الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ننتقل بعد هذا إلى بابٍ جديدٍ وهو
باب إنّ وأخواتها
، قال المصنف (وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ) ، كما ترون عملها عكس عمل كان وأخواتها، لأن في كان وأخواتها كان الاسم هو المرفوع والخبر هو المنصوب، أما هنا فبالعكس، إن وأخواتها يكون اسمها منصوبًا ويكون خبرها مرفوعًا.
ثم قال ابن آجروم رحمه الله (وهي) يعني يعدد الآن إن وأخواتها، فيقول (وَهِيَ: إِنَّ، وَأَنَّ، وَلَكِنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ، تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَلَيْتَ عَمْرًا شَاخِصٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مثل لنا
بمثالين، أحدها لـ"إن" والآخر لـ"ليت"، وعليك أن تقيس، وهنا فيه اختلاف بينها وبين كان وأخواتها من حيث توسط الخبر ومن حيث تقدم الخبر عليها، فأولا بإجماع لا يجوز تقدم أخبارها عليها، أما توسط الخبر بين "إن" واسمها أو "ليت" واسمها أو "لعل" واسمها فإنه جائزٌ بشرط أن يكون إمّا ظرفًا وإما جارًا ومجرورًا، وإذا كان غير ذلك فلا يجوز، فلا يجوز أن تقول "إنّ مجتهدٌ زيدًا"، هذا بإجماع، ويجوز أن تقول "إنّ في الدار زيدًا"، تقدم خيره وهو جار ومجرور، قال الله عز وجل ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ? [المزمل:12] ، فـ ? لَدَيْنَا ? هذا هو خبر ? إِنَّ ?، و ? أَنْكَالًا ? هو اسمها وقد تأخر، ولا إشكال فيه لأن الخبر هنا ظرف، أما لو كان غير ظرفٍ فبإجماع لا يجوز، هذا فارقٌ دقيقٌ بين كان وأخواتها وإن وأخواتها.
هنا كانت المسألة مفتوحة من حيث توسط الخبر، سواءٌ أكان ظرفًا أم غيره، أما هنا فلا يجوز أن يتوسط الخبر إلا إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، ولا يجوز تقدمه مطلقًا وبإجماع لا خلاف في ذلك.
مثل لنا بمثالين فقال "إن زيدًا قائمٌ"، "إنّ" حرف توكيد ونصب، ويمكن أن تقول "إنّ" حرفٌ ناسخ، هذه كلها حروف، وهناك أفعال في باب كان وأخواتها، أقول "إنّ" حرف ناسخ، أو "إنّ" حرف توكيد ونصب، "زيدًا" اسمها منصوب، "قائم" خبرها، ومثله قولك "ليت عمرًا شاخصٌ"، فـ"ليت" حرفٌ ناسخ، وعمرًا اسمها، وشاخصٌ خبرها.
قال المصنف (وَمَعْنَى إِنَّ وَأَنَّ لِلتَّوْكِيدِ) ، أما "إنّ" فبإجماعٍ أنها تدل على التوكيد، وأما "أنّ" فبخلافٍ، فيها خلافٌ هل تدل على التوكيد أو لا تدل على التوكيد، من شواهد "إنّ" قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان (إنّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم) ، فأبغض هنا اسم "إنّ"، و"الألدُّ" خبرها، و"الخصم" يمكن أن تجعلها خبرًا ثانيًا ويمكن أن تجعلها صفةً لـ"الألد"، وقال الله عز وجل، وهذا شاهدٌ لإعمال "أنّ"، قال الله عز وجل ? أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ? [مريم:83] ، فـ"أنَّ" هذه من أخوات "إنّ"، وهي ناسخة، و"نَا" اسمها ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب، وقوله سبحانه ? أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ ? هذه الجملة واقعة في محل رفع خبر "أنَّ".
قال المصنف (وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ)، ومن شواهدها قول الله عز وجل ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? [يونس: 44] ، فـ ? النَّاسَ ? هنا اسم ? لَكِنَّ ? منصوب، وجملة ?
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? فـ ? أَنْفُسَهُمْ ? مفعول ? يَظْلِمُونَ ? مُقدّم، فـ ? أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? هنا في محل رفع خبر ? لَكِنَّ ?، و ? لَكِنَّ ? هنا حرفٌ يدل على الاستدراك، وهذا معناه الذي ذكره المصنف.
مما يُقال في ? لَكِنَّ ? بعضهم يرى أنها حرفٌ واحدٌ، وبعضهم يقول لا، إنها مركبة من حرفين، من "لا" النافية و"كأنّ" وخُففت بحذف الهمزة، والصواب أنها حرف واحدٌ، ولذلك لا نحتاج إلى تطويلٍ في هذا الموضوع.
أما "كأنَّ" يا أيها الأحباب فهي حرفٌ يدل على التشبيه، كما قال المصنف هنا، من شواهدها قول الله عز وجل ? وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ? [القصص: 82] ، ? وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ ?، ? كَأَنَّ ? حرفٌ ناسخٌ، ? اللَّهَ ? لفظ الجلالة اسمها منصوب على التعظيم، ? يَبْسُطُ الرِّزْقَ ? هذه الجملة في محل رفع خبر ? كَأَنَّ ?، و"كأنّ" كما ترون دالة على التشبيه.
قال المصنف أيضًا (وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي، وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي) ، فما الفرق بين التمني والترجي، التمني طلب ما يستحيل حصوله أو ما يبعد حصوله، التمني طلب المستحيل أو ما يبعد حصوله، وأما الترجي فهو طلب ما هو قريب الحصول أو ممكن الحصول أو متوقع الحصول أيضًا، من شواهد ذلك قول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال (ليت رجلا من أصحابي صالحًا يحرسني الليلة) ، فـ (رجلا) هذا اسمها، و (من أصحابي) هذه جار ومجرور صفة لرجل، و (صالحٌ) صفة ثانية، وجملة (يحرسني) في محل رفع خبر (ليت) .
من شواهد "لعل" قول الله عز وجل ? اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ? [الشورى: 17] ، فـ ? لَعَلَّ ? حرف ناسخ، و ? السَّاعَةَ ? اسمها، و ? قَرِيبٌ ? خبرها.
لا بأس أن نذكر في ختام هذا الموضوع ما يتعلق بـ"لعل" من ما ذكره المرادي في كتابه، قال المرادي: و"لعل" لها ثمانية معانٍ، أولها كما ذكرنا قبل قليل الترجي، ومنها قولك "لعل الله يرحمنا"، ففي هذا المثال رجاؤك رحمة الله، المعنى الثاني من معانيها الإشفاق، كقولك "لعل العدوَّ قادم"، فأنت تتوقع وصوله أو تخاف منه أو تشفق منه فتقول ذلك، من معاني "لعل" التعليل، ومنه قول الله عز وجل على سبيل المثال، وهو كثير ـ ? وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? [البقرة: 150] ، أي "ولتهدوا" والله أعلم، من معانيها كما ذكر المرادي الاستفهام، ومنه وقول الله عز وجل ? وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ? [عيسى: 3] ، قال لأن المعنى هنا "وما يدريك هل يزكّى"، فكأنها دالة على الاستفهام في هذه الآية الكريمة، قال ومن معانيها الشك، ومنه أن تقول وأنت شاكٌّ في مجيء شخص "لعله يجيء"، أنت تشك في مجيئه، وهذه بعض المعاني التي أوردها المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني"، وهو كتابٌ قيم ذكر فيه الحروف عمومًا وخاصة التي لها معانٍ متعددة أو مختلفة، منها حروف الجر، منها إنّ وأخواتها، منها "إلا" وهكذا، ذكر لها معاني متعددة.
هذه إنّ وأخواتها وقد انتهينا من الحديث فيها، ولا إشكال فيها إلا من ناحية تقدم أخبارها عليها كما ذكرتُ لكم أنه لا يجوز بإجماع، ومن ناحية توسط أخبارها بينها وبين أسمائها، وإلا فلا إشكالات فيها والحمد لله رب العالمين.