المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثاني الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على - شرح الآجرومية - حسن حفظي

[حسن حفظي]

الفصل: ‌ ‌الدرس الثاني الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على

‌الدرس الثاني

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نبدأ في هذه الحلقة مستعينين بالله عز وجل، كنت وعدتُ في الحلقة الماضية أن نتحدث في أطوار التأليف في هذا النحو، ولكني نسيتُ، فنتحدث بإيجاز في بداية هذه الحلقة عنه أطوار التأليف في هذا العلم، ثم ننتقل بعده بإذن الله تعالى إلى شرح ما تيسر من المقدمة الآجرومية.

أطوار التأليف في هذا العلم تبدأ من بداية عصر أبي الأسود الدؤلي، ويُقسمونها أربعة أقسام:

الطور الأول: هو طور الوضع والتكوين.

الطور الثاني: هو طور النشأة والنمو.

الطور الثالث: هو طور النضج والكمال.

الطور الرابع: هو طور البسط والتوسع في التأليف، البسط في هذا العلم وشرحه، وذكر التفاصيل الموجودة فيه، هذا هو آخر الأطوار المعتد بها في التأليف.

وإلا لا يزال إلى الآن يؤلف في هذا العلم، صحيح أنه الآن لا يوجد قواعد جديدة يؤلفها الناس،

لكنهم يوازنون بين ما مضى من قواعد وما مضى من تأليفات، ويرجحون بعض الأقوال بوجود

أدلة جديدة أو نحو ذلك.

نتحدث عن هذه الأطوار تحدثًا يسيرًا وسريعًا إن شاء الله تعالى.

ص: 16

أما الطور الأول فهو طور الوضع والتكوين وهو بصريٌ خالصٌ، ويبدأ من أول عصر أبي الأسود الدؤلي وينتهي بأول عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي، أي ما يقارب قرنًا من الزمان، لم يكن للنحويين الكوفيين في هذا الوقت شروعٌ في التأليف في هذا العلم، وإنما كان المؤلفون كلهم من البصرة، وأما الكوفيون فقد نفعونا نفعًا كبيرًا في هذا الوقت، وهو أنهم كانوا يجمعون كلام العرب، صحيح أنهم جمعوا أحيانًا الغث مع السمين، لكنهم تفرغوا في هذا الوقت كله إلى جمع كلام العرب من أماكن متعددة من القبائل العربية، وأخطئوا خطأً يسيرًا في أنهم اعتمدوا على بعض القبائل التي اختلطت بالأعاجم أو التي كانت في أطراف الجزيرة العربية، لكن الغالب في ما جمعوه في الفترة الأولى حينما كانوا مشغولين بجمع الأخبار والأشعار الغالب فيه أنه يمكن أن يُعتد به ويُبنى عليه القواعد الصحيحة السليمة. هذا هو الطور الأول، قلنا طورٌ بصريٌّ يبدأ من عصر أبي الأسود، وينتهي بأول عصر الخليل.

ويقسمون هذا الطور الأول طبقتين:

الطبقة الأولى: من أبرزهم أُناسٌ ممن قيل إنهم هم الذين بدؤوا في التأليف في النحو، وأبرزهم أربعة، ويُقال يُنسب إلى كل واحدٍ منهم أنه هو الذي بدأ في التأليف في علم النحو. واحد اسمه عنبسة بن معدان الفيل، الثاني اسمه نصر بن عاصم، والحقيقة أنه الذي قام بضبط المصحف بالحركات، ولكنه ليس هو المؤلف أو البادئ الحقيقي لهذا العلم، الثالث عبد الرحمن بن هُرمز، الرابع يحيى بن يعمر. هذه هي الطبقة الأولى، وكثير من الناس يقولون إن هؤلاء الأربعة هم الذي بدؤوا التأليف في هذا العلم.

ص: 17

الطبقة الثانية من الطور الأول: أبرز علمائها عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى ابن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، وكلهم لم يصل إلينا شيءٌ من مؤلفاتهم، وإن كان يُنسب إلى أبي عمرو بن العلاء كتاب في القراءات، وهو واحدٌ من القراء السبعة كما تعلمون، ويُنسب إلى عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي كتاب أسماءه "الهمز"، يعني تصريفات الهمزة، ويُنسب إلى عيسى بن عمر كتابان، واحد اسمه الجامع، وواحد اسمه الإكمال، وقد عنهما الخليل بيتين من الشعر:

ذهب النحو جميعًا كله غير ما ألف عيسى بن عمر

ذاك إكمالٌ وهذا جامع فهما للناس شمسٌ وقمر

على كل حال هذا هو الطور الأول، وللأسف لم يصلنا ـ فيما أعلم ـ من كتب هذا الطور شيءٌ.

الطور الثاني: وهو طور النشأة والنمو، هذا بدأ الكوفيين فيه يشاركون البصريين في التأليف، وكانوا في بداية هذا العصر لا توجد بينهم مناقشات ولا محاورات ولا شيءٌ، يعني كانوا إخوانًا يتعلم بعضهم من بعضٍ، ويتعلم الكوفيون من البصريين الأوائل.

وهذا الطور يبدأ بالنسبة للبصرة بعصر الخليل بن أحمد، وبالنسبة للكوفة يبدأ بأبي جعفر الرؤاسي، وينتهي بالنسبة للبصرة إلى عصر المازني، ويبدأ بالنسبة للكوفة من أبي جعفر الرؤاسي إلى ابن السكيت، في هذا الطور اشتركت المدرستان في التأليف، واشتركوا في بدايات الحوار والنقاش فيما بينهما، لكنه لم يقوَ، لأنهم لا يزالون إلى الآن ـ أعني الكوفييّن ـ يعترفون بأساتذتهم ويقدرونهم لأنهم أخذوا علمهم في النحو في بداية الأمر عن البصريين. هذا هو الطور الثاني.

ص: 18

أما الطور الثالث فهو طور النضج والكمال، وهو أيضًا بصريٌ كوفيٌّ، ويبدأ بالنسبة للبصرة من المازني وينتهي بالمبرد، المُتوفَّى سنة 286هـ، أما بالنسبة للكوفة فإنه يبدأ بعصر ابن السكيت وينتهي بعصر ثعلب أبي العباس. وبالمناسبة يا إخوان، يوجد عندنا شخصية مشهورة في الكوفة اسمها أبو العباس، وشخصية مشهورة أيضًا في البصرة اسمها أبو العباس، فإذا أُطلق اسم أبو العباس في البصرة فهو المبرد، وإذا أُطلق اسم أبو العباس في الكوفة فهو ثعلب. يوجد عندنا أيضًا شخصيتان متشابهتان، إحداهما بصرية

والثانية كوفية، البصري هو أبو عمرو بن العلاء، الكوفي هو أبو عمرو الشيباني، هذه

على الهامش.

المهم أنه في هذا العصر بدأت المدرستان يقوى عودهما، وبدأ التأليف على أشده، وبدأ أيضًا انفصال الصرف عن النحو، وانفصال ما يتعلق بالأخبار والأشعار في كتب أُخرى، يعني بدأ النحو يستقل بالتأليف فيه، وبدأ الصرف يستقل بالتأليف فيه، وبدأ شيءٌ مهمٌ جدًا وهو النقاش والحوار بين المدرستين، والتنافس الشديد، كلٌ يرغب أن يكون هو المقدم، ففي هذا العصر وهو طورٌ استوى فيه النحو وقام على سوقه وانفصل النحو عن الصرف وانفصل أيضًا ما يتعلق بالأخبار والأشعار فأُلفت لها كتبٌ مستقلة، ولم تعد

تدخل في مؤلفات النحويين هنا أو هناك.

ص: 19

الطور الرابع: هو ما يُسمى بطور الترجيح والبسط في التأليف، أيها الأحباب إن عاصمة الخلافة انتقلت إلى بغداد، واتجه العلماء وغير العلماء إلى بغداد، فأصبح من يُشار إليهم بالبنان في هذه العاصمة عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد، وليس كل هذا العصر وهو عصر البسط في التأليف والترجيح بغداديٌّ، بل هو يمتد إلى ثلاثة قرون أو أكثر، وصار يشمل مناطق متعددة، فصار موجودًا في بغداد، وفي الشام، وفي مصر، وفي الأندلس، طبعًا نحن نتحدث عن التأليف في هذا العلم، وصار المؤلفون هنا لا يأتون بقواعد جديدة كثيرة اعتمادًا منهم على القواعد السابقة، لأن القواعد السابقة مبنيّةٌ على ما سُمع من كلام الله عز وجل أولا، ما عُرف ما حُفظ من كتاب الله على ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعضهم يتردد في الاستشهاد بالحديث نظرًا لإجازة روايته المعنى، مع أننا نرى أن الاستشهاد بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُقدم عليه شيءٌ إلا القرآن الكريم.

لكن يجب أن يكون ثابتًا أن هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو قالوا إن من الأشياء التي يمكن أن يرد بها الاستشهاد بالحديث أن دخول الأعاجم في سند الحديث ربما كان سببًا فيمكن أن يُجاب على كل النقاط الذي ذكرت، هم ذكروا أربع نقاط رئيسية في سبب عدم الاستشهاد بالحديث:

أولها: إجازة روايتها بالمعنى، وهذا أقوى دليلٌ عندهم.

الثاني: دخول الأعاجم في سنده، يعني في سند الحديث.

الثالث: دخول ما يُسمى بالإدراج، يعني ألا يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يكون من كلام الراوي الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدليل الرابع: وجود أحاديث موضوعة وضعيفة، فيقولون هذه الأحاديث الموضوعة لا يمكن أن نستشهد بها لأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 20

والجواب عن الأول وهو الاستشهاد بالحديث إذا كان مرويًّا بالمعنى، نقول لهم إنهم اشترطوا في صحة رواية الحديث بالمعنى أن يكون هذا الراوي عالمًا بأصول اللغة، فاهمًا لما يحيل المعنى ولما يُمكن أن يُغيِّر في المعنى المراد، فإذا كان ذلك كذلك فإنهم أجازا رواية الحديث المعنى، وإلا فلا.

الثاني وهو دخول الأعاجم في سند الحديث، هذا يمكن أن يجاب عنه يا أيها الأحباب بأن هؤلاء الأعاجم سيكونون أحرص من أهل العربية نفسها على تأدية لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصهخوفًا من الوقوع في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الحديث رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كذب عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار) ، هذا لا يمكن إلى أن يحرف في الكلام خوفًا من أن لا يكون هو المعنى المراد الذي أراده صلى الله عليه وسلم فسيؤدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصه وفصه.

أما دخول الإدراج، فنقول من المدرج؟ المدرج إما صحابي وإما تابعي، وهؤلاء ممن تقولون إنه يُحتج بكلامهم، لنفرض أن هذا المدرج لم يتبين لنا هل هو من نص الحديث أم من المدرج، فنقول: المدرج هذا إنما هو صحابيٌّ، وأنتم تعتدون بقوله، لأنه في الوقت الذي لا زلتم تعتدون به، وإما أن يكون تابعيًّا، وكذلك أنتم تعتدون به، لأنهم حدّدوا إلى حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، وإلى حدود مائتان وخمسين من الهجرة في البادية، هؤلاء يُستشهد بكلامهم.

أما الدليل الرابع فهذا سهل الرد عليه جدًا وهو الأحاديث الضعيفة والموضوعة، نقول لهم إذا كان حديثًا موضوعًا فنحن معكم لا نقبله لأنه ليس حديثًا، مادام موضوعًا فليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن لا نحتج به، وكذلك الضعيف بقدر الإمكان نتوقى أن نستشهد به؛ لأنه قد يكون ليس حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 21

نعود لموضوعنا، أقول اعتمد النحويون في التأليف على القرآن الكريم، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشعر، وقد حددت لكم المدة التي يستشهدون فيها، وهي حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، ومائتين وخمسين من الهجرة في البادية، وأيضًا اعتمدوا على أصلٍ عظيمٍ جدًا يُسمى بالقياس، يقيسون ما لم يُسمع على ما سُمع، فإذا ورد شيء قد قاله من يُحتج بكلامه فإننا نقيس عليه ما يُشبهه من الأساليب الأخرى، فهذه الأصول التي اعتمدوا عليها في التأليف.

أقول مرة أخيرة الطور الرابع هو طور الترجيح والبسط في التأليف، وهو بغدادي شامي

مصري أندلسي، وقد كانت مهمة الناس في حينه هو النظر في المسائل والترجيح فيما بينها وتقوية الأدلة، أو سرد الأدلة إن كانت موجودة من قبل أو ترجيح بعضها على بعض أو زيادة أدلة مما جد فيما بعد مما لم يطلع عليه السابقون، وهذا يعني كنا نريد أن تكون مختصرة موجزة ولكنها طال الكلام بنا فيها فنبدأ بعون الله تعالى الآن في النظر في كتاب الأجرومية.

الآجرومية أولاً هذا العنوان، سمة لكتاب اسمه المقدمة الآجرومية، أو مقدمة في النحو لابن آجروم ومؤلفه هو محمد بن محمد بن داود الصنهاجي أبو عبد الله المشهور بابن آجروم، ومعناه يقولون بلغة البربر الفقير الصوفي، هذا معناه معنى كلمة آجروم بلغة البربر والمؤلف رحمه الله تعالى ألف لنا هذه المقدمة وتتابع الناس على شرحها، ونحن بإذن الله تعالى سنبدأ في شرحها مستعينين بعونه تعالى، وهذا الكتاب في الحقيقة كما ذكرت لكم قبل قليل أو كما ذكرت في الحلقة الماضية أنه قد تتابع الناس على شرحه وأذكر لكم بعض الشروح الآن التي ذكرها حاجي خليفة في كتابة كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون.

ص: 22

قال من الشروح التي ذكرها شرح ابن أبي إسحاق، شرح أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المعروف ببرهان الدين المتوفى سنة تسعمائة وستة عشر، وشرح حسن بن حسين الطولوني المتوفى سنة ثمانمائة وستة وثلاثين وشرح محمد بن محمد المالكي المعروف بالراعي الأندلسي المتوفى سنة ثمانمائة وثلاثة وخمسين وسماه المستقل بالمفهومية في شرح ألفاظ الآجرومية وشرحها أيضا الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة تسعمائة

وخمسة وله كتاب في إعرابها وعلى شرح الشيخ خالد الأزهري حاشية للعلامة أبي بكر بن إسماعيل الشنواني المتوفى سنة ألف وتسعة عشر، وللشنواني شرح مطول للآجرومية قال عنه حاجي خليفة:

جمع فيه نفائس الأقوال، ولا يزال الناس إلى الآن يتتالون ويتتابعون في دروس خاصة وفى دروس عامة وفى تأليف لشرح هذه المقدمة وذلك لأنها امتازت بوجزتها ووفائها بمعظم أبواب النحو، يعني يأتي بكلام موجز غير مخل، وفى الوقت نفسه يستوفي الحديث عن جميع الأبواب أو عن معظم الأبواب إذ لم نقل عن جميعها وسيتبن ذلك إن شاء الله تعالى، ومن آخر ما أعلمه أُلف من شروحها كتاب حاشية

الآجرومية للشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم المتوفى سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين من الهجرة ومن أوسع الشروح التي اطلعت عليها مقدمة شرح الشيخ أحمد بن على الرملي المتوفي سنة تسعمائة وواحد وسبعين، وقد حققه الدكتور على بن موسى الشوملى وعدد صفحاته مائتان وسبعون صفحة غير الفهارس وللأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد، شرح عنوانه التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية عدد صفحاتها مائة وثمانية وعشرون، وهذا الشرح شرح قيم وشرح طيب وشرح يمتاز بالتمثيل وبالسهولة واليسر، هذه حقيقة الشرح شرح الرملي أكبر وأوسع ومستوفى وشرح الشيخ أو الأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد شرح وافي إلى حد ما، وعدد صفحاته كما قلت لكم مائة وثمانية وعشرون صفحة وهذا يعني آخر ما يمكن أن يقال بالنسبة للشروح

ص: 23