الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبث إلى اليمن
…
[البعث إلى اليمن] :
ثم بعث أبا موسى ومعاذا إلى اليمن قبل حجة الوداع. كل واحد منهما على مخلاف. قالوا: واليمن مخلافان،
البعث إلى اليمن:
"ثم بعث" صلى الله عليه وسلم "أبا موسى" عبد الله بن قيس الأشعري، "ومعاذا" هو ابن جبل "إلى اليمن قبل حجة الوداع" هذه ترجمة البخاري، إلا أن المصنف زاد أولها نظرا إلى أنه مقتضى القبلية، ولذا قال الحافظ في كتاب الزكاة، كان البعث إلى اليمن سنة عشر قبل حجه عليه السلام، كما ذكر البخاري في آخر المغازي، وقيل في آخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك.
رواه الواقدي وابن سعد عن كعب بن مالك وحكى ابن سعد أيضا: أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر، وقيل عام الفتح سنة ثمان، انتهى. وقال هناك كأنه أشار بالتقييد بالقبلية إلى ما وقع في بعض أحاديث الباب، أنه رجع من اليمن فلقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع، لكن القبلية نسبية، وعند أهل المغازي أنها كانت في ربيع الآخر سنة تسع، انتهى. فعلى ما نسبه لأهل المغازي، فثم في المصنف للترتيب الذكري، وأما على غيره، فالترتيب حقيقي.
قال الحافظ وبين البخاري في استتابة المرتدين عن أبي موسى سبب بعثه إلى اليمن ولفظه قال: أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل يعني أن يستعمله.
فقال: "لن نستعمل على عملنا من أراد ولكن اذهب أنت يا أبا موسى إلى اليمن" ثم أتبعه معاذ بن جبل، انتهى. وكأنه تراحى قليلا فعبر بثم، وإلا فروايات الباب كلها بالواو في البخاري، وهو ظاهر قوله يسرا إلخ.... بخطاب المثنى.
روى البخاري تلو الترجمة عن أبي بردة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث "كل واحد منهما على مخلاف، فكل بالنصب مفعول بعث الثابتة في الرواية التي استعنى المصنف عنها يبعث التي ذكرها أولا لا مرفوع مبتدأ وخبر لأنه وإن جاز لكنه خلاف الرواية "قالوا" كذا في النسخ وهو تصحيف صوابه كما في البخاري قال بالأفراد أي أبو
ثم قال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا". وقال لمعاذ: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
بردة "واليمن مخلافان" وهو بموحدة وراء واسمه عامر بن أبي موسى، وهو تابعي، فالحديث مرسل، ولذا عقبه البخاري بطريق أخرى موصولة، ثم قواها بأحاديث "ثم قال" صلى الله عليه وسلم لهما:"يسرا" بتحتية ومهملة من اليسر، أي سهلا "ولا تعسرا" لا تشددا أي عاملا بالرفق في الأمور، فأقيما الأحكام مطابقة للأمر، فأقيما الحدود وأوصلا إلى كل ذي حق حقه، لكن برفق كأنظار معسر، ولا تعملا بالشدة، كالقتل قبل تكرير الدعاء إلى الإسلام، "وبشرا" بموحدة ومعجمة "ولا تنفرا" بالفاء زاد بالبخاري في رواية وتطاوعا، وهذا ظاهر جدا في بعثهما معا.
قال الطبيبي: هو من باب المقابلة المعنوية؛ لأن الحقيقة أن يقال: بشرا، ولا تنذرا وآنسا، ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة، والنذارة والتأنيس والتنفير.
قال الحافظ: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة، وهو الأصل، وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بالذي عده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفي مطلقا بخلاف التنفير، فاكتفى بما يلزم عن الإنذار وهو التنفير فكأنه قيل إن أنذرتم فليكن بغير تنفير: كقوله تعالى:
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] قال شيخنا: ولعل قول الطيبي فجمع بينهما أنه لما قابل البشارة بالنهي عن التنفير. علم منه طلب التأنيس ولزم منه عدم التنفير، فلما ذكر النهي عنه كأنه أريد به النهي عن الإنذار، فشملت عبارته الأمر بالتأنيس، والنهي عن الإنذار، انتهى.
وبقية هذا الحديث في البخاري فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، الحديث.
وفي البخاري عن ابن عباس قال: "قال" صلى الله عليه وسلم "لمعاذ:" وعند أحمد وأبي يعلى برجال ثقات عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت ظل راحلته. فلما فرغ قال:"يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري" فبكى معاذ لفراقه.
وروى ابن عساكر عنه: أنه صلى الله عليه وسلم مشى معه ميلا، ومعاذ راكب لأمره صلى الله عليه وسلم له بذلك ولأحمد عنه: لما بعثني صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: "قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، فقاتل بمن أطاعك من عصاك""إنك ستأتي قوما أهل كتاب".
قال الحافظ: هو كالتوطئة للوصية ليستجمع عليها؛ لأن أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، ليس فيه أن جميع من يقدم عليهم أهل كتاب، بل يجوز أن فيهم غيرهم، وخصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم، "فإذا جئتهم" قيل عبر بإذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم، $"فادعهم إلى يشهدوا أن لا إله إلا الله،
فإذا هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم
وأن محمدا رسول الله" وفي رواية وأني رسول الله، وفي أخرى فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله، ويجمع بينهما بأن المراد بها توحيده وبه الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، وبدأ بهما لأنهما أصل الدين لا يصح شيء إلا بهما، فمن كان غيره موحد طولب بكل من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدا طولب بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة، وإن اعتقدوا ما يقتضي الاشتراك أو يستلزمه كالقائل: بأن عزيرا ابن الله أو اعتقدوا التشبيه وطلبوا بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائهم.
وذكر ابن إسحاق في أوئل السيرة: أن أصل دخول اليهودية في اليمن زمن أسعد وهو تبع الأصغر، "فإن هم أطاعوا لك" أي شهدوا وانقادوا وعدي أطاع باللام، وإن تعدى بنفسه لتضمينه معنى انقاد "بذلك".
وفي رواية ابن خزيمة: فإن هم أجابوا لذلك، وفي رواية فإذا عرفوا ذلك، وفيه أن أهل الكتاب ليسوا بعارفين، وإن عبدوا الله وأظهروا معرفته، لكن قال حذاق المتكلمين ما عرف الله من شبهه بخلقه أو أضاف إليه اليد او الولد، "فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة" وفيه أن الوتر ليس بفرض، "فإن هم أطاعوا لك" بأن التزموا فرضها، ويؤيده الأخبار بالفرضية، فتعود الإشارة "بذلك" إليها، أو المراد أطاعوا بفعل الصلاة ورجع بأنهم لو بادروا إلى الامتثال بالفعل كفى ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين، فالشرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب قاله ابن دقيق العيد، والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بينهما، فمن امتثل بالإقرار وبالفعل كفاه أو بهما فأولى.
وفي رواية فإذا صلوا، وفي رواية طاعوا بغير ألف، حكاها ابن التين قائلا إذا امتثل أمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاعه.
قال الأزهري: طاع له انقاد، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، ومنهم من قال: طاع وأطاع بمعنى وحاصله أنه استعمل كل منهما لازما ومتعديا إما بمعنى واحد مثل بدأ الخلق وأبدأه أو دخلت الهمزة للتعدية وفي اللازم للصيرورة، أو ضمن المتعدي معنى فعل لازم؛ لأن كثيرا من اللغويين فسروا أطاع بمعنى لأن. وانقاد وهو اللائق هنا وإن غلب التعدي في الرباعي واللزوم في الثلاثي، وهذا أولى من دعوى أنهما بمعنى لقلته، ومن دعوى أن اللام في الحديث زائدة "فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة" وفي رواية افترض عليهم زكاة في أموالهم "تؤخذ من أغنيائهم" احتج به على أن الإمام يتولى قبض الزكاة وصرفها بنفسه، أو نائبه، فمن امتنع أخذت
فترد على فقرائهم؛ فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإنك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
منه قهرا، "فترد على فقرائهم" استدل به لقول مالك وغيره: بإخراج الزكاة في نصف واحد، وبحث فيه ابن دقيق العيد لاحتمال أن ذكر الفقراء لكونهم الغالب، وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء.
قال الخطابي: آخر الصدقة عن الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم، ولأنها لا تكرر تكرر الصلاة، وهو حسن وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب؛ لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة.
وقال بعضهم: هو استدلال ضعيف لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب، وقد قدمت إحداهما على الأخرى ورتبت الأخرى عليها بالفاء لئلا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة "فإنهم أطاعوا لك بذلك".
وفي رواية فإذا أقروا بذلك "فإياك وكرائم" جمع كريمة، أي نفائس "أموالهم" لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء، وكرائم منصوب بفعل مضمر، لا يجوز اظهاره.
قال ابن قتيبة: ولا يجوز حذف الواو، " واتق دعوة المظلوم" أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، فالنكتة في ذكره عقب منع أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم.
وقال بعضهم: عطف واتق على عامل إياك المحذوف وجوبا، فالتقدير اتق نفسك أن تتعرض للكرائم، إشارة إلى أنه ظلم لكنه عمم إشارة إلى التحرز عن الظلم مطلقا، "فإنه ليس بينها" وفي رواية بينه، أي الدعاء "وبين الله حجاب" أي صارف يصرفها، ولا مانع، أي أنها مقبولة وإن كان عاصيا، كما في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا، دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه، وإسناده حسن، وليس المراد أن لله حجابا يحجبه عن الناس، وقال الطيبي:"اتق دعوة المظلوم" تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره، وقوله:"فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار
رواه البخاري.
والمخلاف: -بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء- بلغة أهل اليمن الكورة والإقليم والرستاق.
وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن، وكان.
السلطان متظلما، فلا يحجب.
قال ابن العربي: إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخل له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله، كما قيد مطلق قوله: أمن يجيب المضطر إذا دعاه، بقوله فيكشف ما تدعون إليه إن شاء هذا، ولم يذكر الصوم والحج مع أن البعث كان في أواخر الأمر، وأجاب ابن الصلاح بأنه تقصير من بعض الرواة، وتعقب بأنه يقضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث لاحتمال الزيادة والنقصان، وقال شيخنا شيخ الإسلام: يعني البلقيني إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منها بشيء كحديث بني الإسلام على خمس، وإذا كان في الدعاء الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة ولو بعد فرض الصوم والحج قطعا؛ لأن الأركان الخمسة اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة فاقتصر عليها التفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض، والحج بدني ومالي، وأيضا فكلمة الإسلام هي الأصل، وهي شاقة على الكفار، والصلوات شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها، انتهى من فتح الباري جميعه ملخصا.
"رواه" أي المذكور من حديثي أبي بردة وابن عباس "البخاري" وكذا رواهما مسلم وغيره، ويقع في بعض نسخ المصنف إسقاط الصلاة، وهو خطأ نشأ عن سقط لغزوه للبخاري، وهي ثابتة فيه، فيسقط زعم أنها لم تذكر لأنها بدنية قد لا يشح بها، ومألوفة لأهل الكتاب لأنهم يصلون غايته أنهم يغيرونها على صفة أخرى، وهو سهل لأنه يوهم أن الشارع لم يذكرها وهو خطأ؛ لأنه ذكرها عليه السلام، "والمخلاف" كما في الفتح "بكسر الميم، وسكون" الخاء، "المعجمة وآخره فاء" هو "بلغة أهل اليمن الكورة"، بضم الكاف الناحية ويطلق على المدينة، كما في المصباح "والإقليم والرستاق".
قال الحافظ: بضم الراء، وسكون المهملة بعدها فوقية وآخره قاف، انتهى.
قال في المصباح معرب يستعمل في الناحية التي هي طرف الإقليم والرزداق، بالزاي والدال مثله، والجمع رساتيق ورزاديق، "وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب" جهة "عدن، وكان