المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التمييز . قال المصنف (اَلتَّمْيِيزُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ - شرح الآجرومية - حسن حفظي

[حسن حفظي]

الفصل: ‌ ‌باب التمييز . قال المصنف (اَلتَّمْيِيزُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ

‌باب التمييز

.

قال المصنف (اَلتَّمْيِيزُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا"، وَ"تَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا" وَ"طَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا" وَ"اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا" وَ"مَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً" وَ"زَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا" وَ"أَجْمَلُ مِنْكَ وَجْهًا") أول ما نقول في هذا الباب النظر إلى تعريفه فقد قال: تعريفه هو (اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ) لولا أن هذه الكلمة كلمة المنصوب موجودة في التعريف لما أخذنا عليه شيئاً ولكننا نأخذ عليه كلمة المنصوب كما أخذناها في باب الحال، لأن النصب حكم، والمفروض أن يتأخر الحكم حتى يتبين المحكوم عليه، لأنهم كما يقولون كما ذكرت سابقاً، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، أما قوله الاسم فهذا لا يقع التمييز إلا اسماً، وهذا من فوارق بينه وبين الحال، الحال تقع جملة وتقع شبه جملة، التمييز لا يقع إلا اسماً ما يقع غير هذا.

الفارق الثاني بين الحال والتمييز أن الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه جامد، الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه مشتق.

الفارق الثالث في التعريف موجود، أن الحال لبيان الهيئة وأن التمييز لبيان الذات، الغموض في الذات وليس الغموض في الشكل، هذا في باب التمييز أما هناك فإن الغموض في الهيئة فهو يبين الهيئة في الحال، أما هنا فهو يبين الذات لأنها هي التي غامضة، قال الله عز وجل ? إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ? [يوسف:4] التمييز هنا هو كلمة كوكب، والتمييز هنا جامد، ليس مشتقاً ليس أي نوع من أنواع المشتقات الغامض هنا ليس هيئة الأحد عشر وإنما هو ذات الأحد عشر لأننا ما ندري ما الذي رأى يوسف عليه السلام فلما قال كوكباً، تبين هذا الغموض الموجود في العدد، فالعدد هذا، هو الغامض ذاته وليست هيئة العدد هي الغامضة.

التمييز نوعان:

ص: 259

نوع منه يسمى بالتمييز عن مفرد وليس المقصود بالمفرد هنا خلاف المثنى والمجموع لا بل هو خلاف الجملة، والنوع الثاني من التمييز هو التمييز عن نسبة وبعضهم يقول هو التمييز عن جملة يعني أن التمييز عن المفرد يكون الغموض في هذا المفرد الذي توضحه أما التمييز عن جملة فتكون أركان الجملة لا غموض فيها ما فيها غموض لكن في إسناد بعضها إلى بعض يأتي الغموض، فيجيء التمييز ليفسر هذا الغموض.

من الفوارق بين التمييز والحال أن التمييز لا يتعدد بالعطف، التمييز ما يعتبر يعطف عليه، في حين أن الحال يمكن قال الله عز وجل ? فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ? [القصص:21] ولو قلت غير القرآن الكريم ويترقب ما في مانع، يعني وتقول أيضاً لقيت فلاناً كذا وكذا، تذكر له وصفين أو ثلاثة أوصاف، وكلها تعطفها بالواو ما في مانع هذا في الحال أما هنا فإنه لا يتعدد التمييز بواسطة العطف.

مما يذكر أيضاً من الفوارق بين التمييز والحال أن الحال يجوز تقديمها على صاحبها وعلى عاملها أما التمييز فإنه لا يجوز تقديمه على صاحبه ولا على عامله، إلا إذا كان العامل متصرفاً، إذا كان العامل فعلاً متصرفاً جاز تقديم التمييز عليه وهذا قليل، أيضاً لأن الأصل أيضاً أن يكون متأخراً ومما تقدم فيه التمييز على عامله قول الشاعر:

أنفساً تطيب بليل المنى..... وداعي المنون ينادي جهار

ص: 260

فقوله نفساً هذا تمييز، وقد تقدم على عامله وهو قوله تطيب، أنفساً تطيب، قلنا في بداية الأمر إنهم قسموا التمييز قسمين القسم الأول تمييز عن مفرد والقسم الثاني تمييز عن نسبة ومن أمثلة التمييز عن المفرد ما يجيء مع العدد إذا كان الغموض في العدد هذا تمييز عن مفرد كقول الله عز وجل كما ذكرنا قبل قليل ?إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ? هذه يسمونها تمييز عن مفرد صحيح أن أحد عشر ليست مفردة لكنهم ما يقصدون المفرد لخلاف المثنى والمجموع وإنما يقصدون المفرد الذي هو خلاف الجملة، أما التمييز عن النسبة، فإن أجزاء الجملة، لا غموض فيها، لكن الغموض في إسناد بعضها إلى بعض وانظر إلى قول الله عز وجل ? وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ? [مريم:4] الاشتعال معروف، والرأس معروف ولا إشكال فيها ليست غامضة لكن في إسناد الاشتعال إلى الرأس جاء الغموض، اشتعل ماذا؟ اشتعل نارا؟ اشتعل ماذا؟ فجاءت كلمة شيباً، لتميز، وتوضح وهذا معنى التمييز أصلاً التمييز هو التفسير أو التوضيح أو التبيين هذا معناه اللغوي، وانظر أيضاً إلى قول الله عز وجل ? وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ? [القمر:12] فجرنا واضحة والأرض واضحة ما فيها غموض، لكن في إسناد التفجير إلى الأرض جاء الغموض فوضِحت بقول الله سبحانه وتعالى ? عُيُوناً ? ويجعلون منه قوله زيد أكرم من عمر أباً زيد أكرم من عمر أباً قد يكون أكرم منه من ناحية الأخلاق، قد يكون أكرم منه في أي شيء آخر لكن لما قال أكرم من زيد أباًُ تبين أن المقصود يعني الغموض في النسبة هنا لكن ليست في زيد ولا في عمر ولا في أكثر وإنما هي في نسبة بعضها إلى بعض فجاء التمييز ليوضح الغرض.

ص: 261

من الأمثلة التي ذكرها المؤلف ("تَفَقَّأَ زَيْدٌ شَحْمًا") وهو مثل قوله أيضاً ("تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا") وهذه كلها من التمييز عن الجملة، أو كما ذكرت لكم قبل قليل التمييز عن النسبة يعني نسبة بعض الكلام لبعض أما في التصبب لا خلاف فيه لا غموض، وفي زيد لا غموض لكن في إسناد التصبب إلى زيد جاء الغموض أما يعني التمييز عن مفرد فمن أمثلته قول المصنف (اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا) العشرون هذه هي التي فيها الغموض وهذا يسمونه تمييز عن مفرد، وغلاماً ليوضح هذا الغموض الموجود في العشرين لأنه يمكن أنه اشترى عشرين سيارة اشترى عشرين كذا اشترى عشرين

حتى قال غلاماً فتبين نوع المشترى، يحسن التنبيه أيضاً إلى أن النحويين يجعلون تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع، تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع:

النوع الأول: العدد، يعني إذا كان الغموض في العدد فهذا يعدونه من تمييز المفرد، ومنه قول الله عز وجل ? وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ? [الأعراف:155] سبعين هذا هو الغامض فجاءت كلمة رجلاً لتوضحه، أيضاً مما يعدونه من تمييز المفرد، إذا كان الاسم المبهم يدل على المقدار، والمقدار إما مساحة وإما كيل وإما وزن، فالمساحة كقولك مثلاً اشتريت ذراعين قماشاً، وأما الكيل فنحو قولك بعت صاعاً براً، وأما الوزن فنحو قولك اشتريت رطلين عسلاً هذا كله من التمييز ويسمونه تمييز عن مفرد.

أيضاً النوع الثالث منه: ما يشبه المقدار، ويجعلون منه نحو قول الله عز وجل ? فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ? [الزلزلة:7] خيراً هنا تمييز ومثقال ذرة لا هو ميزان ولا هو مكيل ولكنه يشبه المقدار، يشبه المقدار.

ص: 262

أما النوع الرابع فهو يقولون ما كان فرعاً عن التمييز يقولون منه قولهم اشتريت خاتماً فضة، فالخاتم هنا فرع من الفضة، فرع منها فيقولون هذا نوع من التمييز مما ذكره المصنف قوله وهو يمثل للتمييز زيد أكرم منك أباً وأجمل منك وجهاً، وهذا ليس من تمييز المفرد، قد انتهينا من التمثيل للتمييز المفرد، هذا من النوع الثاني وهو التمييز عن النسبة، لأن الغموض كما ذكرت لكم ليس هو في زيد ولا في أكرم ولكنه في إسناد قوله أكرم إلى كلمة زيد وفى إسناد قوله أجمل إلى كلمة زيد، فهذا يسمونه تمييزاً عن النسبة، وقوله أباً هو التمييز، وقوله وجهاً هو التمييز، ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه، ولا يكون إلا نكرة، وهذا حق ولكنه الغالب، الغالب في التمييز ألا يكون إلا نكرة، ولكن هناك بعض الأمثلة يحتمل إعرابها تمييزاً وليست نكرة، يستشهدون لمثل ذلك بنحو الله عز وجل ? وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ? [البقرة:130] يقولون نفسه هنا يمكن أن تعرب تمييزاً وهي كما ترون نفس مضافة إلى الضمير والضمير معرفة، معناها أنها اكتسبت التعريف، ويقولون أيضاً رأيتك لما أن عرفت وجوهنا

ص: 263

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمر قالوا تقديره طبت نفساً، والنفس هنا دخلت عليها الـ فأما في الشعر في إشكال لأنه يمكن أن إنه للضرورة، ويمكن أن نقول إن الـ فيه زائدة، لأن التعريف هنا جاء بكلمة الـ أما في قول الله عز وجل ? إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ? فيمكن أن يجاب عنه بأن يقال الغالب أن يأتي التمييز نكرة وهذا قليل وقد جاء هذا من القليل، ولا يمتنع أن يرد الاستعمال القليل في القرآن الكريم لكنه ليس ممنوعاً بل هو صحيح فصيح، ويمكن كما ذكر بعض المفسرين والمعربين للقرآن الكريم أن تضمن معنى سفه معنى فعل آخر متعدد حتى تكون كلمة نفسه منصوبة بها وبعضهم يقول إن سفه بمعنى سفهه فتكون أيضاً نفسه هذه تكون مفعولاً لهذا الفعل الذي تضمناه معنى سفه والله أعلم بالصواب.

قال المصنف (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) هذه الجملة يا أيها الأحباب وردت في باب الحال ووردت هنا مرة ثانية، وأما التمييز فالغالب فيه أن يكون متأخراً عن المميز، ومتأخراً عن العامل هذا هو الأصل فيه، وتأخره هنا أكثر بكثير من باب الحال ولا نحفظ له شواهد، تقدم فيها إلا شواهد نادرة وقليلة، وذلك يشترطون فيه أن يكون العامل فعلاً متصرفاًَ ويستشهدون له بنحو قول الشاعر:

أنفساً تطيب بنيل المنى.... وداعي المنون ينادي جهار

فنفساً هنا هي التمييز وقد تقدمت على العامل وهو قوله تطيب، لكن العامل هنا فعل ومتصرف، فلا إشكال فيه، ويستشهدون له أيضاً بقول الشاعر:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها.....وما كان نفساً بالفراق تطيب

فنفساً هنا أيضاً تمييز وقد تقدم على العامل وهو قوله تطيب، وهذا آخر ما يقال في باب الاستثناء لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين.

ص: 264