المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس العاشر   الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على - شرح الآجرومية - حسن حفظي

[حسن حفظي]

الفصل: ‌ ‌الدرس العاشر   الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على

‌الدرس العاشر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أريد أن أنبه إلى نقطة في الدرس الماضي وهي إذا ورد عندنا نحو قول الله عز وجل ? وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ? [الأنبياء: 3] ، فكيف نعربه؟ طبعًا هو الغالب ألا يلحق بالفعل ما يدل على أن الفاعل مثنى ولا مجموع، هذا هو الغالب في كلام الله عز وجل وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كل ما ورد عن العرب، لكن إذا ورد فكيف نعربه؟ المسألة في هذا سهلة والحمد لله، لك ثلاثة أوجه في الإعراب، ونطبق على قول الله عز وجل ? ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ? [المائدة: 71] :

الوجه الأول: أن تقول الواو هذه حرف يدل على أن الفاعل جماعة لا محل له من الإعراب، والفاعل هو قول الله سبحانه ? كَثِيرٌ ?، هذا الوجه الأول.

الوجه الثاني: أن تقول لا، بل الواو هذه هي الفاعل، و ? كَثِيرٌ ? بدلٌ منها.

الوجه الثالث: أن تقول لا، بل الواو هذه فاعل، والجملة وهي قوله ? عَمُوا ? خبر مقدم، و? كَثِيرٌ ? مبتدأ مؤخر.

هذا توجيه ما ورد من مثل هذا، وهو كما قلت أكثر من مرة قليلٌ وليس كثيرًا، ولكنه صحيحٌ جائز، وهو في لغة طيِّء وبعض أزد شنوءة، هو في لغتهم مشهورٌ هذا، إلحاق علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو مجموع، هذه لغةٌ لبعض العرب، وهي جائزة صحيحة فصيحة، ولكنها ليست الغالبة، وليست الكثيرة بحسب ما ورد في الكلام المعتد به.

ص: 135

ننتقل الآن إلى باب النائب عن الفاعل، قال المصنف (وهو الاسم المرفوعُ الذي لم يُذكَر معه فاعلُهُ) ، وفي رأيي أن هذا التعريف ليس جامعًا ولا مانعًا، أما كونه غير جامع، فإنه لمّا عرفه قال هو الاسم المرفوع، وليس كل أنواع النائب عن الفاعل تكون مرفوعة، بل ينوب عن الفاعل أحيانًا الجار والمجرور، وأحيانًا الظرف، وأحيانًا المصدر، ومع ذلك لا تكون مرفوعة، فليس كل ما ينوب عن الفاعل مرفوعًا. هذه واحدة، أما كونه غير مانع فإنهم يدخلوا في هذا التعريف نحو قولك مثلا "محمدٌ حاضرٌ"، "محمد"ٌ مبتدأ وهو مرفوع، و"حاضرٌ" خبر وهو مرفوع، ولم يذكر مع كلمة "محمدٌ" فاعلها، ولذلك قد يدخل على هذا التعريف أن تعرب كلمة "محمدٌ" هنا على أنها نائب فاعل لأنه لم يُذكر معها فاعل، إذًا نقول هذا التعريف ليس جامعًا وليس مانعًا، لكن لو ذُكر مثلا الذي إذا حُذف الفاعل ينوب غيره منابه مع تغييرٍ في الصيغة يمكن أن يكون هذا الكلام مقبولا.

وقد تتساءل، ألم تقل لنا يا أستاذ إن الفاعل عمدة، فلماذا نحذفه وننيب غيره منابه؟ نقول لا يخلو أن يُحذف الفاعل وينوب غيره مقامه لإغراض، أحيانًا تكون الأغراض لفظية، وأحيانًا تكون الأغراض معنوية، أما كون الأغراض لفظية فكاستقامة الوزن في الشعر، ويُمثلون له بقول الأعشى:

علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعُلق أخرى غيرها الرجل

فـ "عُلق" هنا في مواضعها الثلاثة قد بُنيت للمفعول لأنه لو ذكر فقال "علقني الله بها" مثلا، لانكسر الوزن عليه، فهذا غرضٌ لفظي، هناك غرضٌ لفظيٌّ آخر، وذلك في السجع، إذا أرادوا استقامة السجعة فقد يحذفون الفاعل ويقيمون غيره مقامه، فمثلا يقولون "من طابت سريرته حُمدت سيرته"، قالوا لو قالوا "حمد الناس سيرته" لكان هذا انتقضت عليه السجعة لأن الأول هنا كما ترون "من طابت سريرته"، فستصير سيرته هذه منصوبة، فسيقولون "حمد الناس سيرته" فتختل السجعة، هذان الغرضان لفظيان، ويوجد هناك أغراض معنوية، وهي كثيرةُ، أذكر لكم بعضها.

أما من الأغراض المعنوية فقد يكون ـ وهذا أغلب ما يكون ـ:

للجهل بالفاعل، الفاعل غير معروف، فتقول مثلا "سُرق المتاع"، لأنك ما تعرف من السارق، فتحذف الفاعل وتقيم غيره مقامه، هذا الأول.

الثاني: الخوف من الفاعل، أنك لو ذكرت مثلا "سرق زيدٌ المتاع" لأتى الفاعل هذا وسرق متاعك.

ص: 136

أيضًا الخوف على الفاعل، وذلك في قولك مثلا "سُرق المتاع"، لأنك لو ذكرت اسمه لتسلطت عليه الشرطة وأمسكته وقطعت يده على سبيل المثال.

من ذلك مثلا يقولون العلم بالفاعل، الفاعل معلوم ما يحتاج أنك تذكره، ومنه قول الله عز وجل ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، الخالق معروفٌ فلا تحتاج إلى ذكره.

قالوا ومنهم، من الأغراض المعنوية، تنزيه ذكر الفاعل مع المفعول به، وذلك كقولك مثلا "خُلق الخنزير"، فتنزه أن تذكر اسم الله عز وجل مع لفظ الخنزير، وهناك أغراض معنوية كثيرة يُحذف الفاعل من أجلها ويقوم غيره مقامه.

اتفقنا على أنه يُحذف الفاعل غيره مقامه، فما الأشياء التي تقوم مقامه، أربعة أشياء:

الأول: المفعول به، وهو أكثر ما ينوب عن الفاعل، حتى يرى بعض النحويين أنه إذا وُجد المفعول به في الكلام لا يجوز أن تنيب غيره مع وجوده، سواءٌ تقدم المفعول به أم تأخر، ومنه قول الله عز وجل ? وَقُضِيَ الْأَمْرُ ? [البقرة: 210] ، أصل الكلام والله أعلم "وقضى الله الأمر"، فحُذف لفظ الجلالة وهو الفاعل وأقيم المفعول به مقامه، ومنه قول الله سبحانه ? وَغِيضَ الْمَاءُ ? [هود: 44] ، لو ذُكر الفاعل لقال

ـ والله أعلم قد يكون هذا هو التقدير ـ "وغاض الله الماء"، لكن حُذف الفاعل وأُقيم غيره مقامه وهو المفعول به هنا، فإذا وُجد المفعول به فهو ينوب عن الفاعل مقدمًا، وهذا هو الغالب الكثير أنه هو الذي ينوب عن الفاعل، المفعول به.

وينوب عنه أيضًا على خلافٍ في بعضها ثلاثة أمور، هي:

1 -

المجرور، وبعضهم يرى أنه الجار والمجرور.

2 -

الظرف المتصرف المختص.

3 -

المصدر المتصرف المختص.

ص: 137

نبدأ بالمجرور، المجرور فيه خلاف في إنابته عن الفاعل، بعضهم لا يرى أنه نيابته عنه، ولكنه قد ورد في القرآن الكريم قول الله عز وجل ? وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ? [الأعراف: 149] ، فبعض المعربين يرون أن الجار والمجرور نائبان عن الفاعل، لكن المانعون يقولون لا، النائب عن الفاعل مقدر، وهو ضمير يعود على المصدر المفهوم من سُقط، فيقدرون "فلمّا سُقط هو" أي السقوط، من أين أخذتم السقوط؟ قالوا مفهومًا من قوله ? سُقِطَ ?، و ? فِي أَيْدِيهِمْ ? جار ومجرور متعلق بـ ? سُقِطَ ?، هؤلاء المانعون، لكن الصواب والله أعلم أنه يجوز نيابة الجار والمجرور عن الفاعل، هذا هو النوع الثاني.

أما النوع الثالث: الذي ينوب عن الفاعل فهو الظرف، لكن اشترطوا فيه أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًّا، أن يكون متصرفًا يعني ألا يلزم النصب على الظرفية، فإن كان دائمًا منصوبًا على الظرفية من "حيث" و"إذ" و"إذا" فإنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، إذًا، فهل هناك ظرفٌ متصرف؟ نعم، مثل كلمة "يوم"، "يوم" هذه تقع مبتدءًا، وتقع خبرًا، وتقع فاعلا، وتقع غير ذلك من أنواع الإعرابات، قال الله عز وجل ? وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ? [الإنسان: 7] ، ? يَوْمًا ? هنا صارت مفعولا به وليست ظرفًا، وتقول "يوم الجمعة يومٌ مباركٌ"، تصير مبتدأ وخبر، وتقول "أعجبني يوم الجمعة" فتكون فاعلا، إذًا هي متصرفة، فيجوز أن تنوب عن الفاعل، هذا هو المقصود بالتصرف، التصرف هو أن يخرج عن النصب على الظرفية إعراباتٍ أخرى.

ص: 138

أما الاختصاص، هم اشترطوا أن يكون متصرفًا مختصًا، فالاختصاص يكون بواحدٍ من أربعة أمور، إما بأن يكون موصوفًا كقولك مثلا "صيم يومٌ حارٌّ"، هذا موصوف، وإما أن يكون مضافًا كقولك "صيم يومُ الخميس"، وإما أن يكون علمًا كقولك "صيم رمضانُ"، وإما أن يكون ـ بارك الله فيك ـ مقترنًا بـ "أل" العهدية، كأن يكون بينك وبين بعض إخوانك أو المخاطب حديث عن يوم الاثنين مثلا فتقول "صيم اليوم"، المقصود باليوم هذا هو المعهود بينك وبين المُخاطب، حينئذٍ يجوز، فلابد لنيابة الظرف عن الفاعل أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، والتصرف قد وضحناه، والاختصاص قد وضحناه.

وكذلك يُشترط في المصدر أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًا، نمثل له أولا، قال الله عز وجل ? فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ? [الحاقة: 13] ، ? نَفْخَةٌ ? هنا نائب عن الفاعل، وهي مصدر، والمصدر هنا متصرف، لأنه يمكن أن يكون غير منصوبٍ على الظرف، يمكن أن يكون مبتدءًا، يمكن أن يكون خبرًا، مثل ما قلنا في الظرف، كلمة ? نَفْخَةٌ ? يمكن أن تكون كذلك، هذا من ناحية التصرف، ونذكر بعض المصادر غير متصرفة، كلمة "سبحان"، هذه علمٌ على التسبيح، هذه ليست متصرفة لأنها لا تجئ إلا منصوبة على الظرفية، كلمة "معاذ الله"،"معاذ الله" هذه ملازمة للنصب على المصدرية، فلا يمكن أن تنيبها عن الفاعل، هاتان الكلمتان لا تنوبان عن الفاعل لأنهما ملتزمتان النصب على المصدرية، أما إذا كانت الكلمة صالحة لأن تكون مبتدءًا وخبرًا وفاعلا ومفعولا به وفي مواضع الإعراب المختلفة فلا مانع أن تنيبها عن الفاعل، ككلمة ? نَفْخَةٌ ? في هذه الآية الكريمة، هذا بالنسبة للتصرف.

ص: 139

أما الاختصاص يا أيها الأحباب فكما قلنا قبل قليل في الأشياء التي تكون فيها مختصة، وذلك بأن يكون إما موصوفًا وإما مضافًا وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية، ولا يوجد عندنا مصدر علم إلا كلمة سبحان كما قلنا قبل قليل فهي علمٌ على التسبيح وما شاكلها، يعني توجد مصادر قليلة أعلام، لكنها ما تصلح نيابة عن الفاعل لأنها ملازمة للنصب على الظرفية، يعني تنتقل من ناحية أخرى. فإذًا لابد أن تقول "ضُرب ضربٌ شديدٌ"، وإما مضاف كقولك "ضُرب ضرب الأمير" أو "ضرب السلطان" أو "ضرب القوي"، وإما مقترنًا بـ "أل" العهدية بأن يكون بينك وبين المخاطب مثلا عهد عن ضرب المعروف، أو تتحدثون عن ضربٍ ما، فتقول له "ضُرب الضرب"، يعني الذي بيني وبينك العهد فيه.

هذه الأشياء هي التي تنوب عن الفاعل، أعيدها إجمالا مرةً ثانية، المفعول به، وهذا إذا وجد لا ينوب غيره منابه في بعض أقوال النحويين، لا ينوب غيره إلا هو الذي ينوب فقط، والثاني الجار والمجرور على خلافٍ في ذلك، والثالث هو الظرف المتصرف المختص، والربع هو المصدر المتصرف المختص، ونكون بهذا أنهينا الحديث في باب النائب عن الفاعل. بل في هذه الجزئية الأولى في باب النائب عن الفاعل لأن المصنف سيتحدث بعد قليل في موضوع آخر وهو أنه إذا حذفت الفاعل وأقمت غيره مقامه فلابد أن تغير صيغة الفعل، وإلا فكل شيء يبقى على حاله، وذلك في قول المصنف (فَإِنْ كَانَ اَلْفِعْلُ مَاضِيًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَكُسِرَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُضَارِعًا ضُمَّ أَوَّلُهُ وَفُتِحَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ) ، هذه التغييرات لازمة في الفعل إذا بنيته للمفعول، أو بعبارة أخرى إذا جعلت الكلام على حذف الفاعل وإنابة غيره منابه، فلابد أن تفعل الأشياء الآتية:

ص: 140

أولا: لابد أن ننظر إلى الفعل الماضي، أما الفعل الماضي بارك الله فيكم فإنك تضم أوله وتكسر ما قبل آخره، فتقول "أَكْرَمَ" تقول فيه "أُكْرمْ"، وفي "استخرج" تقول "استُخرِج"، وفي "نَظَرَ" تقول "نُظِرَ"، وتقول في "ضَرَبَ""ضُرِبَ"، وفي "جاهد""جوهد"، وفي "بايَع""بويِع"، وهكذا، وفي "باع" ماذا تقول؟ تضم أوله أم تكسر أوله؟ وفي قال تقول "قول" أم تقول "قيل"، بارك الله فيك، الكثير من لغات العرب أن يكسروا الأول بدل ضمه في "باع" و"قال"، فيقولون "قيل" و"بيع"، هذا الكثير في كلامهم، ولكن بعض العرب يُبقي أوله مضمومًا ويقلب الياء واوًا، والواو تبقى على حالها، فيقول في "باع""بوع"، ويقول في "حاك""حوك"، ويقول في "صام""صوم"، وفيه لغة ثالثة ولكنها قليلة وهي ما يسمونه بالإشمام، أن تُشم الكسر شيئًا يسيرًا من الضم.

نعود إلى شواهد هذه اللغة القليلة، لأننا نستشهد للقليل، أما الكثير فهو موجود ولا إشكال فيه، يقولون مما ورد في ذلك قولهم:

ليتَ وهل ينفع شيئًا ليتُ...... ليتَ شبابًا بوع فاشتريت

الكثير فيه طبعًا "بيع"، ولكنه ورد في هذا الشاهد "بوع"، يعني بإبقاء الأول مضمومًا وبقلب الياء واوًا، هل هذا صحيحٌ؟ نعم، لا إشكال فيه لكنه ليس هو الغالب، وقالوا أيضًا من شواهده قول الشاعر:

حوكت على نيرين إذ تُحاكُ......... تختبط الشوك ولا تُشاكُ

"حوكت"، والكثير فيها أن يُقال "حيكت"، هذا هو النظر للفعل الماضي، النظر للفعل الماضي أنه يُضم أوله ويُكسر ما قبل آخره، إلا إن كان أجوف، نحو "قال" و"باع"، فإن حقه أن يُكسر أوله في أكثر كلام العرب، فيُقال في "باع""بيع"، وأن يُقال في "صام""صيم"، وأن يُقال في "قال""قيل"، وهكذا، هذا الفعل الماضي، وقد يُضاف إلى هذا بعض الأشياء، لكن طالما أن المصنف ما تحدث عنها نحن نتركها.

ص: 141

إذا كان الفعل مضارعًا فإنه أيضًا يُضم أوله، لكن يُفتح ما قبل آخره، فنقول مثلا في "يَستخرِج""يُستخرجُ"، ونقول في "يَنطلِق""يُنطلقُ"، ونقول في "يَضربُ" نقول فيه "يُضرب"، ونقول في "يَكْرِمُ" نقول فيه "يُكرمُ"، وهكذا، الفعل المضارع يُضم أوله ويُفتح ما قبل آخره، و"يبيع" كيف نقول فيها؟ و"يقوم" كيف نقول فيها؟ و"يصوم" كيف نقول فيها؟ نقول في "يبيع""يُباع"، ونقول في "يصوم""يُصام"، ونقول في "يقول""يُقال"، وهذه علل صرفية تحدث لبعض حروف العلة، فتنقلب إلى حرف آخر، وهذا الذي يُقال فيما يحصل من تغييرات إذا بنينا الفعل للمفعول.

وأنبه قبل الخروج من هذه القضية إلى أن بعضهم يقول إذا طلبت منه إعراب نحو "أُكرم عبد الله"، يقول "أُكرم" فعل ماضي مبني للمجهول، والحقيقة أن هذا تعبير جائز لكنه ليس أقوى من الذي أذكره لكم بعد قليل، يعني الأقوى أن تقول فعل ماضي مبني للمفعول، لأنه ليس دائمًا يكون الفاعل مجهولا، ففي نحو قول الله عز وجل ? خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ? [الأنبياء: 37] ، هل تستطيع أن تقول الفاعل مجهول هنا،

طبعًا ليس مجهولا، فتقول هذا الفعل مبني للمفعول.

تقول مبني للمفعول، لكن أحيانًا ينوب غير المفعول به، كأن ينوب الظرف أو ينوب المصدر، أو ينوب الجار والمجرور، فما مخرجك؟ مخرجي سهل والحمد لله، كل هذه مفعولات، المفعول به خلاص قولا واحدًا، المصدر مفعول مطلق، الظرف مفعول فيه، بقي المجرور فقط، المجرور أصله مفعول به، لكن الفعل لم يتعد إليه، فعدي بحرف الجر، بواسطة حرف الجر، فكلها مفعول، معنى هذا أنه سلم لنا قولنا مبني للمفعول، وهو أولى من إعراب بعضهم أن الفعل مبنيٌّ للمجهول، وأظن هذا واضح، والحمد لله رب العالمين.

ص: 142

ننتقل إلى قول المصنف (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرٍ، وَمُضْمَرٍ) ، يعني أن نائب الفاعل قد يكون اسمًا ظاهرًا وقد يكون ضميرًا، ننظر إلى أمثلته، أما أمثلته فنحو قولك "ضُرب زيدٌ"، و"يُضرب زيدٌ"، و"أكرم عمرٌو"، و"يُكرم عمرٌو"، هذه بعض الأمثلة النائب عن الفاعل فيها اسم مفرد ظاهر، أما العامل فأحيانًا يكون ماضيًا وأحيانًا يكون مضارعًا، هل يكون أمرًا؟ الجواب لا، لا يُبنى الفعل للمفعول إلا في هذين الاثنين في الماضي والمضارع، ولا يوجد في فعل الأمر، ولذلك لمّا تحدثنا عن التغييرات التي تحصل لم نذكر فعل الأمر، وإنما ذكرنا الفعل الماضي فقلنا كذا، وقلنا الفعل المضارع يُفعل به كذا، فننظر إلى قوله "ضُرب زيدٌ"، "زيدٌ" نائب عن الفاعل، "يُضرب زيدٌ""زيدٌ" نائب عن الفاعل، "عمرٌو" كذلك نائب عن الفاعل، "أُكرم" و"يُكرمُ"، لكن الفعل الذي قبلها فعل مبني للمفعول، وهو أولى، ولو قلت مبني للمجهول ما فيه إشكال، لأن أكثر ما يُبنى هذا الفعل يبنى للمجهول، أكثر ما يؤتي بهذه الصيغة لأن الفاعل مجهول، هذه أكثر بدون شك، لكن لو قلت على التعبير الذي ذكرته لك فهو أولى من ناحية الأولوية، ويلزم أحيانًا.

ثم قال المصنف رحمن الله وإياه (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ) ، لأنه هنا سيذكر لكم ضمير المتكلم، ويذكر

ضمير المخاطب، ويذكر ضمير الغائب، فقال رحمه الله (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ، نَحْوَ قَوْلِكَ "ضُرِبْتُ

ص: 143

وَضُرِبْنَا، وَضُرِبْتَ، وَضُرِبْتِ، وَضُرِبْتُمَا، وَضُرِبْتُمْ، وَضُرِبْتُنَّ، وَضُرِبَ، وَضُرِبَتْ، وَضُرِبَا، وَضُرِبُوا، وضُربن") ، هذه بالنسبة للغائب، أقول المذكور عندي هنا هو (ضُرِبْتُ) التاء هنا نائبة عن الفاعل، (وضُرِبْنَا) تاء المتكلم المفرد، و"نا" لغير المفرد من المتكلمين أو المتكلميْن أو المتكلمات أو المتكلمتين، يعني يجوز للمذكر والمؤنث لما عدا الواحد، ونحو قولك "ضُربتَ" هذا للمخاطب، و"ضُربتِ" و"ضُربتما"، و"ضُربتم" و"ضُربتنّ".

وأيضًا يُقال "ضُربَ"، و"ضُربتْ"، و"ضُربا"، و"ضربتا"، و"ضُربوا"، و"ضُربنّ"، "ضُربَ" هذا للواحد، و"ضُربتْ" هذه الواحدة، و"ضُربا" هذان الاثنان، و"ضربتا" طبعًا للغائبتين، و"ضُربوا" للغائبين، و"ضُربنّ" للغائبات، والله أعلم بالصواب، هذا آخر ما يُقال في باب النائب عن الفاعل.

ص: 144