الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يبدأ المصنف رحمنا الله وإياه في الحديث عن
باب كان وأخواتها
، فيقول (فَأَمَّا كَانَ وَأَخَوَاتُهَا،
فَإِنَّهَا تَرْفَعُ اَلِاسْمَ، وَتَنْصِبُ اَلْخَبَرَ) ، المقصود بالاسم هنا المبتدأ، الذي كان مبتدءًا صار اسمًا لكان، يعني لا تعربه مبتدءًا لأنه لم يصر في بداية الكلام، بل صار هنا اسمًا لكان أو اسمًا لإحدى أخواتها، وصار مرفوعًا، وعند إعرابه تقول هذه الكلمة اسم كان مرفوعة وعلامة رفعها الضمة مثلا أو الألف أو الواو حسب ما يكون.
وأما الخبر فإنه يكون منصوبًا في هذا الباب، ومن ذلك قول الله عز وجل ? وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ? [النساء: 134] ، فـ"كان" هذه فعل ماضٍ ناقص ناسخ، إذا اكتفيت ببعضها فقلت فعل ماضٍ ناقص يكفي، لو قلت ناسخ لا بأس لأنه نسخ الحكم الموجود قبلها وهو أن المبتدأ والخبر كانا مرفوعين فصار واحدًا منهما مرفوعًا وصار الآخر منصوبًا، فـ"كان" فعلٌ ماضٍ ناقص، ولفظ الجلالة اسمها مرفوع، و ?سَمِيعًا ? خبرها منصوب.
يُقال عن هذا الباب كله إنه الأفعال الناقصة، ولا خلاف في شيءٍ منها إلا في كلمة واحدة وهي كلمة "ليس"، فإن بعضهم يرى أنها حرف، وذلك لجمودها، لأنه لا يأتي منها لا مضارع ولا أمر، فبعضهم يرى أنها حرف لذلك، والصواب الذي نعتد به أنها فعلٌ ناقص، ودليلنا على فعليتها إلحاق تاء التأنيث بها، كقولك "ليست هندٌ حاضرةٌ"، وكقولك "لستُ موجودًا"، أو "لستُ غائبًا"، فإلحاق التاء أكبر دليلٍ على أنها فعلٌ وليست حرفًا، لأن التاء لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، وهذا دليلٌ واضح على فعليتها.
ثم قال المصنف رحمنا لله وإياها (وهي) ، الآن بدأ يعدد أخوات "كان"، فقال (وَهِيَ كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ، وَلَيْسَ، وَمَا زَالَ، وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ، وَمَا دَامَ) ، وانظر بارك الله فيك إلى الفرق في كلامه، فإن الأول منه لم يقل في بدايته "ما"، وأما الأخير وهو من قوله "ما زال" إلى الأخير بدأه بحرف النفي "ما"، وهذا دليلٌ على أنه يُشترط في أربعة أفعالٍ منها أن تكون مسبوقةً إما بنفيٍّ أو بشبه النفي، وشبه النفي هو النهي والدعاء، وإلا فلا تعمل هذا العمل، الذي هو عمل كان وأخواتها.
فأما الأفعال الأولى التي ذكرها فهي (كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ، وَلَيْسَ) ، هذه لا تحتاج إلى قيدٍ ولا شرط، بل تعمل هذا العمل مباشرةً، سواء كانت منفية أم غير منفية، أما "ليس" فما يمكن أن تكون منفية لأنها هي متضمنةٌ للنفي، وأما "كان" فتدل على حدوث شيءٍ في الزمن الماضي، و"أمسى" على حدوثه في وقت المساء، و"أصبح" على حدوثه في وقت الصباح، و"أضحى" في وقت الضحى، و"ظل" يقولون إنها خاصّةٌ بالنهار، يعني حصل هذا العمل في وقت النهار، و"بات" يقولون هي خاصّةٌ بالليل، ومما يدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فإنه لا يدري أين باتت يده) ، فهذا لا يُطلق في "بات" إلا على المساء، وكذلك "صار" تدل على التحول، وأما "ليس" فهي دالة على النفي.
ثم نأتي إلى الأفعال الأخيرة التي يُشترط فيها تقدم النفي أو شبهه، وهي أربعة، و" دام" لها شرطٌ آخر سنذكره إن شاء الله، أما الأربعة التي يُشترط فيها تقدم النفي أو شبهه فهي "زال" و"فتئ" و"انفك" و"برح"، هذه لابد ن يتقدم عليها نفي، أو شبه النفي وهو الدعاء كما قلتُ أو النهي، أما دام فإنه يُشترط لعملها هذا العمل أن تكون مسبوقةً بـ"ما" المصدرية الظرفية، وسنذكر بعض الأمثلة إن شاء الله لهذه الأفعال نتتبعها واحدةً واحدةً.
لكن نذكر ما ذكره المصنف هنا في قوله (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ كَانَ، وَيَكُونُ، وَكُنْ،
وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وَأَصْبِحْ، تَقُولُ "كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، يقول لا يلزم أن يكون الفعل هنا بلفظ الماضي، بل لا مانع أن يعمل هذا العمل وهو بلفظ المضارع، أو بلفظ الأمر وخاصة في الأفعال التي تتصرف، لأن بعضها لا يتصرف، فأما الذي لا يتصرف وهو "ليس" فلا نحتاج إلى شيءٍ، لكن الأفعال المتصرفة لا يضير أن تكون لفظ الماضي أو المضارع أو الأمر أو حتى لو كانت بلفظ
اسم الفاعل أو اسم المفعول أو غيره، لا يضر، فهي تعمل هذا العمل.
من شواهد إعمال هذه الكلمات أو هذه الأفعال قول الله عز وجل ? ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ? [البقرة: 196] ، انظروا بارك الله فيكم إلى ? يَكُنْ ?، فإنها طبعًا ليست بلفظ الماضي، وإنما هي بلفظ المضارع، وقد عملت هذا العمل، و ? أَهْلُهُ ? هنا هي اسمها وهو مرفوعٌ بالضمة، أما ? حَاضِرِي ? فهو خبرها، طبعًا ? حَاضِرِي ? أصله " حَاضِرِينَ"، ولكن للإضافة تُحذف النون، فهو خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء، أما من شواهد "أمسى" قول الشاعر:
فمن يكن أمسى بالمدينة رحلُه فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
" أمسى بالمدينة رحلُه"، "أمسى" فعل ماض ناقص، "بالمدينة" جار ومجرور خبر مقدم، "رحلُه" اسم "أمسى" مؤخر، وهنا كما ترون تقدم خبر "أمسى" على اسمها، وهذا لا إشكال فيه، وفي كثيرٍ من منها لا إشكال في تقدم الخبر على الاسم أو توسط الخبر بين الفعل والاسم، ولا إشكال في كثيرٍ منها، بل تقدمه عليها، يعني تقول "نائمًا كان عبدُ الله"، أو "نائمًا كان زيدٌ"، فتُقدم الخبر على "كان" وعلى اسمها، لا مانع، ومن شواهد "أصبح" قول الله عز وجل ? وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ? [القصص: 10] ، ? أَصْبَحَ ? فعل ماضٍ ناقص، ? فُؤَادُ ? هذا اسمها، ? فَارِغًا ? هذا خبرها، أما "أضحى" فمن شواهده قول الشاعر:
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لُقيانا تجافين
" أضحى التنائي"، "أضحى" هذا فعلٌ ناقص، و" التنائي" هذا اسمها، و"بديلا" هذا خبرها، طبعًا "التنائي" هنا ساكن الآخر لأنه اسم منقوص، فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، هذه "أضحى"، أما "بات" فمن شواهدها قول الشاعر:
بات يعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر
فـ"بات" هنا فعلٌ ناقص، واسمها ضميرٌ مستترٌ يعود على المذكور في البيت قبله، و" يعشيها" هذه الجملة واقعة في محل نصب خبر "بات"، أما صار فمن شواهدها قول الرسول
صلى الله عليه وسلم (فيُميتهم إماتةً حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة) ، (صارَ) واسمها الواو ضمير في محل رفع، و (فحمًا) هذا خبرها، أما "ليس" فمن شواهد إعمالها هذا العمل قول الله عز وجل ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: 6] ، هذه ? لَيْسَ ?، وخبرها الجار والمجرور متقدم هنا، و ? طَعَامٌ ? اسمها مؤخر.
ننتقل الآن إلى الأفعال التي تحتاج إلى سرد، وهي أن يتقدم عليها نفيٌّ أو شبهه، وهي أربعة، نعيدها مرة
ثانية "زال" و"فتئ" و"برح""انفك"، هذه لابد أن يتقدم عليها إما نفي وإما شبهه، انظروا إلى قول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
" لا زال منهلا بجرعائك القطر"، "لا" هنا دعائية، و"زال" هي الفعل الناقص، و"منهلا" هذا خبرها مقدم، و"القطر" هذا اسمها مؤخر، فقوله "لا زال" هنا فعلٌ ماضٍ كما رأيتم ومسبوقٌ بلا الدعائية، وهذا مستوفٍ للشروط، أما "انفك" وما يليها فسنؤجلها لوقتٍ آخر لنتحدث عنها، ونستمع الآن إلى الأسئلة منكم إذا كان لديكم أسئلة متعلقة بالموضوع.
سأل أحد الطلبة:
? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ ? [الغاشية: 6] ، هل الخبر هنا مقدم وجوبًا؟
أجاب الشيخ:
لا يلزم، ممكن أن تؤخر الخبر.
سأل الطالب:
فماذا نقول؟
أجاب الشيخ:
يمكن أن تقول "ليس طعامٌ لهم"، وإن كان "طعام" هنا نكرة وتحتاج إلى مسوغ لأنها كانت أصلها مبتدءًا
والمبتدأ يحتاج إلى مسوغ، لكن لا مانع، لأن كلمة "طعام" ما دام دخلت عليها "ليس" فإن "ليس" تحتاج إلى اسمٍ وخبر، واسمها سيكون مرفوعًا، فمادام مرفوعًا فلا إشكال فيه.
سأل أحد الطلبة:
هل يُشترط المطابقة في المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع؟
أجاب الشيخ:
نعم، بدون شك، هذا من شروط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين إفرادًا وتثنيةً وجمعًا، ولا يصلح أن يكون المبتدأ مُثنًّى فتُخبر عنه بالمفرد، أو يكون المبتدأ جمعًا فتخبر عنه بالمثنى، لابد أن يكون هذا متسقًا لأنه حتى بعض الأحيان يشترطون إذا كان الخبر مشتقًا يرون أنه يتحمل الضمير الذي يعود على المبتدأ، فلابد أن يكون الضمير مطابقًا للمبتدأ.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ، جزاكم الله خيرًا، ذكرتَ في الأفعال هذه أن فهيا المتصرف وغير المتصرف، ومن الأفعال التي لا تنصرف "ليس"، أما "دام" هل الصحيح فيها أنها لا تنصرف أم تنصرف؟
أجاب الشيخ:
"دام" فيها خلاف هل هي متصرفة أم هي جامدة، ولكن الصحيح أنه يجوز استعمالها ـ إذا استوفت الشروط ـ وهو تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها يصح أن يأتي منها الماضي والمضارع، أما الأمر فلا يأتي، لأنه لابد من تقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها، فهي متصرفة تصرفًا جزئيًّا، بعضهم لا يجيز حتى صيغة الفعل المضارع ويُلزم أن تكون بصيغة الماضي فقط.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم، لماذا سُميَّت أفعال كان وأخواتها وإن وأخواتها وظن وأخواتها أفعالا ناقصة؟
أجاب الشيخ:
سُميت هذه الأفعال أفعالا ناقصة لأنها لا تكتفي بمرفوعها، لا تكتفي بالفاعل، تعرفون أن الأفعال في
الأصل لابد لكل فعلٍ من فاعل، فإذا قلتَ "قام محمدٌ" هذه جملة تامة، لكن إذا قلتَ "كان محمدٌ" فهي لا تزال تحتاج إلى شيءٍ يكملها، فمن أجل هذا نقول إنها ناقصة تحتاج إلى تكملة لهذا الأمر.
ونكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.