الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حج الصديق بالناس] :
ثم حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالناس، سنة تسع في ذي القعدة، كما ذكره ابن سعد وغيره بسند صحيح عن مجاهد، ووافقه عكرمة بن خالد، فيما أخرجه الحاكم في الإكليل.
وقال قوم في ذي الحجة، وبه قال الداودي والثعلبي والماوردي، والمعتمد ما قاله
حج الصديق بالناس:
"ثم حجة أبي بكر الصديق" عبد الله بن عثمان "رضي الله عنه"، وعن أبيه "بالناس" أميرا عليه "سنة تسع، كما جزم به البخاري وابن إسحاق قال الحافظ في التفسير اتفقت عليه الروايات، وقال هنا: والحق أنه لم يختلف في ذلك، وإنما وقع الاختلاف في أي شهر حج أبو بكر، فقيل: "في ذي القعدة" على طريقة العرب من عدم تقييده بالحجة، ولا يرد أن الله صان أفعاله عليه الصلاة والسلام عن الجاهلية، لجواز أن المراد الأوثان والسفاح ونحوهما "كما ذكره ابن سعد وغيره بسند صحيح عن مجاهد" التابعي، الإمام المشهور، "ووافقه عكرمة بن خالد" بن العاصي بن هشام المخزومي، التابعي الثقة "فيما أخرجه الحاكم في الإكليل".
قال الحافظ: ومن عدا هذين، أي عكرمة ومجاهد، إما ساكت، وإما مصرح بأنه في الحجة، وقال "قوم في ذي الحجة، وبه قال الداودي" أحمد بن نصر شارح البخاري "و" من المفسرين "الثعلبي، والماوردي" والرماني وجماعة، واحتج له بحديث الصحيحين الآتي من قوله: يوم النحر قال الحافظ: ولا حجة فيه لأن قول مجاهد وعكرمة إن ثبت، فالمراد بيوم النحر صبيحة يوم الوقوف سواء وقع الوقوف في القعدة أو الحجة، لكن الحجة له حديث ابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كانوا يجعلون عاما شهرا، وعاما شهرين، يعني يحجون في شهر واحد مرتين في سنتين ثم يحجون في شهر آخر غيره، فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمس وعشرين سنة، فلما كان حج أبي بكر، وافق ذلك العام شهر الحج فسماه الله الحج الأكبر، وهذا يرد القول، بأنه في ذي القعدة ويضعفه، "والمعتمد ما قاله
مجاهد وبه جزم الأزرقي، ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعدما رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة، فيكون حجة في ذي الحجة على هذا والله أعلم.
وكان مع أبي بكر ثلاثمائة رجل من المدينة، وعشرون بدنة.
وفي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة: أنا أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مجاهد، وبه جزم الأزرقي" كذا في نسخ تقليدا لسبق قلم وقع في الفتح، وقد كتبوا عليه قديما صوابه المعتمد، خلاف ما قاله مجاهد، وسقط قوله والمعتمد إلخ، في كثير من النسخ، وهو ظاهر حتى يتأتى قوله، "ويؤيده" أي القول، بأنه في ذي الحجة "أن ابن إسحاق صرح" في السيرة، "بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعدما رجع من تبوك" بقية شهر "رمضان" على أنه قدم فيه أو كله، على أنه قدم في شعبان "وشوالا وذي القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج" من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم، من حجهم انتهى كلام ابن إسحاق.
"فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة" لأن التقدير ثم بعد إقامة تلك المدة بعث، "فيكون حجه في ذي الحجة على هذا" الظاهر، ولم يجعله صريحا لاحتمال إرادة الترتيب الذكري، وإن كان بعيدا "والله أعلم" ويحتمل أن قوله المعتمد ما قاله مجاهد من مجاز الحذف، أي خلاف ما قاله، ارتكبه للقرينة الظاهرة تشحيذا للأذهان إذ لا يتوهم عاقل أنه يقول يؤيده بما ينافيه، "وكان مع أبي بكر ثلاثمائة رجل من المدينة" لفظ ابن سعد والمصنف لا يعدل عنه غالبا كاليعمري، ولفظ شيخه الواقدي أنه خرج معه ثلاثمائة من الصحابة، واقتصر عليه الفتح وي وإن صرحت بأن الكل صحابة، لكنها محتملة؛ لأن يكون فيهم إناث بخلاف لفظ تلميذه قال رجل: فلا تغني إحدى العبارتين عن الأخرى، "وعشرون بدنة" بعثها صلى الله عليه وسلم قلدها وأشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات.
ذكره ابن سعد وشيخه، فهذا من المصنف اختصار موهم ثم استأنف فذكر حديث أبي هريرة لما فيه من الفوائد التي ليست فيما قدمه، ومن جملتها أن الحجة كانت في ذي الحجة على ظاهر قوله يوم النحر، فقال:"وفي البخاري" في الصلاة، والحج، والجزية، المغازي والتفسير "ومسلم" في الحج، وكذا أبو داود والنسائي بطرق كلها عن "أبي هريرة، أن أبا بكر بعثه"، أي أبا هريرة، وفي رواية التفسير بعثني أبو بكر "في الحجة التي أمره" بشد الميم، أي جعله "رسول الله صلى الله وسلم" أميرا عليها.
قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر، أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وللطبراني عن ابن عباس بعث صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم، وأمره أن يقيم للناس حجهم، فخرج أبو بكر "قبل حجة الوداع" أفاد أنها كانت سنة تسع؛ لأن حجة الوداع كانت سنة عشر اتفاقا، قاله ابن القيم "في رهط" وفي رواية في مؤذنين، أي في جماعة معلمين، وسمى منهم سعد بن أبي وقاص وجابرا، كلاهما عند الطبري كما في الفتح "يؤذن" بفتح الهمزة، وشد المعجمة المكسورة، يعلم الرهط وأبو هريرة على الالتفات، قاله المصنف، أي على رأي بعضهم لا الجمهور إذا كان مقتضى الظاهر أن يقول أؤذن "في الناس يوم النحر".
زاد في رواية بمعنى وهذا اقتباس من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه} كما في الفتح وفي البخاري، فكان حميد يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة "أن لا يحج".
قال المصنف في التفسير: بفتح الهمزة، وشد اللام ونصب يحج بأن ولا نافية، وقال الحافظ: بفتح الهمزة وإدغام النون في اللام "بعد العام" أي الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك "مشرك" لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ووقع للحافظ في الصلاة أن لا ناهية، فرده العيني وغيره بأن بعده، ولا يطوف، وقال بعضهم: هو اعتراض سهل، أي لأنها وإن كانت نافية لفظا، فهي ناهية معنى، فعليه يحمل قوله ناهية، وكون لا يطوف بعده ليس بمانع؛ لأنه من عطف الخبر على الإنشاء "ولا يطو بالبيت عريان" بنصب يطوف عطف على يحج، قاله الحافظ وغيره ذكر ابن عائذ أنه كان رجال يطوفون منهم عراة ليلا، يعظمون بذلك البيت.
ويقول بعضهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس على شيء من الدنيا، خالطه الظلم، فكره صلى الله عليه وسلم أن يحج ذلك العام، قال في الفتح قال الطحاوي في كشف الآثار: هذا مشكل لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان بعث أبا بكر بذلك، ثم أتبعه عليًّا، فأمره أن يؤذن، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي، ثم أجاب مما حاصله أن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة، وكان علي هو المأمور بالتأذين بذلك، وكأن عليًّا لم يطق التأذين بذلك وحده، واحتاج إلى معين، فأرسل أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه، ثم ساق من طريق محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي حين بعثه صلى الله عليه وسلم ببراءة أهل مكة، فكنت أنادي معه بذلك حتى يصحل صوتي، وكان هو ينادي قبلي حتى يعبأ، فالحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر، وكان ينادي بما يلقيه
ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، وأمره أن يؤذن ببراءة،
إليه علي، مما مر بتبليغه، انتهى.
"ثم أردف" أي أرسل "النبي صلى الله عليه وسلم" أبا بكر "بعلي بن أبي طالب" وفي نسخة من البخاري علي بإسقاط الحرف، وهذا من جملة ما رواه البخاري في الصلاة والتفسير، ولم يروه في هذا الباب وهو ما وقف عليه شيخنا، فتجرأ وقال ليس هو من رواية البخاري، وقد علمت أنه من روايته في موضعين نعم على المؤلف مأخذة لإبهامه أنه من حديث أبي هريرة، والبخاري ومسلم قالا في سياقه، قال حميد بن عبد الرحمن ثم أردف قال الحافظ: هذا القدر من الحديث مرسل؛ لأن حميدا لم يدرك ذلك، ولا صرح بسماعه له من أبي هريرة، لكن ثبت إرسال علي من عدة طرق، فروى الطبري من طريق أبي صالح عن علي: بعث صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى أهل مكة على الموسم، ثم بعثني في أثره، فأدركته الحديث، وكذا رواه عن أبي سعيد، وابن عمر مثله، والترمذي عن ابن عباس مطولا، والطبراني عن أبي رافع وأحمد والترمذي، وحسنه عن أنس انتهى بحروفه.
وذكر ابن سعد وهو في حديث جابر أنه أدركه بالعرج، وقال ابن عائذ: بضجنان بفتح المعجمة، وسكون الجيم ونونين بينهما ألف.
ورواه الطبري عن سعد بعث صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فلما انتهينا إلى ضجنان أتبعه عليًّا، "وأمره أن يؤذن ببراءة".
قال الحافظ: مجرور بالفتحة وهو الثابت في الروايات، ويجوز رفعه منونا على الحكاية، وفيه تجوز لأنه أمره أن يؤذن ببضع وثلاثين آية، منتهاها ولو كره المشركون، كما رواه الطبري عن محمد بن كعب وغيره، وعنده عن علي بأربعين آية من أول براءة.
وروى أحمد والترمذي وحسنه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الخليفة قال:"يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي" فبعث بها مع علي، وروى أحمد والطبري عن علي أنه صلى الله عليه وسلم بعث به مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال:"أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب" فأدركته فأخذته منه، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله نزل في شيء. قال: "لا أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض، ولكن جبريل قال لي لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك".
قال ابن كثير: ليس المراد أنه رجع من فوره بل لما رجع من حجه قلت، ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة انتهى من الفتح في التفسير ملخصا.
وذكر هنا أن ابن إسحاق روى بسند مرسل قال: نزلت براءة، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر
فأذن معنا في أهل منى ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
على الحج فقيل: لو بعثت بها إليه فقال: "لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي"، ثم دعا عليًّا وقال:"أخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى" انتهى، ولم يتنزل في المحلين لجمع ولا ترجيح، كأنه لظهور الترجيح، فإنه رواية نزولها قبل خروج أبي بكر وبعثه بها مسنده مع أن إسنادها حسن بخلاف رواية نزولها بعد خروجه، فمرسله، "فأذن معنا".
قال المصنف في الصلاة: بفتح العين وإسكانها وهذا من الموصول، ففي الصحيح قال أبو هريرة: فأذن معنا علي.
قال الحافظ: وكان حميد بن عبد الرحمن حمل قصة توجه على من المدينة عن غير أبي هريرة وحمل القصة كلها عن أبي هريرة "في أهل منى"، أسقط من رواية الصحيح ما لفظه يوم النحر "ببراءة" بالفتحة نيابة عن الكسرة، كما علمت أنه الرواية والرفع على الحكاية تجويز وجوز الكرماني الكسر مع التنوين، أي بسورة براءة وانتقده شيخنا البابلي، بأن فيه حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه وهو قليل قال: ولا يراد أن الإضافة تنافي العلمية؛ لأنه قصد تنكيره، ثم أضيف كقوله:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
…
بأبيض ماضي الشفرتين يماني
"وأن لا يحج بعد العام مشرك" قال الكرماني: أي بعد خروج هذا العام لا بعد دخوله.
لكن قال العيني: ينبغي دخول هذا العام أيضا نظرا إلى التقليل، ورد بأن الباقي منه عشرون يوما وأعمال الحج كانت انقضت، وهو سهو؛ لأنه بقي طواف الإفاضة، لمن أخرج إلى قية العشرين، وطواف الوداع "ولا يطوف بالبيت عريان" احتج به الأئمة الثلاثة على وجوب ستر العورة في الطواف خلافا لأبي حنيفة حيث جوز طواف العريان.
قال الكرماني: فيه إشكال لأن عليا مأمور أن يؤذن ببراءة فكيف يؤذن بذلك، ثم أجاب بأنه أذن ببراءة ومن جملة ما اشتملت عليه أن لا يحج بعد العام مشرك من قوله تعالى فيها:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ويحتمل أن يكون مر بأن يؤذن ببراء، وبما أمر أبو بكر أن يؤذن به أيضا، ولأحمد من حديث أبي هريرة، وله وللترمذي وصححه من حديث علي أنه سئل بأي شيء بعث في الحجة، قال: بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته.
زاد الطبري من حديث علي ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر، واستدل به على أن قوله
قال: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك: فأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا}
تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] خاص بمن لا عهد له مؤقت، أو لا عهد له أصلا، وعند الطبري عن ابن عباس أن الأربعة أشهر أجل من كان له عهد مؤقت بقدرها أو يزيد عليها، ومن لا عهد له فانقضاؤه سلخ المحرم لقوله:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] . ومن طريق معمر عن الزهري كان أول الأربعة أشهر شوال عند نزول براءة، وآخرها آخر المحرم، وبه يجمع بين ذكر الأربعة وبين قوله:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ} [التوبة: 5] .
لكن استبعده الطبري من حيث إن بلوغهم الخبر إنما هو عند وقوع النداء به يوم النحر، فكيف: يقال سيحوا أربعة أشهر ولم يبق منها إلا دون شهرين، ثم أسند عن السدي وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة أشهر في ربيع الآخر.
قال العلماء: والحكمة في إرسال علي بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلا من عقده، أو من هو من أهل بيته، فأجراهم في ذلك على عادتهم، وقيل لأن براءة تضمنت مدح أبي بكر، فأراد أن يسمعوه من غيره، وهذا غفلة من قائله حمله عليها ظنه أن المراد تبليغها كلها، وليس كذلك إنما أمر بتبليغ أوائلها فقط كما مر. انتهى من الفتح، ثم انتهت رواية البخاري هنا في التفسير والصلاة، وزاد في الجزية قوله، "فنبذ" قال الحافظ وغيره: أي طرح "أبو بكر إلى الناس" عقدهم "في ذلك العام، فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك....." قال الحافظ: وقوله: فنبذ إلخ.
هو أيضا مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك قال المهلب: خشي صلى الله عليه وسلم غدر المشركين، فلذا بعث من ينادي بذلك، وقد قال تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أي اطرح إليهم عهدهم، وذلك بأن يرسل إليهم من يعلمهم بأن العهد انقضى.
قال ابن عباس: أي على مثل، وقيل على عدل، وقيل أعلمهم أنك قد جازيتهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك، وقال الأزهري: المعنى إذا عاهدت قوما فخشيت منهم النقض، فلا توقع بهم بمجرد ذلك حتى تعلمهم، انتهى.
"فأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين" عقدهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] {فَلَا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] الآية.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما في الصحيح "المؤمن لا ينجس" وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم، وهذا ضعيف؛ لأن أعيانهم لو كانت نجسة كالكلب والخنزير لما طهرهم الإسلام، ولاستوى في النهي عن دخول المشركين المسجد الحرام وغيره من المساجد
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] أي لا يدخلوا الحرم كله؛ لأن المسجد الحرام حيث أطلق في القرآن فالمراد به الحرم كله، كما قاله ابن عباس، وابن جبير ومجاهد وعطاء وغيرهم.
رواه ابن أبي حاتم {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو صريح في منعهم دخوله ولو لم يقصدوا الحج لكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم، صرح لهم في الحديث بالمنع منه فقال: أن لا يحج بعد العام مشرك، فيكون ما وراءه أولى بالمنع، كما في الفتح "الآية".
روى ابن جرير وغيره عن سعيد بن جبير وعكرمة وغيرهما، لما نزلت {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شق ذلك على المسلمين، وقالوا: من يأتينا بالطعام وبالمتاع فنزل: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] ، "وقد دلت هذه الآية الكريمة" بالمنطوق "على نجاسة المشرك، كما" دل مفهوم قوله صلى الله عليه وسل في الحديث "الصحيح" الذي خرج الشيخان وأصحاب السنن "المؤمن لا ينجس" في حد ذاته حيا ولا ميتا عند الأكثر، ولذا يغسل إذا مات نعم يتنجس من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وقد علمت أن التشبيه في مطلق الدلالة وإن اختلفت، والمراد نجاسة اعتقادهم عند الجمهور، "وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات" عطف تفسير، بل طاهر وحجتهم أن الله تعالى أباح الكتابيات، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية الأمثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على الطهارة إذ لا فرق بين النساء والرجال، "وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم" تمسكا بظاهر الآية والحديث، حتى أفرط بعضهم فقال: ينجس الماء بملاقاتهم ويجب الوضوء على كل من صافحهم، "وهذا ضعيف لأن أعيانهم لو كانت نجسة كالكلب والخنزير" عند من قال بنجاستهما "لما طهرهم الإسلام" وهو خلاف الإجماع "ولاستوى في النهي عن دخول المشركين المسجد الحرام" بالرفع فاعل "استوى وغيره من المساجد" مع أن في ذلك خلافا بين الأئمة، فاستدل الشافعي بظاهر الآية على أنهم لا يمنعون من دخول سائر المساجد إن أذن
فالمراد: الأخباث لما فيهم من خبث الظاهر بالكفر استوى وخبث الباطن بالعداوة قاله مقاتل.
وروى النسائي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح، فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف على التكبير فقال: هذه رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم الجدعاء، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي معه، فإذا.
مسلم لحاجة أو اقتضته مصلحة كقاض ونحوه بالمسجد، وأما غيره فقاس عليه سائر المساجد، وقال أبو حنيفة: لا يمنع الكتابي لتخصيصه بالمشرك فيها وعنه إجازة دخوله للمشرك أيضا، وأن المراد به النهي عن الحج والعمرة ولا الدخول، وحيث كان كذلك، "فالمراد" بقوله نجس "الأخباث لما فيهم من خبث الظاهر بالكفر، وخبث الباطن بالعداوة" للمسلمين، "قاله مقاتل" المفسر المشهور، وقيل: لوجوب اجتناب كما يجتنب عن الأنجاس، وقيل لأنهم لا يتطهرون ولا يجتنبون النجاسة فهم ملابسون لها غالبا.
"وروى النسائي،" والدارمي، والطبري، وابن راهويه وصححه ابنا خزيمة، وحبان كلهم "عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع" إلى المدينة "من عمرة الجعرانة" التي اعتمرها سنة الفتح "بعث أبا بكر" أميرا على الحج" من قابل، وطوى ذكر من ولي الحج سنة ثمان، فيزول الإشكال الآتي، كما أفاده الفتح "فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج" بفتح المهملة، وإسكان الراء، فجيم قرية على نحو ثمانية وسبعين ميلا من المدينة، وبهذا جزم ابن سعد وعند الطبري عن ابن أبي وقاص أنه بضجنان" ولا منافاة "ثوب" أبو بكر "بالصبح" أي دعا إليها كما في المقدمة، "فلما استوى" قائما "للتكبير" ليحرم بالصبح "سمع الرغوة" بفتح الراء وضمها، وحكى كسرها أيضا صوت بعير "خلف ظهره" وإن لم يصرح القاموس والمصباح بإطلاق الرغوة على صوته لكن القياس يقتضيه؛ لأن اسم المرة من الثلاثي المجرد على فعله، "فوقف على التكبير، فقال: هذه رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم الجدعاء" بالدال المهملة، وعند ابن إسحاق من مرسل الباقر القصواء، وروى أيضا العضباء قال المصنف في الجهاد فهذا يصرح أن الثلاثة صفة ناقة واحدة لاتحاد القصة، وبه جزم الحربي، انتهى.
ورواه ابن سعد عن الواقدي: وقال غيره: إنهما اثنتان القصواء، وهي العضباء، والثانية الجدعاء كانت شهباء، وكان لا يحمله صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي غيرها، كما في الفتح، "لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فلعله" أي القادم "أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى معه، فإذا
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له أبو بكر رضي الله عنه أمير أم رسول، قال: لا بل رسول، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة، فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم خرجنا معه، حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس فعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها،.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه عليها" على الناقة "فقال له أبو بكر رضي الله عنه:" أنت "أمير أم رسول قال: لا" ردا لما توهم، وهو المعطوف عليه فقط، أي لست أميرا، "بل" أنا رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج" ولم يكتف بأبي بكر لأمر الله له بذلك، كما سلف معاملة للعرب بسنتهم المألوفة أنه لا يحل العقد، إلا من عقده أو واحد من أهل بيته، فاختار منهم عليًّا؛ لأنه أفضلهم، "فقدمنا مكة، فلما كان قبل التروية" بفتح الفوقية، وسكون الراء، وكسر الواو وخفة التحتية؛ لأنهم كانوا يروون فيهم إبلهم، ويتروون من الماء؛ لأن تلك الأماكن لم يكن فيها آبار ولا عيون، وأما الآن فكثر جدا واستغنوا عن حمل الماء، أو لأن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها، أو لأن إبراهيم رأى ليلة ذبح ابنه فأصبح يتروى، أو لأن جبريل أرى إبراهيم فيه المناسك، أو لأن الإمام يعلم الناس فيه المناسك وهي شاذة؛ إذ لو كان من الثاني لكان يوم الرؤية، أو الثالث لكان يوم التروي بشد الواو، أو الرابع لكان من الرؤيا، أو الخامس لكان من الرواية، كما في الفتح.
"بيوم قام أبو بكر فخطب الناس، فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي" بعد الخطبة ليتم اجتماع الناس، وتعظيما لأبي بكر لكونه الأمير، "فقرأ على الناس براءة حتى ختمها" ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس، فعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، "ثم كان يوم النحر فأفضنا، فلما رجع أبو بكر خطب الناس، فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها".
وعند الطبري عن أبي الصهباء قال: سألت عليًّا عن يوم الحج الأكبر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، وبعثني بعده بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفه، فخطب، ثم التفت إليَّ فقال: يا عليَّ قم فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت فقرأت أربعين آية من أول براءة، ثم صدرنا حتى رمينا الجمرة، فطفقت أتتبع الفساطيط أقرؤها عليهم؛ لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة، فهذا معارض لقول جابر حتى ختمها.
ثم كان يوم النحر، فأفضنا فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها.
فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس، فحدثهم كيف ينفرون، وكيف يرمون يعلمهم مناسكهم، فلما فرغ قام عي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها.
وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد، أما أبو بكر رضي الله عنه فإنما كان سنة تسع.
قال الحافظ: فيجمع بأن عليًّا قرأها كلها في المواطن المذكورة وأما في سائر الأوقات، فكان يؤذن لا يحج بعد العام، إلخ ويستعين بأبي هريرة وغيره. ا. هـ. فليتأمل فإن جملة المواطن عرفة، وقد صرح علي كما ترى بأنه قرأ فيها أربعين آية، فاللائق تأويل قول جابر حتى ختمها، أي المقصود منها تجوزا، وهو أربعون، فيوافق قول علي؛ لأنه أدرى بما قرأ "فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس، فحدثهم كيف ينفرون، وكيف يرمون يعلمهم مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس" أوائل "براءة حتى ختمها".
وحكمة تكريره أربع مرات ما صرح به علي كما سمعت، أن الجميع لم يحضروا خطبة عرفة، ولم يكتف بانتشار الخبر وتنبيهًا على الاعتناء بشأن هذا الأمر حتى كرره بعد الخطب، "وهذا السياق" كما قال الحافظ عماد الدين بن كثير "فيه غرابة من جهة أن أمير الحج سنة عمرة الجعرانة، إنما هو عتاب بن أسيد، فأما أبو بكر رضي الله عنه فإنما كان" أمير الحج "سنة تسع" وقال المحب الطبري نحوه، وقال الحافظ في كتاب التفسير: يمكن رفع الإشكال في قوله: بعث أبا بكر، وقول أبي هريرة: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة، ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة.
أخرجه عبد الرزاق، وصححه ابن حبان، بأن المراد بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذكر من ولى الحج سنة ثمان، فإنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من العمرة إلى الجعرانة فأصبح بها توجه هو ومن معه إلى المدينة إلى أن جاء أوان الحج، فأمر أبا بكر سنة تسع، وليس المراد أنه بعثه، أو أمره أن يحج سنة عمرة الجعرانة، وقوله: على تلك الحجة يريد الآتية بعد رجوعهم إلى المدينة انتهى، وهو حسن أولى من قوله هنا كان الطبري تبع الماوردي في قوله: أمر صلى الله عليه وسلم عتابا أن يحج بالناس عام الفتح، والذي جزم به الأزرقي خلافه قال: لم يبلغنا أنه استعمل في تلك السنة على الحج أحدا، وإنما ولى عتابا أمرة مكة وحج المسلمون والمشركون جميعا، وكان المسلمون مع عتاب