الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الحادي عشر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين.
اللهم إنّا نسألك يا حي يا قيوم أن تيسر لنا أمورنا وتغفر لنا ذنوبنا، ونسألك يا حي يا قيوم أن تعلمنا ما
ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علمًا.
أيها الاخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في الخبر إذا كان جملة، قلنا في اللقاء الماضي إنه لابد أن تشتمل الجملة على رابطٍ يربطها
بالمبتدأ، هذا الرابط أنواع، النوع الأول والأقوى والكثير والغالب هو أن يكون الرابط ضميرًا، ومن ذلك
قولك مثلا "محمدٌ سافر أخوه"، فالهاء في قولك "سافر أخوه" هذه عائدةٌ على المبتدأ، وهي التي ربطت جملة
الخبر بالمبتدأ.
وقد يكون هذا الضمير مذكورًا وقد يكون مقدرًا، يوجد قراءة في قول الله عز وجل ? وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، فيها قراءةٌ أخرى، ? وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ? [النساء: 95] ، وتكون ? وَكُلٌّ ? مبتدأ، و ? وَعَدَ ? هذه جملة ليس فيها ضمير في ظاهر الأمر، ولكنه مقدر، والتقدير والله أعلم " وَكُلٌّ وَعَدَهُ اللَّهُ الْحُسْنَى"، ويقولون مثلا "العسل رطلان بدرهم"، هذا ليس مذكورًا فيه أي رابط، لكن الرابط مقدر، وتقديره "رطلان منه"، أي من العسل، فقد يكون الضمير مذكورًا، وقد يكون مقدرًا، هذا هو الرابط الأول، وهو أقوى الروابط وأكثرها شيوعًا.
الرابط الثاني الإشارة إلى المبتدأ، ومنه قول الله عز وجل ? وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ?
[الأعراف: 26] ، ? لِبَاسُ ? مبتدأ، و ? التَّقْوَى ? مضاف إليه، و ? ذَا ? اسم إشارة، واللام للبعد، والكفاف للخطاب، و ? خَيْرٌ ? خبر المبتدأ، طبعًا ? ذَا ? اسم إشارة مبتدأ ثاني، و? خَيْرٌ ? خبر المبتدأ
الثاني، وجملة ? ذَلِكَ خَيْرٌ ? خبر المبتدأ الأول، أين الرابط؟ هو الإشارة إلى المبتدأ في قوله ? ذَلِكَ ?، لأنه يشير إلى ? لِبَاسُ ?، هذا الثاني.
الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه في جملة الخبر، ومنه قول الله عز وجل ? الْقَارِعَةُ ?1? مَا الْقَارِعَةُ ?2? ? [القارعة: 1، 2] ، أُعيد لفظ المبتدأ في جملة الخبر، فـ ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ، و ? مَا ? اسم استفهام خبر مقدم، و ? الْقَارِعَةُ ? مبتدأ مؤخر، وجملة ? مَا الْقَارِعَةُ ? خبر المبتدأ الأول، والرابط هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر.
أحيانًا يكون الرابط العموم، يعني أن يكون في جملة الخبر لفظٌ أعم من المبتدأ، يعني يدخل المبتدأ ضمن هذا العموم، وذلك في نحو قولهم "محمدٌ نعم الرجلُ"، فـ "محمدٌ" مبتدأ، و"نعمَ" فعل ماضٍ جامد، و"الرجلُ" فاعلٌ لـ "نعمَ"، وجملة "نعم الرجلُ" خبر لـ "محمدٌ"، والرابط الذي ربط هو كلمة "الرجل"، لأن الرجل تعم محمدًا وتعم غيره، فصار بهذا هو الرابط، فالرابط قد يكون أيضًا العموم الموجود في جملة الخبر، وهذه هي روابط جملة الخبر بالمبتدأ.
أما الظرف والجار والمجرور فيقعان خبرين، ولكن لابد أن تكون مفيدة فائدة يحسن السكوت عليها، كقولك مثلا "عبد الله في المنزل"، و"عبد الله عندك"، لكن لا يجوز أن تقول مثلا "زيدٌ بك"، لأنها ما أفادت شيئًا، هو جار ومجرور صحيح، لكننا لم نستفد منه شيئًا، أما في قولك "محمدٌ عندك"، أو "زيدٌ في داره"، فهنا الظرف والجار والمجرور أفادت معنًى يحسن السكوت عليه.
وهنا خلاف بين النحويين في إعراب الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرين، كيف تعربهما؟ هل نقول الجار والمجرور هو الخبر؟ أو نقول مُتعلق الجار والمجرور هو الخبر؟ أو نقول الاثنين، المتعلق والجار والمجرور؟ أو المتعلق والظرف هما الخبر؟ أقوالٌ ثلاثة لك أن تعرب بأي واحدٍ منها، لك أن تقول الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول متعلَق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول ـ وهو أولى في رأيي ـ الجار والمجرور ومتعلقه هما الخبر، والمسألة في هذا سهلة، والحمد لله رب العالمين.
لكن يشترط أيضًا ـ وأكرر مرة ثانية ـ في الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا أن يكون مفيدًا، وإلا فإنه لايصح الإخبار به.
ننتقل إلى قول المصنف (والمبتدأ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ، فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) ، ما تقدم ذكره أين؟ في قوله في الأمثلة ("زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ"الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ"الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ ") ، هذه كلها أسماءٌ ظاهرة، سواء كانت مفردة، مثنّاةً، مجموعةً، مؤنثةً، مذكرةً فيه، لا إشكال، هذا كله مما كان فيه المبتدأ اسمًا ظاهرًا.
ثم قال (والمضمر اثنا عشر وهى: أنا ونحن وأنتَ وأنتِ ووأنتما وأنُتم وأنتن وهو وهى وهما وهم وهن نحو قولك (أنا قائم) و (نحن قائمون) وما أشبه ذلك) تقيس عليه، أولا أنبه إلى أن هذه الضمائر التي ذكرها المصنف هنا ضمائر منفصلة، ولا يقع المبتدأ ضميرًا متصلا، ما السبب في أنه لا يقع ضميرًا متصلا؟ أن الضمير المتصل لا يستقل بنفسه، الضمير المتصل لا يُبتدأ به الكلام قولا واحدًا، لأنه غير مستقل بنفسه، فلا تستطيع أن تقول "تَ مجتهد"، لا يمكن هذا، هذا ضمير متصل صحيح، لكنه لا يستقل بنفسه، ولا يُبتدأ به الكلام عند الجميع، هذا بإجماع، ولذلك كل الضمائر التي ذكرها هنا ضمائر رفعٍ منفصلة، واثنان منها للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب.
أما التي للمتكلم فللمفرد "أنا"، ولما عدا المفرد سواء أكان مثنًّى للمذكر أو للمؤنث أو كان لأكثر من اثنين للمذكر أو للمؤنث "نحن"، وكذلك "أنتَ"، هذا للمخاطب، و"أنتِ" للمخاطبة، و"أنتما" للمخاطبين وللمخاطبتين، و"أنتم" لجماعة الذكور، و"أنتن" لجماعة الإناث، و"هو" للغائب الواحد، و "هي" للغائبة الواحدة، و"هما" للغائبين للغائبتين، و"هم" لجماعة الذكور الغائبين، و"هنّ" لجماعة الإناث، ومثّل لنا بماثلين وعليك أن تقيس، مثل ما قلتًَ "أنا قائمٌ" و"نحن قائمون" يجوز أن تقول "هم قائمون"، يجوز أن تقول "هو قائمٌ" أو "أنت قائمٌ" أو "أنتم قائمون" أو نحو ذلك، فهذه الضمائر
لابد كما ترون يا أيها الأحباب أن تكون منفصلةً، ولا يجوز الابتداء بالضمير المتصل.
قال الله عز وجل ? نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الحجر: 49] ، ? أَنَا ?
مبتدأ، وهو ضمير ويدل على الواحد، وقال صلى الله عليه وسلم (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) ، (نحن) مبتدأ وهو لجماعة الذكور، طبعًا هنا يصلح لكل شيءٍ، قال الله عز وجل ? وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأنبياء: 83] ، ? أَنْتَ ? هنا مبتدأ، وهو ضمير المخاطب، وقال الله عز وجل ? بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ? [القصص: 35] ، هذا للمثنى، وقال الله
عز وجل ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ? [النساء: 43] ، ? أَنْتُمْ ? مبتدأ، وهو ضمير للجماعة، وقال صلى الله عليه وسلم (هو عليها صدقة، وهو لنا هدية) ، فابتدأ بالضمير المنفصل، وقال الله سبحانه وتعالى ? فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ? [طه: 20] ، ? هِيَ ? مبتدأ، و ? حَيَّةٌ ? خبر، وقال سبحانه وتعالى ? وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ?، ثم قال سبحانه ? وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ? [الأحقاف: 17] ، ? هُمَا ? هذا مبتدأ.
و"هم" و"هنّ" إلخ، ومن ذلك قول الله عز وجل ? هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ? [آل عمران: 7] ، ? هُنَّ ? هذه وقعت مبتدءًا، وهكذا في بقية الضمائر، يجوز أن تبتدأ بضمير الرفع المنفصل "أنا" و"نحن" للمتكلم وغيره، و"أنتَ" و"أنتِ" و"أنتم" و"أنتما" و"أنتن" للمخاطبين، و"هو" و"هي" و"هما" و"هم" و"هنّ" للغائبين، سواء أكان ذلك من ناحية المفرد أو غيره.
ثم قال المصنف رحمنا الله وإيّاه، وهذا يا شيخ يرد على جوابك الذي ذكرته قبل قليل وهو أنه نص في الأول قال (الخبر اسمٌ مرفوعٌ) ، هنا يرد على الكلام بأنه قسّم لنا الخبر فجعله مفردًا وغيره، فقال (والخبر قسمان: مفرد وغير مفرد فالمفرد نحو "زيد قائمٌ") ، "قائمٌ" هذه مفرد، "هندٌ قائمةٌ"، "هم قائمون"، "قائمون" مفرد، "هما قائمان"، "قائمان" مفرد، طبعًا ليس المقصود بالإفراد هنا ما ليس مثنًّى ولا مجموعًا، المقصود هو ما يخالف الجملة وغيرها، يعني قد يكون مفردًا وقد يكون جملة وقد يكون شبه جملة.
ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه (وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، والظرف، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، نحو قولك: "زيد في الدَار"، و"زيد عندك"، و"زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") أما قوله ("زيدٌ في الدار") فالخبر هنا هو الجار والمجرور، ولك يا شيخ الأوجه الثالثة التي ذكرناها في إعرابه، فتقول الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول متعلق الجار والمجرور هو الخبر، أو تقول الجار والمجرور ومتعلقه هما الخبر، لك ما تشاء، والمسألة في هذا سهلة، وأنت مسبوقٌ في أي إعرابٍ أعربت به من هذه الأوجه الثالثة، لكني أرى أن الأولى أن يُقال إن الاثنين هما الخبر، ونخرج بهذا من أي مشكلة.
أما قوله ("زيدٌ عندك") فـ"عند" هنا هو الظرف الواقع خبرًا، وسواءٌ أعربته بأي وجه من الأوجه
الثلاثة التي ذكرت لك فالمسألة في هذا سهلة، وأما قوله ("زيد قام أبوه") فالخبر هنا جملة فعلية، وكما ترون الرابط هنا هو الهاء الموجودة في قوله "قام أبوه"، فإنها ربطت جملة الخبر بالمبتدأ، وهذا أكثر ما يكون الرابط، وأما قوله ("زيد قام أبوه"، و"زيد جاريته ذاهبةٌ") ، فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، والهاء الموجودة في قوله "جاريته" تعود إلى "زيد"، وهي الرابط الذي ربط جملة الخبر بالمبتدأ، وأكثر ما يكون الرباط كما ذكرت لكم يكون بالضمير، فـ"جاريته" مبتدأ ثاني، و"ذاهبةٌ" خبر، وجملة "جاريته ذاهبةٌ" في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
قال الله عز وجل ? وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ? [الذاريات: 22] ، الجار والمجرور متعلقان بمحذوفٍ خبر مقدم، أو خبر مقدم، أو هو ومتعلقهما خبر مقدم، أما رزقكم فهو مبتدأ مؤخر، وهذا ورد فيه الجار والمجرور خبرًا. يتحدثون أيضًا في هذا الباب عن أن اسم الزمان لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، فلا تقول "محمدٌ يوم الجمعة" مثلا، لا يصلح أن يكون خبرًا عن الذوات، ولكنه يُمكن أن يكون عن المعاني، فتقول "السفر يوم الجمعة"، لا مانع، أما الذوات فإنهم لا يجيزون وقوع ظرف الزمان خبرًا لها،
وقد ورد قليلا وهم يؤولونه، ومن ذلك قول العرب "الليلةَ الهلالُ"، "الهلالُ" ذات، وهو مبتدأ، وقد أخبر عنه بظرف الزمان هو "الليلة"، فماذا يُقال في مثل هذا؟ قالوا سهلة، هذه نؤولها، نجعل كلمة الهلال حلت محل مُضافٍ محذوف، والتقدير "الليلةَ طلوع الهلال" حتى نخرج من هذا.
يذكرون كلامًا قاله امرؤ القيس لما أُخبر بمقتل أبيه قال "رحم الله أبي، ضيّعني صغيرًا، وحمّلني دمه
كبيرًا، اليوم خمرٌ، وغدًا أمرٌ، لا صحو اليوم ولا سكر غدًا"، هذا كلامٌ منسوبٌ إلى امرئ القيس، وامرؤ القيس ممن يُعتد بكلامه لأنه جاهلي، فأولوا هذا "اليوم" ظرف، وقد وقع خبرًا، والخمر هذا اسم ذات، فكيف وقع اسم الزمان خبرًا لاسم الذات، قالوا نؤوله، نجعل كلمة "خمر" هذه وقعت موقع مضافٍ محذوف أو مقدر، ويكون التقدير "اليوم شربُ خمرٍ"، أما قوله "وغدًا أمرٌ" فلا إشكال فيها، لأن الأمر معنويٌّ وليس ذاتًا، هذا ما يُقال من ناحية اسم الزمان، وهذا ما أحببتُ التنبيه إليه.
مما يُذكر في هذا الباب، وهو باب المبتدأ والخبر أن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفةً، ولا يقع نكرةً إلا بمسوّغ، والمسوغات أوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا، ولكن نكتفي بذكر بعضها، وهو ما أشار إليه ابن مالك رحمه الله في ألفيته إذ قال:
وَلَا يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ......
…
مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ
وَهَلْ فَتَىً فِيْكُمْ فَمَا خِلٌّ لَنَا...... وَرَجُلٌ مِنَ الْكِرَامِ عِنْدَنَ
وَرَغْبَةٌ فِي الْخَيْر خَيْرٌ وَعَمَلْ....... بِرَ يَزِيْنُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ
فذكر ستة مسوغات للابتداء بالنكرة، فنكتفي بالحديث عن هذه المسوغات الستة، وليُقس عليها ما لم نذكره، إن المسوغات أولها كما ذكر ابن مالكٍ رحمه الله إذ قال:
وَلَا يَجُوْزُ الابْتِدَا بِالْنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ
المسوغ الأول الذي ذكره ابن مالك هو أن يكون الخبر ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا مقدمًا على المبتدأ، يعني
يكون المبتدأ متأخرًا وهو نكرة، والخبر ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور ومتقدم، ولذلك مثّل بقوله " كعند زيدٍ نمرة"، "عند زيد" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"نمرة" هذه مبتدأ مؤخر، وهذه نكرة ولا مسوغ لها إلا هذا الذي ذكرته، وهو أنه تقدم الخبر على المبتدأ، والخبر هنا ظرف، ومثله الجار والمجرور تمامًا.
قال "وهل فتًى فيكم"، هذا هو المسوغ الثاني، وهو أن يتقدم على النكرة ما يدل على العموم كالاستفهام، حتى لو كان المبتدأ نكرةً وهو اسم استفهام فإنه مسوغ من المسوغات، وقد يكون الاستفهام تقدم على النكرة، كقول ابن مالك في هذا "هل فتًى فيكم"، فـ"فتًى" هذا نكرة، وهو مبتدأ، وقد تقدمت عليه "هل" فهي التي سوّغت الابتداء بالنكرة.
أما الثالث فهو قوله " فما خلٌ لنا "، وهذا أيضًا من الأشياء التي تدل على العموم، وذلك أن النفي إذا تقدم على النكرة فإنها تدل على العموم، يقولون النكرة في سياق النفي تدل على العموم، فقوله "فما خلٌّ لنا"، "خلٌّ" هنا نكرة وقد ابتدئ به جوازًا لوجود مسوغ وهو تقدم النفي عليها.
الرابع قوله "ورجلٌ من الكرام عندنا"، "رجلٌ" هذا نكرة، و"من الكرام" هذه صفة للرجل، فإذا كانت النكرة موصوفةً فإن هذا مسوغٌ للابتداء بها، فـ"عندنا" هذه هي الخبر، وأما قوله "من الكرام" فهي الصفة لها.
ثم قال " ورغبةٌ في الخير خبرٌ"، "رغبةٌ" هذه نكرة، وقد ابتدئ بها، ذلك لأنها عملت، والعمل هنا هو تعلق الجار والمجرور بها، فهذا الذي جوّز الابتداء بها، والأخير قوله "وعملُ برٍّ يزين"، "عمل" هذه نكرة، وأُضيفت إلى نكرة، فالإضافة هذه سوّغت الابتداء بها، طبعًا لو أُضيفت إلى معرفة فلا إشكال لأنها تكتسب التعريف من المضاف إليه، أما هنا فقد أضيفت إلى نكرة فقل شيوعها قليلا، فكان هذا مسوغًا للابتداء بالنكرة، هذه المسوغات نكتفي بها، وإن كان بعضهم يُكثر في ذكر مسوغات الابتداء بالنكرة فيوصلها إلى أكثر من ثلاثين مسوغًا.
ننتقل إلى قول المصنف رحمنا الله وإيّاه (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ
وَالْخَبَرِ) ، تعلمون كما ذكرنا أن المبتدأ والخبر حقهما أن يكونا مرفوعين، لكن قد يتغير هذا الحكم، بل
يتغير حكم المبتدأ والخبر فلا يصيران مبتدءًا وخبرًا، وذلك إذا دخل عليهما بعض الأدوات التي سنذكرها الآن إن شاء الله، فقال (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ) ، ثم قال (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ كَانَ وَأَخَوَاتُهَا وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا وَظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) ، هذه العوامل بعضها يرفع المبتدأ وينصب الخبر وهي كان وأخواتها، وبعضها يعكس فينصب المبتدأ ويرفع الخبر وهو إن وأخواتها، وبعضها ينصب الاثنين وهما المبتدأ والخبر فيجعلهما مفعولين وهي ظن وأخواتها.