الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول جهاده في طلبِ العِلْمِ وتعليمِه
المَنْبِت والمرعى..
في مطلع القرن التاسع الهجري وفي أرض الشام كان هنالك مَقْدَمُ رجلٍ سيكون له مع تثوير القرآن الكريم وتدبره منهاجٌ يرفع ذكرَه بين أقرانه في عصره، ثُمَّ في العصور المتتابعة من بعده، ويجعله بارزًا ذكرُه بين القائمين إلى تدبر البيان القرآني الكريم، وهم من قبله ومن بعده كثير لا يكاد يُحصَى عددُهم، ولكنَّه سيحظى بأنْ يكونَ رأسًا في منهاج من مناهج التدبُّر البيانيّ للقرآن الكريم، وهو وإن لم يكنْ المؤسِّسَ ذلك المنهاج، فإنّه الرافعُ لقواعدِه المرابطُ على ثغرِه يَزُودُ عنه، ويُكملُ بنيانَه
ذلك القادم من أرض البقاع، المنسوب إليها، فجعلها على لسان كثير من أهل العلم، فكان البارَّ بذكرها:
"إبراهيم بن عمر بن حسن الرُباط بن على بن أبي بكر "" أبو الحسن برهان الدين البقاعي" ينتهي نسبُه - كما يذكر - إلى سيدنا" سعد بن أبي وقاص الزهريّ" رضي الله عنهم (1)
(1) ? - عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران للبقاعي: ج1/349، 351 (مخطوط رقم:2255- تاريخ تيمور) والأقوال القويمة في حكم النقل من الكتب القديمة للبقاعي: ق/1 (خ - رقم 1269 - تفسير - دار الكتب المصرية)، وبذل النصح والشفقة في صحبة السيد ورقة للبقاعي: ق:1 (خ- رقم117- تصوف - دار الكتب الصرية) والضوء اللامع لأهل القرن التاسع لشمس الدين السخاوي:1/101 - مكتبة الحياة - بيروت
وكان مولده في قرية " خَرْبَة رَوْحَا" من البقاع العزيزي بأرض الشام سنة تسع وثمان مئة من الهجرة، وقد تناقل ذلك التاريخ عنه من أرخوا له (1)
وقد بقي في قيد الحياة الدنيا سِتًا وسبعين سنة عانى من الكبد والكمد ما عانى حتّى رحل إلى ربه جل جلاله ليلة السبت الثامن من شهر رجب سنة خمس وثمانين وثمان مئة (885) بدمشق ودفن يوم السبت في المقبرة الحميدية من جهة قبر"عاتكة" بدمشق (2)
***
مذهبه العقدي والفقهيّ: كان " البقاعيّ" في باب العقيده على منهاج الأشاعرة وفي فقه الشريعة على منهاج الإمام الشافعيّ رضي الله عنه
ولم يكتف بذلك بل درس المذهب المالكي على شيخه "المشدالى" بالأزهر الشريف، ودرس "الموطأ" على شيخه محمد بن على الصفوي" بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وثمان مئة (3)
والجمع بين مذهبين فقهيين في الدرس من بعد التمكن في أحدهما معينٌ على اتساع النظر العقلى ونفاذ البصيرة
اختلاف المذاهب الفقهية أساسُه اختلافٌ في منهاج التبصُّر في نصوص الكتاب والسنة من جهة والتبصُّر في حركة الحياة والسياق الحضاريّ الذي يقوم فيه صاحب المذهب ودارسه، فليس فقيها من عكف على حفظ آراء أهل العلم وحوى صدره ما سطَّروه في أوراقهم وأسفارهم وانعزل عن حركة حياة قومه وسياق وجودهم الزماني والمكاني، فإذا ما كانت شريعة الإسلام صالحة لكلّ زمان ومكان كما هو مشهور فإنّها أيضًا مُصْلِحَةٌ كلّ زمان ومكان، فما من عصر أو مصر عمَّه الفساد فأسلم أمره إلى شريعة الإسلام إسلامَ المريض أمره إلى طبيبه إلا عوفي وعاد إليه مجده وعزّه وأمنه.
إنَّ على فقهاء الأمة في عصرنا هذا وما يردفه من العصور فريضة لازمة لا يقوم بها فرد من جمعهم:
(1) الضوء اللامع: ج:1/101 والبدر الطالع: للشوكاني ج:1ص19- مكتبة ابن تيمية - القاهرة ونظم العقيان للسيوطى: ص24، - ط: 1927- نيويورك وشذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: ج 7/329-ط:1351، والعنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان، لأبي المفاخرالنعيمي:14 (خ-رقم2193-تاريخ تيمور - دار الكتب المصرية)
(2)
- عنوان الزمان:1/351
(3)
- عنوان الزمان:1/48، 352، ج4ص48، 65، 267
عليهم الوعي البالغ بحركة الحياة المتجددة تجددًا محمومًا يستوجب أن تصاحبه حركة تفقه بالغ لتلك الحركة في نور الكتاب والسنة، والسعي إلى ما يستبقي الناس في دائرة الطاعة والتباعد بهم عن حرج التضييق والتشديد، وعن إلزامهم بمباعدة ما لم تقطع الأدلة بحرمته إذا ما حملتهم حاجة على المقاربة
الخير في أن ندع للناس - ولا سيما الدهماء - مساحة متسعة من المباح ومما لم تتواتر علي حرمته تحقيقات العلماء المحررين المتقين، فإنَّ مغريات الحياة أقوى من ركائز الإيمان في قلوب غير قليل من الناس، فإذا ما توافدت على مسامعهم كلمات التحريم غير المقطوع بدلالة النصوص عليه في كل ما يستفتون فإنّ سبل الفرار كثيرة.
ليكن فقهاؤنا ربانيين، ولن يتحقق مثل هذا إذا ما حصرت أبصارهم وبصائرهم في ما جاءت به المذاهب الفقهية الأربعة، وفي تراث علمائنا من قبل أولئك الأمة الأربعة ومعهم ومن بعدهم اجتهادات للأئمة علماء لا يقلون شأنا في علمهم واجتهادهم، ونصحهم لله عز وجل ولكتابه، ولرسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وللأئمة المسلمين وعامتهم احتسابا لرضوان ربهم سبحانه وتعالى وجدير بنا أن نحيي درس تراثهم والاستفادة من أصول النظر عندهم.
***
رحلاته العلمية:
المرحلة الأولى: (809 - 835)
لمّا أدرك البقاعيّ تلقى علومًا عدة في قريته "خربة روحا" قرأ على عمه الشهاب البقاعي (770-820) القرآن الكريم وحفظه ولازم زاوية الشيخ " موسى" لمراجعة محفوظه من القرآن الكريم، وصلّي به (1)
(1) - السابق:1/351، 356، ج2ص39
هذا آية على إتقانه الحفظ والترتيل وهذا منهاج جليل يكشف عن تمكن الطالب من حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فليتنا نأخذ بمثله في تعليم طلابنا في المراحل الأولى من التعليم بأزهرنا الشريف، فيمنح طلابنا اقتدارًا على حسن ترتيل القرآن الكريم من بعد حفظه؛ لأنَّ الصلاة به في جماعة جهرية من عوامل تثبيت حفظه في الصدر.
ثُمّ كانت بلية لقومه في العام الحادى والعشرين من القرن التاسع (821) والفتى في الثانية عشرة من عمرة، تودي البلية بجمع من أهله: والده وعميه، وستة آخرين، فيغادر قريته مع أمه وجده متنقلا في قرى عدة: يدخل قرى وادي التيم، والعرقوب ويظل بها حتى دخل دمشق" سنة (823) فينشط في طلب العلم:
يدرس الشاطبية حتى سورة المنافقون على شيخه" شرف الدين المسحراتي "(ت825)(1)
ويقرأ النحو والتصريف والفقه والمعقولات على شيخه الأثير عنده " محمد بن بهادر"(ت:831) فلازمه (2)
ويتلقى المنطق على الشيخ "البدر الهندي"(ت833) تلميذ السيد الشريف (ت816) فيعجب الشيخ به، ويعده أنْ يعلمه " علم الهندسة" غير أن "البدر" غادر دمشق إلى" حماة" من قبل أن يمكن من الوفاء بوعده (3)
وفي سنة (828) يدرس على الشمس بن الجزري (ت:833) القراءات العشر، ويحفظ "النشرفي القراءات العشر"، ويجيزه بكل ما يجوز للشيخ (4)
ويرحل إلى"القدس" لأول مرة مع والدته، فيَدْرُس هناك " علم الحساب" على شيخه" العماد بن شرف" (ت:852) ويحفظ منظومتى " ابن الهائم " في الجبر وقواعد الإعراب، ويعرضهما على شيخه "العماد"، فيعجب به، ويلقبه بالشيخ والإمام والمقرئ المجيد (5)
(1) - السابق ج2ص352، ج3/180
(2)
- السابق:1/352، 2/41
(3)
-السابق:1/353، 484
(4)
-السابق:2/352
(5)
– السابق:1/352 / مصاعد النظر للاإشراف على مقاصد السور للبقاعي 0 ج1ص130 ت: عبد اليديع حسنين 0: الرياض 1408
وفي رمضان من العام نفسه توفيت والدته بالقدس، ويبقي فيه حتى شهر " ذي القعدة "، فيرتحل إلى دمشق، ويحفظ فيها كتاب" البهجة نظم الحاوي" في الفقه الشافعي، ويقرأ على "ابن قاضي شهبة" كتاب الحاوي" قراءة بحث، ويتم تأليف كتابه: " كفاية القارئ وغنية المقرئ في رواية أبي عمرو" (1)
ويقرأ على "تقي الدين الحصنى الشافعي"(ت:828) شرحه للتنبيه، والمنهاج، ويبقي ملازما شيخه " ابن بهادر " حتى وفاة الشيخ سنة (831) فيغادر"البقاعي" دمشق مرة أخرى إلى" القدس " فيزيد في منظومته:" الباحة في علم الحساب والمساحة" التى بدأها سنة (827)
ويدرس كتاب " الوسيلة في الحساب والفقه والفرائض " على شيخه " زين الدين ماهر بن عبد الله " تلميذ ابن الهائم، ويتلقى" النحو" على التاج الغرابيلي (ت:835) ويدرس كتاب " التحفة " لابن حجر على " العماد بن شرف"، ويظل بالقدس مستشرفا لقيا "ابن حجر"، فلما عنَّت له حاجة في "الخليل " رحل إليها ومنها إلى"غزة" فكانت الرحلة إلى "القاهرة"، فدخلها، ومثل بين يدي " ابن حجر العسقلانيّ " في شهر صفر الخير سنة (834) فكتب جملة من تصانيف شيخه وقرأها عليه وأذن له في التدريس (2)
وسمع في هذه الرحلة من علماء القاهرة ولا يبقى في القاهرة طويلا فيعود إلى"القدس" مرة أخرى في العام نفسه، فيتلقى "سنن أبي داود" وغيرها على بعض شيوخ "القدس.
(1) - -عنوان الزمان:1/32
(2)
- عنوان الزمان:1/162، الذيل على رفع الإصر للسخاوي:68، النجوم الزاهرة:15/523، شذرات الذهب:7/270
ويستشرف إلى الإقامة في القاهرة، فيرجع إليها سنة (835) ليبقى بها خمسة وأربعين عاما، فتنتهى مرحلة من مراحل تلقيه العلم لتبدأ مرحلة أخرى يجمع فيها بين تلقيه العلم من أعلامه وتعليمه طلاب العلم ما تلقاه، حرصًا على أن يكون المتعلّم المعلّم، وذلك شأن العاقل من المنتسبين إلى هذه الأمة المحمدية غاية ومنهاجا، فلا خير في يوم لا يتعلم فيه المرء علما نافعا، ولا يعلم فيه مسلما ما ينفعه إن بلسان مقاله أو قلمه وإن بلسان حاله وفعاله وأخلاقه.
*****
المرحلة الثانية: (835 - 880)
اتخذ في هذه المرحلة القاهرة دارًا ووطنا، وقام ببعض الأسفار داخل الديار المصرية، وخارجها، وكان يقيم في القاهرة فوق مسجد في " رحبة باب العيد" وهي رحبة واسعة كانت أمام الباب الشرقي للقصر الفاطمي الكبير الذي أنشأه "جوهر الصقلى" للمعز الفاطمي، وهي الآن متفرعة من شارع قصر الشوق بالغورية بالأزهر، وما يزال شارع " رحبة باب العيد " قائما عامرا
تولى "البقاعي" وظيفة "معيد" بهذا المسجد، وبمسجد "الظاهر" وهي وظيفة يقوم صاحبها بتفهيم بعض الطلاب ما لم يستطيعوا فهمه من الشيخ، فيعيد الدرس عليهم بشيء من التوضيح كما يقول التاج السبكي في "معيد النعم "
وليت هذا المسجد: مسجد الظاهر يعتنى الآن بشأن التعليم والدعوة فيه ليكون منارًا علميا تربويا في تلك البقعة القائم فيها فإنَّ جيرانه ليفتقرون إلى أن يشرق عليهم منه نور العلم النافع، فلا يكتفى بأن يكون أثرًا إسلاميًا يشاهده غير المسلمين ولا ينتفع منه أبناء الإسلام بشيء غير إقامة الصلوات المفروضة، ثُمّ تغلّق الأبواب في وجوههم، فليست المساجد في الإسلام لإقامة الصلوات فحسب بل هي كذلك ومعاهد تربية ومجامع شورى ومنازل تراحم وتواصل، ولكن القوم مخافة على كرسيّ إماراتهم ارتعدت فرائصهم من أن يتلاقى الشباب برعاية عالم يتلون كتاب الله سبحانه وتعالى ويتدارسونه فيما بينهم، فغلقت المساجد في غير أوقات الفرائض، وفتحت المواخير في كل وقت ولكلّ من رغب.
ظل البقاعيّ ملازما شيخه " ابن حجرالعسقلانيّ" في حله وترحاله حتى وفاة "ابن حجر"(ت:852) وقد نشط " البقاعي" في التأليف في هذه المرحلة
ومن رحلاته مع "ابن حجر" رحلته إلى الشام سنة (836) في صحبة السلطان " برسباي" وهناك يقرأ على بعض شيوخ الشام كالبرهان الطرابلسي، و" ابن شيخ السوق الحنبلي" وعلى" ابن العديم" وعلى الشهاب الرملى" وسعى إلى الاجتماع بالشاعر "ابن حجة الحموي، فلم يتيسر له (1)
وفي سنة (837) يعود مع شيخه "ابن حجر" إلى القاهرة، فيكثر من القراءة على علمائها:
يقرأ على " المقريزي" المؤرخ بعض مؤلفاته، وعلى "المشدالى" التفسير والفقه المالكي، ويتعلم منه القاعدة الكلية لتناسب آيات وسور القرآن الكريم ويقيم على أساسها تفسيره العظيم:"نظم الدّرر"
ويقرأ على " البدر البوصيري "، وعلى "ابن الصفوي" ويقرأ النحو والبلاغة وتفسير الكشاف والمنطق والفقه وأصوله على " القاياتي"
ويقرأ على "الزين المحلى "و"شهاب الدين الجوهري " وعلى" شرف الدين القرقشندي"
(1) – عنوان الزمان:1/436
ويقرأ على بعض أهل العلم من نساء القاهرة مثل: زينب بنت الزين العراقي، وكلثوم بنت الزين البابلي (1)
ويجتهد في الأخذ عن العلماء في شتى فنون المعرفة، وقد ترجم شيوخه في كتابه القيم " عنوان الزمان " وهو في أربع مجلدات مخطوطة بدار الكتب المصرية
وطوّف في بلدان (الدلتا) من مصر ويقرأ على بعض أهل العلم فيها ويسجل تراجم بعضهم ويلقى بعضًا من شعرائها
ويسافر إلى أرض الحجاز للحجّ سنة (848) ويمكث عاما يطوِّف في "الجزيرة" ويأخذ عن بعض علمائها، ثمّ يعود إلى القاهرة سنة (849) مستأنفا تلقيه وملازمة شيخه ابن حجر
ويشارك في الجهاد والمرابطة في دمياط سنة (851) و (852) ويعود إلى القاهرة مقيما بها حتى عام (880)
وقد جرت له بمصر وقائع ومحن عديدة شديدة لتصدّيه لما رآه منكرًا لا يَحِلُّ السكوت عنه فيغادرها إلى "دمشق"(2)
ومما كان له أثر في حياته وفي منزلته من بعد تفسيره تصديه للعبث بأصول العقيدة الإسلامية ولا سيّما صفاء عقيدة التوحيد، إذ رأى في نشر فكر الإلحاد والقول بوحدة الوجود والترويج لمقالات " ابن الفارض" و"ابن عربي" عدوانًا داخليًّا على الأمة، فرابط في هذا الثغر الذي خطره أشد من الثغور التي تهاجمها جحافل العسكر من أعداء الإسلام، فامتشق قلمه ولسانه وتصدى لإخوان الباطل، وكان له مع الفكر الإلحادي ممثلا في تراث "ابن الفارض" و "ابن عربي" منازلات سجلت في كتب التاريخ:
يقول " ابن إياس الحنفي " في تأريخ أحداث سنة خمس وسبعين وثمان مئة:
(1) – عنوان الزمان:1/10، ج 2/419
(2)
– عنوان الزمان ج1/226و312نج2/ 64، 141 ، 249 ، 370 ،ج3/84، 148، 205
" وفي أوائل هذه السنة كثر القال والقيل بين العلماء بالقاهرة في أمر الشيخ العارف بالله تعالى سيدي " عمر بن الفارض " نفع الله النّاس ببركته [!!! كذا] وقد تعصب عليه جماعة من العلماء بسبب أبياتٍ قالها في قصيدته " التائية"، فاعترضوا عليه في ذلك، وصرّحوا بفسقه بل وتكفيره، ونسبوه إلى من يقول بالحلول والاتحاد، وحاشاه من ذلك أن ينسب إليه هذا المعنى، ولكن قصرت أفهام جماعة من علماء هذا العصر، ولم يفهموا معنى قول الشيخ " عمر" فيما قصده من هذه الأبيات، فأخذوا بظاهرها ولم يوجهوا لها معنى، فكان كما قال المتنبيّ:
وآفته من الفهم السقيم
وكمْ من عائبٍ قولا صحيحًا
على قدر القرائح والفهوم
ولكن تأخذ الأذهان منه
فكان رأس من تعصّب على الشيخ " عمر بن الفارض": "برهان الدين البقاعيّ "، وقاضي القضاة:"محب الدين بن الشحنة "، وتبعهم جماعة كثيرة من طلبة العلم يقولون بفسقه، وأمَّا من تعصّب لابن الفارض من العلماء فهم: الشيخ محيي الدين الكافييجي الحنفي، والشيخ القاسم الحنفي....
فلمَّا زاد الرهج في هذه المسألة كُتبت الفتاوى في أمر "ابن الفارض" التى ظاهرها الخروجُ عن قواعدِ الشَّرعِ، فكتب الشيخ محيي الدين الكافييجي على هذا السؤال ما هو أحسن عبارة وأقرب إلى انصاف 0
والف الجلال السيوطيّ في ذلك كتابًا سماه:" قمع المعارض في الرد عن ابن الفارض " وألف " البدري بن الفرس " في ذلك كتابًا شافيًا في هذا المعنى واضحا في الرد على من تعرض على " ابن الفارض" وصنف بعض العلماء كتابًا سماه:" درياق الأفاعي في الردّ على البقاعيّ"
ووقع في هذه المسألة تشاحنات بين العلماء مما يطول شرحه في هذا المعنى ثمّ هجوا " البقاعيّ " و"ابن الشحنة " وغيره ممن تعصّبوا على " ابن الفارض" وصاروا يكتبون الأوراق بِهَجْوِ المعترضين على "ابن الفارض ويلصقون تلك الأوراق في مزاره....
ثُمَّ إنّ بعض الأمراء تعصّب لابن الفارض بل وتعصّب له السلطان أيضًا.... وأمَّا "البقاعيّ " فكادت العوام أن تقتله، وحصل له من الأمراء ما لاخير فيه، فهرب واختفى....." (1)
رابط " البقاعي" مجاهدًا اعتداء أهل الباطل على صفاء عقيدة التوحيد فما كان إلا أن هاجر من مصر إلى " دمشق"
وهذا الذي قام له "البقاعيّ" فريضة على أهل العلم القيام لمثله في كلّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، فإنَّ أهل الباطل إذا ما علموا أنَّ جهرهم بالباطل سيلقى عنتًا بليغا من أهل الحق فإنهم لن يجاهروا بباطلهم، فلن يظهر الباطل إلا من خور أهل الحق، وسكوتهم وتساهُلهم في دفع ما ينجم من شواهد الباطل فإن الباطل وأهله أضعف من أن ينتصروا من أنفسهم إنما انتصارُهُم من خور أعدائهم أهل الحق.
هذه المرحلة من حياة "البقاعيّ " أثْرَى مراحل عمره في التَّعَلُّمِ والتَّعْلِيمِ والتَّأليفِ، وفي اكتساب كثير من المهارات العلمية والاجتماعية، وأظن أن هذه المرحلة هي التي كان من ثمارها أن صار واحدًا مما لا يمكن أن يستغنى عن تراثه طالب علم مُجِدٍّ في علوم القرآن الكريم، فهو يمتاز في هذا على أقرانه كالسخاوي أن ما قدمه لنا من التراث العلمي لا يمكن أن يُغْنِى عنه غيره، ولا سيما تفسيره الجليل:" نظم الدررفي الآيات والسور " أما السخاويّ فإنّه وإن قدَّم لنا ما يحمد له فإنّ في ما قدمه غيره ما يغني عنه
(1) – بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس الحنفي: ج3ص47-51 – ت: محمد مصطفى
والبقاعي يتميز عن تلميذه السيوطيّ بأنَّ السيوطي وإن كان أكثر شهرة وتأليفا فإنَّ ما قدمه يغلب عليه أنَّ له فيه الجمع والترتيب والتصنيف، وليس له منه ما يتفرَّدُ به على غيره، فمن حلل كثيرًا من أسفار "السيوطي" أمكنه أن يعيد ما فيها إلى أصحابها من العلماء السابقين أوالمصاحبين للسيوطيّ فلا يبقى له منها ما يمكن أن يشار إليه، وليس للمرء من أسفاره إلَاّ ما أنتجه قلبه من دقائق العلم لا ما وعته حافظته من مقولات الآخرين، ولا سيما في زماننا هذا الذي أضحت فيه أدوات حفظ المعرفة جد عديدة ويسيرة 0
البقاعيَّ له في تفسيره على الأقل كثيرٌ جدًا مما لا تكاد تجده عند سابق عليه أو مصاحب له، فإنَّ شخصيته العلمية قائمة في تفسيره تجوبه وتقطعه طولا وعرضًا فلا يكاد يغيب عنك جرسه ونفسه، وذلك شأن العالم الماجد، ومن ثَمّ فإنّي أزعم أنّه هو وشيخه "ابن حجر" من المجددين في القرن التاسع الهجري.
*****
المرحلة الثالثة: من سنة 880-885
تبدأ هذه المرحلة بخروجه من القاهرة إلى دمشق، وتنتهي برحيله إلى ربِّه الرحمن الرحيم.
في دمشق يتلقاه "ابن قاضي عجلون"(ت: 928) وتلاميذه ويبالغ في إكرامه وإجلاله لما بلغه من علمه، ويبقى في كرم ابن قاضي عجلون إلى أن تنشب فتنة تعرف بفتنة (ليس في الإمكان أبدع مما كان) وهي قضية فلسفية قال بها "الغزاليّ "، ويتصدى لها " البقاعي" ويفنِّد آراء القائلين بها ويؤلِّف في هذا ولا يرتضي منه "ابن قاضي عجلون" ذلك، تعصبا للغزاليّ
ولا يلين البقاعيّ، فإن الرجال بالحق وليس الحق بالرجال، وليس الغزاليّ أو غيره خلا النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا بالمعصوم من أن يُرَدَّ عليه بعضُ ما يأتي به، فينصرف "ابن قاضي عجلون " هو وتلاميذه عن "البقاعي" بل يعتدي بعض الناس على البقاعيّ بسبب ذلك (1)
يُبتلى في القاهرة بفتنة ابن عربيّ وابن الفارض، ويبتلى في دمشق بفتنة:" ليس في الإمكان أبدع مما كان " ولكنه لا يخضع إلا للحق الذي يراه بالدليل من الكتاب والسنة ويؤمن به.
وفي مقامه بدمشق يؤلف بعض أسفاره ورسائله ويحرر، ويبيض نسخته الأخيرة من تفسيره " نظم الدرر"، ويفرغ من هذا التحرير في عصر يوم الأحد عاشر شعبان سنة اثنتين وثمانين وثمان مئة بمنزله الملاصق للمدرسة "البادرائية" بدمشق أي من قبل وفاته بثلاث سنوات (2)
ست وسبعون سنة عاشها البقاعيّ مكابدًا لا يلين ولا يتوانى ولا يكلّ، عرف قدر الحياة وعظيم ما هو مقدم عليه من ملاقات ربِّه جل جلاله وسؤاله عن عمره فيم أنفقه، فسعى إلى أن يُعِدَّ لهذا السؤال الجليل جوابا لا يندم به ولا يخزى. ولو أنّ كلّ واحدٍ منَّا شغله البحثُ عن إجابةٍ حميدةٍ عن هذا السؤالِ الإلهيِّ له يوم القيامة لما وجدتَ مسلمًا مستهترًا بقتل أوقات فراغه، ولا مستهلكًا عمرَه فيما لا يُبقى له منه شيءٌ حميدٌ مجيدٌ عند شدِّ الرِّحال إلى مصيره.
(1) - الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي المكي: ص4- ط:139- مصطفى الحلبي القاهرة
(2)
– نظم الدرر: ج22ص443 ، تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان للبقاعي – لوحة25 – مخطوط مصور بالخزانة الزكية بدار الكتب الممصرية رقم/34 ، والبدر الطالع للسخاوي: ج1/21، شذرات الذهب:8/158
قد بقي للبقاعيّ – إن شاء الله تعالى، ولا أزكي على الله عز وجل أحدًا - مجاهدته في إقامة منهاج جليل لتأويل البيان القرآني تأويلا يهدي إلى العرفان ببعض معالم الإعجاز القرآني العظيم، ويهدي إلى العرفان ببعض لطائف حقائق معاني الهدى إلى الصراط المستقيم، فيرتقى المرء بهذا العرفان في مقامات القرب من رب العالمين، ويتنقل في أسنان الطاعة من مطلع الإيمان (الذين آمنوا) إلى مقطعه (المؤمنون) ومنه إلى مطلع التقوى (الذين اتقوا) ثم إلى مقطعها (المتقون) ليلج من بعد إلى سن الإحسان (الذين أحسنوا) ، فيعبد الله تعالى مُوقِنًا أنَّ الله تعالى يراه فلا يلتفت إلى سواه ثم إلى مقطع الإحسان (المحسنون) فيعبد الله سبحانه وتعالى كأنه يرى ربه تعالى، فيذوق لذة القرب والأنس بطاعة رب العالمين.
*******
شيوخه وتلاميذه:
ليس يخفى أنَّ العالم العامل إنّما هو من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم وراثة تربية وتعليم {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: من الآية79)
وكلُّ طالب علم نابه ماجد إنَّمَا هو ثمرة جهد ناصح لشيخ أو شيوخ مخلصين في تعليمهم وتربيتهم، وهذا يغري بأن يكون كلّ والد الحريص على أنْ يقيم ولده بين يدي شيخ يغرس في قلب تلميذه حب العلم النافع والعمل به، واستعلاءه على كلّ متاع من متاع الحياة الدنيا، فذلك أحق بالحرص على تحقيقه لولده من حرصه على أن يحقق له متاعا زائلا، وجاهًا زائفًا.
كان سلفنا الصالح لا يلقون بأبنائهم بين يدي كل من ألقى بنفسه في ميدان التعليم، فكم من مربِّ هو أشد افتقارًا إلى أن يُربّى، وكم من معلِّمٌ هو أشد افتقارًا إلى من يعلمه، ولاسيما في عصرنا هذا الذي أضحى غير قليل من المشتغلين بالتعليم هم الخطر العظيم على أخلاق الشبيبة.
قد أضحى كثير من الآباء يلقون بأولادهم تحت أيدي أقوام علمانيين يتخذون مما يعرف بالتعليم الخاص للغات سبيلا إلى تنشئة أبناء الأمة تنشئة لا تتصل بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، يكررون على مسامعهم ما هو مناقض لصريح الكتاب والسنة دون أن يذكون لهم ما جاء في الكتاب والسنة مناقضا لتعاليمهم حتى لا يتحرج بعض أولئك الأبناء أو الأباء، فنشأ في الأمة أبناء فإذا المنكر شرْعًا عتدهم هو المعروف، وإذا المعروف شرعا هو المنكر الذي ينفرون منه نفورهم من كل بغيض إليهم.
وإذا ما بلغت أمّةٌ إلى أنْ يَسْتَحِيلَ فيها المنكرُ معروفًا يُسْعَى إليْه حثيثًا ويُفْتَخَرُ به ويَحْتَرِمُ ولاة الأمر والمنتسبون إلى العلم وطلابُه والدهماءُ أهلَه به، ويعتقدالعامّة أنَّ ذلك مِنْ فَتْحِ اللهِ سبحانه وتعالى على صاحِبِهِ وإكْرامِهِ لَهُ، فقد اقتربت تلك الأمَّةُ مِنْ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ قد ينْهَارَ بِهِا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
وإنقاذ هذه الأمة حين ذاك يكون جدَّ عسيرٍ، ولكنَّه غيرُ متَعَذِّرٍ، مما يفرِضُ على عُلمَائها المُجاهَدَةُ والمُصابَرَةُ،والتّواصِي بالحق والصبر والمرحمة.
إنَّ علينا – نحن الآباء- أن نحسن اختيار أماكن تعليم أبنائنا واختيار شيوخهم، وانْ نعلّمهم أنَّ رسالةَ الشَّيخِ من رسالة النبيّ حسن النصيحة احتسابا، وليس من عَمَلٍ قطّ هو منسول من عمل النبوة كمثل عمل تعليم الناس الخير
ومن ثَمَّ كان جزاؤه عظيما:
روى الترمزي بسنده عن "أبي أمامة الباهِلِيّ" رضي الله عنهم أن رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا قال:
" إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السّمَواتِ والأَرَضِينَ حتَّى النّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وحَتَّى الحُوت ليُصَلّونَ علَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ"(صحيح الترمزي: كتاب العلم باب: ما جاء في فضل التفقه – حديث:2685)
…
وقارئ كتاب "القابسيّ": أبو الحسن علي بن محمد بن خلف (324 - 403) المسمى: "المفصّلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين" يطلع على ما فيه من منزل وأثر للشيخ في تلميذه مما يستوجب على كلّ معلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى في طلابه فإنه القدوة.
وقد قال "عتبة بن أبي سفيان" لـ"عبد الصمد بن عبد الأعلى الشيباني " وقد جاء مؤدبا ولده:
" لِيكُنْ أوّلُ ما تَبْدأ به من إصلاحِك بَنِيّ إصلاحَك نفسَك، فإنَّ أعينهم معقودةٌ بعينِك، فإنَّ الحُسنَ عندهم ما استحسنتَ والقبيحَ عندهم ما استقبحتَ، عَلِّمْهُمْ كتابَ الله عز وجل، ولا تكرِهْهُم عليه فيَمَلُّوه، ولا تَتْرُكْهُم مِنْهُ فَيَهْجُرُوهُ، ثُمّ روِّهم من الشِّعرِ أعْفََّلُه، ومن الحَدِيثِ [أي الكلام] أشْرَفَهُ، ولا تخرجْهُم من عِلمٍ إلى غيرِه حتَّى يُحْكِموه، فإنّ ازْدِحامَ الكَلامِ في السَّمعِ مَضَلَّةٌ للفَهْمِ، وعلِّمْهُم سِيَرَ الحُكماءِ، وأخْلاقَ الأدباءِ، وجنِّبهم محادثة النِّساءِ، وَتَهدَّدْهُم بِي، وأدِّبهم دُونِي [ايْ فِي غيرِ مَحْضَرِ أبيهم] ، وَكُنْ لَهُمْ كالطَّبِيبِ الذي لايَعْجَلُ بالدَّواءِ حتَّى يعرِفَ الدَّاءَ، ولا تَتَّكِلَ عَلَى عُذْرِي، فإنّي قَد اتَّكَلْتُ عَلَى كِفايَتِك، وَزِدْ فِي تَأدِيبِهِم أزِدْكَ فِي بِرّي إن شاء الله "(1)
شيوخه:
(1) – البيان والتبيين للجا حظ:2/73 – ت: هارون – ط:1405 – الخانجي بالقاهرة
لقى البقاعي في مراحل تلقيه العلم التي أوجزت القول فيها كثيرًا من العلماء وتلقى على كثير منهم في كثير من البلدان التي ارتحل إليها وأكثر البلدان التي لقي فيها العلماء القاهرة ثم دمشق
وهو لم يكن في تلقيه على أولئك العلماء على درجة سواء في التلقي، ولم يكن ملازما لكثير منهم ملازمة التلمذة، ولعل أكثرهم ملازمة له شيخه ابن بهادر، وشيخه ابن حجر العسقلاني
ولست هنا بصدد تصنيفهم من حيث ما تلقاه عليهم من العلوم، فقد كان يتلقى العلم الواحد على أكثر من عالم في أكثر من بلد، بل كان يتلقى الكتاب الواحد على أكثر من شيخ، ومعجم شيوخه وأقرانه يفيض بذكر أشياخه وما تلقاه عنهم وأحواله معهم وبذكر أقرانه، فهو معجم وسيع ملأ أربع مجلدات مخطوطة
وكنت على رغبة في أن أكتفي هنا بنقل ترجمة البقاعي بعضهم من معجمه المخطوط ليكون نموذجا لمنهجه من جهة وتراجم لشيوخه وتلاميذه من أخرى ولكني لم أوفق إلى ذلك، فقد تعسر على نقل ذلك من معجمه المخطوط نقلا كاملا لضيق الوقت والجهد وكثرة الشواغل، ولا سيما أن كثيرًا من شيوخه أعلام عرضت تراجمهم مراجع عدة
وقد رأيت أن أرتب بعض شيوخه على وفق تاريخ وفاتهم،وأن أوجز الترجمة بالإشارة إليهم ومصادر تراجمهم:
شرف الدين المَسْحَراتي:
صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم الجيدوري (760 -825) والمسحراتي بفتح الميم وسكون السين وفتح الحاء نسبة إلى قرية مسحرا من أعمال " الجيدور" على بعد مرحلة من دمشق
له عناية بالغة بالقراءات وانتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق،وأقرأ القرأءات بالجامع الأموي،وانتفع به خلائق بدمشق وتخرج به أكثر مشايخها،قرأ عليه البقاعي "الشاطبية "وجود القرآن المجيد عليه إلى سورة "المنافقون"
وللشرف مصنفات منها: التتمة في القراءات الثلاثة الأئمة (1)
*****
التقي الحصنى:
أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريزبن معلّى بن موسى الجعفري الحسيني الدمشقي الشافعي ينتهي نسبه بسيدنا الحسين رضي الله عنه (742-829)
محدث فقيه، متعصب لمذهب الأشاعرة، بالغ في الحط على "ابن تيمية" رضي الله عنهم وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة، زاهد قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يؤمن به.
له مؤلفات عدة منها:
تفسير القرآن الكريم إلى الأنعام
وشرح التنبيه في خمس مجلدات
وشرح صحيح مسلم في ثلاث مجلدات
ولخص تخريج "إحياء علوم الدين " في مجلد
وشرح الأربعين في مجلد
و"سير نساء السلف العابدات " في مجلد
و"قواعد الفقه" في مجلدين
وشرح أسماء الله الحسنى" في مجلد
كان متينا في التدين وراغبًا في التقشف والعزلة وكثُر مع ذلك اتباعه حتى امتنع عن مكالمة الناس وله في الزهد والتقلل حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين، حضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى (2)
*****
سبط ابن الشهيد:
تاج الدين أبو حامد محمد بن بهادر بن عبد الله يعرف بسبط ابن الشهيد (ت: 831)
فقيه نحوي قرأ البقاعي عليه النحو والتصريف والفقه والمعقولات ويقول عنه لم يحصل لي بأحد من النفع ما حصل لي منه كان يعرف علوما كثيرة ويحلُّ أي كتاب يقرا عليه فصيح العبارة حسن التقرير صحيح الذهن دينا شديد الانجماع عن الناس (3)
*****
الشمس بن الجزري:
أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف الجزريّ نسبة إلى جزيرة"ابن عمر"(751-833هـ)
(1) - عنوان الزمان للبقاعي: ج2/41-42، إنباء الغمر بأنباء العصر لابن حجر:3/287 ت: حسن حبشي ط:1418، شذرات الذهب: 7، 17
(2)
- عنوان الزمان 1/429، عنوان العنوان للبقاعي:67-68 – مخطوط، أنباء المر لابن حجر:3/374، شذرات الذهب:7/188
(3)
-عنوان الزمان للبقاعي:3/180، شذرات:7/196
قرأ على "ابن السلار" و " إبراهيم الحموي" و " ابن اللبان" وفي مصر على "أبي بكربن الجندي" و"أبي عبد الله بن الصائغ" و "ابن أميلة" و"ابن الشرجي"
كانت عنايته القصوى بالقراءات، وله في الحديث والفقه والأصول والبلاغة، وقد أجازه المحدث المؤرخ "ابن كثير" و"البلقيني"
تولى التدريس بالجامع الأموي" وقضاء الشام ونزل بلاد الروم فدرس بها القراءات وطوف ببلدان كثيرة كان يعلم فيها القراءات العشر فكثر تلاميذه.
له من التصانيف
كتاب" النشر في القراءات العشر"
و"الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية"
و"تحبير التيسير في القراءات العشر"
و"الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء"
و"الظرائف في رسم المصاحف"
و" غاية النهايات في أسماء رجال القراءات"
و" نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات"
وله" الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين"
و"الهداية في فنون الحديث"
و"المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد"
و"القصد الأحمد في رجال أحمد"
و"المصعد الأحمد في ختم مسانيد أحمد"
و"اسنى المطالب في مناقب الإمام على بن أبي طالب "(1)
*****
الجمال البرماوي:
عبد الله بن محب الدين خليل بن فرح بن سعيد القدسي (760- 833)
قرا على "ابن الشريشي" و" ابن الجابي" وغيرهما ودخل مصر وجاور بمكة مدة طويلة ثم قدم الشام
يقول "ابن حجر" في " إنباء الغمر": " وكان شديد الحط على الحنابلة وجرت له معهم وقائع" 0
يقول عنه البقاعي في حاشية له على نسخة مخطوطة من كتاب شيخه ابن حجر": " إنباء الغمر":
" هذا شيخنا الربانيّ الصوفيّ العارف المعروف بالقلعي، كان إماما عارفا مسلكا مربيا قدوة ذا قدم راسخ في علم الباطن، مشاركا في الفقه والنحو مشاركة جيدة أستاذا في علم الكلام ذا حافظة قوية مفتوحا عليه في الكلام في الوعظ
(1) - عنوان الزمان: ج1/352، أنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر: ج3/466، شذرات: ج 7/204 البدر الطالع: ج2/207، الضوء اللامع: ج9/255،
وله مصنفات منها: منار سبل الهدى وعقيدة أهل التقى" بحثت عليه بعضه، وأقمت عنده مدة بزاويته بالعقبة الصغرى، ومات بدمشق (1)
*****
البدر الهندي:
حسن بن بدر الهندي (833هـ) تلميذ السيد الشريف في المعقولات، وكان إماما فيها قرأ عليه البقاعي الشمسية في المنطق0
وقد أعجب الشيخ بالتلميذ فوعده أن يعلمه علم الهندسة ومسائل منها يعرف من يوافق مزاجه ومن لا يوافق مزاجه، فلا يخالطه [كذا] ولكن الشيخ غادر "دمشق" إلى "حماة"(2)
*****
المجد البرماوي:
إسماعيل بن أبي الحسن على بن عبد الله الشافعي (749- 834) قرأ على "السراج البليقيني" فقد جعله محط رحله وعظم اختصاصه به" كما يقول السخاوي، واخذ عن "الإسنوي"
مهر في الفقه الشافعي وتصدى للتدريس وخطب بجامع عمرو بن العاص بمصر " وشارك في عدة فنون من فقه وأصول ونحو وغير ذلك وكان من كبار الفضلاء وصار عالما علامة..
ومع صبره على الفقر كان زاهدا في الدنيا موقنا بأنَّ ذلك هو الحالة الحسنى حتى بلغنا أنه كان يسأل أن يجعل الله سبحانه وتعالى ثلاثة أرباع رزقه علما، فكان قرير العين بفقره وما آتاه الله عز وجل من العلم بل يعتب على من يتردد إلى غَنِيٍّ لمالِه أو ذي جاه لجاهه " (3)
وذلك شأن العالم الواثق بأن أنعام الله عز وجل عليه بأن جعله من أهل العلم إنما هو من أجل النعم بعد الإيمان لأنه إنعام بوراثة النبوة، فأين من هذا دركات أهل الدنيا وإن تكاثرت أموالهم وتعددت مناصبهم واستفحل سلطانهم وطغيانهم، ولكنّ أكثرَ النَّاسِ لا يعْقِلُون.
(1) - إنياء الغمربأنباء العمر لابن حجر: ج3/466، شذرات الذهخب: ج 7/203
(2)
- عنوان الزمان: ج1/353، 483، عنوان العنوان:88
(3)
- عنوان الزمان:1/449، عنوان العنوان:70، الضوء اللامع:2/295، شذرات الذهب:7/208، حسن المحاضرة:1440، النجوم الزاهرة:15/171
وأهل العلم يستعذبون لذة العلم وطلبه، ويرونها من أجل اللذات حتى قال قائلهم: نحن في لذة لو علمها الملوك لجالدون عليها.
وإنّ من فضل الله عز وجل على أهل العلم وطلابه أن الملوك والطواغيت ونساءهم وذرياتهم لا يعرفون أن للعلم لذة يستأثر بها العلماء من دونهم، وأنهم محرومون منها برغم أنَّ المتلذذين بها في سلطانهم، فاعجب لذي سلطان محروم من أجلِّ نعمةٍ يتمتع بها غيرُه في سلطانه، وليس له من سبيل وإن تظاهر جنده وقوات أمنه المركزي والقومي وحرسه الوطني والجمهوري أن يحرموهم منها!!!
*****
الشهاب البوصيري:
أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سَلِيم بن قايماز الكتاني البوصيري القاهري الشافعي (762-840)
قرأ على "النور الآدمي" و"البدر القدسي" و"العز بن جماعة" ويوسف إسماعيل الأنبابي" والبليقيني" لازم العراقي و"ابن حجر" له من التصانيف كثير منها:
"زوائد ابن ماجة"
و"زوائد المسانيد العشرة"
و"زوائد السنن الكبرى" للبيهقي
و"زوائد مسانيد الطيالسي"
وزوائد مسند أحمد ومسند الحميد والبزار وابن ابي شيبة وابي يعلى
وتحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب.
كثير السكوت والتلاوة والعبادة واعتزال الناس والإقبال على النسخ" (1)
*****
البرهان الطرابلسي:
(1) - عنوان الزمان:1/18، الضوء اللامع 1/251-252، شذرات الذهب:7/233، النجوم الزاهرة:1/ 209
إبراهيم بن محمد بن خليل الشامي الشافعي المعروف بسبط ابن العجمي (753-841) قرأ على "ابن العجمى"و" والبليقيني" و"ابن الملقن" و"الفيروزبادي" و"الزين العراقي"، وارتحل إلى بلدان عديدة: مصر والمقدس وغزة وحمص وحماة، وجمع "النجم بن فهد " شيوخه في مجلد 0
علت منزلته في علم الحديث، قرأ صحيح البخاري أكثر من ستين مرة، وصحيح مسلم نحوًا من عشرين مرة 0
له من التصانيف:
شرح صحيح البخاري: "التلقيح لفهم قارئ الصحيح"
وتعليق على سنن ابن ماجة
و"المقتضى في ضبط ألفاظ الشفا"
و" نهاية السول في رواة الستة الأصول "
و" والكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث"
وبالجملة فقد كان ممن أخذ عنه الأكابر، فانتفعوا به0 (1)
*****
علاء الدين البخاري:
محمد بن محمد بن محمد بن محمد البخاري (779-841)
نشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلاء عبد الرحمن وأخذ الأدب والمعقول عن السعد التفتازاني (ت:792) وتوجه إلى الهند، فاستوطنه مدة وعظم أمره هناك لعلمه وزهده، وكذلك عظم أمره بمصر، وما كان بالراغب في التردد على ذوي السلطة، وكان عالما في فنون المعقول والمنقول واللغة.
وفي سنة (835) قامت فتنة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق وتعصب العلاء البخاري على الحنابلة وبالغ في الحط على "ابن تيمية" رضي الله عنهم وصرح بتكفيره، فتعصَّب جماعة لابن تيمية، ولم يناصر جمع من العلماء في مصر العلاء البخاري في إطلاق لسانه في ابن تيمية وأخرج السلطان مرسوما بعدم اعتراض أحد على مذهب غيره فسكنت الفتنة (2)
*****
الشهاب الرملي:
أبو العباس أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الشافعي، ويعرف: بابن أرسلان (773- 844)
(1) - البدر الطالع:1/28- 30، شذرات الذهب:7/237،
(2)
– شذرات الذهب:7/211، 214
كان في بدء أمره مشتغلا باللغة والنحو والشواهد والنظم، ثم اشتغل بالفقه والحديث والأصول قرأ الحاوي الصغير على القلقشندي، وأخذ الفرائض والحساب عن ابن الهائم وقرا على أبي حفص الزراتيتي الموطا وعلى الجمال بن الظهيرة وعلى كثير من الشيوخ الذين أشار إليهم السخاوي في" الضوء"، ومن تآليفه:
قطع في التفسير ،
و"شرح البخاري
وشرح سنن أبي داود في أحد عشر مجلدا
وشرح الأربعين النووية
وتعليق على الشفا للقاضي عياض
وتعليق على جمع الجوامع في أصول الفقه، وعلى منهاج البيضاوي
ونظم القراءات الثلاث الزوائد على السبع والثلاثة الزائدة على العشر.
وغير ذلك كثير
وكان معروفا بالصلاح والزهد وكثرة الطاعات "
حكى صهره " الحافظ التاج بن الغرابيلي" عنه أنه كان قليلا ما يهجع من الليل، وأنَّه في وقت انتباهه ينهضُ قائما كالأسد لعلّ قيامه يسبق كمال استيقاظه ويقوم كأنه مذعورًا ، فيتوضأ ، ويقف بين يدي ربه تعالى يناجيه بكلامه مع التأمل والتدبر، فإذا أشكل عليه معنى آية أسرع في تينك الركعتين، ونظر في التفسير حتى يعرف المعنى ثم يعود إلى الصلاة "
وبالجملة فهو ممن اشتهر بالعلم والزهد، فقصده طلاب العلم وانتفعوا به (1)
*****
تقيّ الدين المقريزي:
أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد الحنفي الشافعي "سبط ابن الصائغ منسوب إلى "المقارزة" وهي حارة في "بعلبك" ولد في القاهرة (766-845)
من شيوخه جده لأمه "الشمس بن الصائغ الحنفي، و " البرهان الآمدي" والبليقني"و" والعراقي" و"ابن خلدون" وقد تأثر به في إقامة "ابن خلدون بالقاهرة" وقد بلغت شيوخه ست مئة كما يقول السخاوي في "الضوء"
وكان حنفيا ثم تحول إلى المذهب الشافعي وعمل محتسبا بالقاهرة وخطيبا بمسجد "عمرو " و"جامع الحاكم""بمدرسة السلطان حسن" 0وجاور في مكة المكرمة خمس سنوات 0
له من التصانيف:
" الخطط للقاهرة" المعروف بخطط المقريزي
(1) - الضوء اللامع:1/282 - 288
و" درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة"
و" إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأخوال والحفدة والمتاع"
و" عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط" أرَّخ فيه لمصر من الفتح العربي إلى الفتح الفاطمي (21-358)
اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا" مؤرخا للعصر الفاطمي
ثم ألف كتابه: " السلوك لمعرفة دول الملوك" مؤرخا لمصر في العهد الأيوبي والمملوكي إلى سنة (845)
و" البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب"
و" الإلمام فيمن تأخر بأرض الحبشة من ملوك الإسلام"
و" التاريخ الكبير المقفى" في ستة عشر مجلدا،
و" التخاصم بين بني أمية وبني هاشم"
و" ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري "
و" إغاثة الأمة بكشف الغمة"
و" الأوزان والأكيال الشرعية "
و" شذور العقود في ذكر النقود"
و"إزالة التعب والعناء في معرفة حلّ الغناء"
وغير ذلك كثير جدًا تجاوزت المئتين كما يقول السخاوي في الضوء
والغالب عليه التصنيف في علم التاريخ، وكان كثير الاستحضار للوقائع القديمة في الجاهلية وغيرها، وأما الوقائع الإسلامية ومعرفة الرجال وأسمائهم والجرج والتعديل والمراتب والسير وغير ذلك من اسرار التاريخ ومحاسنه فغير ماهر فيه، كما يقول" السخاوي"
وكانت له معرفة قليلة بالفقه والحديث والنحو واطلاع على اقوال السلف، وإلمام بمذهب أهل الكتاب حتى كان يتردد إليه أفاضلهم للاستفادة منه" (1)
*****
الشمس القاياتي:
محمد بن على بن يعقوب بن محمد القاياتى نسبة إلى"قايات، قرب الفيوم بمصرالشافعي (785-850)
من شيوخه "السراج البليقي"، والشمس القليوبي" و" الهمام الخوارزمي" و" العلاء البخاري" و" والشمس السنباطي"
(1) – عنوان الزمان 1/84، االضوء اللامع:2/21 – 25، شذرات الذهب:7/254، البدر الطالع:1/79
عمل بالتدريس في "البرقوقية" و" الأشرفية" مدرسة ابن غراب" وكان خطيب الأزهر وكان كما يقول "السخاوي" " إماما علامة، غاية في التحقيق وجودة الفكر والتوفيق مزيحا للمشكلات بعَلِىِّ عباراته ومريحا من التعب بواضح إشاراته وفكره الثاقب غاية في الاستقامة....صار شيخ الفنون بلا مدافعة
…
لايتوقف في ذلك إلا حاسد أو مفتر"
"وسئل”الكمال بن الهمام" عن التفضيل بينه وبين "الزين التفهني" في الأصول، فقال: التفهني كان عالما بأصول مذهبه وأما هذا فبالأصول كلها "
كتب على المنهاج للنووي قطعا متفرقة كثر اعتناؤه فيها بدفع كلام الأسنوي، وعمل ذيلا ونكتا على "المهمات"(1)
*****
ابن حجر العسقلاني:
أبو الفضل الشهاب: أحمد بن عليّ بن محمد بن محمد بن على بن أحمد العسقلاني المصري (773-852)
من شيوخه" العزبن جماعة""وعليه أخذ غالب العلوم الآلية والأصولية كالمنهاج وجمع الجوامع، وشرح المختصر والمطول" ومن شيوخه في اللغة "الفيروزبادي" صاحب "القاموس المحيط" ولكنه أغرم بفنّ الحديث وعلوم السنة فانصرف إليها ولازم "الزبن العراقي" وحمل عنه علما عظيما نافعا سندا ومتنا وعللا واصطلاحا فكان ابن حجرالشيخ المشار إليه في هذا.
وقد ارتحل في طلب العلم شأن كثير من طلاب عصره فسافر إلى مكة واليمن والحجاز والشام، وتصدى للتأليف ونشر الحديث وعلومه
ومن أعظم شروح البخاري وأشهرها شرحه " فتح الباري"شرع في إملائه سنة سبع عشرة وثمان مئة، ثم استمر يكتب بيده ويداوله بين طلاب العلم شيئا فشيئا إلى أن انتهى منه في أول شهر رجب من سنة أربع وعشرين وثمان مئة، وفي آخر مجلس من مجالس الشرح أعدَّ "ابن حجر" وليمة عظيمة استغرقت خمس مئة دينار فاجتمع الناس وكان يوما مشهودا وقال فيه الشعراء فأكثروا وفرق عليهم الذهب، وكان "البقاعي" ممن أنشد قصيدة في هذا المحفل المهيب مطلعها:
(1) – عنوان الزمان:4/65، الذيل على رفع الإصر: 278 شذرات الذهب:7/268
دعْ عنك تهيامي وخلع عذاري
إنْ كنتَ لاتصْبُو لوَصفِ عذاري.
وقد تولى التدريس في أماكن عديدة من أهمها المدرسة الشيخونية التي كان التدريس بها إنما يكون بأمرمن السلطان إلى كبار علماء العصر
وقد عهد إليه بها السلطان فرج بن برقوق وكان خطيب الأزهر وجامع عمرو، وخازنا لمكتبة " المحمودية "، وكان معنيا بها فقد صنع لكتبها فهرسين:
أحدهما بالحروف على الترتيب الألفبائي لأسماء الكتب
والآخر فهرس موضوعي.
ومصنفاته عديدة من أشهرها كما قلت:
" شرحه صحيح البخاري"
وكتاب" الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع "
و" إنباء الغُمر بأنباء العمر"
والقول السدد في الذب عن المسند للإمام أحمد وهو من الكتب المهمة لقارئ مسند الإمام أحمد بن حنبل 0
و" الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية"
وهو في ترجمة الإمام "الليث بن سعد" جعله في ثمانية أبواب، وهو كتاب لطيف
والإمام الليث بن سعد هو العالم الذي ضيعه أهله، فلم يأخذوا عنه كما أخذوا عن غيره وقد قال عنه الشافعي:" الليث أنفع للأثر من مالك"، وقال عنه:" الليث أفقه من مالك إلا أنّ أصحابه لم يقوموا به، وفي رواية عنه " ضيعه قومه ".
وقد استهتر البقاعي في ترجمة " ابن حجر" من كتابه "عنوان الزمان" وكذلك "السخاوي" في " الضوء اللامع " وفي الذيل على رفع الإصر عن قضاة مصر بل أفرد السخاويّ له ترجمة سماها: " الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"(1)
*****
العماد بن شرف:
أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن شرف بن مشرف المعروف بابن شرف (ت:852)
(1) - عنوان الزمان:1/9-174- الضوء اللامع:2/36-40، البدر الطالع:1/87-92/ والذيل على رفع الإصر للسخاوي:75 الشذرات:7/270
تتلمذ على الشهاب بن الهائم وانتفع به كثيرا فصار ابن شرف إماما في الحساب والفرائض فتلقى البقاعيّ عليه علم الحساب، وكانت له يد في علم النحو والمعقول، وأخذ عن علماء كثير منهم الشمس القلقشندي، والبرماوي والولي العراقي، فلازمه في الفقه، ولم يكن ناظرا إلى جاه الدنيا بل إلى العلم نظره 0
من مؤلفاته: توضيح بهجة الحاوي في مجلدين، وبدأ في شرح البهجة شرحا مطولا وصل فيه إلى صلاة الجمعة فكان الشرح أسفارا
وشرح مصنفات شيخه اين الهائم،
وكتب على ألفية شيخه البرماوي في الأصول توضيحا حسنا مفيدا.
وتوفي بالمقدس وصلى عليه بعد عصر يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر ربيع الآخر سنة (852) بالمسجد الأقصى، (1)
*****
البدر بن العيني:
أو الثناء محمود با أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف العينتابي الحنفى (762-855)
نشأ بعينتاب، إذ كان والده قاضيها، مؤرخ محدث ولي الحسبة والتدريس ووظائف عدّة، وبعد صيته وكان قاضي قضاة الحنفية بمصر، وكان فصيحا بالعربية والتركية ، برع في فقه الحنفية والتاريخ والحديث والتفسير واللغة والنحو والتصريف والتاريخ
من تصانيفه الكثيرة:
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
وشرح الهداية في فقه الحنفية
وشرح معاني الآثار للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدا
وشرح مجمع البحرين
وشرح الكلم الطيب لابن تيمية
وشرح قطعة من سنن أبي داود
وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام
وشرح العوامل المئة في النحو لعبد القاهر الجرحاني
وشرح التسهيل لابن مالك في النحو
وشرح شواهد ألفية ابن مالك شرحا مطولا ومختصرا
وله التاريخ الكبير على نظام السنين في عشرين مجلدة، واختصره في ثلاث مجلدات، وبالجملة فهو من أوعية العلم في عصره (2)
*****.
الجلال المحلى:
محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى الشافعي (791-864)
(1) – عنوان الزمان 1/352، الضوء اللامع:2/284-285
(2)
– شذرات الذهب: 7/284 -288
يعرف بتفتازانيّ العرب برع في فنون عديدة فقها وكلاما وتفسيرا وأصولا ونحوا، وكان غاية في الذكاء والفهم، ولكنه كان ضعيفا في حفظه، وكان على صلاح وورع، وتقشف، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر
عرض عليه القضاء فامتنع، وكان قليل الإقراء يظهر عليه الملل، وألف كتبا تشد إليها الرحال في غاية الاختصار والتحرير والتنقيح وسلاسة العبارة من تصانيفه:
شرح جمع الجوامع في أصول الفقه
وشرح المنهاج في الفقه الشافعي
وشرح الورقات في أصول الفقه.
وله تفسير موجز لم يكمل، وأكمله السيوطي يعرف بتفسير الجلالين، وصغار طلاب العلم اليوم لا يعرفون قدره لوجازته 0
وهو من التفاسير التي تعلم طالب العلم حسن التحليل والتفصيل لما أجمل، لأنه كالمتن الذي يغرى بالتدريب على تفصيل ما أجمل، وهي ملكة يجدر بطالب العلم الدربة عليها، ومنْ ثَمَّ عُنِي بها أسلافنا في مناهج التربية وإعداد طالب العلم، فعاب من المُحْدَثِينَ من جهل أوغفل عن الغاية 0 (1)
*****
أبو افضل المَشدَّاليّ:
محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المَشَدَّالي البجائي المغربي (821-865)
والمشدَّالىّ بفتح الميم وتشديد الدال نسبة إلى قبيلة من زواوة 0
تلقى العلم على أبيه المشهور في المغرب بابن أبي القاسم، وعلى "ابن مرزوق" وأبي القاسم العقبانيّ"0
قال شيخه ابن مرزوق عنه: " ما عرفت العلم حتى قدم عليّ هذا الشاب 0 فقيل له: كيف؟ قال: لأني كنت أقول فيسلّم لي كلامي، فلمَّا جاء هذا شرع ينازعنى، فشرعت أتحرَّز، وانفتحت لي أبواب المعارف "
كان أبو الفضل المشدَّالي أعجوبة زمانه في الحفظ والذكاء، وهو الذي دلَّ تلميذه "البقاعي" على القاعدة الكلية لتناسب القرآن الكريم (2)
*****.
(1) - السابق:7/ 303 -304
(2)
– عنوان الزمان:4 /263، والضوء اللامع 1/102، توشيح الديباج لبدر الدين القرافي: ص/219 – ت: احمد الشتيوي – دار الغرب الإسلامي – بيروت –1403هـ
شرف الدين المناوي:
أبوزكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد ين احمد بن مخلوف المناوي الشافعي (ت:871)
وهو منسوب إلى " منية بني الخصيب " بصعيد مصر التي أقام فيها جده، وهو جد" عبد الرؤوف المناوي " شارح"الجامع الصغير "
من شيوخه " الشمس البرماوي" و"الشمس الفرَّقي" وزوج أخته" الولي العراقي" والشمس بن الجزري".
يقول عنه السخاوي إنه" ناصبٌ نفسه لنشر العلم من فقه وأصول وعربية وحديث وتفسير لكن فنه الذي طار اسمه بسببه " الفقه" ولم يذكره معظم الناس بغيره، وتخرج به في جماعة صاروا رؤساء في حياته مع انّه لم يشغل نفسه بتصنيف غير ما نبهت عليه من كتابه على"المختصر": مختصر المزني في فقه الشافعية، وكذا بواسطة تدريس "الصالحية النجمية"
وشرع في شرح متوسط على "المنهاج"
وحاشية على شرح "البهجة"
" كانت أوقاته مشحونة بالإقراء والتعبد والاشتغال حرصًا على تربية المنتمين إليه، والتنويه بذكرهم.... وإذا قرئ عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم يكون هو وجماعته في غاية ما يكون من الإطراق وسكون الأطراف لا يتكلم مع أحد ولا يتزحزح لقادم إلا في النادر فيهما، وكان ذا جلادة على القراءة بحيث يجلس غالبا من بعد صلاة الصبح إلى الظهر"(1)
*****.
الحسام بن حريز:
حسام الدين محمد بن أبي بكر محمد بن حريز الحسيني الطهطاوي المالكي (804-873)
له اليد الطولى في معرفة القراءات والفقه والتاريخ
(1) - مصاعد النظر للبقاعي:1113، الذيل على رفع الإصر:459، شذرات الذهب:7/ 312
يقول السخاوي عنه: "لازم القاضي حسام الدين المطاعة في كتب الفقه والتفسير والحديث والتاريخ والأدب حتى صار يستحضر جملة مستكثرة من ذلك كله، ويذاكر بها مذاكرة جيدة مع سرعة الإدراك والفصاحة والبشاشة والحياء والشهامة والبذل لسائليه وغيرهم والقيام مع من يقصده في مهماته واقتناء الكتب النفيسة والتبسط في أنواع المأكل ونحوها.... (1)
*****
عز الدين الحنبلي:
أبو االبركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله الكتاني العسقلاني الحنبلي (800- 876)
قاضي قضاة الحنابلة في الديار المصرية وابن قاضي القضاة وعالم الحنابلة في عصره كما يقول "ابن الصيرفيّ"
من شيوخه الشمس البرماوي والبدر الدماميني والعز بن جماعة والزين العراقي والمقريزي والعيني وابن حجر وكان يبجله ابن حجر والشمس البوصيري
وارتحل في طلب العلم إلى الحجاز والشام والمقدس 0
وولى قضاء الحنابلة بعد البدر البغدادي وتولى التدريس في مدارس ومساجد عديدة كالشيخونية والمؤيدية، وقبة الصالح والحاكم، ولقي الأكابر وطارح الشعراء وأكثر من التصنيف حتى إنّه قلّ فن إلا وصنف فيه إمَّا نظما وإمَّا نثرا كما يقول "السخاوي"
له في التفسير " مختصر زاد المسافر" ولم يكمله
وفي الفقه مختصر المحرر في الفقه الحنبلي للرافعي
واختصر الفية ابن مالك وضم إليها علم الخط وخاتمة فيما فاته
ونظم التلخيص في البلاغة وغير ذلك كثير (2)
*****
محيي الدين الكافييجي:
محيي الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي الحنفي (788-879)
(1) – مصاعد النظر:1/116، الضوء اللامع:7/454، الذيل على رفع الإصر:260، انباء الهصر لابن الصيرفي:97 – 101 – ت: حسن حبشي- الهيئة المصرية بالقاهرة وحسن المحاضرة للسيوطي:2/124، نظم العقيان للسيوطي:142
(2)
– مصاعد النظر للبقاعيّ:1/117، الضوء اللامع:1/205، والذيل على رفع الإصر: ص 12-62، انباء الهصر لابن الصيرفي:450- 454، والشذرات:7/ 321
فقيه أصوليّ مفسر ومحدث له عناية بالغة بعلوم اللغة لاسيما شرح الكافية في النحو وقد نسب إليها من كثرة اشتغاله بها، وله في المعقولات منزلة وفي أصول الفقه والمعاني والبيان 0
يقول عن تلميذه البقاعي في تقريظ تفسيره: " نظم الدرر":
العالم العلامة، والبحر الفهامة الفائق على الأقران...... المدرس المؤلف المفتى برهان الدين
…
الشهير بالبقاعي.." (1)
ويقول البقاعيّ عنه: " كان كالأمن في فتنة "ابن الفارض" وله من التصانيف مختصرا عديدة منها:
شرح قواعد الإعراب
وشرح كلمتى الشهادة
والتيسير في علوم التفسير (2)
*****
المحبّ بن الشحنة:
محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي الثقفي الحلبي المشهور بابن الشحنة (804-890)
حفظ في اًول الدين عمدة النسفي"، وفي القراءات" الطيبة" وفي أصول الفقه "المنار"وفي الفقه الحنفي: "المختار"و"الوقاية"وفي النحو "الملحة"و"ألفية ابن مالك "و" الشذور" وبعضًا من "توضيح" ابن هشام و"الفية ابن معطي" وفي البلاغة" تلخبص المفتاح"
لازم "البرهان الحلبي" في فنون الحديث، وكان يصرفه عن الاشتغال بالمنطق، وقد قرأ " تجريد الشمسية في المنطق " على" ابن سلامة " ، ولم يستكثر من الشيوخ بل ولا من المسموع كما يقول السخاوي في "الذيل" وممن قرأ عليهم "الشهاب العجمي " ، و"ابن خطيب الدهشة"، و"العلاء البخاري" و"التقي المقريزي"
له من التصانيف " شرح الهداية" في الفقه الحنفي، وهو ـ كما يقول السخاوي ـ حاو لعلوم جمّةٍ كتب منه إلى آخر فصل الغسل خمسة مجلدات أو أقل، ثُمَّ فتر عزمه عن إكماله، ومن مؤلفاته:
" المنجد المغيث في علم الحديث "
و"تنوير المنار " وهواختصار"المنار"للنسفي في أصول الفقه
و"اختصار النشر في القراءات العشر".
(1) –مصاعد النظر للبقاعيّ:1/126 -127
(2)
– الضوء اللامع:7/ 259، والبدر الطالع:2/ 171، حسن المحاضرة:1/317، بدائع الزهور لابن إياس: ج 3 ص98 شذرات الذهب:7/ 326
تولى عدة وظائف منها قضاء حلب وكتابة سرها ونظر جيشها وكتابة السر بمصر وقضاء الحنفية عدة مرار بها ومشيخة الخانقاه الشيخونية 0كتب تقريظا لتلميذه "البقاعي" على تفسيره (1)
إنَّ شيوخ "البقاعي" جد كثير لا يتسع المقام للإشارة إلى أسمائهم وكتابه " عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران " يفيض بتراجم كثير منهم وبعلاقة البقاعي بهم وما تلقاه عنهم من العلوم وما قرأه عليهم من الأسفار وأنواع تلك القراءات والإجازات التي أجازوه بها وأنواع تلك الإجازات.
- - -
تلاميذه:
إذا ما كانت الشيوخ من أهم المصادر التي تصب في مجرى "البقاعي" فتشكل شخصيته العلمية مما تلقاه من هذا المصدر المتعدّد المنابع، فأنا أذهب إلى أنَّ التلميذ النابه قد يكون رافدًا من روافد زيادة بحر علم أشياخه، فإنه يلفت شيخه إلى أشياء لم تكن عناية شيخة بالملتفتة إليه، وكم من سؤال من تلميذ نابه لشيخه يكون سببا في عمل علمى يقوم له وبه الشيخ فيحسن بسببه إلى العلم وأهله.
كان للبقاعي تلاميذ يجلسون إليه ولاسيما وقد شاع اسمه مقرونا بتفسيره الفريد في منهاجه ومراميه، ومن تلاميذه من اتخذه شيخا رئيسا ومنهم من أخذ عنه بعض علمه، وما وقفت عليه من تلاميذه ليس في مقدار أشياخه ومن البين أنَّه تولَّى وظيفة الإعادة في مسجد "رحبة باب العيد"، وفي مسجد "الظاهر" المعروف الآن بحي "الظاهر" بالقاهرة، وتولى إقراء القرآن الكريم، والقراءات في المدرسة المؤيدية، وعينه شيخه "ابن حجر" قارئا لصحيح البخاري في القلعة في عهد السلطان " جقمق"، وتولى مشيخة القراء في تربة أم الملك الصالح.
المهم أنَّه كانت له تلاميذ صاروا من بعده أهل علم يعلمون الناس ما تعلموا، يقول "ابن حجر الهيثمي" (ت:974) :
(1) - مصاعد النظر:1/114، الذيل على رفع الإصر:357 -406، وبدائع الزهور:3/214
" كان له تلامذة أكابر أخذوا بقوله وما يعتقده، وبعضهم من مشايخي (1)
وفي قوله: " وما يعتقده" إشارة إلى ما كان من البقاعيّ من الحط على بعض المنتسبين إلى طائفة الصوفية من أمثال "ابن عربي" و"ابن الفارض" و"ابن سبعين" وغيرهم المنسوب إليهم أقاويل معلنة بما لا يرضاه مسلم معافى من فتنة التأويل الباطنيّ المقيت
ومن أشهر تلامذته:
الشهاب الدمياطي:
أحمد بن على بن حسين بن على الأشمونى (ت:840-890)
أخذ عن الشهاب البيجوري، والعلم البليقني، والبرهان العجلوني وعن البقاعي وتزايد اختصاصه به بحيث كان يرسل إليه ببعض تصانيفه كما يقول السخاوي في الضوء (2)
***
ابو المفاخر النعيمي:
عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم النعيمي الشافعي الدمشقي (845-927)
مورخ محدث صوفي قرأ على البقاعي وأجازه بما يجوز له
وله من المؤلفات:
الدارس في تاريخ المدارس
وتذكرة الإخوان في حوادث الزمان
وكتاب التبيين في تراجم العلماء والصالحين
وكتاب: العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان
والقول المبين في المحكم في إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم
وتحفة البررة في الأحاديث المعتبرة (3)
***
البدر الأربلي:
حسن بن على بن يوسف الحصكفي الأربلي الشافعي المشهور بابن المستوفي (850-925) عنى بالفقه والأصول والحديث وعلوم العربية، وكان شاعرًا أخذ عن علماء عصره ومنهم البقاعي فأجازه بالإفتاء والتدريس، وله من التصانيف:
حاشية على شرح المنهاج
وحاشية على الكافية (4)
***
ابن الحملاوي:
أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير الرملي الدمشقي الشافعي كان يعرف قديما بابن الحملاوي (854-923)
(1) – الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمني المكي ك53 - 54
(2)
- الضوء اللامع:2/18
(3)
- السابق: ج 8/133
(4)
– الضوءاللامع ج1/221، والشذرات: ج 8/12
عنى بالفقه والحديث والقراءات، وكان متعصبا لشيخه البقاعي ملازما له ينافح عنه، أخذ عنه في ألفية الحديث، وكتب من تفسيره، ولي مشيخة الإقراء بجامع بني أمية، وبدار الحديث الأشرفية، وبتربة الأشرفية، وبتربة أم صالح بعد شيخه البقاعي وقد صار من بعده شيخ القراء في دمشق (1)
الشمس الدلجي:
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدبلجي الشافعي (860- 947)
عنى بالفقه والحديث وله من المتصانيف:
شرح على "الخزرجية"
وشرح على الأربعين النووية
وشرح على الشفا للقاضي عياض
واختصر المنهاج والمقاصد وسماه مقاصد المقاصد،
وشرح هذا المختصر (2)
يقول ابن حجر الهيثمي عنه" كان أعطي في العلوم الشرعية والعقلية من متانة التصنيف وقوة السبك ما لم يعط أحد من أهل زمانه "
ويقول عنه أيضا: " صنف في فن الفقه تصانيف تضاهي تصانيف السعد التفتازاني وغيره من بلاغته وحسن سبكه وجودة تراكيبها، لكن لم يعبأ أحدبها، ولم يلتفت إليها بل الناس عنها في غاية الإعراض "، ويعلل "ابن حجر الهيثمي ذلك بقوله:
" إنَّ هذا الشيخ لم يكن يعتقد في "ابن عربي "صاحب الفتوحات المكية، كشيخه " البقاعي" فعوقب بنزع البركة من مؤلفاته "(3)
وهذا من الهيثمي ضلال وإضلال، وكأنَّ الاعتقاد في "ابن عربي" هو مفتاح النفع به، وهذا ما لا يقوله منصف ولا يقبله عاقل 0
إنَّ معيار الانتفاع بالعلم هو الإخلاص لله رب العالمين فيه.
وماذا يقول "الهيثمي" في ابن تيمية " و"ابن القيم" ألا يُنتفَعُ بما تركا من علوم أم كانا ممن يعتقد في "ابن عربي" الذي أَعْتَقِدُ انَّه هو لا يعتقد في نفسه، فإنّه أخْبَرُ بحال نفسه من غيره؟
لا يقرأ عاقل شيئا من كتاب " فصوص الحكم" ويبقى في صدره أثارة من اعتقاد أنَّ كاتبََه على صواب فيما سوَّد به صحائف الكتاب، وصحائفه هو أيضًا
***
(1) - عنوان الزمان للبقاعي: ج4/387
(2)
- شذرات الذهب:8/270
(3)
- الفتاوى الحديثية: ص 54
الجلال السيوطي:
عبد الرحمن بن أبي بكر بن عثمان بن محمد الخضيري السيوطي (849-911) من أشهر علماء عصره برع في كثير من العلوم والفنون ترجم نفسه في كتابه حسن المحاضرة، وتلقى على علماء عصره ومنهم البقاعي (1)
وكانت بينه وبين البقاعي مناقدات تجاوزت حدَّ السماحة الخلقية بين أهل العلم وبين الشيخ وتلميذه
تلاميذ كلّ عالم هم حاملو علمه ومنهاج حياته، وهم أبرّ به من ولده الذي قد خرج من صلبه.
والعالم الذي هو جدير بأن يكون مداد قلمه أزكى من ريح المسك يوم القيامة هو الذي يقتدر على أن يُحِيلَ حياة تلاميذه أولاً، وأمَّته من بعدهم من مدرجة من مدارج القربِ إلى ما هو أسمى منها، وأن يُحيل حياتهم إلى ما يقيمهم في مقامِ التَّلَذُّذِ بطلب العلم تعلُّما وتعْلِيمًا، وتأدبًا وتخلقًا؛ لِيكونوا يومًا ورثةَ النُّبوَّةِ.
إنَّ تكوينَ تلميذٍ واحدٍ يَحمِلُ عن الشَّيخ منهاجَ حياتِه يَعدِلُ الدُّنْيَا ومَا فِيها.
والعالِمُ الحَقُّ لا يَحرِصُ على أن يعلّم تلاميذه كيف يَعُونَ المعرفة في قلوبهم وَعْيَ الأسفارِ والقراطيس، إنَّما العالِمُ من يعلِّم تلاميذه منهاجَ التفكير والتحليل والتقويم والاصطفاء والاستثمار. ولو أنَّنا علَّمنا تلاميذنا في جامعاتنا - على الأقل - كيف يُفَكِّرُون ويُحَلّلُونَ ويُقَوِّمُون ويَصْطَفُون لكان لنا شأن آخر
من يجعل تلاميذه يقفون من المعرفة الإنسانية أيًّا كان مصدرها الإنسانيّ بقلب مفتوح لا يتخذ من الأشياء موقف التقديس أو التدنيس من قبل أن يسبر ويحلل ويقوم. القلب المفتوح هو آية حياة صاحبه، ومن أغلق قلبه أمام المعارف البشرية فقد أغلق أبواب الحياة في وجه، فالمعرفة ضالة المؤمن، ومقدار الآخر عنده بمقدار ما يحسن ذلك الآخر.
(1) - الضوء اللامع للسخاوي: ج 4/66
إنَّ على كلّ عالم أن يربّي تلاميذه على أنَّ مثاقفة الآخر بقلب مفتوح واعٍ غير منبهر بهالات التقديس وجلبة الدعاية الجوفاء إنما هي فريضة دعوية.
أنت لا تسطيع أن تدعو الآخر إلى الحق الذي معك إلا إذا كنت على عِرفانٍ بالغٍ بعقلِ ذلك الآخر وثقافته ومنهاج تفكيره، لتعرف وجه إعراضه عن الحق الذي معك:
أسبب ذلك الإعراض فيما معك أم في منهاجك في الدعوة إليه أم في ملابسات تكتنف ذلك الآخر تحجزه عن أنْ يحسن الاستماع إليك أم في أمر قائم في قلبه يحجزه عن ذلك الحق، وإن سلكت كل سبل الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة،وإن أحسنت مجادلة بالتي هي أحسن؟
كلّ ذلك لن تقف عليه إلا بإحسان مثاقفة الآخر، وفي ذلك الإحسان عون على تحقيق ما يرادُ منك لتكون بحق من ورثة النبوة.