الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البَابُ الثّانِي:
منهاجُ تأوِيلِهِ بَلاغَةَ القرْآنِ الكَرِيم
المدخل إلى المنهج.
.أقام البقاعي تدبِّرَه البيان القرآنيِّ الكريمِ على أساس أنَّ جميعَ كَلِمِه وجُملِه وآياتِه ومعاقدِه وسُورِه يرتبط بعضها ببعض ارتباطا معنويا وبيانيا، فكلُّ عنصرٍ مِنه - إن جازت العِبارةُ وأخشى ألَاّ تجوز - يأخذ بحُجزةِ ما أمامه، وأنَّ كلَّ سورة لها مَقْصِدٌ كُلِّىٌ عظيمٌ مهيمنٌ على جميع أجزائها هو منها بمنزلة الروح من الجسد في عالم الخلق، والقرآن الكريم من عالم الأَمْرِ وما هذا إلا تقريبٌ لما هومن عالم الأمر بأمرٍ من عالم الخلقِ دعا إليه عجزِي البيانيُّ عن أنْ أوفِّيَ القولَ في القرآنِ الكريمِ ما يليقُ به، وإلا فإنَّ جُلَّ مصطلحاتِنا البلاغيّة التي نلُوكُها في تذوِّقِ بيانِنا البشريِّ لاتكادُ تليقُ بالقولِ في تدبِّرِ البيانِ القرآنيِّ الكريمِ.
وهذا يقتضي اقتضاءً باهرًا قاهرًا لايتوقفُ فيه ناصحٌ نفسَه نازلٌ على أصولِ النَّظر العقلىّ المُعافَى من المجادلة العقيمةِ أنَّ بلاغةَ القرآنِ الكريم المعجزة كافة العالمين لاتكون في بعض ما أُوحِيَ بل في كلِّ ما أُوحِيَ، وهذا لا يتوقفُ فيه أدنى توقفٍ من قام في قلبِه أنَّ القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى وحده
وإذا ماكان هذا صحيحا - ولن يكون إلا صحيحًا فصيحًا - فإنَّ ما أُوحِيَ ليس المعنى القرآنىّ وحده ولا نظم الجملة أو الآية وحدها بل أُوحي كلّ هذا وموقع كلِّ كلمة في جملتها وكلِّ جملة في آيتها وكلِّ آية في معقدها وكلِّ مَعْقِدٍ في سورته وكلّ سورة من السياق الكليّ للقرآن الكريم
الموضع الذي تقوم فيه الكلمة وما علاها إلى السورة إذن مما أُوحي، فلا بدَّ أنْ يكونَ في الموضع الذي وضعته الكلمةُ والجملةُ والآيةُ والمعقدُ والسُّورةُ بلاغةٌ معجزةٌ هي آيةُ النُّبوةِ المُحَمَّدِيَّةِ الخالدةِ خلودَ الحياةِ على هذه الأرضِ
وهذا مقتضٍ اقتضاءً مُلِحًا مُلْزمًا أن يكون التدبُّر للقرآن الكريم الذي هو فريضةٌ قائمًا في بلاغةِ كلِّ ما أُوحِي ، ومنه موقعُ الكَلِمِ والجُمَلِ والآياتِ والمعاقدِ والسُّوَرِ
ومن ثمَّ فإنَّ البقاعيَّ يؤمنُ أنَّه من الفريضةِ تدبُّرُ ما يُمكِنُ أن تُسَمَِّيه في بيان البشر بالوحدة البيانية للنَّصِّ المبْنِيَّة على وِحْدَةِ المَقْصِدِ الكُلِّيِّ له ووحدة المَغْزَي الذي يرمي به إليه، وكلمة " المَغْزَى " من الكلمات الماجدة في هذا السياق، تكشف عن عظيم اجتهاد المُبِينِ من البشر بيانًا عاليا في سعيه إلى بلوغ غايته وقيامه قيام الغازي بجحافل كلمه ونظمه ونِغِمِهِ قلوب المتلقين الآسرها بما يملك من عتادِ الكلمةِ الساحرةِ، والمقيمَ في فسطاط القلوب مكنونَ معانيه التي هي وجوده الخالد بيانا، إذ يفنى وجوده الجسدي من بعد حينٍ ويبقى هو وجودًا بيانيا ما بقيت الحياة.
المُهِمُّ أنَّ القرآن الكريم كلَّه آتٍ إلى غاية عُظمى جاءت كلماته وآياته ومعاقده وسوره تتناسب وتتأخى للبلوغ إلى تلك الغاية وذلك المغزى، ولِتُوصِلَ إلى القلب المُعافَى من الاستكبار معانى الهدى إلى الصراط المستقيم المنتهى إلى رضوان المتكلم بهذا الكتاب الكريم- جل جلاله
البقاعي في تدبره البيان القرآني الكريم إنَّما جعل تدبُّرَه مناطَه إعجازُه القائمُ في كلِّ جملةٍ من جُملِه وآيةً من آياتِه ومعقدٍ من معاقدِه وسورةٍ من سورِه
ذلك هو تناسب معاني بيانه ومبانيه، فذلك الإعجاز هو الروح السّاري في كلِّ وجوه الإعجاز القرآنيّ العديدة المديدة التى لاتتناهى ولايحاط بها فهي نعمة من نعم الله عز وجل التي لاتحصى
وهذا يغرينا بأن نسعى إلى إيجاز تبيان مفهوم تناسب البيان القرآني معنى ومبنى عند البقاعي ومستوياته ومجالاته، ثُم نبيّن معالم منهاجه في تدبر سمات هذا التناسب المعجز