المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب الحال - شرح الآجرومية - حسن حفظي

[حسن حفظي]

الفصل: ‌ باب الحال

ننتقل بعد هذا إلى‌

‌ باب الحال

قال المصنف: (بَابُ اَلْحَالِ اَلْحَالُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا" وَ"رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ مُسْرَجًا" وَ"لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ رَاكِبًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) قد يؤخذ على المصنف بعض ما في هذا التعريف.أولاً: قوله الحال هو الاسم، لا يكون الحال دائماً اسماً، لكن الغالب أن يكون الحال اسما بل قد يكون الحال جملة وقد يكون الحال جاراًَ ومجروراً وقد يكون الحال ظرفاً، فقوله الحال هو الاسم قد يؤخذ عليه ذلك، لكن قد يعفيه من هذا المأخذ أن الغالب في الحال أن يكون اسماً مفرداً الغالب في الحال أن يكون اسماً مفرداً، قد يؤخذ عليه أيضاً قوله المنصوب، لأن هذا حكم الحال ويقولون إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكان الأصل أن يصور لنا الحال ثم يذكر حكمه ويقول حكمه أنه منصوب صحيح منصوب لاشك لكنه لا يذكر الحكم في التعريف وهذا مأخذ أخذوه على ابن مالك رحمه الله أيضاً إذ قال في ألفيته: الحال وصف فضلةٌ منتصبُ فذكر الحكم في التعريف فأخذوا عليه، من أي ناحية أخذوا عليه قالوا إن معرفة الحكم تتوقف على معرفة الحال ومعرفة الحال متوقف على معرفة الحكم، فيجيء ما يسمى بالدور، وهذا عند المناطقة أن يترتب معرفة كل شيء من الأمرين أو كل واحد من الأمرين على معرفة الأمر الآخر فما تصل إلى نتيجة تعريف ابن مالك أحسن نوعاً ما من تعريف صاحبنا هنا لأنه ذكر بعض أوصاف الحال فقال الحال وصف وقال الحال فضلة، الوصف المقصود به اسم الفاعل واسم المفعول واسم المشبه وما شاكل ذلك وهذا هو الكثير الغالب فيه وفضله يعني يمكن الاستغناء عنه وهكذا على كل حال صاحبنا هنا يقول الحال هو الاسم المنصوب فعلاً، حقه أن يكون منصوباً المفسر لما انبهم من الهيئات، ما انبهم ما غمض، ولم يتضح فيأتي الحال مفسراً لهذا الغامض، الغامض من أي شيء؟ من الذوات ولا من الأشكال؟ لا من الهيئات، وهي الأشكال، تقول قابلت زيداً ضاحكاً، أو مسروراً أو مغموماً أو باكياً فتبين هيئته أو راكباً أو ماشياً أو إلى آخره، تبين هيئة الذي قابلته وبعد فقولك قابلت زيداً راكباً من الراكب؟ أنت أو هو؟ يصح أن يكون الحال منك، وأن يكون الحال منه ولو قلت

ص: 249

قابلت زيداً راكبين يعني أنا وهو كل واحد منا راكب، ولو قلت قابلت زيداً راكباً ماشياً، فأيهما يكون لك وأيهما يكون له خذ القريب واعط القريب، وخذ البعيد واعط البعيد، فيكون الراكب هو زيد ويكون الماشي المتكلم قابلت زيداً راكباً ماشياً أنا أمشي وهو راكب لما لم نجعلها على الترتيب قال مادام أنك لابد أن تفرق بينهم فاجعل واحد منهم بجنب صاحبه والثاني خله بعيد اتركه بعيداً، هذا كلام طبعاً من اقتراح بعض المؤلفين يقول لابد أن تفرق فاجعل واحداً منهما للقريب وهو المفعول به واجعل الثاني للبعيد اجعل البعيد للبعيد والقريب للقريب.

الأمثلة التي ذكرها المصنف هي قوله: جاء زيد راكباً، راكباً هنا اسم فاعل وهذا هو الأصل في الحال والغالب في الحال أن يكون مشتقاً، وقد يكون جامداً ولكنه قليل وسيأتي له بعض الأمثلة إن شاء الله تعالى.

وكذلك قوله ركبت الفرس مسرجاً، هذا اسم مفعول، أما قوله لقيت عبد الله راكباً فكذلك عبد الله هنا هو إما أن يكون صاحب الحال التاء وإما أن يكون صاحب الحال هو عبد الله وفى الأولى جاء زيد راكباً زيد هو صاحب الحال بدون شك، لأن ما عنده أو ليس لا يوجد معه مفعول به، قال المصنف (وَلَا يَكُونَ اَلْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً) فعلاً الحال حقه أن يكون نكره لماذا؟ قال لأننا سنشترط بعد قليل أن صاحب الحال لابد أن يكون معرفة، فلو كان الحال معرفة وصاحب الحال معرفة، لتُوهم في بعض الأحيان أن المتأخر صفة للمتقدم لتشابههما في التعريف، فمن أجل هذا اشترط في الحال أن تكون نكرة، وهذا أغلب ما ورد في كلام العرب وقد وردت معرفة في بعض كلامهم فقالوا: ادخلوا الأول فالأول، الأول هذه حال مع أنها معرفة دخل عليها ال قال لأنك تؤل الأول الأول هذه تؤل اللفظين جميعهما بقولك ادخلوا مترتبين فتؤولها بنكرة قالوا ومنه قول الشاعر وهذا شاعر يحتج به:

فأوردها العراك ولم يزدها..... ولم يشفق على نغط الدخال

ص: 250

طبعاً هو هنا يتحدث عن شخص أورد إبله لتشرب وجعل بعضها يعرك بعضاً، ولم يشفق على بعضها من أنه لا يستطيع أن يشرب إذا كان ضعيفاً، وإنما أرسله وتركها تشرب.

الشاهد عندنا في قوله أوردها العراك، فإن العراك هنا حال، مع أنها معرفة لدخول ال عليها ولك في توجيهها واحد من الأمرين أن تقول إن ال هذه زائدة ويجوز وهو الأولى أن تقول إن كلمة العراك مؤوله بنكرة فيكون التقدير فيها فأوردها معتركة، أو متعاركة قال المصنف (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) وهذا منه إشارة إلى أن الأصل في الحال أن يكون متأخرا لكن يجوز أن تقدمه؟ نعم، يجوز أن تقول مثلاً قائماً رأيت زيداً، أو راكباً جاء عبد الله لا مانع لكن الأصل أن تكون متأخرة ولعل المقصود بكلامه هنا أنها فضلة، يعني إذا استوفت الجملة ركنيها الأساسيين الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر، فلا مانع أن تورد الحال وسواء أخرتها وهو الأصل أو قدمتها وهو جائز.

في قول الله عز وجل ? وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ ? [البقرة: 91] مصدقاً هنا جاءت حالاً وجاءت متأخرة وهذا هو الأصل لكن لو قدمت الحال على صاحبها أو على الجملة كلها فلا مانع كما ذكرته لكم في الأمثلة، ثم قال المصنف أيضاً، ولا يكون صاحبها إلا معرفة، أما لا يكون مطلقاً ففيه نظر لأن صاحب الحال يمكن أن يكون نكرة لكن لابد معه من مسوغ، والمسوغات كثيرة أذكر لكم بعضها.

ص: 251

يعني يجيء الحال معرفة هذا هو الأصل صاحب الحال أن يجيء معرفة هذا هو الأصل أن يجيء نكرة، يجوز دائماً لا بمسوغ نعم، يأتي صاحب الحال نكرة ولا مسوغ له نعم، متى نادراً، نادراً يأتي وربما في الضرورة الشعرية يأتي بدون مسوغ، ننتقل الآن إلى بيان المسوغات التي تجيز مجيء صاحب الحال نكرة يقولون من المسوغات أن يكون صاحب الحال موصوفاً إذا كانت نكرة موصوفة، فلا مانع أن تأتي بالحال منها، ومنه قول الشاعر:

نجيب يا رب نوحاً واستجبت له في فُلك ماخر في اليم مشحون مشحوناً هذه حال أين صاحبها؟ فُلك معرفة أم نكره؟ نكره، كيف ساغ لنا أن نأتي به صاحباً للحال وهو نكرة لأنه موصوف، أين الصفة قوله ماخر وقوله في اليم، موصوف بصفته، أيضاً المسوغ الثاني أن تتقدم الحال على صاحبه، النكرة حتى ولو لم يوصف، ومنه قول الشاعر:

لميت موحشاً طلل موحشاً هذه حال، وصاحب الحال هي كلمة طلل وهي جاء صاحبها متأخراً ونكرة لا إشكال.

من المسوغات أيضاً أن تقع النكرة مضافة، ومنه قول الله عز وجل ? فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ? [فصلت: 10] سواء هذه حال وصاحب الحال هو كلمة أربعة، وأربعة هذه نكرة وقد أضيف إلى كلمة أيام، فجاز مجيء الحال منها، يقولون أيضاً من مسوغات مجيء الحال من النكرة أن تكون مسبوقة بنفي، ويستشهدون له بنحو قول الله عز وجل ? وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ? [الحجر:4] جملة ولها كتاب معلوم هذه جملة حالية أين صاحب الحال هو كلمة قرية، قرية معرفة أو نكرة؟ نكرة، ما الذي سوغ مجيء الحال وصاحب الحال نكرة قال: تقدم النفي عليها.

من المسوغات أيضاً، تقدم النهي، النفي والنهي، النهي الآن ومنه قول الشاعر:

لا يركنن أحد إلى الإحجام...... يوم الوغا متخوفاً لحمام

ص: 252

لا يركنن أحد، أحد هذه نكرة ومتخوفاً هذه حال، وصاحب الحال هو كلمة أحد الذي سوغ مجيء الحال من النكرة، هنا هو تقدم النهي عليها.

من المسوغات تقدم الاستفهام على النكرة، يعني عندنا نفي ونهي واستفهام كل هذه مسوغات، من المسوغات تقدم الاستفهام، يستشهدون له بقول الشاعر:

يا صاح هل حم عيش باقياً....فترى لك العذر- أو لنفسك العذر - في إبعادها الأمل

هل حم عيش، عيش هو صاحب الحال وهو نكرة وقد جاءت الحال هنا وهي قوله باقياً، والسبب أو الذي جوز لنا ذلك هو أن صاحب الحال هنا سبق باستفهام، هذا شرح كلام المصنف في باب الحال، بقيت بعض الإضافات في باب الحال أذكر لكم بعضها، الأصل في الحال أن تكون متنقلة أو منتقلة يعني متغيرة ليست ثابتة، تقول قابلت محمداً ضاحكاً، ضاحكاًَ ليس كل وقت ضاحك، ممكن أن يكون حزيناً ممكن أن يكون كذا ممكن أن يكون كذا، لكنك هذا الأصل في مجيء الحال أن تكون منتقلة يعني أن تكون متغيرة الأحوال ولا تقول قابلت محمداً طويلاً، أو قصيراً أو كريماً أو شريفاً أو بخيلاً، ما تقول هذا لماذا لأن الأصل في هذه الأشياء أنها ثابتة لكن يقولون قد ترد الحال ثابتة غير منتقلة قليلا ويستشهدون له بنحو قول الله عز وجل ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ? [آل عمران:18] الله سبحانه وتعالى قائم بالقسط دائماً، وقد جاء الحال هنا، جاءت الحال هنا حالاً ثابتة مستمرة فلم تتغير وهذا أجازوه ولكنه قليل وليس كثيراً، يقال أيضاً من أوصاف الحال أن الأصل فيها أنها مشتق، وقد تأتي جامدة المشتقة سبق أمثلتها كثيرة، أما الجامدة فإنها يعني وردت لكنها لابد أن تؤولها بالمشتق وذلك مع وروده قليلٌ جداً، قالوا ومنهم قولهم: ادخلوا رجلاً رجلا، رجل هذه جامدة وقد وقعت حالاً هنا قالوا تأويلها مترتبين أو

ص: 253

متتابعين أومتتالين هذه كلها مشتقة أولناها بمشتق.

من أوصافها أيضاً أنها نكرة دائماًَ وقد مر بيانه إن وقعت الحال معرفة وجب تأويلها بالنكرة من صفات الحال أنها نفس صاحبها في المعني، فإذا قلت جاء الطلاب مسرعين فالمسرعون هم الطلاب، وهذه بعض الصفات ذكرتها لكم في هذا الباب وأيضاً بقي من الصفات ما سنذكره لكم إن شاء الله في حلقة أخرى، ونتقبل الآن الأسئلة منكم، إذا كان لديكم أسئلة متعلقة بهذا الموضوع أو بغيره، تفضل.

سأل أحد الطلبة:

جزاكم الله خير وبارك الله فيكم، في قول الله عز وجل ? وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ? [التوبة: 25] هل يوم هنا جاءت للظرفية؟

أجاب الشيخ:

نعم وقد تكون يا أخي في بعض الأحيان، قد يقدرون لها فعلاً ينصبها على أنها مفعول به وقد يكون في هذه الآية من هذا الباب، يقولون واذكر يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم، ويمكن أن تكون متضمنة لمعنى في فيقول وفى يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم، لكن الظاهر لي والله أعلم أنها في هذا المقام مفعول به لفعل محذوف وهذا يرد كثيراً مع إذ، إذ تدل على الظرفية ويقولون في كثير من الأحيان وإذ قال موسى لقومه كذا وكذا، وإذا كذا، وإذ، يقولون واذكر إذا قال، واذكر إلى آخره، فلعل هذا هو المقصود والله أعلم بالصواب.

سأل أحد الطلبة:

جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، هل هناك ضابط لمعرفة العالمية مع العجمة، هل هناك ضابط لمعرفتها؟

أجاب الشيخ:

ص: 254

والله هذا بالرجوع إلى ما قالته المعاجم، المعاجم تورد في كثير من الأحيان أصل هذه الكلمة، وتبين لك هل هي يعني منقولة من العجمية إلى العرب أو أنها يعني أنها من أصل كلام العرب، وفى الغالب هناك ضوابط يذكرونها أنه إذا كانت الكلمة مثلاً مكونة من خمسة أحرف وسطها زاي أو وسطها صاد أو وسطها نون مثلاً فهذه ليست بعربية يقولون أحياناً فلولا بعض الضوابط، التي تدل على أن الكلمة أعجمية وهناك بعض كتب يعني أُلفت عن المعرب، منها كتاب اسمه المعرب للجواليقي قد يذكر بعض هذه الأصول التي سألت عنها وتكون الرجوع إلى المعاجم يعني كافياً في هذا المجال، قد يكون كافياً في هذا المجال لكن لا بأس من الرجوع لمثل هذا الكتاب، فهو قد ينبئك بالمقصود، نعم.

في شروط أو في أوصاف الحال ذكرنا بعض الأشياء ولكن الظاهر أن الوقت انتهى فلذلك نقف عند هذا الحد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

ص: 255