ
(1) أي: مات. قال في اللسان: نفق الفرس والدابة وسائر البهائم ينفق نفوقا: مات.
يقلب عَيْنَيْهِ إِلَيَّ فيجيشُ خَاطرُهُ بِالهَوَس، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ لِي الرَّجُلُ: آمنتَ؟
فَقُلْتُ: أَشدّ مَا كُنْتُ تكذيباً لِقَولكُم الآنَ، هَذَا عندكُم بِمَنْزِلَة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم!؟ لِمَ لَا يَجْعَل نَفْسه غَيْر أَحْوَل؟
فَقَالَ: يَا أَبْلَه! وَكَأَنَّهُ أَحْوَل، إِنَّمَا يقلِّب عَيْنَيْهِ فِي الْمَلَكُوت.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنِي أَبُو العَبَّاسِ المتطبِّبُ أَحَدُ مسلمِي الطِّبّ الَّذِيْنَ شَاهدتُهُم: إِنَّ حَيَّ نور بن الحَلَاّج بتُسْتَر، وَإِنَّهُ يَلْتَقِط درَاهم مِنَ الهوَاء وَيَجْمَعُهَا وَيسمِّيهَا درَاهم القُدرَة، فَأَحضرُوا مِنْهَا إِلَى مجمع كَانَ لَهُم، فَوَضَعُوهَا وَاتخذُوا أَولئك يَشْهَدُوْنَ لَهُ أَنَّهُ الْتَقَطهَا مِنَ الجَوّ، يُغرُوْنَ بِهَا قَوْماً غُرَبَاء، يَسْتَدعونهُم بِذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ قدرَ حَيّ نور أَجلُّ مِنْ أَنْ يُمتحن كُلَّ وَقت، فَلَمَّا وضعت الدَّرَاهِم فِي منْدِيل قلَّبتهَا فَإِذَا فِيْهَا دِرْهَمٌ زَائِف، فَقُلْتُ: أَهذه درَاهُم القُدرَة كُلّهَا؟
قَالُوا: نَعَمْ.
فَأَريتُهُم الدِّرْهَم الزَّيْف، فتفرقتِ الجَمَاعَةُ وَقُمنَا، وَكَانَ حَيّ نور قَدِ اسْتغوَى قَائِداً دَيْلَمِيّاً عَلَى تُسْتَر، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ فِي المخرقَة البَاردَة، فَانهتك لَهُ، فَقَتَلَهُ.
فَمِنْ بَارِد مخَاريقه: أَنَّهُ أَحضر جِرَاباً وَقَالَ لَهُ: إِذَا حَزَبكَ أَمرٌ أَخرجتُ لَكَ مِنْ هَذَا الجرَاب أَلف تُركِيٍّ بسلَاحهِم وَنَفَقَتِهِم.
فَسقط مِنْ عينه وَاطَّرَحَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ بَعْد مُدَّة وَقَالَ: أَنَا أَرُدُّ يَد الْملك أَحْمَد بن بُويه المقطوعَةَ صَحِيْحَة، فَأَدخِلْنِي إِلَيْهِ.
فصَاح عَلَيْهِ وَقَالَ: أُرِيْد أَنْ أَقْطَعَ يدك؛ فَإِن رددتهَا حملتُك إِلَيْهِ، فَاضطَرَبَ مِنْ ذَلِكَ، فرمَاهُ بِشَيْءٍ كَانَتْ فِيْهِ منيَّتُه، فَبعثَه سِرّاً فغرَّقه.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ الزَّوْزنِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ ثوَابَة يَقُوْلُ: حَكَى لِي زيد القَصْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِالقُدْس، إِذْ دَخَلَ الحَلَاّج، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُشْعَلُ فِيْهِ قنديلُ قُمَامَةٍ بدُهن البَلَسَان (1) ، فَقَامَ الفُقَرَاء إِلَيْهِ يطلُبُونَ مِنْهُ
(1) البلسان: شجر كثير الأوراق، ينبت بمصر، وله دهن معروف.
شَيْئاً، فَدَخَلَ بِهِم إِلَى القُمَامَة، فَجَلَسَ بَيْنَ الشَّمَامِسَة (1) ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّوَاد، فَظنُّوهُ مِنْهُم، فَقَالَ لَهُم: مَتَى يُشعل الْقنْدِيل؟
قَالُوا: إِلَى أَرْبَع سَاعَات.
فَقَالَ: كَثِيْر.
فَأَومأَ بِأُصبعه، فَقَالَ: الله.
فَخَرَجت نَارٌ مَنْ يَده، فَأَشعلتِ الْقنْدِيل، وَاشتعلت أَلفُ قِنديل حوَاليه، ثُمَّ رُدَّت النَّارُ إِلَى أُصْبُعه، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا حنيفيّ، أَقلُّ الحنيفيين، تُحِبُّون أَنْ أُقيم أَوْ أَخرج؟ فَقَالُوا: مَا شِئْت.
فَقَالَ: أَعطُوا هَؤُلَاءِ شَيْئاً.
فَأَخرجُوا بَدْرَةً (2) فِيْهَا عَشْرَة آلَاف دِرْهَم لِلْفُقَرَاء.
فَهَذِهِ الحِكَايَةُ وَأَمثَالهُا مَا صَحَّ مِنْهَا فحكمُهُ أَنَّهُ مخدومٌ مِنَ الجِنّ.
قَالَ التَّنُوْخِيّ (3) :وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَق قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَلَاّج كَانَ لَا يَأْكُل شَيْئاً شَهْراً، فَهَالنِي هَذَا، وَكَانَ بَيْنَ أَبِي الفَرَجِ وَبَيْنَ روحَان الصُّوْفِيَّ مودَّة (4) ، وَكَانَ مُحَدِّثاً صَالِحاً وَكَانَ القَصْرِيُّ - غُلَام الحَلَاّج - زوج أُخْته، فَسَأَلته عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ الحَلَاّج يَفْعَلُه فَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ يتمُّ لَهُ، وَلَكِنَّ صِهرِيَ القَصْرِيَّ قَدْ أَخذ نَفْسَه، وَدرَّجهَا، حَتَّى صَارَ يصبِر عَنِ الأَكل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، أَقلّ أَوْ أَكْثَر.
وَكَانَ يَتمُّ لَهُ ذَلِكَ بِحِيْلَةٍ تَخفَى عَلَيَّ، فَلَمَّا حُبِسَ فِي جُمْلَةِ الحَلَاّجِيَّةِ، كَشَفَهَا لِي، وَقَالَ لِي: إِنَّ الرَّصدَ إِذَا وَقَعَ بِالإِنْسَانِ، وَطَالَ فَلَمْ تَنكَشِفْ مَعَهُ حِيْلَةٌ، ضَعُفَ عَنْهُ الرَّصدُ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَضعُفُ كُلَّمَا لَمْ تَنكَشِفْ حِيلَتُه، حَتَّى يَبطُلَ أَصلاً،
(1) الشمامسة: جمع شماس، رؤوس النصارى. قال صاحب اللسان: هو الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة.
(2)
في اللسان: البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف، سميت ببدرة السخلة، أي: جلد السخلة.
(3)
في " نشوار المحاضرة " 1 / 160 159.
(4)
عبارة " النشوار ": وكان بيني وبين أبي الرج بن روحان الصوفي مودة.
فَيَتَمَكَّنُ حِيْنَئِذٍ مِنْ فِعلِ مَا يُرِيْدُ، وَقَدْ رَصَدَنِي هَؤُلَاءِ مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَمَا رَأَوْنِي آكُلُ شَيْئاً بَتَّةَ، وَهَذَا نِهَايَة صَبْرِي، فَخُذْ رطْلاً مِنَ الزَّبِيبِ وَرِطْلاً مِنَ اللَّوزِ، فَدُقَّهُمَا، وَاجعَلْهُمَا مِثْلَ الكُسبِ (1) ، وَابسُطْهُ كَالوَرَقَةِ، وَاجعَلْهَا بَيْنَ وَرَقَتَينِ كَدَفْتَرٍ، وَخُذِ الدَّفتَرَ فِي يَدِكَ مَكشُوَفاً مَطوِيّاً لِيَخفَى، وَأَحضِرْهُ لِي خُفْيَةً لآكُلَ مِنْهُ وَأَشرَبَ المَاءَ فِي المَضمَضَةِ، فَيَكفِينِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً أُخْرَى.
فكُنْت أَعمَلُ ذَلِكَ لَهُ طُولَ حَبْسِهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) :وَظَهَرَ رَجُلٌ يُعرَفُ بِالحَلَاّجِ، وَكَانَ فِي حَبسِ السُّلْطَانِ بِسعَايَةٍ وَقَعَتْ بِهِ فِي وِزَارَةِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، وَذُكِرَ عَنْهُ ضُرُوبٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ، وَوَضَعَ الحِيَلَ عَلَى تَضلِيلِ النَّاسِ مِنْ جِهَاتٍ تُشبِهُ الشَّعوَذَةَ وَالسِّحرَ وَادِّعَاءَ النُّبُوَّةِ، فَكَشَفَهُ الوَزِيْرُ، وَأَنَهَى خَبَرَهُ إِلَى المُقْتَدِرِ، فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا رُمِيَ بِهِ، وَعَاقَبَه، وَصَلَبَهُ حَيّاً أَيَّاماً، وَنُودِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حُبِسَ سِنِيْنَ، يُنقَلُ مِنْ حَبسٍ إِلَى حَبسٍ، حَتَّى حُبِسَ بِأَخَرَةٍ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، فَاسْتَغوَى جَمَاعَةً مِنَ الغِلمَانِ، وَمَوَّهُ عَلَيْهِم، وَاسْتَمَالَهُم بِحِيْلَةٍ، حَتَّى صَارُوا يَحْمُونَه، وَيَدفَعُوْنَ عَنْهُ، ثُمَّ رَاسَلَ جَمَاعَةً مِنَ الكِبَارِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَتَرَامَى بِهِ الأَمْرُ حَتَّى ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، فَسُعِيَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِه فَقُبِضَ عَلَيْهِم، وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِم كُتُبٌ لَهُ تَدُلُّ عَلَى مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَانتَشَرَ خَبَرُه، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي قَتْلِهِ، فَسَلَّمَه الخَلِيْفَةُ إِلَى الوَزِيْرِ حَامِدٍ، وَأَمَرَ أَنْ يَكشِفَهُ بِحَضْرَةِ القُضَاةِ، وَيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَرَتْ فِي ذَلِكَ خُطُوبٌ، ثُمَّ تَيَقَّنَ السُّلْطَانُ أَمرَه، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَإِحرَاقِهِ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِ مائَةٍ، فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ نَحْواً مِنْ أَلفٍ، وَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَضُرِبَتْ
(1) الكسب: عصارة الدهن، فارسي معرب. أنظر " المعرب " للجواليقي: ص 285.
عُنُقُه، وَأُحرِقَ بَدَنُه، وَنُصِبَ رَأْسُه لِلنَّاسِ، وَعُلِّقَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ إِلَى جَانِبِ رَأْسِهِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيُّ (1) :أَخْبَرَنِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَيَّاشٍ القَاضِي، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ:
أَنَّهُ كَانَ بِحَضْرَةِ حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ لَمَّا قُبِضَ عَلَى الحَلَاّجِ، وَقَدْ جِيْءَ بِكُتُبٍ وُجِدَتْ فِي دَارِهِ مِنْ دُعَاتِهِ فِي الأَطرَافِ يَقُوْلُوْنَ فِيْهَا: وَقَدْ بَذَرْنَا لَكَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا يَزكُو فِيْهَا، وَأَجَابَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ البَابُ - يَعْنِي: الإِمَامَ - وَآخَرُوْنَ يَعنُوْنَ أَنَّكَ صَاحِبُ الزَّمَانِ - يَعنُوْنَ: الإِمَامَ الَّذِي تَنْتَظِرُهُ الإِمَامِيَّةُ - وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ صَاحِبُ النَّامُوسِ الأَكْبَرِ - يَعنُوْنَ: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْمٌ يَعنُوْنَ أَنَّكَ هُوَ هُوَ - يَعْنِي: اللهَ عز وجل.
قَالَ: فَسُئِلَ الحَلَاّجُ عَنْ تَفْسِيْرِ هَذِهِ الكُتُبِ، فَأَخَذَ يَدفَعُهُ وَيَقُوْلُ: هَذِهِ الكُتُبُ لَا أَعرِفُهَا، هَذِهِ مَدسُوسَةٌ عَلَيَّ، وَلَا أَعلَمُ مَا فِيْهَا، وَلَا مَعنَى هَذَا الكَلَامِ.
وَجَاؤُوا بِدَفَاتِرَ لِلْحَلَاّجِ فِيْهَا: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، فَإِنَّهُ يَكفِيهِ أَنْ يَعمَدَ إِلَى بَيْتٍ
…
، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ الحَنْبَلِيُّ: كَانَ عِنْدَنَا بِسُوقِ السِّلَاحِ رَجُلٌ يَقُوْلُ: القُرْآنُ حِجَابٌ، وَالرَّسُولُ حِجَابٌ، وَلَيْسَ إِلَاّ عَبْدٌ وَرَبٌّ، فَافْتُتِنَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَتَرَكُوا العِبَادَاتِ، ثُمَّ اخْتَفَى مَخَافَةَ القَتْلِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) :ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حَامِدٍ أَنَّ الحَلَاّجَ قَدْ مَوَّهَ عَلَى الحَشَمِ وَالحُجَّابِ بِالدَّارِ بِأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى، وَأَنَّ الجِنَّ يَخدِمُونَهُ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحيَى عِدَّةً مِنَ الطَّيرِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ القُنَّائِيَّ الكَاتِبَ يَعْبُدُ الحَلَاّجَ وَيَدعُو إِلَيْهِ، فَكُبِسَ بَيتُه، وَأَحضَرُوا مِنْ دَارِهِ دَفَاتِرَ وَرِقَاعاً بِخَطِّ الحَلَاّجِ، فَنَهَضَ حَامِدٌ، فَدَفَعَه المُقْتَدِرُ إِلَى حَامِدٍ، فَاحْتَفَظَ بِهِ، وَكَانَ يُخْرِجُهُ كُلَّ يَوْمٍ
(1) في " نشوار المحاضرة " 1 / 162، وما بين حاصرتين منه.
(2)
8 / 132.
إِلَى مَجْلِسِه لِيَظفَرَ لَهُ بِسَقْطِه، فَكَانَ لَا يَزِيْدُ عَلَى إِظهَارِ الشَّهَادَتَينِ وَالتَّوحِيدِ وَالشَّرَائِعِ، وَقَبَضَ حَامِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ يَعْتَقِدُوْنَ إِلَهِيَّةَ الحَلَاّجِ، فَاعْتَرَفُوا أَنَّهُم دُعَاةُ الحَلَاّجِ، وَذَكَرُوا لِحَامِدٍ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُم أَنَّهُ إِلَهٌ، وَأَنَّهُ يُحيِي المَوْتَى، وَكَاشَفُوا بِذَلِكَ الحَلَاّجَ، فَجَحَدَ، وَكَذَّبَهُم، وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ أَعْبُدُ اللهَ، وَأُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَفِعلَ الخَيْرِ، وَلَا أَعرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجِيٍّ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
كَانَ أَوَّلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ أَمرِ الحَلَاّجِ لِحَامِدٍ أَنَّ شَيْخاً يُعْرَفُ بِالدَّبَّاسِ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَخْرَقَتَه، فَفَارَقَهُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ أَبُو عَلِيٍّ الأوَارجِيُّ الكَاتِبُ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ كِتَاباً ذَكَرَ فِيْهِ مَخَارِيقَ الحَلَاّجِ وَالحِيَلَ فِيْهَا، وَالحَلَاّجُ حِيْنَئِذٍ مُقِيْمٌ عِنْدَ نَصْرٍ القُشُوْرِيِّ فِي بَعْضِ حُجَرِهِ، مُوسعٌ عَلَيْهِ، مَأْذُوْنٌ لِمَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَغوَى القُشُوْرِيَّ، فَكَانَ يُعَظِّمُه، وَيُحَدِّثُ أَنَّ عِلَّةً عَرَضَتْ لِلْمُقْتَدِرِ فِي جَوفِه، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ الحَلَاّجُ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَعُوْفِيَ، فَقَامَ بِذَلِكَ لِلْحَلَاّجِ سُوقٌ فِي الدَّارِ وَعِنْدَ أُمِّ المُقْتَدِرِ، وَلَمَّا انْتَشَرَ كَلَامُ الدَّبَّاسِ وَالأَوَارجِيِّ فِي الحَلَاّجِ، أُحضِرَ إِلَى الوَزِيْرِ ابْنِ عِيْسَى، فَأَغلَظَ لَهُ، فَحُكِيَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَى الوَزِيْرِ، وَقَالَ لَهُ سِرّاً: قِفْ حَيْثُ انْتَهَيْتَ وَلَا تَزِدْ، وَإِلَاّ قَلَبتُ الأَرْضَ عَلَيْكَ.
فَتَهَيَّبَهُ الوَزِيْرُ، فَنُقِلَ حِيْنَئِذٍ إِلَى حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ.
وكَانَتْ بِنْتُ السِّمَّرِيِّ - صَاحِبِ الحَلَاّجِ - قَدْ أُدخِلَتْ إِلَيْهِ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ فِي دَارِ الخِلَافَةِ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى حَامِدٍ لِيَسأَلَهَا عَن مَا رَأَتْ.
فَدَخَلَتْ إِلَى حَامِدٍ، وَكَانَتْ عَذْبَةَ العِبَارَةِ، فَسَأَلَهَا، فَحَكَتْ أَنَّهَا حَمَلَهَا أَبُوْهَا إِلَى الحَلَاّجِ، وَأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَهَبَ لَهَا أَشيَاءً مُثمنَةً، مِنْهَا رَيْطَةٌ خَضْرَاءُ،
وَقَالَ لَهَا:
زَوَّجتُكِ ابْنِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَعَزُّ وَلَدِي عَلَيَّ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَقَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَزَوجِهَا خِلَافٌ، أَوْ تُنْكِرَ مِنْهُ حَالاً، وَقَدْ أَوصَيتُه بِكِ، فَمَتَى جَرَى عَلَيْكِ شَيْءٌ، فَصُومِي يَوْمَكِ، وَاصعَدِي إِلَى السَّطحِ، وَقُومِي عَلَى الرَّمَادِ، وَاجعَلِي فِطْرَكِ عَلَيْهِ مَعَ مِلْحٍ، وَاسْتَقبِلِي نَاحِيَتِي، وَاذْكُرِي مَا أَنكَرتِيْهِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَرَى.
قَالَتْ: وَكُنْتُ لَيْلَةً نَائِمَةً، فَمَا أَحسَستُ بِهِ إِلَاّ وَقَدْ غَشِيَنِي، فَانتَبَهتُ مَذْعُوْرَةً مُنكِرَةً لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأُوقِظَكِ لِلصَّلَاةِ.
وَلَمَّا أَصبَحنَا وَمَعِي بِنْتُه، نَزَلَ، فَقَالَتْ بِنْتُهُ: اسجُدِي لَهُ.
فَقُلْتُ: أَوَ يُسْجَدُ لِغَيْرِ اللهِ؟!
فَسَمِعَ كَلَامِي، فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ.
قَالَتْ: وَدَعَانِي إِلَيْهِ، وَأَدخَلَ يَدَه فِي كُمِّهِ، وَأَخرَجَهَا مَمْلُوْءةً مِسْكاً، فَدَفَعَه إِلَيَّ، وَقَالَ: هَذَا تُرَابٌ، اجعَلِيهِ فِي طِيْبِكِ.
وَقَالَ مَرَّةً: ارفَعِي الحَصِيرَ، وَخُذِي مَا تُرِيدِيْنِ.
فَرَفَعتُهَا، فَوَجَدْتُ الدَّنَانِيْرَ تَحْتهَا مَفْرُوْشَةً مِلْءَ البَيْتِ، فَبَهَرنِي مَا رَأَيْتُ (1) .
وَلَمَّا حَصَلَ الحَلَاّجُ فِي يَدِ حَامِدٍ، جَدَّ فِي تَتَبُّعِ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُم: حَيْدَرَةَ، وَالسِّمَّرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ القُنَّائِيَّ، وَأَبَا المُغِيْثِ الهَاشِمِيَّ، وَابْنَ حَمَّادٍ، وَكَبَسَ بَيتَهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ دَفَاتِرُ كَثِيْرَةٌ، وَبَعْضُهَا مَكْتُوْبٌ بِالذَّهَبِ، مُبَطَّنَةٌ بِالحَرِيْرِ.
فَقَالَ لَهُ حَامِدٌ: أَمَا قَبَضتُ عَلَيْكَ بِوَاسِطَ، فَذَكَرْتَ لِي دفعَةً أَنَّكَ المَهْدِيُّ، وَذَكَرتَ مَرَّةً أَنَّكَ تَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، فَكَيْفَ ادَّعَيتَ بَعْدِي الإِلَهِيَّةَ؟
وَكَانَ فِي الكُتُبِ عَجَائِبُ مِنْ مُكَاتَبَاتِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّافِذِيْنَ إِلَى
(1) انظر أقوال بنت السمري في: " نشوار المحاضرة " 6 / 82 81، و" تاريخ بغداد " 8 / 135 134.
النَّوَاحِي، يُوصِيْهِم بِمَا يَدْعُوْنَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَمَا يَأْمُرُهُم بِهِ مِنْ نَقلِهِم مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَرُتبَةٍ إِلَى رُتْبَةٍ، وَأَنْ يُخَاطِبُوا كُلَّ قَوْمٍ عَلَى حَسبِ عُقُوْلِهِم، وَقَدْرِ اسْتِجَابَتِهِم وَانْقِيَادِهِم، وَأَجَابَ بِأَلْفَاظٍ مَرمُوزَةٍ، لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُ مَنْ كَتَبَهَا وَكُتِبَتْ إِلَيْهِ، وَفِي بَعْضِهَا صُوْرَةٌ فِيْهَا اسْمُ اللهِ عَلَى تَعوِيجٍ، وَفِي دَاخِلِ ذَلِكَ التَّعوِيجِ مَكْتُوْبٌ: عَلِيٌّ عليه السلام (1)
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَحَضَرتُ مَجْلِسَ حَامِدٍ وَقَدْ أُحْضِرَ سَفَطٌ مِنْ دَارِ القُنَّائِيِّ، فَإِذَا فِيْهِ قِدْرٌ جَافَّةٌ، وَقَوَارِيرُ فِيْهَا شَيْءٌ كَالزِّئبَقِ، وَكِسَرٌ جَافَّةٌ، فَعَجِبَ الوَزِيْرُ مِنْ تِلْكَ القِدَرِ، وَجَعَلهَا فِي سَفَطٍ مَخْتُوْمٍ، فَسُئِلَ السِّمَّرِيُّ، فَدَافَعَ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنَّهَا رَجِيعُ الحَلَاّجِ، وَأَنَّهُ يَشْفِي، وَأَنَّ الَّذِي فِي القَوَارِيرِ بَوْلُهُ.
فَقَالَ السِّمَّرِيُّ لِي: فُكُلْ مِنْ هَذِهِ الكِسَرِ، ثُمَّ انظُرْ كَيْفَ يَكُوْنُ قَلْبُكَ لِلْحَلَاّجِ.
ثُمَّ أَحضَرَ حَامِدٌ الحَلَاّجَ، وَقَالَ: أَيْشٍ فِي هَذَا السَّفطِ؟
قَالَ: مَا أَدْرِي (2) .
وَجَاءَ غُلَامُ حَامِدٍ الَّذِي كَانَ يَخدُمُ الحَلَاّجَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ دَخَلَ بِطَبَقٍ.
قَالَ: فَوَجَدَه مِلءَ البَيْتِ مِنْ سَقْفِهِ إِلَى أَرضِهِ، فَهَالَهُ مَا رَأَى، وَرَمَى بِالطَّبَقِ مِنْ يَدِهِ وَحُمَّ.
قَالَ ابْنُ زَنْجِيٍّ: وَحُمِلَتْ دَفَاتِرُ مِنْ دُورِ أَصْحَابِ الحَلَاّجِ، فَأَمَرَنِي حَامِدٌ أَنْ أَقرَأَهَا وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ حَاضِرٌ، وَالقَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الأَشْنَانِيِّ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، أَفرَدَ فِي دَارِه بَيتاً، وَطَافَ بِهِ أَيَّامَ المَوْسِمِ، ثُمَّ جَمَعَ ثَلَاثِيْنَ يَتِيماً، وَكَسَاهُم قَمِيصاً قَمِيصاً، وَعَمِلَ لَهُم طَعَاماً طَيِّباً، فَأَطعَمَهُم، وَخَدَمَهُم، وَكَسَاهُم، وَأَعطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، قَامَ لَهُ ذَلِكَ مَقَامَ الحَجِّ.
فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ الفَصلَ، الْتَفَتَ القَاضِي أَبُو عُمَرَ إِلَى الحَلَاّجِ، وَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ
(1)" نشوار المحاضرة " 6 / 83 82، و" تاريخ بغداد " 8 / 136 135.
(2)
" نشوار المحاضرة " 6 / 85 84، و" تاريخ بغداد " 8 / 137 136.
كِتَابِ (الإِخْلَاصِ) لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ: كَذَبتَ يَا حَلَالَ الدَّمِ! قَدْ سَمِعْنَا كِتَابَ (الإِخْلَاصِ) ، وَمَا فِيْهِ هَذَا.
فَلَمَّا قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَبتَ يَا حَلَالَ الدَّمِ، قَالَ لَهُ حَامِدٌ: اكْتُبْ بِهَذَا.
فَتَشَاغَلَ أَبُو عُمَرَ بِخِطَابِ الحَلَاّجِ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِدٌ، وَقَدَّمَ لَهُ الدَّوَاةَ، فَكَتَبَ بِإِحلَالِ دَمِهِ، وَكَتَبَ بَعْدَهُ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ الحَلَاّجُ: ظَهرِي حِمَىً، وَدَمِي حَرَامٌ، وَمَا يَحِلُّ لَكُم أَنْ تَتَأَوَّلُوا عَلَيَّ، وَاعْتِقَادِي الإِسْلَامُ، وَمَذْهَبِي السُّنَّةُ، فَاللهَ اللهَ فِي دَمِي.
وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ هَذَا القَوْلَ وَهُم يَكْتُبُوْنَ خُطُوطَهُم، ثُمَّ نَهَضُوا، وَرُدَّ الحَلَاّجُ إِلَى الحَبْسِ، وَكُتِبَ إِلَى المُقْتَدِرِ بِخَبَرِ المَجْلِسِ، فَأَبطَأَ الجَوَابَ يَوْمَيْنِ، فَغلظَ ذَلِكَ عَلَى حَامِدٍ، وَنَدِمَ، وَتَخَوَّفَ، فَكَتَبَ رُقعَةً إِلَى المُقْتَدِرِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ مَا جَرَى فِي المَجْلِسِ قَدْ شَاعَ، وَمَتَى لَمْ تُتبِعْهُ قَتْلَ هَذَا، افْتُتِنَ بِهِ النَّاسُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
فَعَادَ الجَوَابُ مِنَ الغَدِ مِنْ جِهَةِ مُفْلِحٍ: إِذَا كَانَ القُضَاةُ قَدْ أَبَاحُوا دَمَهُ، فَلْيَحْضُرْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ صَاحِبُ الشُّرطَةِ، وَيَتَقَدَّمْ بِتَسلِيمِهِ وَضَربِهِ أَلفَ سَوْطٍ، فَإِنْ هَلَكَ، وَإِلَاّ ضُرِبَتْ عُنُقُه.
فَسُرَّ حَامِدٌ، وَأَحضَرَ صَاحِبَ الشُّرطَةِ، وَأَقرَأَه ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الحَلَاّجِ، فَامْتَنَعَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَخَوَّفُ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ.
فَبَعَثَ مَعَهُ غِلمَانَهُ حَتَّى يُصَيِّرُوهُ إِلَى مَجْلِسِه، وَوَقَعَ الاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يُحْضَرَ بَعْدَ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِه، وَقَوْمٌ عَلَى بِغَالٍ مُوكفَةٍ مَعَ سُيَّاسٍ، فَيُحمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَيُدخَلَ فِي غِمَارِ القَوْمِ.
وَقَالَ حَامِدٌ لَهُ: إِنْ قَالَ لَكَ: أُجرِي لَكَ الفُرَاتَ ذَهَباً، فَلَا تَرفَعْ عَنْهُ الضَّربَ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ العِشَاءِ، أَتَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ إِلَى حَامِدٍ، وَمَعَهُ الرِّجَالُ وَالبِغَالُ، فَتَقَدَّمَ إِلَى غِلمَانِهِ بِالرُّكوبِ مَعَهُ إِلَى دَارِه، وَأَخرجَ لَهُ الحَلَاّجَ، فَحكَى الغُلَامُ: أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ البَابَ عَنْهُ وَأَمرَه بِالخُرُوجِ، قَالَ: مَنْ عِنْدَ
الوَزِيْرِ؟
قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ.
قَالَ: ذَهبنَا وَاللهِ.
وَأُخرجَ، فَأُركبَ بَغلاً، وَاختلطَ بِجُمْلَةِ السَّاسَةِ، وَركبَ غِلمَانُ حَامِدٍ حَوْلَهُ حَتَّى أَوْصَلُوهُ، فَبَاتَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَرِجَالُه حولَ المَجْلِسِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ، أُخرجَ الحَلَاّجُ إِلَى رَحْبَةِ المَجْلِسِ، وَأَمرَ الجلَاّدَ بِضَرْبِه، وَاجْتَمَعَ خَلَائِقُ، فَضُرِبَ تَمَامَ أَلفِ سوطٍ، وَمَا تَأَوَّهَ، بَلَى لَمَّا بَلغَ سِتَّ مائَةِ سَوْطٍ، قَالَ لاِبْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ: ادْعُ بِي إِلَيْكَ، فَإِنَّ عِنْدِي نَصيحَةً تَعدِلُ فتحَ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ.
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: قَدْ قِيْلَ لَي: إِنَّك سَتَقُولُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ إِلَى رَفعِ الضَّربِ سَبِيْلٌ.
ثمَّ قُطِعَتْ يَدُه، ثُمَّ رِجلُه، ثُمَّ حُزَّ رَأْسُه، وَأُحرِقَتْ جُثَّتُه.
وَحَضَرتُ فِي هَذَا الوَقْتِ رَاكِباً وَالجُثَّةُ تُقلَّبُ عَلَى الجمرِ، وَنُصبَ الرَّأْسُ يَوْمِيْنِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَطيفَ بِهِ.
وَأَقبلَ أَصْحَابُه يَعِدُوْنَ أَنفسَهُم برُجُوعِه بَعْدَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.
وَاتَّفَقَ زِيَادَةُ دِجْلَةَ تِلْكَ السَّنَّةَ زِيَادَةً فِيْهَا فضلٌ، فَادَّعَى أَصْحَابُه أَنَّ ذَلِكَ بِسَبِبِهِ، لأَنَّ رَمَادَهُ خَالطَ المَاءَ.
وَزعمَ بَعْضُهُم: أَنَّ المَقْتُولَ عدوٌّ لِلْحلَاّجِ أُلقيَ عَلَيْهِ شبهُه.
وَادَّعَى بَعْضُهُم أَنَّهُ - فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَعْدَ قَتلِهِ - رَآهُ رَاكباً حِمَاراً فِي طَرِيْقِ النَّهْرَوَانِ، وَقَالَ: لَعلَّكُم مِثْلَ هَؤُلَاءِ البقرِ الَّذِيْنَ ظنُّوا أَنِّي أَنَا المضروبُ المَقْتُولُ.
وَزعمَ بَعْضُهُم أَنَّ دَابَّةً حُوِّلَتْ فِي صُورتِه.
وَأُحضرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الورَّاقينَ، فَأُحلِفُوا أَنْ لَا يَبيعُوا مِنْ كُتبِ الحَلَاّجِ شَيْئاً وَلَا يَشتروهَا (1) .
(1) انظر خبر استدعاء الحلاج وقتله في " نشوار المحاضرة " 6 / 92 87، و" تاريخ بغداد " 8 / 141 138.
عَنْ فَارِسٍ البَغْدَادِيِّ، قَالَ: قُطعتْ أَعضَاءُ الحَلَاّجِ وَمَا تَغيَّرَ لَونُه.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ العَطُوفِيِّ، قَالَ: قُطعتْ يَدَا الحَلَاّجِ وَرِجْلَاهُ، وَمَا نَطَقَ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكَتَّانِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ الحَلَاّجُ عَنِ الصَّبرِ، فَقَالَ: أَنْ تُقطعَ يَدَا الرَّجُلِ وَرجلَاهُ، وَيُسمَّرَ وَيُصلَبَ عَلَى هَذَا الجِسْرِ.
قَالَ: فَفُعِلَ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ - رَجُلٍ مَجْهُوْلٍ - قَالَ:
كُنْتُ أَقربَ النَّاسِ مِنَ الحَلَاّجِ حِيْنَ ضُربَ، فَكَانَ يَقُوْلُ مَعَ كُلِّ سَوطٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ عِيْسَى القَصَّارَ يَقُوْلُ:
آخرُ كلمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ عِنْد قَتلِه: حَسبُ الوَاحِدِ إِفرَادُ الوَاحِدِ لَهُ.
فَمَا سَمِعَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ فَقِيْرٌ إِلَاّ رَقَّ لَهُ، وَاسْتَحْسَنَهَا مِنْهُ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رُؤيَ وَاقفاً فِي الموقفِ، وَالنَّاسُ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أُنزِّهك عَمَّا قَرَفَكَ بِهِ عبَادُك، وَأَبرأُ إِلَيْكَ مِمَّا وَحَّدكَ بِهِ الموحِّدُوْنَ.
قُلْتُ: هَذَا عينُ الزَّنْدَقَةِ، فَإِنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا وَحَّدَ اللهَ بِهِ الموحِّدُوْنَ الَّذِيْنَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابعُوْنَ وَسَائِرُ الأُمَّةِ، فَهَلْ وَحَّدُوهُ تَعَالَى إِلَاّ بِكلمَةِ الإِخْلَاصِ التِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ قَالَهَا مِنْ قَلْبِهِ، فَقَدْ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ)(1) .
(1) حديث متواتر، روي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وأنس، والنعمان ابن بشير، وأوس بن حذيفة، وطارق بن أشيم الاشجعي.
فأما حديث ابن عمر، فأخرجه البخاري: 1 / 71 70، ومسلم (22) كلاهما في الايمان وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري: 3 / 211 في أول الزكاة، ومسلم (21) في الايمان، وأبو داود (2640) والنسائي: 5 / 14، وأما حديث جابر، فأخرجه مسلم (21)(35) والترمذي (3338) . وأما حديث أنس، فأخرجه البخاري: 1 / 417 في الصلاة: باب فضل استقبال =
وَهِيَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ.
فَإِذَا برِئَ الصُّوْفِيُّ مِنْهَا، فَهُوَ ملعُوْنٌ زِنْدِيْقٌ، وَهُوَ صُوفِيُّ الزَّيِّ وَالظَّاهِرِ، مُتستِّرٌ بِالنَّسَبِ إِلَى العَارفينَ، وَفِي البَاطنِ فَهُوَ مِنْ صُوفيَّةِ الفَلَاسِفَةِ أَعدَاءِ الرُّسُلِ، كَمَا كَانَ جَمَاعَةٌ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم منتسبُوْنَ إِلَى صُحْبَتِهِ وَإِلَى ملَّتِهِ، وَهُم فِي البَاطنِ مِنْ مَرَدَةِ المُنَافقينَ، قَدْ لَا يَعْرِفُهُم نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَعْلَمُ بِهِم.
قَالَ الله - تَعَالَى -: {وَمِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، لَا تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التَّوبَةُ:101] ، فَإِذَا جَازَ عَلَى سَيِّدِ البشرِ أَنْ لَا يَعْلَمَ ببَعْضِ المُنَافِقينَ وَهُم مَعَهُ فِي المَدِيْنَةِ سنوَاتٍ، فَبِالأَوْلَى أَنْ يَخفَى حَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ المُنَافِقينَ الفَارغينَ عَنْ دينِ الإِسْلَامِ بَعْدَهُ عليه السلام عَلَى العُلَمَاءِ مِنْ أُمَّتِه، فَمَا يَنْبَغِي لَكَ يَا فَقِيْهُ أَنْ تُبَادرَ إِلَى تكفيرِ المُسْلِمِ إِلَاّ ببُرْهَانٍ قَطعِيٍّ، كَمَا لَا يسوَغُ لَكَ أَنْ تعتقدَ العِرفَانَ وَالوِلَايَةَ فِيْمَنْ قَدْ تَبرهنَ زَغَلُهُ، وَانْهَتَكَ بَاطنُهُ وَزَنْدَقَتُه، فَلَا هَذَا وَلَا هَذَا، بَلِ العَدلُ أَنَّ مَنْ رَآهُ المُسْلِمُوْنَ صَالِحاً مُحسِناً، فَهُوَ كَذَلِكَ، لأَنَّهُم شهدَاءُ اللهِ فِي أَرضِهِ (1) ، إِذِ الأُمَّةُ لَا تَجتمعُ عَلَى
= القبلة، وأبو داود (2641) والنسائي: 8 / 109، والترمذي (2609) . وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه النسائي: 7 / 80 79. وأما حديث أوس بن حذيفة، فأخرجه النسائي: 7 / 80 81، وأما حديث طارق بن أشيم الاشجعي، فأخرجه أحمد: 3 / 472، ومسلم (23) ولفظه بتمامه: " من قال: لا إليه إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله ".
(1)
أخرج البخاري: 3 / 181 في الجنائز: باب ثناء الناس على الميت، ومسلم (949) في الجنائز: باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وجبت " ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرا، فقال:" وجبت " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض ".
وأخرجه البخاري أيضا: 5 / 185 في الشهادات: باب تعديل كم يجوز، بلفظ:" المؤمنون شهداء الله في الأرض " وانظر " المسند " 3 / 179 و186 و197 و211 و245 و281، والترمذي (1058) والنسائي: 4 / 50 49، و" المستدرك " 1 / 377، ومسند الطيالسي =
ضَلَالَةٍ (2) ، وَأَنَّ مَنْ رَآهُ المُسْلِمُوْنَ فَاجراً أَوْ مُنَافقاً أَوْ مُبْطِلاً، فَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ تُضَلِّلُه، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ تُثْنِي عَلَيْهِ وَتبجِّلُهُ، وَطَائِفَةٌ ثَالثَةٌ تقِفُ فِيْهِ وَتتورَّعُ مِنَ الحطِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَضَ عَنْهُ، وَأَنْ يفوَّضَ أَمرُه إِلَى اللهِ، وَأَنَّ يُسْتَغْفَرَ لَهُ فِي الجُمْلَةِ؛ لأَنَّ إِسْلَامَهُ أَصْليٌّ بيقينٍ، وضلالُه مشكوكٌ فِيْهِ، فَبِهَذَا تَسْتريحُ، وَيصفُو قَلْبُكَ مِنَ الغِلِّ لِلْمُؤْمِنينَ.
ثمَّ اعْلمْ أَنَّ أَهْلَ القِبْلَةِ كلَّهُم، مُؤْمِنَهُم وَفَاسقَهُم، وَسُنِّيَهُم وَمُبْتَدِعَهُم - سِوَى الصَّحَابَةِ - لَمْ يُجمعُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ سَعِيْدٌ نَاجٍ، وَلَمْ يُجمعُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ شقيٌّ هَالكٌ، فَهَذَا الصِّدِّيقُ فردُ الأُمَّةِ، قَدْ علمتَ تَفَرُّقَهُم فِيْهِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَذَلِكَ الحجَّاجُ، وَكَذَلِكَ المَأْمُوْنُ، وَكَذَلِكَ بشرٌ المَرِيسِيُّ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَهَلُمَّ جَرّاً مِنَ الأَعيَانِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمكَ هَذَا، فَمَا مِنْ إِمَامٍ كَامِلٍ فِي الخَيْرِ، إِلَاّ وَثَمَّ أُنَاسٌ مِنْ جهلَةِ المُسْلِمِيْنَ وَمُبْتَدِعِيهِم يذمُّونَه، وَيحطُّونَ عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ رَأْسٍ فِي
= (2062) وابن ماجه (1491) .
وأخرج البخاري: 3 / 182 و5 / 185، والترمذي (1059) والنسائي: 4 / 51 من طريق أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر رضي الله عنه، فمرت جنازة، فأثني على صاحبها خيرا، فقال رضي الله عنه: وجبت.
ثم مر بأخرى، فأثني على صاحبها خيرا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت، ثم مر بالثالثة، فأثني على صاحبها شرا، فقال: وجبت.
فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة "، فقلنا: وثلاثة؟ قال: " وثلاثة ". فقلنا: واثنان؟ قال: " واثنان ". ثم لم نسأله عن الواحد.
(2)
حديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " رواه الترمذي (2167) والحاكم: 1 / 115 من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود (4253) وأحمد في " مسنده " 6 / 397 من حديث أبي بصرة الغفاري، ورواه ابن ماجه (3950) والحاكم: 1 / 117 116 من حديث أنس، ورواه أحمد: 5 / 145 من حديث أبي ذر، ورواه الحاكم: 1 / 116 من حديث ابن عباس، وفي كلها مقال، لكن يحدث منها قوة للحديث. انظر " المقاصد الحسنة " ص 460.
البدعَةِ وَالتَّجَهُّمِ وَالرَّفضِ إِلَاّ وَلَهُ أُنَاسٌ يَنْتصرُوْنَ لَهُ، وَيَذُبُّونَ عَنْهُ، وَيدينُوْنَ بِقَولِه بِهوَىً وَجهلٍ، وَإِنَّمَا العِبْرَةُ بِقَولِ جُمْهُوْرِ الأُمَّةِ الخَالينَ (1) مِنَ الهوَى وَالجَهْلِ، المتَّصِفِينَ (2) بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ، فَتَدبّرْ - يَا عَبْدَ اللهِ - نحْلَةَ الحَلَاّجِ الَّذِي هُوَ مِنْ رُؤُوْسِ القرَامِطَةِ، وَدعَاةِ الزَّنْدَقَةِ، وَأَنِصْفْ، وَتَوَرَّعْ، وَاتَّقِ ذَلِكَ، وَحَاسِبْ نَفْسكَ، فَإِنْ تبرهَنَ لَكَ أَنَّ شَمَائِلَ هَذَا المَرْءِ شَمَائِلُ عدوٍّ لِلإِسْلَامِ، مُحبٍّ للرِّئاسَةِ، حريصٍ عَلَى الظُهُوْرِ بباطلٍ وَبحقٍّ، فَتبرَّأْ مِنْ نِحْلتِه، وَإِنْ تبرهنَ لَكَ - وَالعيَاذُ بِاللهِ - أَنَّهُ كَانَ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - مُحقّاً هَادِياً مهدِيّاً (3) ، فَجِدِّدْ إِسْلَامَكَ، وَاسْتغثْ بربِّكَ أَنْ يُوَفِّقَكَ لِلْحقِّ، وَأَنْ يُثَبِّتَ قَلْبَكَ عَلَى دِيْنِهِ، فَإِنَّمَا الهُدَى نُورٌ يقذِفُهُ اللهُ فِي قلبِ عبدِه المُسْلِمِ، وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللهِ، وَإِن شككتَ وَلَمْ تَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ، وَتبرَّأَتَ مِمَّا رُمِي بِهِ، أَرحتَ نَفْسكَ، وَلَمْ يَسْأَلْكَ اللهُ عَنْهُ أَصلاً.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الوَرَّاقَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ القلَانسِيَّ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا صُلبَ الحَلَاّجُ - يَعْنِي: فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى - وَقفتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَهِي! أَصبحتُ فِي دَارِ الرَّغَائِبِ أَنظرُ إِلَى العَجَائِبِ، إِلَهِي! إِنَّك تَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤذيكَ، فَكَيْفَ لَا تَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤذَى فِيكَ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَخِي خَادِماً لِلْحلَاّجِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي يُقتلُ فِيْهَا مِنَ الغَدِ، قُلْتُ: أَوصِنِي يَا سَيِّدِي.
فَقَالَ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ، إِنْ لَمْ تَشغلْهَا شَغَلَتْكَ.
فَلَمَّا أُخرجَ، كَانَ يَتبخترُ فِي قَيْدِه، وَيَقُوْلُ:
(1) في الأصل: " الخالون ".
(2)
في الأصل: " المتصفون ".
(3)
في الأصل: " محق هاد مهدي ".
نَدِيْمِي غَيْرُ مَنْسُوبٍ
…
إِلَى شَيْءٍ مِنَ الحَيْفِ
سَقَانِي مِثْلَ مَا يَشْرَ
…
بُ فِعْلَ الضَّيْفِ بِالضَّيْفِ
فَلَمَّا دَارَتِ الكَأْسُ
…
دَعَا بِالنِّطْعِ وَالسَّيْفِ
كَذَا مَنْ يَشْرَبُ الكَأْسَ
…
مَعَ التِّنِّينِ فِي الصَّيْفِ (1)
ثُمَّ قَالَ: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِيْنَ لَا يُؤمنُوْنَ بِهَا، وَالَّذِيْنَ آمنُوا مُشْفِقُوْنَ مِنْهَا، وَيَعْلَمُوْنَ أَنَّهَا الحَقُّ} [الشُّوْرَى:18] ، ثُمَّ مَا نطقَ بَعْدُ.
وَلهُ أَيْضاً (2) :
يَا نَسِيمَ الرِّيْحِ قُوْلِي (3) للرَّشَا:
…
لَمْ يَزِدْنِي الوَرْدُ إِلَاّ عَطَشَا
رُوحُهُ رُوحِي وَرُوحِي فَلَهُ
…
إِنْ يَشَا شِئْتُ، وَإِنْ شِئْتُ يَشَا
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: لَمَّا أُخرجَ الحَلَاّج لِيُقتلَ، مَضَيتُ وَزَاحمتُ حَتَّى رَأَيْتهُ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لَا يُهْولنَّكُم، فَإِنِّي عَائِدٌ إِلَيْكُم بَعْدَ ثَلَاثِيْنَ يَوْماً.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ تُوضِّحُ لَكَ أَنَّ الحَلَاّجَ مُمَخْرِقٌ كَذَّابٌ، حَتَّى عِنْدَ قتلِه.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا أُخرجَ لِلْقتلِ، أَنْشَدَ:
طَلَبْتُ المُسْتَقَرَّ بِكُلِّ أَرْضِ
…
فَلَمْ أَرَ لِي بِأَرْضٍ مُسْتَقَرَّا
أَطَعْتُ مَطَامِعِي فَاسْتَعْبَدَتَنِي
…
وَلَوْ أَنِّي قَنَعْتُ لَكُنْتُ حُرّاً (4)
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: جَمعتُ كِتَاباً سَمَّيْتُه: (القَاطِعُ بِمحَال
(1) الابيات في " ديوان الحلاج " ص 73، وانظر الخبر أيضا في " تاريخ بغداد " 8 / 131 132، و" المنتظم " 6 / 164 163، و" أخبار الحلاج " ص 35 34.
(2)
والبيتان في " ديوانه " ص 69 68.
(3)
في الأصل " قولا " وما أثبتناه من الديوان.
(4)
الخبر والبيتان في " تاريخ بغداد " 8 / 130، و" المنتظم " 6 / 164، و" وفيات الأعيان " 2 / 144.
المُحَاج بِحَالِ الحَلَاّجِ) .
وَبلغَ مِنْ أَمرِه أَنَّهُم قَالُوا: إِنَّهُ إِلهٌ، وَإِنَّهُ يُحْيَي المَوْتَى.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَوقعَ بِالحَلَاّجِ الأَمِيْرُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّاسِبِيُّ، وَأَدخلَه بَغْدَادَ وَغُلَاماً لَهُ عَلَى جَمَلَينِ قَدْ شَهَرَهُمَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِ مائَةٍ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَاباً: إِنَّ البيِّنَةَ قَامتْ عِنْدِي أَنَّ الحَلَاّجَ يَدَّعِي الرُّبوبيَّةَ وَيَقُوْلُ بالحلولِ، فَحُبسَ مُدَّةً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ يدعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يُرِي الجَاهِلَ أَشيَاءً مِنْ شَعْبَذَتِهِ، فَإِذَا وَثقَ مِنْهُ، دَعَاهُ إِلَى أَنَّهُ إِلهٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الوَزِيْرَ حَامِداً وَجدَ فِي كُتُبِه: إِذَا صَامَ الإِنْسَانُ وَوَاصلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَفطرَ فِي رَابعِ يَوْمٍ عَلَى وَرقَاتِ هِنْدَبا، أَغنَاهُ عَنْ صومِ رَمَضَانَ، وَإِذَا صَلَّى فِي لَيْلَةٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى الغدَاةِ، أَغنتْه عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَصدَّقَ بكذَا وَكَذَا، أَغنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ.
ذَكرَ ابْنُ حَوقلٍ، قَالَ: ظَهرَ مِنْ فَارس الحَلَاّج يَنْتحلُ النُّسكَ وَالتَّصَوُّفَ، فَمَا زَالَ يترقَّى طَبقاً عَنْ طَبَقٍ حَتَّى آلَ بِهِ الحَالُ إِلَى أَنْ زَعَمَ: أَنَّهُ مَنْ هَذَّبَ فِي الطَّاعَةِ جِسمَه، وَشغلَ بِالأَعمَالِ قلبَه، وَصبرَ عَنِ اللَّذَّاتِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَوَاتِ، يَتَرَقَّ فِي درجِ المصَافَاةِ، حَتَّى يصفُوَ عَنِ البشريَةِ طَبعُه، فَإِذَا صَفَا، حَلَّ فِيْهِ روحُ اللهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ إِلَى عِيْسَى، فَيَصِيْرُ مُطَاعاً، يَقُوْلُ لِلشَّيءِ: كُنْ، فَيَكُوْنُ.
فَكَانَ الحَلَاّجُ يتعَاطَى ذَلِكَ، وَيدعُو إِلَى نَفْسِهِ، حَتَّى اسْتمَال جَمَاعَةً مِنَ الأُمَرَاءِ وَالوُزَرَاءِ وَمُلُوْكِ الجَزِيْرَة وَالجِبَالِ وَالعَامَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ يَدهُ لَمَّا قُطعتْ، كَتبَ الدَّمُ عَلَى الأَرْضِ: الله الله.
قُلْتُ: مَا صَحَّ هَذَا، وَيُمكنُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا مِنْ فِعلِه بِحركَةِ زَنْدِه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ، الحَافِظُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ
جَعْفَرٍ البَزَّازَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ اليَاقوتِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ الحَلَاّجَ عِنْد الجِسْرِ عَلَى بقرَةٍ، وَوجهُهُ إِلَى ذَنَبِهَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَنَا الحَلَاّجُ، أَلقَى الحَلَاّجُ شَبَهَهُ عَلَيَّ وَغَابَ.
فَلَمَّا أُدنِيَ مِنَ الخشبَةِ التِي يُصلَبُ عَلَيْهَا، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
يَا مُعِيْنَ الضَّنَّا عَلَيَّ أَعنِي عَلَى الضَّنَّا
…
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَالِمٍ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَهْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَبِيَدِهِ محبرَةٌ وَكِتَابٌ، فَقَالَ لسهلٍ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَكتبَ شَيْئاً ينفعُنِي اللهُ بِهِ.
فَقَالَ: اكتبْ: إِنِ اسْتطعتَ أَنْ تلقَى اللهَ وَبيدكَ المحبرَةُ، فَافعلْ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! فَائِدَةٌ.
فَقَالَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا جهلٌ، إِلَاّ مَا كَانَ عِلْماً، وَالعِلْمُ كُلُّه حُجَّةٌ، إِلَاّ مَا كَانَ عَمَلاً، وَالعَملُ مَوْقُوْفٌ، إِلَاّ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَتقومُ السُّنَّةُ علَى التَّقْوَى.
وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ المُرْتَعِشِ، قَالَ: مَنْ رَأَيْتهُ يَدَّعِي حَالاً مَعَ اللهِ باطنَةً، لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْهَدُ لَهَا حِفظٌ ظَاهِرٌ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى دِيْنِهِ.
قِيْلَ: إِنَّ الحَلَاّجَ كَتَبَ مَرَّةً إِلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ عَطَاءٍ:
كَتَبْتُ وَلَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا
…
كَتَبْتُ إِلَى رُوْحِي بِغَيْرِ كِتَابِ
وَذَاكَ لأَنَّ الرُّوحَ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا
…
وَبَيْنَ مُحبِّيهَا بِفصلِ خِطَابِ
فُكُلُّ كِتَابٍ صَادرٍ مِنْكَ وَاردٍ
…
إِلَيْكَ بِلَا رَدِّ الجَوَابِ جَوَابِي (1)
وَقَدْ ذَكَرَ الحَلَاّجَ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ فِي (طَبَقَاتِ الصُّوْفِيَّةِ) لَهُ، فَقَالَ: مِنْهُم مَنْ نَسَبَه إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَمِنْهُم مِنْ نَسَبهُ إِلَى السِّحرِ وَالشَّعْوذَةِ.
(1)" ديوان الحلاج " ص 42، و" تاريخ بغداد " 8 / 115، و" أخبار الحلاج " ص 119 - 120.
وَقفتُ عَلَى تَأْلِيْفِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَاكويه الشيرَازيِّ فِي حَالِ الحَلَاّجِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي حَمدُ بنُ الحَلَاّجِ:
أَنَّ نَصراً القُشُورِيَّ لَمَّا اعتُقِلَ أَبِي، اسْتَأَذنَ المُقْتَدِر أَنْ يَبنِيَ لَهُ بَيْتاً فِي الحَبْسِ، فَبنَى لَهُ دَاراً صَغِيْرَةً بجنبِ الحَبْسِ، وَسدُّوا بَابَ الدَّارِ، وَعملُوا حوَالِيه سُوراً، وَفَتحُوا بَابَه إِلَى الحَبْسِ، وَكَانَ النَّاسُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِ سنَةً، ثُمَّ مُنعُوا، فَبقيَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَاّ مرَّةً رَأَيْتُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ عَطَاءٍ دَخَلَ عَلَيْهِ بِالحِيْلَةِ، وَرَأَيْتُ مرَّةً أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ خَفيفٍ وَأَنَا بَرّاً عِنْد وَالدِي، ثُمَّ حَبَسُونِي مَعَهُ شَهْرَيْنِ، وَلِي يَوْمَئِذٍ ثَمَانيَةَ عَشَرَ عَاماً، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي أُخرجَ مِنْ صَبِيْحَتهَا، قَامَ، فَصَلَّى ركعَاتٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ: مَكْرٌ مَكْرٌ، إِلَى أَنْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ.
ثُمَّ سَكتَ طَوِيْلاً، ثُمَّ قَالَ: حَقٌّ حَقٌّ، ثُمَّ قَامَ قَائِماً وَتَغَطَّى بِإِزَارٍ، وَاتَّزرَ بِمئزرٍ، وَمدَّ يَدَيْهِ نَحْوَ القِبْلَةِ، وَأَخَذَ فِي المنَاجَاةِ يَقُوْلُ: نَحْنُ شوَاهدُك نَلُوذُ بِسَنَا عِزَّتك، لِتبديَ مَا شِئْت مِنْ مَشِيئتِكَ، أَنْتَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ، يَا مُدهِّرَ الدُّهورِ، وَمُصوِّرَ الصُّوَرِ، يَا مَنْ ذَلَّت لَهُ الجَوَاهِرُ، وَسَجَدتْ لَهُ الأَعْرَاضُ، وَانعقدَتْ بِأَمرِه الأَجسَامُ، وَتَصَوَّرتْ عِنْدَهُ الأَحْكَامُ، يَا مَنْ تَجَلَّى لِمَا شَاءَ، كَمَا شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ، مِثْلَ التَجَلِّي فِي المَشِيْئَةِ لأَحسن الصُّورَةِ.
وَفِي نُسْخَةٍ: مِثْلُ تَجَلِّيكَ فِي مَشيئتكَ كَأَحسنِ الصُّورَةِ.
وَالصُّورَةُ هِيَ الرُّوحُ النَّاطقَةُ الَّتِي أَفردتْهُ بِالعِلْمِ وَالبيَانِ وَالقُدرَةِ.
ثُمَّ أَوعزتَ إِلَيَّ شَاهدَكَ لأَنِي فِي ذَاتِكَ الهُوِيِّ لَمَّا أَردتَ بدَايتِي، وَأَبديتَ حَقَائِقَ عُلُوْمِي وَمُعجزَاتِي، صَاعِداً فِي مَعَارجِي إِلَى عروشِ أَوليَائِي عِنْد القَوْلِ مِنْ بريَاتِي.
إِنِّيْ أَحتضِرُ وَأُقتَلُ وَأُصلَبُ وَأُحرقُ، وَأُحملُ عَلَى السَّافيَاتِ الذَّاريَاتِ، وَإِنَّ الذَّرَةَ مَنْ يَنْجُوْجَ مظَانَّ هَيكلِ مُتَجَلِّيَاتِي لأَعْظَم مِنَ الرَّاسيَاتِ.
ثُمَّ أَنشَأَ يَقُوْلُ:
أَنعَى إِلَيْكَ نُفُوساً طَاحَ شَاهِدُهَا
…
فِيْمَا وَرَا الغَيْبِ أَوْ فِي شَاهِدِ القِدَمِ
أَنعَى إِلَيْكَ عُلُوماً طَالَمَا هَطَلَتْ
…
سَحَائِبُ الوَحْيِ فِيْهَا أَبْحُرَ الحِكَمِ
أَنْعَى إِلَيْكَ لِسَانَ الحَقِّ مُذْ زَمَنٍ
…
أَودَى وَتَذْكَارُهُ كَالوَهمِ فِي العَدَمِ
أَنعَى إِلَيْكَ بَيَاناً تَسْتَسِرُّ لَهُ
…
أَقوَالُ كُلِّ فَصِيْحٍ مِقْوَلٍ فَهِمِ
أَنعَى إِلَيْكَ إِشَارَاتِ العُقُوْلِ مَعاً
…
لَمْ يَبْقَ مِنْهُنَّ إِلَاّ دَارِسُ العَلَمِ
أَنعَى - وَحَقِّكَ - أَحْلاماً لِطَائِفَةٍ
…
كَانَتْ مَطَايَاهُمُ مِنْ مَكْمَدِ الكِظَمِ
مَضَى الجَمِيْعُ فَلَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرُ
…
مُضِيَّ عَادٍ وَفِقْدَانَ الأُولَى إِرَمِ
وَخَلَّفُوا مَعْشَراً يَجْدُوْنَ لِبسَتَهُم
…
أَعمَى مِنَ البَهمِ بَلْ أَعمَى مِنَ النَّعَمِ (1)
ثُمَّ سَكتَ، فَقَالَ لَهُ خَادمُه أَحْمَدُ بنُ فَاتِكٍ: أَوصِنِي.
قَالَ: هِيَ نَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشغَلْهَا، شَغَلَتْكَ.
ثُمَّ أُخرجَ، وَقُطعتْ يَدَاهُ وَرِجلَاهُ بَعْدَ أَنْ ضُربَ خَمْسَ مائَةِ سَوطٍ، ثُمَّ صُلبَ، فسَمِعْتُهُ وَهُوَ عَلَى الجذعِ يُنَاجِي، وَيَقُوْلُ: أَصبحتُ فِي دَارِ الرَّغَائِبِ أَنظرُ إِلَى العَجَائِبِ.
فَهَكَذَا هَذَا السِّيَاقُ أَنَّهُ صُلبَ قَبْلَ قَطعِ رَأْسِه.
فَلَعَلَّ ذَلِكَ فُعلَ بَعْضَ نَهَارٍ.
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ الشِّبلِيَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْتَ الجِذعِ، صَاحَ بِأَعْلَى صَوتِه يَقُوْلُ: أَوْ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِينَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا التَّصَوُّفُ؟
قَالَ: أَهوَنُ مِرقَاةٍ فِيْهِ مَا تَرَى.
قَالَ: فَمَا أَعلَاهُ؟
قَالَ: لَيْسَ لَكَ إِلَيْهِ سَبِيْلٌ، وَلَكِنْ سَترَى غَداً مَا يَجرِي، فَإِنَّ فِي الغيبِ مَا شَهِدتَه وَغَابَ عَنْكَ.
فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ جَاءَ الإِذنُ مِنَ الخَلِيْفَةِ أَنْ تُضربَ رَقبَتُه، فَقَالُوا: قَدْ أَمسَيْنَا وَيُؤخَّرُ إِلَى الغدَاةِ.
فَلَمَّا أَصبَحنَا أُنزِلَ، وَقُدِّمَ لِتُضرَبَ عُنُقُه، فَسمِعتُه يَصيحُ بِأَعْلَى صَوتِه: حَسْبُ الوَاحِدِ إِفرَادُ الوَاحِدِ لَهُ.
ثُمَّ تَلَا: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِيْنَ لَا يُؤْمنُوْنَ بِهَا، وَالَّذِيْنَ آمَنُوا مُشْفِقُوْنَ مِنْهَا} [
(1) الأبيات في " ديوانه " ص 25 24، وانظر أيضا " تاريخ بغداد " 8 / 130، و" أخبار الحلاج " ص 12، و" البداية والنهاية " 11 / 142، وقد وردت في الديوان كلمة " الرمم " بدل " العلم " في البيت الخامس.
الشُّوْرَى:18] ، فَهَذَا آخِرُ كَلَامِهِ.
ثُمَّ ضُرِبَتْ رَقبتُه، وَلُفَّ فِي بارِيَّةٍ، وَصُبَّ عَلَيْهِ النَّفْطُ، وَأُحرقَ، وَحُمِلَ رَمَادُه إِلَى رَأْسِ المنَارَةِ لِتَسفِيْهِ الرِّيَاحُ.
فَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ فَاتكٍ - تِلْمِيْذِ وَالدِي - يَقُوْلُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنِّيْ وَاقفٌ بَيْنَ يَدِيْ رَبِّ العزَّةِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَا فعلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ؟
فَقَالَ: كَاشَفْتُهُ بِمَعْنَىً، فَدَعَا الخَلْقَ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلْتُ بِهِ مَا رَأَيْتَ.
قَالَ ابْنُ بَاكوَيْه: سَمِعْتُ ابْنَ خَفِيْفٍ يَسْأَلُ: مَا تَعْتَقِدُ فِي الحَلَاّجِ؟
قَالَ: أَعْتَقِدُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَقَطْ.
فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَفَّرهُ المَشَايِخُ وَأَكْثَرُ المُسْلِمِيْنَ.
فَقَالَ: إِنْ كَانَ الَّذِي رَأَيْتُهُ مِنْهُ فِي الحَبْسِ لَمْ يَكُنْ تَوْحِيداً، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا تَوحِيدٌ.
قُلْتُ: هَذَا غَلَطٌ مِنِ ابْنِ خَفِيْفٍ، فَإِنَّ الحَلَاّجَ عِنْدَ قَتلِه مَا زَالَ يُوَحِّدُ الله وَيَصِيْحُ: اللهَ اللهَ فِي دَمِي، فَأَنَا عَلَى الإِسْلَامِ.
وَتَبَرَّأَ مِمَّا سِوَى الإِسْلَامِ، وَالزِّنْدِيقُ فَيُوَحِّدُ اللهَ عَلَانيَةً، وَلَكِنَّ الزَّندقَةَ فِي سِرِّهِ.
وَالمُنَافِقُوْنَ فَقَدْ كَانُوا يُوَحِّدُوْنَ، وَيصومُوْنَ، وَيُصلُّوْنَ علَانيَةً، وَالنِّفَاقُ فِي قُلُوْبِهُم، وَالحَلَاّجُ فَمَا كَانَ حِمَاراً حَتَّى يُظهرَ الزَّندقَةَ بِإِزَاءِ ابْنِ خَفِيْفٍ وَأَمثَالِه، بَلْ كَانَ يَبوحُ بِذَلِكَ لِمَنِ اسْتوثقَ مِنْ رِبَاطه، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ تزَنْدَقَ فِي وَقتٍ، وَمَرَقَ، وَادَّعَى الإِلهيَّةَ، وَعملَ السِّحرَ وَالمخَاريقَ البَاطلَةَ مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا نَزَلَ بِهِ البلَاءُ وَرَأَى المَوْتَ الأَحْمَرَ، أَسلمَ، وَرَجَعَ إِلَى الحَقِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، وَلَكِنَّ مَقَالَتَهُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَحْضُ الكُفرِ - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالعَافيَةَ - فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ حُلُولَ البَارِئِ عز وجل فِي بَعْضِ الأَشرَافِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.
كَانَ مَقْتَلُ الحَلَاّجِ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِ مائَةٍ، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ العَلَاّمَةِ تَاجِ الدِّيْنِ الفَزَارِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ كِتَاباً فِيْهِ قِصَّةُ الحَلَاّجِ، مِنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحُلْوَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى الحُسَيْنِ بنِ مَنْصُوْرٍ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعَتَمَةِ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ كَأَنَّهُ لَمْ يَحِسَّ بِي، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَلَمَّا خَتَمَهَا، رَكَعَ، وَقَامَ فِي الرُّكُوْعِ طَوِيْلاً، ثُمَّ قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، قَرَأَ الفَاتِحَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، تَكَلَّمَ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَسْمَعْهَا، ثُمَّ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ كَأَنَّهُ مَأْخُوْذٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ: يَا إِلَهَ الآلِهَةِ! وَرَبَّ الأَرْبَابِ! وَيَا مَنْ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ! رُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي، لِئَلَاّ يُفْتَتَنَ بِي عِبَادُكَ، يَا مَنْ هُوَ أَنَا وَأَنَا هُوَ! وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِنِّيَّتِي وَهُوِّيَتِكَ إِلَاّ الحَدَثَ وَالقِدَمَ.
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ضَحِكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَمَا تَرَى إِلَى رَبِّي ضَرَبَ قِدَمَهُ فِي حَدَثِي حَتَّى اسْتَهْلَكَ حَدَثِي فِي قِدَمِهِ، فَلَمْ تَبْقَ لِي صِفَةٌ إِلَاّ صِفَةُ القِدَمِ، وَنُطْقِي مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ، فَالخَلْقُ كُلُّهُم أَحْدَاثٌ، يَنْطِقُوْنَ عَنْ حَدَثٍ، ثُمَّ إِذَا نَطَقْتُ عَنِ القِدَمِ، يُنْكِرُوْنَ عَلَيَّ، وَيَشْهَدُوْنَ بِكُفْرِي، وَسَيَسْعَوْنَ إِلَى قَتْلِي، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْذُوْرُوْنَ، وَبِكُلِّ مَا يَفْعَلُوْنَ مَأْجُوْرُوْنَ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ - قَيِّمِ جَامِعِ الدِّيْنَوَرِ - قَالَ:
بَاتَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ فِي هَذَا الجَامِعِ وَمَعهُ جَمَاعَةٌ، فَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُم، فَقَالَ: يَا شَيْخُ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَا قَالَ فِرْعَوْنُ؟
قَالَ: كَلِمَةَ حَقٍّ.
قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِيْمَا قَالَ مُوْسَى عليه السلام؟
قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ؛ لأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ جَرَتَا فِي الأَبَدِ كَمَا أُجْرِيَتَا فِي الأَزَلِ.
وَعَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: الكُفْرُ وَالإِيْمَانُ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ الاسْمُ، فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الحَقِيْقَةُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
عَنْ جُنْدُبِ بنِ زَاذَانَ - تِلْمِيْذِ الحُسَيْنِ - قَالَ:
كَتَبَ الحُسَيْنُ إِلَيَّ: بِسْمِ اللهِ المتجلِّي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لِمَنْ يشَاءُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلدِي، سَتَرَ اللهُ عَنْكَ ظَاهِرَ الشَّرِيعَةِ، وَكَشَفَ لَكَ حَقِيْقَةَ الكُفْرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الشَّريعَةِ كُفْرٌ، وَحَقِيْقَةَ
الكُفْرِ مَعْرِفَةٌ جَلِيَّةٌ، وَإِنِّيْ أُوصِيكَ أَنْ لَا تَغتَرَّ بِاللهِ، وَلَا تَأْيَسْ مِنْهُ، وَلَا تَرْغَبْ فِي مَحَبَّتِه، وَلَا تَرضَى أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُحِبٍّ، وَلَا تَقُلْ بِإِثبَاتِه، وَلَا تَمِلْ إِلَى نَفيِهِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّوحِيدَ، وَالسَّلَامَ.
وَعَنْهُ، قَالَ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الإِيْمَانِ وَالكُفْرِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ لَمْ يُفرِّقْ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ، فَقَدْ كَفَرَ.
وَعَنْهُ قَالَ: مَا وَحَّدَ اللهَ غَيْرُ اللهِ.
آخِرُ مَا نَقَلتُه مِنْ خطِّ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّيْنِ.
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيمُ (1) الحُسَيْنَ الحَلَاّجَ، وَحَطَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ كُتُبِه: كِتَابُ (طَاسِين الأَوَّلُ) ، كِتَابُ (الأَحرفِ المُحْدَثَةِ وَالأَزليَّةِ) ، كِتَابُ (ظلٌّ مَمْدُوْدٌ) ، كِتَابُ (حَملُ النُّوْرِ وَالحَيَاةِ وَالأَروَاحِ) ، كِتَابُ (الصُّهورِ) ، كِتَابُ (تَفْسِيْرُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، كِتَابُ (الأَبدُ وَالمأْبودُ) ، كِتَابُ (خَلقُ الإِنْسَانِ وَالبيَانِ) ، كِتَابُ (كَيدُ الشَّيْطَانِ) ، كِتَابُ (سِرُّ العَالِمِ وَالمَبْعُوثِ) ، كِتَابُ (العَدلُ وَالتَّوحيدُ) ، كِتَابُ (السِّيَاسَةُ) ، كِتَابُ (عِلمُ الفَنَاءِ وَالبَقَاءِ) ، كِتَابُ (شَخص الظُّلمَاتِ) ، كِتَابُ (نُور النُّوْرِ) ، كِتَابُ (الهَيَاكل وَالعَالَم) ، كِتَابُ (المَثَل الأَعْلَى) ، كِتَابُ (النُّقطَة وَبَدوّ الخَلقِ) ، كِتَابُ (القِيَامَات) ، كِتَابُ (الكِبر وَالعَظمَة) ، كِتَابُ (خَزَائِن الخيرَاتِ) ، كِتَابُ (مَوَائِد العَارفينَ) ، كِتَابُ (خَلق خَلَائِقِ القُرْآنِ) ، كِتَابُ (الصِّدْق وَالإِخْلَاص) ، كِتَابُ (التَّوحيد) ، كِتَابُ (النَّجم إِذَا هَوَى)، كِتَابُ:(الذَّاريَات ذَرُواً) ، كِتَابُ (هُوَ هُوَ) ، كِتَابُ (كَيْفَ كَانَ وَكَيْفَ يَكُوْنُ)، كِتَابُ:(الوُجُود الأَوَّلِ) ، كِتَابُ (لَا كَيْفَ) ، كِتَابُ (الكِبريت الأَحْمَرِ) ، كِتَابُ (
(1) في الفهرست ص 272 269.