الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدل بهذه القصة على أن فرض الحج كان قبل حجة الوداع والأحاديث في ذلك شهيرة كثيرة.
وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض بل كان تطوعا قبل فرض الحج ولا يخفى ضعفه.
لكونه الأمير انتهى لأن الأزرقي إنما نفى أنه بلغه، ولم يطلق النفي، وقد جزم الماوردي وابن كثير والمحب الطبري وغيرهم: بأنه صلى الله عليه وسلم ولى عتابا مكة والحجة سنة ثمان، وتبعهم المصنف في المقصد الثاني:"واستدل بهذه القصة" التي هي حديث أبي هريرة في أرفع الصحيح وحديث جابر وهو صحيح "على أن فرض الحج كان قبل حجة الوداع" إذ لو لم يكن فرضا لما اعتنى ببعث أمير يقيمه للناس وإنما تخلف هو لما ذكر ابن عائذ أن المشركين كانوا يحجون مع المسلمين، ويعلون أصواتهم ليغلطوهم، يقولون: لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، ويطوف رجال منهم عراة، فكره صلى الله عليه وسلم الحج ذلك العام، فلما دنا علي بذلك قالوا: نبرأ منك ومن ابن عمك إلا من الضرب والطعن، فلما رجعوا أرعبهم الله، فأسلموا طوعا وكرها، "والأحاديث في ذلك شهيرة كثيرة، وذهب جماعة إلى أن حج أبي بكر هذا لم يسقط عنه الفرض" حيث خوطب به بعد، فلم يعتد به فيما وجب عليه، فلا يرد أن السقوط فرع الوجوب وهو لم يجب، فكيف عبر بالسقوط، "بل كان تطوعا قبل فرض الحج ولا يخفى ضعفه" لكثرة الأحاديث الدالة على خلافه والله أعلم.
[هلاك رأس المنافقين] :
وفي هذه السنة مات عبد الله بن أبي بن سلول،
هلاك رأس المنافقين:
"وفي هذه السنة" سنة تسع في ذي القعدة بعد الانصراف من تبوك "مات عبد الله بن أبي بن سلول" بفتح المهملة، وضم اللام وسكون الواو، ثم لام ورفع ابن صفة لعبد الله؛ لأنها أمه، وهي خزاعية، وهو خزرجي بعد مرضه عشرين ليلة ابتداؤها من ليال بقيت من شوال.
ذكره الواقدى، ثم الحاكم في الإكليل، ومال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلامه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ولم يقف على جواب شاف فيه، فأقدم على دعوى ذلك، وذهل عن الآيات والأحاديث المصرحة بما ينافي ذلك وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض قوله، وإطباقهم على ترك ذكره في الصحابة مع شهرته وذكرهم من هو دونه في الشرف والشهرة بأضعاف مضاعفة.
فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام ليصلي عليه، فقام عمر رضي الله عنه فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه،
"فجاء ابنه" عبد الله بن عبد الله الخزرجي من فضلاء الصحابة، وشهد بدرا وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه في النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء ليستأذنه في قتله، فقال: بل أحسن صحبته.
أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن قال ابن عمر: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله "إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعند الطبري من طريق الشعبي لما احتضر جاء ابنه، فقال: يا رسول الله إن أبي احتضر، فأحب أن تشهده وتصلي عليه قال:"ما اسمك"؟ قال: الحباب، فقال:"بل أنت عبد الله الحباب" اسم شيطان وهو بضم المهملة، وموحدتين مخففا، وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، "فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه" وأخرج عبد الرزاق والطبري عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه قال:"أهلكك حب يهود" فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أنه يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس لما مرض ابن أبي جاءه صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فأمنن عليَّ فكفني في قميصك وصل عليَّ، ففعل "فأعطاه، ثم سأله أن يصلي، فقام ليصلي عليه".
وفي حديث ابن عباس عن عمر في الصحيح: فلما قام وثبت إليه، فقلت يا رسول الله أتصلي عليه، وقد قال يوم كذا، كذا، وكذا أعدد عليه قوله يشير إلى مثل قوله لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقوله ليخرجن الأعز منها الأذل، "فقام عمر رضي الله عنه، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله تصلي" وفي رواية أتصلي بإثبات همزة الاستفهام الإنكاري "عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه" استشكل جدا إطلاق النهي عن الصلاة؛ إذ لم يتقدم نهي عنها، كما دل عليه قوله آخر الحديث، فأنزل الله حتى قال بعضهم هو وهم من بعض رواته وعاكسه غيره، فزعم أن عمر اطلع على نهي خاص في ذلك، وقال القرطبي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر من قبل الإلهام، ويحتمل أنه فهمه من قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] انتهى.
والثاني أقرب؛ لأنه لم يتقدم نهي، والذي يظهر أن في هذا الحديث تجوزا بينته رواية البخاري من وجه آخر بلفظ، فقال: تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، وعند
فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما خيرني الله عز وجل قال": {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] .
الطبري وعبد بن حميد عن عمر، فقلت: والله ما أمرك الله بهذا لقد قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] ، وكأنه فهم من الآية ما هو الأكثر الأغلب في لسان العرب أن أو ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف، أي أن الاستغفار وعدمه، سواء كقوله:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ، لكن الثانية أصرح، وأن سبعين مبالغة، والمراد نفي المغفرة، ولو كثر لاستغفار فلا مفهوم للعدد، وأن المقصود الأعظم من الصلاة طلب المغفرة للميت والشفاعة.
هذا تقرير ما صدر من عمر مع شدة صلابته في الدين، وكثرة بغضه للمنافقين، فلذا أقدم على ما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجرائه على ظاهر لما غلب عليه من الصلابة المذكورة، قال ابن المنير: إنما قاله عمر عرضا ومشورة، لا إلزاما وله بذلك عوائد، ولا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم كان أذن له في مثل ذلك، فليس باجتهاد مع وجود النص، كما زعم، بل أشار بما ظهر له فقط، ولذا احتمل منه أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل المقام حتى التفت إليه مبتسما، "فقال صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني الله عز وجل" بين الاستغفار وتركه، "فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} " [التوبة: 80] واستشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين وسائر الذين خرجوا الصحيح عن صحته، وذلك ينادي على منكري صحته، كالباقلاني، وإمام الحرمين والغزالي والداودي بعدم معرفة الحديث، وقلة الاطلاع على طرقه. وأجيب بأن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع فهم المبالغة لا يتنافيان فجوز حصول المغفرة بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه، وبأن المنهي عنه استغفار ترجي إجابته بخلافه لمثل ابن أبي، فإنه تطييب لقلوب من بقي وليس بمضي كقول، الزمخشري: إن قلت كيف خفي على أفصح الخلق، وأخبرهم بأساليب الكلام، وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار ولو كثر لا يجدي، ولا سيما وقد تلاه قوله ذلك:{بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 80] فبين الصارف عن المغفرة لهم، قلت: لم يخف عليه ذلك لكنه فعل ما فعل، وقال ما قال إظهارا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه كقول إبراهيم:{وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] . وفي إظهاراه الرأفة المذكورة لطف بأمته وباعث على رحمة بعضهم بعضا، وتعقبه ابن المنير، فقال: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأخبار الله أنه لا يغفر له، فطلبها لهم مستحيل، ولا يقع
وسأزيد على السبعين قال: إنه منافق:
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم
منه عليه الصلاة والسلام، والجواب الجيد أن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهي عنه لمن مات مظهرا للإسلام لاحتمال أن يكون صحيحا، ولا ينافيه بقية الآية لجواز أن الذي نزل أولا إلى قوله تعالى:{فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم} [التوبة: 80] الآية، بدليل تمسكه صلى الله عليه وسلم به وقوله إنما خيرني تمسكا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام، إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك، فلما وقعت هذه القصة، كشف الله الغطاء، ونادى عليهم بعد ذلك بأنهم كفروا بالله، وبهذا يرتفع الإشكال، "وسأزيد على السبعين".
ولعبد بن حميدة، عن قتادة والطبري، عن مجاهد وهو ابن أبي حاتم عن عروة: فوالله لأزيدن على السبعين.
وعند الطبراني من مرسل الشعبي فأنا استغفر سبعين وسبعين وسبعين، وهي وإن كانت مراسيل يعضد بعضها بعضا، فلا يصح جواب من أجاب عن الإشكال بأنه قاله استمالة لقلوب عشيرته لا أنه إن زاد يغفر له، ولا أنه زاد لثبوت الرواية بأنه سيزيد ووعده صادق ولا سيما وقد قال: لأزيدن بصيغة المبالغة في التأكيد "قال" عمر: "إنه منافق" لما كان يطلع عليه من أحواله، "فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولم يأخذ بقول عمر إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستصحبا لظاهر الحكم والإكرام ولده الذي تحقق صلاحه، واستئلافا لقومه، ودفعا للمفسدة، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين.
وفي رواية للبخاري فصلينا معه، ففيه كما قال الحافظ أبو نعيم: أن عمر ترك رأي نفسه، وتابعه صلى الله عليه وسلم، وقد ورد ما يدل على أنه أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له، فذكر الواقدي: أن مجمع بن جارية قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف، وفي حديث ابن عباس عن عمر عند ابن إسحاق، ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه.
قال الخطابي، وتبعه ابن بطال: إنما فعل ذلك لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين ولتطييب قلب ولده الرجل الصالح، ولتألف الخزرج لرياسته فيهم، فلو لم يجب سؤال ابنه، وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة على ابنه وعارا على قومه فاستعمل صلى الله عليه وسلم أحسن الأمرين في السياسة إلى أن كشف الله الغطاء، "فأنزل الله تعالى" وفي حديث ابن عباس في الصحيح، فصلى عليه ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت:" {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} "[التوبة: 84] . قال البيضاوي: المراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له، وهو
مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] رواه الشيخان والنسائي.
ممنوع في حق الكافر، ولذا رتب النهي على قوله:" {مَاتَ أَبَدًا} "[التوبة: 84] ، يعني على الكفر، فإن إحياء الكافر للتعذيب دون التمتع، فكأنه لم يحي " {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} " [التوبة: 84] .
قال قتادة: فذكر لنا أنه صلى الله عليه وسلم قال: "وما يغني عنه قميصي من الله وأنه لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه".
أخرجه الطبراني زاد مسدد، فترك الصلاة عليهم وفي رواية ابن إسحاق عن عمر فما صلى على منافق بعده حتى قبضه الله، زاد ابن جرير ولا قام على قبره، وظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم.
قال الواقدي: أخبرنا معمر عن الزهري قال: قال حذيفة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني مسر إليك سرا فلا تذكره لأحد إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان" رهط ذوي عدد من المنافقين، قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه. ومن طريق آخر عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلا ولعل حكمة اختصاصهم علم الله أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم فأنهم تابوا.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لما نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6] ورجاله ثقات مع إرساله، ويحتمل أن كون الآيتان معا نزلتا في ذلك، انتهى جميعه ملخصا من فتح الباري خلا ما نقلته عن البيضاوي.
وفي شرح المصنف قد روى: أن ألفا من الخزرج أسلموا لما رأوه يستشفع بثوبه، ويتوقع اندفاع العذاب عن هذا، وعجيب من الشارح مع زيادة فطنته، وشدة حذقه كيف كتب على قول المصنف، فصلى عليه.
هذا حكاه البيضاوي بقيل وصدر بأنه ذهب ليصلي عليه، فنزلت فإذا كان لهم يقف على غيره أفما كان يتنبه لقول المصنف.
"رواه الشيخان والنسائي" بطرق عن ابن عمرو وبنحوه من حديث ابن عباس عن عمر، فأين يقع ما صدر به من مرويهما.
قال البيضاوي: وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه؛ لأن الضنة به تخل بالكرم ولأنه كان
وفي هذه السنة آلى صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا. وجحش شقه -أي خدش- وجلس في مشربة له درجها من جذوع،
مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر، زاد المصنف لئلا يكون لمنافق عليه منة، وقد أطلت وما تركته أطول.
"وفي هذه السنة" سنة تسع فيما قال بعضهم، وجزم به اليعمري في الحوادث، فتبعه المصنف هنا والذي اقتصر عليه في الفتح لفظه أفاد ابن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة انتهى، وبه جزم شيخه ابن الملقن والمصنف في شرح البخاري "آلي" بمدة الهمزة "صلى الله عليه وسلم من نسائه" أي حلف أن لا يدخل عليهن، ففي مسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه "شهرا" وليس المراد به الإيلاء المتعارف بين الفقهاء.
قاله الحافظ وغيره لحرمته، فلا يغفله وإنما المراد اللغوي كقوله تعالى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} [النور: 22] أي يحلف "وجحش".
قال الحافظ بضم الجيم وكسر المهملة فشين معجمة "شقه" الأيمن، كما في رواية الزهري عن أنس في الصحيحين وفي رواية حميد عن أنس: فجحشت ساقه أو كتفه، وللإسماعيلي انفكت قدمه، وكذا رواه أبو داود، وابن خزيمة عن جابر، ولا منافاة لجواز وقوع الأمرين، وحاصله أن عائشة أبهمت الشكوى، فقالت وهو شاك وبين جابر وأنس السبب، وهو السقوط عن الفرس وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا، وهو انفكاك القدم فليس كما قال عياض يحتمل أنه أصابه من السقطة رض منعه من القيام، "أي خدش" وفي الفتح الجحش الخدش أو أشد منه قليلا، والخدش قشر الجلد.
روى الشيخان وغيرهما عن أنس: أنه صلى الله عليه وسلم سقط عن فرس فجحشت ساقه أو كتفه، وآلى من نسائه شهرا، فليس سببه أنه نام على حصير على السرير، فأثر في جسده الخدش، كما توهم من مجرد رواية قوله: فأثر في جسده وإلا فلم يقله أحد، وجلس في مشربة.
قال الحافظ: بفتح الميم، وسكون المعجمة، وضم الراء، ويجوز فتحها أي غرفة عالية "له" في حجرة عائشة كما في حديث جابر، وهو دال على أن الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنه عجز عن الصلاة بالناس فيه، فكان يصلي فيها بمن حضر، لكن لم ينقل أنه استخلف، ولذا قال عياض: الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن بالمسجد وما قاله محتمل وإن لزم عليه صلاة الإمام أعلى من المأمومين، ومذهب عياض خلافه؛ لأن محله ما لم يكن معه الإمام العالي أحد، وهنا كان معه بعض الصحابة، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف، وإن لم ينقل "درجها من جذوع" كذا للأكثر بالتنوين بغير إضافة وللكشميهني من جذوع.
فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا، ولا تركعوا حتى يركع، ولا ترفعوا حتى يرفع".
النخل، "فأتاه أصحابه يعودونه" سمي منهم أنس وجابر وأبو بكر وعمر، "فصلى بهم" زاد في رواية الزهري صلاة من الصلوات.
قال القرطبي اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض؛ لأنها التي عرف من عاداتهم الاجتماع لها بخلاف النافلة.
وحكى عياض عن ابن القسم: أنها كانت نفلا، وتعقب بأن في رواية جابر عن ابن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض ولم أقف على تعيينها إلا في حديث أنس: فصلى بنا يومئذ، فكأنها نهارية الظهر أو العصر، ولأبي داود عن جابر: أنهم عادوه مرتين، فصلى بهم فيهما لكن بين أن الأولى كانت نافلة، وأقرهم على القيام وهو جالس، والثانية فريضة وابتدءوا قياما فأشار إليهم بالجلوس ونحوه للإسماعيلي عن أنس انتهى حال كونه "جالسا وهم قيام" جملة اسمية حالية، كذا في رواية حميد عن أنس.
وفي حديث عائشة في الصحيح: فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا وظاهرهما التعارض.
قال الحافظ: فيجمع بينهما بأن أنسا انتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس، وفي رواية الزهري عن أنس، فصلينا وراءه قعودا، والجمع بينهما أنهم ابتدءوا الصلاة قياما فأومأ إليهم بالقعود، فقعدوا فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جابر عند مسلم "فلما سلم قال:"إنما جعل الإمام" إماما "ليؤتم" ليفتدى "به" ويتبع، ومن شأن التابع أن يأتي بمثل متبوعه على أثره، فلا يسبقه ولا يساويه "فإذا صلى قائما، فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا" في جميع الصلاة لا أن المراد جلوس التشهد وبين السجدتين إذ لو كان مراد لقال: وإن جلس فاجلسوا كما قال ابن دقيق العيد وغره.
وهو محمول على العجز، أي إذا كنتم عاجزين عن القيام كالإمام، أو منسوخ "ولا تركعوا حتى يركع".
قال ابن المنير: مقتضاه أن ركوع المأموم بعد ركوع الإمام إما بعد انحنائه، وإما بأن يسبقه الإمام بأوله، فيشرع فيه بعد أن يشرع، "ولا ترفعوا" رءوسكم من الركوع والسجود "حتى يرفع" رأسه في حديث عائشة والزهري عن أنس "وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك
ونزل لتسع وعشرين فقالوا: يا رسول الله إنك آليت شهرا، فقال:"إن الشهر يكون تسعا وعشرين".
الحمد". "ونزل" صلى الله عليه وسلم "لتسع عشرين" يوما مضت من الشهر، ولمسلم عن عائشة، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل عليَّ أي بأيامها؛ لأن العرب تؤرخ بالليالي، فالأيام تابعة لها، فلا يعارض حديث أم سلمة في الصحيحين فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا أو راح، "فقالوا:" وفي حديث أم سلمة فقل وفي مسلم عن عائشة بدأ بي.
فقلت: "يا رسول الله إنك آليت" حلفت لا تدخل على نسائك "شهرا، فقال: "إن الشهر يكون تسعا وعشرين". وهذا كان كذلك لرواية أن الشهر تسع وعشرون.
قال الخطابي: أل للعهد، أي الشهر المحلوف عليه، وسبب الحلف ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند زينب، ويمكث عندها، فتوطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير وهو بفتح الميم والمعجمة فألف ففاء صمغ له رائحة كريهة فدخل على إحداهما فقالت: إني أجد منك ريح مغافير قال: "لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا".
وفي الصحيح أيضا من وجه آخر عن عائشة: أن التي شرب عندها حفصة بنت عمر من عكة أهدتها لها امرأة من قومها بمكة، قالت عائشة: ففرت فقلت لسودة إذا دنا منك، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك وقولي أنت يا صفية ذاك.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس أن شربه العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تظاهرتا، فوافق الرواية الأولى، وإن اختلف في صاحبة العسل، فيحمل على التعدد، أو أن كون صاحبة العسل زينب أثبت كما صوبه عياض وغيره لموافقة ابن عباس لها على المتظاهرين، فلو كان حفصة صاحبة العسل لم تقترن بعائشة في المظاهرة، ورجح أيضا بقول عائشة: كنت أنا وسودة، وصفية وحفصة في خرب، وزينب وأم سلمة والباقيات في خرب، فلذا غارت من زينب لكونها من غير خربها.
قال ابن كثير وغيره: وفي ذلك نزل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} [التحريم: 1] على الصحيح وقال الخطابي الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية على نفسه، ورجحه الحافظ بما رواه سعيد بن منصور، والضياء في المختارة، والطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه والنسائي، ولفظه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان له أمة يطأها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، على الصحيح وقال الخطابي الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية على نفسه، ورجحه الحافظ بما رواه سعيد بن منصور، والضياء في المختارة والطبراني في عشرة النساء، وابن مردويه والنسائي، ولفظه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان له أمة يطأها، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها، فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] .
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة دخل صلى الله عليه وسلم بمارية بيت حفصة، فجاءت فوجدتها.
معه فقالت: يا رسول الله في بيتي دون بيوت نسائك، قال:"فإنها عليَّ حرام أن أمسها يا حفصة واكتمي هذا عليَّ" فأتت عائشة، فأخبرتها فنزلت الآية قال: ويحتمل أنها نزلت في السببين معا.
قال في اللباب: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها نزلت في التي وهبت نفسها، وهو غريب وسنده ضعيف والله أعلم.