الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في ذكر أسمائه الشريفة المنبئة على كمال صفاته المنيفة
اعلم أن الأسماء جمع اسم، وهو كلمة وضعتها العرب بإزاء مسمى، متى أطلقت فهم منها لك المسمى، فعلى هذا لا بد من مراعاة أربعة أشياء: الاسم والمسمى -بفتح الميم والمسمي بكسرها-.....
"الفصل الأول في ذكر أسمائه الشريفة" أي التي وقف عليها، وهي أكثر من أربعمائة، فلا يرد عليه أن الجمع المضاف يفيد العموم، وقد نقل ابن العربي: أنها ألف؛ لأن مراده عموما مقيد بما رآه بقرينة كلامه بعد "المنبئة" صفة لازمة إذ هي كلها دالة "على كمال صفاته المنيفة" الزائدة شرفا على غيرها، فليس المراد أنه يذكر ما دل على الكمال دون غيره، وإنما دلت على ذلك لأن مفاهيمها كلها تدل على معان شريفة، ولذا قال ابن القيم: إن محمد علم وصفة في حقه صلى الله عليه وسلم وإن كان علما محضا في حق غيره. وهذا شأن أسمائه كأسماء الله أعلام دالة على معان هي أوصاف مدح، فلا تضاد فيها العلمية الوصفية، ولما كانت الأسماء قوالب المعاني ودالة عليها اقتضت المحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبي ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثير في أسمائها في الحسن والقبح، والثقل، واللطافة والكثافة كما قيل:
وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب
…
إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
"اعلم أن الأسماء جمع اسم، وهو" لغة "كلمة وضعتها العرب بإزاء" مقابل "مسمى متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى" فشمل الأفعال لفهم معانيها إذا أطلقت وإن كانت الأسماء الشريفة كلها اصطلاحية وفيه مسامحة؛ لأن أسماء الله تعالى هو الواضع لها اتفاقا كأسماء الأجناس على الراجح، وقيل العرب. وأسماء الأشخاص من وضعها عربيا كان أو غيره فهو قاصر على أسماء الأجناس مع المشي على الضعيف، "فعلى هذا لا بد في تحقق الاسم ووجوده "من مراعاة أربعة أشياء الاسم والمسمى، بفتح الميم، والمسمي بكسرها" مخففة ومثقلة فيهما من
والتسمية فالاسم: هو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو تخصيصها عن غيرها كلفظ: زيد.
والمسمى: هو الذات المقصود تمييزها بالاسم، كشخص زيد.
والمسمي: هو الواضع لذلك اللفظ.
والتسمية: هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات.
والواضع: تخصيص لفظ بمعنى إذا أطلق أو أحس فهم منه ذلك المعنى.
واختلفوا هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ وهي مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا.
فذهب قوم إلى أن الاسم عين المسمى.
اسميته وسميته وهما بمعنى كما في القاموس: "والتسمية فالاسم هو اللفظ الموضوع على الذات" أراد بها ما دل عليه اللفظ فلا ينافي ما فوقه في تعريف الاسم لتعريفها كأسمائه سبحانه فإن مدلولها وهو الذات لا يلتبس بغيره حتى يراد تمييزه فالمراد منها تعريف عباده به تعالى "أو تخصيصها" أي تمييزها "عن غيرها كلفظ زيد" وغيره من أسماء المخلوقات، فإن المقصود تمييزها عن مشاركها في الوجود قال شيخنا: ويحتمل أنه أراد بالتعريف الإشارة إلى الإعلام الشخصية فإنها تشخص مسمياتها وبالتخصيص الإشارة إلى النكرات، فيكون قوله كلفظ زيد مثالا للأول ولا الثاني، "والمسمى هو الذات المقصود تمييزها بالاسم كشخص زيد" أراد بالذات المسمى جوهرا كمسمى زيد أو عرضا كمسمى البياض وفي القاموس: الاسم اللفظ الموضوع على الجوهر والعرض للتمييز "والمسمى هو الواضع لذلك اللفظ، فالواضع لأسماء الله وأسماء الأجناس هو الله تعالى ولإعلام الأشخاص البشر كما مر، "والتسمية هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات" مصدر اختصصته بكذا إذا خصصته به، فهي عبارة عن جعل الواضع الاسم دالا على المسمى، "والواضع تخصيص لفظ، بمعنى إذا أطلق" كالألفاظ الموضوعة "أو أحس" كالنقوش الدالة عليها، فإذا تصورت انتقل منها إلى الألفاظ ثم منها إلى معانيها فهم منه ذلك المعنى" للعالم، بالوضع فلا يرد أنه غير جامع لأن كثيرا ما تطلق الألفاظ، ولا يفهم الواقف عليها معناها؛ لأنه لعدم علمه بالوضع فهو شرط للفهم لا للدلالة لأنها دالة في نفسها، "واختلفوا" في جواب قول السائل:"هل الاسم عين المسمى أو غيره، وهي مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا، فذهب قوم إلى أن الاسم عين المسمى".
واستدلوا عليه بقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، [الأعلى: 1] ، والتسبيح إنما هو للرب جل وعلا، فدل على أن اسمه هو هو.
وأجيب، بأنه أشرب معنى سبح "اذكر" فكأنه قال: اذكر اسم ربك الأعلى، كقوله تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الإنسان: 25] وقد أشرت معنى اذكر "سبح" عكس الأول. قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّك} [آل عمران: 41] أي سبح ربك، والإشراب جار في لغتهم، يشربون معنى فعل فعلا.
واستشكل.
قال القرطبي وهو قول أبي عبيدة وسيبويه وعزاه الباقلاني لأهل الحق وارتضاه ابن فورك، فإذا قيل: الله عالم، فالله علم على الذات الموصوفة بالعلم، فالاسم بكونه عالما هو المسمى، ولذلك صحت الاستعاذة والاستعانة، يظهر ذلك في قوله "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه" فأضاف الوضع إلى الاسم والرفع إلى الذات فدل على أن الاسم هو الذات وقد استعان وضعا ورفعا لا باللفظ، انتهى.
واستدلوا عليه بقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] الآية: "والتسبيح إنما هو للرب جل وعلا، فدل على أن اسمه هو، "أي الاسم "هو" أي المسمى، أي على أن الاسم هو الذات "وأجيب بأنه اشرب" بالبناء للمجهول معنى سبح اذكر، أي استعمل بمعناه كما يفهمه قوله، "فكأنه قال اذكر اسم ربك الأعلى كقوله تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} " [الإنسان: 25] والمشهور في مثله أنه تضمين وهو أنه يؤخذ اسم فاعل من معنى اللفظ الذي أريد ويجعل حالا من فاعل الفعل المذكور فيقدر هنا مثلا سبح ذاكرا اسم ربك، وقد أشرب معنى اذكر سبح عكس الأول "كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} " [آل عمران: 41] "أي سبح ربك" فهو مثال لاستعمال اذكر بمعنى سبح فالأوضح أن يقول كقوله تعالى، يعني أنهما تقارضا فاستعمل كل منهما موضع الآخر. "والإشراب جار في لغتهم يشربون معنى فعل فعلا" ومنه الآية ويرد بأنه مجاز بلا قرينة، والاستدلال إنما هو على الحقيقة التي هي الأصل، ولا يعدل عنها بلا قرينة "واستشكل" ضمن معنى أورد؛ لأنه يتعدى بعلى فعداه
على معنى كونه هو المسمى إضافته إليه، فإنه يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه. وأجيب: بأن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم؛ لأن التسمية هي اللفظ بالاسم، والاسم هو اللازم للمسمى فتغايرا.
واحتج من قال: إن الاسم عين المسمى أيضا بقوله تعالى: {بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] ثم قال: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] ، فنادى الاسم فدل على أنه المسمى.
وجوابه أن المعنى: يا أيها الغلام الذي اسمه يحيى، ولو كان الاسم عين المسمى لكان من قال: النار احترق لسانه، ومن قال: العسل ذاق حلاوته.
بها في قوله: "على معنى كونه" أي الاسم هو المسمى" أي عينه ونائب الفاعل "إضافته إليه، فإنه يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه" في سبح اسم ربك أولا تضمين فمعناه عد ملتبسا إذ الإشكال الالتباس، كما في القاموس فكأنه قال: عدت إضافة الاسم إلى المسمى مشكلة بناء على أنه عين المسمى وفيه تعسف، "وأجيب بأن الاسم هنا بمعنى التسمية والتسمية غير الاسم؛ لأن التسمية هي اللفظ" أي التلفظ بدليل قوله: "بالاسم والاسم هو اللازم للمسمى فتغايرا" قال شيخنا فيه: إن التسمية بهذا المعنى مصدر، فهي عبارة عن النطق بالاسم والنطق لا يتعلق به الذكر فالأولى في الجواب أن يراد بالتسمية نفسه اللفظ فيكون معنى سبح ربك اذكر المعنى الذي هو الذات باللفظ، الدال عليه والإضافة بيانية، انتهى.
وقد أجيب أيضا كما في شرح المقاصد بأن معنى تسبيح الاسم تقديسه وتنزيهه عن أن يسمى به الغير، أو عن أن يفسر بما لا يليق أو يذكر على غير وجه التعظيم، أو هو كناية عن تسبيح الذات، كقوله سلام على المجلس الشريف والجانب المنيف، وفيه من التعظيم ما لا يخفى أو لفظ اسم مقحم كقوله إلى الحول، ثم اسم السلام عليكما "واحتج من قال: إن الاسم عين المسمى أيضا بقوله تعالى: {بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} ثم قال: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} فنادى الاسم فدل على أنه المسمى لأن النداء هو طلب الإقبال من المنادى والإقبال لا يكون من اللفظ وإنما يكون من مسماه وجوابه أن المعنى يا أيها الغلام الذي اسمه يحيى و"ذهب المتأخرون إلى أن الاسم مغاير للمسمى وبعضهم صححه، واحتجوا بأن "لو كان الاسم عين المسمى لكان من قال النار احترق لسانه، ومن قال العسل ذاق حلاوته" والواقع خلافه. ورد بأن الاسم هنا لفظ ولا نزاع فيه إنما النزاع في أنه هل يطلق، ويراد به غيره، فلا يلزم ما ذكره قال بعض المحققين: ليس مراد القائل أن الاسم عين المسمى أن اللفظ الذي هو
وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وقد سمى الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأسماء كثيرة في القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية، وعلى ألسنة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
ثم إن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم: محمد، وبه سماه جده عبد المطلب وذلك أنه لما قيل له: ما سميت ولدك؟ قال: محمدا فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال: لأني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم
…
وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب -كما ذكر حديثها على القيرواني العابر
الصوت عين المعنى الذي وضع له اللفظ إذ لا يقوله عاقل، وإنما مراده أنه يطلق اسم الشيء مرادا به مسماه، وهو كثير شائع. والمسألة مفردة بالتأليف، وقد قيل لا طائل تحت هذا الخلاف، فلا حاجة لنا ببسط القول فيه، والذي صححه ابن السبكي وغيره أن الاسم هو المسمى، "وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى" للعناية به وبشأنه، ولذا ترى المسميات في كلام العرب أكثر محاولة وإعناء كما في الشامية، يعني أنهم أكثر ما يحاولون في المسميات تمييزها بالأسماء الكثيرة المميزة لها، والدالة على شرفها، لا سيما إذ لوحظت المناسبة بين كل اسم ومسماه، وهذه توطئة لقوله:"وقد سمى الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأسماء كثيرة في القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية، وعلى ألسنة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام"، فهي كالعلة المتقدمة على معلولها، وذكرها بعدها أوضح، وأكثرها فات قال ابن عبد البر: الأسماء والصفات هنا سواء، "ثم إن أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم" زاد الشامي وأجلها "محمد" ويليه في الشهرة أحمد، كما في الفتح قال: محمد منقول من صفة الحمد، وفيه المبالغة والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة، كالممدح قال الأعشى:
إليك أبيت اللعن كأن وجيفها
…
إلى الماجد القرم الجواد المحمد
أي الذي حمد مرة بعد مرة، أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة انتهى. "وبه سماه جده عبد المطلب، وذلك" كما في الروض، "أنه لما قيل له: ما سميت ولدك قال: محمدا، فقيل له. كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك" وعادت العرب الغالبة تسمية المولود باسم أحد آبائه، "فقال: لأني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم".
وفي رواية أردت أن يكون محمودا في السماء لله وفي الأرض لخلقه، وقيل: بل سمته أمه بذلك لما رأته وقيل لها في شأنه بأن أمه لما نقلت ما رأته لجده سماه فوقع التسمية منه بسببها وإذا كان بسببها، صح أنها سمته "وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب" قبل المولد النبوي بزمان، "كما ذكر حديثها على القيرواني العابر" اسم فاعل من عبر الرؤيا مخففا،
في كتابه "البستان"- قال: كان عبد المطلب قد رأى في المنام كأن سلسلة من فضة قد خرجت من ظهره، لها طرف في السماء، وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها. فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته به أمه آمنة حين قيل لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمدا.
فسرها "في كتابه البستان قال: كان عبد المطلب قد رأى في المنام كأن سلسلة من فضة خرجة من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض".
هكذا ثبت في النسخ الصحيحة، وسقط في بعضها سهوا، فإنه ثابت في الروض عن الكتاب المذكور "وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور" وعند أبي نعيم وما رأيت نورا أزهر منها أعظم من نور الشمس بسبعين ضعفا وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها، وعند أبي نعيم ورأيت العرب والعجم لها ساجدين وناسا من قريش تعلقوا بها وقوما منهم يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب لم أر أحسن منه وجها، ولا أطيب ريحا فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها، فلم أنل وقيل لي: النصيب للذين تعلقوا بها، "فقصها" على كاهنة قريش، كما لأبي نعيم "فعبرت" بكسر الموحدة مخففة في لغة القرءن {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون} ، ومثقلة فيما أثبته في الكشاف اعتمادا على بيت أنشده المبرد في الكامل حيث قال:
رأيت رؤيا ثم عبرتها
…
وكنت للأحلام عبارا
"له بمولود يكون من صلبه" بواسطة ذكر ولذا لم يقل من ذريته، لئلا يتوهم أنه من أولاد البنات "يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب" تعبير لتعليقهم بالشجرة، "ويحمده أهل السماء والأرض" كأنه أخذ من التعلق إذ من تعلق بشخص حمده، ولا يراد أنه غير لازم لاحتمال أن التعلق للخوف منه؛ لأنه لا يخاف من الشجرة لا سيما وقد أعجبهم نورها المؤدي لمزيد الحمد وعمم الحمد بأهل السماء والأرض، وخص التبعية بالأرض؛ لأنهم كانوا على الضلال، فأنقذهم منه بخلاف السماء، فإيمانهم سابق على البعثة، فالمناسب لهم الحمد دون التبعية ولأن ظهور آثارها من التكاليف إنما هو لأهل الأرض، وأما أهل السماء ولو قلنا بالراجح من بعثه إليهم فغير مكلفين بتفاصيل الأحكام "فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه آمنة حين قيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضعتيه فسميه محمدا"، إلى هنا كلام السهيلي.
وعن ابن عباس قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم عق عنه عبد المطلب وسماه محمدا فقيل له: يا أبا الحارث ما حملك على أن سميته محمدا ولم تسمه باسم آبائه، قال: أردت أن يحمده الله في السماء، ويحمده الناس في الأرض.
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الي يمحو الله بي الكفر،
"و" أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب "عن ابن عباس قال: لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم" هو لم يدرك ذلك، فكأنه حمله على أبيه أو غيره "عق عنه عبد المطلب" بجزور يوم سابعه، كما في الخميس، وقيل بكبش "وسماه محمدا فقيل له: يا أبا الحارث" كنية عبد المطب باسم أكبر بنية "ما حملك على أن سميته محمدا، ولم تسمه باسم آبائه، قال: أردت أن يحمده الله في السماء، و" "أن يحمده الناس في الأرض".
"و" روى ابن شهاب "عن محمد بن جبير بن مطعم" بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي، الثقة العالم بالأنساب من رجال الجميع مات على رأس المائة "عن أبيه" جبير بجيم، وموحدة مصغر الصحابي العالم بالأنساب أسلم بين الحديبية والفتح وقيل في الفتح، وتوفى سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي أسماء" كذا رواه الأكثر عن الزهري، عن شعيب، عند الشيخين ومعمر ويونس وعقيل وسفيان بن عيية عند مسلم والترمذي.
ورواه مالك في الموطأ عن الزهري، ومن طريقه أخرجه البخاري أيضا بلفظ "لي خمسة أسماء" ولم ينفرد بها مالك بل تابعه محمد بن ميسرة عن الزهري، أخرجه البيهقي وأشار إليه عياض فخمسة زيادة ثقة غير منافية فيجب قبولها.
ولذا تعقب الحافظ وغيره من زعم أنها من الراوي كما يأتي وزعم أن الشامي قال: رواية مالك ومحمد بدون خمسة وسفيان بإثباتها وهم، فلفظ الشامي وإنما وقعت هذه اللفظة في رواية مالك ومحمد بن ميسرة ثم ساق رواية كل منهما وذكر فيها لفظ خمسة وسبب دخول الوهم على من نسب له ذلك، أن الشامي لما ذكر رواية سفيان قال:"إن لي خمسة أسماء"، فوقعت لفظة خمسة سبق قلم، أو من النساخ بدليل حصره بعد قليل جدا في مالك ومحمد، كما هو الواقع، فلما رأى الأولى ظن تحريف الثانية فنقلها على ما تخيله صوابا، وهو خطأ مخالف لما في الموطأ والصحيحين "أنا محمد وأنا أحمد" أفعل من الحمد قطع متعلقة للمبالغة، وبدأ بهما لأنهما أشهر أسمائه، وقدم محمد لأن أشهرهما "وأنا الماحي" بحاء مهملة "الذي يمحو الله بي الكفر" يزيله لأنه بعث والدنيا مظلمة بغياهب الكفر، فأتى صلى الله عليه وسلم بالنور الساطع حتى محاه.
قال عياض: أي من مكة وبلاد العرب وما روى له من الأرض، ووعد أنه يبلغه ملك أمته
وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب" رواه الشيخان.
وقد روى على قدمي بتخفيف الياء وبالإفراد وبالتشديد على التثنية.
قال: أو يكون المحو عاما بمعنى الظهور والغلبة ليظهره على الدين كله.
وفي الفتح استشكل بأنه ما أنمحى من جميع البلاد وأجيب بحمله على الأغلب أو على جزيرة العرب أو أنه يمحي بسببه أولا فأولا إلى أن يضمحل في زمان عيسى فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وتعقب بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، ويجلب بجواز أن يرتد بعضهم بعد موت عيسى، وترسل الريح فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة فحينئذ فلا يبقى إلا الشرار، "وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي"، أي على أثري، أي أنه يحشر قبل الناس، ويرجحه رواية نافع بن جبير بعثت مع الساعة أو المراد بالقدم الزمان، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه لا نبي بعده ولا شريعة واستشكل التفسير باقتضائه أنه محشور، فكيف يفسر به حاشر اسم فاعل وأجيب بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة، وهي تصح بأدنى ملابسة. فلما كان لا أمة بعد أمته؛ لأنه لا نبي بعده نسب الحشر إليه لوقوعه عقبه أو معناه أول من يحشر كحديث:"أنا أول من تنشق الأرض عنه أو على مشاهدتي قائما لله شاهدا على الأمم" وقيل: معنى القدم السبب "وأنا العاقب".
زاد يونس في روايته عن الزهري الذي ليس بعده نبي، وقد سماه الله رءوفا رحيما.
قال البيهقي: وقد سماه مدرج من قول الزهري قال الحافظ: وهو كما قال وكأنه أشار إلى ما في آخر سورة براءة وأما قوله: "الذي ليس بعده نبي" فظاهره الإدراج أيضا. لكن في رواية ابن عيينة عند الترمذي وغيره بلفظ "الذي ليس بعدي نبي" انتهى.
وجزم السيوطي على الموطأ، بأنه مدرج من تفسير الزهري لرواية الطبراني، الحديث من طريق معمر إلى قوله:"وأنا العاقب" قال معمر: قلت للزهري: ما العاقب، قال: الذي ليس بعده نبي وقال أبو عبيدة قال سفيان: العاقب آخر الأنبياء انتهى. ولا ينافيه رواية بعدي بياء المتكلم؛ لأنها قد ترد على لسان المفسر حكاية عن لسان من فسر كلامه، إذا قوى تفسيره عنده عنده حتى كأنه نطق به وفي رواية نافع بن جبير فإنه عقب الأنبياء.
قال الحافظ: وهو محتمل للرفع والوقف انتهى. وما يقع في نسخ وأنا العاقب فلا نبي بعدي وهم إذ ليس في رواية من عزي له بقوة "رواه الشيخان البخاري بهذا اللفظ في التفسير وبلفظ "لي خمسة أسماء" إلخ في المناقب ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
"وقد روى على قدمي" بكسر الميم، وبتخفيف الياء بالإفراد وبالتشديد للياء مع فتح الميم "على التثنية".
قال النووي في شرح مسلم: معنى الروايتين: يحشرون على أثري وزماني ورسالتي.
وفي رواية نافع بن جبير عند البخاري في تاريخه الأوسط والصغير، والحاكم في مستدركه وصححه، وأبي نعيم في الدلائل وابن سعد: أنه دخل على مطعم بعدها قال: نعم، هي ستة، فذكر الخمسة التي ذكرها محمد بن جبير، وزاد الحاتم.
"قال النووي في شرح مسلم: معنى الروايتين يحشرون على أثري"، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى يحشر الناس على عقبي بكسر الموحدة مخففا على الإفراد، ولبعضهم بالتشديد على التثنية والموحدة مفتوحة، كما في الفتح "وزماني ورسالتي" كلاهما عطف على الياء من أثري، يعني أنهم يحشرون بعد الزمان الذي بعث فيه، إشارة إلى أنه لا نبي بعده ولا شريعة كما مر. وعيسى إذا نزل إنما يحكم بشرعه وهو واحد من أمته، وقد علم ما رأيت من الفتح أنهما قولان في معنى القدم الأثر أو الزمان، فكان النووي رأى أن تنافي بينهما فأتى، الواو، وقال ابن عبد البر، أي: قدامي وأمامي، أي أنهم يجتمعون إليه، وينضمون حوله، ويكونون أمامه يوم القيامة، ووراءه قال الخليل: حشرتهم السنة إذا ضمتهم من البوادي.
"وفي رواية نافع بن جبير" بن مطعم النوفلي الثقة الفاضل، روى له الجماعة ومات سنة تسع وتسعين قبل أخيه محمد بسنة، "عند البخاري في تاريخه الأوسط والصغير، والحاكم في مستدركه وصححه وأبي نعيم في الدلائل وابن سعد" وكذا الإمام أحمد "أنه" أي نافعا "دخل على عبد الملك بن مروان" بن الحكم الأموي المدني، ثم الدمشقي. كان طالب علم قبل الخلافة، ثم اشتغل بها، فتغير حاله مات في شوال سنة ست وثمانين، وقد جاوز الستين، "فقال" له:"أتحضى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان جبير بن مطعم عدها" كأنه لم يقل أبوك لاشتهاره بينهم باسمه واسم أبيه، "قال: نعم هي ستة، فذكر الخمسة التي ذكرها" أخوه "محمد بن جبير، وزاد الخاتم" بالخاء المعجمة.
قال الحافظ لكن روى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري في حديث محمد بن جبير: "وأنا العاقب" قال: يعني الخاتم، انتهى. فهذا صريح أنه بالمعجمة؛ لأن معناه بالمهملة أحسن الأنبياء، كما يأتي وليس من معنى العاقب فتعين أنه رواية نافع بالمعجمة، ومراد الحافظ بهذا الاستدراك أن زيادة الخاتم وهم من بعض الرواة في حديث جبير؛ لأنه إنما جاء تفسيرا للعاقب لا اسما برأسه، فلا ينافي قوله في خمسة أسماء، وليس النزاع في أنه من أسمائه، فلا نزاع فيه وخاتم النبيين، بل في وروده في حديث جبير، فزعم أن اختلاف الأخوين
وفي حديث حذيفة أحمد ومحمد والحاشر، والمقفي ونبي الرحمة
ولفظ رواية أبي نعيم هي ستة: محمد، وأحمد، وخاتم، وحاشر، وعاقب، وماح. فأما الحاشر، فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد، وأما العاقب: فإنه أعقب الأنبياء، وأما ماح: فإن الله عز وجل محا به سيئات من اتبعه.
وذكر بعضهم: أن العدد ليس من قوله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره الراوي بالمعنى.
باعتبار سماعهما من أبيهما إذ ذكرها مرة خمسة وأخرى ستة، فذكر كل ما سمع لا يصح؛ لأنه عقلي دفعته رواية البيهقي.
"وفي حديث حذيفة" بن اليمان عند البخاري في التاريخ، والترمذي وابن سعد "أحمد ومحمد والحاشر والمقفي" بفتح القاف وكسر الفاء المشددة أي المتبع للأنبياء فكان آخرهم.
قال ابن الأعرابي، وقال غيره: هو بمعنى العاقب "ونبي الرحمة" وكذا في حديث أبي موسى عند مسلم وغيره، لكنه لم يذكر الحاشر، "ولفظ رواية أبي نعيم" من طريق عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير "هي ستة محمد وأحمد وخاتم" بمعجمة "وحاشر وعاقب وماح. فأما الحاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد" أي قدامه لأنه مبعوث في نسيم الساعة، أي في البشر الذين تقوم عليهم الساعة وهم أمته، "وأما عاقب فإنه أعقب الأنبياء" أي جاء عقبهم فلا نبي بعده.
قال أبو عبيد قال سفيان: العاقب آخر الأنبياء "وأما ماح فإن الله عز وجل محا به سيئات من اتبعه" بمغفرتها له بلا سبب أو بإلهام التوبة النصوح لمن صدرت منه وقبولها فيغفر له، إن الله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، وهذا لا يعارضه رواية الشيخين: وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر؛ لأن محو أحدهما لا يمنع محو الآخر، وعجيب ترجى أن أبا نعيم لم تثبت عنده رواية الشيخين، فإن هذا لا يقال على مثل الحافظ أبي نعيم، وقد صنف على كل من الصحيحين مستخرجا. وفي الفتح في رواية نافع بن جبير عند البخاري في التاريخ وغيره، وأما الماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه وهذا يشبه أن يكون من قول الراوي انتهى. ويؤيده رواية أبي نعيم هذه فإنها ظاهرة في أن تفسير الثلاثة كلها من قول الراوي وعلى هذا فليس تفسيرا للماحي بخلاف ما فسره به الشارع؛ لأنه لا ينافيه كما علمت، فكأنه صلى الله عليه وسلم خص الكفر لظهور محوه برسالته، "وذكر بعضهم" وهو ابن عساكر، فقال: يحتمل "أن العدد ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره الراوي بالمعنى" ويحتمل أنه من لفظه صلى الله عليه وسلم، ولا يقتضي الحصر انتهى
وفيه نظر: لتصريحه في الحديث: "إن لي خمسة أسماء". والذي يظهر أنه أراد إن لي خمسة أسماء أختص بها لم يتسم بها أحد قبلي، أو مشهورة في الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها، وبهذا يجاب عن الاستشكال الوارد، وهو أن المقرر في علم المعاني أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، لكن ورود الروايات بما هو أكثر
يدل على أنه ليس حصرا مطلقا، فالطريق في ذلك أن يحمل على حصر مقيد كما ذكر
كلام ابن عساكر، "وفيه نظر" كما قال ابن دحية
قال الحافظ: "لتصريحه في الحديث" أي حديث جبير المتقدم لكن من طريق مالك ومحمد بن ميسرة عن الزهري بقوله: "إني لي خمسة أسماء" فقوله لي، ونصه على عدتها قبل ذكرها صريح في أنه من قوله صلى الله عليه وسلم:"والذي يظهر أنه أراد "إن لي خمسة أسماء اختص بها لم يتسم بها أحد قبلي" كما استظهره ابن دحية وصدر به في الفتح معبرا بقوله قبله بالهاء وهو أولى؛ لأنه تأويل لا حديث ورد بذلك "أو مشهورة في الأمم الماضية" والكتب المتقدمة، كما قال عياض والقرطبي، وجزم به النووي وحكاه عن العلماء لكن تعقب بأن أسماءه في الكتب المتقدمة وعند علماء الأمم الماضية أكثر من خمسة ويدفع بقوله مشهورة؛ لأنها وإن كانت أكثر لكن المشهور منها خمسة، "لا أنه أراد الحصر فيها" بدليل نصه في روايات أخرى على أكثر ومن أسمائه بالقرآن، باتفاق الشاهد المبشر النذير المبين الداعي إلى الله السراج المنير، وفيه أيضا الذكر والرحمة والنعمة والهادي والشهيد والأمين والمزمل والمدثر.
ذكره الحافظ فلا يتوهم وقد نزل عليه ذلك في القرآن أنه أراد الحصر، "وبهذا يجاب عن الاستشكال الوارد" على الحديث، "وهو أن المقرر في علم المعاني أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، لكن ورود الروايات بما هو أكثر" من خمسة "يدل على أنه ليس حصرا مطلقا، فالطريق في ذلك أن يحمل على حصر مفيد، كما ذكر" من حملها على خمسة اختص بها، أو مشهورة في الكتب، وعند علماء الأمم الماضية. وأجاب أبو العباس العزفي، بفتح المهملة، والزاي المعجمة، وبالفاء بأنه قبل أن يطلعه الله على بقية أسمائه، وقال العكبري: خصت لعلم السامع بما سواها، أو لغير ذلك، وقيل: المراد معظمة فحذف الصفة للعلم بها، ووجه عظمتها اختصاصه بها وكونها في الكتب السالفة. وأجاب السيوطي بأن قواعد الأصول أن مفهوم العدد لا يخصص، وكم ورد في الأحاديث أعداد لم يقصد فيها الحصر، كسبعة يظلهم الله في ظل عرشه، ووردت أحاديث بزيادة عليها ويحضرني الآن منها سبعون وغير ذلك مما هو مشهور انتهى. ومراده لا يخصص بالنسبة إلى عدم النقصان لا الزيادة حتى يوافق
الله أعلم.
وروى النقاش عنه عليه الصلاة والسلام: "لي في القرآن سبعة أسماء: محمد، وأحمد، ويس، وطه، والمزمل، والمدثر، وعبد الله".
وقد جاءت من ألقابه صلى الله عليه وسلم وسماته في القرآن عدة كثيرة، تعرض جماعة لتعدادها وبلغوا بها عددا مخصوصا فمنهم من بلغ تسعا وتسعين، موافقة لعدد أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث.
القول: بحجية مفهوم العدد بالنسبة إلى ذلك، أو بناه على قول الحنفية لا يحتج به مطلقا "والله أعلم" بما أراد رسوله.
"وروى النقاش" الحافظ أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي المقري المفسر، أحد الأعلام، صاحب التصانيف منها التفسير، ومع جلالته هو متروك في الحديث، وحاله في القراءات أمثل.
قال البرقاني: كل حديثه منكر، وقال غيره: تفسيره ملآن بالموضوعات، مات سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، "عنه عليه الصلاة والسلام "لي في القرآن سبعة أسماء محمد" وما محمد إلا رسول، محمد رسول الله، ما كان محمد "وأحمد" ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، "ويس وطه والمزمل والمدثر وعبد الله" وأنه لما قام عبد الله يدعوه، وهذا إن صح حجة لمن جعل الأربعاء نداء له بأسمائه، والغرض منه قوله سبعة المفيد أن خمسة في حديث جبير من الحصر المقيد لا المطلق. وقد روى ابن عدي في الكامل عن جابر وغيره مرفوعا: "إن لي عند ربي عشرة أسماء" فذكر الخمسة التي في حديث جبير وزاد: "وأنا رسول الرحمة، ورسوله التوبة، ورسول الملاحم، وأنا المقفي، قفيت النبيين عامة، وأنا قثم، والقثم الكامل الجامع".
وروى ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي الطفيل رفعه: "لي عشرة أسماء عند ربي أنا محمد، وأحمد، والفاتح، والخاتم، وأبو القاسم، والحاشر، والعاقب، والماحي، ويس، وطه"، "وقد جاءت من ألقابه صلى الله عليه وسلم وسماته" لغة في الأسماء "في القرآن عدة كثية، وتعرض جماعة لتعدادها، وبلغوا بها عددا مخصوصا، فمنهم من بلغ تسعا وتسعين موافقة" بكسر الفاء "لعدد أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث" المشهور، يعني أنه اتفق أنه عد الأسماء التي اطلع عليها، فجاءت كذلك لا أنه اقتصر عليها لموافقتها للأسماء الحسنى في العدد وإن اطلع على غيرها.
قال القاضي عياض: وقد خصه الله تعالى بأن سماه من أسمائه الحسنى بنحو ثلاثين اسمًا.
وقال ابن دحية في كتابه "المتسوفى": إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن والحديث وفي الثلاثمائة.
ورأيت في كتاب "أحكام القرآن" للقاضي أبي بكر بن العربي: قال بعض الصوفية: لله تعالى ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم، انتهى.
والمراد الأوصاف: فكل الأسماء التي وردت أوصاف مدح، وإذا كان كذلك، فله صلى الله عليه وسلم من كل وصف اسم،
"قال القاضي عياض: وقد خصه الله تعالى بأن سماه من أسمائه الحسنى بنحو ثلاثين اسما" ثم عدها في فصل عده لها بأدلتها من الكتاب والسنة ثمانيا وعشرين، ثم قال في آخره وصف الله نفسه بالبشارة والنذارة ويبشرهم ربهم وسماه مبشرا ونذيرا.
وذكر بعض المفسرين أن طه ويس من أسماء الله، وبعضهم من أسمائه صلى الله عليه وسلم انتهى: فهذه نكته قوله بنحو ثلاثين، أي تزيد عنها اسمين أو تنقص اثنين بالاعتبار، وزادوا على ما ذكره أزيد من ضعفه، وقد قال المصنف في المقصد السادس، أن الله سماه من أسمائه الحسنى بنحو سبعين، كما بينت ذلك في أسمائه انتهى. وسترى بيان ذلك قريبا. "وقال ابن دحية في كتابه المستوفى" اسم كتاب أفرده في الأسماء الشريفة:"إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن والحديث، وفي الثلاثمائة" قال في الفتح وذكر ابن دحية في تصنيفه المذكور أماكنها من القرآن والأخبار، وضبط ألفاظها، وشرح معانيها، واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة، وغالبها صفات له صلى الله عليه وسلم "ورأيت في كتاب أحكام القرآن" وكذا في شرح الترمذي كلاهما "للقاضي أبي بكر بن العربي" الحافظ العلامة محمد الملكي المشهور.
"قال بعض الصوفية: لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم انتهى".
قال الشامي: والذي وقفت عليه من ذلك خمسمائة اسم، مع أن في كثير منها نظرا، "والمراد الأوصاف" لا إنها كلها أعلام وضعت له، "فكل الأسماء التي وردت أوصاف مدح" وكثيرا ما يطلق الاسم على الصفة للتغليب، أو لاشتراكهما في تعريف الذات، وتمييزها عن غيرها، "وإذا كان كذلك فله صلى الله عليه وسلم من كل وصف اسم".
قال ابن عساكر: وإذا اشتقت أسماؤه من صفاته كثرت جدا انتهى. ويمكن أن هذا مستند
ثم إن منها ما هو مختص به أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك، وكل ذلك بين في المشاهدة كما لا يخفى، وإذا جعلنا له من كل وصف من أوصافه اسما بلغت أسماؤه ما ذكر، بل أكثر، والذي رأيته في كلام شيخنا في "القول البديع"، والقاضي عياض في "الشفا" وابن العربي في "القبس"، و"الأحكام" له، وابن سيد الناس، وغيرهم، يزيد على أربعمائة، وقد سردتها مرتبة على حروف المعجم، وهي:
من قال من الصوفية أنها ألف، "ثم إن منها ما مختص به، أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك" بينه وبين غيره، "وكل ذلك بين في المشاهدة، كما لا يخفى" وقال ابن القيم: ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به، أو الغالب عليه فيشتق له منه اسم، وبين المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه.
قال شيخنا: ولا منافاة لجواز أن مراده إذا ورد مصدر، أو فعل معناه مشترك بينه وبين غيره، ثم اشتق له منه الاسم لا يكون مختصا به، بل هو باق على اشتراكه، ولكنه يحمل عليه بقرينة، "وإذا جعلنا له من كل وصف من أوصافه اسما بلغت أسماؤه ما ذكر" ابن دحية من الثلاثمائة "بل" بلغت "أكثر" وبل انتقالية، "والذي رأيته في كلام شيخنا" الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي "في القول البديع" في الصلاة على النبي الشفيع، "والقاضي عياض في الشفاء وابن العربي في القبس" على موطأ مالك بن أنس "والأحكام له و".
في كلام "ابن سيد الناس وغيرهم يزيد على أربعمائة".
قال السيوطي: وكثير منها لم يرد بلفظ الاسم، بل بصيغة المصدر أو الفعل، وقد اعتبر ذلك عياض وابن دحية، وهو خلاف ما اعتبره الجمهور خصوصا أهل الحديث في أسمائه تعالى انتهى. ونقل الغزالي الاتفاق، وأقره في الفتح على أنه لا يجوز لنا أن يسميه صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه، ولا سمى به نفسه انتهى. أي لا يجوز أن نخترع له علما، وإن دل على صفة كمال، ولا يرد على الاتفاق وجود الخلاف في أسمائه تعالى؛ لأن صفات الكمال كلها ثابتة له عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يطلق عليه صفات الكمال اللائقة بالبشر، فلو جوز ما لم يرد به سماع، لربما وصف بأوصاف تليق بالله دونه على سبيل الغفلة، فيقع الواصف في محظور وهو لا يشعر. "وقد سردتها" الأسماء التي وقفت عليها "مرتبة على حروف" الخط "المعجم" اسم مفعول من أعجمت الكتاب بالألف أزلت عجمته بما يميزه عن غير بنقط، وشكل كما في المصباح، وكأنه أراد لإزالة الكاملة، وإلا فهي حاصلة بالنقط فيما ينقط، كجيم وباء، فلا حاجة للزيادة والإهمال.
"حرف أ":
الأبر بالله، الأبطحي، أتقى الناس، الأجود، أجود الناس،
حرف الألف:
"وهي أ" استغنى المصنف بكتبها عن الترجمة لها، أو كتابتها بصورة النطق بها، وكذا بقية الحروف روما للاختصار، "الأبر" الأكثر برا ممن عداه "بالله".
قال الشامي هذا مما سماه الله به من أسمائه الحسنى، أي المحسن أو الصادق الوعد أفعل تفضيل من بررت فلانا بالكسر أبره برا فأنا بر وبار، أي محسن. ويطلق على الصدق لحديث:"لا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله بارا" وهو صلى الله عليه وسلم حري أن يكون أبر الناس، وأصدقهم، وأكثرهم إحسانا.
قال أبو علي الحاتمي: اتفق أهل الأدب على أن أصدق بيت قالته العرب قول أبي إياس الدؤلي:
فما حملت من ناقة فوق رحلها
…
أبر وأوفى ذمة من محمد
"الأبطحي" نسبة إلى أبطح مكة وهو مسيل واديها، وهو ما بين مكة ومنى ومبدؤه المحصب. سمي بذلك لأنه من قريش البطاح، أي النازلين بالبطاح دون الظواهر التي هي خارج الحرم حول مكة، وكان يقال لعبد المطلب سيد الأبطح والأباطح، وقال حسان في مدحه صلى الله عليه وسلم:
وأكرم بيت في البيوت إذا انتمى
…
وأكرم جد أبطحي يسود
"أتقى الناس" أفعل تفضيل، أي أكثرهم تقى.
روى مسلم عن جابر مرفوعا: "قد علمتم أني أتقاكم وأبركم وأصدقكم حديثا" وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} أمر بالدوام على التقوى، وهي لغة قلة الكلام قاله ابن فاس، وقال غيره الخوف والحذر وأصلها اتقاء الشرك، ثم المعاصي، ثم الشبهات، ثم ترك الفضلات، أي ما كان من الحلال المحقق لكنه زائد على الحاجة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا لما به بأس".
رواه أحمد وحسنه الترمذي وحقيقتها التحرز بطاعة الله عن مخالفته، وإضافته إلى الله في قوله: هو أهل التقوى معناه أهل لأن يتقي عقابه ويحذر عذابه، وسئل علي عنها، فقال: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
"الأجود" أفعل من الجود الكرم. قال النحاس: الجواد الذي يتفضل على من لا يستحق، ويعطي من لا يسأل ويعطي الكثير ولا يخاف الفقر. قيل: هو مرادف للسخاء، والأصح أن السخاء أدنى منه، وهو اللين عند الحاجات "أجود الناس" بمعنى ما قبله.
الأحد، الأحسن وأحسن الناس، أحمد، أحيد -بضم أوله وكسر المهملة ثم ياء تحتانية- الآخذ بالحجزات، آخذ الصدقات، الآخر،
روى الشيخان عن ابن عباس: كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وروى أبو يعلى عن أنس رفعه:"ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود وأنا أجود بني آدم".
"الأحد" المنفرد بصفات الكمال عن الخلق أو بالقرب من الحق من الأسماء الحسنى، كما في رواية ابن ماجه، فهو مما سماه الله به منها فلا يشكل قول بعض اللغويين لا ينعت به غير الله تعالى لأنه لم يستعمل صفة بل اسما. "الأحسن" مما سماه الله تعالى به من أسمائه، قال تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] . قاله النسفي وهو أفعل من الحسن تناسب الأعضاء على ما ينبغي، والمراد المستجمع صفات الكمال قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] .
روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري: أنه تلا هذه الآية، فقال: هذا حبيب الله صفوة لله. هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، "و" دعا الناس إلى ما أجاب الله فيه:"أحسن الناس" قال أنس: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس. رواه عبد بن حميد "أحمد" يأتي شرحه "أحيد، بضم أوله وكسر المهملة، ثم ياء تحتانية"، كما ضبطه الشمني، وضبطه البرهان بفتحها وسكون المهملة وفتح التحتية قال المصنف: وهو المشهور كما يأتي لأنه يحيد أمته على النار "الآخذ بالحجزات" كذا في النسخ بالباء، والذي في الشامي الآخذ الحجزات، بالإضافة اسم فاعل من الأخذ وهو التناول.
روى الشيخان عن أبي هريرة رفعه: "إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيها الحجزات" بضم المهملة وفتح الجيم، ثم زاي جمع حجزة، وهو حيث يثني طرف الإزار، وهو اليفق من السراويل ومحلها الوسط، كأنه قال: آخذ بأوساطكم لأنجيكم من النار فعبر عنها بالحجزات استعارة بعد استعارة "آخذ الصدقات" لأنه كان يأخذها من أربابها ويفرقها على مستحقها قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وإن نزلت في المخلفين عن تبوك وفي صدقة التطوع التي هي من تمام توبتهم لكنها عامة لغيرهم، وفي الزكاة المفروضة، ولذا قال مانعوها: لا ندفعها إلا لمن صلاته سكن لنا.
"الأخرى" أي آخر الأنبياء كما يأتي للمصنف، وقول الشارح: هو اسمه في الإنجيل، فيه أن الذي في الشامي اسم غير هذا، وهو أخرايا بزيادة ألف وياء فألف، وقال: هو اسمه في الإنجيل معناه آخر الأنبياء، روى ابن أبي شيبة عن مصعب بن سعد عن كعب أول من يأخذ حلقة باب
الأخشى لله، أذن خير، أرجح الناس عقلا، أرحم الناس بالعباد، الأزهر: وهو النير المشرق الوجه، أشجع الناس،
الجنة فيفتح له محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آية من التوراة أخريا قدمايا الأولون والآخرون انتهى. وقوله في الإنجيل مخالف لقوله في التوراة "الأخشى" أفعل تفضيل أي الأشد خشية أي خوفا لله من غيره. قال السيوطي: هو مأخوذ من حديث أبي داود "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله"، واستشكله العز بن عبد السلام بأن الخشية والخوف حالة تنشأ عن ملاحظة شدة النقمة الممكن وقوعها بالخائف، وقد دل الدليل القاطع على أنه غير معذب قال تعالى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} [التحريم: 8] فكيف يتصور منه الخوف.
قال: والجواب أن النسيان جائز عليه صلى الله عليه وسلم فإذا حصل النسيان عن موجبات نفي العقاب، حصل له الخوف ولا يقال إخباره بشدة الخوف وعظم الخشية عظيم بالنوع لا بكثرة العدد، أي إذا صدر منه الخوف ولو في زمن فرد كان أشد من خوف غيره والخشية الخوف، وقيل: أعظمه والهيبة أعظم منها وعلى قدر علمه بالله كان خوفه انتهى.
"أذن خير" سمي بآلة السمع كان جملته أذن، كما يقال للربيئة عين قال تعالى:{وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61] قال ابن عطية: أي سماع خير وحق لا غيره والمشهور إضافته، وقرأ عاصم برفع خير وتنوين أذن قال: وهو يوافق تفسير الحسن، أي من يقبل معاذيركم خير لكم.
قال العزفي: وأما اسمه أذن خير فهو مما أعطاه من فضيلة الإدراك لبيان الأصوات، فلا يبقى من ذلك خير ولا يسمع من القول إلا أحسنه.
"أرجح الناس عقلا" روى أبو نعيم عن وهب بن منبه قال: قرأت في أحد وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا، وأن محمدا أرجح الناس عقلا، وقال زهير بن صرد في مدحه:
إن لم تداركهمو نعماء تنشرها
…
يا أرجح الناس حلما حين يختبر
"أرحم الناس" أفعل من الرحمة، أي أكثرهم رحمة "بالعباد" مؤمنهم وكافرهم. ووقع في الشامي بالعيال بياء ولام والأول أعم "الأزهر" من الزهارة "وهو النير المشرق الوجه" يقال: زهر الشيء يزهر بفتحتين صفا لونه وأضاء.
وروى مسلم عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون قال النووي: معناه أبيض مستنير، فهو بمعنى حديث عكاشة كان أبيض "أشجع الناس" من الشجاعة وهي شدة القلب عند البأس. ومر حديث
الأصدق في الله، أطيب الناس ريحا، الأعز، الأعلى، الأعلم بالله، أكثر الناس تبعا، الأكرم، أكرم الناس، أكرم ولد آدم، ألمص، إمام الخير،
كان أشجع الناس "الأصدق في الله" أي الأثبت والأقوى، فلا أحد أثبت ولا أقوى على الحق منه، وهذا مما سماه الله به من أسمائه، قال تعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122] .
"أطيب الناس ريحا" اي أذكاهم وأشدهم لأن عرقه كان أطيب من المسك ومن أسمائه الأطيب بلا إضافة فقيل بمعناه وقيل: معناه الأفضل والأشرف. "الأعز" بمهملة فمعجمة أفعل من العز أي الكثير العزة وهي الغلبة والقوة "الأعلى" أي الأكثر علوا أي رفعة على غيره. قال النسفي: هو مما سماه الله من أسمائه قال تعالى: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} قال السيوطي: لم يظهر لي وجه الأخذ منه لأنا وإن جعلنا الضمائر في فاستوى وفي وهو ودنا وتدلى للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مرجوح في التفسير لم يصح جعل الأعلى صفة له لأن الضمير لا يوصف إلا على رأي ضعيف، وكأنه جعله حالا من ضمير استوى وجملة، وهو بالأفق مبتدأ وخبر حالا أيضا، والتقدير فاستوى الأعلى، أي عليًّا حال كونه بالأفق، وهو بعيد جدا، ولم يظهر لي فيه غير ذلك انتهى.
"الأعلم بالله" وبصفاته وما يجب له، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أتقاكم وأعلمكم بالله". رواه البخاري. وقال: "أنا أتقاكم لله وأعلمكم بحدود الله" رواه أحمد "أكثر الناس" الذي في الشامي الأنبياء "تبعا" بفتح الفوقية، والموحدة جمع تابع، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة"، وقال:"إن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه مصدق وغير واحد" أخرجهما مسلم عن أنس "الأكرم" المتصف بزيادة الكرم على غيره مما سماه الله به من أسمائه {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أكرم الأولين والآخرين على الله، ولا فخر""أكرم الناس أكرم ولد آدم" يأتي شرح الثلاثة للمصنف "المص" وألم والمر ذكر الثلاثة ابن دحية.
قال الشامي: والمشهور أنها من أسماء الله تعالى، فإن صح ما قاله كانت مما سماه به من أسمائه.
"إمام الخير إمام المتقين" أي الذين يقتدون به ويتبعون هديه جمع متق وهو من اتقى الشرك والمخالفات.
وروى ابن ماجه عن ابن مسعود تسميته بهما في حديث موقوف ولفظه: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا له: علمنا، قال: "قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة. اللهم ابعثه المقام
إمام الرسل، إمام المتقين، إمام النبيين، الإمام، الآمر والناهي، الآمن، أمنة أصحابه، الأمين،
المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون".
"إمام الرسل إمام النبيين" روى الترمذي عن أبي بن كعب رفعه: إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم من غير فخر.
"الإمام" المقتدى به، سمي به لاقتداء الخلق به ورجوعهم إلى قوله وفعله قال حسان يمدحه صلى الله عليه وسلم:
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
…
معلم صدق إن يطيعوه يهتدوا
ويطلق لغة على المقتدى به في الخير وغيره، والوحداني جاعلك للناس إماما، والجمع وجعلنا للمتقين إماما "الآمر والناهي" اسما فاعل من الأمر والنهي. قال تعالى:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَر} [الأعراف: 157] وهو في حقه فرض عين، وفي حق غيره فرض كفاية.
قال العزفي: وهذا الوصف على الحقيقة لله لكنه لما كان الواسطة بينه وبين عبيده أضيف ذلك إليه؛ إذ هو يشاهد آمرا وناهيا، ويعلم بالدليل أن ذلك واسطة، ونقل من الذي له ذلك الوصف حقيقة انتهى. وفي التنزيل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . "الآمن" بالمد وكسر الميم بوزن صاحب الخالص التقي والشريف سمي به؛ لأن الله آمنه في الدنيا والآخرة، والله يعصمك من الناس يوم لا يخزي الله النبي "أمنة أصحابه" أي سبب لأمنهم وطمأنينتهم من أمن البل أطمأن به أهله.
روى البيهقي عن أبي موسى قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء، فقال:"النجوم أمنة، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون".
قال الشامي: أمنة، بضم الهمزة وفتحها وبفتح الميم الوافر الأمانة الذي يؤتمن على كل شيء سمي بذلك لأن الله ائتمنه على وحيه، أو الحافظ أي حافظ لأصحابه قيل من البدع، وقيل من الاختلاف والفتن، ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها" لاحتمال أن يكون المراد أمنهم من المسخ والخسف، ونحو ذلك من أنواع العذاب، وبإتيان ما يوعدون من الفتن بينهم بعد أن كان بابها منسدا عنهم بوجوده.
"الأمين" ذكر ابن فارس سمي بذلك لأنه حافظ الوحي قوي على الطاعة، فقيل بمعنى فاعل.
الأمي أنعم الله، الأول، أول شافع، أو المسلمين، أول المؤمنين، أول تنشق عنه الأرض.
روى مسلم عن أبي سعيد رفعه: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من السماء صباحا ومساء" قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير/ 19، 20، 21] ذي قوة عند ذي العرش، مكين مطاع، ثم أمين، نسب عياض لأكثر المفسرين، أن الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان يدعى بذلك في صغره لوقاره وصدق لهجته، واجتنابه القاذورات والأدناس، وقد مر قول قريش عند إرادة بناء البيت هذا الأمين رضينا، وقال كعب بن مالك فيه:
أمين محب للعباد مسوم
…
بخاتم رب قاهر للخواتم
أو بمعنى مأمون فعيل بمعنى مفعول من الائتمان، وهو الاستحفاظ والوثوق بالأمانة. سمي بذلك لأن الله ائتمنه على وحيه، وجعله واسطة بينه وبين خلقه، وكساه من الأمانة التي هي ضد الخيانة حلة وافرة، وتوجه بتاج الصدق المرصع بدررها الفاخرة.
"الأمي" قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] وهو الذي لا يكتب كما في الحديث: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب"، نسبة إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته، أمه وهي في حقه معجزة، وفي غيره معجزة، قال عياض: من وصفه بالأمية ونحوها مما جرى عليه من الأذى، فإن قصد بذلك مقصده من التعظيم والدلالة على نبوته كان حسنًا، ومن أراد ذلك على غير وجهه، وعلم منه سوء قصده لحق بما تقدم، أي بالساب. وسماه بعضهم أيضا الأمي بفتح الهمزة، وقرئ به، قال ابن عطية: منسوب إلى الأم بمعنى القصد، أي أن هذا النبي مقصود للناس، وموضع أم يؤمونه بأفعالهم وشرعهم فعلى هذا يكون اسما آخر، وقال ابن جني: يحتمل أنه بمعنى الأمي غير تغيير النسب، فيكون لغة أخرى لا اسما.
"أنعم الله" بفتح الهمزة، وضم المهملة جمع نعمة في الأصل وهي الإحسان، سمي بذلك لأنه نعمة من الله على عباده وبعثه رحمة لهم، وحصل بوجوده للخلق نعم كثيرة، منها: الإسلام والإنقاذ من الكفر والأمن من الخسف.
"الأول" يأتي شرحه للمصنف ويقع في نسخ هنا زيادة الآخر وهي سهو؛ لأنه قدمه قريبا.
"أول شافع" أي طالب للشفاعة، "أول المسلمين" المقتدي به في الإسلام، ذكره العزفي، أي أول مسلمي هذه الأمة مأخوذ من قوله تعالى:{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} "أول مشفع" بفتح الفاء الذي يشفع فتقبل شفاعته، وهي السؤال في التجاوز عن المذنبين وفصل القضاء ونحوه، "أول المؤمنين" أي المقتدى به في الإيمان "أول من تنشق عنه الأرض" أي أول من يبعث من الخلق، فذكر في ذا الحرف خمسة وأربعين اسما منها خمسة من أسماء الله، وزاد الشامي أسماء هي
.....................................
الأبلج بموحدة، وجيم الأبيض الأنقى، الأجل أجير بجيم؛ لأنه يجير أمته من النار.
ذكره العزفي عن بعض الصحف المنزلة، قال الشيخ: يعني السيوطي ولم أره لغيره وأخشى أنه تصحف باحيد أحاد بضم الهمزة اسم عدد معدول عن واحد واحد؛ لأنه واحد في أمور متعددة كسيادته على من سواه، وأنه ختام الأنبياء وأن شريعته أكمل الشرائع، وأنه واحد في خصائص ليست لغيره. الأحشم بمهملة ومعجمة، أي أكثر الناس وقارا آخرايا، ولم يضبطه إلا أن رسمه هكذا، وقد قدمت كلامه فيه أخوناخ، أي صحيح الإسلام، الأدعج الأدوم بفتح فسكون أفعل من المداومة على الشيء لملازمته طاعة ربه الأرجح، أي الزائد على غيره علما وفضلا الأرحم بلا إضافة، الأزج بفتح الزاي وشد الجيم، أي المقوس الحاجب، الأزكى بالزاي من الطهارة، أي أطهر العالمين، الأسد بفتح الهمزة والسين وشد الدال المهملتين من السداد وهو استقامة الأشد حياء من العذراء في خدرها، الأشنب، بسكون المعجمة، وفتح النون فموحدة من الشنب، وهو رونق الأسنان ورقة مائها، وقيل رقتها وعذوبتها.
أصدق الناس لهجة الأطيب الأعظم الأغر بمعجمة وراء، أي الشريف الكريم. أفصح العرب، كذا ورد في حديث ذكره أصحاب الغريب بهذا اللفظ قال ابن كثير والشيخ: ولم نقف على سنده الإكليل، أي التاج؛ لأنه تاج الأنبياء ورأس الأصفياء فسمي به لشرفه وعلوه أو لإحاطة رسالته وشمولها، كما سمي الإكليل، لإحاطته بالرأس.
الأمجد أفعل من المجد، وهو الشرف إمام العالمين بفتح اللام إمام العالمين جمع عالم أي العباد إمام الناس الأمان الأمنة الأمة، أي الجامع للخير المقتدى به، أو المعلم للخير ألم المر الألمعي الأمي بالفتح بناء على أنه الاسم لا لغة في المضموم أنفس العرب أو في الناس ذماما بكسر المعجمة، أي أكثرهم حرمة وأسدهم الأنور المتجرد أي المشرق وراء المتجرد مفتوحة كل ما تجرد عنه من بدنه، فيرى الأواه بشد الواو الأوسط" أي العادل أو الخيار من كل شيء قال:
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم
…
وأكرم الناس أما برة وأبا
الأولى، أي بالمؤمنين من أنفسهم، أي أحرى وأجدر، في كل شيء من أمور الدنيا والدين أول الرسل آية الله.
روى ابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا} [فصلت: 53] قال محمد صلى الله عليه وسلم لأن العلامة الظاهرة انتهى باختصار.
"حرف ب":
البر، البار قليط، الباطن، البرهان، بشر، بشري عيسى، البشير، البصير،
حرف ب:
"البر" بفتح الموحدة اسم فاعل من البر بالكسر، وهو الإحسان والطاعة أو الصدق: وقال صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق" وعن إدريس عليه السلام: "من أفضل البر ثلاثة الصدق في الغضب، والجود في العسرة والعفو عند المقدرة".
سمي برا لأنه من ذلك بمكان، وهو من أسماء الله تعالى، ومعناه البالغ في الإحسان والصادق فيما وعد.
"البارقليط الباطن" يأتي شرحهما في المصنف.
"البرهان" روى ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في {قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم وجزم به ابن عطية والنسفي، ولم يحكيا غيره وهو لغة الحجة، وقيل الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام، وهو صلى الله عليه وسلم برهان بالمعنيين؛ لأنه حجة الله على خلقه وحجة نيرة واضحة لما معه من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه، وهذا مما سماه الله به من أسمائه، فإنه منها كما عند ابن ماجه.
"بشر" الذي في الشامي البشر معرفا، وقال بمعجمة محركة الإنسان لظهور بشرته، وهي ظاهر الجلد من الشعر بخلاف سائر الحيوان؛ لأنها مستترة بالشعر والصوف والوبر سمي به صلى الله عليه وسلم لأنه أعظم البشر وأفضلهم، كما سمي بالناس من تسمية الخاص باسم العام. قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [فصلت: 6] نبه تعالى بذلك على أن الناس متساوون في البشرية غير متفاضلين في الإنسانية، وإنما يتفاضلون بما يتخصصون به من المعارف الجليلة، ولذا قال بعده: يوحى إليَّ تنبيهًا على الجهة التي حصل بها الفضل عليهم، أي تميزت عليكم وخصصت من بينكم بالوحي والرسالة "بشرى عيسى" بضم الموحدة، وسكون المعجمة فعلى من البشارة، وهي الخبر السار، أي المبشر به في قوله ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. وفي المستدرك مرفوعا:"أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى".
"فائدة" الأنبياء المبشر بهم خمسة محمد وعيسى وإسحاق ويعقوب ويحيى "البشير" اسم فاعل من بشر كفرح وزنا ومعنى قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا} [البقرة: 119] .
"البصير" أي العليم حكى السبكي في تفسير أنه هو السميع البصير. إن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ومعنى وصفه بهما أنه الكامل في السمع والبصر اللذين ندرك بها الآيات التي يريه إياها فوصفه بذلك. وهو نذير والإنذار بالعقل وهما أعظم الحواس الموصلة إليه لأنه لأكمل منه في
البليغ، البالغ البيان، البينة.
الإنذار والاستدلال انتهى. يعني أن وصفه بهما بالحصر المستفاد من تعريف الطرفين، وسيق للمدح ففسره بما يخصصه به ويصيره مدحا له، وهو كما قيل مع بعده لا حاجة إليه، فالأظهر أن المعنى السميع لكلام الله بلا واسطة البصير، أي الناظر إلى نور جماله بعين بصره، وهذا مما اختص به انتهى.
"البليغ" الفصيح الذي يبلغ بعبارته كنه ضميره.
"البالغ البيان" اسمان كأن الشامي لم يقف عليهما لغير المصنف فقال ذكرهما شيخنا أبو الفضل القسطلاني انتهى. ولم يزد لكنه ذكر آخر الحرف ما نصه البيان الكشف والإظهار، أي الفصاحة أو اجتماعها مع البلاغة أو إظهار المقصود بأبلغ لفظ أو هو بمعنى المبين، أي المظهر للناس ما أمروا به ونهوا عنه، والموضح لهم ما خفي عليهم من أمر ديهم انتهى. وهذا يقتضي قراءة البيان بالجر بالإضافة إلى البالغ، فيكون اسما واحدا مركبا تركيبا إضافيا، فيخالف قوله ذكرهما بالتثنية الظاهر في أنهما اسماه "البينة" الحجة الواضحة، قال تعالى:{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة} [البينة: 1] ، رسول من الله، أي محمد صلى الله عليه وسلم فرسول بدل أو عطف بيان.
قال ابن عطية والهاء في البينة للمبالغة، كهاء علامة، ونسابة فذكر اثني عشر منها اسمان من أسماء الله. وزاد الشامي البارع، أي الفائق أقرانه علما وفضلا. الراجح عليهم علما وحكما، الباهر بموحدة آخره راء في قصص الكسائي أن الله قال لموسى إن محدا هو البدر الباهر، أي لأنه بهر بنوره نور الأنبياء، أي غلبة في الإضاءة لكثرة الانتفاع به والاقتناس منه، أو لأنه غلب بحسنه جميع الخلق، أو لأنه ظاهر الحجة الباهي آخره تحتية، أي الحسن الجميل البحر بلفظ خلاف البر، لعموم نفعه لأنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ممن اتبعه، لسعة كرمه البدء بدال مهملة مهموز السيد الذي يبدأ به إذا عدت السادات البديع، أي المستقل بالحسن والجمال، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه موحد الشيء بلا آلة ولا مادة.
البدر أي القمر الكامل لتمام كماله وعلو شرفه، وفي قصص الكسائي أن الله قال لموسى إن محمدا هو البدر الباهر، والنجم الزاهر والبحر الزاخر، والبرقيطس.
قال ابن إسحاق وغيره هو محمد بالرومية، قال السيوطي: بفتح الموحدة، وكسرها، وفتح القاف، وكسر الطاء، بمؤذ ماذ بكسر الباء، وسكون الميم وضم الهمزة وسكون المعجمة.
عزاه ابن دحية للتوراة قال الشيخ: وأخشى أنه مؤذ ماذ بميم أوله، فتحرف قلت: ونقله ابن القيم عن نص التوراة، ونص بعض شراحها من مؤمني أهل الكتاب فصح ما قال الشيخ البهاء بالمد العز والشرف؛ لأنه شرف هذه الأمة وعزها البهي بالموحدة، كالعلي الحسن العاقل انتهى.
"حرف ت":
التالي، التذكرة، التقي، التنزيل، التهامي.
"حرف ث":
ثاني اثنين.
وأسقط مما ذكره المصنف البشير والبصير وما وقع في الشرح أن الشامي زاد البر سهوا؛ لأنه أول اسم ذكره المصنف في الحرف وتكلم عليه الشارح:
حرف ت:
"التالي": المتبع لمن تقدمه. قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ، أو من التلاوة وهي القراءة. قال تعالى:{رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} ، أي القرآن:"التذكرة" ما يتذكر به الناسي، ويتنبه به الغافل. قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} قيل المراد سيدنا محمد "التقي" فعيل من التقوى.
قال عياض وجد على الحجارة القديمة مكتوب محمد تقي مصلح سيد أمين.
"التنزيل" بمعنى المنزل، أي المرسل، أو المنزل إليه، أي الموحى إليه القرآن. قال تعالى:{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَن} قيل محمد فهو بمعنى رسول من الله، وقيل القرآن "التهامي" بكسر التاء نسبة إلى تهامة من أسماء مكة، وتهامة ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز سميت بذلك لتغير هوائها.
قال ابن فارس من تهم بفتحتين، وهي شدة الحر، وركود الريح، فذكر خمسة أسماء، وزاد الشامي التلقيط ذكره العزفي، وقال هو اسمه في كتب الروم.
حرف ث:
"ثاني اثنين" أي أحد اثنين وهما المصطفى والصديق أخذا من الآية، وذكر ابن دحية الثمال، ولم يتكلم عليه.
قال الشامي وهو بكسر المثلثة، وخفة الميم العماد والملجأ، والمغيث والمعين، والكافي قال جده يمدحه:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
أي يمنعهم مما يضرهم قال ذلك جده وهو صلى الله عليه وسلم في حال الطفولية لما توسمه فيه من الخير وتنسمة من البركة، وقد يستدل بالظاهر على الباطن كما قال:
وقل من ضمنت يوما سريرته
…
إلا وفي وجهه للخير عنوان
أو بضمها ومعناه المنقطع إلى الله الواثق بكفايته انتهى. وصوابه عمه في المحلين، فقد
"حرف ج":
الجبار الجد، الجواد الجامع.
"حرف ح":
حاتم،
صرح صلى الله عليه وسلم أن منشئ البيت أبو طالب في حديث رواه البيهقي، وهو من قصيدته المشهورة، وقوله لما توسمه يقتضي أنه لم يشاهد الاستسقاء به، مع أنه إنما قاله عن مشاهدة، فإنه استسقى به فسقوا، كما رواه ابن عساكر، وقد مر بسط ذلك في أوائل المقصد الأول.
حرف ج:
"الجبار" قال عياض وابن دحية سماه الله به في كتاب داود فقال تقلد سيفك أيها الجبار، فإن ناموسك وشريعتك مقرونة بهيئة يمينك، ومعناه في حقه تعالى المصلح للشيء، أو المصلح بضرب من القهر، أو العلي العظيم الشأن، وقيل المتكبر، ومعناه في حقه صلى الله عليه وسلم أما لإصلاحه للأمة بالهداية والتعليم، أو لقهر أعدائه، أو لعلو منزلته على البشر وعظم خطره ونفى عنه تعالى جبرية التكبر التي لا تليق به، فقال:{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار} ، ويأتي نحوه للمصنف "الجد" بفتح الجيم وضمها العظيم الجليل القدر، أو بكسرها وفتحها أيضا بمعنى الحظ والحظوة، أي صاحب الحظ العظيم عند الحق والحظوة عند الخلق، أو بكسرها فقط بمعنى الاجتهاد في العبادة ودأب النفس في طلب السيادة.
"الجواد" يحتمل شد الواو وخفتها وهما اسمان له ذكرهما الشامي، فقال الجواد بالتشديد مبالغة في الجواد بالتخفيف، ثم قال الجواد بالتخفيف الكريم السخي الطائع الملي، صفة مشبهة من الجود وهي سعة الكرم والطاعة.
"الجامع" لجميع الخصال الحميدة اللائقة به، أو للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة؛ لأنه أوتي جوامع الكلم، أو لحمده لله تعالى بكلمات جامعة لأنواع الحمد والثناء عليه، فذكر أربعا منها ثلاث من أسماء الله، وأسقط الشامي الجامع، وزاد الجليل صفة مشبهة، أي العظيم، أو من كملت صفاته. الجهضم بجيم ومعجمة ساقطة كجعفر العظيم الهامة المستدر الوجه الرحب الجبين الواسع الصدر هذه الأوصاف مجتمعة فيه صلى الله عليه وسلم.
حرف ح:
"حاتم" وفي الشفاء الحاتم بزيادة أل، وقال هو من أسمائه في الكتب السالفة، حكاه الأحبار قال ثعلب، ومعناه أحسن الأنبياء خَلقا وخُلقا.
حزب الله، الحاشر، الحافظ، الحاكم بما أراه الله، الحامد، حامل لواء الحمد،
روى عن عياض وانتقد بأنه ليس بمعروف لغة، وإنما هو القاضي، كما هو في الصحاح وليته استحيا من تفسير ثعلب، فإنه من أئمة اللغة على أن الذي في الصحاح بمعنى القاضي بكسر الفوقية، والاسم الشريف بفتحها، كما ضبط في نسخ معتمدة من الشفاء فلم يتواردا على محل واحد.
"حزب الله" الحزب الطائفة من الناس، وقيل جماعة فيها غلظ وحزب الله عبيده المتقون وأنصار دينه.
قاله الشامي بلفظه "الحاشر" يأتي للمصنف شرحه "الحافظ" من أسمائه تعالى، ومعناه في حقه صيانة جميع الموجودات عن العدم وصيانة المضادة بعضها عن بعض.
قال الغزالي: الحافظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب، وصلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان، وهو اسم فاعل من الحفظ، وسمي به؛ لأنه الحافظ للوحي والأمة، ولا يقدح في وصفه بالحفظ وقوع النسيان منه، كما روى مسلم عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد، فقال رحمه الله تعالى لقد أذكرني آية كنت أنسيتها لندرة ذلك منه، والحكم إنما هو للأغلب قاله كله الشامي، وقد يمنع كون ذلك نسيانا حقيقة، بل هو عدم تذكر يحصل الرجوع إليه بأدنى التفات وعبر عنه بالنسيان مجازا، ثم كأنه جعل وجه التسمية أعظم الأمور، وإلا فكلام الغزالي يصلح وجها أيضا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أقوى الناس حفظا لما ذكر بلا ريب ولا سبيل للشيطان عليه بوجه. فهو الحافظ على الحقيقة من العباد.
"الحاكم بما أراه" علمه "الله" أخذه ابن دحية من قوله تعالى لتحكم بين الناس بما أراك الله لكنه ذكر أن الاسم لفظ الحاكم فقط.
"الحامد" اسم فاعل من الحمد وهو الثناء عى الله بما هو أهله.
قال ابن دحية ذكره ابن كعب، وقال ابن إسحاق: رأت أمه صلى الله عليه وسلم قائلا يقول إنك حملت بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه محمدا، فإن اسمه في التوراة حامد وفي الإنجيل أحمد "حامل لواء الحمد" روى الترمذي عن ابن عباس رفعه "أنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر" واختلف في أنه حقيقي مسمى بذلك وعند الله علم حقيقته ودونه تنتهي جميع المقامات، ولما كان أحمد الخلق في الدارين أعطيه ليأوي إليه الألوان والآخرون، ولذا قال في حديث أنس: آدم فمن دونه تحت لوائي، كما قاله المحب الطبري والتوربشتي، أو معنوي وهو انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته به على رءوس الخلائق كما جزم به الطيبي وتبعه السيوطي.
الحائد لأمته على النار، الحبيبن حبيب الرحمن، حبيب الله، الحجازي، الحجة البالغة، حجة الله على الخلائق حرز الأميين، الحرمي، حريص الحريص على الإيمان، الحسيب،.
"الحائد لأمته عن النار" اسم فاعل من حاد عنه يحيد مال، أي المبعد لهم عنها فإن حاد إذا عدي بهمزة، أو باء وبانت اللام، هنا عنها كان معناه أبعد غيره، وإلا فمعناه بعد عن الشيء. "الحبيب" فعيل من المحبة بمعنى مفعول؛ لأنه محبوب لله، أو بمعنى فاعل، لأنه محب له تعالى.
"حبيب الرحمن" ورد تسميته به في حديث المعراج عن أبي هريرة عند البزار وغيره.
"حبيب الله" ورد في عدة أحاديث قال عياض: المحبة الميل إلى ما يوافق المحب لكن في حق المخلوق، فأما الخالق فمحبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب له وإفاضة رحمته عليه، وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته، فيكون كما ورد الحديث، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به.
"الحجازي" نسبة إلى الحجاز، وهو مكة واليمامة وقراهما سمي حجاز؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد.
"الحجة البالغة" أي الدلالة الكاملة التي لا نقصان فيها ولا انفصام لها. "حجة الله على الخلائق" في الفردوس بلا إسناد أنا حجة الله، وهو بمعنى البرهان "حرز الأميين" العرب، أي حافظهم ومانعهم من السوء، وخصوا بالذكر؛ لأنه لما كان منهم قصد زيادة الاعتناء بهم، وتنبيها لبني إسرائيل على عظم شأنهم ورفعتهم بهذا النبي الذي يخرج منهم وأن غيرهم كالتابع لهم.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص والله أنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح: 8] وحرزا للأميين الحديث.
"الحرمي" نسبة إلى الحرم المكي.
"حريص" فعيل بمعنى فاعل من الحرص وهو شدة الإرادة للمطلوب "الحريص على الإيمان" قال تعالى: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} [التوبة: 128] أي على إيمانكم وهدايتكم.
"الحسيب" فعيل بمعنى مفعل من أحسبني الشيء كفاني ومنه عطاء حسابا، أو الشريف، أو الكريم من الحسب محركا، وهو ما يعد من مفاخر الآباء، أو الدين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل، أو الآباء، وهو صلى الله عليه وسلم متصف بجميع ذلك، وهو من أسمائه تعالى. قال الغزالي وليس للعبد مدخل فيه إلا بنوع مجاز بأن يكون كافيا لطفله بتعهده، أو لتلميذه بتعليمه حتى لا يفتقر إلى غيره انتهى. وهو صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كاف لأمته جميع ما تحتاج إليه في الدارين بحيث
الحفيظ، الحق، الحكيم، الحليم، حماد، حمطايا أو قال حمياطا، حمعسق،
لا تحتاج إلى غيره.
"الحفيظ" فعيل من الحفظ وهو صون الشيء عن الزوال، فإن كان في الذهن فضده النسيان، أو في الخارج فضده التضييع، وهو من أسمائه تعالى، وكلا المعنيين يصح إطلاقه عليه لأن الأشياء محفوظة في علمه لا يطرأ عليه نسيان ويحفظ الموجودات من الزوال. وقيل معناه الذي يحفظ سرك من الأغيار، ويصون ظاهرك عن موافقة الفجار. وأما قوله:{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [النساء: 80] فمعناه لست أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها. وقوله: {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80] أي لتحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي، أو لتحصى مساويهم حفيظ بالمعنى الأول بمعنى أنه يردهم عنه ويقاتلهم عليه، وبالمعنى الثاني؛ لأنه يشهد عليهم يوم القيامة وهو أبلغ من الحافظ.
"الحق" يأتي في المتن وهو من أسمائه تعالى.
"الحكيم" لأنه علم وعمل وأذعن لربه قاله العزفي فعيل من الحكمة قال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] ، {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} والمتصف بالحكمة علما وتعليما حكيم. وفي أنها النبوة، أو معرفة القرءان والفهم فيه، أو الإصابة في القول، أو العلم المؤدي إلى العمل، أو السنة، أو خشية الله أقوا وهو عليه السلام حكيم بكل ذي المعاني. وقيل بمعنى مفعل من الأحكام وهو الإتقان أو بمعنى فاعل من الحكم، وهو المنع للإصلاح وهو أعم من الحكمة وهو عليه السلام متقن للأمور ومانع لأمته.
"الحليم" قال ابن دحية موصوف به في التوراة اسم فاعل للمبالغة من حلم بضم اللام إذا صار الحلم طبعا له، وسجية من سجاياه. قال أبو طالب يمدحه:
حليم رشيد عادل غير طائش
…
يوالي الها ليس عنه بغافل
وكان أحلم الناس، وكل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهلية إلا حلما وهو من أسمائه تعالى، ومعناه في حقه الذي لا يعجل بالعقوبة.
"حماد" في الشامي الحماد بشد الميم صيغة مبالغة من الحمد، أي الحامد الكثير الحمد، "حمطايا" بفتح الحاء، وكسرها وسكون الميم، أو فتحها مشددة وبالطاء المهملة، فألف فتحتية، "أو قال" شك "حمياطا" بتقديم الياء، والألف على الطاء ومعناه حامي الحرم. ويأتي في المصنف "حمعسق" ذكره ابن دحية ونقله الماوردي عن جعفر بن محمد، ونقل عن ابن عباس
حفي، الحمد، الحنيف، الحي.
"حرف خ":
الخبير، خاتم النبيين، خاتم المرسلين،
أنه من أسماء الله.
"حفي" ذكره شيخه السخاوي الحفي بالتعريف، وتبعه الشامي، وقال البر اللطيف يقال: حفيت بفلان، وتحفيت به إذا أعنته في كرامته.
"الحمد" ذكره شيخه السخاوي، وتبعه الشامي وبيض لشرحه، ولم يتنبه شيخنا لذلك، فظنهما اسما واحدا وإن حفي مضاف للحمد وليس كذلك، فإن الشامي ترجم أولا الحفي، ثم ذكر بعده سبعة أسماء، ثم ترجم الحمد وكتب عليه علامة السخاوي.
"الحنيف" يأتي للمصنف، فذكر ثمانيا وعشرين منها خمسة من أسماء الله تعالى، وزاد الشامي حاط حاط. قال العزفي هو اسمه في الزبور الحامي، أي المانع لأمته من العدا والحافظ لهم من الردى، أو حامي البيت والحرم ببعده من أيدي ذي الجرم، أو لأنه كان له أن يحمي نفسه وإن لم يقع منه ذلك حبنطا.
قال العزفي: من أسمائه في الإنجيل وتفسيره، يفرق، بين الحق والباطل، الحكم بفتحتين، أي الحاكم، أو المناع، وهو من أسماء الله تعالى ومعناه الذي لا راد لحكمه قال:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} أي مانعا. الحلاحل بمهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة السيد الشجاع، أو كبير المروءة، أو الرئيس الرزين، كأنه مأخوذ من الحلول والاستقرار؛ لأن القلق وقلة الثبات في مجلس ليس من عادة السادات.
الحميد فعيل بمعنى حامد ومحمود صيغة مبالغة من الحمد وهو الثناء، أي الذي حمدت أخلاقه ورضيت أفعاله، أو الحامد لله بما لم يحمده به حامد، والكثير المحامد وهو من أسمائه تعالى ومعناه الذي حمد نفسه أبدا وحمده عباده أبدا، أو المستحق للحمد؛ لأن موصوف بكل كمال ومول لكل نوال.
الحنان بالتخفيف الرحمة الحيي بمهملة وتحتيتين الكثير الحياء.
روى الدارمي عن سهل بن سعد كان صلى الله عليه وسلم حييا لا يسأل شيئا إلا أعطى.
"الحي" أي الباقي المتلذذ المنعم في قبره انتهى.
حرف خ:
"الخبير" يأتي للمصنف من أسماء الله تعالى "خاتم النبيين" كما في التنزيل ولكن رسول الله وخاتم النبيين "خاتم المرسلين" ذكر العلماء في حكمه كونه خاتم النبيين والمرسلين
الخاتم، الخازن لمال الله، الخاشع، الخاضع، الخالص، خطيب الأنبياء، خطيب الأمم، خطيب الوافدين على الله، خليل الرحمن، خليل الله،
أوجها منها أن يكون الختم بالرحمة وإرادة الله أن لا يطول مكث أمته تحت الأرض إكراما له وإن لا ينسخ شريعته، بل من شرفه نسخها لجميع الشرائع، ولهذا إذا نزل عيسى إنما يحكم بها.
"الخاتم" يأتي للمصنف وذكر ابن دحية الخاتم بكسر التاء والخاتم بفتحها، ونقل ذلك عن ضبط ثعلب وابن عساكر.
"الخازن لمال الله" أخذه ابن دحية من حديث أبي هريرة رفعه "والله ما آتيتكم من شيء ولا أمنعكم من شيء منه إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت" رواه أحمد وغيره.
قال النووي معناه خازن ما عندي أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به والأمور كلها بمشيئة الله.
"الخاشع" الخشوع لغة السكون والتخشع التذلل قاله الأزهري، وقال ابن سيده خشع رمى ببصره، وعند الصوفية الانقياد للحق، وقيل قيام القلب بين يدي الرب بهم مجموع. وقال الحسن، الخوف الدائم الملازم للقلب والجنيد تذلل القلوب لعلام الغيوب والحكيم الترمذي الخاشع من خمدت نيران شهوته وسكن دخان صدره، وأشرق نور التعظيم من قلبه فماتت شهواته وحيي قلبه فخشعت جوارحه.
قال القشيري على أن محل الخشوع القلب وهو قريب من التواضع.
"الخاضع" ذكره ابن دحية. قال الجوهري الخضوع التطامن والتواضع، وقال الأزهري الخضوع قريب من الخشوع إلا أن الخشوع للقلب وهو قريب من التواضع.
"الخالص" أي النقي من الدنس "خطيب الأنبياء" في حديث الشفاعة كنت إمام النبيين وخطيبهم، أي مقدمهم وصاحب الكلام ودونهم، والخطيب الحسن الخطبة، وهي الكلام المنثور المسجع مشتقة من الخطب وهو اللسان؛ لأن العرب إذا دهمهم أمر اجتمعوا له، وخطبت ألسنتهم فيه، أو من المخاطبة؛ لأنه يخاطب بالأمر والنهي، أو من الخطيب وهو ذو الألوان من كل شيء لاشتمالها على فنون الكلام.
"خطيب الأمم" جمع أمة "خطيب الوافدين على الله" جمع وافد ذكرهما السخاوي.
"الخليل" فعيل بمعنى فاعل من الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب، فصارت خلاله، أو من الخلة بمعنى الاصطفاء لأنه يوالي ويعادي في الله، أو بمعنى الحاجة لانقطاعه إلى ربه وقصر حاجته عليه.
"خليل الله" روى أحمد وغيره عن ابن مسعود رفعه "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا
الخليفة، خير الأنبياء خير البرية، خير خلق الله، خير العالمين طرا، خير الناس، خير هذه الأمة، خير الله.
بكر وإن صاحبكم خليل الله".
وروى أبو يعلى في حديث المعراج إن الله قال له صلى الله عليه وسلم: "وإني اتخذتك خليلا" واطلاق الخلقة على الله للمقابلة، ولأنها نصره إياه وجعله خير خلقه لا بمعنى الحاجة إذ لا يجوز أن يقال الله خليل محمد من الخلة التي هي الحاجة، كما أفاده الإمام الواحدي. "الخليفة" أي الذي يخلف غيره وينوب عنه والهاء للمبالغة، سمي بذلك، وكذا آدم وغيره؛ لأن الله استخلفهم على عمارة الأرض وسياسة الناس وتكميل نفوسهم وتنفيذ أوامره منهم لا لحاجة منه تعالى إلى ذلك بل لقصور المستخلف عليهم عن قبول فيضه وتلقي أمره بغير واسطة.
"خير الأنبياء" ذكره السخاوي وغيره، أي أفضلهم.
"خير البرية" الخلق "خير خلق الله خير العالمين طرا" ذكرهما معا ابن دحية وذلك من الأحاديث والآثار المشهورة ومعناهما واحد. والخلق مصدر بمعنى مخلوق وهو المبتدع المخترع بفتح الدال والراء.
"خير الناس" ذكره السخاوي، قال الجوهري يقال رجل خير، أي فاضل ولا يقال أخير؛ لأن فيه معنى التفضيل، وحذفت منه الهمزة كما حذفت من أشر غالبا لكثرة الاستعمال ورفضوا أخير وأشر فيما ندر كقوله: بلال خير الناس وابن الأخير.
"خير هذه الأمة" أخذه ابن حية مما رواه البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: تزوج فخير هذه الأمة أكثرها نساء يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
"خيرة الله" بكسر الخاء وسكون التحتية المختار. وقال الجوهري يقال محمد خيرة الله من خلقه وخيرة بالتسكين أيضا، أي مختاره ومصطفاه، أو بفتح الخاء مع سكون التحتية، وعناه أفضل الناس وأكثرهم خيرا فعد أحد وعشرين منها واحد من أسمائه تعالى.
وزاد الشامي الخافض، أي خافض الجناح من الخفض والتواضع ولين الجانب {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي تواضع لفقرائهم وضعفائهم وطب نفسا عن أغنيائهم، أو الذي يخفض الجبابرة بسوطه ويكسر الأكاسرة ببأسه وهو من أسمائه تعالى.
خليل الرحمن ذكره السخاوي خليفة الله. ذكره ابن دحية من قوله في حديث الإسراء ونعم الخليفة حياه الله من أخ ومن خليفة وجاء إطلاقه على الله في حديث "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل" فهو مما سماه به من أسمائه الخير بتحتية الفضل والنفع؛ لأنه حصل بوجوده خير كثير، أو الفاضل يقال رجل خير كعدل وخير ككيس، أي فاصنع خير الخلق
"حرف د":
دار الحكمة، الداعي إلى الله، دعوة إبراهيم، دعوة النبيين، دليل الخيرات.
"حرف ذ":
الذاكر،
ذكره ابن دحية.
حرف د:
"دار الحكمة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا دار الحكمة وعلى بابها".
رواه الحاكم في المستدرك وصححه، وزعم ابن الجوزي والذهبي أنه موضوع ورد بما يطول.
قال الحافظان العلائي وابن حجر الصواب أنه حسن لا صحيح ولا موضوع.
"الداعي إلى الله" كما في التنزيل وداعيا إلى الله بإذنه سمي به لدعائه إلى طاعته والحث عليها، وقد وصف الله تعالى نفسه بالدعاء والله يدعو إلى دار السلام فهو مما سماه من أسمائه.
"دعوة إبراهيم" كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم" يعني {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُم} [البقرة: 129] الآية "دعوة النبيين" ذكره السخاوي.
"دليل الخيرات" فعد خمسا وزاد الشامي الدامغ بمعجمة آخر؛ لأنه دمغ الباطل بالحق وكسر جيوش الشرك بسيف حجته الداني اسم فاعل من الدنو القرب، ثم دنا فتدلى دعوة التوحيد، أي صاحب قول لا إله إلا الله، أو الأعلام سمي به؛ لأنه أعلم الناس، أي دلهم على طريق الهداية، أو بمعنى المدعو به على إطلاق المصدر على اسم المفعول الدليل، أي الهادي دهتم بفوقية وزن جعفر السهل الخلق والحسن الخلق انتهى.
حرف ذ:
"الذاكر" اسم فاعل من الذكر وهو تمجيد الله وتقديسه وتسبيحه.
قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] .
قال الرازي: المعنى أنه يحب حصول الذكر كل وقت وإدامة القلبي لقوله: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِين} وأنه لا ينبغي أن يغفل عن استحضار جلال الله وكبريائه لحظة واحدة حسبما تطيقه القوى الإنسانية وتحمله الطاقة البشرية. ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم أمس الخلق بذلك وأولاهم به وأحقهم بالاختصاص بدرجات الكمال والاستغراق في مشاهده الحلال، فلذا سمي به.
الذكر، ذكر الله ذو الحوض المورود، ذو الخلق العظيم، ذو الصراط المستقيم، ذو القوة، ذو مكانة، ذو عزة، ذو فضل، ذو المعجزات، ذو المقام المحمود، ذو الوسيلة.
"الذكر" بسكون الكاف القوي الشجاع الأبي، أو الثناء والشرف قال العزفي وابن دحية؛ لأنه شريف في نفسه مشرف غيره مخبر عنه به، فاجتمعت له وجوه الذكر الثلاثة قال تعالى:{قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا، رَسُولًا} [الطلاق: 10] قال جماعة هو محمد صلى الله عليه وسلم فرسولا حال "ذكر الله". ذكره السخاوي، وقال مجاهد في {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] أنه محمد وأصحابه.
"ذو الحوض المورود" ذكره السخاوي أيضا ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه في محله. "ذو الخلق العظيم" قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، ويأتي أيضا في محله.
"ذو الصراط المستقيم" كما قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] صراط الله.
"ذو القوة" نقل عياض عن الجمهور في ذي قوة أنه محمد صلى الله عليه وسلم قال: وهو مما سماه به من أسمائه تعالى.
"ذو مكانة" منزلة عليه عند ربه ليست لغيره.
"ذو عزة" ذكره السخاوي.
"ذو فضل" وفي الشامي الفضل، أي الإحسان. "ذو المعجزات الكثيرة الباهرة.
"ذو المقام المحمود" وهو الشفاعة على المشهور، وبالغ الواحدي فحكى عليه إجماع المفسرين، ويأتي إن شاء الله تعالى في محله بسطه.
"ذو الوسيلة" هي أعلى درجة في الجنة. فعيلة، من وسل إليه إذا تقرب، وتطلق على المنزلة العلية كما في مسلم:"ثم سلوا الله ليَّ الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تبتغي إلا لبعد وأرجو أن أكون هو""لطيفة".
قال السهيلي: الإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب؛ لأنه يضاف بها إلى التابع مثل ذي مال وصاحب يضاف بها إلى المتبوع مثل أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقال النبي صاحب أبي هريرة إلا على وجه ما، ومن ثم لما ذكر يونس في موضع الثناء والمدح.
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ} فاتي بذا الدالة على التشريف وأضيفت إلى لفظ النون الذي هو أشرف من لفظ الحوت؛ لأنه وإن كان بمعناه لكنه ذكر دونه في حروف التهجي وأوائل السور
"حرف ر":
الراضع، الراضي، الراغب،
على جهة القسم زيادة في التشريف ومبالغة في التعظيم، ولما كان المقصود من ذكره في سورة [القلم] قال:{وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت} فذكر ثلاثة عشر وزاد الشامي: "الذخر" بضم الذال وسكون المعجمة، أي الذخيرة الذكار أي كثير الذكر.
روى ابن ماجه عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. الذكر بفتحتين، الجليل الخطر. ومنه الحديث "القرآن ذكر فذكروه".
قال في النهاية، أي جليل خطير فاجلوه ذو التاج أي، العمامة؛ لأنها تاج العرب ذو الجهاد ذو الحطيم بفتح الحاء، وهو الحجر المخرج من البيت على الأصح أو ما بين الركن والباب، سمي بذلك في الكتب السابقة؛ لأنه أنقذه من أيدي المشركين، وأخرج ما كان فيه من الأصنام، وجعله محل عبادة.
ذو السيف من أسمائه في الكتب السالفة ذو السكينة بالفتح والتخفيف الوقار والتأتي في الحركة، وقال الصفاني بكسر السين وشد الكاف وهي الرحمة وطيبة، أي المدينة.
ذو العطايا جمع عطية وهي الموهبة. ذو الفتح جمع فتح وهو النصر على الأعداء. ذو المدينة وهي طيبة ذو القضيب، أي السيف الرقيق.
ذو الميسم بكسر الميم وسكون التحتية، أي العلامة، أو الجمال، أو الحسن، أي ذو حسن وجمال. ذو الهراوة بكسر الهاء العصا انتهى.
حرف ر:
"الراضع" ذكره السخاوي قال الشامي: وفي ذكر مثله نظر، أي لأنه ليس صفة تعظيم مع إشعاره باحتياجه، وقد يدفع بأن المراد الراضع على صفة لم تقع لغيره من الهامه العدل وأن له شريكا وظهور آيات في رضاعه حتى كأنه الراضع الذي لم يرضع أحد سواه.
"الراضي"، وهو القانع بما أعطى أخذه ابن دحية من قوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .
روى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم تلا قوله في إبراهيم {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك} [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي"، وبكى فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
قال ابن دحية: هذا الحديث هو تفسير الآية "الراغب" اسم فاعل من رغب إليه كسمع
الرافع، راكب البراق، راكب البعير، راكب الجمل، راكب الناقة، راكب النجيب، الرحمة، رحمة الأمة، رحمة العالمين، رحمة مهداة، الرحيم، الرسول رسول الراحة،
ابتهل وتضرع، أو سأل قال تعالى:{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} [الشرح: 8] قال ابن مسعود، أي فاجعل رغبتك إليه دون من سواه من خلقه، وقال غيره ارغب إليه وسله حاجتك. وقيل تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة، "الرافع" الذي رفع به قدر أمته وشرفوا باتباع ملته، وهو من أسمائه تعالى، معناه الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد ويخفض الكافرين بالإبعاد.
"راكب البراق" ذكره ابن دحية ويأتي الكلام عليه في المعراج.
"راكب البعير" وهو من أسمائه في الكتب السالفة.
"راكب الجمل" ورد في كتاب نبوة شعيا، وهو ذو الكفل أنه قال: قيل لي قم فانظر ما ترى فأخبر عنه، فقلت رأيت راكبين أحدهما على حمار والآخر على جمل. فقال أحدهما لصاحبه: سقطت بابل وأصنامها قال ابن دحية: فراكب الحمار عيسى وراكب الجمل محمد؛ لأن ملك بابل إنما ذهب بنبوته.
قال السيوطي: ولذا قال النجاشي لما جاءه كتابه صلى الله عليه وسلم وآمن به أشهد أن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل.
قال ابن عساكر: إن قيل لِمَ خص براكب الجمل وقد كان يركب الفرس والحمار فالجواب أن المعنى به أنه من العرب لا من غيرهم؛ لأن الجمل مركب للعرب يختص بهم لا ينسب إلى غيرهم.
"راكب الناقة" هو من أسمائه في الكتب السالفة. "راكب النجيب" ذكره في الاصطفاء. "الرحمة" قال أبو بكر بن طاهر زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة فكونه وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق، وحياته رحمة وموته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"حياتي خير لكم ومماتي خير لكم"، وكما قال:"إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا". "رحمة الأمة" ذكره السخاوي. "رحمة العالمين" قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107] فهو رحمة لجميع الخلق المؤمن بالهداية والمنافق بالأمان من القتل والكافر بتأخير العذاب عنه "رحمة مهداة" بضم الميم روى الحاكم عن أبي هريرة رفعه "إنما أنا رحمة مهداة" وللطبراني "بعثت رحمة مهداة" قال ابن دحية، معناه إن الله بعثني رحمة للعباد لا يريد لها عوضا لأن المهدي إذا كانت هديته عن رحمة لا يريد لها عوضا.
"الرحيم الرسول" يأتي للمصنف الكلام عليهما: "رسول الراحة" لما في رسالته من الراحة لعامة الناس وهي لغة زوال المشقة والتعب.
رسول الله، رسول الملاحم الرشيد، الرفيع الذكر، رفيع الدرجات الرقيب، روح الحق، روح القدس.
"رسول الرحمة" وردت تسميته بذلك في حديث موقوف على ابن مسعود عند ابن ماجه ومعناه واضح؛ لأنه أرسل رحمة.
"رسول الله" ذكره الشامي وبيض بعده وكأنه مأخوذ من قوله محمد رسول الله.
"رسول الملامح" جمع ملحمة بفتح الميم، وهو موضوع القتال؛ لأنه أرسل بالجهاد والسيف.
"الرشيد" من الرشد بضم فسكون، أو بفتحتين وهو الاستقامة في الأمور بمعنى أشد، أي مستقيم، أو بمعنى مرشد، أي هاد قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [الشورى: 52] أي ترشد إلى الدين القيم، وهو من أسمائه تعالى، وهو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد من غير استشارة والإرشاد، أو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم.
"الرفيع الذكر" قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك} [الشرح: 4] .
روى ابن حبان عن أبي سعيد رفعه "أتاني جبريل، فقال: إن ربك يقول تدري كيف رفعت ذكرك قلت: الله أعلم قال: إذا ذكرت ذكرت معي" قال في الوفاء، ومعناه العلي، أو رفيع الدرجات على غيره، أو رفيع الذكر بمعنى مرفوعه، أو رافع هذه الأمة بالإيمان بعد انخفاضهم بذل الكفر والعصيان، فهو بمعنى الرفيع ومن أسمائه تعالى الرفيع.
"رفيع الدرجات" أخذه السيوطي من قوله: ورفع بعضهم درجات، والمراد محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال مجاهد: قال الزمخشري: وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس انتهى. وقد أجاد القائل:
وأقول بعض الناس عنك كناية
…
خوف الوشاة وأنت كل الناس
ورفعه بما خصه به من بدائع الفضل الذي لم يؤته نبيا قبله.
"الرقيب" الذي يراقب الأشياء ويحفظها من المراقبة، وهي الحفظ قال بعض السادة: المراقبة علم العبد باطلاع الرب، وهو من أسمائه تعالى ومعناه المطلع على الضمائر العالم بما في السرائر.
"روح الحق روح القدس" قال ابن دحية: وردا في الإنجيل ومعنى القدس المقدسة، أي الطاهرة من الأدناس من إضافة الموصوف إلى الصفة والحق إما أن يراد به الله تعالى وإضافة الروح إليه تشريف، كما سمي عيسى روح الله، أو يراد به النبي صلى الله عليه وسلم وتكون الإضافة للبيان، أي
الرءوف ركن المتواضعين.
"حرف ز":
الزاهد، زعيم الأنبياء، الزكي، الزمزمي،
روح هو الحق.
"الرءوف" مما سماه به من أسمائه ويأتي للمصنف.
"ركن المتواضعين" وقع في كتاب شعيا فعد سبعا وعشرين منها ستة من أسماء الله تعالى.
وزاد الشامي الراجي من الرجاء ضد الخوف الرجل بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها، أي رجل الشعر كأنه مشط الرجيح، أي الزائد على غيره في الفضل، الرحب الكف، أي واسعة، أو كثير العطاء وكان عليه السلام موصوفا بهما. الرضي، أي ذو الرضا، أو هو رضا الله على عباده رضوان الله بكسر الراء، أي رضاه على عباده وقيل في قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه، أي اتبع رسوله.
الرفيق من الرفق، وهو اللطف وكان صلى الله عليه وسلم منه بمكان الرهاب يقال للمبالغة من الرهب بضم فسكون أو بفتحتين، وهو الخوف لا من الترهيب؛ لأن أمثلة المبالغة لا تبنى غالبا إلا من ثلاثي مجرد ولنهيه عن الرهبانية فلا يصف بها نفسه. وفي الحديث "واجعلني لك شكارا رهابا" رواه ابن ماجه. الروح في الأصل ما يقوم به الجسد سمي به؛ لأنه حياة الخلق بالهداية بعد موتهم بالضلال، وقيل في تفسير {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح} أي محمد وقيل جبريل وقيل غيره.
حرف ز:
"الزاهد" من أسمائه في الكتب القديمة. روى عن أبي ذر رفعه الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق بما في يدي الله وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك.
"زعيم الأنبياء" هو الكفيل المتحمل للأمور، أو الضامن لأمته بالفوز يوم النشور. سمي بذلك لكفالته للأنبياء بالشفاعة العظمى.
"الزكي" أي الطاهر المبارك من الزكاة النمو والطهارة أخذه ابن دحية من قوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} [البقرة: 151] ورده السيوطي بأن الوصف في زكى مزكى لا زكى نعم الاسم الصحيح في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حديث سطيح: نبي زكي.
"الزمزمي" قال ابن دحية نسبة إلى زمزم وهي سقيا الله لجده اسماعيل فهو أولى من نسب إليها.
زين من وافي القيامة
"حرف س":
السابق من السبق، السابق بالخيرات، سابق العرب، الساجد، سبيل الله.
"زين من وافى القيامة" ذكره عياض وفي حديث الضب قوله السلام عليك يا زين من وافى القيامة، فذكر خمسا وزاد الشامي الزاجر من الزجر المنع والكف؛ لأنه يزجر عن المعاصي الزاهر، أي المشرق اللون المستنير الوجه الزاهي، أي الحسن المشرق، أو الظاهر أمره الواضح برهانه المترفع بسمات الهداية والفتوة المنزه عما لا يليق بمنصب النبوة زلف بفتح الزاي ككتف، أي الزيف بتحتية بعد اللام من الزلف، وهو القرب والتقدم.
الزين، أي الحسن الكامل خَلقا وخُلقا، وهو لغة ضد الشين وزعم أنه زاد الربض غلط إنما قال الشامي في اسم زعيم الأنبياء: روى أبو داود بسند صحيح عن أبي أمامة مرفوعا "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء"، وهو محق الربض بفتح الراء والباء وآخره ضاد معجمة، أي أرض الجنة تشبيه بربط المدينة، وهو ما حولها انتهى. بلفظ فصحفه بالزاي، ثم ظنه اسما، وعارضه بأن الذي في المصباح بالراء مع أن الشامي، كما ترى إنما ذكره ضبطا للحديث الذي ذكره دليلا على تسميته بالزعيم وضبطه بالراء.
حرف س:
"السابق من السبق" وهو التقدم وقد يستعار السبق لإحراز الفضيلة، ومنه والسابقون السابقون، ومعناه المخلص الذي سارع إلى طاعة مولاه وشق الفيافي في طلب رضاه، أو السابق لفتح باب الجنة قبل الخلق.
"السابق بالخيرات" الدينية والدنيوية في الدنيا والآخرة.
"سابق العرب" كما في حديث أنس مرفوعا "السباق أربعة أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبش".
"الساجد" أخذه السيوطي من قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَه} [الإنسان: 26] وقوله: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِين} [الحجرات: 98] أي: دوام على عبادتك وخضوعك معهم.
"سبيل الله" أي طريقه الموصل إليه؛ لأنه الموصل إلى رضا الله {الَّذِينَ َفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [النساء: 167] أي كتموا نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأخذه ابن دحية من قوله: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [الأنفال: 47] في أحد القولين، أنه رسول الله.
السراح المنير، السراط المستقيم، السعيد، سعد الله، سعد الخلائق، السميع، السلام، السيد، سيد ولد آدم، سيد المرسلين، سيد الناس،
قال السادي: ورواه ابن أبي حاتم "السراج المنير" يأتي المصنف "السراط المستقيم" القيم الواضح الذي لا عوج فيه.
سمي به؛ لأنه الموصل إليه والصاد لغة فيه قال ابن عباس في الآية: هو رسول الله رواه الحاكم وصححه وكذا قاله أبو العالية عند ابن جرير وغيره.
"السعيد" فعيل بمعنى فاعل سمي به؛ لأن الله أوجب له السعادة من القدم وحقق له السيادة على سائر الأمم.
"سعد الله سعد الخلائق" ذكر الثلاثة السخاوي؛ لأن الله أسعد الخلائق بأتباعه.
"السميع" فعيل بمعنى فاعل من السمع الذي هو أحد الحواس الظاهر قال تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] ، قيل الضمير له عليه السلام، سمي بذلك لما شرف به في مسراه من سماع كلام مولاه، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه الذي يسمع السر وأخفى وسمعه تعالى صفة تتعلق بالمسموعات.
"السلام" السالم من العيب المنزه عن الريب، وهو في الأصل السلامة سمي به لسلامة هذه الأمة بل وغيرها بوجوده من العضاب، وأمنها من العقاب، أو لسلامته من النقص والعيب، وبراءته من الزيغ والريب، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي سلمت من الشين ذاته وجلت عن النقص صفاته أو مالك تسليم العباد من المهالك أو ذو السلام على المؤمنين في الجنة، أو الذي سلم خلقه من ظلمه، أو سلم المؤمنين من العذاب، أو المسلم على المصطفين لقوه {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] وهو في حقه صلى الله عليه وسلم صحيح بالمعنى الأول والرابع والخامس واضح وليس الثالث والسادس ببعيد في حقه أيضا.
"السيد" الرئيس الذي يتبع وينتهي إلى قوله: أو الذي يلجأ إليه في الحوائج أو المطيع، أو الفقيه العالم، أو الذي ساد في العلم والعبادة والورع، أو فائق أقرانه في كل شيء، وهو صلى الله عليه وسلم سيد بالصفات المذكورة، وهو من أسمائه تعالى قال النحاس، ولا يقال لغيره إلا بلا تعريف.
قال النووي الأظهر جوازه باللام وغيرها للمشهور بعلم، أو صلاح ويكره لغيره وعند الحاكم مرفوعا إذا قال الرجل للفاسق سيد، غضب ربه عز وجل.
"سيد ولد آدم" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" رواه مسلم.
"سيد المرسلين" بالنص الجلي، "سيد الناس" لقوله في حديث الشفاعة "أنا سيد الناس يوم القيامة"، وإنما قيد به لظهور سؤدده فيه الكل واحد بلا منازع ولا معاند، بخلاف الدنيا فنازعه
سيد الكونين، سيد الثقلين، سيف الله المسلول.
"حرف ش":
الشارع، الشافع، الشاكر،
الكفار. وقال النووي وإنما قال ذلك امتثالا لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} [الضحى: 11] ولأنه من البيان الذي يجب تبليغه لأمته ليعرفوه ويعتقدوه "سيد الكونين" الدنيا والآخرة.
"سيد الثقلين" الإنس والجن؛ لأنهما كالثقل للأرض وعليها، أو لفضلهما بالتمييز الذي فيهما على سائر الحيوان، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه.
"سيف الله المسلول" ذكره الشامي أيضا غايته أنه حذف لفظ المسلول، وزاد السيف بلا إضافة. وقال روى الحاكم أن كعب بن زهير أنشده بانت سعاد حتى انتهى إلى قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به
…
مهند من سيوف الهند مسلول
فقال صلى الله عليه وسلم من سيوف الله فذلك تسعة عشر فيها ثلاثة من أسماء الله. وزاد الشامي السابط بفتح المهملة وكسر الموحدة، أي سبط الشعر السخي، أي الكريم السديد بمهملات بمعنى فاعل من السداد، وهو الاستقامة، أو بمعنى مفعل، أي المسدد ثلم أمته بإصلاح أمورهم في الدنيا ورفع خللهم بالشفاعة في الآخرة. سرخليطس قال العزفي: هو اسمه بالسريانية ومعناه معنى البرقيطس السريع المبادر إلى طاعة ربه، أو الشديد السلطان، أي الحجة والبرهان؛ لأنه حجة الله على عباده في الدنيا والآخرة وبرهانه في الدنيا السمي، أي السامي، أي العالي من السمو العلو السنايا بالقصر الضوء الساطع، أو النور اللامع، أو بالمد، وهو الشرف والعلو؛ لأنه شرف هذه الأمة وفخرها، أو هو صاحب الشرف السند بمهملتين بينهما نون محركة الكبير الجليل الذي يعتمد عليه، ويقصد ويلجأ إليه السيف المخذم بمعجمتين كمعظم القاطع الماضي.
سيف الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيف الإسلام وأبو بكر سيف الردة" رواه الديلمي السيف.
حرف ش:
"الشارع" العالم الرباني العامل المعلم، أو المظهر المبين للدين القيم اسم فاعل من الشارع، وهو الإظهار والتبيين. وقد اشتهر إطلاقه عليه؛ لأنه شرع الدين والأحكام، والشرع الدين كالشريعة، وقد وصف تعالى نفسه الكريمة بقوله:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين} [الشورى: 13] فهو مما سماه به من أسمائه.
"الشافع" الطالب الشفاعة. "الشاكر" اسم فاعل من الشكر، وهو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، أو تصور النعمة وإظهارها، أو الامتلاء من ذكر المنعم، وهو من أسمائه تعالى
الشاهد، الشكور، الشكار، الشمس، الشهيد.
ويأتي للمصنف.
"الشاهد" العالم، أو المطلع الحاضر من الشهود الحضور، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} ، أي على من بعثت إليهم، مقبول القول عليهم عند الله، كما يقبل الشاهد العدل، ويأتي له تتمة في المصنف.
"الشكور" كثير الشكر صيغة مبالغة فعول بمعنى فاعل، أو الذي يثيب الكثير على القليل.
وكان هذا من خصوصياته حتى لا يصير لأحد عليه منة، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي يعطي الجزيل على العمل القليل، أو المثني على عباده إذا أطاعوه، أو المجازي على الشكر.
قال عياض الشكر من الخلق للحق معرفة إحسانه وشكره لهم مجازاتهم على أفعالهم، فسمي جزاء الشكر شكرا مجازا، والعلاقة المشاكلة، كما سمي جزاء السيئة سيئة. "الشكار" يأتي مع ما قبله للمصنف، "الشمس" يأتي أيضا. وكذا "الشهيد" وهو من أسمائه تعالى، أي الذي لا يغيب عنه شيء فذكر ثمانيا نصفها من أسماء الله تعالى.
وزاد الشامي المشفع بفتح الفاء الذي يشفع فيقبل الشفيع ورد في مسلم.
الشافي، أي المبرئ من السقم والألم والكاشف عن الأمة كل خطب يهم ألم الشثن بفتح أوله وسكون المثلثة ونون، أي عظيم الكفين والقدمين والعرب تمدح به.
وقال عياض: نحيفها، أو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، وهو محمود في الرجال؛ لأنه أمكن للقبض الشديد وأحد الأشداء صفة مشبهة، وهو البين الشدة، أي القوة.
الشذقم بالفتح وسكون المعجمة وفتح القاف البليغ المفوه وأصله كبير الشذق، وهو جانب الفم وميمه زائدة.
روى مسلم عن سمرة كان صلى الله عليه وسلم ضليع الفم.
الشريف من الشرف العلو، أي العالي، أو المشرف على غيره، أي المفضل الشفاء بالكسر والمد البرء من السقم والسلامة؛ لأن الله أذهب ببركته الوصب وأزال بسماحة ملته النصب قال تعالى:{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُور} قيل المراد محمد صلى لله عليه وسلم، الشهاب بالكسر السيد الماضي في الأمر، أو النجم المضيء لأن الله حمى به الدين من كل معاند، كما حمى بالشهب سماء الدنيا من كل شيطان ما رد قال كعب:
إن الرسول شهاب ثم يتبعه
…
نور مضيء له فضل على الشهب
الشهم بفتح الكسر السيد النافذ الحكم.
"حرف ص":
الصابر، الصاحب، صاحب الآيات، صاحب المعجزات، صاحب البرهان، صاحب البيان، صاحب التاج، صاحب الجهاد، صاحب الحجة، صاحب الحطيم، صاحب الحوض المورود، صاحب الخاتم، صاحب الخير، صاحب الدرجة العالية الرفيعة،
حرف ص:
"الصابر" اسم فاعل من الصبر، حبس النفس عن الجزع وإمساكها في الضيق والفزع. وفيه تعاريف كثيرة قال تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور: 48]، وقال {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُك} {صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 22] قال ابن دحية: وهو بمعنى العالم والحافظ بالمعجمة قال: كان صلى الله عليه وسلم أصبر الناس على أقذار الناس.
"الصاحب" اسم فاعل من الصحبة وهي المعاشرة والملازمة قال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} ، قال ابن دحية: وهو بمعنى العالم والحافظ واللطيف. وقال العزفي: سمي بذلك لما كان عليه لمن اتبعه من حسن الصحبة، وجميل المعاملة، وعظم المروءة، والوقار، والبر، والكرامة وقد ورد إطلاق الصاحب على الله "اللهم أنت الصاحب في السفر". "صاحب الآيات"، أي المعجزات "صاحب المعجزات" الكثيرة.
"صاحب البرهان" الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين.
"صاحب البيان" أي الكشف والإظهار، كما مر. قيل الفرق بينه وبين التبيان أنه الإظهار بالحجة، والبيان إظهار بلا حجة.
"صاحب التاج" اسم له في الإنجيل، أي العمامة ويأتي للمصنف.
"صاحب الجهاد" أي القتال. "صاحب الحجة" البرهان، أي المعجزات التي جاء بها، وهو من أوصافه في الكتب القديمة.
"صاحب الحطيم" وهو حجر البيت على الأصح، كما قال البرماوي.
"صاحب الحوض المورود" يوم القيامة "صاحب الخاتم"، أي خاتم النبوة ومر أو الذي كان يلبسه.
"صاحب الخير" ضد الشر؛ لأنه لا يصدر منه شر حتى إن غزوه وقتله الكفار خير محض لإظهار الدين.
"صاحب الدرجة العالية الرفيعة" ذكره السخاوي ولا ينافيه قوله في المقاصد الحسنة إنه
صاحب الرداء، صاحب الأزواج الطاهرات، صاحب السجود للرب المحمود، صاحب السرايا، صاحب السلطان، صاحب السيف، لطيفة صاحب الشرع، صاحب الشفاعة الكبرى، صاحب العطايا، صاحب العلامات الباهرات، صاحب العلو والدرجات، صاحب الفضيلة، صاحب الفرج، صاحب القضيب الأصغر
لم يره في شيء من الروايات؛ لأن مراده فيما يقال عقب الآذان، كما أفصح به فلا ينافي وروده أسما.
"صاحب الرداء" وطوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان ونصف رواه أبو الشيخ من مرسل عروة. "صاحب الأزواج الطاهرات" ذكره السخاوي "صاحب السجود للرب المحمود" وفي نسخة المعبود وأخرى المعبود المحمود بالمجمع لكن الذي ذكره السخاوي الأول "صاحب السرايا" الكثيرة.
"صاحب السلطان" أي النبوة.
قال عياض: هو من أسمائه في الكتب المتقدمة وفي كتاب نبوة سعيا أثر سلطانه على كتفه قال ابن ظفر وفي رواية العبرانيين بدل هذه على كتفه خاتم النبوة فهو المراد بالأثر.
"صاحب السيف" هو من أوصافه في الكتب المتقدمة، أي صاحب القتال والجهاد وفيها سيفه على عاتقه يجاهد به في سبيل الله.
روى أحمد عن ابن عمر رفعه بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له.
"لطيفة" أنشأ العلامة الجمال بن نبانة مفاخرة بين السيف والقلم ذكر فيها من مزايا السيف أن اليد النبوية حملته دونه.
"صاحب الشرع" الباقي الذي لم ينسخ، أي مظهره ومبينه أضيف إليه لعدم ظهوره قبله "صاحب الشفاعة الكبرى" في فصل القضاء.
"صاحب العطايا" التي لا تحصر بلا من ولا أذى ولا مقابل.
"صاحب العلامات الباهرات" التي أذعن لها حتى الأعادي، ولكن من يضلل الله فما له من هاد.
"صاحب العلو والدرجات" في الدنيا والآخرة.
"صاحب الفضيلة" التي لم ينلها غيره.
"صاحب الفرج" بفتح الراء ضد الشدة؛ لأنه ما حزبه أمر إلا توسل إلى ربه ففرج عنه وقرأه شيخنا بسكون الراء حيث قال لعله سمي بذلك لحصانه فرجه مع تمام الشهوة فلا تميل نفسه إلى النساء على وجه يمنعه عن كمال إقباله على الله. "صاحب القضيب"، أي السيف، كما
صاحب قول لا إله إلا الله، صاحب القدم، صاحب الكوثر، صاحب اللواء، صاحب المحشر، صاحب المدينة، صاحب المغفر، صاحب المغنم، صاحب المعراج، صاحب المظهر المشهود، صاحب المقام المحمود، صاحب المئزر، صاحب المنبر، صاحب النعلين، صاحب الهراوة، صاحب الوسيلة، الصادع بما أمر الله،
يأتي للمصنف.
"صاحب قول لا إله إلا الله" من صفته في التوراة، ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله. "صاحب القدم" ذكره السخاوي.
"صاحب الكوثر" كما في التنزيل {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ويأتي الكلام عليه، وروى الدارقطني بسند جيد عن عائشة مرفوعا "من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليجعل إصبعيه في أذنيه"،.
قال الحافظ جمال الدين المزي، أي من أراد أن يسمع مثل خريره. "صاحب اللواء" أي لواء الحمد وقد يحمل على اللواء الذي كان يعقده للحرب فيكون كناية عن القتال.
"صاحب المحشر" بكسر الشين موضع الحشر، وهو يوم القيامة، كما قال الجوهري، أي صاحب الكلمة فيه والشفاعة واللواء والمقام المحمود والكوثر ويظهر له خصائص جمة ليست لغيره.
"صاحب المدينة" لاختصاصه بتطهيرها من اليهود قتلا وإجلاء وإظهار الحق فيها وفتحها بالقرآن وتحريم صيدها وشجرها ومقامه بها حتى يحشر منها. "صاحب المغفر" يأتي للمصنف. "صاحب المغنم" ذكره السخاوي؛ لأن الغنائم لم تحل لنبي قبله.
"صاحب المعراج" يأتي في مقصده "صاحب المظهر المشهود"، أي المقام "صاحب المقام المحمود" وهو الشفاعة العظمى على الصحيح المشهور وبالغ الواحدي فحكى إجماع المفسرين عليه وتبعه ابن دحية هنا، وزاد المبالغة فلم يقيد بالمفسرين، وقد بسط المصنف في المقصد الأخير الكلام فيه.
"صاحب المئزر"، أي الإزار، وهو ما يشد به الوسط.
"صاحب المنبر" بكسر الميم من النبر، وهو الارتفاع.
"صاحب النعلين" في الإنجيل وصفه بذلك "صاحب الهراوة" بكسر الهاء العصا، ويأتي للمصنف "صاحب الوسيلة" درجة في الجنة، كما في مسلم وقد مر "الصادع بما أمر الله" اسم فاعل من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا.
أخذه السيوطي من قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} ، أي ابن الأمر إبانة لا تخفى،
الصادق، الصبور، الصدق، صراط الله، صراط الذين أنعمت عليهم، الصراط المستقيم، الصفوح، الصفوح عن الزلات، الصفوة، الصفي، الصالح.
كما لا يلتئم صدع الزجاجة المستعار منه ذلك التبليغ بجامع التأثير، وقيل اظهره، أو امضه، أو فرق بالقرآن والدعاء إلى الله وأوضح الحق وبينه من الباطل. "الصادق" اسم فاعل من الصدق.
روى البخاري وغيره عن ابن مسعود حدثنا رسول الله، وهو الصادق المصدوق. قال ابن دحية كان الصادق المصدوق علما له إذ جرى مجرى الأسماء، وهو من أسمائه تعالى.
قال ومن أصدق من الله حديثا، ويأتي في المصنف "الصبور"، صيغة مبالغة من الصبر فعول، بمعنى فاعل، وهو الذي لا تحمله العجلة على المؤاخذة، وكان شديد الصبر على أذى قومه مع حلمه عليهم امتثالا لقوله تسلية له، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل} ، وهو من أسمائه تعالى.
"الصدق" ذكره بعضهم أخذا من قوله: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} "صراط الله صرط الذين أنعمت عليهم" حكاه الماوردي عن عبد الرحمن بن زيد في تفسير الآية.
"الصراط المستقيم" قاله الحسن وأبو العالية في تفسيرها، كما يأتي للمصنف؛ لأنه الطريق الموصل إليه وبالسين لغة فيه، كما مر.
"الصفوح" هو من صفائه في القرآن والتوراة والإنجيل، كما يأتي في المتن، قال تعالى:{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل} [الحجر: 85] ، فاعف عنهم واصفح. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري في بيان صفته في التوراة ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح "الصفوح عن الزلات"، بالإعراض ترك التئريب والتجاوز قيل هو أبلغ من العفو؛ لأن الإنسان قد يعفو ولا يصفح، وقيل العفو ألغ؛ لأنه إعراض عن المؤاخذة والعفو محو الذنب ومن لازمه الإعراض ولا عكس.
"الصفوة" بتثليث الصاد الخيار والخلاصة، وعند ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت نبي الله وصفوته.
"الصفي" فيعل بمعنى مفعول، وهو الذي يختاره الكبير من الغنيمة سمي به؛ لأن الله اصطفاه من خير خلقه، كما مر أول الكتاب.
"الصالح" القيم بما يلزمه من الحقوق، كما في المطالع، وفي حديث الإسراء قول الملائكة له مرحبا بالأخ الصالح والنبي صالح، وهي كلمة جامعة لمعاني الخير كله فعد خمسة وخمسين منها اثنان من أسماء الله.
زاد الشامي صاحب التوحيد مصدر وحدته، إذا وصفته بالوحدانية قال بعضهم: التوحيد
"حرف ض":
الضارب بالحسام الملثوم، الضحاك، الضحوك.
الحكم بأن الله واحد والعلم بذلك صاحب زمزم.
ذكره ابن دحية وابن خلويه صاحب المدرعة. ورد في الإنجيل، أي القتال والملاحم.
صاحب المشعر بفتح الميم، وحكى الجوهري كسرها لغة، وقال ابن قرقول لم يرد، أي رواية قال النووي: المعروف أنه مزدلفة كلها لما فيها من الشعائر وهي معالم الدين.
صاعد المعراج اسم فاعل من الصعود، وهو الرقي.
الصبيح، أي الجميل صفة مشبهة من الصباحة وهي الحسن والجمال؛ لأنه أصبح الناس وأحسنهم.
الصدوق الذي يتكرر منه الصدق، وهو الإخلاص وأول مراتبه استواء السر والعلانية.
الصديق بشد الدال، أي المؤتمن صيغة مبالغة من الصدق الصنديد بمهملات بوزن عفريت السيد المطاع والبطل الشجاع، أو الحليم، أو الجواد والشريف. الصين بالفتح وشد التحتية وخفة النون من الصيانة حفظ الأمور وإحرازها؛ لأنه صان نفسه عن الدنس وحفظها عن طوارق الشك والهوس.
حرف ض:
"الضارب بالحسام الملثوم" بيض الشامي للتكلم عن معناه.
"الضحاك" الذي يسيل دماء العدو في الحرب لشجاعته، كما يأتي للمصنف.
"الضحوك" روى ابن فارس عن ابن عباس، قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة الضحوك القتال يركب البعير ويلبس الشملة ويجتزي بالكسرة سيفه على عاتقه.
قال ابن فارس سمي بذلك؛ لأنه كان طيب النفس فكها على كثرة من يفد عليه من جفاة العرب وأهل البوادي، لا يراه أحد ذا ضجر، ولا قلق ولكن لطيفا في النطق رفيقا في المسألة ذكر ثلاثة وزاد الشامي.
الضابط، أي الحازم فهو راجع إلى معنى الحفيظ والحافظ؛ لأنه يضبط ما يوحى إليه، أي يحفظه عن التغيير والتبديل.
الضارع الخاضع المتذلل المبتهل إلى الله لكثرة تضرعه وابتهاله وخضوعه واستكانته لعظمته، قال تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205] ، الضمين فعيل بمعنى فاعل، إلا في الأصل الكفالة والمراد الحفظ والرعاية لتكفله بالشفاعة لأمته حفظا ورعاية لهم. الضيغم بفتح المعجمتين بينهما تحتية ساكنة البطل الشجاع والسيد المطاع.
"حرف ط":
طاب طاب، الطاهر، الطبيب، طسم، طس، طه، الطيب.
"حرف ظ":
الظاهر، الظفور، من الظفر وهو الفوز
الضياء بالمد أشد النور وأعظمه سمي به، كالقرآن لأنه يهتدي بكل منهما أصحاب العقول، كما يهتدي بالضوء في الظلمات، قال عمرو بن معديكرب يمدحه:
حكمة بعد حكمة وضياء
…
قد هدينا بنورها من عماها
حرف ط:
"طاب طاب" بالتكرير، قال العزفي من أسمائه في التوراة ومعناه طيب، وقيل معناه ما ذكر بين القوم إلا طاب ذكره بينهم.
"الطاهر" المنزه عن الأدناس سيأتي للمصنف.
"الطبيب" فعيل بمعنى فاعل من الطب، وهو علاج الجسم والنفس بما يزيل السقم، أي الذي يبرئ الأسقام وتذهب ببركته جميع الآلام.
"طسم طس" ذكرهما ابن دحية والنسفي من أسمائه وجماعة في أسماء الله.
"طه" ذكره خلائق في أسمائه وورد في حديث رواه ابن مروديه بسند ضعيف ويأتي للمصنف تفسيره وأن المعتمد أنه من أسماء الحروف.
"الطيب" بوزن سيد الطاهر، أو الزكي؛ لأنه لا أطيب منه ويأتي للمصنف. وورد إطلاقه على الله.
روى مسلم مرفوعا: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" فذكر سبعا، وزاد الشامي الطراز المعلم، أي العلم المشهور الذي يهتدي به.
سمي به، لتشريف هذه الأمة، كما يشرف الثوب بالطراز المعلم بالبناء للمفعول المرسوم من العلامة، وهي ما يميز به، الشيء عن غيره.
الطهور كصبور أي الطاهر في نفسه المطهر لغيره؛ لأنه سالم من الذنوب والعيوب مطهر لأمته.
حرف ظ:
"الظاهر" الجلي الواضح، أو القاهر من ظهر فلان على فلان إذا قهره، وهو من أسمائه تعالى ومعناه المجلي الموجودات بالآيات والقدرات ويأتي للمصنف.
"الظفور" فعول بمعنى فاعل صيغة مبالغة من الظفر" بالتحريك، "وهو الفوز" مجازا وأصله لغة من ظفر إذا نشب ظفره بالشيء على ما يفيده الشامي.
"حرف ع":
العابد، العادل، العظيم، العافي، العالم، علم الإيمان، علم اليقين، العالم بالحق، العامل، عبد الله، العبد، العدل، العربي، العروة الوثقى،
لكن مقتضى المختار أن غمز الظفر إنما يقال فيه التظفير من ظفر مشدد، لا الظفر الذي هو مصدر ظفر مخففا، ثم هذا الاسم ثابت في كثير من نسخ المصنف، كما ذكرت وسقط في بعضها، فذكر اسمين واحد من أسماء الله تعالى.
حرف ع:
"العابد" اسم فاعل من عبد إذا أطاع، قال تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين} ومواظبته على العبادة تواترت بها الأحاديث.
"العادل" المستقيم الذي لا جور في حكمه، ولا يميل من العدل ضد الجور. "العظيم" الجليل الكبير، وقيل عظمة الشيء كونه كاملا في نفسه مستغنيا عن غيره، وهو من أسماء الله تعالى.
"العافي" المتجاوز عن السيئات الماحي للزلات والخطيئات.
"العاقب" أي آخر الأنبياء ويأتي للمصنف وكذا.
"العالم" اسم فاعل، أي المدرك للحقائق الدنيوية والآخروية، وهو من أسمائه تعالى.
"علم الإيمان" بفتحتين علامته التي يهتدي بها، إليه علم اليقين، أي علامته ودليله والسبيل الموصل إليه واليقين بمعنى العلم الحقيقي والتحقيق، وقد يكون مجرد علم، وقد يكون مع كشف وشهود، ثم يختلف قوة وضعفا، بحسب الشعور بالغير وعدمه، فلذا انقسم إلى علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين وهذا الاختلاف في اليقين من حيث هو إما يقينه صلى الله عليه وسلم فهو الأقوى الأعلى.
"العالم بالحق" أي الله سبحانه حق العلم، أو بأحكامه ووحيه كذلك.
"العامل" قال السيوطي: لعله مأخوذ من قوله: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامٌِ} [الأنعام: 135] ، وروى الترمذي في الشمائل عن عائشة كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان يطيق "عبد الله" يأتي للمصنف مبسوطا.
"العبد" مأخوذ من نحو {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه} سمي به لأنه الكامل في العبودية. "العدل" ذكره ابن دحية، أي الدين الكافي في الشهادة والمستقيم مصدر في الأصل، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه بالغ في العدل ضد الجور، أو في الاستقامة أقصى غاياته، أو الفاعل، لما يريد الماضي حكمه في العبد.
"العربي" روى الحسن بن عرفة في حديث الإسراء: إن موسى قال مرحبا بالنبي العربي نسبه إلى العرب خلاف العجم.
"العروة الوثقى" العقد الوثيق المحكم في الدين، أو السبب الموصل إلى الله يأتي
العزيز، العفو، العطوف، العليم، العلي، العلامة، عين العز، عبد الكريم، عبد الجبار، عبد الحميد، عبد المجيد، عبد الوهاب، عبد القهار، عبد الرحيم، عبد الخالق، عبد القادر،
للمصنف: أن السلمي حكى أنه صلى الله عليه وسلم المراد بالآية.
"العزيز" جليل القدر، أو الذي لا نظير له، أو المعز لغيره، كما يأتي للمصنف، أو الممتنع الغالب، وهو من أسمائه تعالى.
"العفو" مثل العافي لكنه أبلغ منه لدلالته على الكثرة والتكرير والعافي على أصل العفو سمي به؛ لأنه أكثر الناس عفوا وتجاوزا، وهو من صفاته في القرآن والإنجيل، كما يأتي للمصنف، وقال حسان يمدحه في مرثيته:
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
…
فإن أحسنوا فالله بالخير أجود
"العطوف" الشفوق لكثرة شفقته على أمته ورأفته بهم، كما يأتي للمصنف، قال حسان:
عطوف عليهم، لا يثني جناحه
…
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
"العليم" الذي له كمال العلم، وثباته سمي به، لما حازه من العلم وحواه من الاطلاع على ملكوت السماوات والأرض والكشف عن المغيبات، وأوتي علم الأولين والآخرين، وأحاط بما في الكتب المنزلة، وحكم الحكماء وسير الأمم الماضيين مع احتوائه على لغة العرب، وغريب ألفاظها وضروب فصاحتها، وحفظ أيامها، وأمثالها، وأحكامها، ومعاني شعارها من كلماته في فنون العلوم صلى الله عليه وسلم وهو من أسمائه تعالى.
"العلي" من أسماء الله فعيل من العلو وهو البالغ في علو المرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه، وهو في حقه لله كذلك لكن تحمل الرتبة على اللائقة بالبشر.
"العلامة" بالتخفيف الشاهد والعلم الذي يهتدي به، ويستدل به على الطريق سمي بذلك؛ لأنه دليل على طريق الهدي.
"عين العز" بمهملة مكسورة وزاي منقوطة، أي العز كله مجموع فيه، فلا عز إلا بعزه، وجوز أنه الغر بضم المعجمة وراء، بلا نقط جمع أغر من الغرة، أي خيار الخلق وأكرمهم من الأنبياء والمرسلين والملائكة إذ آدم فمن دونه تحت لوائه، أو المراد بالغر أمته لبعثهم غرا محجلين، أي أنه أشرفهم ورئيسهم والأولى أبلغ وأولى.
"عبد الكريم" اسمه عند أهل الجنة، "عبد الجبار" عند أهل النار، ولا تخفى المناسبة "عبد الحميد" عند أهل العرش، عبد المجيد" عند سائر الملائكة، "عبد الوهاب" عند الأنبياء، "عبد القهار" عند الشياطين، "عبد الرحيم" عند الجن، "عبد الخالق" اسمه في الجبال، "عبد القادر"
عبد المهيمن، عبد القدوس، عبد الغياث، عبد الرزاق، عبد السلام، عبد المؤمن، عبد الغفار.
"حرف غ":
اسمه في البر، "عبد المهيمن" في البحر، "عبد القدوس" عند الحيتان، "عبد الغياث" عند الهوام، "عبد الرزاق" عند الوحوش، "عبد السلام" عند السباع، "عبد المؤمن" عند البهائم، "عبد الغفار" عند الطيور. كذا روى عن كعب الأحبار، كما يأتي في المتن، وهو من الإسرائيليات، فذكر ثمانيا وثلاثين فيها ستة من أسماء الله تعالى، وزاد الشامي العارف أي الصبور، كما في الصحاح أو العالم العاضد، أي المعين، اسم فاعل من عضده إذا أعانه وأصله الأخذ بالعضد ثم استعير للمعين، يقال عضدته، أي أخذت بعضده وقويته.
العائل الفقير، قال تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} أي بما أفاء عليك من الغنائم، أو أغنى قلبك، وفي تسميته بالعائل بعد الغنى نظر، أي لنصه فيها على أنه أغناه بعد ذلك فزال عنه ذلك الوصف، فلا يجوز وصفه به بعد العدة بالضم الذخيرة المعد لكشف الشدائد والبلايا المرصد لإماطة المحن والرزايا، سمي بذلك لأنه ذخر أمته في القيامة والمتكفل لها بالنجاة.
العزيز أي القوي الذي لا يغلب ولا يقهر، أو الغالب العصمة بكسر فسكون الذي يستمسك الأولياء بحبله وتلوذ العصاة بحماه، فهي بمعنى عاصم كرجل عدل، أي عادل، أو بمعنى معصوم اسم مفعول من العصمة كاللقمة بمعنى الملقوم وحقيقتها، كما في المواقف في حق الأنبياء كلهم صلوات الله عليهم وسلامه أن لا يخلق الله فيهم ذنبا، عصمة الله في الفردوس، بلا سند عن أنس مرفوعا:"أنا عصمة الله أنا حجة الله".
العفيف الكاف عن المكروه والشبهة، وهو أعف الناس وموصوف به، في الكتب القديمة. العلم بفتحتين المهتدى به.
العماد السيد المعتمد عليه العمدة، أي الشجاع البطل المطاع. العين تطلق بالاشتراك على الباصرة، سمي به لأنه أبصر أمته بطرق الهدى، أو لشرفها به على الأمم، كما شرف الرأس بالعين على الجسد وعلى الذهب، وخيار كل شيء؛ لأنه أشرف الأنبياء وأفضلهم ومنه فلان عين الناس، أي خيارهم، وعلى السيد؛ لأنه سيد الناس والكبير في قومه؛ لأنه أجل الخلق وأعظمهم وعلى الإنسان، كقولهم ما بها عين، أي أحد من تسمية الخاص باسم العام؛ لأنه عليه السلام أشرفهم، وعلى الماء الجاري؛ لأنه طاهر في نفسه مطهر لغيره وعلى الجماعة من الناس لمهابته وشدة جلالته صلى الله عليه وسلم وعلى ينبوع الماء لعلوه وشرفه وكثرة نفعه عليه السلام، انتهى ملخصا.
الغالب، الغفور، الغني، الغني بالله، الغوث، الغيث، الغياث.
"حرف ف":
الفاتح، الفارقليط -وقيل بالباء، وتقدم- الفارق، الفتح،
"الغالب" القاهر اسم فاعل من الغلبة القهر، وهو من أسمائه تعالى، وهو بمعنى الغفار، أي الستار لذنوب من أراد من المؤمنين، فلا يظهرها بالعقاب عليها قال الغزالي الغفور ينبئ عن نوع مبالغة ليست في الغفار، فإنه ينبئ عن تكرار المغفرة وكثرتها والغفور عن وجودها، وكمالها فمعناه كامل الغفران، حتى يبلغ أقصى الدرجات.
قال ابن طلحة النحوي صيغ المبالغة تتفاوت، فغفور لمن كثر منه الفعل، وفعال لمن صار له كالطبيعة.
"الغني" قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} من الغنى بالقصر، وهو ارتفاع الحاجات، وليس الإله سبحانه وقلتها كقوله صلى الله عليه وسلم:"الغنى غنى النفس" وكثرة المال كقوله: "ومن كان غنيا فليستعفف"، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي لا يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كل شيء، قال الغزالي ومعناه في الخلق الذي لا حاجة له إلا الله تعالى، وكذلك كان نبينا لله.
"الغني بالله" عن كل ما سواه.
"الغوث" النصير الذي يستغاث به، في الشدائد والملمات، ويستعان به في النوازل والمهمات.
"الغيث الغياث" ذكرهما ابن دحية والغيث المطر الكثير؛ لأنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكم استسقى، فأمطروا في الحين، فذكر سبعا منها ثلاث من أسمائه تعالى، وزاد الشامي الغطمطم بطاءين بوزن زبرجد الواسع الأخلاق الحليم.
حرف ف:
"الفاتح" يأتي للمصنف، وهو من أسمائه تعالى لقوله:{وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين} [الأعراف: 89]، وقال:{ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاح} [سبأ: 26] قاله عياض وغيره.
"الفارقليط، وقيل بالباء" الموحدة أوله "وتقدم" ويأتي للمصنف.
"الفارق" قال العزفي هو اسمه في الزبور معناه يفرق بين الحق والباطل، وقال عبد الباسط البلقيني هو صيغة مبالغة والفارق اسم فاعل من الفرق، وهو الفصل والإبانة.
"الفتاح" بمعنى الفاتح إلا أنه أبلغ منه، أو الناصر ومنه {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} أي النصر، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي لا يغلق وجوه النعم بالعصيان، ولا يترك إيصال
الفاروق، الفجر، الفرط، الفصيح، فضل الله، فواتح النور.
الرحمن بالنسيان، أو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه وعلى القلوب باب تحقيقه، أو الذي يفتح بعنايته كل معضل ويكشف بهدايته كل مشكل.
"الفاروق" كثير الفرق بين الحق والباطل.
"الفجر" لتفجر الإيمان منه، كما يأتي للمصنف.
"الفرط" بفتح الراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرط لكم وأنا شهيد عليكم" رواه البخاري، وهو السابق إلى الماء يهيئ للواردين الحوض ويسقي لهم فضرب لله مثلا لمن تقدم أصحابه يهيئ لهم ما يحتاجون إليه، كذا فسره أبو عبيدة، ويوافقه رواية مسلم "أنا الفرط على الحوض"، وقال معناه أنا أمامكم وأنتم ورائي، وهو يتقدم أمته شافعا.
"الفصيح" فعيل من الفصاحة، وهي لغة البيان واصطلاحا خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وهذا باعتبار المعنى، وأما باعتبار اللفظ فهو كونه على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم.
"فضل الله" المعني بقوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَاّ قَلِيلًا} في قول حكام الماوردي.
"فواتح النور" أي المظهر للعلوم الكثيرة، فكأن إظهار كل علم فتح، فعبر بالجمع، فعد عشرا في قول حكام الماوردي
"فواتح النور" أي المظهر للعلوم الكثيرة، فكأن إظهار كل علم فتح، فعبر بالجمع، فعد عشرا منها اثنان من أسماء الله تعالى.
وزاد الشامي الفاضل، أي الحسن الكامل العالم إذ الفضل يرد بمعنى العلم، قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} [سبا: 10] أي علما. الفائق بالهمز الخيار من كل شيء؛ لأنه خيار الخلق الفخر بالخاء المعجمة العظيم الجليل.
الفدعم بمهملتين بوزن جعفر الحسن الجميل الفرد، أي المنفرد بصفاته الجميلة الفضل الإحسان؛ لأنه فضل الله ومنته على هذه الأمة، بل وعلى غيرها، أو الفاضل أي الشريف الكامل.
الفطن بكسر المهملة الحاذق من الفطنة الفهم بطريق الفيض، أو بدون اكتساب.
الفلاح، قال العزفي: هو اسمه في الزبور، وتفسيره يمحق الله به الباطل، قال السيوطي، وكأنه غير عربي إذ الفلاح لغة الفوز والنجاح.
قال النووي ليس في كلام العرب أجمع للخير من لفظ الفلاح، ولا يبعد أن يكون هو اللفظ العربي، وسمي به لما جمع فيه من خصال الخير التي لم تجتمع في غيره، أو لأنه سبب الفلاح الفهم ككتف السريع الفهم، وهو لغة علم الشيء وعرفانه بالقلب فئة المسلمين.
ذكره السيوطي وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا فئة المسلمين" رواه أبو داود والترمذي وحسنه
"حرف ق":
القاسم، القاضي، القانت، قائد الخير، قائد الغر المحجلين، القائل، القائم، القتال، القتول، قثم، القثوم، قدم صدق، القرشي،
حرف ق:
"القاسم" أي الذي يقسم الأمور في جهاتها، والمعطي اسم فاعل من القسم، وهو العطاء روى البخاري مرفوعا، "إنما أنا قاسم، والله معطي""القاضي" الحاكم اسم فاعل من القضاء، وهو فصل الأمر وبثه سمي به؛ لأنه من خصائصه أنه يقضي، بلا دعوى، ولا بينة.
قاله ابن دحية مستدلا بحديث مسلم وأن يحكم لنفسه وولده وتقبل شهادة من شهد له، كما في قصة خزيمة، ولا يكره له القضاء، ولا الإفتاء في حال غضبه لعصمته.
"القانت" الطالع اسم فاعل من القنوت، وهو لزوم الطاعة مع الخضوع، أو الخاشع، أو طويل القيام في صلاته.
"قائد الخير" بالهمز جالبه إلى أمته، أو جالبهم إليه ودالهم عليه.
أخذه السيوطي من قول ابن مسعود قائد الخير في حديث تعليمه الصلاة عليه المروي في ابن ماجه، وقد سبق لفظه.
"قائد الغر" جمع أغر من الخيل ماله غرة، أي بياض في الجبهة "المحجلين" بيض القوائم والمراد أمته إلى الجنة.
روى الشيخان أن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
"القائل" الحاكم؛ لأنه ينفذ قوله أو المحب بمهملة وموحدة من قال بالشيء، أي أحبه واختص به.
"القائم" هو بمعنى القيم الآتي.
"القتال" روى ابن فارس عن ابن عباس. قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة أحمد الضحوك.
القتال: قال ابن فارس سمي به، لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القتال.
"القتول" بمعنى ما قبله، فإنهما من صيغ المبالغة فما صلح توجيها لأحدهما صلح للآخر.
"قثم" بضم ففتح المثلثة، أي جامع الخبر، كما، قال عياض، أو من القثم الإعطاء لجوده وعطائه كما قال الجوزي، كما يأتي للمصنف، وكذا "القثوم" وروى الحربي مرفوعا:"أتاني ملك، فقال أنت قثم وخلقك قيم ونفسك مطمئنة".
"قدم صدق" قال زيد بن أسلم وغيره في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} هو محمد صلى الله عليه وسلم. "القرشي" نسبة إلى قريش.
القريب، القمر، القيم: ومعناه الجامع الكامل، وصوابه بالمثلثة بدل الياء، القوي.
"حرف ك":
كافة الناس،
"القريب" الداني من الله تعالى، قال:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} ، أو من الناس لتواضعه من أسمائه تعالى، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} ، أي بالعلم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.
"القمر" الكوكب المعروف؛ لأنه جلا ظلمة الكفر بنور الهداية.
"القيم" بالتحتية، كما روى في حديث عند الديلمي "ومعناه الجامع" لمكارم الأخلاق "الكامل" فيها، أو الجامع لشمل الناس بتأليفه بينهم، وجمع شتاتهم؛ لأن القيم يكون بمعنى السيد، لقيامه بأمر الناس وأمر الدين، كما، قال جريبة، بضم الجيم، وفتح الراء وسكون التحتية فموحدة مصغر الأسدي، لما قدم عليه صلى الله عليه وسلم.
بدلت دينا بعد دين قد يذم
…
كنت من الذنب كأني في ظلم
يا قيم الدين أقمنا نستقم
…
فإن أصادف ما ثما فلن أثم
فهذا وجه الرواية إن صحت. "ولكن قال عياض في الشفاء "صوابه" فثم "بالمثلثة بدل الياء" فيما أرى، وهو أشبه بالتفسير، لكن في كتب الأنبياء أن داود، قال: اللهم ابعث لنا محمدا يقيم السنة بعد الفترة، فقد يكون القيم بمعناه انتهى. أي بمعنى المقيم السنة إلخ، فيكون اسما آخ غير قثم، فعلى المصنف مؤاخذة؛ لأن المصوب لم يجزم بالتصويب بل قال فيما أرى، أي أظن ولم يستمر عليه، بل استدرك والقيم من أسمائه تعالى، كما في حديث أنت قيم السماوات والأرض.
قال ابن دحية: وهو بمعنى القائم وأبلغ منه والفرق بينه وبين القيوم، والقيام أنهما يختصان به تعالى، لما فيهما من الأبلغية ولا يستعملان في غير المد بخلاف القيم.
"القوي" صفة مشبهة، أي الشديد المتمكن، وهو من أسمائه تعالى، ويأتي للمصنف فعد ثمانية عشر فيها اثنان من أسمائه تعالى، زاد الشامي.
القاري، أي الكريم الجواد اسم فاعل من القرى بالكسر مع القصر، وبالفتح مع المد، وهو البذل للأضياف القائد بالهمز الذي يقود الناس أي يقدمهم، فسيلك بهم، طريق الهدى، ويعدل بهم، عن سبيل الردى، وفي الترمذي مرفوعا. "وأنا قائدهم إذا فزعوا قدمايا" هو اسمه في التوراة، ومعناه الأول السابق القسم القطب.
حرف ك:"كافة الناس"، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] قال الزمخشري: إلا إرساله عامة محيطهم بهم؛ لأنها إذا شملتهم، فقد كفتهم أن يخرج منها أحد.
الكفيل، الكامل في جميع أموره، الكريم، كهيعص.
"حرف ل":
اللسان.
"الكفيل" السيد المتكفل بأمور قومه وإصلاح شأنهم، فعيل من الكفالة الضمان لتكفله لأمته بالفوز والنجاة بما ادخر لهم من الشفاعة، أو بمعنى مفعول كجريح وكحيل؛ لأن الله تكفل له بالنصر والظفر، أو بمعنى الكفل وزن طفل، وهو الرحمة والنعمة؛ لأنه رحمة للخلق ونعمة لهم من الحق "الكامل في جميع أموره" خَلقا وخُلقا ومنه العبادات وغيرها، وقد كان خُلقه القرآن.
"الكريم" الجواد المعطي، أو الجامع لأنواع الخير والشرف، أو الذي أكرم نفسه، أي طهرها عن التدنس بشيء من المخالفة ومر أن أحد القولين في أنه لقول رسول كريم محمد صلى الله عليه وسلم، ورجحه المصنف فيما يأتي قريبا، وهو من أسماء الله، أي المتفضل أو العفو أو العلي أو الكبير وكلها صحيحة في حقه لله.
"كهيعص" ذكره ابن دحية في أسمائه وغيره في أسماء الله تعالى، فهي خمس واحد من أسماء الله تعالى، وزاد الشامي الكاف بشد الفاء، أي الذي كف الناس عن المعاصي، وليس معناه المرسل إلى الناس كافة؛ لأن كافة لا يتصرف منه فعل، فيكون اسم فاعل، قال ابن دحية الكافة، أي الجامع المحيط والهاء للمبالغة اسم فعل من الكف المنع، أو مصدر كالعافية.
الكافي اسم فاعل من الكفاية سد الخلة وبلوغ المراد في الأمر؛ لأنه سد خلل أمته بالشفاعة يوم الحساب، وبلغهم مرادهم، أو لأنه كفى شر أعدائه، فيكون المراد المكفي بفتح الميم، وهو سائغ كعيشة راضية الكثير الصمت أي القليل الكلام فيما لا يجدي نفعا كنديدة.
قال ابن دحية هو اسمه في الزبور. الكنز في الأصل المال، أو الشيء النفيس، سمي به لنفاسته، أو لأنه حصل لنا به سعادة الدارين.
الكوكب سيد القوم، وفارسهم، أو النجم المعروف، سمي به لوضوح شريعته وسمو ملته.
حرف ل:
"اللسان" المراد هنا المتكلم عن القوم، سمي به لأنه لشدة بلاغته وفصاحته، كأن مجموعه لسان، وحكي أن المراد بقول الخليل {وَاجْعَلْ لِي لسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى أنه سأل ربه أن يجعل من ذريته من يقوم مقامه بالحق ويدل عليه، فاجيب دعوته بالمصطفى وزاد الشامي.
اللبيب أي الفطن العاقل، الزكي اللسن بوزن كتف الفصيح البليغ اللوذعي، أي الذكي
"حرف م":
الماجد، ماذماذ، المؤمل، الماحي، المأمون، المانح، الماء المعين، المبارك، المبتهل، المبرأ المبشر،
الفصيح الحديد الذهن، كأنه يلذع بالنار من توقد ذكائه.
الليث بمثلثة الشديد القوي، أو السيد الشجاع، أو اللسان البليغ.
حرف م:
"الماجد" المفاضل الكثير الجود، أو الحسن الخلق السمح، أو الشريف اسم فاعل من المجد، وهو سعة الشرف وكثرة العوائد، قال إياس بن سلمة بن الأكوع.
سمع الخليفة ماجد وكلامه
…
حق وفيه رحمة ونكال
وهو من أسمائه تعالى: قال الغزالي الماجد والمجيد هو الشريف لذاته الحميد فعاله الجزيل عطاؤه. فجمع معنى الجليل والوهاب والكريم. "ماذماذ" فألف فذال معجمة منونة، ثم ميم، فألف فمعجمة، أي طيب طيب، كما يأتي للمصنف.
قال الشمني والميم مفتوحة وهو غير مهموز.
"المؤمل" بفتح الميم، أي المرجو خيره.
"الماجي" فقدم معناه ويأتي للمصنف.
"المأمون" بالهمز اسم مفعول من الائتمان، وهو الاستحفاظ، أي الذي يوثق بأمانته وديانته سمي بذلك؛ لأنه لا يخاف من جهته.
"المانح" المعطي اسم فاعل من منح إذا أعطى الجزيل وأولى الجميل.
"الماء المعين" بفتح الميم، وهو الظاهر الجاري على وجه الأرض فعيل بمعنى فاعل.
"المبارك" العظيم البركة وهي لفظ جامع لأنواع الخير، ومنه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَة} [الدخان: 3] ، ويأتي للمصنف، وقال حسان:
صلى الإله ومن يحف بعرشه
…
والطيبون على المبارك أحمد
سمي بذلك، لما جعل الله في حاله من البركة والثواب، وفي أصحابه من الفضائل وفي أمته من زيادة القدر على الأمم.
"المبتهل" المتضرع المتذلل من الابتهال التضرع، وقيل في قوله تعالى:{ثُمَّ نَبْتَهِل} [آل عمران: 61] أي نخلص في الدعاء.
"المبرأ" المنزه المبعد عن كل وصف ذميم. المبشر اسم فاعل من البشارة الخبر السار، وأما {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] فبمعنى أنذرهم.
مبشر اليائسين، المبعوث بالحق، المبعوث، المبلغ، المبيح، المبين، المتبتل، المتبسم، المتربص، المترجم، المتضرع، المتقي، المتلو عليه، المتهجد، المتوسط،
استعيرت البشارة للإنذار بإدخاله في جنسها تهكما واستهزاء.
"مبشر اليائسين" بمعنى ما قبله.
"المبعوث بالحق،" أي المرسل به، "المبعوث" اسم مفعول من البعث والإرسال.
"المبلغ" المؤدي الرسالة، كما أمر {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك} ، كما أشار له المصنف فيما يأتي.
"المبيح" لأمته ما حرم على الأمم السابقة، كما يأتي بيانه في الخصائص.
"المبين" بكسر الباء وخفة الياء الساكنة من أبان الشيء إذا أظهره، كما قال تعالى:{حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 29]، و {قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: 89] وبشد التحتية اسم فاعل من التبيين، وهو الإظهار، قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية، أفادهما المصنف فيما يجيء تبعا لعياض، فقصر الشامي في الاقتصار على الثاني.
"المتين" القوي الشديد، ومنه حبل متين، وهو من أسمائه تعالى، أي القوي السلطان البالغ أقصى مراتب القدرة والإمكان.
"المتبتل" المخلص المنقطع إلى الله بعبادته، قال تعالى:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] .
"المتبسم" من التبسم، وو البشاشة؛ لأنه كان يلقى الناس بالبشر وطلاقة الوجه مع حسن العشرة، ويرحم الله القائل:
بشاشة وجه المرء خير من القرى
…
فكيف الذي يأتي به، وهو ضاحك
"المتربص" ذكره الشمس البرماوي في رجال العمدة، أخذا من قوله تعالى، آمرا له أن يقول للكفار:{تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور: 31] ، أي انتظروا حصول ما تتمنونه لي، فإني منتظر وعد ربي من النصر عليكم والظفر بكم.
"المترحم" اسم فاعل من ترحم. "المتضرع" في الدعاء الخاضع لله.
"المتقي" اسم فاعل من اتقى.
"المتلو عليه" من التلاوة لأن جبريل كان يتلو عليه القرآن، أي يدارسه به، "المتهجد" قال تعالى:{مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِه} [الإسراء: 79]"المتوسط" المتردد في الشفاعة بين الله وبين الأمة "المتوكل" الذي يكل أمره إلى الله فإذا أمره بشيء نهض، بلا جزع، قاله ابن دحية، وهو من أسمائه في التوراة كما في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاصي بلفظ
المتثبت، مجاب، مجيب، المجتبي، المجير، المحرض، المحرم، المحفوظ، المحلل، محمد، المحمود، المخبر، المختار، المخصوص
أنت عبدي ورسولي، سميت المتوكل وفي التنزيل {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه} [النساء: 81] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوت} [الفرقان: 58] .
"المتثبت" بكسر الباء مبنيا للفاعل، أي لمن اتبعه على الدين، أو بفتحها مبنيا للمفعول من الثبات، وهو التمكن والاستقرار، قال تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك} [الإسراء: 74] سمي بذلك؛ لأن الله ثبت قلبه على دينه وهما اسمان له، كما في الشامية، "مجاب" وفي الشامي بزيادة أل، أي والمعطي سؤاله.
"مجيب" اسم فاعل من أجاب، وزاده الشامي. أل.
"المجتبى" اسم مفعول من الاجتباء، وهو الاصطفاء، كما في الصحاح.
"المجير" من أجار، أي أنقذ من استجار به وأغاث من استغاث به.
"المحرض" بكسر الراء المشددة فضاد معجمة على القتال والجهاد، أو العبادة، أي المحث على ذلك قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]"المحرم" المتولى عن الله، التحريم كما قال السيوطي أو للظلم وهو مجاوزة الحد، كما، قال غيره. "المحفوظ" من الحفظ؛ لأنه محفوظ من الشيطان.
روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة، فقال:"إن الشيطان عرض لي فشد علي بقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه" وفيه دليل على حفظه منه وسئل لِمَ لَمْ يفر منه، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر:"ما لقيك الشيطان ساكا فجا إلا سلك فجا غيره" رواه الشيخان وأجيب بأنه لما عصم صلى الله عليه وسلم منه ومن مكره، وحفظ من كيده وغدره وأمن من وسواسه وشره، كان اجتماعه به وهروبه منه سببين في حقه، ولما لم يبلغ عمر هذه الرتبة العلية، كان هروبه منه أولى في حقه، وأتقن لزيادة حفظه، وأمكن لدفع شره على أنه يجوز حمل الهارب من عمر على غير قرينه. أما هو فلا يهرب منه، بل لا يفارقه؛ لأنه وكل به كغيره انتهى.
"المحلل" شارع الحلال، وهو ما أذن في تناوله شرعا.
"محمد" الاسم الأول كما يأتي، "المحمود" المستحق؛ لأن يحمد لكثرة خصاله الحميدة، ويأتي "المخبر" بكسر الباء المبلغ عن الله ما أوحى إليه.
"المختار" اسم مفعول من الاختيار، وهو الاصطفاء كما في الصحاح.
روى الدارمي عن كعب الأحبار، قال في السطر الأول من التوراة محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة. "المخصوص
بالشرف، المخصوص بالعز، المخصوص بالمجد، المخلص، المدثر، المدني، مدينة العلم، المذكر، المذكور، المرتضى المرتل، المرسل، المرتجى،
بالشرف" الكامل "المخصوص بالعز" الكامل.
"المخصوص بالمجد" الكامل الذي لم يصل غيره إلى كل من الثلاثة، فلا ينافي أن كل الأنبياء لهم شرف وعز ومجد. "المخلص" الصادق في عبادته الذي ترك الرياء في طاعة الله، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14] .
قال القشيري الإخلاص إفراد الحق بالطاعة بالقصد، أو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، والفرق بينه وبين الصدق أنه التنقي عن مطالعة النفس، والإخلاص التوقي عن ملاحظة الخلق، والمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له.
"المدثر المدني" يأتيان للمصنف. "مدينة العلم" كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
رواه الترمذي والحاكم وصححه وغيرهما، عن علي والحاكم أيضا، والطبراني وأبو الشيخ وغيرهم عن ابن عباس. والصواب أنه حديث حسن، كما قاله الحافظان العلائي وابن حجر، لا موضوع، كما زعم ابن الجوزي، ولا صحيح كما قال الحاكم لكن من المحدثين من يسمى الحسن صحيحا.
"المذكر" المبلغ الواعظ اسم فاعل من التذكرة الموعظة والتبليغ، ويأتي استدلال المصنف له بقوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر} [الغاشية: 21] .
"المذكور" في الكتب السالفة. "المرتضى" الذي رضيه مولاه، أي أحبه واصطفاه.
"المرتل" بكسر الفوقية اسم فاعل من رتل مضاعفا، وهو الذي يقرأ القرآن على مهل وتؤدة مع تبيين للحروف والحركات، قال تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] .
روى الترمذي عن حفصة كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
"المرسل" ذكره ابن دحية وغيره من قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] . الفرق بينه وبين الرسول أن الأول لا يقتضي التتابع في الإرسال، بل قد يكون مرة واحدة والرسول يقتضيه.
"المرتجى" بفتح الجيم من الرجاء، أي الأمل؛ لأن الذي يرجوه الناس لكشف كروبهم وجلاء مصائبهم وأعظمها يوم القيامة في فصل القضاء، قاله السيوطي، قال عبد الباسط، أو بكسر الجيم اسم فاعل، أي المؤمل من الله قبول شفاعته في أمته.
روى الشيخان مرفوعا: "لكل نبي دعوة مستجابة وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، فهي
المرحوم، المرتفع الدرجات، المرء -وهو الرجل الكامل المروءة- المزكي، المزمل، المسبح، المستغفر، المستغني، المستقيم، المسري به، المسعود،
نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا".
"المرحوم" اسم مفعول من رحم بالبناء للمفعول.
"المرتفع الدرجات" معناه ظاهر "المرء" مثلث الميم، "وهو الرجل الكامل المروءة" بالهمزة وتركه الإنسانية، قاله الجوهري، وهو اسم جامع لكل المحاسن قيل هي صون النفس عن الأدناس وما يشينها عند الناس، وقيل إن لا تعمل سرا ما تستحيي منه علانية، وقال جعفر الصادق، هي أن تطمع فتذل وتسأل فتثقل، ولا تبخل فتشتم، ولا تجهل فتخصم، وعن عمر بن الخطاب المروءة مروءتان، مروءة ظاهرة وهي الرياسة، ومروءة باطنة وهي العفاف، وهذا ليس بخلاف محقق، بل كل عبر بما سنح له. سمى صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه منها بمكان، قال زهير بن صرد:
امنن علينا رسول الله في كرم
…
فإنك المرء نرجوه وندخر
"المزكي" أخذه السيوطي من قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِم} ، أي يطهرهم من الشرك والآثام، "المزمل" يأتي للمصنف.
"المسبح" بمهملتين بينهما موحدة المهلل الممجد اسم فاعل من التسبيح، وهو تنزيه الحق عن أوصاف الخلق، وفرق بينه وبين التقديس والتنزيه، بأن التقديس تبعيد الرب عما لا تليق به الربوبية، والتنزيه تبعيده عن أوصاف البشرية، والتسبيح تبعده عن أوصاف جميع البرية.
"المستغفر" من غير تأثم هذا بقية الاسم كما في الشامي، قال تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْه} [النصر: 3] ، فالاستغفار ليس لذنب، كما أفاده، بل لإظهار العبودية لله، والشكر لما أولاه، ويأتي بسطه في الخصائص إن شاء الله تعالى، وقد روى ابن السني عن ابن عمر كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقولها قبل أن يقول شيئا:"رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم".
"المستغني" مر في الغنى معناه. "المستقيم" اسم فاعل من الاستقامة، قال:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت} أي استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها، أي داوم على ذلك.
قال القشيري: الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وببلوغها حصول الخيرات، ونظامها وأول مدارجها التقويم، وهو تأدب النفس، ثم الاستقامة وهي تقريب الأسرار، وقيل الخروج من المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام بين يدي الحق على قدم الصدق.
"المسرى به" بضم فسكون اسم مفعول من الإسراء لاختصاصه به، كما يأتي.
"المسعود" اسم مفعول من أسعده الله، أي أغناه وأذهب تعبه.
المسلِّم، المسلَّم، المشاور، المشفع، المشفوع، المشفح، المشهود، المشير، المصباح، المصارع، المصافح، مصحح الحسنات، المصدوق، المصطفى،
قال ابن دحية: ويجوز أنه بمعنى فاعل كالمحجوب بمعنى محب من سعد كعلم، وعنى سعادة، فهو سعيد ومسعود، أي حصل له اليمن والبركة.
"المسلم" بكسر اللام الثقيلة المفوض إلى الله بلا اعتراض المتوكل عليه في جميع الأغراض.
"المسلم" بفتح الللام المشددة من القتل والاغتيال والله يعصمك من الناس.
"المشاور" اسم فاعل من المشاورة، وهي استخراج الآراء ليعلم ما عند أهلها، قال تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} الآية، روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. "المشفع" بفتح الفاء الذي يشفع فيقبل. "المشفوع" ذكره ابن دحية، قال السيوطي: ولم يظهر لي معناه؛ لأنه لا يصح أن يكون من الشفاعة لأن اسم المفعول منها مشفع من شفع. "المشفح" بضم الميم وفتح المعجمة والفاء المشددة فمهملة، وروي بقاف بدل الفاء الحمد بالسريانية، كما يأتي للمصنف.
"المشهود" اسم مفعول الذي تشهد أوامره ونواهيه، وتحضر، قال تعالى:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُود} حكى القرطبي: إن الشاهد الأنبياء والمشهود النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81] إلى قوله: {وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِين} [آل عمران: 81] .
"المشير" اسم فاعل من أشار عليه إذ نصح له وبين له الصواب سمي بذلك؛ لأنه الناصح المخلص في نصحه.
"المصباح" السراج وأحد أعلام الكواكب سمي به لأنه أضاء به الآفاق. "المصارع" الذي يصرع الناس بقوته، أي يطرحهم، أو أصله بالسين فابدلت صادا، أي المبادر للشيء المقبل عليه لكن يؤيد الأول ما رواه البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم صارع أبا الأسيد كلدة الجمحي فصرعه وبلغ من شدة أبي الأسيد أنه كان يقف على جلد البقرة، ويجاذبه عشرة من تحت قدميه، فيتمزق الجلد من تحته ولا يتزحزح، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصارعة، وقال: إن صرعتني آمنت بك، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن نقله المصنف في المقصد الثالث.
"المصافح" اسم فاعل من المصافحة الآخذ باليد، قال النووي، هي عند التلاقي سنة مجمع عليها ويستحب معها البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة.
"مصحح الحسنات" لأن شرط صحتها الإيمان، به "المصدوق" يأتي للمصنف "المصطفى" من أشهر أسمائه، ومر في المقصد الأول أحاديث فيها أن الله اصطفاه على خلقه.
المصلح، المصلى عليه، المطاع، المطهر، المظهر، المطلع، المطيع، المظفر، المعزر، المعصوم، المعطي، المعقب، المعلِّم، معلم أمته، المعلَّم، المعلن،
"المصلح" اسم فاعل من أصح، أزال الفساد وأوضح سبيل الرشاد وهو مصلح للدين بإزالة الشرك وللخلق بالهداية.
"المصلى عليه" بفتح اللام من الله وملائكته.
"المطاع" المتبع الذي ينقاد له قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول} الآية، وأحد القولين في قوله مطاع، ثم أمين أنه النبي صلى الله عليه وسلم.
"المطهر" نقله ابن دحية عن كعب، قال السيوطي: يحتمل أنه بكسر الهاء اسم فاعل؛ لأنه طهر غيره من دنس الشرك وبفتحها اسم مفعول؛ لأنه طهر ذاتا ومعنى ظاهرا وباطنا، ويأتي بمعناه للمصنف "المظهر" بالمعجمة وكسر الهاء شرائع الأحكام ودين الإسلام والآيات البينات.
"المطلع" المشرف على المغيبات العالم بها. "المطيع" المنقاد لربه اسم فاعل من الطوع الانقياد، وقد ورد به حديث ابن ماجه عن ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم يقول:"رب اجعلني شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا لك مخبتا إليك أواها منيبا".
"المظفر" المنصور على من عداه.
"المعزر" ذكره ابن دحية من قوله {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] وقوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوه} [الأعراف: 157] فأوجب الله تعزيره وتوقيره وإكرامه. ومعنى يعزروه يجلوه، أو يبالغوه في تعظيمه، أو يعينوه وقريء بزاءين من العز.
"المعصوم" قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} [المائدة: 67] .
"المعطي" الواهب المتفضل اسم فاعل من العطاء وهو الإنالة وهو من أسمائه تعالى.
"المعقب" قال السيوطي كأنه بفتح العين وكسر القاف المشددة بمعنى العاقب؛ لأنه قب الأنبياء، أي جاء بعدهم قال غيره أو من أعقب إذا أخلف عقبا لبقاء عقبه من فاطمة إلى يوم القيامة.
"المعلم" بكسر اللام المرشد للخير والدال عليه، قال حسان: معلم صدق إن يطيعوه يهتدوا.
"معلم أمته" ما لم يكونوا يعلمون.
"المعلم" اسم مفعول، قال تعالى:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113] ، كما يأتي للمصنف.
"المعلن" المظهر بدعوته في حديث علي في صفة الصلاة عليه المعلن الحق بالحق.
المعلى، المفضال، المفضل، المفتاح، مفتاح الجنة، المقتصد، المقتضي: يعني قفا النبيين، المقدس، المقري، المقسط، المقسم، المقصوص عليه، المقفى، وقيل بزيادة تاء بعد القاف كما تقدم، مقيل العثرات،
"المعلى" الذي رفع على غيره اسم مفعول من التعلية الرفعة. "المفضال" صيغة مبالغة من الأفضال وهو الجود والكرم. "المفضل" قال السيوطي: يحتمل أنه يوزن المكرم فيكون بمعنى الذي قبله وأنه بوزن المقدس، أي المفضل على جميع العالمين، وقال غيره، أي المشرف على غيره اسم مفعول من التفضيل وهو الشريف والتكريم، سمي بذلك؛ لأن الله فضله على جميع الخلائق وخصه بالرتب.
"المفتاح" الذي يفتح به المغلاق.
"مفتاح الجنة" لأن أول من يفتح له صلى الله عليه وسلم.
"المقتصد" بكسر المهملة المستقيم اسم فاعل من الاقتصاد افتعال من القصد، وهو استقامة الطريق أو العدل.
"المقتفي" كما في حديث عند ابن عدي وأنا المقتفي قفيت النبيين عامة، ولذا قال "يعني قفا النبيين" أي جاء على أثرهم فوقف على أحوالهم وشرائعهم، فاختار الله له من كل شيء أحسنه، وكان في قصصهم له ولامته عبر وفوائد، أو المراد أنه آخرهم وخاتمهم وعليه المصنف فيما يأتي.
"المقدس" بفتح المهملة سماه الله به في الكتب السابقة، أي المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب، أو المطهر من الأخلاق السيئة والأوصاف الذميمة ويأتي للمصنف.
"المقرئ" بالهمز الذي يقرئ غيره القرآن، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن" أي أعلمك، كما يقرأ الشيخ على الطالب ليفيده، لا ليستفيد منه وفيه منقبه لأبي "المقسط" اسم فاعل أقسط إذا عدل هو من أسمائه تعالى أي العادل في حكمه المنصف المظلوم من الظالم.
"المقسم" اسم فاعل من اقسم حلف؛ لأنه كان ل يقسم إلا فيما يرضي ربه، ولا يكون إلا صادقا بارا فسمي به إشعارا بأنه الحقيق بذلك الوصف دون غيره، "المقصوص عليه" قال تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} . "المقفى" بضم الميم وفتح القاف وكسر الفاء المشددة ورد في حديث حذيفة عند أحمد وغيره برجال ثقات مرفوعا، "وقيل بزيادة تاء" فوقية "بعد القاف كما تقدم" قريبا، وقاله بعض شراح الشفاء عن الطيبي. وكان الشامي لم يقف عليه بزيادة التاء لغير المصنف فعزاه له حيث قال ذكره شيخنا أبو الفضل بن الخطيب.
"مقيل العثرات" أي عارف الزلات لمن صدرت منه، فلا ينتقم لنفسه، وإنما يغضب إذا
مقيم السنة بعد الفترة، المكرم، المكتفي، المكين، المكي، الملاحمي، ملقي القرآن، الممنوح المنادي، المنتصر، المنجين المنذر،
انتهكت حرمات الله، ويقال للزلة عثرة؛ لأنها سقوط في الإثم، وقد روى أحمد وأبو داود عن عائشة مرفوعا:"أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود"، ورواه الشافعي، وابن حبان بلفظ:"أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم".
قال الشافعي نقلا عن أهل العلم: هم الذين لا يعرفون بالشر فتزل بأحدهم الزلة، وقال الماوردي في عثراتهم وجهان أحدهما الصغائر والثاني أول معصية زل فيها مطيع.
"مقيم السنة بعد الفترة"، كما هو نص الزبور، كما يأتي للمصنف ومعناه في التوراة.
"المكرم" بشد الراء وخفتها؛ لأنه أكرم الخلق على الله.
"المكتفي" بالله، أي الذي أسلم أموره إليه وتوكل عليه.
"المكفي" اسم مفعول، أي الذي كفاه الله مهماته، أي أغناه عن التعب في دفعها بنصره وقيامه بأمره، وكفى الله المؤمنين القتال أغناهم عنه.
"المكين" فعيل من المكانة ويأتي للمصنف، وكذا "المكي الملاحمي" نسبة إلى الملاحم جمع ملحمة، وهو القتال؛ لأنه بعث بالسيف والجهاد، "ملقي القرآن" على أمته أي مبلغة إليهم، أو بمعنى المتلقي، أي المتصدي لسماعه حين ينزل، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] ، وتخصيص القرآن بالذكر؛ لأنه المعجزة العظمى، فلا ينافي مشاركة غيره له في الإلقاء.
"الممنوح" المعطى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] .
قال البيضاوي وعد شامل، لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخره له مما، لا يعلم كنه سواه.
"المنادي" بكسر الدال الداعي إلى الله وتوحيده، قال ابن جريح في قوله تعالى:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} هو محمد صلى الله عليه وسلم رواه ابن أبي حاتم، أو بفتح الدال، أي المدعو إلى الله ليلة الإسراء على لسان جبريل، وهما اسمان له، كما في الشامي.
"المنتصر" من ربي على أعدائه وفي نسخة المنتظر بالظاء المعجمة، أي لجميع الأمم لأخذ الله الميثاق على الأنبياء وأممهم أن من أدركه يؤمن به وينصره، فكل نبي مع أمته كانوا ينتظرون زمانه. "المنجي" من اتبعه من النار.
"المنذر" من الإنذار، وهو الإبلاغ مع تخويف، قال تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} حصر خاص، أي لست بقادر على هداية الكفار لا عام؛ لأن له أوصافا أخرى كالبشارة.
المنزل عليه، المنحمنا، المنصف، المنصور، المنيب، المنير، المهاجر، المهتدي، المهدي، المهداة، المهيمن، المؤتمن، المؤتي جوامع الكلم، الموحي إليه، الموصل، الموقر، المولي، المؤمن
"المنزل عليه" ظاهر المعنى.
"المنحمنا" بضم فسكون ففتح فكسر فشد، وقيل بفتح الميمين، أي محمد بالسرياني، كما يأتي للمصنف.
"المنصف" بضم أوله وسكون النون وكسر المهملة العادل، وكان أشد الناس إنصافا.
"المنصور" المؤيد اسم مفعول من النصر التأييد.
"المنيب" المقبل على الطاعة.
"المنير" اسم فاعل من أنار إذا أضاء، أي المنور قلوب المؤمنين بما جاء به. "المهاجر" لأنه هاجر من مكة إلى المدينة.
"المهتدي" معناه واضح. "المهدي" بكسر الدال اسم فاعل من أهدى بمعنى هدى وهو المرشد والدال على طريق الخير، قال تعالى:{وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 2] وقال حسان يرثيه:
جزعا على المهدي أصبح ثاويا
…
يا خير من وطئ الثري، لا تبعد
أو بفتح الدال اسم مفعول من أهدى الشيء يهديه، فهو مهدي وهما اسمان له، كما في الشامي "المهداة" بضم أوله وفتح الدال، قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا رحمة مهداة" رواه البيهقي.
"المهيمن" يأتي للمصنف، وهو من أسمائه تعالى، أي الشاهد الحافظ، أو المؤمن أو الأمين أو القريب أو القائم على خلقه، وهو صلى الله عليه وسلم مهيمن، بما عدا الأخير على أنه يصح عليه أيضا أنه القائم على خلق الله.
"المؤتمن" بفتح الميم الثانية الذي يؤتمن أمانته ويرغب في ديانته؛ لأنه حافظ للوحي مؤتمن عليه، أو على هذه الأمة، أي شاهد عليها.
"المؤتي جوامع الكلم" يأتي الكلام عليه في الخصائص "الموحى إليه" على صفات عديدة، كما مر أوائل الكتاب. "الموصل" اسمه في التوراة، ومعناه مرحوم "الموقر" ذو الحلم والرزانة، وقد كان أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه. "المولى" أي السيد المنعم الناصر المحب، وهو من أسمائه تعالى، ويأتي استدلال المصنف له بقوله أنا ولي كل مؤمن.
"المؤمن" بهمزة وتبدل واوا تخفيفا لسكونها بعد ضمة، وهي لغة الحجاز المتصف
المؤيد، الميسر.
بالإيمان ويأتي للمصنف "المؤيد" بفتح التحتية. المنصور، أي المقوي المعان هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، أو بكسرها أي الناصر، أو القوي، أو الشديد، وهما اسمان له، كما في الشامي.
"الميسر" المسهل للدين اسم فاعل روى مسلم عن جابر مرفوعا إن الله بعثني ميسرا فعد مائة واثنين وأربعين فيها من أسماء الله تعالى ستة، وزاد الشامي أسماء هي المؤمم بالهمز، أي المقصود الذي يؤم كل راج حماه لغة في الميم بالياء المؤيد بالكسر المتبع الذي يتبعه غيره، أي يقتدي به المتلو اسم مفعول من التلو، وهو المتابعة، المتمكن، أي المتمكن في الأرض الذي أطاعه الناس واتبعوه.
المتمم لمكارم الأخلاق المتمم بالبناء للمفعول خلقا المثبت بفتح الموحدة؛ لأن الله ثبته على دينه.
المجادل، أي المحكم المتقن للأمور، أو المحاجج المجيد الرفيع القدر أو الكريم، وهو من أسمائه تعالى. المحجة جادة الطريق من الحج القصد والميم زائدة المحكم بفتح الكاف المشددة، أي الحاكم، وهو القاضي المحيد من حاد عن الشيء إذا عدل عنه؛ لأنه حاد عن الباطل واتبع الحق، أو من أحاد؛ لأنه عدل بأمته إلى الطريق المستقيم.
المخبت الخاشع المختص اسم مفعول؛ لأن الله اختصه لنفسه واستأثر به على خلقه، أو اسم فاعل لاختصاصه بملازمة العبادة واستئثاره بزيادة حب الله وقربه المختص بالقرآن المختص بآي، لا تنقطع.
المختم اسم مفعول من تختم اتخذ خاتما. المخضم بضاد معجمة وزن منبر السيد الشريف العظيم المنيف مرحمة لقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت مرحمة وملحمة".
رواه أبو نعيم المزمزم بضم الميم الأولى وفتح الثاني أي المغسول قلبه بماء زمزم. المرشد الهادي الدال على طريق الهدي مرغمة وقع في الصحاح بعثت مرغمة، أي مذلا للكفر حتى يلصق بالرغام بالفتح التراب، ثم استعمل في الذل والعجز. المرغب اسم فاعل؛ لأنه يحث على الطاعة مزيل الغمة الكرب والمشدة.
المستجيب، أي المطيع أو بمعنى مستجاب فعيل بمعنى مفعول لوجوب طاعته وإجابته ولو في الصلاة، ولا تبطل المستعيذ من العوذ الالتجاء إلى الله.
المسدد أخاه السيوطي من قوله تعالى لسعيا أسدده لكل جميل. المسيح المبارك باليونانية، أو الذي يمسح العاهات فيبرئها، المشذب بمعجمتين آخره موحدة الطويل المعتدل القامة.
...............................................
المشرد اسم فاعل بالعدو، وهو التنكيل وتعجم داله، وبه قرأ ابن مسعود فشرذبهم المشيح بضم الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية فمهملة، أي بادي الصدر من غير تطامن، بل بطنه وصدره سواء.
قال عياض ولعله بفتح الميم بمعنى عريض الصدر، كما في الرواية الأخرى المصدق اسم فاعل المذعن المنقاد، لما أمر به لتصديقه جبريل فيما أخبره به عن ربه المصدق بالبناء للمفعول؛ لأن أمته صدقته المصون المضخم بمعجمتين، وزن منبر السيد الشريف المضري بمعجمة نسبة إلى مضر جده المضيء، أي المنير المعروف، أي معروف الله، أي بره وإحسانه، أو صاحب المعروف المعمم بالبناء للمفعول، أي صاحب العمامة، وهو من أسمائه في الكتب السابقة.
المعين الناصر أو كثير المعونة المعاضدة والمساعدة المغرم بالضم وسكون المعجمة، أي المحب لله من الغرام، وهو الولوع بالشيء والاهتمام به.
المغنم بمعجمة ونونة وزن جعفر الخيار من كل شيء.
المغني المحسن المتفضل، قال تعالى:{وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِه} الآية، وفيه تشريفه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، والتنبيه على علو مقامه هو عظم شأنه حيث ذكره معه في إيصال الصنيع إلى عباده، وجعله مغنيا لهم بما فتح الله على يديه وأفاء من الغنائم. المفخم بشد المعجمة المفتوحة الموقر المعظم في الصدور المهاب في العيون.
المفلج بجيم كمعظم، أي الثنايا، وهو تباعد ما بين الأسنان. المفلح اسم فاعل من الفلاح الفوز. المقدم بالفتح؛ لأن الله قدمه على الأنبياء خلقه ورتبة وشرفا.
المقدم بالكسر؛ لأن أمته قدمته بسببه، أي فضلت على غيرها المقوم بفتح الواو، أي المستقيم أو بمعنى القيم.
المكلم بفتح اللام المشددة؛ لأنه كلمة ليلة المعراج. الملاذ بمعجمة الملبي بضم الميم وفتح اللام وموحدة المطيع، أو المخلص، أو المجيب أو المحب. الملجأ بالجيم مهموز، أي الملاذ.
المليك فعيل، وهو من أسمائه تعالى، أي القادر على الإيجاد والاختراع، أو ضابط الأمور. المتصرف الملك بكسر اللام الذي يسوس الناسد ويدير أمرهم، أو ذو العز والسلطان، وهو من أسماء الله تعالى. أي المستغني في ذاته وصفاته عن الكون والموجودات، ولا غنى لأحد عنه، أو القادر على الاختراع والإبداع، المليء باللام مهموز، أي الغني بالله عما سواه، أو الحسن حكمه وقضاؤه.
"حرف ن":
النابذ، الناجز، الناس لقوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النساء: 54] ، المفسر به عليه الصلاة والسلام، الناسخ، الناشر،
الممنوع الذي له منعة، أي قوة تمنعه من الشيطان والأعداء، أو الذي منعه الله العدا والردى، المنتجب بالجيم، المنتخب بالخاء المعجمة كلاهما بمعنى المختار.
المنجد المعين الناصر، أو مرتفع القدر. المنقذ بنون فقاف فمعجمة، المخلص من الشدائد؛ لأنه ينقذنا بالشفاعة يوم القيامة قال حسان:
يدل على الرحمن من يقتدي به
…
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
منة الله. قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِين} ، وخصوا بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بمبعثه. المهاب بالضم الذي يخافه الناس لعظم بأسه وسلطانه، المهذب بالمعجمة المطهر الأخلاق الخالص من الأكدار، المورود حوضه، أي يوم القيامة. موذموذ اسمه في صحف إبراهيم. الموعظة ما يتعظ به ويتذكر.
الموقن من أيقن الأمر فهمه وثبت في ذهنه. ميذميذ، قال العزفي هو اسمه في التوراة. الميزان حكى محمود الكرماني في قوله تعالى:{بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان} أنه محمد صلى الله عليه وسلم الميم بفتح التحتية كمعظم المقصود؛ لأن الخلق تؤم حماه يوم القيامة وتقصد جاهه لنيل السلامة. ا. هـ. باختصار.
حرف ن:
"النابذ" اسم فاعل من النبذ بسكون الباء وفتحها طرح الشيء لقلة الاعتداد به، قال تعالى:{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} ، أي اطرح عهدهم على طريق مستو بأن تظهر إليهم نبذة بحيث يعلمون أنه قطع ما بينك وبينهم، لا تناجزهم بالحرب وهم يتوهمون بقاء العهد.
"الناجز" المنجز، لما وعد وكان من ذلك بمكان "الناس لقوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس} .
"المفسر" عند عكرمة ومجاهد "به عليه الصلاة والسلام" رواه عنهما ابن جرير. سمي به من تسمية الخاص بالعام؛ لأنه أعظمهم وأجلهم، أو لجمعه ما فيهم من الخصال الحميدة.
"الناسخ" اسم فاعل من النسخ لغة إزالة شيء يعقبه واصطلاحا رفع الحكم الشرعي بخطاب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نسخ بشريعته كل الشرائع وقد وصف الله نفسه في قوله ما ننسخ من آية. "الناشر" لأنه نشر الإسلام، وأظهر الشرائع كما يأتي للمصنف، قال غيره، أو هو بمعنى
الناصح، الناضر، الناطق بالحق، الناهي، نبي الأحمر، نبي الأسود، نبي التوبة، نبي الحرمين، نبي الراحة، نبي الرحمة، النبي الصالح، نبي الله، نبي المرحمة، نبي الملحمة، نبي الملاحم، النبي، النجم النجم الثاقب، نجي الله، النذير، النسيب، نصيح، ناصح، النعمة، نعمة الله، النقيب، النقي، النور،
الحاشر "الناصح" مأخوذ من قوله الأنبياء ليلة الإسراء مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته "الناضر" بضاد معجمة. الحسن من النضارة الحسن والرونق.
"الناطق بالحق" بالقرءان على أحد الأقوال في الحق خص؛ لأنه أعظم ما نطق به.
"الناهي" اسم فاعل من النهي والزجر عن الشيء والآمر به تقدم في الآمر "نبي الأحمر نبي الأسود" أي الإنس والجن، أو العجم والعرب لقوله صلى الله عليه وسلم:"بعثت إلى الأحمر والأسود""نبي التوبة" وهي الرجوع والإنابة لرجوع الأمم بهدايته، بعد التفرق إلى الصراط المستقيم، كما يأتي للمصنف.
"نبي الحرمين" مكة والمدينة، "نبي الراحة" بمهملتين رجوع النفس بعد الإعياء والتعب وسكونها، أو السهولة؛ لأنه أراح أمته من نصب الشرك، أو لأنه خفف بشرعه ما كان مشددا في شرع غيره من التكاليف الشاقة كقتل النفس في التوبة.
"نبي الرحمة" يأتي المصنف. "النبي الصالح" كما قال له الأنبياء ليلة الإسراء مرحبا بالنبي الصالح.
"نبي الله" ومر أنه يسمى أيضا رسول الله، فلا تتعسف. "نبي المرحمة نبي الملحمة" الحرب والقتال. "نبي الملاحم" جمع الملحمة وتأتي الثلاثة للمصنف وفي مسلم، وأحمد وغيرهما "أنا نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة"، وفي رواية "نبي المرحمة".
"النبي النجم" يأتيان للمصنف، وأنه سمي به؛ لأنه يهتدى به، كما يهتدى بالنجم. "النجم الثاقب" المضيء الذي يثقب بنوره وإصاءته ما يقع عليه حكى السلمي أنه صلى الله عليه وسلم المراد في الآية.
قال المصنف فيما يأتي والصحيح أنه النجم على ظاهره للاهتداء به كالنجم.
"نجي الله" مناجيه، يقال للواحد والجمع، قال تعالى:{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] وخلصوا نجيا ولم يأخذه أحد من ذلك، كما زعم إذ ضمير قربناه لموسى فكيف يؤخذ منه اسم لمحمد، وإنما ذكروه دليلا على أنه يقال للواحد، "النذير" المخوف من عواقب الأمور ويأتي للمصنف.
"النسيب" ذو النسب العريق ومعلوم أن نسبه أشرف الأنساب من جهة أبويه معا وتقدم ذلك "نصبح" فعيل بمعنى فاعل من النصح، "ناصح" اسم فاعل بمعناه "النعمة" بالكسر الحالة الحسنة "نعمة الله" يأتي للمصنف" وكذا النقيب النقي الخالص من الأدناس المنزه عن الأرجاس "النور" يأتي أنه أحد القولين في:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُور} [المائدة: 15] .
نور الأمم أي الهادي لها الذي أوصلها نور الله الذي لا يطفأ.
"حرف هـ":
الهادي، هدى هدية الله، الهاشمي.
"نور الأمم، أي الهادي لها الذي أوصلها"، إلى الحق، كما يوصل النور إلى المطلوب.
قال عياض سمي صلى الله عليه وسلم بالنور لوضوح أمره وبيانه وبيان نبوته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به انتهى. وهو من أسمائه تعالى، أي خالق النور ومنور قلوب المؤمنين بالهداية والسماوات والأرض بالأنوار، "نور الله الذي، لا يطفأ،" أي حجته الدالة للحق على ما فيه صلاحهم من توحيده وتقديسه عن الولد والشريك ونحوهما، واتباع أوامره واجتناب نواهيه وغير ذلك، وقيل في قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّه} أنه محمد صلى الله عليه وسلم فعد أربعا وثلاثين فيها واحد من أسماء الله تعالى، وزاد الشامي الناسك العابد اسم فاعل الناصب، ذكره ابن دحية، قال السيوطي: يحتمل أنه مأخوذ من قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} أي اتعب في الدعاء والتضرع، وأن معناه المبين لأحكام الدين من النصب بضم ففتح العلامات في الطريق يهتدي بها، أو المقيم لدين الإسلام من نصبته إذا أقمته قال غيره: أو الناصب المرتفع، أو للحرب، أي المقيم لها والمجتهد في الطاعة ناصر الدين بالإضافة أي مانعه من طعن الكفرة. الناظر من خلفه بفتح الميم على أن من موصولة، أي الذين وراءه، أو بكسرها على أنها جادة، أي يبصر من ورائه كأمامه. نبي زمزم النبأ بنون فموحدة مهموز، الشأن العظيم والخطب الجسيم، وقيل إنه المراد بقوله عن النبأ العظيم، وقيل القرآن.
لنجيب الكريم، أو المختار النجيد بدال مهملة الدليل الماهر، أو الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره، الندب بالفتح وسكون المهملة فموحدة، أي النجيب الظريف ذكر ابن عساكر عن بعضهم في قوله تعالى:{ن وَالْقَلَم} ، إنه اسم له صلى الله عليه وسلم، وقيل من أسماء الله تعالى.
حرف هـ:
"الهادي" بمعنى الهداية والدعاء، كما يأتي للمصنف، وهو من أسمائه تعالى أي الذي بصر عباده طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته، أو هادي كل أحد إلى ما لا بد له منه، "هدى" وأدخل الشامي عليه أل، أي الرشاد والدلالة، ولقد جاءهم من ربهم الهدى، مصدر سمي به مبالغة.
"هدية الله" التي أوصلها لعباده فضلا عليهم، وروى أحمد مرفوعا "إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للعالمين".
"الهاشمي" نسبة إلى جد أبيه، فهي أربع واحد من أسمائه تعالى، وزاد الشامي الهجود
"حرف و":
الوجيه، الواسط، الواسع، الواصل، الواضع، الواعد، الواعظ، الورع، الوسيلة، الوفي، ولي الفضل، الولي.
كصبور كثير التهجد الهمام بالضم الملك العظيم الهمة بالكسر وتفتح واحدة الهمم. الهين بفتح فسكون مخفف الساكن المتئد.
حرف و:
"الوجيه" ذو الوجاهة والجاه عند الله. "الواسط" ذكره ابن دحية، قال الجوهري: فلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبا، وأرفعهم محلا، والواسط الجوهر الذي وسط القلادة.
"الواسع" الجواد الكثير العطاء من الوسع مثلثة الواو كالسعة، وهي الجدة والطاقة وهو من أسمائه تعالى، أي المحيط بكل شيء، أو الذي وسع رزقه جميع خلقه، أو وسعت رحمته كل شيء، أو المعطي عن غنى، أو العالم، أو الغني.
"الواصل" البالغ في النهاية والشرف ما لا يعلمه إلا الله.
"الواضع" المزيل والقاطع اسم فاعل من الوضع أعم من الحط قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} أي يزيله، ويقطعه والإصر الثقل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه عن الحركة، وهو مثل لثقل تكليف بني إسرائيل وصعوبته كقتل النفس في صحة التوبة وقطع الأعضاء الخاطئة.
"الواعد" اسم فاعل من الوعد إذا أطلق ففي الخير والوعيد في الشر إلا لقرينة كالبشارة والنذارة "الواعظ" قال تعالى: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة} ابن فارس الوعظ التخويف، الخليل التذكير بالخير وما ترق له القلوب. الجوهري النصح والتذكير بالعواقب. "الورع" بكسر الراء التقي اسم فاعل من الورع اتقاء الشبهات.
"الوسيلة" ما يتقرب ويتوسل به إلى ذي قدر، وهو وسيلة الخلق إلى ربهم.
"الوفي" الكامل الخلق التام الخلق من الوفاء، وهو أوفى الناس بالعهد، وأوفاهم ذمة، وهو من أسمائه تعالى.
"الوافي" بمعنى الوفي لكماله خَلقا وخُلقا ورجحانه على غيره عقلا، قال حسان:
واف وماض شهاب يستضاء به
…
بدر أنار على كل الأناجيل
"ولي الفضل" أي مولى" الإحسان والبر. "الولي" الناصر، أو الوالي، أو المتولي مصالح الأمة القائد بها، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} إلا المحب لله، أو المتصف بالولاية، وهي كشف الحقائق وقطع العلائق والتصرف في باطن الخلائق.
قال القشيري: للولي معنيان فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله أمره، ولا يكله إلى
"حرف ي":
اليثربي، يس.
وكنيته
نفسه لحظة. وبمعنى فاعل، وهو الذي يتولى عباد الله وطاعته فيجريها على التوالي، ولا يتخلل بينها عصيان، وهو من أسمائه تعالى، وهو الولي الحميد {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي يتولى نصرهم ومعونتهم وكفايتهم ومصالحهم، فهي ثلاثة عشر فيها اثنان من أسماء الله، وزاد الشامي الواحد بالجيم العالم، أو الغني من الجدة الاستغناء، وهو من أسمائه تعالى أي العالم، أو الغني الذي لا يفتقر.
الوالي المالك، أو الملك، أو الحاكم، أو الشريف القريب، وهو من أسمائه تعالى.
الوسيم بمهملة وتحتية كأمير الحسن الوجه الجميل. الوصي بالمهملة الخليفة القائم بالأمر بعد غيره لقيامه بالتبليغ والرسالة بعد عيسى الذي بشر به، وأخبر برسالته، وحض على اتباعه، الوهاب من الهبة بذل المال، بلا عوض، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي يعطي على قدر الاستحقاق، ولا يقبض ما في يمينه من كثرة الإنفاق انتهى. وهو بيان لمعناه في حقه تعالى وإلا فهو لغة كثير الهبة لمستحق، أو غيره.
حرف ي:
"اليثربي" نسبة إلى يثرب اسم المدينة الشريفة في الجاهلية، وقد ورد النهي عن تسميتها بذلك، كما مر غير مرة.
"يس" يأتي للمصنف بسطه، وقد استبان من العد أن فيها من الأسماء الحسنى ستة وخمسين اسما أعني الواردة في حديثي الترمذي وابن ماجه، وإن نظرت إلى غيرها مما اختلف كيس وطه والم، وما يصح إطلاقه عليه على رأي من قال به كانت نحو سبعين، وهو مراد المصنف بقوله في المقصد السادس، أنه ذكر هنا نحو سبعين من أسماء الله الحسنى انتهى.
يعني بالمعنى اللغوي إذ أسماؤه جل وعلا كلها حسنى، لا بالنظر إلى الوارد في الحديث من عدها، وزاد الشامي اليتيم من اليتم موت الأب قبل بلوغ الولد، أو من الانفراد كدرة يتيمية، كما قيل في قوله تعالى:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا} ، أي واحدا في قريش عديم النظير انتهى. ومذهب مالك، لا يجوز عليه هذا الاسم.
"وكنيته" قال الحافظ بضم الكاف وسكون النون من الكناية تقول كنيت عن الأمر إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحا، واشتهرت الكنى للعرب حتى ربما غلبت على الأسماء كأبي طالب، وقد يكون للواحد كنية، فأكثر، وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعا، فالاسم، والكنية، واللقب يجمعها العلم بفتحتين وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح، أو ذم، والكنية ما صدر بأب، أو
المشهورة أبو القاسم، كما جاء في عدة أحاديث صحيحة.
ويكني بأبي إبراهيم، كما جاء في حديث أنس في مجيء جبريل إليه عليهما الصلاة والسلام، وقوله السلام عليك يا أبا إبراهيم.
أم وما عدا ذلك، فالاسم انتهى، وقال ابن الأثير في كتابه المرصع الكنية من الكناية، وهي أن تتكلم بالشيء وتريد غيره جيء بها الاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه كيلا يصرح في الخطاب باسمه ومنه قول الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقبه والسوأة اللقبا
ولقد بلغني أن سبب الكنى في العرب أنه كان لهم ملك من الأول ولد له ولد توسم فيه النجابة فشغف به، فلما نشأ وصلح لأدب الملوك أحب أن يفرد له موضعا بعيدا عن العمارة يقيم فيه ويتخلق بأخلاق مؤدبيه، ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرية منزلا، ونقله إليه ورتب له من يؤدبه بأنواع الآداب العلمية والملكية وأقام له حاجته من الدنيا، وأضاف له من أقرانه بني عمه وغيرهم ليؤنسوه ويحببوا له الأدب بالموافقة، وكان الملك كل سنة يمضي له ومعه من له عنده ولد، فيسأل عنهم ابن الملك، فيقال له هذا، أبو فلان وهذا أبو فلان للصبيان الذين عنده فيعرفهم بإضافتهم إلى أبنائه فظهرت الكني في العرب انتهى.
"المشهورة" ولذا بدأ بهما "أبو القاسم" باسم أكبر أولاده عند الجمهور.
وقال العزفي وغيره؛ لأنه يقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة، وقيل لقوله عليه السلام:"إني جعلت قاسما أقسم بينكم". "كما جاء" تكنيته بأبي القاسم "في عدة أحاديث صحيحة" كقول أبي هريرة في الصحيح: قال أبو القاسم: وقال أنس: كان صلى الله عليه وسلم في السواق، فقال رجل يا أبا القاسم، فالتفت صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لم أعنك إنما دعوت فلانا، فقال:"سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي" رواه الشيخان، وظاهره المنع، وهو المشهور عن الشافعي مطلقا، وقيل يختص بمن اسمه محمد لحديث نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته، ومذهب مالك، وأكثر العلماء، كما قال عياض في شرح مسلم. الجواز مطلقا والنهي مختص بزمانه لإذنه صلى الله عليه وسلم لجماعة أن يسموا من يولد لهم بعده محمدا ويكنوه بأبي القاسم وبسط ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى. "ويكني بأبي إبراهيم" باسم آخر أولاده، "كما جاء في حديث أنس" عند البيهقي "في مجيء جبريل إليه عليهما الصلاة والسلام" لما وقع في نفسه من تردد "مابور" الغلام الذي أهدي مع مارية عليها، فبعث عليًّا ليقتله فوجده ممسوحا، فرجع، فأخبره صلى الله عليه وسلم، فقال:"الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت"، "وقوله السلام عليك يا أبا إبراهيم" لفظ البيهقي وابن الجوزي عن أنس، لما ولد إبراهيم من مارية كاد يقع في نفس النبي منه حتى أتاه جبريل، فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم وعند
وبأبي الأرامل، فيما ذكره ابن دحية.
وبأبي المؤمنين، فيما ذكره غيره.
واعلم أنه لا سبيل لنا أن نستوعب شرح جميع هذه الأسماء الشريفة؛ لأن في ذلك تطويلا يفضي بنا إلى العدول عن غرض الاختصار، فلنذكر من ذلك ما يفتح الله تعالى به مما يدل على ما سواه وبالله أستعين.
فأول ذلك ما له عليه الصلاة والسلام من معنى الحمد الذي هو اسمه
الطبراني من حديث ابن عمر وابن العاصي في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعمر بن الخطاب:"ألا أخبرك يا عمر أن جبريل أتاني، فأخبرني أن الله برأها وقريبها مما وقع في نفسي، وبشرني أن في بطنها غلاما مني، وأنه أشبه الناس بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم وكناني بأبي إبراهيم. ولولا أكره أن أحول كنيتي التي عرفت بها لتكنيت بأبي إبراهيم، كما به كناني جبريل". "وبأبي الأرامل" جمع أرملة لشدة احتياجهن، والأرملة العزباء ولو غنية خلافا للأزهري، ويحتمل أن المراد الفقراء لإطلاق الأرمل على الفقير، وهي كنيته في التوراة.
"فيما ذكره ابن دحية" عن أبي الحسن سلام بن عبد الله الباهلي في كتاب الذخائر والإغلاق في آداب النفوس ومكارم الأخلاق، "وبأبي المؤمنين فيما ذكره غيره" قال تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] . وقرأ أبي بن كعب، وهو أب لهم، أي كأبيهم في الشفقة والرأفة والحنو، "واعلم أنه لا سبيل" طريق لائق "لنا أن نستوعب شرح جميع هذه الأسماء الشريفة" ولا يقدر الخبر ممكن؛ لأنها كلها مشروحة ولقوله "لأن في ذلك تطويلا يفضي بنا إلى العدول عن غرض الاختصار" الذي هو قصدنا في ذا الكتاب، "فلنذكر" بلام الطلب المراد بها مجرد الإخبار مجازا نحو {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ} [مريم: 75] {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]"من ذلك ما يفتح الله تعالى به" يسوقه ويرسله، أي يلهمنا إياه من إطلاق السبب وإرادة المسبب إذ فتح الباب سبب الخروج ما حفظ به "مما يدل على ما سواه" ولو بالإشارة "وبالله أستعين" أطلب المعونة، وهي تحصيل ماء، لا يتأتى الفعل دونه، كاقتداء الفاعل وتصوره، لما يريد فعله، وحصول آلة ومادة يفعل بها، أي الآلة في المادة وتحصيل ما تيسر به الفعل، ويسهل كالراحلة في السفر للقادر على المشي، "فـ" أقول "أول ذلك ما" وصف "له عليه الصلاة والسلام من معنى الحمد الذي هو اسمه" صفة مخصصة لمعنى الحمد الذي هو كالجنس؛ لأنه الوصف بالجميل فيشمل سائر أسمائه وصفاته
المنبئ عن ذاته الشريفة، الذي سائر أسماء أوصافه راجعة إليه، وهو في المعنى واحد، وله في الاشتقاق صيغتان:
الاسم المبني صيغته على صيغة "أفعل" المنبئة عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، وهو اسمه "أحمد".
والاسم المبني على صيغة "التفعل" المنبئة على التضعيف والتكثير إلى عدد لا ينتهي له الإحصاء وهو اسمه "محمد".
قال السهيلي: "محمد" منقول من الصفة، فالمحمد في اللغة هو الذي يحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون "مفعل" مثل: مضرب، وممدح،
دون أولية شيء منها بخلاف اسمه "المنبئ عن ذاته الشريفة" المشتملة على جميع الصفات "الذي سائر أسماء أوصافه" جمع صفة بمعنى الأثر القائم به كالعلم والحلم والأسماء الدالة عليها، كالعاقب "راجعة إليه، وهو في المعنى واحد وله في الاشتقاق صيغتان" لفظان دالان على ذاته، لا الصيغة الاصطلاحية التي هي تقديم بعض الحروف والحركات على بعض، كما أفاده قوله إحداهما "الاسم المبني صيغته على صيغة أفعل" حال من صيغته "المنبئة" المخبرة والكاشفة "عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، وهو اسمه أحمد" لأنه أفعل تفضيل حذف المفضل عليه قصدا للتعظيم نحو الله أكبر، أي من كل شيء، ثم نقل ولحظ أصله، فلا يرد عليه أنه علم فكيف يفيد ما ذكره وزعم أنه للتفضيل، لا المبالغة؛ لأن لها صيغا مخصوصا رد بأنه وهم، ومن قال ليس بمنقول من المضارع، ولا من أفعل التفضيل، فهو كأحمر، وأصفر، ففيه نظر، لا يخفى "و" ثانيتهما "الاسم المبني على صيغة التفعل المنبئة" المخبرة الدالة "على التضعيف والتكثير" عطف تفسير "إلى عدد، لا ينتهى له الإحصاء" أي لا يصل إليه الضبط بالعد، بحيث، لا يبقى من أوصافه التي تعد شيء "وهو اسمه محمد" لأن زنة مفعل بشدة العين كمعظم ومبجل موضوعة للتكثير، فإن اشتق منه اسم فاع فمعناه من كثر صدور الفعل منه كمعلم، أو اسم مفعول فمعناه من تكرر وقوع الفعل عليه، ولذا، "قال السهيلي" في الروض "محمد" منقول من الصفة" وغلط من قال مرتجل ووجه بأنه لم يستعمل إلا علما ورد بقول الأعشى:
إلى الماجد القرم الجواد المحمد
"فالمحمد" أي الوصف الذي هو محمد، فلا يرد أنه علم، ولا تدخل عليه اللام، "في اللغة هو الذي يحمد حمدا بعد حمد" إلى ما لا نهاية له، فلا يقف حمده على حد، "ولا يكون "مفعل" بشد العين المفتوحة "مثل مضرب" لمن كثر عليه الضرب "وممدح" لمن كثر المدح له
إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى.
وأما "أحمد" وهو اسمه عليه الصلاة والسلام الذي سمي به على لسان عيسى وموسى، فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل، فمعنى "أحمد" أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو في المعنى؛ لأنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله، فيحمد ربه بها، وكذلك يعقد له لواء الحمد.
قال: وأما "محمد" فمنقول من صفة أيضا، وهو في معنى "محمود"، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة، كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم "محمد" مطابق لمعناه، والله سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يسمى به، علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام؛ إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو صلى الله عليه وسلم محمود في الدنيا بما هدى
"إلا لمن تكرر منه" من للتعليل أي من أجله "الفعل" وهو الضرب والمدح في المثالين "مرة بعد أخرى" فلا يرد أن المناسب له بدل منه، أو معناه تكرر منه الفعل، أي الخصال المحمودة التي حمد بسببها، "وأما أحمد، وهو اسمه عليه الصلاة والسلام الذي سمي به على لسان عيسى وموسى" خصهما لشهرته في كتبهما، وإلا ففي الشفاء أن أحمد أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء، "فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل، فمعنى "أحمد" أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو في المعنى، فاسمه مطابق لمعناه "لأنه يفتح عليه في المقام المحمود" وهو مقام الشفاعة العظمى الذي يحمده فيه الأولون والآخرون "بمحامد" جمع محمدة بمعنى حمد "لم تفتح على أحد قبله" أي يلهمه الله محامد عظيمة لم يلهمها لغيره، وأصل الفتح ضد الغلق، فاستعير للإلهام "فيحمد ربه بها، كما قال صلى الله عليه وسلم "وكذلك يعقد له لواء الحمد" الحقيقي وعلم حقيقته عند الله أي لواء يتبعه كل حامد ومحمود وأصحاب الحمد من لهم الشفاعة يومئذ كالأنبياء، أو هو تمثيل لشهرته في الموقف وعدم التأويل أسد، كما قيل، "قال" السهيلي "وأما محمد فمنقول من صفة أيضا، وهو في معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار" لدلالة فعل على ذلك، "فالحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة" إلى غير نهاية، أو الذي تكاملت فيه الخصال الحميدة، "كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك" من كل ما هو علي صيغة مفعل.
"فاسم محمد مطابق لمعناه والله سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يسمى به" عند الناس، ولفظ الروض قبل أن يسمى به نفسه، فهذا "علم" بفتحتين دليل "من أعلام" أدلة "نبوته عليه الصلاة والسلام إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو صلى الله عليه وسلم محمود في الدنيا بما هدى له ونفع به من العلم
له ونفع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضيه اللفظ.
ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى فقال اسمه أحمد، وذكره موسى حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد. فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل، وكذلك في الشفاعة، يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته.
فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود، وفي الدنيا والآخرة، تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين. انتهى.
وقال القاضي عياض: كان عليه الصلاة والسلام أحمد قبل أن يكون
والحكمة" بيان، لما هدى ونفع، "وهو محمود في الآخرة بالشفاعة" العظمى حين أباها رؤساء الأنبياء، "فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضيه اللفظ" بالوضع العربي، "ثم إنه لم يكن محمدا" أي لم يثبت له ذلك الوصف "حتى كان أحمد" لأنه "حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى فقال" ومبشرا برسول يأتي من بعدي "اسمه أحمد" وقال الراغب خصه عيسى به ولم يصفه بغيره تنبيها على أن أحمد منه وممن قبله، لما اشتمل عليه من الخصال الجميلة والأخلاق الحميدة التي لم تكمل لغيره، "وذكره موسى" في حديث مناجاته الطويل "حين: قال له ربه تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له" تعالى؛ لأنه أول من أجاب يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} بقوله بلى، "فلما وجد وبعث كان محمدا، بالفعل وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه" يلهمها له "فيكون أحمد الحامدين لربه" آجلهم حمدا، "ثم يشفع فيحمد على شفاعته" من الأولين والآخرين، "فانظر كيف ترتب" وجد "هذا ااسم" أحمد "قبل الاسم الآخر" محمد "في الذكر والوجود وفي الدنيا والآخر، تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين" وهي أنه خصه بهما لقيامه بمرتبة الحمد قبل الناس، وحمدهم له على ذلك "انتهى" كلام السهيلي.
"وقال القاضي عياض: كان عليه الصلاة والسلام أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع
محمدا كما وقع في الوجود؛ لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمدا، وقعت في القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، انتهى.
وهذا موافق لما قاله السهيلي، وذكره في فتح الباري وأقره عليه، وهو يقتضي سبقية أحمد، خلافا لما ادعاه ابن القيم.
وذكر ابن القيم في اسمه "أحمد" أنه قيل فيه إنه بمعنى "مفعول" ويكون التقدير: أحمد الناس، أي أحق الناس وأولاهم أن يحمد، فيكون كمحمد، في المعنى، لكن الفرق بينهما: أن محمدا هو الكثير الخصال التي يحمد عليها، وأحمد: هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره، فمحمد في
في الوجود لأن تسمية أحمد وقعت في الكتب السالفة" المراد غالبها، فلا ينافي أن في بعضها اسمه محمد وفي بعضها الجمع بين محمد وأحمد، "وتسميته محمدا وقعت في القرآن وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس" وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس، وقد خص بصورة الحمد ولواء الحمد والمقام المحمود، وشرع له الحمد بعد الأكل والشرب وبعد الدعاء وبعد القدوم من السفر وسميت أمته الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وسلم "انتهى" كلام عياض بما زدته مما لخصه منه في الفتح، "وهذا موافق، لما قاله السهيلي وذكره في فتح الباري وأقره عليه، وهو يقتضي" صراحة "سبقية أحمد خلافا لما أدعاه العلامة محمد بن أبي بكر "بن القيم" في كتابيه جلاء الإفهام والهدى من سبقية محمد ونسبة القائل بسبقية أحمد إلى الغلط، واستدل بأن في التوراة تسميته ماذماذ، وصرح بعض شروحها من مؤمني أهل الكتاب بأن معناه محمد، وإنما سماه عيسى أحمد؛ لأن تسميته به وقعت متأخرة عن تسميته بمحمد في التوراة ومتقدمة على تسميته في القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وقد مر أن هذين الاسمين صفتان في حقه والوصفية فيهما لا تنافي العلمية وإن معناهما مقصود فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها انتهى، ملخصا.
قال الشامي ووردت آثار كثيرة تشهد، لما قاله ابن القيم وفي حديث أنس عند أبي نعيم إن الله سماه محمدا قبل الخلق بألفي عام، كما يأتي للمصنف، فهذا مما يشهد له، "وذكر ابن القيم في اسمه أحمد أنه" اختلف فيها فقيل هو بمعنى فاعل، أي حمد الله أكثر من حمد غيره فمعناه أحمد الحامدين، "وقيل فيه أنه بمعنى مفعول ويكون التقدير أحمد الناس، أي أحق الناس وأولاهم أن يحمد فيكون كمحمد في المعنى، لكن الفرق بينهما أن محمدا هو الكثير الخصال التي يحمد عليها، وأحمد هو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره، فمحمد في
الكثرة والكمية، وأحمد في الصفة والكيفية فيستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره، أي أفضل حمد حمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول.
قال: وهذا أبلغ في مدحه وأكمل معنى، فلو أريد معنى الفاعل لسمي "الحماد" أي الكثير الحمد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس حمدا لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى الحماد، كما سميت بذلك أمته، وأيضا فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقة وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد.
وقال القاضي عياض -في باب تشريفه تعالى له عليه الصلاة والسلام بما سماه به من أسماءه الحسنى- أحمد بمعنى أكبر، من حمد، وأجل: من حمد.
ثم إن في اسمه "محمد" خصائص:
الكثرة والكمية، وأحمد في الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره، أي أفضل حمد حمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول".
"قال وهذا" القول "أبلغ في مدحه وأكمل معنى" قال: أعني ابن القيم، وهو الراجح المختار "فلو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد" بدل أحمد، فلا ينافي أنه من أسمائه، كما مر، أو لم يصح عنده تسميته بالحماد، "أي كثير الحمد فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس حمدا لربه. فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه"، كما قال من قال: إنه بمعنى فاعل "لكان الأولى الحماد، كما سميت بذلك أمته" أي بالحمادين "وأيضا، فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا، وأحمد" لا من كثرة حمده لربه، وقد تعقب بأنه تخصيص، بلا مخصص، وبأن بناء اسم التفضيل من المفعول شاذ كأشغل من ذات النحيين، وكون حماد أبلغ من أحمد، كما اقتضاه كلامه، لا وجه له، وأجيب بأنه سلك ذلك لسلامته من التكرار والترادف الذي هو خلاف الأصل، وترجيحه على أحمد ليس لأبلغيته، بل لأنه أكثر وأقيس، وأما شذوذه فوارد لكه سمع من العرب، وأول من قال العود أحمد خداش بن حابس، "وقال القاضي عياض" في الشفاء "في باب تشريفه تعالى له عليه الصلاة والسلام بما سماه به من أسمائه الحسنى" وقبله أيضا في الباب الذي قبله وهو باب في أسمائه وما تضمنته من فضيلته، "أحمد بمعنى أكبر" بالموحدة، أي أجل، كما عبر به في الباب الأول "من حمد" بفتح فكسر مبني للفاعل، "وأجل" أعظم، وعبر في الباب الأول بأفضل "من حمد" بالبناء للمفعول فيه لف ونشر مرتب، فالأول راجع إلى اسم أحمد والثاني لمحمد، "ثم إن في اسمه"
منها: كونه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى اسم محمد، فإن عدة الجلالة على أربعة أحرف كمحمد.
ومنها: أنه قيل: إن مما أكرم الله به الآدمي أنه كانت صورته على شكل كتب هذا اللفظ، فالميم الأولى رأسه، والحاء جناحاه، والميم سرته والدال رجلاه. قيل: ولا يدخل النار من يستحق دخولها -أعاذنا الله منها- إلا ممسوخ الصورة إكراما لصورة اللفظ.
مستأنف ليس من كلام عياض "محمد" بالجر بدل وفي نسخة محمدا بالنصب بتقدير أعني على جواز قطع البدل، أو جعل الاسم بمعنى التسمية فنصبه به "خصائص" اسم إن مؤخر "منها كونه" جاء على أربعة ليوافق اسم الله تعالى" بالنصب مفعول مقدم وفاعله "اسم محمد" لأن نسبة الموافقة للطارئ على غيره أوفق من نسبتها إلى الأصل. وقدم المفعول هنا؛ لأن ذاته تعالى مقدمة على سائر الأشياء، فلا أول لوجوده فقدمت في اللفظ، "فإن عدة الجلالة على أربعة أحرف كمحمد ومنها أنه قيل إن مما أكرم الله به الآدمي أن كانت صورته" تصويره "على شكل كتب هذا اللفظ" فلا يرد أن كتب مصدر الذي هو فعل الفاعل، أي تحريك يده، فلا يصح جعله صورة الإنسان؛ لأنه بمعنى تصويره، كما علم والإضافة حقيقية، أو كتب بمعنى مكتوب بدليل لفظ شكل، فالإضافة بيانية، أو من إضافة الأعم إلى الأخص، "فالميم الأولى رأسه" أي بمنزلته، كما عبر به الشامي، "والحاء جناحاه" أي يداه وبه عبر الشامي وفي القاموس الجناح اليد والجمع أجنحة، وأجنح، وظاهره أنه حقيقي، "والميم سرته والدال رجلاه".
زاد الشامي وباطن الحاء كالبطن وظاهرها كالظهر ومجمع الإليتين، والمخرج كالميم وطرف الدال كالرجلين وفي ذلك أشد:
له اسم صور الرحمن ربي
…
خلائقه عليه كما تراه
له رجل وفوق الرجل ظهر
…
وتحت الرأس قد خلقت يداه
قال: وفيه تكلف، "قيل: ولا يدخل ممن يستحق دخولها أعاذنا الله منها إلا ممسوخ الصورة إكراما لصورة اللفظ" وفي نسخة من يستحق، والأولى أولى لأنه إنما يدخلها بعض المستحقين، لا كلهم لمغفرة الله سبحانه لأكثر المذنبين، كما أخبر عن أصلها بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولا ينافيه قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} لأنه لو بعد تعذيب، كما في البيضاوي، قال: وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] الآية.
حكاهما ابن مرزوق، والأول، ابن العماد في كتابه كشف الأسرار.
ومنها: أنه تعالى اشتقه من اسمه "المحمود" كما قال حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم
…
من الله من نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
…
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمود وهذا محمد
وأخر البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن زيد قال: كان أبو طالب يقول:
وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمود وهذا محمد
"حكاهما" أي قوله، قيل إنه مما أكرم وقوله قيل، ولا يدخل "ابن مرزوق والأول" أي قوله مما أكرم "ابن العماد في كتابه كشف الأسرار" وفيه أيضا أن الشياطين سخرت لسليمان بذكر اسمه صلى الله عليه وسلم:"ومنها أنه تعالى اشتقه من اسمه المحمود" أي سماه في الأزل ليدل على المناسبة بين الاسمين، ثم ألهمه عند وجوده لجده، "كما، قال حسان بن ثابت" الأنصاري شاعره المؤيد بروح القدس.
يأتي ذكره في شعرائه "أغر عليه للنبوة خاتم" كائن "من الله" أي موجود له وكائن "من نور" صفتان لخاتم، فلم يتحد حرفا جر بمجرور واحد "يلوح" يظهر "ويشهد" يشاهد. "وضم الإله اسم النبي إلى اسمه، إذا قال في الخمس المؤذن أشهد"، وهذا من خواص هذا الاسم أيضا وهو أن الله قرنه مع اسمه "وشق" مبني للفاعل من شق الشيء إذا جعله قطعتين، أي اشتق "له من اسمه" بقطع الهمزة للضرورة اسما "لجله" بعظمه "فذو العرش محمود وهذا محمد" وذكر الشمس التتائي عن بعض أهل العلم أن من كتب هذا البيت بورقة وعلقه من تعسرت ولادتها وضعت في الحال وهذه صفة كتابته. انتهى.
"وأخرج البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن زيد" بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي البصري ضعيف، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان ينسب أبوه إلى جده، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل قبلها "قال كان أبو طالب يقول:
"وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمود وهذا محمد"
فتوارد حسان معه، أو ضمنه شعره، وبه جزم في الخميس، ومن خواصه أيضا له لا يصح
وقد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي ألف عام، كما ورد من حديث أنس بن مالك، عن طريق أبي نعيم في مناجاة موسى.
وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار قال: أنزل الله على آدم عصيا بعدد الأنبياء، والمرسلين. ثم أقبل على ابنه شيث فقال: أي بني، أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى، فكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين،
إسلام كافر إلا به، وتعين الإتيان به في التشهد عند قوم فيهما، وإن سفينة نوح جرت به، وإن آدم تكنى به في الجنة دون سائر بنيه، وأنه يخرج منه بالضرب، والبسط عدد المرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر؛ لأن الميم إذا كسرت فهي م ي م، والحرف المشدد بحرفين، فهي ثلاث ميمات بمائتين وسبعين ودال بخمسة وثلاثين، والحاء بثمانية، بلا تكسير، "وقد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي ألف عام"، أي بمدة لو قدرت بالزمان كان مقدارها ذلك وإلا فقبل الخلق لا ليل ولا نهار، وقد مر بسط ذلك أول الكتاب "كما ورد في حديث أنس بن مالك من طريق أي نعيم" متعلق بورد يعني الذي رواه أبو نعيم الحافظ أحمد بن عبد الله "في مناجاة موسى" عليه السلام، وهو حديث طويل يأتي إن شاء الله تعالى الإلمام به في خصائص الأمة، وروى ابن أبي عاصم في السنة وأبو نعيم عن أنس: إن الله، قال: يا موسى إنه من لقيني، وهو جاهل بمحمد أدخلته النار، فقال موسى: ومن محمد؟ قال: يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم عليَّ منه كتبت اسمه مع اسمي على العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض، والشمس، والقمر بألفي ألف سنة.
"وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار، قال: أنزل الله على آدم عصيا بعدد الأنبياء، والمرسلين" خاص على عام، على أن الرسول، لا يكون إلا من الناس ومن عطف أحد الأمرين اللذين بينهما عموم وخصوص من وجه بناء على أنه قد يكون ملكا لظاهر قوله {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} ، "ثم أقبل على ابنه شيث، فقال: أي" بفتح الهمزة وحرف نداء للقريب "بني أنت خليفتي من بعدي فخذها" أي الخلافة "بعمارة التقوى" أي بعمارتك إياها بالتقوى فيها بأن تقوم بحق الخلافة، "والعروة الوثقى"، العقد المحكم تأنيث الأوثق مأخوذ من الوثاق بالفتح، وهو حبل، أو قيد يشد به الأسير، والدابة مستعارة للتمسك بالحق، "فكلما ذكرت الله تعالى، فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش" أي قوائمه "وأنا بين الروح والطين".
ثم إني طفت السماوات فلم أر في السماوات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب آجام الحنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة فأكثر ذكره فإن الملائكة من قبل تذكره في كل ساعاتها بيت مفرد.
بدا مجده من قبل نشأة آدم
…
فأسماؤه في العرش من قبل تكتب
وروينا في جزء الحسن بن عرفة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما عرج بي إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت
قال بعضهم، أي بين العلم، والجسم، "ثم إني طفت السماوات، فلم أر في السماوات" لم يقل فيها تشوقا "موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربي أسكنني الجنة، فلم أر في الجنة" كذلك لم يقل فيها تشوقا وتلذذا بذكرها؛ لأنه ألفها وشاهد فيها النعيم العظيم.
سعاد التي أضناك حب سعادا، "قصرا ولا غرفة إلا وجدت اسم محمد مكتوبا عليه" أي المذكور، "ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا بأعلى نحور" جمع نحر موضع القلادة من الصدر ويطلق على الصدر، أي على صدور "الحور العين" ضخام العيون كسرت عينه بدل ضمها لمجانسة الياء ومفرده عيناء كحمراء. "وعلى ورق قصب آجام" جمع أجمة الشجر الملتف، أي على أغصان شجر "الحنة"، والقصب كل نبات لساقه أنابيب وكعوب، كما في مختصر العين، "وعلى ورق شجرة طوبى" تأنيث الأطيب شجرة في الجنة، "وعلى أطراف الحجب" الأستار التي في الجنة، أو المحلات التي لا يتجاوزها الرائي إلا ما وراءها إن صح ما يروى من أن ثم سبعين ألف حجاب مسيرة كل حجاب خمسمائة عام؛ لأنها في حق المخلوق، أما الخالق فمنزه عن أن يحجبه شيء، ولم يصح في ذلك غير ما في مسلم حجابه النور، كما بسطه المصنف في مقصد المعراج "وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره، فإن الملائكة من قبل" أي من قبل رؤياي لذلك "تذكره في كل ساعاتها بيت مفرد" لا أذكر قبله ولا بعده شيئا "بدا" ظهر "مجده من قبل نشاة آدم" أي ظهوره "فأسماؤه في العرش من قبل تكتب" خص العرش؛ لأنه أعظم ما كتبت عليه، "وروينا في جزء الحسن بن عرفة" بن يزيد العبدي أبي علي البغدادي الصدوق، المتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين، وقد جاوز المائة "من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لما عرج بي إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت".
-أي علمت- اسمي فيها مكتوبا: محمد رسول الله، وأبو بكر من خلفي".
ووجد على الحجارة القديمة مكتوب: محمد تقي مصلح أمين. ذكره في الشفاء.
وعلى الحجر بالخط العبراني: باسمك اللهم، جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكتبه موسى بن عمران. ذكره ابن ظفر في "البشر" في معمر عن الزهري.
وشواهد -كما ذكره في الشفاء- في بعض بلاد خراسان مولود ولد على أحد جبينيه مكتوب: لا إله إلا الله، وعلى الآخر محمد رسول الله.
وببلاد الهند ورد أحمد مكتوب عليه بالأبيض لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وذكر العلامة ابن مرزوق عن عبد الله بن صوحان.
قال المصنف: تفسيرا له، "-أي علمت- اسمي فيها مكتوبا".
زاد أبو يعلي، والطبراني، لا إله إلا الله قبل قوله "محمد رسول الله وأبو بكر من خلفي" وقد أبعد المصنف النجعة فحديث أبي هريرة هذا رواه أبو يعلى، والطبراني، وأخرجه البزار من حديث ابن عمر بأسانيد ضعيفة، لكن قال السيوطي أنه حديث حسن لكثرة طرقه "ووجد على الحجارة القديمة مكتوب محمد تقي مصلح أمين ذكره في الشفاء وعلى حجر بالخط العبراني" بكسر العين أتبرك "باسمك اللهم"، أي يا الله "جاء الحق من ربك " أي جائني هذا اللفظ "بلسان عربي مبين" بين، "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" فباسمك متعلق بمقدر، لا يقول جاء الحق لإيهامه أن الكاف في ربك راجع لقوله باسمك، "وكتبه موسى بن عمران" عليه الصلاة والسلام "ذكره" محمد "بن ظفر" بفتح المعجمة والفاء "في" كتاب "البشر" بخير البشر "عن معمر" بن راشد "عن الزهري" محمد بن مسلم العلم المشهور، "وشواهد، كما ذكره في الشفاء في بعض بلاد خراسان مولود ولد على أحد جبينيه" تثنية جبين "مكتوب، لا إله إلا الله وعلى الآخر محمد رسول الله، و" شوهد "ببلاد الهند" بنواحي مالكين، وهي قصبة الهند شجرة عظيمة لها "ورد أحمر مكتوب عليه بالأبيض، لا إله إلا الله محمد رسول الله".
ذكره صاحب مسالك الأمصار عن أبي سعيد المغربي إنه أخبره بذلك من دخل الهند، "وذكره العلامة" محمد بن محمد "بن مرزوق" في شرح البردة "عن عبد الله بن صوحان" قال
عصفت بنا ريح، ونحن في لجج بحر الهند، فأرسينا في جزيرة، فرأينا فيها وردا أحمر زكي الرائحة، طيب الشم وفيه مكتوب بالأبيض، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وورد أبيض مكتوبا عليه بالأصفر: براءة من الرحمن الرحيم إلى جنات نعيم، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وفي تاريخ ابن العديم عن علي بن عبد الله الهاشمي الرقي: أنه وجد ببعض قرى الهند وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء، عليها مكتوب بخط أبيض: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، قال فشككت في ذلك وقلت: إنه معمول، فعمدت إلى وردة لم تفتح فكان فيها مثل ذلك، وفي البلد منه شيء كثير وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون الله تعالى.
وقال أبو عبد الله بن مالك: دخلت بلاد الهند، فسرت.
"عصفت" بفتحات، أي اشتدت "بنا ريح ونحن في لجج" جمع لجة معظم ماء "بحر الهند، فأرسينا في جزيرة، فرأينا فيها وردا أحمر، ذكي الرائحة، طيب الشم، وفيه مكتوب بالأبيض، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وورد أبيض مكتوبا عليه بالأصفر براءة من الرحمن الرحيم" توصل "إلى جنات النعيم" فهو صلة محذوف، "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
"و" روى "في تاريخ" الكمال "ابن العديم" لحلب، وهو عمر بن أحمد الصاحب كمال الدين الحلبي، وبها ولد وبرع وصار أوحد عصره فضلا ونيلا ورياسة، وألف في فقه الحنفية، والحديث، والأدب، وتاريخ حلب، ومات بمصر، وكذا رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق كلاهما "عن" أبي الحسين "علي بن عبد الله".
"الهاشمي الرقي"، بفتح الراء وشد القاف نسبة إلى الرقة مدينة على الفرات "أنه وجد" بالبناء للفاعل "ببعض قرى الهند وردة كبيرة" فلفظه في التاريخين دخلت بلاد الهند، فرأيت في بعض قراها شجرة ورد أسود تنفتح عن وردة كبيرة "طيبة الرائحة سوداء عليها مكتوب بخط أبيض، لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق، قال فشككت في ذلك وقلت إنه معمول، فعمدت" قصدت "إلى وردة ولم تفتح، فكان فيها مثل ذلك وفي البلد منه شيء كثير، وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون الله تعالى".
قاله تعجبا منهم حيث جعل الله بعض حجته عليهم في شجرهم {وَلا يَذْكُرُونَ} {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ، "وقال أبو عبد الله بن مالك دخلت بلاد الهند، فسرت" حتى وصلت
إلى مدينة يقال لها: نميلة -أو ثميلة- فرأيت شجرة كبيرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر، فإذا كسرت ثمرته خرج منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا الغيث. حكاه القاضي أبو البقاء بن الضياء في منسكه.
وفي كتاب روض الرياحين، لليافعي عن بعضهم أنه وجد ببلاد الهند شجرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر إذا كسر خرجت منه ورقة خضراء طرية مكتوب فيها بالحمرة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. كتابة جلية وهم يتبركون بها. قال: فحدثت بذلك أبو يعقوب الصياد، فقال: ما استعظم هذا، كنت أصطاد على نهر الأبلة فاصطدت سمكة، على جنبها الأيمن: لا إله إلا الله، وعلى جنبها الأيسر: محمد رسول الله،
"إلى مدينة، يقال لها نميلة" بنون أوله، "أو ثميلة" بمثلثة، كذا بهامش، "فرأيت شجرة كبيرة تحمل ثمرا كاللوز له قشر، فإذا كسرت ثمرته خرج منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأهل الهند يتبركون بها، ويستسقون بها إذا منعوا الغيث" المطر.
"حكاه القاضي أبو البقاء بن الضياء في منسكه، و" نحوه مع زيادة "في كتاب روض الرياحين" مؤلف حسن، قال فيه: بلغنا أن المؤمنين، لا يعذبون في قبورهم ليلة الجمعة ويومها رحمة من الله وشرفا للوقت.
"لليافعي" بكسر الفاء ومهملة، نسبة إلى يافع بطن من حمير الإمام القدوة عبد الله بن أسعد عفيف الدين اليمني، ثم المكي ولد بعدن قبيل السبعمائة، ونشأ بها تاركا للعب الأطفال، ثم اشتغل بالعلم حتى برع، ثم حج وحببت له الخلوة والسياحة، مات بمكة سنة ثمان وستين وسبعمائة.
"عن بعضهم أنه وجد ببلاد الهند شجرة تحمل ثمرا كاللوز له قشر إذا كسر يخرج منه ورقة خضراء طرية مكتوبة فيها بالحمرة، لا إله إلا الله، محمد رسول الله كتابة جلية وهم يتبركون بها" ويستسقون.
"قال فحدثت بذلك أبا يعقوب الصياد، فقال: ما استعظم هذا،" لا أعده عظيما؛ لأني شاهدت أعظم منه، وهو أني "كنت أصطاد على نهر الأبلة" بضم الهمزة، والموحدة، وشد اللم، بلد قرب البصرة، "فاصطدت سمكة" فرأيت مكتوبا "على جنبها الأيمن، لا إله إلا الله، وعلى جنبها الأيسر محمد رسول الله" ووجه كون هذا أعظم أن الورق يكتب عليه عادة بخلاف
فلما رأيتها قذفتها في الماء احتراما لها.
وعن بعضهم -مما ذكره ابن مرزوق في شرح بردة الأبوصيري- أنه أتى بسمكة فرأى في إحدى شحمتي أذنيها لا إله إلا الله وفي الأخرى: محمد رسول الله.
وعن جماعة: أنهم وجدوا بطيخة صفراء فيها خطوط شتى بالأبيض خلقة، ومن جملة الخطوط بالعربي في أحد جنبيها: الله، وفي الآخر: عز أحمد، بخط بين لا يشك فيه عالم بالخط.
وأنه وجد في سنة تسع أو قال: سنة سبع -بالموحدة- وثمانمائة حبة عنب مكتوب فيها بخط بارع بلون أسود: محمد.
وفي كتاب "النطق المفهوم" لابن طغربك السياف، عن بعضهم أنه رأى في جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة، مكتوب فيه بالحمرة والبياض في الخضرة كتابة بينة واضحة خلقة ابتدعها الله بقدرته،
السمك الذي في الماء، "فلما رأيتها قذفتها في الماء احتراما بها".
وفي تاريخ الخطيب عن عبد الرحمن بن هارون المغربي، قال: ركبت بحر المغرب، فوصلنا إلى موضع، يقال له البرطون ومعنا غلام، فصاد بصنارة سمكة قدر شبر، فإذا مكتوب على أذنها الواحد، لا إله إلا الله، وفي قفاها وخلف أذنها الأخرى محمد رسول الله، وكان أبين من نقش على حجر، والسمكة بيضاء، والكتابة سوداء كأنها كتبت بحبر فقذفناها في البحر، "وعن بعضهم مما ذكره ابن مرزوق في شرح بردة الأبوصيري، تقدم أن صوابه البوصيري؛ لأنه منسوب إلى بوصير "أنه أتي بسمكة فرأى في إحدى شحمتي أذنيها، لا إله إلا الله، وفي الأخرى محمد رسول الله، وعن جماعة أنهم وجدوا بطيخة صفراء فيها خطوط شتى بالأبيض خلقة، ومن جملة الخطوط بالعربي في أحد جنبيها الله، وفي الآخر عز" غلب "أحمد بخط بين، لا يشك فيه عالم بالخط، وأنه وجد في سنة تسع" بفوقية فسين، "أو، قال سبع بالموحدة" بعد السنين، "وثمانمائة حبة عنب مكتوب فيها بخط بارع" زائد في الحسن "بلون أسود محمد".
"وفي كتاب "النطق المفهوم" لابن طغربك السياف عن بعضهم أنه رأى في جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كثير طيب الرائحة مكتوب فيه بالحمرة والبياض في الخضرة" خضرة الورق، "كتابة بينة واضحة خلقة ابتدعها الله تعالى بقدرته" دفع لتوهم أن أحدا نقشها بنحو
في الورقة ثلاثة أسطر، الأول: لا إله إلا الله، والثاني: محمد رسول الله، والثالث: إن الدين عند الله الإسلام.
قال ابن قتيبة: ومن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أنه لم يسم أحد قبله باسمه "محمد" صيانة من الله تعالى لهذا الاسم، كما فعل بيحيى عليه السلام إذ لم يجعل له من قبل سميا وذلك أنه تعالى سماه به في الكتب المتقدمة، وبشر به الأنبياء فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهة، إلا أنه لما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته:
ما كل من زار الحمى سمع الندا
…
من أهله أهلا بذاك الزائر
عود "في الورقة ثلاث أسطر الأول، لا إله إلا اله، والثاني محمد رسول الله، والثالث إن الدين عند الله الإسلام".
"قال" عبد الله بن مسلم "بن قتيبة" الدينوروي، البغدادي صاحب التصانيف، "ومن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أنه لم يسم أحد قبله باسمه محمد صيانة من الله تعالى لهذا الاسم، كما فعل بيحيى عليه السلام إذ لم يجعل له من قبل سميا" مسمى باسمه وعد من أعلام النبوة؛ لأنه بعد الإعلام باسمه مع أنها أعلام منقولة، فلا يرد أن كثيرا من الأعلام للأنبياء وغيرهم لم يسبق تسمية غيرهم بها كآدم وشيث ونوح، "و" سر "ذلك أنه تعالى سماه به في الكتب المتقدمة، وبشر به الأنبياء" أممهم، "فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهة".
وهكذا جزم عياض بأن أحمد لم يتسم به غيره قبله انتهى، وهو قول الأكثر والصواب، والقول بأن الخضر اسمه أحمد مردود واه، كما قال ابن دحية وأحمد بن غجيان بضم المعجمة وسكون الجيم، لا أصل له، وقيل سمي قبل الإسلام بزمان طويل أحمد بن ثمامة الطائي، وأحمد بن دومان، وأحمد بن زيد، ومن القبائل بنو أحمد في همدان وطيء وكليل، ولكن لم يكن قريبا من عهده من سمي به صيانة له، "إلا أنه، لما قرب زمنه، وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك" بمحمد "رجاء أن يكون هو" المسمى به، "هو" أي النبي المبشر به، فهو الأولى اسم يكون، والثانية خبرها، "والله أعلم حيث يجعل رسالته" اقتباس لبيان أنه لم يفدهم ذلك؛ إذ ليس كل محمد رسول، ولا كل فاطمة بتول وأنشد لغيره:
"ما كل من زار الحمى سمع الندا
…
من أهله أهلا بذاك الزائر
"أي، ما كل من زار مكانا محميا تلقاه أهله بالقبول، وقالوا له أهلا، فأهلا مفعول سمع
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وذكر عددهم القاضي عياض: ستة، ثم قال: لا سابع لهم.
وذكر أبو عبد الله بن خاوية في كتاب "ليس" والسهيلي في "الروض" أنه لم يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة.
قال الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله: وهو حصر مردود، والعجب أن السهيلي متأخر الطبقة عن عياض، ولعله لم يقف على كلامه.
قال: ولقد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين، لكن مع تكرر في بعضهم، ووهم في بعض، فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا:
وأشهرهم: محمد بن.
ومن أهله متعلق بالندا، قال عياض: ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعي النبوة، أو يدعيها أحد له، أو يظهر عليه سبب يشك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له صلى الله عليه وسلم "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" اقتباس ثان مؤكد للأول، فإنها موهبة من فضله تعالى ليس إلا، "وذكر عددهم القاضي عياض" في الشفاء "ستة" محمد بن أحيحة، وابن مسلمة الأنصاري، وابن البراء، وابن مجاشع، وابن حمران، وابن خزاعي، "ثم قال لا سابع لهم" بناء على ما وقف عليه. "وذكر أبو عبد الله" الحسين بن أحمد "بن خاويه" الإمام المشهور أحد أفراد الدهر صاحب التصانيف المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة في كتاب "ليس" وهو ثلاث مجلدات موضوعة ليس في كذا إلا كذا وتعقب عليه الحافظ مغلطاي بعضه في مجلد سماه الميس على كتاب ليس، كما في المزهر "و" بعده "السهيلي في "الروض" أنه لم يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة" ابن مجاشع، وابن أحيحة وابن حمران.
"قال الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله" في فتح الباري، "وهو حصر مردود" من عياض في ستة، ومن السهيلي ومتبوعه في ثلاثة، "والعجب أن السهيلي متأخر الطبقة عن عياض" لوفاته سنة أربع وأربعين وخمسمائة، والسهيلي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، "ولعله لم يقف على كلامه" لفظ الفتح، وعجب من السهيلي كيف لم يقف على ما ذكره عياض مع كونه قبله، "قال: ولقد جمعت أسماء من تسمى بذلك في جزء مفرد، فبلغوا نحو العشرين، لكن مع تكرر في بعضهم ووهم في بعض، فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا وأشهرهم محمد بن
عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي السعدي.
ومنهم: محمد بن أحيحة -بضم الهمزة وفتح المهملة- ابن الجلاح -بضم الجيم وتخفيف اللام آخره مهملة- الأوسي.
ومحمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر.
ومحمد بن البراء -ويقال: البر-
عدي" بالدال "ابن ربيعة بن سواءة" بمهملة كحذافة "ابن جشم" بضم الجيم، وفتح المعجمة "ابن سعد بن زيد مناة" وفي نسخة عبد مناة وهي تصحيف فالذي في الفتح زيد مناة "بن تميم" التميمي "السعدي" نسبة إلى جده سعد المذكور.
قال الحافظ: روى حديثه البغوي، وابن سعد، وابن شاهين، وابن السكن، وغيرهم عن خليفة بن عبدة النصري، قال: سألت محمد بن عدي كيف سماك أبوك في الجاهلية محمدا، قال: سألت أبي عما سألتني، فقال: خرجت رابع أربعة من تميم أنا أحدهم وسفيان بن مجاشع ويزيد بن عمرو وأسامة بن مالك نريد الشام فنزلنا على غدير عند دير، فأشرف علينا الديراني، فقال لنا إنه يبعث منكم وشيكا نبي، فسارعوا إليه فقلنا ما اسمه، قال محمد، فلما انصرفنا ولد لكل منا ولد فسماه محمدا لذلك، "ومنهم محمد بن أحيحة بضم الهمزة وفتح المهملة" أي جنسها فشمل الحاءين، بينهما تحتية ساكنة "ابن الجلاح بضم الجيم وتخفيف اللام آخره" حاء "مهملة الأوسي" ذكره عبدان المروزي في الصحابة، وقال: بلغني أنه أول من سمي محمدا في الجاهلية، ووهمه في الإصابة وعده فيمن ذكر في الصحابة غلطا، وقال في الفتح وكأنه أي عبدان تلقى ذلك في قصة تبع، لما حاصر المدينة، وخرج إليه أحيحة المذكور هو، والحبر الذي كان عندهم، فأخبره أن هذا بلد نبي يبعث يسمى محمدا، فسمى ابنه محمدا.
قال: وذكر البلاذري محمد بن عقبة بن أحيحة، فلا أدري أهما واحد ينسب مرة إلى جده أم هما اثنان، زاد في الإصابة، ثم رأيت في رجال الموطأ لأبي عبد الله محمد بن يحيى الحذاء لأحيحة ابن يسمى عقبة، ولعقبة ابن يسمى محمدا، ولمحمد بنت هي أم فضالة بن عبيد الصحابي المهور، وابن يسمى المنذر، استشهد يوم بئر معونة فالظاهر أن محمد بن عقبة مات قبل الإسلام، انتهى.
"ومحمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر" بن تميم العنبري، التميمي، قال في الإصابة: لا صحبة له لأنه مات قبل البعثة بدهر، وغلط أبو نعيم فعده صحابيا، "ومحمد بن البراء" بفتح الموحدة، والراء تليها مدة، قال في المقتفى، كذا رأيته مصححا، "ويقال البر" بشدة
ابن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة البكري العتواري.
ومحمد بن الحارث بن حديج بن حويص.
ومحمد بن حرمان بن مالك اليعمري.
ومحمد بن حران بن أبي حمران، ربيعة بن أبي ربيعة مالك الجعفي المعروف بالشويعر.
ومحمد بن خزاعي
الراء ليس بعدها ألف، كما ضبطه البلاذري "ابن طريف" بمهملتين بوزن رغيف "ابن عتوارة" بضم المهملة وكسرها ففوقية ساكنة، فواو مفتوحة، فألف، فراء، فهاء. "ابن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة البكري"، نسبة إلى جده بكر المذكور.
"العتواري" نسبة إلى جده المذكور أيضا، وغفل ابن دحية، فعد فيهم محمد بن عتوارة، وهو نسب لجده الأعلى، كما في الفتح وعده في الإصابة فيمن ذكر في الصحابة غلطا، وإن أبا موسى المديني ذكره في الذيل، أي فغلط، "ومحمد بن الحارث بن حديج" بمهملتين، فتحتية فجيم مصغر.
"ابن حويص" ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين، وقال إنه أحد من سمي محمدا في الجاهلية وله قصة مع عمر ذكر في الإصابة في القسم الثالث فيمن أدرك النبي ولم يره، فلا صحبة له "ومحمد بن حرماز" بكسر المهملة وسكون الراء وآخره زاي، كما رأيته بخط مغلطاي في الزهر، والحافظ ابن حجر والعيني في شرحيهما على البخاري خلافا لما في نسخ سقيمة من الإشارة، وتبعها الحلبي في حاشية الشفاء من أنه ابن خرمان، ذكره الشامي، قال: واسم الحرماز الحارث "بن مالك" بن عمرو بن تميم اليعمري" ذكره أبو موسى في الذيل، وأنه أحد من سمي محمدا في الجاهلية ورده في الإصابة بأنه لا يلزم من ذلك إدراكه الإسلام.
قال: وقد استدركه ابن دحية على شيخه السهيلي لكن، قال بدل التميمي اليعمري "ومحمد بن حمران بن أبي حمران" واسمه "ربيعة بن أبي ربيعة" واسمه "مالك الجعفي المعروف بالشويعر" مصغر شاعر، ذكره المرزباني، فقال هو أحد من سمي محمدا في الجاهلية وله قصة مع امرئ القيس، "و" أنه لقبه الشويعر ببيت قال وعده في الإصابة فيمن ذكر في الصحابة غلطا "محمد بن خزاعي" بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين، فألف فمهملة فتحتية اسم بلفظ النسب.
بن علقمة بن حرابة السلمي، من بني ذكوان.
ومحمد بن خولى الهمداني.
ومحمد بن سفيان بن مجاشع.
ومحمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة.
ومحمد بن الأسيدي.
ومحمد الفقيمي.
"ابن علقمة بن حرابة السلمي من بني ذكوان" بطن من سليم ذكره ابن سعد عن علي بن محمد عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، قال: سمي محمد بن خزاعة طمعا في النبوة، وذكر الطبري أن أبرهة الحبشي توجه وأمره أن يغزو بني كنانة، فقتلوه فكان ذلك من أسباب قصة الفيل، وذكر ابن سعد لأخيه قيس بن خزاعي أبياتا فيه يقول فيها:
فذلكم ذو التاج منا محمد
…
ورايته في حومة الموت تخفق
وغلط من عده في الصحابة، كما في الإصابة، "ومحمد بن خولى" بالخاء المعجمة وسكون الواو.
"الهمداني" ذكره ابن دريد وليس بصحابي، كما في الإصابة.
"ومحمد بن سفيان بن مجاشع" التميمي، قال عياض: يقال إنه أول من سمي محمدا، قال في الإصابة: ليس بصحابي لموته قبل البعثة بدهر؛ لأن من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذريته بينه وبين عدة آباء منهم الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان، كما بينه ابن الأثير. "ومحمد بن اليحمد" بضم التحتية وسكون المهملة وكسر الميم، كما ضبطه أبو علي الغساني وابن ماكولا، وزاد أن أصحاب الحديث يضمون الميم، وحكى القاموس أنه منقول من المضارع قال بعضهم: وأل مقارنة لنقله لأدلة بعد العلمية فإنه شاذ قبلها، كقوله بالحكم الترضي حكومته "الأزدي" نسبة إلى الأزد من اليمن، قال عياض ونساب اليمن تقول إنه أول من سمي بذلك، وغلط من عده صحابيا، كما في الإصابة، "ومحمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة" التميمي عده في الإصابة فيمن ذكره غلطا في الصحابة، "ومحمد بن الأسيدي" بضم الهمزة، وفتح السين المهملة، وكسر التحتية الثقيلة، "ومحمد الفقيمي" بضم الفاء، وفتح القاف، وسكون التحتية، ذكرهما ابن سعد ولم ينسبهما بأكثر من ذلك، وعدهما في الإصابة فيمن ذكر في الصحابة غلطا، وسقط من قلم المصنف الخامس عشر، وهو في الفتح، ولفظه ومحمد بن عمرو بن
ولم يدركوا الإسلام إلا الأول ففي سياق خبره ما يشعر بذلك، وإلا الرابع فهو صحابي جزما.
وفيمن ذكره عياض: محمد بن مسلمة الأنصاري، وليس ذكره بجيد، فإنه ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأزيد من عشرين سنة، لكنه ذكر تلو كلامه المتقدم، محمد بن اليحمد، الماضي فصار من عند ستة لا سابع لهم، انتهى.
وأما اسمه عليه الصلاة "محمود" فاعلم أنه
مغفل، بضم أوله، وسكون المعجمة، وكسر الفاء، ثم لام والد هبيب بموحدتين مصغر، وهو على شرط المذكورين، فإن لولده صحبة ومات في الجاهلية انتهى، "ولم يدركوا الإسلام إلا الأول" وهو محمد بن عدي، "ففي سياق خبره" الذي قدمته فيه من سؤاله أباه لم سماه محمدا "ما يشعر بذلك" بإدراكه الإسلام، وقد ذكره ابن سعد والبغوي والباوردي وغيرهم في الصحابة، وأنكره ابن الأثير على ابن منده وتبعه الذهبي، فقال: لا وجه لذكره فيهم، قال في الإصابة: ولا إنكار عليه؛ لأن سياقه يقتضي أن له صحبة، "وإلا الرابع" هو، كما ترى محمد بن البراء، وقد عده في الإصابة فيمن ذكره غلطا في الصحابة، وأنا أبا موسى المديني ذكره في الذيل، أي فغلط، قال: وذكره محمد بن حبيب فيمن سمي محمدا قبل الإسلام انتهى، فلا يصح قوله، "فهو صحابي جزما" ولم أر هذا في الفتح الذي المصنف ناقل عنه، "وفيمن ذكره عياض" من الستة "محمد بن مسلمة الأنصاري" الأوسي، الصحابي الشهير، "وليس ذكره بجيد فإنه ولد بعد" ميلاد "النبي صلى الله عليه وسلم بأزيد من عشرين سنة" والكلامة فيمن تسمى قبل ولادته، فلا يصح ذكره، وهكذا تعقبه مغلطاي، لكنه قال بأزيد من خمس عشرة سنة، وهو أنسب بقول الإصابة. ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي، وهو ممن سمي محمدا في الجاهلية انتهى، فتكون ولادته بعد المولد النبوي بثمان عشرة سنة، فهي أزيد من خمسة عشر، لا عشرون، وأجيب بأن مراد عياض من ولد في الجاهلية وسمي محمدا انتهى. وابن مسلمة منهم، وهو جواب لين يأباه قول عياض إلى أن أشاع قبل ميلاده صلى الله عليه وسلم أن نبيا سيبعث فعلى هذا فالذي خلص للقاضي خمسة فقط "لكنه ذكر تلو كلامه المتقدم" أي قوله: لا سابع لهم، ويقال أول من سمي به محمد بن سفيان واليمن تقول: بل "محمد بن اليحمد" الأزدي "الماضي" في كلام المصنف لا القاضي، "فصار من عنده ستة، لا سابع لهم" كما قال: وقد انتقد عياض أيضا بأن هذا زائد على الستة، فهو سابع فكيف يقول: لا سابع لهم "انتهى" كلام الحافظ ابن حجر باختصار، "وأما اسمه عليه الصلاة والسلام "محمود" بالرفع بدل من اسمه، "فاعلم أنه" أي الشأن والحال. وفي
من أسماء الله تعالى الحميد، ومعناه: المحمود؛ لأنه تعالى حمد نفسه، وحمده عباده، وقد سمي الرسول صلى الله عليه وسلم بمحمود، وكذا وقع اسمه في زبور داود.
وأما "الماحي" ففسر في الحديث بمحود الكفر، ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بعث والأرض كلهم كفارا، ما من عباد أوثان ويهود.
نسخة، بلا ضمير، وليس ثم رابط يربط الخبر بالمبتدأ، فينبغي تقديره "من أسماء الله تعالى الحميد ومعناه المحمود"، فهو فعيل بمعنى مفعول لاستحقاقه الحمد، "لأنه تعالى حمد نفسه وحمد عباده" ببناء الفعل للفاعل فيهما وذكر الأول توطئة للثاني، وبيانا؛ لأنه المحمود الحقيقي وحمد غيره له إنما هو بأقداره عليه وخلقه، في الحالين حمد نفسه، "وقد سمي الرسول صلى الله عليه وسلم بمحمود" لأن كلا منهما اسم مفعول دال على مبالغة في كونه محمودا، "و" كما أفاد هذا الاستنباط تسميته بمحمود "كذا وقع اسمع" أي تسميته بمحمود "في زبور داود" عليه السلام، وهذا يقتضي أنه ليس من أسماء الله، وجزم المصنف فيما سبق بأنه من أسمائه منشدا قول حسان:
فذو العرش محمود وهذا محمد
ولا يرد هذا على عياض متبوع المصنف هنا؛ لأنه أورد هذا الكلام دليلا على ما سماه الله به من أسمائه الحسنى، ومحمود، ليس منها فاحتاج إلى أخذه من الحميد قائلا وإلى نحو هذا أشار حسان، فذكر البيت على أن بيته ليس بقاطع، لاحتمال أن معناه مسمى بمحمود أو موصوف بالحمد، وأما "الماحي" ففسر في الحديث" المتقدم أوائل المقصد "بمحو الكفر"، ولفظه، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وعجيب نقله عن غير المصنف، وما بالعهد من قدم.
ومر أن في رواية أخرى، فإن الله محا به سيئات من اتبعه، وأنه لا تعارض لأن محمود أحدهما لا يمنع محو الآخر، وسلف أيضا دفع استشكاله بأنه ما محي من كل البلاد بأجوبة، "ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي"، أي محوا كمحواه به "صلى الله عليه وسلم، فإنه" أنقد الناس من الضلال إلى الهدي؛ لأنه "بعث والأرض" أي أهلها "كلهم كفار" لا يرد الخضر وإلياس على حياتهما لأنهما لما لم يخالطا أهل الأرض لم يعدا من أهلها، ولا المتمسكون بما لم يبدل من الشرائع لقلتهم جدا، فكأنه لا وجود لهم ولنسخ جميع الشرائع بالمحمدية، ولا يراد أن نوحا عليه السلام محا الكفر بدعوته التي أغرقت الكفار؛ لأنه بإهلاكهم وهدى بهداهم، وقد كانوا "ما بين عباد أوثان" وخرجت بين هنا عن معناها، وهو الوسط إلى الانتهاء مجازا علاقته المشابهة؛ إذ المتوسط بين شيئين ينتهي إلى كل منهما، والمعنى وهم منقسمون إلى هذه الأقسام، "ويهود
ونصارى ضالين وصابئة ودهرية لا يعرفون ربا ولا معادا، وبين عباد الكواكب وعباد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها، فمحاها برسوله، حتى أظهر دينه على كل دين، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، ولما كانت البحار هي الماحية للأدران كان اسمه عليه الصلاة والسلام فيها الماحي.
وأما "الحاشر" ففسر أيضا في الحديث بأنه الذي يحشر الناس على قدمي، أي يقدمهم وهم خلفه،
ونصارى صالين" صفة لنصارى فقط؛ لأن شريعتهم كانت باقية قبل بعثته، لكنهم لما حرفوا وبدلوا صاروا ضالين، فكأنهم ليسوا على شريعة، لا صفة لمن قبلها؛ لأن عباد الأوثان، لا يتوهم فيهم سوى الضلال حتى ينص عليه، وكذا اليهود لنسخ شريعتهم بعيسى، "وصابئة" قال في الكشاف قوم خرجوا من اليهودية والنصرانية، وعبدوا الملائكة، وقال غيره، طائفة تميل إلى النصارى واعتقدوا تأثير الأفلاك وقدم العالم والهيئة الشمس، وغير ذلك وأنكروا الرسالة في البشر عن الله ولم ينكروها في الكواكب.
"ودهرية" بفتح الدال ملحدين، "لا يعرفون ربا، ولا معادا" على الوجه الواجب على الموحد معرفته به الذي منه امتناع الشركة، فلا يزد أن أهل الكتابين والوثنيين يعترفون بالرب، ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله.
"وبين عباد الكواكب وعباد النار"، كالمانوية والمجوس "وفلاسفة، لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يقرون بها، فمحاها" الله "برسوله حتى أظهر دينه على كل دين" كما قال ليظهره على الدين كله بعلوه وغلبته على الأديان، بنسخها وبيان ما غير وبدل منها، وعلو أهله على من عداهم بتسليطهم عليهم وقهرهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، كما هو مشاهد، "وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار" يعني عم جميع الدنيا، كما عماها وذلك مع مزيد الظهور البين، كما أشار له بقوله:"وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار" فهو مع ما فيه من عذوبة اللفظ بيان لأن البلوغ لم يكن مع خفاء، بل مع شدة الظهور الغالب الذي لا يمكن إمكانه، ولا دفعه، "ولما كانت البحار هي الماحية للأدران" الأوساخ "كان اسمه عليه الصلاة والسلام فيها الماحي" ويأتي أن اسمه فيها عبد المهيمن، فاستفيد منهما أن له فيها اسمين، "وأما "الحاشر" ففسر أيضا في الحديث" المتقدم "بأنه الذي يحشر الناس على قدمي" بالإفراد والتثنية روايتان، كما مر "أي يقدمهم وهو خلفه" كما قاله الخطابي وابن دحية، ثم تجيء كل نفس فتتبعه، ويرجحه
وقيل على سابقته، وقيل: قدامه وحوله، أي يجتمعون إليه في القيامة، وقد كان حشرة لأهل الكتاب، إخراجه لهم من حصونهم وبلادهم من دار هجرته إلى حيث أذاقهم الله من شدة الحشر ما شاء في دار الدنيا إلى ما اتصل لهم بذلك في برزخهم.
وهو أول من تنشق عنه الأرض فيحشر الناس على أثره، وإليه يلجئون في محشرهم، وقيل: على سببه.
وأما "العاقب" فهو الذي جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبي؛ لأن العاقب هو الآخر، أي: عقب الأنبياء، وقيل: وهو اسمه في النار، فإذا جاء -لحرمة شفاعته-
رواية يحشر الناس على عقبي، وحديث "أنا أول من تنشق عنه الأرض"، "وقيل على سابقته" بأن يتقدمهم، أي أنه يحشر قبل الناس، ويرجحه رواية نافع بن جبير، "وأنا حاشر بعثت مع الساعة"، قال في القاموس: يقال له سابقة في هذا الأمر أي سبق للناس فيه، "وقيل قدامه وحوله، أي يجتمعون إليه في القيامة" قاله ابن عبد البر ناقلا قول الخليل حشرتهم السنة إذا ضمتهم من البوادي، "وقد كان حشره" في الدنيا "لأهل الكتاب إخراجه لهم من حصونهم وبلادهم من دار هجرته إلى حيث أذاقهم الله من شدة الحشر ما شاء في دار الدنيا". واستمر ذلك قائما لهم "إلى ما اتصل لهم بذلك في برزخهم" قيل فلذا سمي الحاشر.
قال بعضهم، وهو ضعيف دراية ورواية، "وهو أول من تنشق عنه الأرض، فيحشر الناس على أثره وإليه يلجئون في محشرهم" هذا يشبه أنه أورده تقوية للأقوال الثلاثة التي قدمها، وهي متقاربة في الحقيقة، "وقيل على سببه" أي كونه السبب فيه لتقدمه عليهم، فنسب له لكونه السبب فيه، ثم يقفون في المحشر حتى يشفع لهم، فهو حاشرهم في ذا الحشر الثاني إلى مقرهم من جنة أو نار، ومر لهذا مزيد في شرح الحديث، وذكر السيوطي وغيره أن الله وصف نفسه بالحشر في قوله {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} وقوله {وَحَشَرْنَاهُمْ} ، قال فيكون هذا الاسم مما سماه الله به من أسمائه، "وأما العاقب" في حديث جبير المتقدم في المتن عن الصحيحين، فلا تبعد النجعة، "فهو الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي؛ لأن العاقب" لغة "هو الآخر أي عقب الأنبياء" وقد أسلفت أن في بعض روايات الصحيح، "وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي"، وأنه مدرج من تفسير الزهري، كما بينه الطبراني في روايته، وأيا ما كان فلتفسيره مزية؛ لأنه أدرى بما روى مع مزيد إتقانه، وقيل العاقب عند العرب من يخلف سيد القوم، فمعناه خليفة الله؛ لأنه أحق بخلافته من جميع الخلق، "وقيل، وهو اسمه في النار" بين أهلها، "فإذا جاء" إلى النار "لحرمة شفاعته"
خمدت النار وسكنت، كما روي أن قوما من حملة القرآن يدخلونها فينسيهم الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم حتى يذكرهم جبريل عليه السلام، فيذكرونه فتخمد النار وتنزوي عنهم.
وأما "المقفي" فكذلك، أي: قفي آثار من سبقه من الرسل، وهي لفظة مشتقة من "القفو" يقال: قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفي: أي قفى من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم.
وأما "الأول" فلأنه أول الأنبياء خلقا -كما مر- وكما أنه أول في البدء فهو أول في العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، كما
تعليل قدم على معلوله، وهو "خمدت النار" بفتح الميم "وسكنت" وكأن وجه المناسبة أنه لما سكنت عقب مجيئه انتهى عذاب من شفع فيه وكأنه آخر عذابهم فسمي عاقبا، والإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، لكن قال بعضهم هذا غريب ضعيف، "كما روي أن قوما من حملة القرآن يدخلونها، فينسيهم الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم"، لما أراده من تعذيبهم "حتى يذكرهم جبريل عليه السلام" إكراما لهم، لحملهم القرآن بالمبادرة إلى تخفيف عذابهم، "فيذكرونه" صلى الله عليه وسلم بأي اسم كان، لا بخصوص العاقب وإن سمي به فيها على ما فيه فقط خلاف الظاهر؛ لأنه يصير معنى جاء ذكر، "فيذكرونه فتخمد النار" بضم الميم، "وتنزوي عنهم" تنجمع وتبعد، "وأما المقفى" بكسر الفاء المشددة "فكذلك" أي تسميته بالعاقب، أي هو بمعناه، كما قاله شمر، "أي قفي آثار من سبقه من الرسل" بشد الفاء أيضا، ثم قفينا على آثارهم "وهي لفظة مشتقة من القفو" بفتح القاف، وسكون الفاء، لا بضمهما وشد الواو وإن كان مصدرين؛ لأن الاشتقاق إنما هو من المجرد، لا المزيد، "يقال قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس" لمؤخره، "وقافية البيت" لآخره، والقافية من كل شيء آخره، "فالمقفي، أي قفي من قبله من الرسل" أعاده وإن علم من أول كلامه توطئة لقوله "فكان خاتمهم وآخرهم".
وقال ابن الأعرابي، أي المتبع للأنبياء؛ لأن معنى قفي تبع انتهى. وفيه من الفضل له صلى الله عليه وسلم أنه وقف على أحوالهم وشرائعهم، فاختار الله له من كل شيء أحسنه، وكان في قصصهم له ولامته عبر وفوائد، "وأما الأول، فلأنه أول الأنبياء خلقا، كما مر" أول الكتاب، "وكما أنه أول في البدء، فهو أول في العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض" في الخروج من القبور للحشر، "وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، أي مأذون له في الشفاعة المقبولة، "كما
كان في أول البدء في عالم الذر أول مجيب، إذ هو أول من قال: بلى، إذ أخذ ربه الميثاق على الذرية الآدمية، فأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم. فهو صلى الله عليه وسلم الأول في ذلك كله على الإطلاق.
وأما "الآخر" فلأنه آخر الأنبياء في البعث كما في الحديث.
وأما "الظاهر" فلأنه ظهر على جميع الظاهرات ظهوره، وظهر على الأديان دينه، فهو الظاهر في وجود الظهور كلها.
أما "الباطن" فهو المطلع على بواطن الأمور بواسطة ما يوحيه الله تعالى إليه.
كان في أول البدء في عالم الذر أول مجيب إذ هو أول من، قال: بلى" أنت ربنا "إذ أخذ ربه الميثاق على الذرية الآدمية" كما هو نص الآية، لا الملائكة وغيرهم من الحيوانات؛ لأنهم ليسوا محلا للمخالفة، ولا الجن، "فاشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، فهو صلى الله عليه وسلم الأول" السابق "في ذلك كله على الإطلاق" لم يتقدمه أحد في شيء منه، "وأما "الآخر" فلأنه آخر الأنبياء في البعث، كما في الحديث، عند ابن أبي حاتم وغيره عن أبي هريرة كتب أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا. وروى ابن سعد من مرسل قتادة كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث، وهذان الاسمان مما سماه الله به من أسمائه الحسنى، وإن كان معنى الأول في حقه تعالى السابق للأشياء قبل وجودها بلا بداية، والآخر للأشياء بعد فنائها، بلا نهاية.
قال عياض وتحقيقه أنه ليس له أول، ولا آخر، وقد غفل وجمد من اعتراض على عياض بأنه لا مناسبة بينهما، فإنهما في حقه تعالى غيرهما في حقه صلى الله عليه وسلم، فكفاه شرفا تسميته بأسماء ربه ومشاركته في اللفظ وإن اختلف المعنى، ومثل هذا لا يخفى حتى يعترض له، "وأما "الظاهر" فلأنه ظهر" غلب "على جميع الظاهرات ظهوره" فاعل ظهر "وظهر على الأديان دينه فهو الظاهر في وجوه الظهور كلها"، والظهور العلو والغلبة وقيل معناه الجلي الواضح الذي لا يخفى على عاقل ظهوره، "وأما الباطن، فهو المطلع على بواطن الأمور بواسطة ما يوحيه الله تعالى إليه" وقال الشامي كأن معناه في حقه صلى الله عليه وسلم الذي لا تدرك غاية مقامه وعظم شأنه الذي خصه الله به لقصور العقول عن ذلك وهما أيضا مما سماه الله به من أسمائه ومعنى الظاهر في حقه المجلي الوجود بالآيات والقدرة والباطن المنزة عن الابصار، فلا تراه، أو المطلع على بواطن الأمور، فلا يعتريه فيها اشتباه أو الباطن بذاته الظاهر بآياته، وقيل الذي لا تدرك كنهه العقول، ولا تدركه الحواس.
وأما "الفاتح الخاتم" ففي حديث الإسراء عن أبي هريرة من طريق الربيع بن أنس قول الله تعالى له: "وجعلتك فاتحا وخاتما، وفي حديث أبي هريرة أيضا في الإسراء: قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلني فاتحا وخاتما"، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا، وفتح أمصار الكفر، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح والدنيا
"وأما "الفاتح الخاتم" بفتح التاء، وكسرها ذكرهما ابن دحية عن ضبط ثعلب وابن عساكر، فأما بفتحها فمعناه أحسن الأنبياء خَلقا وخُلقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جمال الأنبياء كالخاتم الذي يتجمل به، وأما بالكسر، فهو اسم فاعل من ختمت الشيء أتممته وبلغت آخره، فمعناه آخر الأنبياء، وهو الذي شرح عليه المصنف واستدل بقوله. "ففي حديث الإسراء عن أبي هريرة" مرفوعا "من طريق الربيع بن أنس" البكري البصري نزيل خراسان صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة، أو قبلها روى له أصحاب السنن الأربعة "قول الله تعالى له" فيما خاطبه به ليلة المعراج "وجعلتك فاتحا وخاتما" أي أول الأنبياء وآخرهم، "وفي حديث أبي هريرة أيضا في الإسراء قوله صلى الله عليه وسلم" حيث أثنى على ربه "وجعلني فاتحا وخاتما"، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا" بضم الميم، وسكون الراء، وفتح الفوقية، وجيم خفيفة، ولا تشدد عند الجوهري وغيره، وحكى بعضهم تشديدها أي مقفلا، "وفتح أمصار الكفر" مكة وخيبر والمدينة والبحرين وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام وهاداه هرقل والمقوقس وملوك عمان والنجاشي الذي ملك بعد أصحمة، ثم فتح أيام الصديق بصري ودمشق بلاد حوران وما والاها، ثم في أيام عمر فتح البلاد الشامية كلها ومصر، وأكثر إقليم فارس وكسر كسرى، وفر إلى أقصى مملكته. وفر هرقل إلى القسطنطينية ثم في زمن عثمان فتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وبلاد المغرب بتمامها ومن المشرق إلى اقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، ثم امتدت الفتوحات بعده إلى الروم وغيرها ولم تزل الفتوحات تتجدد إلى الآن. "وفتح به أبواب الجنة" مجازا في الدنيا وحقيقة يوم القيامة، "وفتح به أعينا عميا" الكفر عن طريق الهدى، فلا تراه حتى رأت آيات الله الباهرة، و"آذانا صما" عن سماع الحق، فلا تسمعه سماع قول فسمعته وانقادت له، "وقلوبا غلفا" جمع أغلف أي مغشاة بأغطية، فلا تعي الحق حتى استنارت لقبوله ووعته، "وفتح به طرق العلم النافع و" طرق "العمل الصالح" فسلكها المؤمنون بعد أن غلقا، كما قال علي رضي الله عنه الفاتح، لما استغلق "و" فتح به "الدنيا"، فحكمه فيها، وحمل أهلها على المحجة البيضاء،
والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والإبصار.
وقد يكون المراد: المبدأ المقدم في الأنبياء، والخاتم لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: كنت أول النبيين في الخق وآخرهم في البعث.
وأما "الرءوف الرحيم" ففي القرءان {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] .
ومنعهم من التعدي والظلم "والآخرة" فإنه فتح به البعث وباب الجنة والشفاعة والجواز على الصراط، "والقلوب والأسماع والأبصار" بفتح الهمزة جمع بصر نور العيون، "والإبصار" بكسرها مفرد بصائر نور القلوب، أي النظر في الأمور بالمعرفة التامة والمقام مقام خطابه، فلا يعاب فيها الإطناب، أو أراد بفتح الأعين والآذان أولا ما يمنع المشاهدة، ووصول الصوت، وبفتح القلوب إزالة الغلاف عنها، وكني بذلك عن زوال الكفر، وأراد بفتح الثلاثة ثانيا خلق قوة فيها بعد زوال الكفر بحيث صاروا يشاهدون المعقولات، كأنها صور محسوسة، ثم هذا كله بيان للفاتح، "وقد يكون المراد" به "المبدأ" بضم الميم وفتح الموحدة، وشد الدال المهملة، وهمزة، كما ضبطه البرهان في المقتفى، فيكون "المقدم" تفسيرا له.
وقال غيره إن كان رواية وإلا فيجوز فتح الميم وسكون الموحدة وخفة الدار بمعنى أول "في الأنبياء والخاتم لهم كما، قال عليه الصلاة والسلام" فيما رواه ابن سعد وغيره "كنت أول النبيين في الخلق" لخلق نوره قبلهم، "وآخرهم في البعث" باعتبار الزمان، ثم لا يشكل عليه أنه لا اختصاص لما ذكره غير الأخير به؛ لأن وقوعه منه على أتم وجه، لا يشاركون فيه غيره على أنه لم يقل، لا بد في أسمائه من اختصاص معانيها به وذكر عياض أن الفاتح هنا الحاكم، أو لأبواب الرحمة على أمته، أو لبصائرهم لمعرفة الحق والإيمان، أو المبتدئ بهداية الأمة، أو المبدأ المقدم في الأنبياء.
قال السيوطي، أو لأنه فتح الرسل؛ لأنه أولهم خلقا، أو فاتح الشفعاء بقرينة اقترانه باسم الخاتم انتهى، وهذه المعاني كلها مجتمعة فيه صلى الله عليه وسلم ولذا ساق غالبها المصنف بالواو والمشركة، "وأما الرءوف الرحيم ففي القرآن" العظيم "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" أي منك، وروى ابن مردويه عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قرأها بفتح الفاء، وقال:"أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا"، "عزيز" شديد "عليه ما عنتم" عنتكم، أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه "حريص عليكم" أن تهتدوا "بالمؤمنين رءوف" شديد الرحمة "رحيم" يريد لهم الخير، وهو "فعول من الرأفة، وهي" لغة "أرق من الرحمة" إذ هي رقة القلب والرأفة شدة الرحمة، وأبلغها، "قاله أبو عبيدة" معمر بن المثنى
والرحيم فعيل من الرحمة وقيل رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين.
وأما "الحق المبين" فقال الله تعالى: {حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 29]، وقال تعالى:{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِين} [الحجر: 89] .
وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [يونس: 108]، وقال تعالى:{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [الأنعام: 5]، قيل المراد: محمد عليه الصلاة والسلام، وقيل القرآن، ومعناه هنا ضد الباطل، والمتحقق صدقه وأمره،
الإمام اللغوي.
قال ابن دحية وخاصتها أنها لدفع المكاره والشدائد والرحمة لطلب المحاب، ولهذا قدمت الرأفة عليها، وقال غيره الفرق بينهما أن الرأفة إحسان مبدأه شفقة المحسن، والرحمة إحسان مبدأه فاقه المحسن إليه "والرحيم فعيل من الرحمة" وهي في الكلام العرب العطف والإشفاق، وهو صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق، وأعطفهم وأشفقهم وأرقهم قلبا، "وقيل" في معنى الآية "رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين" يستغفر لهم ويتجاوز عن سيئاتهم إلا في الحدود ومع إقامتها عليهم يمنع من أذاهم، ثم هو في قبره تعرض عليه أعمال أمته ويستغفر لهم، ثم هو يوم القيامة همه كله أمته فيشفع فيهم حتى لا يبقى منهم أحد في النار، وهذان مما سماه الله به من أسمائه الحسنى، لكنها بهذا المعنى محال عليه فيؤول باللازم، وهو إرادة الخير لأهله وإعطاء ما لا يستحقه العبد من الثواب ودفع ما يستوجبه من العقاب، "وأما الحق المبين فقال الله تعالى:{حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} مظهر لهم الأحكام الشرعية، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى:{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِير} ، المحذر من عذاب الله أن ينزل عليكم {الْمُبِين} لكم أمور دينكم أو البين الإنذار، وقال تعالى:{قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} وقال تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} من الله.
"قيل المراد" بالحق في الآيات "محمد عليه الصلاة والسلام" كما قال تعالى {وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} وفي حديث الشفاعة ومحمد حق وتكذيبه بتكذيب رسالته وما جاءته "وقيل" المراد به القرآن بدليل التكذيب، "ومعناه هنا ضد الباطل"، من حق بمعنى ثبت "والمتحقق" بفتح القاف وكسرها كما في النسيم أي الثابت "صدقه، وأمره" شأنه وما يجب ثبوته له وما يستحيل عليه مما هو معلوم في صفات النبوة تفسير، لما قبله أو معنى آخر.
وفي البيضاوي الحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره فعم الأعيان والأفعال الصائبة والأقوال الصادقة من قولهم حق الأمر إذا ثبت ومنه ثوب محقق محكم النسج.
والمبين البين أمره ورسالته، أو المبين عن الله ما بعثه به، كما قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .
وأما "المؤمن" فقال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] ، أي يصدق، وقال عليه الصلاة والسلام:"أنا أمنة لأصحابي" فهذا بمعنى المؤمن.
وأما "المهيمن"
"والمبين" بكسر الموحدة، وسكون التحتية، "البين" الظاهر الذي لا يخفى "أمره ورسالته" من بان اللازم والوصف به على هذا مجاز، "أو" هو "المبين" بشد التحتية مكسورة "عن الله ما بعثه به" للخلق كافة وعداه لتضمينه معنى المبلغ، أو هو حال بتقدير ناقلا "كما قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} " من شرائعه وأحكامه وهذا على أنه من أبان المتعدي، وقد أفاد المصنف تبعا للقاضي بسوق الآيات أنه يطلق عليه المين بالتخفيف والتشديد، وهو بالتخفيف كالحق مما سماه الله به من أسمائه كما قال عياض وغيره أي الموجود المتحقق أمره والهيته، أو الموجد للشيء على حسب مقتضى حكمته والمبين البين أمره والهيته، أو المبين لعباده أمر دينهم ومعادهم "وأما المؤمن" وهو من أسمائه تعالى التي سماه بها، ومعناه في حقه المصدق وعده وقوله ولعباده المؤمنين ورسله، أو الموحد نفسه شهد الله أنه لا إله إلا هو، أو المؤمن عباده في الدنيا الظلم والمؤمنين في الآخرة من العذاب، وفي حقه صلى الله عليه وسلم المتصف بالإيمان والمصدق وعدا وقولا والمؤمن أمته الظلم "فقال تعالى: {وَمِنْهُم} ، أي المنافقين {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} بعيبه ونقل حديثه {وَيَقُولُونَ} ، إذا نهو عن ذلك لئلا يبلغه {هُوَ أُذُنٌ} أي سمع كل، قيل ويقبله، فإذا خلفنا له إنا لم نقل صدقنا {قُلْ هُوَ أَذًى} هو مستمع {خَيْرٍ لَكُمْ} ، لا مستمع شر {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} فيما أخبروه به، لا لغيرهم، "أي يصدق" لعلمه بخلوصهم، واللام لتضمينه معنى يذعن، أو مزيدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره، "وقال عليه الصلاة والسلام" في حديث عند البيهقي "أنا منة" بفتح الهمزة وضمها مصدر بمعنى الأمان، أو بزنة المبالغة كرجل عدل، فيقع على الواحد وغيره "لأصحابي"، أي مؤمن لهم ومحصل لهم الطمأنينة، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، ومر الكلام على هذا الحديث، "فهذا بمعنى المؤمن" أشار إلى أنه يكفي في صحة إطلاق الأسماء عليه ورود ما يدل عليها، ولو بلفظ الفعل، "وأما المهيمن" وهو من الأسماء الحسنى أيضا بمعنى المؤمن أو الشاهد أو الشهيد، أو الحافظ، أو المتعالي، أو
فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] قال ابن الجوزي -في زاد المنير- إن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد ومهيمنا عليه قال: محمد مؤتمن على القرآن، قال: فعلى قوله في الكلام تقدير محذوف، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه، وسماه العباس بن عبد المطلب في شعره مهيمنا في قوله:
حتى احتوى بيتك المهيمن من
…
خندق علياء تحتها النطق
وروى: ثم اغتدى بيتك المهيمن، قيل أراد: يا أيها المهيمن، قاله القتبي والإمام أبو القاسم القشيري.
الشريف أو المصدق، أو الوالي، أو القاضي، أو الرقيب فتلك عشرة "فقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} القرآن "بالحق" متعلق بأنزلنا "مصدقا لما بين يديه" قبله "من الكتاب" بمعنى الكتب "ومهيمنا عليه، قال ابن الجوزي" عبد الرحمن بن علي أبو الفرج الحافظ المشهور "في زاد المنير" في علم التفسير "إن ابن أبي نجيح" عبد الله بن يسار المكي الثقفي مولاهم الثقة "روى عن مجاهد" كما أخرجه ابن جرير في قوله تعالى: " {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه} قال" مجاهد، وقد قرأها بفتح الميم الثانية مبني للمفعول "محمد" صلى الله عليه وسلم "مؤتمن على القرآن قال" ابن الجوزي:"فعلى قوله" أي مجاهد "في الكلام تقدير محذوف كأنه قال وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه" بناء على أن المصدر وهو مصدقا حال من الكتاب، لا من المجرور بالحرف في إليك وإلا لقيل لما بين يديك وزعم أنه التفات من الخطاب إلى الغيبة بعيد من نظم القرآن كما قال أبو حيان: لكن جوز ابن عطية أن يكون مصدقا ومهيمنا حالين من الكاف فلا حاجة للتقدير؛ لأن الحال إذا تعددت لمتعدد عطفت بالواو، بلا تقدير محذوف، ولا يختص هذا بقراءة مجاهد كما ادعى ابن الجوزي تبعا لابن جرير بل يأتي على قراءة الجمهور بكسر الميم الثانية، "وسماه" عمه "العباس بن عبد المطلب في شعره" المتقدم في غزوة تبوك "مهيمنا في قوله:
"حتى احتوى بيتك المهيمن من
…
خندق علياء تحتها النطق
وروى ثم اغتدى بيتك المهيمن، قيل أراد" العباس "يا أيها المهيمن" ولولا هذا لم يكن اسما "قاله" عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، البغدادي الإمام المشهور "القتبي" بضم القاف وفتح الفوقية، بعدها موحدة نسبة إلى جده قتيبة المذكور، "والإمام أبو القاسم" عبد الكريم بن هوازن "القشيري" نسبة لقشير قبيلة مرضه المصنف، وتبرأ منه فعزاه لقائليه تبعا
وأما "العزيز" فمعناه: جلالة القدر، أو الذي لا نظير له، أو المعز لغيره، وقد استدل القاضي عياض لهذا الاسم بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] أي فجائز أن يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعزيز والمعز، لحصول العز به. ولقائل أن يقول: هذا الوصف للمؤمنين أيضا لشمول العطف إياهم، فلا اختصاص للنبي صلى الله عليه وسلم، والغرض اختصاصه، قال اليمني: وعجيب من القاضي عياض كيف خفي عليه مثل هذا. ويجاب: باختصاصه عليه الصلاة والسلام برتبة من العز ليست لغيره والله أعلم.
وأما "العالم"
لعياض؛ لأنه تكلف ضعيف لأن المعرف بال، لا ينادى، وتقدير، أيها مع تقدير حرف النداء، لا يرتضيه نحوي، ومر للمصنف في تبوك أنه أراد ببيته شرفه، والمهيمن نعته، أي احتوى شرفك الشاهد على فضلك أعلى مكان انتهى، ولا ثقل في هذا، كما ادعاه من زعم أنه أثقل من جعله منادى، فقد استعمل الفصحاء البيت بمعنى العز، والشرف كقوله:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعز، وأطول
"وأما العزيز" وهو مما سماه الله به من أسمائه، "فمعناه" في حقه تعالى الممتنع الي لا يدرك، ولا ينال، أو الغالب، وفي حقه وحق عبده ورسوله "جلالة القدر" كان الظاهر جليل، لكنه لاحظ أنه مأخوذ من جلالة وحرف الجر يحذف إذا لوحظ ذكره "أو الذي لا نظير" لا مثل "له" ولا يعادله شيء "أو المعز لغيره" فعيل بمعنى مفعل، وهو عزيز عربية، ولذا أخره المصنف، "وقد استدل القاضي عياض" في الشفاء "لهذا الاسم بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} ، وفسره بقوله، أي الامتناع وجلالة القدر، ومن هنا دخل لفظ جلالة على المصنف، فجعلها تفسيرا بقوله، أي الامتناع وجلالة القدر، ومن هنا دخل لفظ جلالة على المصنف، فجعلها تفسيرا للعزيز مع أن عياضا، كما ترى جعلها للعزة، "أي فجائز" بمعنى يجوز "أن يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعزيز والمعز لحصول العز به" لغيره ولم يقل وله؛ لأن هذا هو الذي يخفى أخذه من الآية، وأما وصفه بالعزيز فظاهر فيه فهذه أظهر من نسخة له "ولقائل أن يقول هذا الوصف للمؤمنين أيضا لشمول العطف إياهم، تصريحا بقوله وللمؤمنين، "فلا اختصاص للنبي صلى الله عليه وسلم" بهذا الوصف، "والغرض اختصاصه".
"قال اليمني" محشي الشفاء "وعجيب من القاضي عياض كيف خفي عليه مثل هذا" مع ظهوره، "ويجاب باختصاصه عليه الصلاة والسلام برتبة من العز ليست لغيره" وأيضا فإن المؤمنين ذكروا بطريق التبع، فعزتهم ليست إلا من عزته، "والله أعلم" على أنه لم يقل، لا بد في أسمائه من اختصاص معانيها به، "وأما العالم" اسم فاعل من علم أي المدرك للحقائق
و"العليم" و"المعلم" و"معلم أمته" فقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]، وقال تعالى:{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] .
وأما "الخبير" فمعناه: المطلع على كنه الشيء، العالم بحقيقته، وقيل: المخبر، فقال تعالى:{الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] . قال القاضي بكر بن العلاء -فيما ذكره في الشفاء: المأمور بالسؤال غير النبي صلى الله عليه وسلم، والمسئول الخبير هو النبي صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: بل السائل النبي صلى الله عليه وسلم
الدنيوية والأخروية، "والعليم" اسم فاعل للمبالغة الذي له كمال العلم وثباته، وهما مما سماه به تعالى من أسمائه، "والمعلم" اسم مفعول من التعليم، أو اسم فاعل، وهما اسمان، كما مر في السرد "ومعلم أمته" بكسر اللام المرشد لهم للخير، والدال عليه، واستدل للأولين ولثالث على أنه اسم مفعول بقوله:"فقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم} " أرشدك وهداك إلى ما لم يكن لك به علم، ولا سبق لك فيه معرفة من حوادث الأمور وضمائر القلوب وأسرار الغيوب، وأمر الدين، والأحكام وشرائع الإسلام، وعلى الأخيرين، أو الأخير بقوله، "وقال تعالى:{وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ} الآية القراءن، {وَالْحِكْمَةَ} ما فيه من الأحكام {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون} من المواعظ، وأخبار من مضى، وأحوال القيامة ومقدماتها، وغير ذلك مما لا طريق له سوى الوحي غير المتلو ولذا أعيد الفعل لتغايرهما، "وأما الخبير" وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه، "فمعناه" في حق الله ورسوله "المطلع" الواقف على كنه" بضم فسكون، أي حقيقة "الشيء العالم بحقيقته" وهي ذاته، لا غايته، كما قيل، وهو في حق الله واضح وفي حق رسوله كذلك، باطلاع الله تعالى له بوحيه، "وقيل" بمعناه "المخبر" بكسر الباء، أي أنبياءه ورسله بكلامه المنزل عليهم وعباده يوم القيامة بأعمالهم فإنه لا يغرب عن علمه شيء وفي حق رسوله بما نزل عليه من القرآن وغيره "فقال" الفاء للتعليل، أي لقوله "تعالى:" {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ، عالما أي عنه، والضمير، لما قبله من خلق السماوات والأرض والاستواء، "قال القاضي بكر" بفتح الموحدة ابن محمد "بن العلاء" بن زياد القشيري، وأمه من ولد عمران بن حصين أبو الفضل البصري، ثم المصري أحد كبار الفقهاء المالكية وعلماء الحديث صاحب التصانيف مات بمصر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقد جاوز الثمانين بأشهر. "فيما ذكره في الشفاء" عياض "المأمور بالسؤال" في الآية "غير النبي صلى الله عليه وسلم" من كل من يتأتى منه السؤال، لا النبي؛ لأنه المخاطب، "والمسئول الخبير هو النبي صلى الله عليه وسلم" لأنه العالم بحقيقة ما ذكره دون غيره فدل على تسميته خبيرا. "وقال غيره" غير القاضي بكر، "بل السائل النبي صلى الله عليه وسلم"
والمسئول الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم خبير بالوجهين المذكورين، قيل لأنه صلى الله عليه وسلم على غاية من العلم بما علمه الله من مكنون علمه، وعظيم معرفته، مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به.
وأما "العظيم" فقال الله تعالى في شأنه. {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل: وسيلد عظيما لأمه عظيمة.
لأنه المخاطب به، "والمسئول الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم خبير بالوجهين المذكورين"، أي على التفسيرين فالباء بمعنى على، أو ظرفية أما الأول فظاهر لإطلاقه عليه، ولأنه لو لم يكن خبيرا لم يؤمر بسؤاله، وأما الثاني، فأذن له في السؤال دال على إعلامه به.
"قيل" في تعليل تسميته خبيرا على تفسيره بالعالم بالحقيقة، أو بالمخبر؛ "لأنه صلى الله عليه وسلم على غاية من العلم بما علمه الله من مكنون علمه وعظيم معرفته" أي سمي بذلك لما أعلمه به من الخفيات، والمغيبات التي أطلعه عليها بوحيه وما جبله عليه من المعرفة العظيمة، "مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به" دون ما لم يأذن من الأسرار الإلهية، وهذا باعتبار أنه عالم قبل السؤال وما قبله باعتبار ما أجاب به بعد سؤاله، فافترقا، "وأما العظيم" وهو من أسمائه تعالى، أي الجليل الشأن، أو الذي كل شيء دونه، أو البالغ أقصى مراتب العظمة، فلا تتصوره الأفهام، ولا تحيط بعظمته الأوهام، أو الذي ليس لعظمته غاية، ولا لكبريائه نهاية سبحانه، "فقال الله تعالى في شأنه" بهمزة وإبدالها ألفا:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} فجمع الله تعالى له من محاسن الأخلاق ما لا يتصور في سواه وإذا وصف خلقه بالعظيم فقد وصفه به، فهو من أسمائه، فلا يرد أنه صفة للخلق، لا له، وإن العظمة مختصة بالله، أو هو توطئة لقومه، "ووقع في أول سفر" بكسر، فسكون كتاب "من التوراة عن إسماعيل" نبي الله ابن خليله، وكان الظاهر أن يقال في حق إسماعيل فكأنه صفة سفر، أي فيه ما يصدر عن إسماعيل، "وسيلد عظيما" من الولادة، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه العظيم الذي ولده إسماعيل "لأمه عظيمة" وفيه مبالغة في وصفه بالعظمة؛ إذ جعل أتباعه عظماء فيما بالك به، وهذا هو الذي في الشفاء، والنسخ الصحيحة من الشامية نقلا عنها وعن ابن دحية بلام بعدها دال من الولادة، وعظيما مفعول، فلا عليك مما يقع في نسخ سيدا وعظيما، أو وسيلة عظيمة، أو سيرد براء بدل اللام عظيما فإنه كله من تحريف النساخ، وإن تكلف توجيه الأولتين بأن المعنى بعثناه سيدا فإنه فاسد؛ لأن الضمير لإسماعيل ولي القصدي الإخبار عنه، وإلا كان لا معنى لذكره احتجاجا على تسمية المصطفى بعظيم، والثالثة بأن المعنى سيرد على الحوض فإنه فاسد كذلك فإنما هو مجرد خيالات تقوم في العقول دون
فهو صلى الله عليه وسلم عظيم وعلى خلق عظيم.
وأما "الشاكر" و"المشكور" فقد وصف صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا" أي: أترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا؟! والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟ وعلى هذا فتكون "الفاء" للسببية، وقال القاضي عياض: شكورا أي: معترفا بنعم ربي، عالما بقدر ذلك مثنيا عليه، مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك، لقوله تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
وأما "الشكار" فهو أبلغ من شاكر، وفي حديث ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه:"رب اجعلني لك شكارا".
مراجعة النقول، "فهو صلى الله عليه وسلم عظيم" كما وصف به في التوراة أي جليل شأنه كامل في ذاته وصفاته، وعلى خلق عظيم" كما وصف به في القرآن، "وأما "الشاكر" اسم فاعل، "والشكور" كثير الشكر، وهو من أسمائه تعالى إن ربنا لغفور شكور، أي المعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، أو المثني على المطيعين، "فقد وصف صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك"، لما صلى حتى تورمت قدماه فقيل له، أتتكلف هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ "فقال:"أفلا أكون عبدا شكورا"؟ رواه الشيخان، "أي أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا" فالاستفهام الإنكاري يدل على أنه وصف ثابت له، "والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه، وعلى هذا فتكون الفاء للسببية، وقال القاضي عياض في الشفاء تفسيرا لقوله "شكورا، أي معترفا" مقرا "بنعم ربي عالما بقدر ذلك"، أي قدر عظمها، لا عددها لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} الآية، "مثنيا عليه" بلساني، وأركاني، "مجهدا" بزنة متعبا، أي باذلا جهدي وطاقاتي ومتعبا "نفسي في الزيادة من ذلك"، الاعتراف والثناء "لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} " من النعم التي شكرتموها وعدا ممن لا يخلف الميعاد، "وأما "الشكار" فهو أبلغ من شاكر" ومن شكور؛ لأنه ينبيء عن وجود الشكر وكماله. وشكار ينبئ عن تكرار الشكر وكثرته وصيرورته كالطبيعة له، وصرح أبو بكر بن طلحة النحوي بتفاوت صيغ المبالغة، كما مر، "وفي حديث ابن ماجه" عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه "رب اجعلني لك شكارا" قيل الشاكر الذي يشكر على العطاء، أو على الموجود والشكور الذي يشكر على البلاء، أو على المفقود، وحكي أن شقيقا البلخي سأل جعفر الصادق عن الفتوة، فقال: ما تقول أنت، فقال: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا، فقال جعفر: هكذا تفعل كلاب المدينة، فقال شقيق: يابن رسول الله
وأما "الكريم" و"الأكرم" و"أكرم ولد آدم" فسماه الله به في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [سورة الحاقة: 40] أي محمد صلى الله عليه وسلم، وليس المراد به جبريل عليه السلام؛ لأنه تعالى لما قال:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر ولا كاهن، والمشركون لم يكونوا يصفوا جبريل عليه السلام بذلك، فتعين أن يكون المراد بالرسول الكريم هنا محمدا صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في مقصد أي التنزيل. وقال عليه الصلاة والسلام:"أنا أكرم ولد آدم".
وأما "الولي" و"المولى".
فما الفتوة عندكم؟ فقال: إن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا، "وأما الكريم" وهو من أسمائه تعالى، أي الكثير الخير، أو المتفضل، أو العفو، أو العلي، وهي صحيحة في حقه صلى الله عليه وسلم، "والأكرم" من الأسماء الحسنى. كما في رواية ابن ماجه وفي التنزيل {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} أي الزائد في صفة الكرم على غيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر". رواه الدرامي، "وأكرم ولد آدم فسماه الله به" بالكريم في قوله تعالى في سورة الحاقة:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ} {وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 38، 39] أنه، أي القرآن "لقول رسول كريم، أي محمد صلى الله عليه وسلم أضيف إليه لنزوله عليه وتلقي الأمة له عنه، "وليس المراد به جبريل عليه السلام؛ لأنه تعالى، لما قال:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر، ولا كاهن"؛ إذ قال سبحانه:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} ، ولا بقول كاهن، ولو قال المصنف لأنه تعالى قال بعده، وذكر اللفظ إلى هنا لأغناه عن التكرار وحكاية القرآن بالمعنى، "والمشركون لم يكونوا يصفوا" بحذف النون للتخفيف، وفي نسخ بالنون، وهو أولى [أي:] "جبريل عليه السلام بذلك" الشعر، والكهانة "فتعين أن يكون المراد بالرسول الكريم هنا محمدا صلى الله عليه وسلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في مقصد أي التنزيل" السادس، وأما في سورة التكوير، فذكر المصنف في المقصد المذكور ترجيح أنه جبريل، ونسب عياض لأكثر المفسرين أنه محمد صلى الله عليه وسلم.
قيل ولا حاجة لإثباته بهاتين الآيتين المختلف فيهما لاتصافه صلى الله عليه وسلم بالكريم وبمعناه في الأحاديث الصحيحة، "وقال عليه الصلاة والسلام:"أنا أكرم ولد آدم" أي أشرف من الأنبياء وغيرهم دليل تسميته بهذا الاسم وبالأكرم وقدمت له دليلا آخر، "وأما الوالي، والمولى" بفتح الميم، واللام وهما من أسمائه تعالى، وهو الولي الحميد، الله ولي الذين آمنوا ذلك بأن الله مولى
فقال عليه الصلاة والسلام: "أنا ولي كل مؤمن".
وأما "الأمين" فقد كان عليه الصلاة والسلام يعرف به، وشهر به قبل النبوة وبعدها، وأحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمين من في السماء والأرض.
وأما "الصادق" و"المصدوق" فقد ورد في الحديث تسميته بهما، ومعناهما غير خفي،.
الذين آمنوا ومعناهما الناصر، أي الذي ينصرهم على أعدائهم.
قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] ، أي ناصركم ولم يقل أولياؤكم؛ لأن نصرتهم واحدة، أو لأن الناصر إنما هو الله وغيره بتبعيته وإعانته، كما قال: وما النصر إلا من عند الله، "فقال عليه الصلاة والسلام" كما رواه البخاري عن أبي هريرة "أنا ولي كل مؤمن"، ناصره ومتوليه، والقائم بمصالحه.
وفي البخاري أيضا مرفوعا "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا، والآخرة، فمن ترك مالا فلعصبته من كانوا، فإن ترك دينا، أو ضياعا فليأتني، فأنا مولاه"، وقال صلى الله عليه وسلم:"من كنت مولاه فعلي مولاه"، رواه الترمذي وحسنه "وأما الأمين" فعيل بمعنى مفعول مبالغة، أو بمعنى فاعل من أمن ككرم، فهو أمين "فقد كان عليه الصلاة والسلام يعرف به" من صغره، "وشهر به قبل النبوة وبعدها" فكانت توضع عنده الودائع، والأمانات، ومن ثم لما هاجر خلف عليا ليؤدي عنه الودائع وبه سماه الله في قوله مطاع، ثم أمين في أحد القولين. وسماه به كعب بن مالك في شعره، "وهو أحق العالمين بهذا الاسم" لوقاره وصدق لهجته، واجتنابه الأدناس، والقاذورات، وقوته على الطاعات، ولأنه الحافظ للوحي، كما قال:"فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمين من في السماء والأرض" أمره وحكمه، وقد مر شرح هذا الاسم مبسوطا، "وأما الصادق" اسم فاعل من الصادق، "والمصدوق" اسم مفعول من صدق المتعدي كقوله صادق وعده، "فقد ورد في الحديث" الصحيح "تسميته بهما" فقال ابن مسعود، حدثنا رسول الله، وهو الصادق المصدوق أخرجه البخاري وغيره، وكذا ورد في عدة أحاديث، ولا يضر كونها موقوفة؛ لأن الموقوف يقال له حديث.
قال ابن دحية: كان الصادق المصدوق علما، واضحا له إذ جرى مجرى الأسماء، "ومعناهما غير خفي" وهو أنه صادق في نفسه وصدق الأنبياء، والكتب التي قبله، وليس بمكذب عند الناس.
وكذلك "الأصدق". وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما كذبه قومه حزن فقال له جبريل: إنهم يعلمون أنه صادق.
وأما "الطيب" و "ماذ ماذ" -بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منونة، ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة- كذا رأيته لبعض العلماء، ونقل العلامة الحجازي في حاشيته على الشفاء عن السهيلي: ضم الميم وإشمام الهمزة ضمة بين الواو والألف ممدود، وقال: نقلت عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل، وقال معناه: طيب طيب،
وقد روى الترمذي، والحاكم عن علي أن أبا جهل، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا، لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ، "وكذلك الأصدق"، ورد في الحديث، ومعناه غير خفي، وهو أفعل تفضيل للمبالغة إذ لا أحد أقوى ولا أثبت على الحق منه، فهو الأصدق، "وروى" على ما ذكره عياض في أوائل الشفاء، وقال السيوطي في تخريجه لم أجده "إنه عليه الصلاة والسلام، لما كذبه قومه حزن، فقال له جبريل عليه السلام إنهم يعلمون أنك صادق"، والفضل ما شهدت به الأعداء أتى به دليلا على أنه يسمى الصادق، كما قال جبريل، وأنه كان معروفا به عند أعدائه، كما هو ظاهر.
"وأما الطيب" بوزن سيد الطاهر، أو الزكي؛ لأنه لا أطيب منه قلبا وقالبا، وقد روى الترمذي في الشمائل عن أنس ما شممت مسكا قط، ولا عطرا كان أطيب عن عرقه وريحه صلى الله عليه وسلم "وماذ ماذ بميم" مفتوحة "ثم ألف" غير مهموز فيهما، كما اقتصر عليه عياض، فتبعه المصنف وروى موذموذ بواو وبدلها عزاه العزفي لصحف إبراهيم وميذميذ بتحتية فيهما عزاه أيضا العزفي للتوراة، "ثم ذال معجمة منونة" وقال البرهان في المقتفى ساكنة، "ثم ميم، ثم ألف، ثم ذال معجمة" كذلك منونة، أو ساكنة "كذا رأيته لبعض العلماء" وبه ضبطه الحافظ برهان الدين الحلبي في شرح الشفاء، إلا أنه أبدل منونة بساكنة، وقال عقب ضبطه بذلك المفيد إنه الرواية ما نصه لكن ينبغي ضم ذاله؛ لأنه اسم غير منصرف للعلمية والعجمة، وتقديره أنت ماذ ماذ، أو يا ماذ، "ونقل العلامة" أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الشهاب، "الحجازي" الأنصاري، الخزرجي، الفاضل، الأديب، الشاعر، البارع، صاحب التصانيف، أجاز له العراقي، والهيثمي مات في رمضان سنة خمس وسبعين وثمانمائة "في حاشيته على الشفاء عن السهيلي ضم الميم وإشمام الهمزة ضمة بين الواو، والألف ممدودة، وقال" السهيلي: "نقلته عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل، وقال" هذا المسلم العالم: "معناه طيب طيب" والتكرار للتأكيد، أو المراد طيب في نفسه، أو دنياه وطيب في صفاته وآخرته، وكونه اسما واحدا مثل مرمر، أو
ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم طيب الطيبين، وحسبك أنه كان يؤخذ من عرفه ليتطيب به، فهو صلى الله عليه وسلم طيب الله الذي نفحه في الوجود فتعطرت به الكائنات وسمت، واعتذت به القلوب فطابت، وتنسمت به الأرواح فنمت.
وأما "الطاهر" و"المطهر" و"المقدس" أي المطهر من الذنوب، كما قال الله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] أو الذي يتطهر به من الذنوب، ويتنزه بأتباعه عنها، كما قال الله تعالى:{وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] وقال: {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [المائدة: 16] أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنية.
وأما "العفو".
مركب خلاف الأصل، وزعم أن داله مهملة لم يقله أحد، وقول التلمساني يحتمل أنه مأخوذ من الماذ وهو العسل الأبيض لحلاوته في ذاته وصفاته، أو من الماذ بمعنى الدرع اللينة السهلة؛ لأنه حصن حصين للعالمين رد بأنه يقتضي أنه عربي، ولم يقل أحد ط، "ولا ريب" لا شك "أنه صلى الله عليه وسلم طيب الطيبين وحسبك" كافيك "إنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به، فهو صلى الله عليه وسلم طيب الله الذي نفحه" بالفاء، والحاء المهملة، نشره "في الوجود فتعطرت به الكائنات" أي الموجودات "وسمت" علت، وارتفعت "واغتذت" بذال معجمة، "به القلوب فطابت وتنسمت" بسين مهملة من النسيم ومعجمة من النشم، وهو كما في القاموس طيب الرائحة "به الأرواح فنمت" زادت "وأما الطاهر" بالطاء المهملة النقي من النقائص، والأدناس الحسية، والمعنوية حتى قال قوم بطهارة فضلاته، وهو المعتمد، "والمطهر" بفتح الهاء وكسرها على ما يأتي، "والمقدس" بفتح الدال وكسرها فسره تبعا لعياض بقوله، "أي المطهر من الذنوب" تفسيرا للأسماء الثلاثة بناء على أن الأخيرين بفتح الهاء والدال:"كما قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] منه، ويأتي الكلام على هذه الآية، "أو الذي يتطهر به" بالبناء للمفعول من الذنوب ويتنزه بأتباعه" يتباعد بسببه "عنها" بناء على أنهما بكسر الهاء، والدال، أي الطهر من اتبعه وهما احتمالان، كما قال السيوطي ومر كلامه ونحوه تفسير المصنف هذا، كما قال تعالى:{وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] يطهرهم من الذنوب، "وقال" تعالى:{وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ} الكفر، والمعاصي {إِلَى النُّورِ} الإيمان والتقوى والطاعة، بإرشادهم وتوفيق الله ببركته صلى الله عليه وسلم، "أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة" بالمعجمة، أي المذمومة، "والأوصاف الدنية" الحقيرة التي لا تليق بجنابه صلى الله عليه وسلم من التقديس، وهو التطهير، وقيل: معناه المفضل على غيره وقيل تقديسه الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، "وأما العفو"
و"الصفوح" فمعناهما واحد، وقد وصفه الله بهما في القرآن والتوراة والإنجيل، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وأمره تعالى بالعفو كما قال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] .
وأما "العطوف".
المبالغ في العفو عن السئيات وهو محوها وإزالتها، ولذا قيل إنه أبلغ من الغفور؛ لأنه من الغفر، وهو الستر، ولا يلزم منه الإزالة، "والصفوح" صيغة مبالغة من الصفح، وهو الإعراض عن الذنب، كما في الصحيح، "فمعناهما واحد" كما قال عياض: من حيث إن حاصل معنى كل الإعراض عن السيئات، وإن قيل الصفوح أبلغ؛ لأن الإنسان، قد يعفو، ولا يصفح، وقيل العفو أبلغ؛ لأن الصفح إعراض عن المؤاخذة، والعفو محو الذنب ومن لازمه الإعراض، ولا عكس، "وقد وصفه الله بهما في القرآن" إذ أمره بهما فيه فقال: فاعف عنهم واصفح، كما سيقول، فامتثل صلى الله عليه وسلم للأمر وتخلق به، فيقتضي الاتصاف به على أبلغ وجه، وأتمه إذ كان جبلة له؛ لأنه لا يعصي له أمرا، فلا يرد أنه لم يصفه في القرآن إنما أمر ولو سلم اتصافه به، لا يقتضي كونه على وجه المبالغة التي دل عليها فعول، والأمر لا يقتضي التكرار على الأصح "والتوراة ولإنجيل، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي" الصحابي ابن الصحابي.
"عند البخاري" عن عطاء بن يسار، قال لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن الحديث وفيه، "ولا يجزي بالسيئة السيئة" فلا يسيء لمن أساء إليه "ولكن يعفو ويصفح" فقد وصفه بهما في الكتابين، "و" أما في القرآن، فقط "أمره تعالى بالعفو، كما قال تعالى خذ العفو" بناء على أن المراد به الصفح، لما روي أنه سأل جبريل:"ما هذا"؟ قال: لا أدرى حتى أسأل ربي فسأله، ثم رجع، فقال: إن ربك أمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك.
ذكره البغوي، والقرطبي، والذي عليه الأكثر أن العفو المال الفاضل عن نفقة العيال، كما في قوله:{وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ، ثم نسخت بآية الزكاة فلا شاهد فيها، ولذا أتى بدليل ثان بقوله: وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] ، فامتثل الأمر حتى صار جبلة له، فأفاد الوصف بهما، ومواطن العفو، والصفح منه، لا تحصى، والمصنف تابع لعياض، ولم يذكر شيئا عن الإنجيل؛ لأن الراوي الصحابي صرح بأن ذلك في التوراة، "وأما العطوف، فهو الشفوق" حقيقة على مقتضى المصباح، والقاموس لكن صرح الشامي بأنه مجاز، فقال صفة
فهو الشفوق، وسمي به عليه الصلاة والسلام لكثرة شفقته على أمته، ورأفته بهم.
وأما "النور" فقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} [المائدة: 15] قيل: محمد صلى الله عليه وسلم وقيل القرآن، فهو نور الله الذي لا يطفأ.
وأما "السراج" فسماه تعالى به في قوله: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46] لوضوح أمره، وبيان نبوته، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به، فهو نير في ذاته.
مشبهة من العطف، وهو الإنشاء، يقال عطف الغصن إذا أماله، ثم استعير للميل، والشفقة إذا عدي بعلى، وإذا عدي بعن كان على الضد من ذلك "وسمي به عليه الصلاة والسلام لكثرة شفقته على أمته ورأفته بهم" كما قال حسان:
عطوف عليهم لا يثني جناحه
…
إلى كنف يحنو عليهم وبمهد
"وأما النور" وهو من أسمائه تعالى، أي ذو النور وخالقه، أو منور السماوات والأرض بالأنوار، أو قلوب المؤمنين بالهداية، قاله عياض كغيره، وهو المشهور، وذهب الغزالي، والحكماء إلى أنه حقيقة في ذات الله؛ لأن معناه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وقال الأشعري نور ليس كالأنوار، "فقال تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} الآية، "قيل النور هنا محمد صلى الله عليه وسلم لظهور آياته، وقيل القرآن لإزالته ظلمة الكفر، والجهل "فهو" أي المذكور من كل منهما "نور الله الذي لا يطفأ" حكاهما عياض وغيره على حد سواء، فتبعهم المصنف، ولكن الأصح الأول، فقد انتصر عليه الجلال، وقد التزم الاقتصار على الأصح، ولا يشكل عليه إفراد الضمير في قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه مع تغايرهما وعطفهما بالواو لرجوعه إليهما معا باعتبار المذكور، أو لأنهما معا كالشيء الواحد، وهداية أحدهما عين هداية الآخر، وقد صرح الفراء بجواز مثله جوزا مطردا، وبه وردت آيات كثيرة، وأنشد عليه:
رماني بأمر كنت منه ووالدي
…
بريا ومن هول الطوى رماني
وقال ابن عباس عند ابن مردويه، وابن عمر عند الطبري وسعيد بن جبير وكعب الأحبار في قوله تعالى:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة} ، المراد بالنور هنا محمد صلى الله عليه وسلم، "وأما السراج" المنير، "فسماه تعالى به في قوله وسراجا منيرا"، مفعلا من أنار إنارة، وهو راجع إلى النور.
سمي بذلك على نهج الاستعارة، أو التشبيه البليغ، كما قال "لوضوح أمره" كالسراج المنير الذي لا يخفى "وبيان نبوته" أي كونها ظاهرة تضيء ضوء السراج في الليلة الظلماء، "وتنوير قلوب المؤمنين" والعارفين" به "بما جاء به" فاستضاءوا به من ظلمات الجهالة، واقتبسوا من نوره أنوار البصائر؛ لأن الله أمدها بنور نبوته، كما أمد بنور السراج أنوار الأبصار، "فهو نير في ذاته"
منير لغيره، فهو السراج الكامل في الإضاءة، ولم يوصف بالوهاج كالشمس؛ لأن المنير الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج.
وأما "الهادي" فبمعنى الدلالة والدعاء، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [الشورى: 52] وقال تعالى فيه: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] .
ناظر لاسمه النور "منير لغيره" ناظر للسراج، "فهو السراج الكامل في الإضاءة" الذي أضاءت الدنيا بنوره ومحا ظلام الكفر بظهوره، "ولم يوصف بالوهاج كالشمس" حيث وصفت به في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} لأن المنير هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج، أي الوقاد فقد يكون مع إحراق أو لأن المراد بالسراج الشمس؛ لأن الغاية في النيرات أو لأنه بعث في زمان يشبه الليل من ظلمات الكفر، والجهل، فكشفه بنور اليقين والهداية.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي، قال علماؤنا: سمي سراجا؛ لأن السراج الواحد يؤخذ منه السرج الكثيرة، ولا ينقص من ضوئه شيء، وكذلك سرج الطاعات أخذت من سراجه صلى الله عليه وسلم ولم ينقص من أجره شيء وفسر السراج أيضا بالحجة، والهادي؛ لأنه حجة الله الظاهرة، كالسراج على الخلائق وهاديهم إلى الدين القويم، "وأما الهادي" وهو من أسمائه تعالى كما مر فبمعنى الدلالة، أي ذو الدلالة؛ لأنه اسم فاعل من هدى هداية، وهي الدلالة إن تعدت بحرف الجر، والوصول إن تعدت بنفسها.
قال الراغب: أصل معنى الهداية الدلالة بلطف، لما يوصف، أو الموصلة على الخلاف المشهور، وهي أنواع ما يعم كل مكلف من العقل والعلوم الضرورية، ودعاؤه إياهم على ألسنة رسله، والتوفيق الذي يختص به من اهتدى.
والتي في الآخرة في قوله الحمد لله الذي هدانا لهذا، ولا يقدر الإنسان بهدى إلا بالدعاء، ولذا بقيت تارة، وأثبتت أخرى انتهى، "والدعاء" أي الدعوة، ومنه قوله: ولكل قوم هاد، أي داع، وتطلق على خلق الاهتداء، وهو التوفيق وذلك مختص بالله، ولذا، قال: لا تهدي من أحببت وبمعنى الدلالة والدعاء على غيره، كما "قال الله تعالى له:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} [الشورى: 52]، تدل وتدعو {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] لا عوج فيه، طريق الإسلام الموصلة إلى سعادة الدارين على القراءة المشهورة بالبناء للفاعل، وقرئ شاذا للمفعول، فهو الله، وقال تعالى فيه:{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِه} أي إرادته وتيسيره، والإذن يستعمل مجازا مشهورا في ذلك، وعبر أولا بله؛ لأنه خطاب، يقال: قال له كذا إذا خاطبه، وثانيا بفيه لعدم الخطاب؛ لأنه في حقه ووصفه فسقط زعم أنه لا وجه لتغاير المتعلقين.
وأما "البرهان" فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174] قيل: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل معجزاته وقيل القرآن.
وأما "النقيب" فروي أنه صلى الله عليه وسلم لما مات نقيب بني النجار أبو أمامة أسعد بن زرارة وجد عليه صلى الله عليه وسلم ولم يجعل عليهم نقيبا بعده، وقال:"أنا نقيبكم" فكانت من مفاخرهم، والنقيب هو شاهد القوم وناظرهم وضمينهم.
وأما "الجبار" فسمي به في مزامير داود، في قوله من مزمور أربعة وأربعين.
تقلد أيها الجبار سيفك، فإن ناموسك وشرائعك.
"وأما البرهان" الحجة الواضحة النيرة التي تعطي اليقين، وهو من أسمائه تعالى، كما في رواية ابن ماجه، "فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174]"قيل محمد صلى الله عليه وسلم" كما فسره به سفيان بن عيينة، وجزم به ابن عطية، والنسفي، والجلال، فهو المعتمد، "وقيل معجزاته، وقيل القرآن" وهو أجل معجزاته وعلى كل منها يصح تسميته بالبرهان، كما لا يخفى، "وأما النقيب فروي" عند الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن ابن أبي الرجال، "أنه صلى الله عليه وسلم" لما مات نقيب بني النجار أبو أمامة أسعد بن زرارة،، الخزرجي النجاري، شهد العقبتين، ويقال إنه أول من بايع ليلة العقبة، مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة في شوال، كما في نفس هذه الرواية المذكورة "وجد" بفتح الجيم، والمهملة حزن "عليه صلى الله عليه وسلم" فجاء بنور النجار، فقالوا: يا رسول الله مات نقيبا فنقب علينا، فقال:"أنتم أخوالي""ولم يجعل عليهم نقيبا بعده، وقال: "أنا نقيبكم"، فكانت من مفاخرهم" الجليلة، "والنقيب هو شاهد القوم وناظرهم وضمينهم" وأمينهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته، وناظر، لما عملوا وضمين لهم الجزاء الأوفى على العمل الصالح والتجاوز عن السيئات والشفاعة حتى يدخلهم الجنة، ولو بعد تعذيب، وفي الشامية أصله لغة النقب الواسع، فنقيب القوم هو الذي ينقب عن أحوالهم، فيعلم ما خفي منها.
"وأما الجبار" وهو من أسمائه تعالى، كما مر بمعناه، "فسمي به" بالبناء للمجهول، أي سماه الله في "مزامير داود" أي الصحف الإلهية المنزلة عليه "في قوله من مزمور أربعة وأربعين" مخاطبا له صلى الله عليه وسلم لتنزيله منزلة الموجود لتحققه عنده، "تقلد" أمر "أيها الجبار سيفك" أي اجعل حمائله على عاتقك، واحمله كالقلادة، وفيه إشارة إلى أنه سيؤمر بالجهاد، "فإن ناموسك" الوحي النازل عليك، أو عظمتك في قلوب الناس، "وشرائعك" جمع شريعة، ونسخة سراياك تحريف، فالذي ذكره عياض، وابن دحية شرائعك وقال في شرح الشفاء يحتمل أنه عطف تفسير، ولذا
مقرونة بهيبه يمينك؛ لأنه الجبار الذي جبر الخلق بالسيف على الحق، وصرفهم عن الكفر جبرا، قال القاضي عياض: وقد نفي الله عنه في القرآن جبرية التكبر التي لا تليق به فقال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] .
وأما "الشاهد" و"الشهيد" فسماه الله تعالى بهما في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45] أي على من بعث إليهم بتصديقهم وتكذيبهم، ونجاتهم وضلالهم. وفي قوله تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، روي أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ أنبيائهم،
وحد الخبر في قوله: "مقرونة بهيبة يمينك" أي بالخوف من سيفك فكني بما ذكر عنه، أو تجوز باليمين عما فيه.
سمي بذلك "لأنه الجبار"، أي المجاهد القتال "الذي جبر الخلق بالسيف على الحق وصرفهم عن الكفر جبرا" أو لإصلاحه أمته بالهداية والتعليم، أو لقهر أعدائه، أو لعلو منزلته على الخلق، وعظم خطره، وهو من أسمائه تعالى.
بهذه المعاني الثلاثة، كما في الشفاء وبمعنى المتكبر.
"قال القاضي عياض: وقد نفى الله عنه في القرآن جبرية" بفتح الباء وسكونها وصوب.
قال أبو عبيد أنه مولد، وأضافها إلى "التكبر" احترازا عن الجبرية بمعنى الجبر خلاف القدرية التي لا تليق به؛ لأنها من صفات الله التي لا تناسب غيره، "فقال وما أنت عليهم بجبار" لا بمتكبر، ولا متعاظم، بل أنت لين هين، تدعوهم بفق وتهديهم بناء على أن الآية محكمة، وقيل معناها بمسلط، وبه فسرها ابن عباس وغيره، وهي منسوخة آية القتال؛ لأنها مكية وآيته مدنية.
قال السيوطي فيكون حينئذ جبارا، بمعنى المسلط بعد أمره بالقتال، وهو المناسب لسياق الزور، "وأما الشاهد" العالم، أو المطلع الحاضر، "والشهيد" العليم، أو العدل المزكي، وهو من أسمائه تعالى، أي الذي لا يغيب عنه شيء أو الشهيد يوم القيامة بما علم.
قال ابن الأثير فعيل من أبنية المبالغة، في فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقا، فهو العليم، فإذا أضيف إلى الأمور الباطنة، فهو الخبير، أو إلى الظاهر، فهو الشهيد انتهى. "فسماه الله تعالى بهما" فسماه بالشاهد في قوله {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} حال مقدرة، أي مقبولا شهادتك "على من بعثت إليهم" ولهم "بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم، و" بالشهيد في قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} معدلا مزكيا.
قال البيضاوي "روى" عند مسلم بمعناه "إن الأمم يوم القيامة يجحدون" ينكرون "تبليغ أنبيائهم" لعل المراد أكثر الأمم، وقد روى الشيخان عن أبي سعيد رفعه يدعى نوح يوم القيامة،
فيطالبهم الله ببينة التبليغ -وهو أعلم بهم- إقامة للحجة على المنكرين، فيؤتي بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون، فتقول الأمم، بم عرفتم؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتي محمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته، فيشهد بعدالتهم، وهذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان الرسول كالرقيب المهيمن على أمته عدي بعلي" وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم. قاله البيضاوي.
وأما "الناشر" فسمي بذلك لأنه نشر الإسلام وأظهر شرائع الأحكام.
وأما "المزمل" فأصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي وسمي به، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يفرق من جبريل عليه السلام ويتزمل بالثياب أو ما جاءه،
فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ولأحمد والنسائي، يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك فيقال لهم هل بلغتم الحديث "فيطالبهم الله ببينة التبليغ، وهو أعلم بهم" إذ لا يغيب عنه شيء "إقامة للحجة على المنكرين، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون" للأنبياء أنهم قد بلغوا "فتقول الأمم بم عرفتم" فإنكم لا تدركوا عصرنا، "فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته" أهم عدول فتقبل شهادتهم، "فيشهد بعدالتهم" وفي فضيلة له صلى الله عليه وسلم لأن الأنبياء يسألون ولا يسأل، هو ولا أمته؛ إذ لم ينكروا تبليغه، بل شهدوا للأنبياء، "وهذه الشهادة وإن كانت لهم" للأمة المحمدية بالعدالة، "لكن، لما كان الرسول كالرقيب" الحافظ "المهيمن" المراقب، كذا في النسخ، والذي عند البيضاوي المؤتمن "على أمته عدي بعلي" لتضمينه معنى رقيبا، كما قال بعضهم، لكن ظاهر الكلام أن مجرد كون اللفظ بمعنى آخر يعدى بما يعدى به ما هو بمعناه وليس من التضمين، "وقدمت الصلة" أي قوله عليكم "للدلالة على اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم".
"قال البيضاوي" في سورة البقرة، "وأما الناشر" المظهر للشيء بعد طيه اسم فاعل من النشر، وهو البسط ومنه نشر الصحيفة، والحديث، والسحاب، "فسمي به؛ لأنه نشر الإسلام، وأظهر شرائع الأحكام" وقيل إنه بمعنى الحاشر، "وأما المزمل، فأصله المتزمل" لأنه من تزمل، "فأدغمت التاء" بعد قلبها "في الزاي وسمي به لما روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يفرق" بفتح الراء، يخاف من جبريل عليه السلام، ويتزمل بالثياب أول ما جاءه" لأنه خشي الموت
وقيل: أتاه وهو في قطيفة، وقال السدي، معناه: يا أيها النائم، وكان متلففا في ثياب نومه، وعن ابن عباس: يعني المتزمل بالقرآن وعن عكرمة بالنبوة.
وقيل من الزمل، بمعنى الحمل، ومنه الزاملة، أي: المتحمل بأعباء النبوة، وعلى هذا يكون التزمل مجازا.
قال السهيل: ليس "المزمل" باسم من أسمائه يعرف به، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب بترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه -وقد نام ولصق جنبه بالتراب: "قم أبا
من شدة الرعب، أو تعيير الكفار له، أو أن يقتلوه، أو عدم الصبر على أذاهم، أو تكذيبهم إياه، أو المرض، أو دوامه، أو العجز عن رؤية الملك، أو مفارقة الوطن، كما تقدم مبسوطا في بدء الوحي، وقيل سمي به؛ لأن جبريل "أتاه، وهو" صلى الله عليه وسلم متزمل "في قطيفة" كساء له خمل، "وقال السدي" بالضم وشد الدال إسماعيل بن عبد الرحمن، والمفسر المشهور "معناه" أي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} الآية، "يا أيها النائم وكان متلففا في ثياب نومه" لما جاءه.
"وعن ابن عباس، يعني المتزمل بالقرآن" على الاستعارة، "وعن عكرمة بالنبوة وقيل" أنه "من الزمل بفتح الزاي وسكون الميم، "بمعنى الحمل" مصدر زمل الشيء حمله "ومنه" قيل للبعير "لزاملة" لأنه يحمل متاع المسافر، والهاء للمبالغة، كما في المصباح، "أي المتحمل بأعباء" بالفتح أثقال "لنبوة. وعلى هذا" المذكور من تفسير ابن عباس وعكرمة وما بعده "يكون التزمل مجازا" لأن حقيقته التلفف بالثياب.
"قال السهيلي" الإمام الحافظ الشهير عبد الرحمن "ليس المزمل باسم من أسمائه" صلى الله عليه وسلم "يعرف به، وإنما هو مشتق من حالته التي كان التلبس" حاصلا "بها حالة الخطاب، والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب" بالفتح "بترك المعاتبة، نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها" حال النداء، "كقول النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء بيت فاطمة فلم يجد عليا، فقال: "أين ابن عمك"؟، قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يقل عندي، فقال صلى الله عليه وسلم لإنسان: "انظر أين هو"، فقال هو في المسجد راقد، فجاء صلى الله عليه وسلم، فقال "لعلي رضي الله عنه، وقد نام ولصق" بكسر الصاد "جنبه بالتراب".
وفي رواية فخلص ظهره إلى التراب قال الحافظ وكأنه نام أولا على مكان، لا تراب فيه، ثم انقلب فصار ظهره على التراب، أو سفي عليه التراب، فجعل صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول "قم" يا "أبا
تراب" إشعارا بأنه ملاطف له، فقوله:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] فيه تأنيس وملاطفة. وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان متزملا مرطا طوله أربعة عشرة ذراعا، نصفه علي وأنا نائمة ونصفه عليه، فكذب صراح؛ لأن نزول يا أيها المزمل بمكة في أول مبعثه، ودخوله بعائشة كان بالمدينة.
وأما "المدثر" فأصله: المتدثر، فأدغمت التاء في الدال. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي. فلم أر شيئا، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء والأرض -يعني الملك الذي ناداه- فرعبت
تراب" وفي رواية "اجلس يا أبا تراب" مرتين والحديث في الصحيحين وغيرهما عن سهل بن سعد.
قال سهل: وما كان لعلي اسم أحب إليه منه "إشعارا بأنه ملاطف له، لما كان بينه وبين الزهراء من المغاضبة "فقوله: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فيه تأنيس وملاطفة، وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان متزملا مرطا" بكسر فسكون، كساء "طوله أربعة عشر ذراعا نصفه علي، وأنا نائمة ونصفه عليه فكذب صراح" خالص "لأن نزول يا أيها المزمل" كان "بمكة في أول مبعثه ودخوله بعائشة كان بالمدينة" وإنما الوارد عن عائشة لما نزلت يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، قاموا نة حتى ورمت أقدامهم فنزلت:{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} . أخرجه الحاكم، وروى ابن جرير مثله عن ابن عباس وغيره، وهو مرسل؛ لأنهما لما يدركا ذلك، لكنه موصول حكما.
"وأما المدثر، فأصله المتدثر" لأنه من تداثر إذا تلفف في الدثار، وهو الثياب، "فأدغمت التاء في الدال" بعد القلب، "وروي" في الصحيحين من حديث جابر، ولا يقال في مثله.
روى "أنه عليه الصلاة والسلام، قال: "كنت بحراء" بكسر الحاء وخفة الراء، والمد، والتذكير والصرف على الصحيح جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال، ولفظ الشيخين "جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري هبطت" "فنوديت فنظرت، عن يميني" فلم أر شيئا، "و" نظرت عن "شمالي فلم أر شيئا" ونظرت خلفي فلم أر شيئا "فنظرت فوقي فإذا هو" أي المنادي المستفاد من نوديت ولفظ الصحيحين "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" "على عرش" أي سرير كرواية على كرسي "بين السماء والأرض" وأتى بقوله "يعني الملك الذي ناداه" لذكره الرواية بالمعنى "فرعبت" منه، بضم الراء، وكسر العين مبني للمفعول، واقتصر عليه النووي، وللأصيلي.
ورجعت إلى خديجة فقلت: دثروني دثروني، فنزل جبريل وقال: يا أيها المدثر". وعن عكرمة: يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها قد تدثرت هذا الأمر فقم به.
وقيل: ناداه بالمزمل والمدثر في أول أمره، فلما شرع خاطبه الله تعالى بالنبوة والرسالة.
وأما "طه" فروى النقاش عنه عليه الصلاة والسلام: "لي في القرآن سبعة أسماء" فذكر.
بفتح الراء وضم العين، أي نزعت.
قال الحافظ: وهذا يدل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج، "ورجعت إلى خديجة فقلت: دثروني دثروني" مرتين، هكذا في الصحيحين في التفسير وللبخاري "زملوني زملوني"، ورجحت الأولى باتفاقهما، وبأنها كما قال الزركشي أنسب بقوله، "فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر"، إيناسا له وتلطفا والمعنى يا أيها المدثر بثيابه على الصواب الذي عليه الجمهور، كما قال النووي، وعن عكرمة يا أيها المدثر بالنبوة، وأثقالها، وقد تدثرت هذا الأمر" كالمدثر بالثياب "فقم به" مقام تصميم، فهو مجاز، وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة صنع طعاما لقريش، فلما أكلوا، قال: ما تقولون في هذا الرجل، فقال بعضهم ساحر، وبعضهم كاهن، وبعضهم شاعر، وبعضهم سحر يؤثر فحزن صلى الله عليه وسلم وقنع رأسه، وتدثر، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدثر} إلى قوله {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} ، "وقيل ناداه بالزمل، والمدثر في أول أمره" بالتبليغ بعد ثلاث سنين، لا في أول ما أوحى إليه كما توهمه من جعلها أول ما نزل، كما مر بسطه، "فلما شرع" في الإنذار والتبليغ "خاطبه الله تعالى بالنبوة والرسالة" أي يا أيها النبي، يا أيها الرسول، إجلالا له وتبجيلا ولم يناده باسمه في القرآن ويرحم الله القائل:
ودعا جميع الرسل كلا باسمه
…
ودعاك وحدك بالرسول وبالنبي
وذكر السهيلي أيضا نحو ما مر في المزمل من أنه ملاطفة وتأنيس على عادة العرب، كقوله عليه السلام لحذيفة:"قم يا نومان"، فلو ناداه تعالى باسمه، أو بالأمر المجرد من الملاطفة وهو في تلك الحالة لهاله ذلك، فلما بدأه بالمدثر علم رضاه عليه وهو مطلوبه وبه كانت تهون عليه الشدائد، فإن قيل كيف ينتظم يا أيها المدثر مع قم فانذر، وما الرابط بينهما في البلاغة، قلنا من صفته ما قاله صلى الله عليه وسلم:"أنا النذير العريان والنذير المجد بجرد ثوبه"، والتدثر ضده، ففيه أطباق بين والتئام بديع وسمانة في المعنى، وجزالة في اللفظ انتهى.
"وأماطه فروي النقاش عنه عليه الصلاة والسلام لي في القرآن سبعة أسماء، فذكر
منها طه: قيل: هو اسم الله تعالى، وقيل معناه: يا رجل، وقيل: يا إنسان، وقيل: يا طاهر يا هادي يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مروي عن الواسطي، وقيل معناه: يا مطمع الشفاعة للأمة، ويا هادي الخلق إلى الملة، وقيل: الطاء في الحساب بتسعة والهاء بخمسة وذلك أربعة عشر فكأنه قال: يا بدر، وهذا من محاسن التأويل، لكن المعتمد أنهما من أسماء الحروف.
وأما "يس" فحكى أبو محمد مكي.
منها طه، كما تقدم لفظه قبل سرد الأسماء، "قيل هو اسم الله تعالى" حكاه عياض وغيره ونقل عن ابن عباس، فيكون ما سمي به من أسمائه تعالى، وقيل "معناه يا رجل" أي رجل وحرف النداء مقدر معه. ورواه البيهقي عن ابن عباس: وقال به جماعة وهل بالنبطية، وهي لغة سواد العراق أو السريانية أو الحبشية أو عك أو عكل خلاف بسطه المصنف في المقصد السادس، وقال فيه إن الزمخشري، قال: كان أصله يا هذا فقلبوا الياء طاء واقتصروا عليه وإن أبا حيان رده بأنه لا يوجد في لسان العرب قلب ياء النداء طاء، ولا حذف اسم الإشارة وإبقائها التنبيه "وقيل" معناه " يا إنسان نقله البغوي عن الكلبي وقال إنه لغة عك وغاير يا رجل من حيث شموله لغة للأنثى لفظا وإن كان المراد الذكر صلى الله عليه وسلم، "وقيل" معناه "يا طاهر" من كل ذنب وعيب و"يا هادي" إلى كل خير، فكل حرف منه بعض اسم فهو اسم مركب من أسمى حرفين، كما قيل في الم "يعني النبي صلى الله عليه وسلم" وهو مروي عن الواسطي" أبي بكر محمد بن موسى، الإمام العارف من كبار أتباع الجنيد له، تكلم في أصول التصوف حسن وكرامات، توفي بمرو بعد العشرين وثلاثمائة، وهذا المروي عنه نقله عياض في الباب الأول ولفظه.
قال الواسطي أراد يا طاهر يا هادي، فقول الشامي بعد أن حكاه بقيل ذكره الواسطي، أي القيل استنباطا من عند نفسه، لا حكاية عن بعضهم بلفظ، قيل، كما توهم، "وقيل معناه" يا مطمع" بضم الميم، وسكون الطاء اسم فاعل من أطمع "الشفاعة للأمة" ويا هادي الخلق إلى الملة" وهذا من نمط ما قبله من أن كل حرف بعض اسم، "وقيل الطاء في الحساب بتسعة، والهاء بخمسة وذلك أربعة عشر فكأنه، قال يا بدر"، فإن الباء باثنين والدال بأربعة، والراء بثمانية، وهذه الأقوال الثلاثة التي بعد يا إنسان "من محاسن التأويل" وصرح في المقصد السادس، وقد ذكر الأقوال الثلاثة بأن هذه الأقوال، لا يعتمد عليها؛ إذ هي كما قال المحققون من بدع التفسير، ويحتمل هنا عود اسم الإشارة، لما قبل الثلاثة أيضا لقوله "لكن المعتمد أنها من أسماء الحروف" التي رجح جماعة أنها مما استأثر الله بعلمه.
"وأما يس، فحكى أبو محمد مكي" بن أبي طالب بن محمد القيسي، الفقيه المالكي،
أنه روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لي عند ربي عشرة أسماء" ذكر منها "يس" وقد قيل معناه" يا إنسان بلغة طيء، وقيل بالحبشية، وقيل بالسريانية، وأصله كما قاله البيضاوي، وابن الخطيب وغيرهما: يا أنيسين: فاقتصر على شطره لكثرة النداء به وقيل يس. لكن تعقب بأنه لا يعلم أن العرب قالوا في تصغيره أنيسين، وأن الذي نقل عنهم في تصغيره أنيسيان، بياء بعدها ألف،.
الأديب المقرئ غلب عليه علم القرآن وكان راسخا فيه، أخذ عن ابن أبي زيد والقابسي بالقيروان ورحل وحج، فأخذ عن ابن فارس وإبراهيم المروزي وجماعة، ثم عاد إلى قرطبة فعلا ذكره، ورحل الناس إليه من كل قطر، وله تصانيف كثيرة روى عنه ابن عتاب وغيره مات سنة سبع وثلاثين وأربعمائة "أنه روى" بالبناء للمفعول "عنه عليه الصلاة والسلام أنه، قال: "لي عند ربي" أي في علمه يعني أن الذي سماه اعتناء وتكريما "عشرة أسماء" ذكر منها يس" ولفظه أنا محمد وأحمد، والفاتح والخاتم، وأبو القاسم والحاشر والعاقب والماحي ويس وطه، أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم عن أبي الطفيل، وضعفه ابن دحية، وتبعه السيوطي بأن فيه أبا يحيى وضاع، وسيف بن وهب ضعيف.
قال الشامي: وليس كذلك، فإن أبا يحيى التيمي اثنان إسماعيل بن يحيى الوضاع المجمع على تركه وليس هو الذي في سند هذا الحديث. وإسماعيل بن إبراهيم التيمي، كذا سمي هو، وأبوه، في رواية ابن عساكر، وهو كما قال الحافظ في التقريب ضعيف انتهى، أي لا وضاع فيكون في سنده ضعيفان، فهو ضعيف فقط، ورواه البيهقي عن محمد بن الحنفية مرسلا فيعتضد وقول السهيلي لو كان من أسمائه، لقيل يس بالضم رده تلميذه ابن دحية بأنه غير لازم مع أنه قرئ بالضم أيضا "وقد قيل معناه" يا "إنسان" بلغة طيء" قاله ابن عباس والحسن وغيرهما، "وقيل بـ" اللغة "الحبشية" قاله مقاتل، "وقيل بالسريانية" حكاه الكلبي، وقيل بلغة كلب، "وأصله، كما قال البيضاوي وابن الخطيب"، الإمام فخر الدين الرازي "وغيرهما" كالزمخشري "يا أنيسين فاقتصر على شطره" بعضه "لكثرة النداء به"، كما، قيل م الله في ايمن الله، "وقيل" حين اقتصر "يس" وهذا لفظ الزمخشري وتبعه البيضاوي بادئا له بلفظ، قيل ولفظ الرازي وتقريره أن تصغير إنسان أنيسين وكأنه أخذ الصدر وحذف العجز، وقيل يس فعلى هذا يكون الخطاب معه صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه إنك لمن المرسلين، "لكن تعقب" المتعقب أبو حيان، "بأنه لا يعلم" بالبناء للمفعول "أن العرب، قالوا في تصغيره أنيسين" كما ادعاه الزمخشري وموافقوه "وأن الذي نقل عنهم في تصغيره أنيسيان بياء بعدها ألف" قال أعني أبا حيان، فدل على أن أصله أنسيان؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ونحوه في المصباح وظاهرهما أنه لم
وبأن التصغير من التحقير الممتنع في حق النبوة لنصهم على أن التصغير لا يدخل في الأسماء العظيمة شرعا، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الرابع من النوع الخامس من أنواع المقصد السادس. وعن ابن الحنفية: معناه يا محمد، وعن أبي العالية: يا رجل، وعن أبي بكر الوراق: يا سيد البشر، وعن جعفر الصادق: يا سيد مخاطبة له عليه الصلاة والسلام وفيه من تعظيم على تفسير أنه يا سيد ما فيه.
يسمع في تصغيره إلا هذا.
لكن قال شيخنا في التقرير هو معارض بنقل الرازي والزمخشري وغيرهما؛ لأنهم مثبتون، وأبو حيان ناف فيقدم المثبت؛ لأن النافي لم يصحبه دليل نفيه، وأما قوله الذي نقل عنهم فباعتبار ما بلغه، "وبأن التصغير من التحقير الممتنع في حق النبوة لنصهم" أي العلماء، "على أن التصغير، لا يدخل في الأسماء العظيمة شرعا" كأسماء الله، وأنبيائه لإبهامه التحقير، وإن جاء للتعظيم في قوله دويهة؛ لأنه إنما جاء فيما يجوز تصغيره، فصغروه تلطفا منهم، كما قيل:
ما قلت حبيبي من التحقير
…
بل يعذب اسم الشيء بالتصغير
وأجاب شيخنا في التقرير باحتمال جواز دخوله فيها، لا بقصد التحقير، لكنه مجرد احتمال صادمه النص.
قال المصنف في المقصد السادس نصوا على أن التصغير لا يدخل في الأسماء المعظمة شرعا، ولذا حكي أن ابن قتيبة، لما قال المهيمن مصغره مؤمن، وأصله مؤيمن، فأبدلت الهمزة هاء، قيل له هذا يقرب من الكفر فليتق الله قائله انتهى، وهذا صريح في صحة قوله هنا لنصهم من النص، ويقع في بعض النسخ لنصبهم بزيادة ميم وموحدة على أنه تعليل لامتناعه في حق النبوة، أي لمنصبهم العظيم، ثم ما بعده علاوة مفيدة للترقي، والمعنى فإذا كان كذلك في حق كل عظيم فالمصطفى أولى، "ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الرابع من النوع الخامس من أنواع المقصد السادس، وعن ابن الحنفية" محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، الثقة العالم المدني، المتوفى بعد الثمانين من رجال الستة اشتهر بأمه، "معناه يا محمد وعن أبي العالية" رفيع براء، ففاء مصغر ابن مهران بكسر الميم الرياحي، بكسر الراء، وتحتية التابعي الثقة معناه "يا رجل" والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم، "وعن أبي بكر الوراق" معناه "يا سيد البشر" ويلزم منه سيادته على غيرهم لشرف نوع الإنسان حتى على الملك على الأصح المرتضى، وعن جعفر الصادق، لصدقه في مقاله ابن محمد الباقر بن علي بن الحسين، "يا سيد مخاطبة له عليه الصلاة والسلام" بفتح الطاء، والنصب بفعل مقدر، أي خاطبه به مخاطبة مخصوصة به، والتوجيه من جعفر، كما في الشفاء قائلا، "وفيه من تعظيمه" وتمجيده "على تفسير يا سيد ما فيه" قال
وأما "الفجر" فقال ابن عطاء في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] ، الفجر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن منه تفجر الإيمان.
وهو تأويل غريب
شارحه فيه إيجاز ومبالغة، أي فيه أمر عظيم، لا يمكن الوقوف عليه، كقوله الحاقة، ما الحاقة لوصفه بالسيادة المطلقة المفيدة للعموم في المقام الخطابي فيفيد تفوقه على من سواه؛ لأنه واسطة كل خير، وهو اكتفاء ببعض الكلمة عن باقيها، وسمع من العرب حكاه سيبويه وغيره فيقولون: ألاتا، بمعنى ألا تفعل، فيقول: بلى، فا أي أفعل وفي الحديث كفى بالسيف شا أي شاهدا وقال التجاني التحقيق إنهم يكتفون ببعض حروف الكلمة معبرين باسم بعض حروفها كقوله:
قلت لها قفي فقالت قاف
أي وقفت، فيحتمل أن يس عبر عنه باسمين من أسماء حروفه، لا بمسماه، كما، قاله الرازي، وإن كانت العرب قد تكتفي ببعض الكلمة كقوله:
كانت مناها بأرض لا يبلغها
أي منايها وقوله:
درس المنا بمتالع فابان
أي المنازل ونظائره كثيرة، وليس من ترخيم غير المنادى، بل من ذكر حرف من كلمة إشارة إلى بقيتها انتهى ملخصا.
"وأما الفجر، فقال" الإمام أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل "بن عطاء" الزاهد البغدادي المعروف بالآدمي، قيل: كان يختم كل ليلة ختمة، وصحب الجنيد، مات سنة تسع، أو إحدى عشرة وثلاثمائة فـ "في قوله تعالى:{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} الفجر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه منه تفجر الإيمان" بفتح التاء وضم الجيم الثقيلة مصدر، وبفتح الجيم فعل، فالإيمان بالجر والرفع من تفجر الصبح طلع، قاله ابن رسلان أما على تشبيه الإيمان بالنور المشرف من أفق الوحي الماحي لظلمة الكفر، أو استعارة مكنية لتشبيهه بالماء، وإثبات التفجر له تخييل، قاله الدلجي، وقال غيره الأحسن أن يشبه الصبح، وأنواره بماء تفجر، ثم يستعار ذلك لشهرته، لما ظهر منه صلى الله عليه وسلم من الدين والتوحيد كما قال ابن تميم:
انظر إلى الصبح المنير، وقد بدا
…
يغشى الظلام بمائه المتدفق
غرقت به زهر النجوم، وإنما
…
سلم الهلال لأنه كالزورق
"وهو تأويل غريب" لأنه خلاف الظاهر، والقرآن والأحاديث لا يعدل عن ظاهرها إلا
لم ير لغيره، والصواب أنه الفجر المفسر بالصبح في قوله تعالى:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس} [التكوير: 18] .
وأما "القوي" فقال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] قيل محمد، وقيل جبريل عليهما الصلاة والسلام، وسيأتي في المقصد الثالث ما في ذلك.
وأما ما قاله ابن عطاء في قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله،
بدليل "لم ير لغيره" وقد اعترضوه بأنه مع غرابته بعيد مخل بالانتظام، فإن عطف ليال عشر عليه بالواو، ومن غير جهة جامعة، كقولك الشمس ومرارة الأرنب والبازنجان محدثة مخل بالبلاغة، وأجيب بأن من فسر الفجر به يفسر الليالي بعشر رمضان، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها في العبادة والخيرات التي لا تحصى، فيصير المعنى على هذا أقسم بمحمد صلى الله عليه وسلم في حالته التي جد في عبادتي والتقرب إلي فيها، وأي مناسبة أتم من هذه "و" لكن "الصواب" وهو قول المحققين من المفسرين "أنه" على حقيقته، وهو الفجر المفسر بالصبح"، أو فلقه "في قوله تعالى {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس} امتد حتى يصير نهارا بينا، أو هو بتقدير مضاف، أي صلاة الفجر والليالي العشر عشر ذي الحجة فلا شاهد في الآية على أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم "وأما القوي" من الصفات المشبهة، أي الشديد المتمكن، وهو من أسمائه تعالى، ومعناه القادر، كما قال الخطابي وعياض، "فقال تعالى:{ذِي قُوَّةٍ} على تبليغ ما حمله من الوحي، أي القرآن {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} أي مكين رفيع المحل عند ربه.
"قيل محمد، وقيل جبريل عليهما الصلاة والسلام، وسيأتي في المقصد الثالث ما في ذلك" وهو ترجيح أنه جبريل" وأما ما قاله ابن عطاء" نسبه إلى جده، كما علم في قوله تعالى:{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فق بمعنى قوة على نهج الأكتفاء كقوله:
قلت لها قفي، فقالت قاف
"حيث حمل" تجمل وأطاق "الخطاب" من الله، "والمشاهدة" له سبحانه ليلة الإسراء، أو مشاهدة الملكوت ومهابته مما تنهد له الجبال، أو مشاهدة التجليات القلبية، "ولم يؤثر ذلك فيه" أي لم يصعب ويشق عليه حتى يمنعه من تحمل مثله "لعلو حاله" تعليل لما قبله، أي إن
فلا يخفى ما فيه.
وأما "النجم" فعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن في تفسير قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] أنه محمد صلى الله عليه وسلم {إِذَا هَوَى} إذا نزل من السماء ليلة المعراج، وحكى السلمي قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق: 1-3] أن النجم هنا محمد صلى الله عليه.
له حالا في ثبات الجنان ورفعة الشأن، لما رسخ في قلبه من اليقين، "فلا يخفى ما فيه" إذ لا إشعار له بذلك، بل صرح فيه أنه أقسم بالقرآن ولفظ ق يحتمل أن أقسم به أيضا، وأنه اسم للسورة، أو الجبل، أو الأمر، أو غير ذلك فاستنباط مثل ذلك من مجرد لفظ، لا يدل عليه، لا ينبغي في القرآن، وقد عورض بالمثل، فقيل: لم لا يجوز أن يكون من قدرة الله؟، "وأما النجم فعن جعفر" الصادق "بن محمد" الباقر "بن علي" زين العابدين "بن الحسين" السبط ابن علي رضي الله عنهم أن جعفرا قال "في تفسير قوله تعالى:{وَالنَّجْمِ} أنه محمد صلى الله عليه وسلم" وإن معنى قوله: "{إِذَا هَوَى} إذا نزل من السماء ليلة المعراج" من الهوى بفتح الهاء وشد الياء وهو الذهاب في انحدار، لا بضمها؛ لأنه الذهاب في ارتفاع، وقال جعفر أيضا النجم قلب محمد هوى انشرح من الأنوار.
وقال أيضا في هوى انقطع عن غير الله، كما في الشفاء.
"وحكى" أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين الأزدي "السلمي" بضم، ففتح نسبة إلى جد له اسمه سليم النيسابوري، الحافظ، المحدث، الورع، الزاهد، الصوفي، صاحب التصانيف نحو المائة سمع الأصم وغيره، وعنه الحاكم وغيره، وهو ثقة، كما قال الخطيب.
قال السبكي، وهو الصحيح، ولا عبرة بقول القطان أنه كان يضع للصوفية، وله كرامات وتوفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة "في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} ، أعلمك "ما الطارق" مبتدأ وخبر في محل المفعول الثاني لأدري وما بعد ما الأولى خبرها، وفيه تفخيم لشأن الطارق، هو "النجم الثاقب" المضيء كأنه يثقب الظلام لشدة إضاءته أبهمة ثم فسره للتعظيم.
"إن النجم هنا محمد صلى الله عليه وسلم" فسماه النجم، وأقسم به قال النعماني في الآية الأولى: ويعجبني هذا التفسير لوجوه فإنه صلى الله عليه وسلم نجم هداية، خصوصا لما هدى إليه من فرض الصلاة تلك الليلة، وقد علمت منزلتها من الدين، ولأنه أضاء في السماء والأرض، وللتشبيه بسرعة السير، ولأنه كان ليلا، وهو وقت ظهور النجم، فلا يخفى على ذي بصر، وأما أرباب البصائر،
والصحيح: أن المراد به النجم على ظاهره، وسمي به لأنه يهتدى به في طرق الهدى كما يهتدي بالنجم.
وأما "الشمس" فسمي بها عليه الصلاة والسلام لكثرة نفعه، وعلو رفعته، وظهور شريعته، وجلالة قدره وعظم منزلته؛ لأنه لا يحاط بكماله، حتى لا يسع الرائي له أن ينظر إليه ملء عينيه إجلالا له، كما أن الشمس في الرتبة أرفع من غالب الكواكب لأنها في السماء السادسة، والانتفاع بها أكثر من غيرها كما لا يخفى، ولا يدركها البصر لكبر جرمها،
فلا يمترون كالصديق، "و" لكن "الصحيح" في الآيتين "إن المراد به النجم على ظاهره" أي الثريا، كما اختاره ابن جرير والزمخشري، وصححه السمين؛ لأنه علم لها بالغلبة، قال عمر بن أبي ربيعة:
أحسن النجم
في السماء الثريا
…
والثريا في الارض زين السماء
أو الزهرة أو كل نجم، وقيل غير ذلك في الآية الأولى، وفي الثانية أيضا الثريا، أو كل نجم، أو زحل "و" إنما "سمي به" صلى الله عليه وسلم على التشبيه البليغ، أو الاستعارة من مطلق النجم، أو من نجم مخصوص "لأنه يهتدى به في طريق الهدى، كما يهتدى بالنجم" أو لأنه استنارت به ظلمات الجهل، فإن خص بزحل فوجه الشبه الإضاءة مع الرفعة، وأما الشمس، وهي في الأصل كوكب النهاري، "فسمي بها عليه الصلاة واللام" لما لم ير في الكاتب، ولا السنة تسميته بها وجه التسمية، بقوله:"لكثرة نفعه وعلو رفعته وظهور شريعته" كالشمس، فإنها ظاهرة مرتفعة كثيرة النفع، "وجلالة" قدره وعظم منزلته لأنه لا يحاط بكماله" تعليل للذين قبله، "حتى، لا يسع الرائي له أن ينظر إليه ملء عينيه إجلالا له، كما أن الشمس في الرتبة أرفع من غالب الكواكب" أتى بغالب لأن زحل أرفع منها لأنه في السابعة، وعليه قول الطغرائي:
فإن علاني من دوني، فلا أسف
…
لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
"لأنها في السماء السادسة" عند المحققين من متأخري أهل الهيئة، وقيل في الرابعة.
حكاه القرطبي، وجزم به ابن كثير وصحح ابن العماد أنها في السماء الدنيا، "والانتفاع بها أكثر من غيرها، كما لا يخفى" لأنها تنضج الزرع وتشد الحب وترطب البدن، ولا يدركها البصر، بل تكاد تخطفه وتعميه "لكبر جرمها" حتى قيل إنها قدر الأرض مائة وستين مرة، وقيل وخمسين، وقيل وعشرين أو لأن نور الأنبياء مستمد من نوره، كما قال البوصيري:
وكل آي آتى الرسل الكرام بها
…
فإنما اتصلت من نوره بهم
فلما كان سائر الكواكب يستمد من نورها ناسب تسميته عليه الصلاة والسلام بها. وأما "النبي" والرسول فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه خاطبه تعالى بهما من القرآن دون سائر أنبيائه.
ثم إن النبوءة بالهمزة مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، وقد لا تهمز تسهيلا. أي أن الله أطلعه على غيبه وأعلمه أنه نبيه، فيكون نبيا منبأ، أو يكون مخبرا عما بعثه الله به ومنبأ بما أطلعه الله تعالى عليه. وبغير الهمز يكون مشتقا من النبوة
كما أن سائر الكواكب مستمد من نور الشمس، وعلى هذا يتفرع قوله:"فلما كان سائر الكواكب يستمد من نورها".
قال الشامي بمعنى أن نورها، لما كان مغمرا في نور الشمس فكأنه مستمد منه، وإلا فهي جوهر شفاف، لا لون لها مضيئة بذواتها، أو بكواكب أخرى مستترة عنا، لا نشاهدها إلا القمر، فإنه كمل في نفسه انتهى.
"ناسب تسميته عليه الصلاة والسلام بها" وقال أبو بكر بن العربي في وجه الشبه بالشمس أوجه منها: "إنها لا تطلع حتى يتقدمها الفجر الأول، والثاني مبشرين بها، وكذلك لم يبعث صلى الله عليه وسلم حتى بشر به الأنبياء، والمرسلون ووصفته الكتب المنزلة، ومنها إن للشمس إحراقا وإشراقا، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم لبعثته نور يشرق في قلوب أوليائه ولسيوفه نار تحرق قلوب أعدائه، ومنها أن فيها هداية ودلالة، وكذلك صلى الله عليه وسلم هدى من الضلالة، ودل على الرشاد، ومنها أنها سيدة الأنوار الفلكية، وهو صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء، "وأما النبي، والرسول فمن" أي وجه تسميته بهما.
إن من "خصائصه صلى الله عليه وسلم" كا جزم به عياض وغيره "أنه خاطبه تعالى بهما في القرآن" ولم يخاطبه فيه باسمه في النداء، وذكر في الخبر لأنه ورد مورد التعيين، كقوله محمد رسول الله، وما محمد إلا رسول؛ لأن صاحب هذا الاسم هو الرسول، ونحو قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لما لم يرد هذا المورد لم يذكر اسمه "دون سائر أنبيائه"، فإنه خاطبهم بأسمائهم يا آدم يا نوح يا إبراهيم يا داود يا زكريا يا عيسى يا يحيى، "ثم إن النبوءة بالهمز مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، وقد لا تهمز تسهيلا" بإبدال الهمزة واو وإدغامها فيما بعدها، أي" سمي بالنبي المأخوذ من النبا لأجل "إن الله أطلعه على غيبه، واعلمه أنه نبيه، فيكون" معنى "نبيا منبأ" بفتح الباء، فهو فعيل بمعنى مفعول، "أو يكون" بمعنى "مخبرا عما بعثه الله به، ومنبأ بكسر الباء للناس "بما أطلعه تعالى عليه" فهو فيعل بمعنى فاعل "وبغير الهمز" وهو الأكثر قيل مخفف المهموز بقلب همزته وقيل إنه الأصل، فـ"يكون مشتقا من
وهو ما ارتفع من الأرض، أي أنه لا له رتبة شريفة ومكانة عند الله منيفة. قال الشيخ بدر الدين الزركشي في شرح البردة: وكان نافع يقرأ، النبيء -بالهمزة- في جميع القرآن والاختيار تركه.
وهو لغة النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في الحديث أن رجلا قال: يا نبيء الله -يعني بالهمزة- فقال: "لست نبيء الله، ولكني نبي الله"، فأنكر الهمز لأنه لم يكن من لغته عليه الصلاة والسلام.
وقال الجوهري والصغاني: إنما أنكره لأن الأعرابي أراد: يا من خرج من مكة إلى المدينة، يقال: نبأت من أرض إلى أرض، إذا خرجت منها إلى أخرى.
وتكلم جماعة.
النبوة" بفتح النون وسكون الباء، "وهو ما ارتفع من الأرض" لأن رتبته مرفوعة على سائر الخلق، كما قال: "أي إن له رتبة شريفة ومكانة عند الله منيفة" زائدة في الارتفاع عطف تفسير لرتبة.
"قال الشيخ بدر الدين الزركشي في شرح البردة، وكان نافع" بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، القاري، المدني، الأصبهاني الأصل، صدوق، ثبت في القراءة، توفي سنة تسع وتسعين ومائة، "يقرأ النبي بالهمزة في جمع القرآن، والاختيار" من حيث اللغة، أو العربية، لا النقل لتواتره، "تركه" للحديث الآتي، "وهو لغة" عطف علة على معلولها، أي أنه لغة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي سجية له، فلا ينافي نطقه بغيرها لتواتر الهمز عنه أيضا "وقد جاء في الحديث أن رجلا، قال: يا نبيء الله يعني بالهمزة، فقال" صلى الله عليه وسلم "لست نبيء الله" بالهمزة، "ولكن نبي الله" بلا همز.
قال الزركشي: "فأنكر الهمز لأنه لم يكن من لغته عليه الصلاة والسلام، وقال الجوهري" الإمام المشهور أبو نصر إسماعيل بن حماد "والصغاني" الحسن بن محمد العلامة الشهير، ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة ومات سنة خمسين وستمائة، وفي اللب الصغاني بمهملة ومعجمة نسبة إلى الصغانيات بلاد وراء نهر جيحون، وإلى صاغان قرية بمرو "إنما أنكره لأن الأعرابي أراد يا من خرج من مكة إلى المدينة" فيحتمل إنه أراد يا طريدا من بلده إلى غيرها لأنه "يقال" كما حكاه أبو زيد عن العرب "نبأت" بالهمز "من أرض إلى أرض إذا خرجت منها إلى أخرى". فلذا نهاه، لا لكونه ليس من لغته، وهذا هو الأحسن، فإنه صلى الله صلى عليه وسلم كان يخاطب كل ذي لغة بليغة بلغته اتساعا في الفصاحة، كما يأتي للمصنف، ولم ينكر على أحد لغته، ولا نهاه عنها، فكيف ينكر الهمز الذي نزل عليه بمجرد كونه ليس لغته السجية له، "وتكلم جماعة من القراء في هذا
من القراء في هذا الحديث: وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي الأسود عن أبي ذر، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفيما قاله نظر، فإن فيه الحسين الجعفي، كذا قاله بعضهم وليس من شرطهما، ورواه أبو عبيد: حدثنا أبو محمد بن سعد عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين الكوفي أن رجلا.... الحديث، وهذا منقطع، انتهى.
والرسول: إنسان بعثه الله إلى الخلق بشريعة مجددة يدعو الناس إليها.
واختلف هل هما بمعنى أو بمعنيين؟
الحديث، وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي الأسود، عن أبي ذر، وقال صحيح على شرط الشيخين، وفيما قاله" الحاكم "نظر، فإن فيه الحسين" بن علي بن الوليد "الجعفي، كذا قاله بعضهم" تبرأ منه لأنه ثقة عابد أخرج له الستة، كما في التقريب، فلا يصح قوله "وليس من شرطهما" ولعله تصحف عليه، فإن الإمام الذهبي، قال: إنه حديث منكر وفي سنده حمران بن أعين وليس بثقة، "ورواه أبو عبيد" القاسم بن سلام بالتشديد البغدادي، الإمام المشهور الحافظ، الثقة، الفاضل، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين، فقال: "حدثنا أبو محمد بن سعد" الأنصاري، الأشهلي، أبو سعد المدني، نزيل بغداد صدوق مات على رأس المائتين.
روى له النسائي عن حمزة بن حبيب الزيات" القارئ الكوفي التميمي، مولاهم صدوق زاهد.
روى له مسلم والأربعة، ولد سنة ثمانية، ومات سنة ست، أو ثمان وخمسين ومائة، "عن حمران" بضم الحاء المهملة "ابن أعين الكوفي" مولى بين شيبان ضعيف رمي بالرفض، "أن رجلا الحديث، وهذا منقطع" وقد وصله الحاكم، عنه عن أبي الأسود عن أبي ذر "انتهى" كلام الزركشي، وعطف على قوله، ثم إن النبوءة على سبيل اللف، والنشر المرتب قوله:"والرسول إنسان" ذكر حر أكمل معاصريه إلا الأنبياء "بعثه الله إلى الخلق بشريعة مجددة يدعو الناس إليها" فخرج من دعا إلى شريعة من قبله كأنبياء بني إسرائيل، فإنهم كانوا يدعون إلى شريعة موسى، فهم أنبياء لا رسل لكن نوقض بإسماعيل فإنه أرسل بشريعة أبيه، وقد قال تعالى {وَكَانَ رَسُولًا} فإن صح إرساله بشرع أبيه، ففي الآية مجاز، "اختلف هل هما" النبي والرسول، "بمعنى، أبو بمعنيين" ذكره بعد التعيف بوهم جريانه على كل قول وليس بمراد، فالأولى
فقال بالأول قوم مستدلين بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِي} [الحج: 52] فأثبت لهما معا الإرسال. وعلى هذا فلا يكون النبي إلا رسولا، ولا يكون الرسول إلا نبيا.
وقال آخرون بالثاني، وأنهما يجتمعان في النبوة التي هي الاطلاع على الغيب والإعلام بخواص النبوة أو الرفعة بمعرفة ذلك وحوز درجتها، وافترقا في زيادة الإرسال. وحجتهم من الآية نفسها التفريق بين الاسمين؛ إذ لو كان شيئا واحدا لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ، ويكون المعنى: ما أرسلنا من نبي إلى أمة، أو نبي ليس بمرسل إلى أحد.
وذهب آخرون: إلى أن الرسول: من جاء بشرع مبتدأ، ومن لم يأت به نبي غير رسول وإن أمر.
تأخيره عن الأقوال، وأن يقول يعرف على الأول، "فقال بالأول قوم مستدلين، بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} فاثبت لهما معا الإرسال" بقوله أرسلنا، "وعلى هذا، فلا يكون النبي إلا رسولا، ولا يكون الرسول إلا نبيا"، فيشترط في النبي على هذا أن يؤمر بتبليغ ما أوحى إليه، "وقال آخرون بالثاني" وهو التغاير، وأن الرسول أخص من النبي، "وأنهما يجتمعان في النبوة التي هي الاطلاع على الغيب" بناء على أنها من النبا، فهو منبئ بالكسر "والإعلام بخواص النبوة" على أنه منبأ بالفتح على ما مر، "أو الرفعة بمعرفة ذلك" عطف على الاطلاع بناء على أن النبوة أصل مستقل، "وحوز درجتها" وفي نسخة مدحتها، "وافترقا" الأنسب بسابقة ويفترقان "في زيادة الإرسال، وحجتهم من الآية نفسها"، وهي "التفريق بين الاسمين؛ إذ لو كان شيئا واحدا" كما ادعى الأولون "لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ" إذ التكرار، بلا فائدة مخل بالبلاغة، "ويكون المعنى" على رأي الآخرين، "وما أرسلنا من نبي إلى أمة، أو نبي ليس بمرسل إلى أحد"، لا ينافي قوله أرسلنا لجواز أنه بمعنى أوحينا أعم من كونه أمر بالتبليغ أم لا ومن رسول، ولا نبي بيان لقدر هو وما أوحينا إلى أحد، وهذا في غاية القلاقة ومثله، لا يعبأ به الخصم في المناظرة، والذي قال غيره في هذا المقام، أن في الآية اضمارا، أي ولا نبانا من نبي كقوله:
ورأيت روحك في الوغي
…
متقلدا سيفا ورمحا
أي وحاملا رمحا، "وذهب أخرون إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدأ" بأن كان له كتاب، أو نسخ لبعض شرع من قبله، "ومن لم يأت به" بأن لم يكن له ذلك "نبي غير رسول، وإن أمر
بالإبلاغ والإنذار.
والصحيح: أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.
نعم نوزع في هذا بأنه كلام يطلقه، من لا تحقيق عنده، فإن جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة المكرمين بالإرسال رسل لا أنبياء. فالانفصال عنه: بأن يقيد الفرق بين الرسول والنبي، بالرسول البشري.
ثم إن النبوة والرسالة ليستا ذاتا للنبي، ولا وصف ذات بل تخصيص الله إياه بذلك خلافا للكرامية.
بالبلاغ" لشرع من قبله "والإنذار" به وقيل لرسول من يأتيه الملك بالوحي، والنبي، يقال له ولمن يوحى إليه في المنام، والنسبة بينهما على هذا كهي على الثاني، لكن اختلفا في جهة الافتراق، فهي على هذا عدم مجيء الملك وكون الوحي مناما وعلى الثاني عدم الأمر بالتبليغ، "والصحيح" القول الثاني "أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا"، فهو اخص.
"نعم نوزع في هذا بأنه كلام يطلقه من لا تحقيق عنده، فإن جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة المكرمين بالإرسال رسل" لقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيم} {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّك} الآية، الله يصطفي من الملائكة رسلا "لا أنبياء" لأنه لم يرد إطلاق الأنبياء عليهم فلا يصح أن الرسول أخص "فالانفصال" أي التخلص "عنه" عن هذا الذي نوزع به "بأن يقيد الفرق بين الرسول والنبي بالرسول البشري" لا الملكي إذ ليس الكلام فيه وجزم بهذا أي أنه لا يسمى الملك نبيا عياض والنووي والحافظ وغيرهم ولا يرد أنهم مخبرون عن الله، ولهم عنده رتبة فيصح تسميتهم أنبياء لأن علة التسمية، لا تطرد، والإلزام أن تسمى الصحابة أنبياء لأنهم أخبروا بالقرآن والأحكام ولهم عند الله شرف ومكانة وهذا باطل أجماعا، والعلماء إنما أخذوا وجه التسمية لوروده:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وكان صديقا نبيا، وفي إسماعيل وموسى، وكان رسولا نبيا، ولم يرد تسمية الملائكة إلا بالرسل، فلا يقاس عليه ما لم يرد لمجرد صحة المعنى؛ إذ المسألة نقلية لا عقلية، وإما استدلال بعضهم بأن الله أوحى إليهم، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهذه حقيقة النبوة البشرية يوحى إلى الواحد منهم بشرع يخصه، لا يتعداه إلى غيره، فمدفوع بأن النبوة ليست مجرد الوحي، كما يأتي عن القرافي، "ثم إن النبوة، والرسالة ليستا ذاتا للنبي" أي لازما لماهيته، لا ينفك عنه "ولا وصف ذات" أي، وصفا لازما للذات، لا ينفك عنها حتى كان الماهية مركبة منه ومن غيره من الذاتيات.
زاد الآمدي وليستا عرضا من الأعراض المكتسبة له، "بل" كل منهما "تخصيص الله إياه
وقال القرافي، كما نقله عنه ابن مرزوق، يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحي، وهو باطل، لحصوله لمن ليس بنبي كمريم وليست نبية على الصحيح، مع أن الله تعالى يقول:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} الآية [مريم: 17] و {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} [آل عمران: 45] . وفي مسلم: بعث الله ملكا لرجل على مدرجته وكان قد خرج في زيارة أخ له في الله، وقال له: إن الله يعلمك أنه يحبك لحبك لأخيك في الله، وليست بنبوة؛ لأنها عند المحققين، إيحاء الله لبعض بحكم إنساني يخص به كقوله:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فهذا تكليف يختص به في الوقت، فهذه نبوة لا رسالة، فلما نزل:{قُمْ فَأَنْذِر} [المدثر: 2] كانت رسالة لتعلق هذا التكليف بغيره أيضا،.
بذلك" موهبة منه، وحاصلها يرجع إلى قول الله لمن اصطفاه، أرسلتك، أو بعثتك فبلغ عني، فهي من الصفات الاعتبارية، كالولاية للوالي، والإمامة للسلطان "خلافا للكرامية" إذ القول، لا يوجب لمتعلقه صفة، كما صرح به القاضي عضد الدين.
"قال القرافي" الشهاب العلامة أحمد بن داود "كما نقله عنه ابن مرزوق" محمد يعتقد كثيرا أن النبوة مجرد الوحي دون اطلاع وإعلام أنه نبي، وهو باطل لحصوله لمن ليس بنبي كمريم بنة عمران، وليبست نبية على الصحيح لاشتراط الذكورة وغيرها حتى بالغ صاحب الأنوار، فحكى الإجماع على أنه لم ينبأ أمرأة "مع أن الله تعالى يقول:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} جبريل "الآية" وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ} وقبله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} فلو كانت النبوة مجرد الوحي ما توقف أحد من نبوتها، "وفي مسلم" عن أبي هريرة رفعه "بعث الله ملكا لرجل على مدرجته" بفتح الميم، وسكون الدال، وفتح الراء والجيم أي طريقه التي يمر عليها "وكان قد خرج في زياة أخ له في الله، وقال له إن الله يعلمك أنه يحبك لحبك لأخيك في الله" ولفظ مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال هل لك عليه من نعمة تربها، قال: لا غير أني أحبه في الله تعالى: قال: فإني رسول الله إليك، إن الله قد أحبك كما أحببته فيه"، وقوله تربها أي تسعى في إصلاحها فهذه المذكورات وحي مجرد وليست بنبوة لأنها عند المحققين إيحاء الله لبعض بحكم إنساني يخص به كقوله:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} فهذا تكليف يختص به في الوقت، أي وقت الإيحاء، "فهذه نبوة لا رسالة" لأنه لم يؤمر بتبليغ الغير حينئذ "فلما نزل {قُمْ فَأَنْذِر} كانت رسالة لتعلق هذا التلكيف بغيره أيضا" والتمثيل بنبينا صلى الله عليه وسلم
فالنبي1 كلف بما يخصه، والرسول بذلك، وتبليغ غيره، فالرسول أخص مطلقا، انتهى. وهل نبينا صلى الله عليه وسلم رسول الآن؟
قال أبو الحسن الأشعري: هو صلى الله عليه وسلم في حكم الرسالة، وحكم الشيء يقوم مقام أصل الشيء، ألا ترى أن العدة تدل على ما كان من أحكام النكاح، ويأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
وأما "المذكر" فقال تعالى:
مبني على تأخر رسالته عن نبوته، وهو ما عليه ابن عبد البر وغيره، وقيل هما متقارنان، وصحح، كما مر في الأوائل، "فالنبي كلف بما يخصه، والرسول بذلك، وبتبليغ غيره، فالرسول أخص مطلقا انتهى" كلام القرفي، وعلى هذا اختلف في أن الرسالة أفضل من النبوة، وهو رأي الأكثر لأنها تثمر هداية الأمة، والنبوة قاصرة على النبي، كالعلم، والعبادة، وقال العز بن عبد السلام النبوة أفضل لأنها الوحي بمعرفته تعالى وصفاته، فهي متعلقة به من طرفيها، والرسالة الأمر بالتبليغ، فهي متعلقة به من أحد الطرفين، وأجيب بأنها تستلزم النبوة، فهي مشتملة عليها؛ لأنها كالرسول، وأخص من النبوة التي هي أعم كالنبي "وهل نبينا صلى الله عليه وسلم رسول الآن" أي بعد وفاته.
"قال الشيخ أبو الحسن" علي بن إسماعيل بن أبي بشر بن إسحاق بن أبي سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى "الأشعري" صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام أهل السنة، وكان مالكي المذهب "هو صلى الله عليه وسلم في حكم الرسالة" لأنه اتصف بها وولم تسلب عنه كبقاء وصف الإيمان للمؤمن بعد الموت، وإن لم يكن مأمورا بالبلاغة بعد موته عليه السلام، "وحكم الشيء يقوم مقام أصل الشيء، ألا ترى أن العدة تدل على ما كان من أحكام النكاح؟ ويأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى" في المقصد السادس، ومن جملته قول ابن فورك أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، رسول الله أبد الآباد على الحقيقة، لا المجاز، وقول القشيري هو صلى الله عليه وسلم رسول قبل أن يوجد، وفي حالة وجوده وإلى الأبد لاستحالة البطلان على الإرسال الذي هو قول الله أرسلتك، أو بلغ عني، "وأما المذكر" المبلغ الواعظ اسم فاعل من التذكرة الموعظة، والتبليغ، كما في الشامي، ولم يقل من التذكير مع أنه المصدر الذي يؤخذ منه الوصف لأنها أظهر في الوعظ من التذكير، فإنه يستعمل للتنبيه، "فقال تعالى" أي فدليله ما،
_________
1 تنبيه وقع خطأ عند كثير من المؤلفين قولهم: إن النبي إنسان أوحي إليه بشرع، وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بتليغه فرسول. والصحيح: أنه يجتمع النبي والرسول في أن كلا منهما أوحي إليه بشرع، ويفترق الرسول عن النبي بأنه أوحي إليه بشرع جديد، والنبي يتبع شرع الرسول الذي قبله وكلاهما مأموران بالتبليغ.
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر} [الغاشية: 21] .
وأما "البشير" و"المبشر" و"النذير" و"المنذر" فقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] أي مبشرا لأهل طاعته بالثواب، وقيل بالمغفرة، ونذيرا لأهل معصيته بالعذاب، وقيل: محذرا من الضلالات.
وأما "المبلغ" فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] .
وأما "الحنيف".
قال تعالى، وكذا نظائره رأي الكوفيين من إجازة حذف الموصول الاسمي، ولا يجعل مصدر العدم سابك للفعل، "فذكر" عبادي بآياتي، وعظهم بحجتي، وبلغهم رسالاتي {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر} [الغاشية: 21] . ليس عليهم بمصيطر} ، أي مسلط، وهذا قبل الأمر بالجهاد، كما، قال الجلال، "وأما البشر" اسم فاعل، "والمبشر" اسم فاعل من البشارة الخبر السار، و"النذير" فعيل بمعنى فاعل المخوف، "والمنذر" المبلغ مع التخويف، "فقال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} على من أرسلت إليهم {وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} ، أحوال مقدرة، فدل مبشرا على اسمين وكذ نذير، واقتصر المصنف المسافة، فاكتفى بهذه الآية لأنها دلت على المادة، وإلا ففي سورة البقرة وفاطر {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فاطر: 24] ، وقال تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} ، "أي مبشرا لأهل طاعته بالثواب" ومنه الجنة ونعيمها، "وقيل" مبشرا "بالمغفرة" وهي عدم المؤاخذة بالذنب، ففارقت الثواب لأنه مقدار من جزاء العمل يعلمه الله، "ونذيرا لأهل معصيته بالعذاب"، ومنه النار، "وقيل محذرا من الضلالات"، جمع ضلالة وهي عدم الاهتداء أي محذرا، لما هو سبب لعدم معرفة الحق من الباطل، ففارق الأول لأنه تخويف بالعذاب المستحق على المعصية، فمعناها مختلف وإن كان مقصودهما واحدا؛ لأن قصد الثاني التباعد عن العصيان الحاصل بسبب الضلال.
"وأما المبلغ" الذي أدى الرسالة كما أمر اسم فاعل، "فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، ولا تكتم منه شيئا خوفا أن تنال بمكروه، والاستدلال بها من الاكتفاء بصيغة الفعل، واعرض بأن وصفه بأنه مبلغ يستدعي وقوعه لأن اسم الفاعل حقيقة في المتلبس به، والأمر لا يستدعي وقوع المأمور به، وأجيب بأنه لما علم من حال صلى الله عليه وسلم امتثال ما أمر به، وقد تحقق تبليغه على أبلغ وجه صح وصفه به، وقد ثبت قوله في آخر عمره:"ألا قد بلغت".
"وأما الحنيف" المائل إلى دين الإسلام الثابت عليه من الحنف محركا، أو المائل عما
فقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] .
وأما "نبي التوبة" فإن الأمم رجعت بهدايته عليه الصلاة والسلام بعدما تفرقت بها الطرق إلى الصراط المستقيم.
وأما "رسول الرحمة" و"نبي الرحمة" و"نبي الرحمة" فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 17] .
عليه العامة إلى طريق الحق والاستقامة، أو المستقيم، فقال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} مائلا إليه، أي اخلص دينك لله.
ذكر هذه الآية لكونها نصافي المصطفى، بخلاف قم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا، فاختلف في أنه حال من إبراهيم، أو من الضمير العائد عليه صلى الله عليه وسلم، وهو الظاهر، وأظل الحنف مطلق الميل، كما في مقدمة الفتح، ومثله قول القاموس الحنف محركة الميل، ثم يطلق على الأعوجاج في الرجل وعلى غيره بحسب المقام، وفي الحديث:"بعثت بالحنيفية السمحة"، وفي النهاية حديث خلق وأما بادي حنفاء، أي طاهرين من المعاصي، لا أنهم كلهم مسلمون لقوله: فمنكم كافر ومنكم مؤمن، "وأنا نبي التوبة" الوارد في مسلم عن أبي موسى.
قال سمى لنا صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء منها ما حفظناه، ومنها ما لم نحفظ.
قال: "أنا محمد، وأنا أحمد، والمقفى، والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة"، "فإن الأمم رجعت بهدايته عليه الصلاة والسلام بعد ما تفرقت بها الطرق"، أي طرق الضلال الكثية المتنوعة "إلى الصراط المستقيم" صلة رجعت والتوبة الرجوع، والإنابة، فلكونه سببا في توبتهم أضيف إليها، وقيل لإخباره عن الله لقبول التوبة، أو لأمره بها، أو لأنه كثير التوبة، وقال سهل هي ترك التسويف وإمام الحرمين إذا أضيفت إلى العباد أريد بها الرجوع عن الزلات إلى الندم عليها، وإذا أضيفت إلى الرب أريد بها رجوع نعمه وآلائه انتهى، جمع نعمة بعين مهملة فعطف آلائه للتفسير وتصحف على من قرأه بالقاف، وتكلف توجيهها بأنها، لما لم يؤاخذ بها كأنها رجعت على المتلبس بمقتضيها.
"وأما رسول الرحمة" الوارد عند ابن عدي من حديث عائشة وغيرها، "ونبي الرحمة" المروي عند أحمد وغيره في حديث حذيفة، وأبي نعيم في حديث أبي موسى، "ونبي المرحمة" بالميم المروي في مسلم، وهي الراحة فيما، قال عياض، أي لأن من رحمة الله تعالى، فقد أراحه من العقاب، وإذا علمه بذلك أراحه من القلق والضجر، "فقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} دليل للثلاثة لأنه لما وصف بكونه رحمة وجعل عينها وعمم بها
وقال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم} [التوبة: 128] فبعثه الله تعالى رحمة لأمته، ورحمة للعالمين وروى البيهقي مرفوعا:"إنما أنا رحمة مهداة" فرحم الله به الخلق مؤمنهم وكافرهم، وهذا الاسم من أخص أسمائه.
وقد كان حظ آدم من رحمته سجود الملائكة له تعظيما له إذ كان في صلبه، ونوح: خروجه من السفينة سالما، وإبراهيم: كانت النار عليه بردا وسلاما إذ
العالمين صحت إضافته إلى كل من الرحمة والمرحمة سواء وصف برسول، أو نبي، "وقال تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم} . قدم متعلقة للتخصيص، أو للاهتمام، والتشريف مع رعاية الفاصلة، وقدم الرءوف لأنه الشفقة، والتلطف بالمنعم عليه، "فبعثه الله تعالى رحمة لأمته" مفعول له، أو حال من الله، أو من ضمير النبي بمعنى راحما لهم "ورحمة للعالمين" عام على خاص، أي جعله الله عين الرحمة لإرشاده لهم ولطفه بهم، وحمله لهم على ذلك.
"وروى البيهقي" وشيخه الحاكم، وقال على شرطهما، وأقره الذهبي عن أبي هريرة "مرفوعا" بمعنى، قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا رحمة" أي ذو رحمة أو بالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته، كذلك فصفاته التابعة لها كذلك "مهداة" بضم الميم وللطبراني بعثت رحمة مهداة، قال ابن دحية معناه أن الله بعثني رحمة للعباد، لا يريد لها عوضا؛ لأن المهدي إذا كانت هديته عن رحمة، لا يريد لها عوضا، وقال غيره: أي ما أنا إلا رحمة أهداها الله للعالمين، فمن قبلها أفلح ونجا، ومن أبي خاب وخسر، ولا يشكل الحصر بوقوع الغضب منه كثيرا لأنه لم يقصد من بعثته، بل المقصود بالذات الرحمة، والغضب بالتبعية، بل في حكم العدم، فالحصر فيها مبالغة، والمعنى أنه رحمة على كل فرد لأن غضبه الله كانتقامه كقوله ولكم في القصاص حياة، أو أنه رحمة في الجملة، فلا ينافي الغضب في الجملة، "فرحم الله به الخلق مؤمنهم" بالهداية، "وكافرهم" بالأمن من الخسف، والمسخ وعذاب الاستئصال، والمنافقين بالأمن من القتل، وتأخير عذابهم، "وهذا الاسم من أخص أسمائه".
قال أبو بكر بن طاهر زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة فكان كونه رحمة، وجميع شمائله رحمة وصفاته رحمة على الخلق، وحياته رحمة وموته رحمة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"حياتي خير لكم ومماتي خير لكم"، وكما قال صلى الله عليه وسلم:"إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا"، "وقد كان حظ آدم من رحمته سجود الملائكة له تعظيما له إذا كان في صلبه" وقبول توبته إذ توسل به "و" حظ "نوح خروجه من السفينة سالما" إذ كان في صلب ابنه سام، "وإبراهيم كانت النار عليه بردا وسلاما؛ إذ كان في صلبه" كما أفاده العباس بقوله:
كان في صلبه، فرحمته عليه الصلاة والسلام في البدء والختام والدوام لما أبقى الله له من دعوة الشفاعة، ولما كانت نبوته رحمة دائمة مكررة مضاعفة اشتق له من الرحمة اسم الرحمة.
وأما "نبي الملحمة والملاحم" وهي الحروب، فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف، ولما يجاهد نبي قط وأمته ما جاهد صلى الله عليه وسلم وأمته، والملاحم التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله، فإن أمته يقاتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار حتى يقاتلون الأعور الدجال.
وردت نار الخليل مكتتما
…
في صلبه أنت كيف يحترق
"فرحمته عليه الصلاة والسلام" لا تخص بوجوده، بل عمت من قبله، فكانت "في البدء والختام والدوام، لما أبقى الله له من دعوة الشفاعة، التي ادخرها لأمته في القيامة، ومن جملة ذلك في الدنيا أن جعل أمته مرحومة، ووصفها بالرحمة، وأمرهم بالتراحم وأثني عليه فقال إن الله يحب من عباده الرحماء، وقال الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، "ولما كانت نبوءته رحمة دائمة مكررة مضاعفة اشتق له من" لفظ "الرحمة اسم الرحمة" أي اسما دالا على معناها الذي هو الرأفة، والانقاذ من الضلال، والشفاعة، نحو بالمؤمنين رءوف رحيم، أما تسميته بنحو نبي الرحمة، فإنما فيه إضافته إليها وليست اشتقاقا، اللهم إلا أن تكفي الإضاة في صحة التسمية، وأطلق الاشتقاق على ما يشملها تسمحا.
"وأما نبي الملحمة" باللام عند مسلم عن أبي موسى، "و" نبي "الملاحم" الجمع للكثرة إشارة إلى أنه اختص بكثرتها الذي في أحمد، وشمائل الترمذي برجال ثقات في حديث حذيفة، وهي الحروب، سميت بذلك لاشتباك الناس فيها واختلاطهم، كاشتباك لحمة الثوب بالسدي، أو لكثرة لحوم القتلى فيها "فإشارة إلى ما بعث به من القتال، والسيف" فالمعنى نبي القتال كقوله في الحديث الآخر بعثت بالسيف، "ولم يجاهد نبي قط، وأمته ما جاهد صلى الله عليه وسلم وأمته" ونصر بالرعب، وأحلت له الغنائم، واستشعر نقض هذا النفي بنحو قتال يوشع الجبارين، وقتال داود جالوت وحمل الإسرائيلي السلاح ألف شهر في سبيل الله، فأشار للجواب بقوله "والملاحم التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله، فإن أمته يقاتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار حتى يقاتلون الأعور والدجال" فاستمراره منهم ودوامه لم يوجد لغيرهم، فإن قتال من قبلهم، وإن حصل فيه شدة لكنه مضى وانقطع، وفي نسخة بحذف نون يقاتلون، والذي وجه به حتى يقول الرسول بالرفع، والنصب يأتي هنا، فإن
وأما "صاحب القضيب" فهو السيف، كما وقع مفسرا به في الإنجيل قال: معه قضيب من حديد يقاتل به، وأمته كذلك، وقد يحمل على أنه القضيب الممشوق الذي كان يمسكه.
وأما "صاحب الهراوة" فهي في اللغة: العصا، وقد كان عليه الصلاة والسلام يمسك في يده القضيب كثيرا،
قتال الدجال مستقبل بالنظر لوقت كلام المصنف بذلك ونفسه الأمر بقتال وقع قبل ذكر المصنف له، وقد انتقد بأن نبي التوبة، والرحمة، والملحمة، والمرحمة في مسلم، فالأولى له ذكره، كما قال زين الحافظ:
وهو المسمى بنبي الرحمة
…
في مسلم وبنبي التوبة
وفيه أيضا بنبي الملحمة
…
وفي رواية نبي المرحمة
وليس بشيء فإن الدليل إنما يحتاج إليه، فيما يمكن إنكاره، وما صح لا ينكر، فبقي وجه التسمية هو الأولى بالذكر، نعم الجمع بينهما، كما فعل عياض أكثر فائدة.
"وأما صاحب القضيب، فهو" صاحب "السيف" أو التقدير القضيب الذي أضيف إليه صاحب حتى يصح الإخبار، "كما وقع مفسرا به في الإنجيل، قال" الله فيه وكون الفاعل ضمير الإنجيل تجوزا تكلف "معه قضيب من حديد".
قال القاموس القضيب السيف القاطع كالقاضب سمي به من القضب، وهو القطع؛ لأنه اقتطع من الحديد، "يقاتل به" أي كان معه معدا للقتال، فلا يرد أنه لم يقاتل بيده إن سلم، "وأمته كذلك" تقاتل بالسيف الأعداء، وهو كناية عن شجاعته وكثرة جهاده، وغزاوته، وفتوحاته هو وأمته صلى الله عليه وسلم، "وقد يحمل" كما قال عياض "على أنه القضيب الممشوق" الطويل الرقيق من المشق، وهو جذب الشيء ليطول، كما في القاموس "الذي كان يمسكه".
زاد ابن الجوزي وكان يستلم به الركن، فهو بمعنى مفعول؛ لأنه مقطوع من الشجر، فهو عبارة عن كونه من صميم العرب وخطبائهم؛ لأن عادة عظمائه وخطبائهم اتخاذ العصا، وقد للتقليل لقلة تفسيره به بالنسبة، لما قبله؛ لأنه الظاهر من نص الإنجيل وتكلف من فسره بالقضيب الذي أعطاه لبعض الصحابة، فانقلب سيفا.
"وأما صاحب الهراوة" بكسر الهاء، ثم راء، فألف، فواو فتاء تأنيث، "فهي في اللغة العصا" مطلقا، كما أطلقه جماعة، وقال الجوهري: العصا الضخمة، "وقد كان عليه الصلاة والسلام يمسك في يده القضيب كثيرا" الغصن المقطوع ووجه الدليل منه على كونه صاحب
وقد كان يمشي بين يديه بالعصا، وتغرز له في الأرض فيصلي إليها، قال القاضي عياض: وأراها العصا المذكورة في حديث الحوض: ذود الناس عنه بعصاي لأهل اليمن. أي لأجلهم ليتقدموا، فلما كان صلى الله عليه وسلم راعيا للخلق سائقا لجميعهم إلى مواردهم كان صاحب الهراوة يرعى بها أهل الطواعية، وصاحب السيف يقد به من لا تزيده الحياة إلا شرا.
وأما "الضحاك" بالمعجمة فهو الذي يسيل دماء العدو في الحرب لشجاعته.
العصا أنها العود، كما في القاموس، وهو شامل للقضيب ولغيره، "وقد كان يمشي بين يديه بالعصا وتغرز له في الأرض، فيصلي إليها، وهي العنزة فتحقق وصفه في الكتب الإلهية بأنه صاحب الهراوة.
"قال القاضي عياض، وأراها" والله أعلم بضم الهمزة أظنها، وفتحها أعتقدها "العصا المذكورة في حديث الحوض" الذي رواه مسلم في المناقب.
"ذود" بمعجمة أوله مهملة آخره طرد، وأمنع "الناس عنه بعصاي" بالإضافة إلى ياء المتكلم ولفظها مقصور مؤنث.
قال الفراء: أول لحن سمع بالعراق هذه عصاتي "لأهل اليمن، أي لأجلهم ليتقدموا" لأنهم على بعد شقتهم أجابوا دعوته صلى الله عليه وسلم، بلا تردد، ولا قتال، فأوردهم الحوض قبل غيرهم ليريحهم، كما أراحوه جزاء من جنس العمل.
قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف؛ لأن المراد تعريفه بصفة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه، وأنه المبشر به المذكور في الكتب السالفة، فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الآخرة انتهى، وكأن المصنف لم يرتضه، فأقره وزاد عليه قوله، "فلما كان صلى الله عليه وسلم راعيا للخلق، سائقا لجميعهم" في الدنيا، والآخرة "إلى مواردهم" في الدارين.
ولعل استفادة هذا من الحديث أن ذوده مشعر بسوق الكل لكنه يقدم اليمن.
"كان صاحب الهراوة يرعى بها أهل الطواعية وصاحب السيف يقد به" بضم القاف "من لا تزيده الحياة إلا شرا" فلا ينافي كونه صاحبه كونه رحمة للعالمين، فإزالة مثل هذا من جملة الرحمة، "وأما الضحاك بالمعجمة، فهو الذي يسيل دماء العدو في الحرب لشجاعته" لأن شجاعته صلى الله عليه وسلم محققة، فقد كان كالمسلمين كلهم نصرة وشجاعة وقتل الكفار في غزواته وإن لم يكن منه لكن نسب إليه؛ لأنه الآمر به، والحامل عليه، ثم تفسيره بهذا من ضحكت المرأة، والأرنب حاضت ومنه، وامرأته قائمة، فضحكت في قول، لا من كثير الضحك؛ إذ لا يأتي هنا،
وأما "صاحب التاج" فالمراد به العمامة، ولم تكن حينئذ إلا للعرب، والعمائم تيجانها.
وأما "صاحب المغفر" فهو بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، كان صلى الله عليه وسلم يلبسه في حروبه.
وأما "قدم صدق" فقال قتادة والحسن وزيد بن أسلم في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] هو محمد صلى الله عليه وسلم
وأيضا فضحكه إنما هو التبسم، لكنه فيه مجاز بمرتبتين؛ لأنه استعمل بمعنى ظهور الدم، وهو أثر ناشئ عن الإظهار من تسمية التأثير باسم الأثر، ثم جرد عن بعض معناه، وهو كونه من الفرج وخص بإسالة دم العدو في الحرب.
"وأما صاحب التاج" الموصوف به في الإنجيل، "فالمراد به العمامة" على نهج الاستعارة شبه العمامة بالتاج الذي هو الإكليل في أن العرب تتزين بها كتزين العجم بالتاج، واستعار لها اسمه، وفيه التقدير على نحو ما مر ليصح الحمل، أما في المبتدأ، أي التاج في قولنا صاحب التاج، وأما في الخبر، أي المراد صاحب العمامة، "ولم تكن حينئذ، العمامة "إلا للعرب" دون غيرهم، فكني به عن أنه من صميمهم، وأشرفهم حسبا ونسبا، "والعمائم تيجانها" تتزين بها، كما تتزين العجم بالتيجان، كما روى مرفوعا العمائم تيجان العرب، والاحتباء حيطانها، وجلوس المؤمن في المسجد رباطه. أخرجه الديلمي عن ابن عباس، والقضاعي عن علي، وللديلمي عن بن عباس أيضا العمائم تيجان العرب، فإذا وضعوها وضعوا عزهم، وعنده أيضا العمائم وقار المؤمن وعز العرب، فإذا وضعت العرب عمائمها، فقد قلعت عزها، وأسانيدها ضعيفة.
"وأما صاحب المغفر، فهو" أي المغفر "بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء" آخره راء "زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس" وقيل ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة، وقيل رفرف البيضة أضيف إليه؛ لأنه "كان صلى الله عليه وسلم يلبسه في حروبه" والأساس لو قال فسمي به، لأنه إلخ، ثم يضبطه، "وأما قدم صدق، فقال قتادة" بن دعامة، "والحسن" البصري، كما نقله عياض عنهما، "وزيد بن أسلم" كما في الصحيح عنه "في" تفسير "قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] أي تقدم ورتبة رفيعة عبر عنها بالقدم؛ لأن السبق بها، قال ذو الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها
…
مع الحسب العالي طمت على الفجر
وأضيف إلى صدق لبيان فضله ومزيته، قال أبو عبيد: كان سابق خير قدم "هو محمد صلى الله عليه وسلم
يشفع لهم، وعن أبي سعيد الخدري، هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم هو شفيع صدق عند ربهم، قال سهل بن عبد الله: هي سابقة رحمة أودعها في محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما "نعمة الله" فقال سهل في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] قال: نعمته محمد صلى الله عليه وسلم،.
يشفع" وروى ليشفع، وروى شفيع "لهم"، فسمي قدما لتقدمه، والشفاعة طلب نفع الغير، لا توصف بالصدق، والكذب، فأما أنه تجوز بالصدق عن القبول لمشابهته لتحقق ما شفع فيه، فهو كالخبر المطابق للواقع، وأما أن المراد شفاعة يقدم صاحبها على رجائها، كما في قولهم حمل حملة صادقة، وقيل المراد أن الشفيع صادق في خبره ومن هو كذلك تقبل شفاعته، "وعن أبي سعيد الخدري، وعلي رضي الله عنهما" كما أخرجه ابن مردويه أنهما قالا في تفسير الآية "هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم" جعلت قدما، أي سابقة لتقدمها، أو تقدم صاحبها، أو لقيامها به عليه السلام، فأطلق عليه اسمها "هو شفيع صدق"، بالإضافة، أي شفاعته قوية تامة مقبولة "عند ربهم" قيل هو إشارة إلى أن صدق صفة مضاف مقدر بمعنى الصاد، أو بمعناه المصدري، وقيل إشارة إلى تفسير القدم به صلى الله عليه وسلم باعتبار الشفاعة أيضا، كما مر، أو إلى المسامحة في تفسيره بالشفاعة، فيوافق الأول.
"وقال سهل بن عبد الله" الإمام الورع، الزاهد العالم، الشهير "هي سابقة رحمة"، من إضافة الصفة للموصوف، أي رحمة سابقة، وقيل الإضافة بيانية "أودعها الله في محمد صلى الله عليه وسلم" أي جعله متصفا بها لينتفع الناس بها عند الحاجة، أو عهد له بها في الأزل، فلقيامها به صح أن يطلق عليها اسمها للمناسبة، "وأما نعمة الله، فقال سهل" التستري "في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه} أي تشرعوا في عد أفراد نعمة من نعم الله، {لا تُحْصُوهَا} ، لا تطيقوا عدها، وأتى أن عدم العد مقطوع به نظرا إلى توهم أن يطاق، وأصل معنى الإحصاء العد بالحصى، وكانت العرب تفعله، كما قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى
…
وإنما العزة للكاثر
ثم صار حقيقة في العد مطلقا أو المراد أن تريدوا عدها.
"قال" سهل إعادة تأكيدا للأول، وللفصل بين كلام الله وتفسيره "نعمته محمد صلى الله عليه وسلم" إذ هو النعمة العظمى لكونه رحمة للعالمين، وفي نسخة نعمته بمحمد بالباء السببية، أو على أن النعمة بمعنى إنعام؛ لأنها تكون بمعناه وبمعنى المنعم به، واعترض هذا التفسير بأن النعمة به من أعرف المعارف المعلومة، والإحصاء إنما يكون في المعدود، كقوله: وأحصى كل شيء عددا، وتعقب بأن فيه صلى الله عليه وسلم، فوائد ومنافع، لا تحصى، فلا منافاة بين عدم الإحصاء وكونه المنعم به، والإضافة
وقال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: 83] يعني يعرفون أن محمدا نبي ثم يكذبونه، وهذا مروي عن مجاهد والسدي وقال به الزجاج.
وأما "الصراط المستقيم" فقال أبو العالية والحسن البصري في تفسير سورة الفاتحة: هو رسول الله وخيار أهل بيته وأصحابه: وحكى الماوردي ذلك في تفسير: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] عن عبد الرحمن بن زيد.
للعهد، أو الاستغراق؛ لأنها تأتي، لما تأتي له اللام، فعدم الإحصاء لها، أو لما يترتب عليها، "وقال تعالى:{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} يعني يعرفون أن محمدا نبي" بالمعجزات الظاهرات، "ثم يكذبونه" عنادا، وافتراء، "وهذا" التفسير "مروي عن مجاهد" بن جبير، "والسدي" عند ابن جرير، وابن أبي حاتم، "وقال به الزجاج" أبو إسحاق إبراهيم بن السري، الإمام الشهير، المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وسبقهم إلى التفسير بهذا ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] الآية، قال: هم والله كفار قريش، ومحمد نعمة الله تعالى، أخرجه البخاري وغيره، "وأما الصراط المستقيم فقال أبو العالية" رفيع بن مهران التابعي، فيما أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه، "والحسن البصري" فيما نقله في الشفاء، ورواه الحاكم وصححه عن ابن عباس، كلهم "في تفسير سورة الفاتحة" صرح به مع ظهوره، وكونه خلاف عادته في نقل الآيات، لما فيه من تعظيم له، واعتنائه بشأنه، حيث ذكره في أول كتابه، ومبدأ خطابه "هو رسول الله، وخيار أهل بيته، وأصحابه" بالجر عطف على أهل، كما جزم به في المقتفي، والإضافة فيهما بيانية إذ جميعهم خيار، أو لامية لتفاوت مراتبهم في الخيرية، ووجه التسمية أن كلا منهم طريق يهتدى به، فشبههم بالطريق طريقا تسمية للدال باسم المدلول، فهو مجاز مرسل، فلا يرد أنه لا معنى لقولك اهدنا النبي وصحبه إلا بتقدير طريق وركته، لا تخفى.
وحكى البغوي هذا التفسير بلفظ طريق رسول الله، فهو إما رواية، أو إشارة إلى المضاف أورد السهيل أن المراد بالطريق المستقيم ما بعده من قوله صراط الذين إلى آخره، وأجيب بأنه غير متفق عليه، "و" قد "حكى الماوردي ذلك" التفسير المذكور "في تفسير {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فهو بدل مما قبله، أو عطف بيان، فهو عين الأول، "عن عبد الرحمن بن زيد" بن أسلم العدوي مولاهم وفي الشفاء.
وحكى السمرقندي مثله عن أبي العالية في قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فبلغ
وأما "العروة" الوثقى" فحكى أبو عبد الرحمن السلمي عن بعضهم في تفسير قوله تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] أنه محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما "ركن المتواضعين" فلأنه عمادهم، وقد ظهر عليه عليه الصلاة والسلام من التواضع ما لم يظهر على غيره، فكان يرقع القميص، ويخصف النعل، ويقم البيت.
ووقع فيما ترجموه من كتاب سعياء مما يدل صريحا في البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يميل إلى الهوى، ولا يدل الصالحين، بل يقوي الصديقين الذين هم كالقصبة الضعيفة، وهو ركن المتواضعين،
ذلك الحسن، فقال صدق والله ونصح، "وأما العروة الوثقى، فحكى أبو عبد الرحمن السلمي عن بعضهم في تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ، أنه محمد صلى الله عليه وسلم" لأنه العقد الوثيق المحكم في الدين، والسبب الموصل لرب العالمين، ففيه استعارة تصريحية تمثيلية؛ لأن من اتبعه، لا يقع في هوة الضلال، كما أن من مسك حبلا متينا صعد به من حضيض المهالك، والاستمساك ترشيح، "وأما ركن المتواضعين فلأنه عمادهم" الذين يعتمدون عليه في أمورهم لرجوع الأمر إليه يوم القيامة، "وقد ظهر عليه، عليه الصلاة والسلام من التواضع" إظهار أنه وضيع، وهو أشرف الخلق، "ما لم يظهر على غيره، فكان" كما في الصحيح تعليقا، وهو موصول عند ابن ماجه عن عائشة وأبي سعيد وغيرهما كان صلى الله عليه وسلم في بيته في مهنة أهله، يفلي ثوبه ويحلب شاته، و"يرقع القميص" بفتح الياء، وسكون الراء، وفتح القاف مخففة، أي يجعل فيما انخرق منه رقعة من غيره يسده بها، ويجوز الضم، والتشديد إلا أن الأول أنسب بما معه، "ويخصف النعل" أي يخرزها وفي العمدة أنه تطبيق بعض جلود النعل على بعض، ويخصفان عليهما استعارة من هذا، "ويقم" بضم القاف، بكنس "البيت" كل ذلك تواضعا لربه ورأفة على خدمه، لا عن حاجة فقد كان له نساء وخدم بكثرة، "ووقع فيما ترجموه" نقلوه من العبرانية إلى اللغة العربية "من كتاب سعياء" بسين مهملة ومعجمة ابن أمصيا نبي بشر بعيسى، كما في القاموس، أي سفره من التوراة، كما يفيده الشامي وغيره، أضيف إليه لاختصاصه به وتعلمه ما فيه "مما يدل صريحا في البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم" بيان، لما ترجموه، وهو قوله:"ولا يميل إلى الهوى" هو النفس، بل إنما يتبع بما يوحى إليه، "ولا يدل الصالحين" المسلمين، والأولياء، "بل يقوي الصديقين" المبالغين في الصدق "الذين هم كالقصبة الضعيفة، وهو ركن المتواضعين" هذا المقصود بذكره، فعلم أنه مما سمي به في الكتب
وهو نور الله الذي لا يطفأ.
وأما "قثم" و"قثوم" -بالقاف والمثلثة- ففسره القاضي عياض بالجامع للخبر، وقال ابن الجوزي مشتق من القثم، وهو الإعطاء، يقال: قثم له من العطاء، يقثم، إذا أعطاه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق ندى وأسخاهم يدا.
وأما "البارقليط" و"الفارقليط" بالوحدة، وبالفاء بدلها، وفتح الراء والقاف. وبسكون الراء مع فتح القاف. ويفتح الراء مع سكون القاف. وبكسر الراء وسكون القاف فوقع في إنجيل يوحنا،
السابقة، "وهو نور الله الذي، لا يطفأ" بل يظهر وينتشر، وهذا يؤيد من قال في يريدون أن يطفئوا نور الله، إنه محمد عليه السلام، "وأما قثم" بضم القاف وفتح المثلثة، "وقثوم" المروي عند أبي نعيم، والحربي مرفوعا $"أتاني ملك، فقال: أنت قثم""بالقاف، والمثلثة، ففسره القاضي عياض" نقلا عن الحربي "بالجامع للخير" كله في ذاته ولغيره، قال: وهذا اسم هو في أهل بيته معلوم.
قال ابن دحية: مشتق من القثم، وهو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم، وكان صلى الله عليه وسلم جامعا لخصال الخير والفضائل كلها، "وقال ابن الجوزي مشتق من القثم، وهو الإعطاء يقال قثم له من العطاء، يقثم" بضم المثلثة على مفاد القاموس "إذا أعطاه" منه قطعة جيدة، واسم الفاعل قثم، كعمر على غير قياس، وبه سمي الرجل، فهو معدول على قاثم تقديرا، فلا ينصرف للعدل، والعلمية، كما في المصباح "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق ندى" بالنون جودا وعطاء، "وأسخاهم يدا" بالتحتية، والمراد منهما واحدا، يقال فلان ندى الكف، أي سخي.
"وأما البارقليط، والفارقليط بالموحدة، وبالفاء بدلها، وفتح الراء، والقاف" بعدها لام مكسورة، فتحتية ساكنة، فطاء مهملة، "وبسكون الراء مع فتح القاف" بعدها اللام مكسورة إلخ، "وبفتح الراء مع سكون القاف وبكسر الراء وسكون القاف".
قال في المقتفى: وهو الصحيح وحزم به الشامي، "فوقع" التسمية به "في إنجيل يوحنا" من اتباع عيسى، وليس نبيا إذ ليس بين عيسى ونبينا نبي، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح، ويأتي بسطه في محله.
قال صاحب الخميس عن المنتقي إنما قال في إنجيل يوحنا؛ لأن عيسى لم تظهر دعوته في عصره، وإنما أخذ الإنجيل عنه أربعة من الحواريين متى ويوحنا وقيسر ولوقا، فتكلم كل واحد من هؤلاء
ومعناه: روح الحق. وقال ثعلب: الذي يفرق بين الحق والباطل، وفي نهاية ابن الاثير، في صفته عليه الصلاة والسلام، أن اسمه في الكتب السالفة "بارقليط" أي يفرق بين الحق والباطل، قال: ومنه الحديث: محمد فرق بين الناس، أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه.
وأما "حمطايا" بفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال الهروي: أي حامي الحرم، وقال ابن الأثير في حديث كعب أنه قال في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب
بعبارة لملاءمة الذين تبعوا دعاءهم، ولذا اختلفت الأناجيل الأربعة اختلافا شديدا، "ومعناه روح الحق"، لأنه صلى الله عليه وسلم قائم بالحق كقيام الروح بالحيوان، فإن فارقته مات، "وقال ثعلب" أحمد بن يحيى البغدادي الإمام المشهور: معناه "الذي يفرق بين الحق والباطل"، وقيل الحامل وقيل الحماد، قال التقي الشمني وأكثر أهل الإنجيل على أن معناه المخلص، وقد ذكر المصنف لفظ الإنجيل وبسط الكلام عليه في المقصد السادس، "وفي نهاية ابن الأثير" أبي السعادات، واسمه المبارك "في صفته عليه الصلاة والسلام أن اسمه في الكتب السالفة بارقليطا" بباء مشوبة، بفاء وآخره ألف مقصورة، ثم عرب بالباء، أو الفاء، وحذفت الألف من آخره، كما قال الدواني، وهو بمعنى قول أبي عبيد البكري بالباء الموحدة غير صافية، "أي يفرق بين الحق والباطل" ففسره بما قال ثعلب، قيل، وهو بيان لحاصل المعنى.
قال الدواني: والمراد مظهر الولاية التي هي باطن النبوة.
"قال" ابن الأثير "ومنه الحديث محمد فرق بين الناس، أي يفرق بين المؤمنين، والكافرين بتصديقه" من المؤمنين "وتكذيبه" من الكافرين.
"وأما حمطايا، فبفتح الحاء المهملة، وسكون الميم" وطاء مهملة خفيفة، وألفين بينهما تحتية، وضبطه الشمني بفتح الحاء، وفتح الميم المشددة.
"قال الهروي" بعد أن ضبطه بكسر الحاء وسكون الميم وتقديم الياء، وألف بعدها طاء، فهو عنده حمياطا، لا كما أوهمه المصنف، فمراده منه مجرد التفسير بقوله، "أي حامي الحرم" بفتحتين.
قال ابن دحية: ومعناه أنه حمى الحرم مما كان فيه من النصب التي تعبد من دون الله والزنا، والفجور، "وقال ابن الأثير في حديث كعب أنه قال في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب
السالفة: محمد وأحمد وحمياطا. يعني بالحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء. مهملة فألف. قال أبو عمرو: سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال: معناه يحمي الحرم من الحرام، ويوطئ الحلال.
وأما "أحيد" وهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة. كذا وجدته في بعض نسخ الشفاء المعتمدة. والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية، وفي نسخة بفتحها وكسر الحاء وسكون المثناة التحتية، فقال النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمي في القرآن محمد، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد، وإنما سميت
السالفة" وقد رواه أبو نعيم عن ابن عباس، قال: "كان صلى الله عليه وسلم يسمى في الكتب القديمة "محمدا، وأحمد وحمياطا" زاد ابن عباس وفارقليطا وماذماذ "يعني بالحاء المهملة" المكسورة كما قال الهروي، "ثم ميم ساكنة، فمثناة تحتية، فألف فطاء مهملة، فألف قال أبو عمرو" بن العلاء؛ لأنه المراد عند الإطلاق اختلف في اسمه على أحد وعشرين قولا أصحها زبان بزاي معجمة ابن العلاء بن عمار، المازني، النحوي، الثقة في الحديث المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ست وثمانين سنة، وسبب الخلاف فيه أنه كان لجلالته، لا يسأل عن اسمه، "سألت بعض من أسلم من اليهود عنه، فقال: معناه يحمي الحرم" بضم ففتح جمع حرمة، كما جزم به في شرح الشفاء، أي يمنع النساء "من" الأنكحة "الحرام" من سفاح وغيره "ويوطئ الحلال" أي يزوج النكاح الصحيح، فالوطء المترتب عليه حلال، "وأما أحيد، وهو بهمزة مضمومة، ثم حاء مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة، ثم دال مهملة، كذا وجدته في بعض نسخ الشفاء المعتمدة" ي قولها، واسمه في التوراة أحيد، والمشهور عندهم، قال الشمني، وهو المحفوظ:"ضبطه بفتح الهمزة" وسكون الحاء المهملة، وفتح المثناة التحتية" وبه ضبطه البرهان في المقتفى، قال الشمني، وهو غير عربي "وفي نسخة بفتحها" أي الهمزة "وكسر الحاء وسكون المثناة التحتية" من حاد يحيد إذا عدل ومال، فهو عربي إن لم يكن من توافق اللغات وضبطه الماوردي في تفسيره بمد الألف وكسر الحاء "فقال النووي في كتابه تهذيب الأسماء، واللغات عن ابن عباس مما أخرجه ابن عدي، وابن عساكر بسند رواه عنه "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمي في القرآن محمد، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد، وإنما سميت
أحيد لأني أحيد عن أمتي نار جهنم".
وأما "المنحمنا" وهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة، مقصور، وضبطه بعضهم بفتح الميمين، فمعناه بالسريانية محمد.
وأما "المشفح" وهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشددة المفتوحتين ثم حاء مهملة، وروي بالقاف بدل الفاء، ففي كتاب: سعيا في البشارة به عليه الصلاة والسلام، يفتح العيون العور، والآذان الصم ويحيى القلوب.
أحيد؛ لأني أحيد عن أمتي نار جهنم"، أي أدفعها عنهم بشفاعتي، أو لأنه يحيد أمته عن النار، أو لأنه حاد عن الطريق الباطل، وعدل بأمته إلى سبيل الحق، وهو غير منصرف للعجمة والعلمية، أو وزن الفعل مع العلمية، نقله الشامي عن البلقيني.
"وأما المنحمنا" اسمه في الإنجيل، كما، قال ابن إسحاق، "وهو بضم الميم وسكون النون، وفتح الحاء المهملة، وكسر الميم" الثانية، "وتشديد النون الثانية المفتوحة مقصور" كما ضبطه البرهان في المقتفى، والشمني، "وضبطه بعضهم" هو ابن دحية "بفتح الميمين".
وقال التلمساني الميم الثانية مثلثة "فمعناه" روح القدس، وهو "بالسريانية محمد".
وقال ابن سيد الناس، هو محتمل؛ لأنه اسم له ولكونه بمعناه، "وأما المشفح، فهو بضم الميم وبالشين المعجمة، وبالفاء المشددة المفتوحتين ثم حاء مهملة"، كما ضبطه ابن دحية قائلا بوزن محمد ومعناه، فإن الشفع في اللغة الحمد، "وروي بالقاف بدل الفاء" وبه ضبطه الشمني والدلجي، وزاد أن القاف مفتوحة، أو مكسورة غير منصرف للعلمية، والعجمة انتهى.
قال الحافظ: البرهان لا أعلم صحته، ولا معناه، وكأنه لم ير كلام ابن دحية، أو لم يرتضه، "ففي كتاب سعيا" بالمهملة والمعجمة على ما مر "في البشارة به عليه الصلاة والسلام" كما نقله ابن ظفر في البشر ونصه عبدي الذي سرت به نفسي أنزل عليه وحي، فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم الوصايا، ولا يضحك، ولا يسمع صوته في الأسواق.
"يفتح العيون العور، والآذان الصم"، بالضم وشد الميم جمع صماء، "ويحيي القلوب
الغلف، وما أعطيه لا أعطي أحدا، مشفح يحمد الله حمدا جديدا وهو بالسريانية الحمد.
وأما "مقيم السنة" ففي كتاب الشفاء: قال داود عليه السلام: اللهم أبعث لنا محمدا يقيم السنة بعد الفترة.
وأما "المبارك".
الغلف" جمع أغلف المغطاة بما كانت محجوبة به عن الهدى، فأزال حجابها وكشف غطاءها حتى اهتدت. "وما أعطيه، لا أعطي أحدا" مثله "مشفح يحمد الله حمدا جديدا" قال الشامي: راجعت عدة نسح من خير البشر لابن ظفر، فلم أره ضبطه بالفاء، وإنما فوقها نقطتان، وذلك مما يؤيد ضبط الشمني انتهى. ومثل هذا، لا تأييد فيه حتى يرجع على ضبط الحافظ ابن دحية بالفاء، وإليه يومئ قول المصنف، "وهو بالسريانية الحمد" لأنهم يقولون شفحا لها إذا أرادوا أن يقولوا الحمد لله، فإذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد، قاله المصنف في المقصد السادس، وكان وجه الملازمة أن الحمد مصدر، واسم المفعول المأخوذ منه محمد، فمحمد مشفح، وبقية ما في الكتاب بعد قوله جديدا يأتي من أقصى المدينة يفرح البرية وسكانها، يهللون الله ويكبرونه على كل رابية، ولا يضعف، ولا يغلب، ولا يميل إلى الهوى ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصة الضعيفة بل يقوي الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور الله الذي لا يطفأ أثر سلطانه على كتفه انتهى.
"وأما مقيم السنة" اسمه في الزبور بلفظه، وبمعناه قول التوراة لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، كما في الحديث الصحيح، فتجوز من قاله: إنه اسمه في الكتاب "ففي كتاب الشفاء" لعياض ما نصه، ووقع في كتب الأنبياء، "قال داود عليه السلام" أي إن هذا اللفظ بخصوصه نزل في الزبور عليه حكاية لما صدر منه قبل النزول، أو بمعنى الأمر كقراءة قال ربي يعلم القول، قال: رب احكم بالحق كأنه قيل له قل يا داود "اللهم" أي يا الله أتى بالميم إيذانا بأنه يدعوه بأسمائه وصفاته كلها؛ لأنها بمنزلة واو الجمع كأنه يقال: يا الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى، والصفات العلي، "ابعث لنا" أي للناس "محمدا يقيم السنة" الطريقة الشرعية، والدين "بعد الفترة" انقطاع الوحي، والرسل، ومعنى إقامتها إظهار الإسلام، "وأما المبارك" عظيم البركة، الجامع لأنواع الخير، النفاع للناس، قال حسان:
صلى الإله ومن يحف بعرشه
…
والطيبون على المبارك أحمد
وقال عباس ابن مرداس في قصيدة:
فمبدأ الكون ونماؤه كائن من بركته المستمدة من بركة الله، ومن كمال بركته نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل ببركته حتى أشبع الجيش الكثير وغير ذلك مما لمسه أو باشره، كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في مقصد المعجزات.
وأما "المكين" فهو صلى الله عليه وسلم المكين تعلو مكانته عند ربه تعالى، ومن ذلك أن قرن سبحانه ذكره بذكره فما أذن باسم أحد سواه، ولا قرن اسم أحد مع اسمه إلا إياه، فأعلن له في السابقة على ساق العرش وأذن به في اللاحقة على منار الإيمان. وأما "الأمي"
فامنت بالله الذي أنا عبده
…
وخالفت من أمسي يريد المهالكا
ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا
…
وبايعت بين الأخشبين المباركا
نبي أتانا بعد عيسى بناطق
…
من الحق فيه الفضل منه كذلكا
"فمبدأ" يعني وجه تسميته به أن مبدأ "الكون وتمامه كائن من بركته المستمدة من بركة الله"، ومن كان مدده فلا يستطاع إحصاء بركته "و" لكن "من كمال بركته نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل ببركته حتى أشبع"، وأروى "الجيش الكثير، وغير ذلك مما لمسه، أو باشره، كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في مقصد المعجزات".
وقال الشامي سمي بذلك لما جعل الله في حاله من البركة، والثواب، وفي أصحابه من فضائل العمال، وفي أمته من زيادة القدر على الأمم.
"وأما المكين" فعيل من المكانة أخذه جماعة من قوله تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} الآية، على أحد القولين إنما المراد صلى الله عليه وسلم "فهو" أي فموجه تسميته به أنه "صلى الله عليه وسلم المكين تعلموا مكانته" العظيمة "عند ربه تعالى، ومن ذلك أن قرن" ضم وجمع "سبحانه ذكره بذكره فما أذن" بالبناء للمفعول "باسم أحد سواه" لأنه ما شرع ذكر غيره في الأذان، "ولا قرن اسم أحد مع اسمه" تعالى "إلا إياه" كما قال تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك} الآية، أي لا أذكر إلا وتذكر معي، كما ورد مفسرا عن جبريل عن الله، "فأعلن له في السابقة على ساق العرش" حيث كتب اسمه على ساقه وعلى نحور الحور وغير ذلك مما مر "وآذن" اعلم "به في اللاحقة على منار الإيمان" حيث أمر المؤذنين بذكر اسمه في كل آذان والمراد بها الآخرة؛ لأنه أعلم به فيها بلواء الحمد، والشفاعة والمقام المحمود وغير لك مما لم يؤذن به لغيره فيها.
"وأما الأمي" الذي، لا يكتب، ولا يقرأ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنا أمية لا نحسب ولا نكتب"،
فهو من أخص أسمائه، وقال تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] فهو تعالى يقرئه ما كتبه بيده، وما خطته أقلامه العلمية في ألواح قدسه الأقدسية، فيغنيه بذلك عن أن يقرأ ما تكتب الخلق.
وأما "المكي" فهو صلى الله عليه وسلم قد كان بداية ظهوره في الأرض في مكة، التي هي حرم الله، وهي مدد البركة ومنشأ الهدى، فهو صلى الله عليه وسلم مكي الإقامة ومبدأ النبوة، ومكي الإعادة، وكان من آية ذلك توجهه لها حيث ما توجه فهو عليه الصلاة والسلام المكي الذي لا يبرح وجود أو قصد،
وصفه تعالى به تنبيها على أن كمال علمه معها أحد معجزاته، "فهو من أخص أسمائه" أي الأسماء التي اختصاصها به أظهر من غيرها، فإن الأمية، وإن كثرت في الناس لكنها فيهم معجزة وفيه معجزة، "وقال تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي} تعرف قبل الوحي إليك "ما الكتاب" القرآن، ولا الإيمان، أي شرائعه، ومعالمه، والنفي معلق للفعل عن العمل، وما بعده وسد مسد المفعولين "ولكن جعلناه" أي الروح أو الكتاب {نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} استدل بها على أميته لاستغنائه عن الكناية، والقراءة بالوحي إذا المطلوب منهما التوصل إلى المعارف، والعلوم، كما أشار له بقوله:"فهو تعالى يقرئه ما كتبه بيده" أي أمر بكتبه، وأضافه إلى ذاته معبرا عنها شعارا بكمال حقيقته حيث أضيف إليه تعالى:"وما خطته أقلامه العلمية في ألواح قدسه الأقدسية فيغنيه بذلك عن أن يقرأ ما تكتب الخلق".
قال القاضي عياض إذ المطلوب من القراءة، والكتابة المعرفة، وإنما هما آلة وواسطة موصلة إليها، فإذا حصلت الثمرة، والمطلوب استغنى عن الواسطة.
قال ومعجزته العظمى القرآن إنما هي متعلقة بطريقة المعارف، والعلوم من ما منح وفضل به من ذلك صلى الله عليه وسلم ووجود مثل ذلك ممن لم يقرأ ولم يكتب ولم يدارس، ولا لقن مقتضى العجب، ومنتهى العبر ومعجزة البشر.
"وأما المكي فهو" أي وجه تسميته به "صلى الله عليه وسم قد كان بداية ظهوره في الأرض في مكة التي هي حرم الله، وهي مدد البركة ومنشأ الهدى" لأن أول نزول الوحي عليه في غارها، "فهو عليه الصلاة والسلام مكي الإقامة، و" مكي "مبدأ النبوة، ومكي الإعادة" فوصفه لهذه الثلاثة، لا لكون بدئه مطلقا بها؛ لأنه كان قبل خلق السماوات والأرض "وكان من آية ذلك" علامة أنه المكي "توجهه لها" أمره باستقبالها في الصلاة "حيثما توجه" أي في، أي محل كان به وتوجهه إليه "فهو عليه الصلاة والسلام المكي الذي لا يبرح وجود أو قصد"، أي إنهما لمكة وإن،
والمرء حيث قصده لا حيث جسمه حتى كان من شرعه أن يوجه الميت إليها، ومن أومأ لشيء فهو لما أومأ ولذلك صحت الصلاة إيماء.
وأما "المدني" فلأن المدينة دار هجرته وإقامته لا رحلة له عنها، وخصت تربتها بأن ضمت أعضاءه المقدسة.
وأما "عبد الكريم" فذكر الحسين بن محمد الدامغاني في كتابه "شوق العروس وأنس النفوس" نقلا عن كعب الأحبار أنه قال: اسم النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم، وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد الحميد،
كان جسده بغيرها، كما أشار إليه بقوله، "والمرء حيث قصده" أي في المكان الذي قصده، "لا حيث جسمه" أي المكان الذي هو به "حتى كان من شرعه أن يوجه الميت إليها ومن أومأ" بفتح أوله والهمز آخره أشار "لشيء" إشارة قلبية، بأن تعلق غرضه به تعلقا تاما، "فهو لما أومأ" أي ففعله، مصروف إلى ما تعلق به قلبه، فحذف المضاف من قوله، فهو فانفصل الضمير، فلم يتحد الشرط والجزاء، "ولذلك صحت الصلاة إيماء" لذي العذر، ومقصوده من هذا تأكيد كونه ما برح عنها وجود، أو للصدا، "وأما المدني، فلأن المدينة دار هجرته" أي الدار التي هاجر إليها في الله بإذنه "وإقامته" حيا، وفي البرزخ حتى يبعث منها، "لا رحلة له عنها" كما قال صلى الله عليه وسلم يوم خطب الأنصار "المحيا محياكم، والممات مماتكم"، "وخصت تربتها بأن ضمت أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم المقدسة" فحازت ما لم تحزه بقعة، فقام الإجماع بفضلها على كل البقاع.
"وأما عبد الكريم فذكر" الإمام "الحسين بن محمد الدامغاني" بفتح الميم، والمعجمة، نسبة إلى دامغان مدينة من بلاد قومس، كما في اللب "في كتابه شوق العروس، وأنس النفوس" وكذا ذكره ابن الجوزي في التبصرة كلاهما "نقلا عن كعب الأحبار، أنه قال" مما تلقاه من الكتب السابقة؛ لأنه حبرها "اسم النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم" لأنه الذي أوصلهم إليها فتكرم الله عليهم فيها بما، لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هو المصطفى بشفاعته، في فضل القضاء الذي تنصل منه الرؤساء، ولأنه الذي ابتدأ فتح بابها لهم، ولأن تكرم الله عليه فيها لا يضارعه شيء.
"وعند أهل النار عبد الجبار" لأنه جبرهم وقهرهم بالخلود فيها لمخالفته صلى الله عليه وسلم ومخالفة من قبله؛ لأن تكذيب واحد تكذيب للجميع كذبت قوم نوح المرسلين: "وعن أهل العرش عبد الحميد" لحمده على إسرائه إليه وحمدهم على رؤيته صلى الله عليه وسلم عنده.
وعند سائر الملائكة عبد المجيد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القهار، وعند الجن عبد الرحيم، وفي الجبال عبد الخالق، وفي البر عبد القادر وفي البحر عبد المهيمن، وعند الحيتان عبد القدوس، وعند الهوام عبد الغياث، وعند الوحوش عبد الرزاق، وعند السباع عبد السلام، وعند البهائم عبد المؤمن، وعند الطيور عبد الغفار، وفي التوراة موذ موذ، وفي الإنجيل طاب طاب، وفي الصحف عاقب،
"وعند سائر الملائكة عبد المجيد" لأن كلا منهم يمجد الله ويعبده بنوع وجمعها الله كلها له صلى الله عليه وسلم.
"وعن الأنبياء عبد الوهاب" لأن الله وهبهم النبوة، والآيات البينات، ثم وهبه ما وهبهم ورفعه عليهم درجات "وعند الشياطين عبد القهار؛ لأنه قهرهم، وأذلهم ببعثته ومنعهم من استراق السمع وغير ذلك.
"وعند الجن عبد الرحيم" لأنه رحمهم برسالته فلم يكلفهم الأعمال الشاقة، كالمحاريب، والتماثيل وعادت بركته على كثير منهم فآمنوا به.
"وفي الجبال عبد الخالق" الذي خلقه بشرا ليس كالأبشار، كما أنه خلقها أرضا، لا كالأرض.
"وفي البرد عبد القادر" الذي من قدرته أن خلق منه سيد الأولين والآخرين.
"وفي البحر عبد المهيمن" لأنه أجل من يؤمن به بأنه لا يحصى قطراته، ولا يحفظه إلا الله، "وعند الحيتان عبد القدوس" لأنها، وإن قدست الله كثيرا حتى قيل ما صيدت سمكة حتى ينقطع تسبيحها، فهو في جنب تقديسه صلى الله عليه وسلم لا شيء.
"وعند الهوام عبد الغياث" الذي أغاث الناس من أذاها ببركته ثم أغاثها هي بأن سخر لها رزقها ببركته.
"وعند الوحوش عبد الرزاق" الذي يرزقها ببركة هذا الذي كله رحمة للعالمين، "وعند السباع عبد السلام" الذي سلم الناس من عدائها.
"وعند البهائم عبد المؤمن" لأنه أجل من يؤمن بأن تسخيرها منه تعالى: "وعند الطيور عبد الغفار" الذي يغفر الذنوب ويسترها أقوى من سترها بيضها وفراخها بجناحها "وفي التوراة موذ موذ" بالتكرير، ويوري بألف بدل الواو وبياء كما مر.
"وفي الإنجيل طاب طاب، وفي الصحف"، التي نزلت على موسى قبل التوراة وصحف إبراهيم "عاقب".
وفي الزبور فاروق، وعند الله طه ويس، وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم، قال وكنيته أبو القاسم لأنه يقسم الجنة بين أهلها.
وأما "عبد الله" فسماه الله تعالى به في أشرف مقاماته فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، وقال:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، وقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه والتحدي بأن يأتوا بمثله. وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] فذكره في مقام الدعوة إليه، وقال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1]، وقال:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] ، ولو كان له اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالات العلية.
"وفي الزبور فاروق، وعند الله طه ويس، وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم".
"قال" كعب "وكنيته أبو القاسم؛ لأنه يقسم الجنة بين أهلها، يوم القيامة، وهو أحمد الأقوال، وخالفه الجمهور، كما مر.
"وأما عبد الله فسماه الله تعالى به في أشرف مقاماته" صريحا في وإنه لمقام عبد الله، أو معنى كبقية الآيات لإضافة عبد إلى ضميره تعالى، فساوى في المعنى عبد الله، فلا يرد أنه لم يسمه به إلا في آية واحدة، فقال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} شك "مما نزلنا على عبدنا" محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن أنه من عند الله، {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} أي المنزل ومن للبيان، أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم، والأخبار عن الغيب.
"وقال: {تَبَارَكَ} وتكاثر خيره {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} محمد {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الأنس، والجن، واتفاقا، والملائكة على الصحيح {نَذِيرًا} مخوفا من عذاب الله، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} القرآن، "فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه" في آيتي الكهف، والفرقان، "و" في مقام "التحدي بأن يأتوا بمثله وقال تعالى: {وَأَنَّهُ} " بالفتح بالكسر استئناف، والضمير للشأن، "{لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} ، فذكره في مقام الدعوة إليه بالعبودية، وقال تعالى:{سُبْحَانَ} تنزيه {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} " نصب على الظرف، والإسراء سير الليل نكر للإشارة بتنكيره إلى تقليل مدته.
"وقال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم على أحد القولين والآخر جبريل، فأفاد أن هذا الاسم أشرف أسمائه "ولو كان له اسم أشرف منه، لسماه به في تلك الحالات العلمية"،
ولما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، ورقاه إلى أعلى المعالي العلوية، ألزمه -تشريفا له- اسم العبودية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجلس للأكل جلوس العبد، وكان يتخلى عن وجوه الترفعات كلها في ملبسه ومأكله ومبيته ومسكنه إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان صدقا عما في باطنه من تحقق العبودية لربه تحقيقا لمعنى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] .
ولما خير بين أن يكون نبيا ملكا.
فهذا مبني على المقدمة المقدرة، فلا يرد أنه لم يدع أنه أشرف أسمائه حتى يحتاج لهذا "ولما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، ورقاه إلى أعلى المعالي العلوية ألزمه تشريفا له اسم العبودية، وقد" جمع بين صفتها ظاهرا وباطنا، لأنه "كان صلى الله عليه وسلم يجلس للأكل جلوس العبد" فتسميته بذلك مطابقا لما كان عليه في الوجود الظاهر المدرك بالحواس، "و" لذا "كان يتخلى" بخاء معجمة "عن وجوه الترفعات كلها، في ملبسه ومأكله" فيجلس على الأرض، ولا يأكل على خوان، "ومبيته ومسكنه" كما يأتي تفصيل ذلك كله في شمائله وعلل ذلك بقوله "إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان" المشاهدة "صدقا" حال من مفعول يناله، أي دالا وكاشفا "عما في باطنه من تحقق العبودية لربه"، وإنما ظهر ذلك "تحقيقا لمعنى" قوله تعالى:" {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} "، فإن أكثر المفسرين على أنه الذي جاء صلى الله عليه وسلم، قال بعضهم: وهو الذي صدق به، وقيل الذي صدق به المؤمنون وقيل أبو بكر وقيل علي، وقيل غير هذا كما في الشفاء.
قال شارحه، ولا يرد على هذا، ولا على ما قبله أنه يلزمه حذف الموصول بدون الصلة، أو أن يراد بموصول مع الصلة شيء ومنه مع صلة أخرى آخر؛ لأن الموصول هنا واحد لفظا جمع معنى بتقدير موصوف، كذلك كفريق ونحوه، والصلة له على التوزيع، أي جمع بعضه جاء به وبعضه صدقه، فلا محذور فيه، كما ذكر الطيبي، وهذا جار في الوجه الأخير؛ إذ لا مانع منه، فلا وجه لقوله البيضاوي ومن تبعه إذا كان الجائي النبي صلى الله عليه وسلم، المصدق أبو بكر يلزم عليه إضمار الذي وهو غير جائز مع أنه ذكر هذا في الوجه السابق، وليس بينهما فارق والفرق بأنهما فردان مشخصان، لا يجدي، ولا حاجة إلى أن الذي أصله الذين، فخفف بحذف النون لطوله بالصلة، والذي غر هؤلاء أن الذي لا يراد به متعددا إلا إذا كان غير متخصص بمعنى، قال في التسهيل يغني عن الذين في غير تخصيص كثيرا، وفيه للضرورة قليلا انتهى، "ولما خير بين أن يكون نبيا ملكا" بكسر اللام سلطانا تكون شئون كالملوك في اتخاذ الجنود، والخيول،
أو نبيا عبدا، اختار أن يكون عبدا، فاختار ما هو الأتم، فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح:"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، ولكن قولوا عبد الله ورسوله"، فأثبت ما هو ثابت له، وأسلم لله ما هو له لا لسواه وليس للعبد إلا اسم العبد، ولذلك كان "عبد الله" أحب الأسماء إلى الله تعالى.
والخدم، والقصور، والحجاب، "أو نبيا عبدا اختار أن يكون نبيا عبدا"، تواضعا منه، وزهدا في الدنيا خضوعا لله، مع أن النبوة معطاة في الحالين، ولو كان ملكا ما صره الملك.
وفي الحديث، فقال له إسرافيل عند ذلك، فإن الله، قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، "فاختار ما هو الأتم، فكان صلى الله عليه وسلم يقول، كما في الصحيح" من حديث عمر، "لا تطروني" بضم أوله وسكون الطاء، لا تتجاوزوا الحد في مدحي بأن تقولوا ما لا يليق بي، "كما أطرت النصارى عيسى" حيث كذبوا، وقالوا فيه ابن الله، وإله وغيره من إفكهم، "ولكن قولوا عبد الله ورسوله" ولا تقولوا ما قالته النصارى، "فاثبت ما هو ثبت له" من العبودية، والرسالة، "وأسلم لله ما هو له، لا لسواه" فالنهي إنما هو عن ذلك وإلا فمدحه صلى الله عليه وسلم مطلوب من كل أحد، وقد سمعه وأجاز عليه مع أن أحدا لا يبلغه كما قال:
لا يبلغ الواصف المطري مدائحه
…
وإن يكن محسنا في كل ما وصفا
ويرحم الله الشرف البوصيري حيث، قا:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
…
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
ومنه أخذ الصفي الحلى قوله في بديعته.
دع ما تقول النصارى في نبيهم
…
من التغالي وقل ما شئت واحتكم
"وليس للعبد إلا اسم العبد، ولذلك كان عبد الله أحب الأسماء إلى الله"، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن".
رواه مسلم وللطبراني بسند ضعيف مرفوعا أحب الأسماء إلى الله ما تعبد له وللطبراني وغيره إذا سميتم، فعبدوا.
قال السخاوي، وأما ما يذكر على الألسنة من خير الأسماء ما حمد وما عبد، فما علمته انتهى ولله الحمد على ما أنعم، والله سبحانه وتعالى أعلم.