المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٤

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌تابع كتاب المغازي

- ‌حرق ذي الكفين

- ‌[غزوة الطائف] :

- ‌[نبذة من قسم الغنائم وعتب الأنصار] :

- ‌[بعث قيس إلى صداء] :

- ‌[البعث إلى بني تميم] :

- ‌[بعث الوليد إلى بني المصطلق] :

- ‌[سرية ابن عوسجة] :

- ‌[سرية قطبة إلى خثعم] :

- ‌[سرية الضحاك إلى القرطاء] :

- ‌[سرية علقمة إلى طائفة من الحبشة] :

- ‌[هدم صنم طيء] :

- ‌[ثم غزوة تبوك] :

- ‌[حج الصديق بالناس] :

- ‌[هلاك رأس المنافقين] :

- ‌العبث إلى اليمن

- ‌[بعث خالد إلى نجران] :

- ‌[بعث علي إلى اليمن] :

- ‌[حجة الوداع] :

- ‌[آخر البعوث النبوية] :

- ‌الفصل الأول: في ذكر أسمائه الشريفة المنبئة على كمال صفاته المنيفة

- ‌الفصل الثاني: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثالث: في ذكر أزواجه الطاهرات وسراريه المطهرا

- ‌مدخل

- ‌خديجة أم المؤمنين

- ‌[سودة أم المؤمنين] :

- ‌[عائشة أم المؤمنين] :

- ‌[حفصة أم المؤمنين] :

- ‌[أم سلمة أم المؤمنين] :

- ‌[أم حبيبة أم المؤمنين] :

- ‌[زينب بنت جحش أم المؤمنين] :

- ‌[زينب أم المساكين والمؤمنين] :

- ‌[ميمونة أم المؤمنين] :

- ‌[جويرية أم المؤمنين] :

- ‌[صفية أم المؤمنين] :

- ‌[ذكر سراريه صلى الله عليه وسلم] :

- ‌الفصل الرابع: في أعمامه وعماته واخوته من الرضاعة وجداته

- ‌مدخل

- ‌[ذكر بعض مناقب حمزة] :

- ‌[ذكر بعض مناقب العباس] :

- ‌الفصل الخامس: في خدمه وحرسه ومواليه، ومن كان على نفقاته، وخاتمه ونعله وسواكه ومن يأذن عليه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌الفصل السادس: في أمرائه ورسله وكتابه وكتبه إلى أهل الإسلام في الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌الفهرس

الفصل: ‌الفصل الثاني: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

‌الفصل الثاني: في ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

اعلم أن جملة ما اتفق عليه منهم ستة: القاسم وإبراهيم، وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكلهن أدركهن الإسلام وهاجرن معه.

واختلف فيما سوى هؤلاء:

فعند ابن إسحاق: الطاهر والطيب أيضا فتكون على هذا ثمانية، أربعة ذكور وأربعة إناث.

وقال الزبير بن بكار:

"الفصل الثاني: في ذكر أولاده الكرام"

صفة لازمة ولم يقل، وأولاد أولاده، وإن ذكر في ترجمة زينب ولديها، وفي فاطمة أولادها؛ لأن ذكرهم وقع تبعا، والمقصود بالترجمة الأولاد، أو استعمل الأولاد في حقيقته ومجازه، فأراد ما يشمل أولادهم، ولكن الأول أولى؛ لأنه لم يذكر ابن رقية، فيلزم أنه نقص عما ترجم له "عليه وعليهم الصلاة والسلام".

ذكرها عليهم تبعا، فلا كراهة؛ لأن محلها حيث أفردت من غير الله وملائكته ورسله عند الجمهور، ويأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في مقصدها.

"اعلم أن جملة ما اتفق عليه منهم ستة: القاسم" أولهم "وإبراهيم" آخرهم، "وأربع بنات: زينب" أكبرهن "ورقية، وأم كلثوم وفاطمة" أصغرهن على الأصح، كما قال السهيلي.

قال أبو عمر هو الذي تركن إليه النفس "وكلهن" أي البنات الأربع "أدركن الإسلام، وهاجرن معه" بمعنى أنهن اجتمعن معه في المدينة بعد الهجرة، أو المعية مجازية لقرب زمان هجرتهن من هجرته صلى الله عليه وسلم، فلا يرد أنهن لم يخرجن معه وقت الهجرة، وإن زينب تأخرت هجرتها حتى كانت بدر، وأسر زوجها، وبعثت هي في فدائه، فمن عليه صلى الله عليه وسلم وشرط عليه، أو طاع له أن يبعث زينب، ففعل، كما قدمت ذلك.

"واختلف فيما سوى هؤلاء، فعند ابن إسحاق" من أولاده "الطاهر، والطيب أيضا فتكون" أولاده "على هذا ثمانية أربعة ذكور، وأربعة إناث" زيادة إيضاح، لما علم مما قبله، "وقال الزبير بن بكار" بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني، قاضيها

ص: 313

كان له عليه الصلاة والسلام سوى إبراهيم القاسم وعبد الله، مات صغيرا بمكة، ويقال له: الطيب والطاهر، ثلاثة أسماء.

وهو قول أكثر أهل النسب قاله أبو عمر، وقال الدارقطني: هو الأثبت.

ويسمى عبد الله بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوة، فعلى هذا تكون جملتهم سبعة، ثلاثة ذكور.

وقيل: عبد الله غير الطيب والطاهر، حكاه الدارقطني وغيره. فعلى هذا تكون جملتهم على هذا تسعة، خمسة ذكور.

وقيل: كان له الطيب والمطيب، ولدا في بطن، والطاهر والمطهر، ولدا في بطن، ذكره صاحب الصفوة،

أبو عبد الله بن أبي بكر، ثقة حافظ علامة بالنسب مات سنة ست وخمسين ومائتين. "كان له عليه الصلاة والسلام سوى إبراهيم" ولدان "القاسم وعبد الله" حال كونه "مات صغيرا" لم تعلم مدة حياته لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك "بمكة" أو هي مستأنفة، "ويقال له الطيب، والطاهر" فله "ثلاثة أسماء" فهو مبتدأ حذف خبره، "وهو" أي ما، قاله ابن بكار "قول أكثر أهل النسب، قاله أبو عمر"، بضم العين يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الحافظ العلامة، الإمام، الذي ساد أهل الزمان بالحفظ، والاتقان الشهير بكنيته والنسبة إلى جد أبيه.

"وقال الدارقطني: هو الأثبت"، ولذا اقتصر يزيد بن عياض عن الزهري على القاسم وعبد الله، كما أخرجه الزبير بن بكار قائلا "ويسمى عبد الله بالطيب، والطاهر" هذه أولى من نسخة حذف الواو؛ لأنه سمي بكل منهما، كما علم ولفظ الزبير حدثني عمي عن مصعب، قال ولدت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم القاسم والطاهر، وكان يقال له الطيب، واسمه عبد الله، "لأنه ولد بعد النبوة" فصلح له الاسمان، ونقل الزبير أيضا عن جده مصعب أنه كان للزبير بن عبد المطلب ابن يسمى الطاهر، كان من أظرف الفتيان بمكة، وبه سمى رسول الله ابنه، "فعلى هذا تكون جملتهم سبعة ثلاثة ذكور" القاسم وعبد الله وإبراهيم، والأربع بنات "وقيل: عبد الله غير الطيب وغير "الطاهر حكاه الدارقطني وغيره" كأبي بكر بن عثمان وأبي الأسود يتيم عروة قالا ولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ذكور القاسم، والطيب، والطاهر، وعبد الله، وأربع بنات وسماهن أخرجه الزبير، "فعلى هذا تكون جملتهم تسعة خمسة ذكور" بإبراهيم، وأربع بنات، "وقيل: كان له الطيب والمطيب"، بضم الميم، وفتح الطاء المهملة، والياء الثقيلة، وموحدة "ولدا في بطن" أي توءمين، "والطاهر والمطهر" بضم الميم اسم مفعول "ولدا في بطن ذكره صاحب الصفوة"

ص: 314

فتكون على أحد عشر.

وقيل: ولد له صلى الله عليه وسلم ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف، فتكون على هذا اثني عشر، وكلهم سوى هذا ولد في الإسلام بعد البعث. وقال ابن إسحاق: كلهم غير إبراهيم قبل الإسلام. ومات البنون قبل الإسلام وهم يرتضعون، وقد تقدم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة ولذلك.

ابن الجوزي وكذا ابن البر في تاريخه ولما عد ابن ظفر أولاده لله من خديجة ذكر المطهر، قال وبعض الناس يسميه الطاهر، وهو سهو، فإن الطاهر هو ابن أبي هالة من خديجة، قال في الإصابة ولم يذكر مستنده فيما زعم، وما المانع أن خديجة سمت أحد أولادها منه صلى الله عليه وسلم باسم ولدها من غيره، وذلك موجود في العرب كثيرا وقد سبقه إلى ذكر المطهر غيره انتهى، "فتكون" الأولاد الكرام "على هذا أحد عشر" سبعة ذكور وأربع بنات، "وقيل ولد له صلى الله عليه وسلم ولد قبل المبعث، يقال له عبد مناف".

رواه الهيثم بن عدي عن هشام عن عروة عن أبيه، قال ولدت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى، وعبد مناف، والقاسم، قال في الميزان، واللسان هذا من افتراء الهيثم على هشام، والهيثم، كذبه البخاري، وأبو داود وآخرون، وقد قال الطحاوي، والبيهقي وابن الجوزي وغيرهم لم ينقل أحد من الثقات ما نقله الهيثم عن هشام قال ابن الجوزي قال لنا شيخنا ابن ناصر لم يسم صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط.

وقال الحافظ قطب الدين الحلبي في المورد العذب: لا يجوز لأحد أن يقول هذه التسمية، أي بالاسمين اللذين زعمهما الهيثم وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم ولئن قيل، أي على فرض الورود أنها وقعت فتكون من بعض أهل خديجة وغيرها النبي صلى الله عليه وسلم بعد، أو لم تبلغه لكونه كان مشغولا بعبادة ربه وعدم طول حياة من سمي بذلك، أو اختلق ذلك أحد الشياطين الأنس، أو الجن ليدخل اللبس على ضعيف الإيمان انتهى.

"فتكون على هذا اثني عشر" وعلى تمام ذلك الافتراء ثلاثة عشر وعلى المؤلف مؤاخذة، فإن مثل هذا، لا يذكر مع السكوت عليه، "وكلهم سوى هذا ولد في الإسلام بعد البعث" عند جماعة منهم الزبير بن بكار.

"وقال ابن إسحاق" في السيرة عند ذكر تزوج المصطفى خديجة: "كلهم غير إبراهيم" ولد قبل الإسلام، ومات البنون قبل الإسلام، وهم يرتضعون" ورجح السهيلي قول الجماعة بأن الزبير أعلم بهذا الشأن، "و" يؤيده أنه "قد تقدم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة، ولذلك

ص: 315

سمي بالطيب الطاهر.

فتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور: اثنان متفق عليها: القاسم وإبراهيم، وستة مختلف فيهم، عبد مناف، وعبد الله، والطيب، والمطيب، والطاهر، والمطهر.

والأصح أنهم ثلاثة ذكور وأربع بنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم.

فأما القاسم فهو أول ولد ولد له عليه الصلاة والسلام قبل النبوة، وبه كان يكنى.

وعاش حتى مشى، وقيل: عاش سنتين، وقال مجاهد: مكث سبع ليال، وخطأه الغلابي في ذلك وقال: الصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا. وقال ابن فارس: بلغ ركوب الدابة.

سمي بالطيب، والطاهر" ويأتي أيضا أن القاسم مات بعد الإسلام في قول غير ابن إسحاق، "فتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم، وإبراهيم وستة مختلف فيهم عبد مناف وعبد الله، والطيب والمطيب والطاهر والمطهر" وسلك المصنف طريق الإيضاح، فإن هذا علم من كلامه، كما قال: "والأصح أنهم ثلاثة ذكور:" القاسم وعبد الله صاحب اللقبين وإبراهيم، "وأربع بنات متفق عليهن وكلهم" وفي نسخة كلهن تغليبا للإناث لفضلهن أو نظرا إلى أن أولاد جمع كثرة، فلا يضر عوده على الذكور نحو قامت الرجال، بمعنى الطائفة، "من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم" فمن مارية، كما يأتي قريبا، فهذا ذكرهم مجملا، فإن أردت تفصيله فصلناه لك على القول الأصح "فأما القاسم فهو أول ولد ولد له عليه الصلاة والسلام" على الأصح الذي جزم به الزبير بن بكار وصاحب الإصابة، فقال: هو بكره، وولد "قبل النبوة، وبه كان يكنى" في قول الجمهور "وعاش حتى مشى" كما رواه ابن بكار عن بعض المشيخة قائلا، غير إن رضاعته لم تكن كملت، أي لم يبلغ حولين على ذا القول: "وقيل عاش سنتين" رواه ابن سعد عن محمد بن جبير بن مطعام، وعن قتادة، "وقال مجاهد مكث سبع ليال" بأيامها فعند ابن سعد عنه عاش سبعة أيام، "وخطأه المفضل بن غسان "الغلابي" بغين معجمة، وتخفيف اللام، وموحدة شيخ ابن أبي الدنيا كما في التبصير نسبة إلى جده، "في ذلك، وقال الصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا" وفي الإصابة قال المفضل الغلابي عاش سبعة أشهر بعد البعثة انتهى، ولا منافاة لأن عشرة قبلها، "وقال ابن فارس" اللغوي "بلغ ركوب الدابة" ولعله

ص: 316

ومات قبل المبعث. وفي مسند الفريابي ما يدل على أنه توفي في الإسلام. وهو أول من مات من ولده عليه الصلاة والسلام.

مراد من قال بلغ سن التمييز، "ومات قبل المبعث"، النبوي، "وفي مسند" العلامة الحافظ أبي بكر جعفر بن محمد "الفريابي" بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية، فألف فموحدة نسبة إلى بلدة بيلخ التركي، قاضي الدينور، صاحب التصانيف، الثقة المأمون قال الخطيب: كان أوعية العلم، وأهل المعرفة، والفهم طوف شرقا وغربا ولد سنة سبع ومائتين، ومات في محرم سنة إحدى وثلاثمائة "ما يدل على أنه توفي في الإسلام" فإنه أخرج هو، والطيالسي والحربي وابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها، لما مات القاسم، قالت خديجة: يا رسول الله درت لبينة القاسم فلو كان الله أبقاه حتى يتم رضاعه، قال:"كان تمام رضاعه في الجنة". قالت فلو أعلم ذلك يا رسول الله لهون علي أمره، فقال:"إن شئت دعوت الله، فاسمعك صوته". فقالت: بل أصدق الله ورسوله.

قال الحربي: أراد أنها حزنت عليه حتى در لبناه، قال في الإصابة وهذا ظاهر جدا في أنه مات في الإسلام، ولكن في السند ضعف انتهى، وفي الروض لبينة تصغير لبنة، وهي قطعة من اللبن كالعسيلة تصغير عسلة، قال وهذا من فقهها كرهت أن ترى هذا الأمر، فلا يكون لها أجر الإيمان بالغيب، وإنما أثنى الله على الدين يؤمنون بالغيب انتهى.

وأخرج يونس بن بكير في زيادة المغازي من طريق جابر الجعفي عن محمد بن علي بن الحسين، كان القاسم، قد بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيبة، فلما قبض، قال العاصي بن وائل: لقد أصبح محمد أبتر، فنزلت:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، عوضا عن مصيبتك بالقاسم.

قال في الإصابة: فهذا أيضا يدل على أنه مات في الإسلام، وأما قول أبي نعيم: لا أعلم أحدا من متقدمينا ذكره في الصحابة، وقد ذكر البخاري في التاريخ الأوسط من طريق سليمان بن بلال عن هشام بن عروة أن القاسم مات قبل الإسلام، فيعارضه حديث ما أعفي أحد من ضغطه القبر إلا فاطمة بنت أسد. قيل: ولا القاسم قال: ولا القاسم، ولا إبراهيم فهذا وحديث الحسين الذين قبله يدل على خلاف رواية هشام بن عروة انتهى.

"وهو أول من مات من ولده عليه الصلاة والسلام" فإن قلنا بعد البعثة ترجح القول بأن زينب قبله لولادتها قبل البعثة بعشر سنين، كما يأتي، وقد صححه ابن الكلبي، وقال إن غيره تخليط، قال ابن سعد وغيره: وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب قابلة خديجة في أولادها، وكانت تعق عن كل غلام بشاتين وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة،

ص: 317

وأما زينب فهي أكبر بناته فلا خلاف إلا ما لا يصح، وإنما الخلاف فيها وفي القاسم أيهما ولد أولا.

وعن ابن إسحاق أنها ولدت في سنة ثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام. وأدركت الإسلام وهاجرت وماتت سنة ثمان من الهجرة.

وكانت تسترضع لهم، وتعد ذلك قبل ولادتها، "وأما زينب" التي من فضائلها ما خرج الطحاوي، والحاكم بسند جيد، عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم، قال في حق زينب ابنته، لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي أصيبت في، وهو على تقدير ما أفضل، "فهي أكبر بناته، بلا خلافا إلا ما لا يصح" قال في الإصابة: وأول من تزوج منهن "وإنما الخلاف فيها وفي القاسم أيهما ولد أولا" فقال الزبير بن بكار في طائفة ولد القاسم، ثم زينب، ثم عبد اله، وقال ابن الكلبي زينب، ثم القسم، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، ثم عبد الله وكان، يقال له الطيب، والطاهر.

قال: وهذا هو الصحيح وغيره تخليط، "وعن ابن إسحاق أنها ولدت في سنة ثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام" قبل البعثة بعشر سنين، "وأدركت الإسلام" وأسلمت رضي الله عنها "وهاجرت" بعد بدر، كما رواه ابن إسحاق، عن عائشة، وعند ابن سعد بسند صحيح من مرسل الشعبي، أنها هاجرت مع أبيها، ويجمع بينهما بأن المعية مجازية، كما مر، "وماتت" أول "سنة ثمان من الهجرة"، كما رواه الواقدي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، وجزم به في الإصابة والعيون وغيرهما.

وروى مسلم عن أم عطية، قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال: "اغسلنها وترا ثلاثا، أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا" الحديث، وهو في الصحيحين بدون تسمية زينب، وروى أن التي غسلتها أم أيمن وسودة بنت زمعة، وأم سلمة.

قال ابن عبد البر: والتي شهدت أم عطية غسلها وتكفينها إنما هي أم كلثوم، ورده الحافظ المحفوظ أن قصة أم عطية إنما هي زينب كما في مسلم ويحتمل أن تكون شهدتهما جميعا انتهى وصلى عليها صلى الله عليه وسلم ونزل في قبرها، ومعه أبو العاصي وجعل لها نعش قيل وكانت أول من اتخذ لها ذلك، ولا يعارضه ما يأتي أن فاطمة أول من غطى نعشها كما لا يخفى ذكر ابن إسحاق وغيره: أن أبا العاصي لما من عليه صلى الله عليه وسم حين أسر ببدر ورجع إلى مكة أمرها باللحوق بأبيها، وذلك بعد بدر بشهر أو أكثر، فتجهزت فحملها في هودج على بعير ساقه بها أخوه كنانة بن الربيع، ومعه قوسه وكنانته، فخرج رجال من قريش، فادركوها بذي طوى، فسبق إليها هبار بن الأسود، وأسلم بعد ذلك فراعها بالرمح، وكانت حاملا فوقعت وأسقطت، فقام حموها كنانة ونثر كنانته، والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس

ص: 318

عند زواجها -ابن خالتها- أبي العاصي لقيط وقيل مقسم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس.

عنه وجاء أبو سفيان في جلة قريش كف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فقال: قد عرفت مصيبتنا ونكبتنا من محمد فيظن الناس أنك إذا خرجت ببنته علانية أنه عن ذل من مصيبتنا وضعف وما لنا بحبسها عن أبيها حاجة لكن ارجع حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث أن قد رددناها سلها سرا وألحقها بأبيها ففعل فأقامت ليالي حتى خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زبد بن حارثة وصاحبه الأنصاري، وكان بعثهما صلى الله عليه وسلم فقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب، فأصحباها حتى تاتياني بها، فقدما بها عليه، وللطبراني برجال الصحيح عن ابن الزبير أن رجلا أقبل بزينب فلحقه قرشيان فغلباه عليها، فدفعاها فوقعت على صخرة، فاسقطت، واهريقت دما فذهبوا بها إلى أبي سفيان فجاءته نساء بني هاشم فدفعها إليهن، ثم هاجرت فلم تزل وجعة من ذلك الوجع حتى ماتت فكانوا يرون إنها شهيدة وكأنه لما ردها حموها تلطف به أبو سفيان، فأخذها عنده ليشتهر أنه ردها، حتى جاءته نساء بني هاشم فدفعها إليهن؛ لأنه كان يحب الفخر، وقوله، فذهبوا بها إلى أبي سفيان تحديث عن منتهى ما وقع، فلا تعارض رواية ابن إسحاق "عند زوجها ابن خالتها" هالة بنت خويلد، صحابية، استأذنت عليه صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع وقال اللهم هالة، كما في البخاري عن عائشة "أبي العاصي لقيط" بفتح اللام وكسر القاف وسكون التحتية، وبالطاء اسمه في قول مصعب الزبيري، وعمرو بن علي، والغلابي، وأبي أحمد الحاكم، وآخرين، ورجحه البلاذري، "وقيل مقسم" بكسر الميم وسكون القاف، وفتح السين المهملة.

حكاه السهيلي وابن الأثير وجماعة وفي نسخة مهشم وهو قول في اسمه حكاه في الإصابة وغيرها وضبطوه بكسر الميم، وسكون الهاء وفتح الشين المعجمة، وقيل بضم أوله، وفتح ثانيه، وكسر الشين الثقيلة.

حكاه البغوي والزبير بن بكار وحكى أيضا عن عثمان بن الضحاك أن اسمه الزبير، وقال إنه الثبت في اسمه ويقال هشيم حكاه ابن عبد الله البر، يقال قسم حكاه السهيلي والحافظ في الفتح وغيرهما.

وحكى ابن منده وتبعه أبو نعيم أن اسمه ياسر بتحتية وسين مهملة، قال في الإصابة وأظنها محرفة من قاسم انتهى، وفيه شيء وقد حكى القولين معا في الفتح "ابن الربيع" على الصواب، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم عن مالك وروى الجمهور عنه أنه ابن ربيعة وادعى الأصيلي أنه ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك مرة إلى جده، ورده عياض والقرطبي وغيرهما لاطباق النسابين على خلافة "ابن عبد العزي بن عبد شمس" بن عبد مناف

ص: 319

وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه، وردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه بالنكاح الأول بعد سنتين، وقيل بعد ست سنين وقيل بعد انقضاء العدة، فيما ذكره ابن عقبة. وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ردها له بنكاح جديد سنة سبع.

القرشي العبشمي، وكون الربيع بن عبد العزي هو ما أطبق عليه النسابون، ونسبه مالك إلى جده، فأسقط عبد العزى ما في الفتح، "وكانت هاجرت قبله وتركته على شركة" فاسر في سرية تقدمت، فأجارته زينب، فذهب إلى مكة ورد الأمانات إلى أهلها، ثم أسلم وهاجر، وأثنى عليه صلى الله عليه وسلم في مصاهرته، وقال:"حدثني فصدقني ووعدني فوفاني"، كما في الصحيحين.

"وردها" زينب "النبي صلى الله عليه وسلم له بالنكاح الأول" كما أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن ابن عباس، قال الترمذي: ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه "بعد سنتين" من إسلامه الواقع في السادسة، أو السابعة، "وقيل بعد ست سنين" من الهجرة، وقد علمت قول الترمذي، لا يعرف وجهه، فكذا هذان القولان المبنيان عليه وإلا، فابتداء السنتين، أو الست مشكل، كما لا يخفى، "وقيل بعد انقضاء العدة فيما ذكره" موسى "بن عقبة" وهو من المشكل أيضا الذي لا يعرف وجهه، ثم هو حاصل القولين قبله غايته أنه لم يعين قدرا، وقد ذكر المصنف هذا القول فيما مر، لكن بدون عزو بلفظ قبل، لا بعد ومر وجهه، "وفي حديث عمرو بن شعيب" بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، الصدوق، "عن أبيه" شعيب بن محمد، صدوق، ثبت سماعه "عن جده" عبد الله بن مرو بن العاص، المروي عن الترمذي، وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم "ردها له بنكاح جديد".

قال الترمذي سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن عمرو، وذكر هذين الحديثين. يقول حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب، قال السهيلي، وإن كان أصح إسنادا لم يقل به أحد من الفقهاء؛ لأن الإسلام فرق بينهما.

قال تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ، قال: ومن جمع بينهما؟ قال: معنى حديث ابن عباس على مثل النكاح الأول في الصداق، والحباء لم يزد عليه شرطا، ولا غيره "سنة سبع" يفيد انقضاء العدة؛ لأن نزول آية التحريم بعد الحديبية الواقعة في سنة ست وبهذا وبما ذكرته عن ابن إسحاق في قصة هجرتها علمت أن زعم أنها لم تبن بانقضاء العدة لتأخر نزول التحريم، بل عزلت عنه إلى الهجرة، واستمرت كذلك حتى نزلت آية التحريم، فتوقف انفساخ النكاح على انقضاء العدة، فلم يلبث حتى جاء، وأسلم فردها بالنكاح الأول؛ إذ ليس بينهما إلا اليسير كله، تقول: جاءت الروايات بخلافه وليته إذ أبداه جوابا جعله احتمالا، بل جزم

ص: 320

وولدت له عليًّا، مات صغيرا وقد ناهز الحلم، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، وولدت له أيضا أمامه التي حملها صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح على عاتقه، وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها، وتزوجها علي بن

ونحن في غنية عنه، فقد كفانا الأئمة مئونة ذلك، فقد علمت قول الترمذي وجهه، لا يعرف، ونقله أن العمل على حديث عمرو بن شعيب، ونقل السهيلي التوفيق بما هو محتمل، "وولدت له عليًّا" الصحابي ابن الصحابي، أحد الأسباط النبوية استرضع في بني غاضرة، فافتصله صلى الله عليه وسلم منهم، وأبو العاصي مشرك بمكة، وقال:"لئن شاركني في شيء، فأنا أحق به منه".

ذكره في الإصابة. "مات صغيرا، وقد ناهز الحلم" بعد أمه في حياة أبيه، فيما رواه الزبير عن عمر بن أبي بكر الموصلي، وقال ابن عساكر ذكر بعض أهل العلم بالنسب أنه قتل يوم اليرموك، "وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح" لمكة الشريفة، "وولدت له أيضا أمامه، بضم الهمزة، وتخفيف الميمين "التي حملها صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح على عاتقه"، كما في رواية الزبير بن بكار، وعند أبي داود عن أبي قتادة بينا نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر، أو العصر إذ خرج إلينا وأمامه على رقبته، فقام في الصلاة، وقمنا خلفه، والحديث في الموطأ، ومن طريقه أخرجه الشيخان عن أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وهو حامل أمامه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. "وكان إذا ركع وضعها" كما عند مسلم، والنسائي من غير طريق مالك، "وإذا رفع رأسه من السجود أعادها" كما لأبي داود من طريق آخر، فهذا صريح في أن فعل الحمل، والوضع كان منه صلى الله عليه وسلم، لا منها بخلاف ما أوله الخطابي في حديث مالك، حيث، قال يشبه أن الصبية كانت ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته، فينهض من سجوده، فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع، فيرسلها، وبسط هذا يأتي إن شاء الله تعالى في مقصد عباداته، فإن المقصود منه هنا أنه كان يلاطفها ويحبها، وقد روى أحمد عن عائشة أن النجاشي اهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة فيها خاتم من ذهب فصه حبشي، فأعطاه أمامة.

وأخرج ابن سعد، وأحمد، وأبو يعلى بسند حسن عن عائشة أهديت له هدية فيها قلادة، جزع معلمات بالذهب ونساؤه كلهن مجتمعات في بيت، وأمامة تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال:"كيف ترين هذه"؟ فنظرنا إليها فقلنا: ما رأينا أحسن منها، ولا أعجب، فقال:"لأدفعنها إلى أحب أهلي إليَّ" فقالت النساء: ذهبت بها ابنة أبي قحافة، فدعا صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعقدها بيده في عنقها وكان على عينها عمص، فمسحه بيده، وفي رواية، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة، فسري عنا، ولا تعارض، فقد يكون أقبل بها، ثم دعاها "وتزوجها علي بن

ص: 321

أبي طالب بعد فاطمة.

وأما رقية فولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام. وذكر الزبير بن بكار وغيره أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وصححه الجرجاني النسابة. والأصح الذي عليه الأكثرون كما تقدم، أن زينب أكبرهن.

وكانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة، فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] .

أبي طالب" أمير المؤمنين "بعد فاطمة" خالتها بوصية من فاطمة بذلك، زوجها منه الزبير بن العوام، وكان أبوها قد أوصى بها إلى الزبير، فلما تأيمت من علي، قالت أم الهيثم النخعية:

أشاب ذوائبي وأذل ركني

أمامة حين فارقت القرينا

تطيف به لحاجتها إليه

فلما استيأست رفعت رنينا

وكان علي، قد أمر المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أن يتزوجها، فتزوجها بعده فولدت له يحيى وبه كان يكنى، وماتت عند المغيرة، وقيل لم تلد لعلي، ولا للمغيرة.

قال الزبير: ليس لزينب عقب ذكره ابن عبد البر، وقيل الذي تزوجها بعد علي أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، حكاه الدارقطني، "وأما رقية، فولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام" فيما قيل. "وذكر الزبير بن بكا وغيره أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم" الذي نسبه اليعمري عن ابن عبد البر للزبير بن بكار أن زينب أكبرهن ورقية أصغرهن، "وصححه" علي بن عبد العزيز "الجرجاني النسابة" الذي في العيون والإصابة عن أبي عمر، صحح الجرجاني أن رقية أصغرهن، "والأصح الذي عليه الأكثرون، كما تقدم أن زينب أكبرهن" بل قال أبو عمر: لا أعلم فيه خلافا، واختلف في رقية، وفاطمة، وأم كلثوم، والأكثر أنهن على هذا الترتيب، وصحح الجرجاني أن رقية أصغرهن، وقيل فاطمة.

هذا ما في الإصابة وإن تكرر ونحوه في العيون، "وكانت رقية تحت عتبة" بالتكبير أسلم في الفتح هو، وأخوه معتب "بن أبي لهب" لأن النبي صلى الله عليه وسلم استوهبهما من ربه، فوهبهما له، كما مر في غزوتها، "وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة" بالتصغير الميت كافرا، كما يأتي.

قال ابن سعد: وكان تزوجها قبل النبوة، وتبعه ابن عبد البر، ونظر فيه الحافظ، بأن عبد البر نفسه، نقل الاتفاق على أن زينب أكبرهن، وقد ولدت قبل البعثة بعشر سنين، فإذا كانت أكبرهن بهذا السن، فكيف يتزوج من هي أصغر منها؟ نعم إن ثبت يكون عقد نكاح فقط حتى يحصل التأهل فوقع الفراق قبل ذلك انتهى "فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} بعدما أنذر صلى الله عليه وسلم

ص: 322

قال لهما أبوهما -أبو لهب- رأسي من رءوسكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما.

فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة، وكانت ذات جمال رائع

عشيرته لما نزل عليه، وأنذر عشيرتك الأقربين، فقال أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا؟، "قال لهما أبوهما أبو لهب: رأسي" أي قربه "من رءوسكما حرام" ممنوع لأن شأن المتحابين وضع رءوسهما على وسادة واحدة، وعبر بالجمع في موضع التثنية لقلة استعمالها في مثله لكراهتهم اجتماع تثنيتين، وفي نسخة من رأسكما بالإفراد، وهو جائز أيضا كقطعت رأس الكبشين، قال ابن مالك: والجمع أجود نحو، فقد صغت قلوبكما، وقد اجتمعت التثنية، والإفراد في قوله ظهراهما مثل ظهر الترسين، وفي نسخة بالتثنية على القليل، "إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما" تبعا لأمره المشئوم، "فتزوج عثمان بن عفان" أمير المؤمنين "رقية بمكة" وكانت بارعة الجمال، وكذا كان عثمان جميلا، فكان يقال أحسن زوجين، رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان، وفيه تقول خالته سعدى بنت كرز الصحابية العبشمية:

هدى الله عثمان الصفي بقوله

فارشده والله يهدي إلى الحق

فبايع بالرأي السديد محمدا

وكان ابن أروى لا يصد عن الحق

وأنكحه المبعوث إحدى بناته

فكان كبدر مازج الشمس في الأفق

فداؤك يابن الهاشميين مهجتي

فأنت أمين الله أرسلت في الخلق

ذكره أبو سعد في الشرف، "وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة،" واحتبس خبرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتته امرأة، فأخبرته أنها رأتهما، فقال صلى الله عليه وسلم:"صحبهما الله إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط".

رواه ابن المبارك وغيره، قال ابن هشام: فولدت له هناك عبد الله، فكان يكنى به وعاش، كما في الفتح ست سنين ومات كما قال ابن سعد سنة أربع من الهجرة نقره ديك، فتوفي بعد أمه قال: ولم تلد له غيره إلا أنها أسقطت قبله سقطا، وقال قتادة: لم تلد له، قال ابن عبد البر: وهو غلط لم يقله غيره.

وذكر البلاذري أنه، لما توفي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجر، وقال:"إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، "وكانت ذات جمال رائع" ذكر ابن قدامة أن نفرا من الحبشة كانوا ينظرون إليها، ويعجبون من جمالها فتأذت من ذلك فدعت عليهم فهلكوا جميعا.

ص: 323

عن الدولابي أن تزويجه بها كان في الجاهلية، وذكر غيره ما يدل على أنه كان بعد إسلامه.

وتوفيت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر. وعن ابن عباس: لما عزي صلى الله عليه وسلم برقية قال: "الحمد لله، دفن البنات من المكرمات" أخرجه الدولابي.

"عن الدولابي" بفتح الدال، وضمها الحافظ أبي بشر "أن تزويجه بها كان في الجاهلية" أي قبل البعثة، "و" لكن "ذكر غيره ما يدل على أنه كان بعد إسلامه" فأخرج أبو سعد في الشرف عن عثمان كنت بفناء الكعبة، فقيل أنكح محمد عتبة رقية ابنته، فدخلتني حسرة أن لا أكون سبقت إليها، فانصرفت إلى منزلي، فوجدت خالتي، فأخبرتني بأن الله أرسل محمدا، وذكر حثها له على اتباعه، قال: وكان لي مجلس من الصديق، فأصبته فيه وحده فسألني عن تفكري، فأخبرته بما سمعت من خالتي، فذكر حثه له على الإسلام، قال فما كان بأسرع من أن مر صلى الله عليه وسلم ومعه علي يحمل له ثوبا، فقال أبو بكر فساره فقعد صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل علي، فقال:"أجب الله إلى جنته، فإني رسول الله إليك وإلى جميع خلقه"، فوالله ما تمالكت حين سمعته أن أسلمت، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية، "وتوفيت، والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر" حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة يقتل المشركين، وهي ابنة عشرين سنة، كما في الفتح، وروى ابن المبارك عن يونس عن الزهري تخلف عثمان عن بدر على امرأته رقية، وكانت قد أصابها الحصبة فماتت.

وجاء زيد بشيرا وعثمان على قبرها، وفي المستدرك وغيره أنه صلى الله عليه وسلم خلف عثمان، وأسامة على رقية في مرضها، لما خرج إلى بدر، وأخرج ابن سعد عن ابن عباس، لما ماتت رقية، قال صلى الله عليه وسلم:"الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون"، وبكت النساء، فجاء عثمان يضربهن، فقال صلى الله عليه وسلم:"مهما يكن من العين، والقلب، فمن الله والرحمة، ومهما يكن من اليد، واللسان، فمن الشيطان "، فقعدت فاطمة على شفير القبر تبكي، فجعل يمسح عينيها بطرف ثوبه الواقدي، هذا وهم ولعلها غيرها من بناته لأن المثبت أن رقية ماتت، وهو ببدر، أو يحمل على أنه أتى قبرها بعد أن جاء من بدر.

"وعن ابن عباس، لما عزي صلى الله عليه وسلم برقية، قال: "الحمد لله دفن" ورواية البزار موت "البنات من المكرمات" آبائهن؛ لأنهن عورة ولضعفهن بالأنوثة، وعدم استقلالهن وكثرة مئونتهن، وأثقالهن.

قال بعض العلماء: هذا ورد مورد التسلية عن المصيبة وحاشاه أن يقوله كراهة للبنات، كما يظنه الجهلة. "خرجه الدولابي" الحافظ محمد بن أحمد بن حماد، وقد أبعد المصنف النجعة، فقد رواه الطبراني في الكبير، والأوسط والبزار، وابن عدي، والقضاعي كلهن بسند

ص: 324

وأما أم كلثوم ولا يعرف لها اسم، إنما تعرف بكنيتها، وكانت عند عتيبة بن أبي لهب -كما قدمته- ففارقها قبل الدخول.

ويروى أن عتيبة لما فارق أم كلثوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، لا تحبني ولا أحبك، ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشام تاجرا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه" وفي رواية: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال: ما كان أغناك عن دعوة ابن أخي، فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي،

ضعيف، "وأما أم كلثوم، ولا يعرف لها اسم" لعدم وجوده كقوله:

ولا ترى الضب بها ينجحر

فليس المراد أن لها اسما أبهم، فلم يعرف، ففي النور، لا أعلم أحد أسماها، والظاهر أن اسمها كنيتها، ولذا قال:"إنما تعرف بكنيتها، وكانت عند عتيبة" المصغر "ابن أبي لهب" بمعنى أنه عقد عليها لقوله: "كما قدمته، ففارقها قبل الدخول" لأمر أبيه المشئوم، وقول أمهما حمالة الحطب أن رقية، وأم كلثوم صبتا، فطقاهما، "ويروى" عند ابن أبي خيثمة عن قتادة مرسلا "أن عتيبة" بالتصغير على الصواب، وبعضهم بجعله بالتكبير، وأن المصغر صحب، قال ابن سيد الناس وغيره والمشهورالأول، "لما فارق أم كلثوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم" فقال: كفرت بدينك" أي دام على الكفر به لأنه لم يكن آمن، "وفارقت ابنتك، لا تحبني" لذلك، "ولا أحبك" كفرا وعنادا، "ثم سطا عليه وشق قميصه" أي قميص النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو المروي عن قتادة، "وهو خارج نحو الشام تاجرا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه" يقتلك".

"وفي رواية" عند الحاكم، وقال: صحيح الإسناد من حديث أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم على عتيبة بن أبي لهب، فقال:"اللهم سلط عليه كلبا من كلابك" وأضاف فيهما الكلاب إلى الله لأن المقصود منها تحقير المضاف، وتعظيم الرب بأنه لكمال قدرته ينتقم من أعظم الجبابرة بأحقر خلقه، وليس هذا من وصفه بكونه خالقها الممتنع، وإن طابق الواقع؛ لأنه سوء أدب مع إمكان الوصف بغيره من الأوصاف الجليلة، "وأبو طالب حاضر، فوجم" بجيم مفتوحة اشتد حزنه "لها" للدعوة، "وقال: ما كان أغناك" يا عتيبة "عن دعوة ابن أخي" لأنها مستجابة "فخرج في تجر" بفتح فسكون من جموع تاجر "من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء" بفتح الزاي، وسكون الراء، فقاف، فألف تأنيث "ليلا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي" من فقدي، وعبر بويل دون ويح؛ لأنها لما

ص: 325

هو والله آكلي، كما دعا علي محمد، أقاتلي، ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام، فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه، وفي رواية فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم، ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه، فقال: قتلني ومات. وفي رواية: أن الأسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه، رواه الدولابي.

ولما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمر، أدلك على خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك"؟ قال: نعم يا نبي الله، قال:"تزوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي".

حملته على ذلك، وأمرته به استحقت الوقوع في مهلكة فقده "هو والله آكلي، كما دعا علي محمد" وغلبت عليه الشقوة فلم يؤمن "أقاتلني ابن أبي كبشة، وهو بمكة، وأنا بالشام" استفهام تعجبي لا إنكاري لمنافاته اعتقاده أنه قاتله، ولا بد "فعدا عليه الأسد من بين القوم، فأخذ برأسه ففدغه" بفتح المهملة والغين المعجمة شدخه، أي كسره.

"وفي رواية فجاء الأسد، فجعل" الأسد "يتشمم وجوههم، ثم ثنى ذنبه" رد بعضه على بعض، "فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني ومات" على كفره.

"وفي رواية أن الأسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه".

"رواه الدولابي" الحافظ أبو بشر وسمي الأسد كلبا لأنه يشبهه في رفع رجله عند البول، قاله الدميري، وروى أبو نعيم عن الأسد بن هبار، قال: تجهز أبو لهب، وابنة عتيبة نحو الشام، فخرجت معهما، فنزلت قريبا من صومعة راهب، فقال الراهب: ما أنزلكم ههنا هنا سباع، فقال أبو لهب: أنتم عرفتم سني وحقي قلنا: أجل، قال: إن محمدا دعا على ابني، فاجمعوا متاعكم على هذه الصومعة، ثم أفرشوا له عليها وناموا حوله، ففعلنا وبات عتيبة فوق المتاع، فجاء الأسد فشم وجوهنا، ثم وثب فإذا هو فوق المتاع، فقطع رأسه فمات لساعته فطلبنا الأسد، فلم نجده "ولما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة، فرده" أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون بنته بدل بنته لما جرت به العادة من كراهة أهل الميتة لمن يأتي بعدها، لكن هذا معارض بما في البخاري، قال عمر: لقيت عثمان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا الحديث، "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عمر أدلك على خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك"، قال: نعم يا نبي الله قال: "تزوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي" وبه استدل على فضل بناته على زوجاته.

ص: 326

أخرجه الخجندي:

وكان تزوج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة، زوجتك أخرى بعد أخرى" هذا جبريل أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها. ورواه الفضائلي.

وماتت أم كلثوم سنة تسع من الهجرة، وصلى عليها عليه الصلاة والسلام ونزل في حفرتها علي والفضل وأسامة بن زيد. وفي البخاري، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر وعيناه تذوقان فقال:"هل فيكم من أحد لم يفارق الليلة".

"أخرجه الخجندي" بضم الخاء المعجمة، وفتح الجيم، وسكون النون، ومهملة نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون، كما في اللب، وأخرجه ابن منده بنحوه ولكن ليس فيه مخالفة، لما في الصحيح، ولفظه في بعض طرقه عرضها عمر على أبي بكر، فسكت فعرضها على عثمان حين ماتت رقية، فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"فتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة"، "وكان تزوج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة" في ربيع الأول ولم تلد له.

قاله ابن سعد "وروى أنه عليه الصلاة والسلام، قال له: والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى"، وفيه منقبة جليلة لعثمان، وأكدها بقوله "هذا جبريل أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها، يعني أم كلثوم "رواه الفضائلي" وعن أم عياش مولاة رقية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء". وعن أبي هريرة رفعه أتاني جبريل، فقال: "إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها" رواهما ابن منده، وقال: إنهما قريبان، "وماتت أم كلثوم"، عند عثمان "سنة تسع من الهجرة"، في شعبان، كما قال ابن سعد، "وصلى عليها عليه الصلاة والسلام".

روى الواقدي بسند له "ونزل في حفرتها علي، والفضل" بن عباس، "وأسامة بن زيد" رضي الله عنهم "وفي البخاري" عن أنس شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر، وعيناه تذرفان" بذال معجمة، وراء مكسورة وفاء، أي يجري دمعهما، والذي في البخاري في موضعين من الجنائز فرأيت عينيه تدمعان بفتح الميم "فقال:"هل فيكم من أحد لم يفارق الليلة"؟ بقاف وفاء، أي يجامع وفي البخاري عن فليح بن سليمان أحد رواته أراه يعني الذنب، وبالأول جزم ابن حزم، وقال: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 327

فقال أبو طلحة: أنا، فقال:"انزل قبرها" فنزل.

وقد روي نحو ذلك في رقية، وهو وهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن حال دفنها حاضرا، بل كان في غزوة بدر كما قدمته.

وغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب،

بأنه لم يذنب تلك الليلة وقال السهيلي: هو خطأ من فليح لأنه صلى الله عليه وسلم كان أولى بهذا.

قال الحافظ: ويقويه أن البخاري في التاريخ، والحاكم روياه بلفظ، "لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة" فتنحى عثمان وزعم الطحاوي أن يقارف تصحيف، والصواب لم يقاول، أي ينازع غيره في الكلام لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء، وتعقب بأنه تغليط للثقة، بلا مستند، وكأنه استبعد أن يقع من عثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف، ويجاب باحتمال أن مرض المرأة طال، واحتاج إلى الوقاع ولم يظن موتها تلك الليلة، وليس في الحديث ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، ولا حين احتضارها انتهى، "فقال أبو طلحة" زيد بن سهل الأنصاري "أنا" لم أقارف الليل "فقال" صلى الله عليه وسلم "انزل قبرها" فنزل" زاد في رواية، فقبرها، ففيه إيثار البعيد العهد عن الملاد بمواراة الميت ولو امرأة على الزوج، وعلل بأنه حينئذ يأمن أن يذكره الشيطان ما كان منه تلك الليلة.

وحكى ابن حبيب أن عثمان جامع بعض جواريه ليلتئذ فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من قبرها بغير تصريح.

وفي تاريخ البخاري، فلم يدخل عثمان القبر، "وقد روى نحو ذلك في رقية" عند البخاري في التاريخ الأوسط، والحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، أنه صلى الله عليه وسلم شهد دفن بنته رقية، فذكر الحديث.

قال البخاري: ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي ببدر لم يشهدها، "وهو وهم".

قال الحافظ: من حماد في تسميتها فقط، "فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن حال دفنها حاضرا، بل كان في غزوة بدر كما قدمته" قريبا مجملا وقبله مفصلا في بدر، وقد روى الطبري، والطحاوي، والواقدي، وابن سعد، والدولابي من حديث فليح عن هلال بن علي التصريح بأنها أم كلثوم، أي فوقع في روايتهم النبيين، وأن قول حماد رقية وهم، "وغسلتها" أي أم كلثوم "أسماء بنت عميس" بضم المهملة مصغر وآخره سين مهملة الخثعمية زوج جعفر بن أبي طالب، ثم أبي بكر، ثم علي وولدت لهم "وصفية بنت عبد المطلب" كما رواه ابن سعد عن أسماء المذكورة وعنده من وجه آخر غسلها نسوة منهن أم عطية ولأبي داود عن ليلى بنت قانف بقاف ونون وفاء، قالت كنت فيمن غسلها.

ص: 328

وشهدت أم عطية غسلها، وروت قوله عليه الصلاة والسلام: "اغسلنها، ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك،

وللطبراني عن أم سليم شيئا يوميء إلى أنها حضرت ذلك أيضا، "وشهدت أم عطية غسلها وروت" فيه "قوله عليه الصلاة والسلام" كما جزم به ابن عبد البر، والداودي، وأخرجه ابن ماجه عن أم عطية بسند صحيح، وابن بشكوال من طريق آخر عنها، فعزوه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير قصور شديد، لكن المشهور أنها زينب، كما في مسلم، فيمكن ترجيح الأول بتعدد طرقه، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما معا، فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، قاله الحافظ، والحديث في الموطأ، والصحيحين بإبهام الميتة عن أم عطية، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال:"اغسلنها" زاد البخاري في رواية "وترا""ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا" أو للترتيب، لا للتخيير، قال النووي: المراد اغسلنها وترا، وليكن ثلاثا، فإن احتجتن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب، والثلاث مستحبة، وإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الإنقاء، وقال ابن العربي في قوله، أو خمسا، أن المشروع الإيتار؛ لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس، وسكت عن الأربع، "أو أكثر من ذلك" بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمؤنث، ولم أر في شيء من الروايات بعد وسبعا التعبير، بأو أكثر من ذلك إلا في رواية لأبي ذر، وأما سواها، فأما، أو سبعا، وأما أو أكثر من ذلك، فيحتمل تفسيره بالسبع وبه، قال أحمد، وكره الزيادة على سبع، وقال ابن عبد البر، لا أعلم أحدا، قال: بمجاوزة السبع، وساق عن قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا، ولا خمسا إلا، فأكثر.

قال: فرأينا أن أكثر من ذلك سبع، "إن رأيتن ذلك" بكسر الكاف تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة، لا التشهي، وقال ابن المنذر إنما فوض إليهن بشرط الإيتار، واستدل بالأمر على وجوب الغسل، وهو ينبني على رجوع قوله أن رأيتن إلى الغسل، أو العدد، والثاني أرجح فيثبت المدعي، قاله ابن بزيزة، قال ابن دقيق العيد، لكن قوله ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويزه إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد؛ لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن تكون داخله تحت صيغة الأمر، فيراد به الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والسنية بالنسبة إلى الإيتار انتهى.

وقواعد الشافعية، لا تأبى، وذهب الكوفيون، وأهل الظاهر، والمزني إلى إيجاب الثلاث انتهى ملخصا من فتح الباري، والخطاب في المحلين لأم عطية ومن معها من النسوة التي علمت أسماءهن، وخصت مع الجمع قبل وبعد، فلم يقل ذلك لأنها رئيستهن وفضلها في

ص: 329

بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، فإذا فرغتن فآذنني"، فلما فرغنا آذناه فألقى علينا حقوه وقال: "أشعرنها إياه"، قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها.

و"الحقو": الإزار، و "أشعرنها" أي اجعلنه شعارها الذي يلي جسدها، وذلك هو الشعار وما

الصحابيات "بماء وسدر" متعلق بقوله: "اغسلنها" لأن السدر أمسك للبدن، "واجعلن في الآخرة كافورا"، أي شيئا منه لأنه يطيب ريح الموضع لأجل من يحضره من الملائكة وغيرهم، ولأنه فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت، وطرد الهوام عنه، وردع ما يتجلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إليه. وهذا هو سر جعله في الأخيرة إذ لو كان فيما قبلها لأذهبه الغسل، وظاهره جعله في الماء، قال الجمهور.

وقال النخعي، والكوفيون: إنما يجعل في الحنوط بعد الغسل والتجفيف، "فإذا فرغتن فآذنني" بمد الهمزة، وكسر المعجمة، وشد النون الأولى مفتوحة، وكسر الثانية، أي أعلمنني، "فلما فرغنا" كذا للأكثر بصيغة الخطاب للحاضر وللأصيلي، فلما فرغن بصيغة الغائب "آذناه" أعلمناه "فألقي علينا" وفي رواية، فأعطانا "حقوه".

قال الحافظ: بفتح المهملة، ويجوز كسرها، وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة، "وقال:"أشعرنها" بقطع الهمزة "إياه" قيل حكمة تأخيره معه إلى أن يفرغن من الغسل، ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الكريم، حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين انتهى.

"قالت" أم عطية في رواية حفصة عنها في البخاري "ومشطناها" بالتخفيف أي سرحنا شعرنا "ثلاثة قرون" أي ضفائر بعد أن حللناه بالمشط، فضفرنا ناصيتها وقرنيها، أي جانبي رأسها لينضم ويجتمع، ولا ينتشر، "وألقيناها" أي الضفائر "خلفها" امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم "واجعلن لها ثلاثة قرون".

أخرجه ابن حبان عن أم عطية، ورواه سعيد بن منصور بلفظ، "واجعلن شعرها ضفائر"، فلم تفعله أم عطية من تلقاء نفسها.

"والحقو الإزار" كما وقع مفسرا في بعض روايات البخاري مجازا، وهو في الأصل معقد الإزار، وفي رواية، فنزع من حقوه إزاره، وهو في هذا حقيقة، قاله الحافظ.

فإطلاق القاموس. ومتبوعه على الحقو الإزار على عادتهم من إدخال المجازات في الحقائق اللغوية، "و""أشعرنها"، أي" الففنها فيه، و"اجعلنه شعارها الذي يلي جسدها" تبركا بأثره الشريف، كما فسره به أيوب السختياني عند البخاري، وهو ظاهر اللفظ، "وذلك هو الشعار

ص: 330

فوقه الدثار:

وأما فاطمة الزهراء البتول فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عمر، وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق: أن أولاده عليه الصلاة والسلام كلهم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم، وقال ابن الجوزي، ولدت قبل النبوة بخمس سنين، أيام بناء البيت.

وما فوقه الدثار" وهو التلقف بشيء فوق ما يلي الجسد، "وأما فاطمة الزهراء البتول" خير نساء هذه الأمة ذات المناقب الجمة، وحسبك قول عائشة: ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها.

أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن أبي عاصم عن علي أنه صلى الله عليه وسلم، قال لفاطمة:"إن الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك"، قال في الإصابة: كانت تكنى أم أبيها بكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة ونقل ابن فتحون عن بعضهم سكون الموحدة بعدها نون، وهو تصحيف.

روت عن أبيها صلى الله عليه وسلم وروى عنها ابناها وأبوهما وعائشة، وأم سلمة وسلمى أم رافع، وأنس، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها، "فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم قاله أبو عمر" بن عبد البر نقلا عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، ولم يبين في أولها، أو آخرها، "وهو" يفيد أن ولادتها بعد النبوة؛ لأنها على رأس الأربعين، فهو "مغاير، لما رواه ابن إسحاق أن أولاده عليه الصلاة والسلام كلهم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم" ودفعها شيخنا باحتمال أنها ولدت في أول جزء من سنة إحدى وأربعين، والنبوة على رأس الأربعين، عرفا الصادق بتأخرها عنه قليلا، فلا تنافي بين كون الولادة قبلها، وكونها سنة إحدى وأربعين، لكنه نظر إلى مجرد هذا اللفظ، وكلام ابن إسحاق يأباه، فإنه ذكر أن خديجة ولدت له ولده كلهم إلا إبراهيم، وعدهم، ثم قال: فأما الذكور، فماتوا في الجاهلية، وأما بناته، فكلهن أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم انتهى.

"وقال ابن الجوزي ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت" الكعبة، وهذا رواه الواقدي عن أبي جعفر الباقر، قال: قال العباس، فذكره وبه جزم المدائني، ويؤيده ما ذكره أبو عمر، قال: ذكر الزبير بن بكار أن عبد الله بن حسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي، فقال هشام لعبد الله: يا أبا محمد كم بلغت فاطمة من السن قال: ثلاثين سنة، فقال الكلبي خمسا وثلاثين، فقال هشام: اسمع ما يقول، وقد عني بهذا الشأن، فقال يا أمير المؤمنين سلني عن أمي وسل الكلبي عن أمه، قال: في الإصابة، وقيل: ولدت قبل البعثة بقليل نحو سنة،

ص: 331

وروي: إنما سميت فاطمة؛ لأن الله قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة، أخرجه الحافظ الدمشقي، وروى الغساني والخطيب مرفوعا: لأن الله فطمها ومحبيها عن النار.

أو أكثر وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين. "وروي" عن ابن مسعود رفعه "إنما سميت فاطمة" بإلهاء من الله لرسوله إن كانت ولادتها قبل النبوة وإن كانت بعدها فيحتمل بالوحي؛ "لأن الله قد فطمها" من الفطم، وهو المنع، ومنه فطم الصبي "وذريتها عن النار يوم القيامة"، أي منعهم منها، فأما هي، وابناها، فالمنع مطلق، وأما من عداهم، فالممنوع عنهم نار الخلود، فلا يمتنع دخول بعضهم للتطهير، ففيه بشرى لآله صلى الله عليه وسلم بالموت على الإسلام، وإنه لا يختم لأحد منهم بالكفر نظيره ما، قاله الشريف السمهودي في خبر الشفاعة لمن مات بالمدينة، مع أنه يشفع لكل من مات مسلما، أو إن الله يشاء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إكراما لفاطمة، وأبيها صلى الله عليه وسلم، أو يوفقهم للتوبة النصوح، ولو عند الموت ويقبلها منهم "أخرجه الحافظ الدمشقي" هو ابن عساكر، "وروى الغساني، والخطيب" وقال: فيه مجاهيل "مرفوعا" إنما سميت فاطمة، "لأنه الله فطمها ومحبيها عن النار" ففيه بشرى عميمة لكل مسلم أحبها، وفيه التأويلات المذكورة، وأما رواه أبو نعيم، والخطيب، أن عليا الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سئل عن حديث أن فاطمة أحصنت فرجها، فحرمها الله وذريتها على النار، فقال: خاص بالحسن والحسين، وما نقله الإخباريون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون، وقوله ما أنت قائل لرسول الله أغرك قوله أن فاطمة أحصنت الحديث، أن هذا لمن خرج من بطنها، لا لي، ولا لك، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته إنك إذا لأكرم على الله منهم، فهذا من باب التواضع، والحث على الطاعات وعدم الاغترار بالمناقب، وإن كثرت، كما كان الصحابة المقطوع لهم بالجنة على غاية من الخوف، والمراقبة وإلا فلفظ ذرية، لا يخص بمن خرج من بطنها في لسان العرب {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] وبينهم وبينه قرون كثيرة فلا يرد بذلك مثل على الرضا مع فصاحته ومعرفته لغة العرب، على أن التقييد بالطائع يبطل خصوصية ذريتها ومحبيها إلا أن يقال صلى الله عليه وسلم تعذيب الطائع، فالخصوصية أن لا يعذبه إكراما لها، والله أعلم، والحديث الذي سئل عنه أخرجه أبو يعلي، والطبراني، والحاكم، وصححه عن ابن مسعود وله شواهد، وترتيب التحريم على الإحصان، من باب إظهار مزية شأنها في ذلك الوصف مع الإلماح ببنت عمران ولمدح وصف الإحصان وإلا، فهي محرمة على النار بنص روايات آخر.

ص: 332

وسميت بتولا لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، قاله ابن الأثير.

وتزوجت بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في السنة الثانية، وقيل بعد أحد، وقيل بعد بنائه عليه الصلاة والسلام بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف، وقيل في صفر في السنة الثانية، وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا.

وكان تزويجها بأمر الله ووحيه. وتزوجت ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ولعلي إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر، وقيل غير ذلك. وتقدم مزيد لذلك في المغازي

"وسميت بتولا، لانقطاعها" انفرادها "عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا"، فبعد موت إخوتها لم تشاركها امرأة في الحسب، "وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، قاله ابن الأثير، وتزوجت بعلي بن أبي طالب،" أي عقد له عليها "رضي الله عنهما في السنة الثانية" من الهجرة، وهل في أوائل المحرم، أو في صفر، أو رجب، أو رمضان أقوال:"وقيل" سنة ثلاث "بعد أحد" قاله ابن عبد البر، ورده في الإصابة بأن حمزة استشهد بأحد، وقد ثبت في الصحيحين قصة الشارفين، لما ذبحهما حمزة، وكان علي أراد البناء بفاطمة، "وقيل بعد بنائه عليه الصلاة والسلام بعائشة" الواقع في شوال سنة اثنتين، أو بعد سبعة أشهر من الهجرة، كما يأتي "بأربعة أشهر ونصف" فيكون العقد في نصف صفر، "وبنى" دخل علي "بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف" فيكون في شوال سنة ثلاث، "وقيل في صفر في السنة الثانية، وبنى بها في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا"، من الهجرة وهي أقوال متباينة، لا يتأتى الجمع بينها.

وعند ابن سعد تزوج بها في رجب سنة مقدمهم المدينة، وبنى بها بعد رجوعهم من بدر، "وكان تزويجها بأمر الله" كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي"، رواه الطبراني برجال ثقات "ووحيه" عطف سبب على مسبب إذ الأمر مسبب عن الوحي، "وتزوجت ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف" بناء على نقل أبي عمر، أنها ولدت سنة إحدى من النبوة، أما على أنها قبل النبوة بخمس سنين، فيكون لها تسع عشرة سنة وشهر ونصف، "ولعلي إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر" بناء على قول عروة الذي رواه أبو عمر، أنه أسلم وله ثمان سنين أما على الراجح أنه أسلم وله عشر سنين، فسنه يوم التزويج أربع وعشرون سنة وشهر ونصف، "وقيل غير ذلك وتقدم مزيد لذلك في المغازي" بعد تمام غزوة السويق، فذكر سيرتهما

ص: 333

والسير من المقصد الأول.

قال أبو عمر: وفاطمة وأم كلثوم أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أحب أهله إليه صلى الله عليه وسلم، وكان يقبلها في فيها ويمصها لسانه، وإذا أراد سفرا يكون آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها.

تاريخا خطبة وخطبة، وجهازا، ودخولا ووليمة، ولذا قال:"والسير من المقصد الأول".

"قال أبو عمر" بن عبد البر، وفاطمة، وأم كلثوم أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم" وليس في هذا أن فاطمة أفضل، فصرح به في قوله، "وكانت فاطمة أحب أهله إليه صلى الله عليه وسلم" كما قال: "أحب أهلي إلي فاطمة".

أخرجه الترمذي، وحسنه، الحاكم عن أسامة، فهي أفضل من أم كلثوم، قال الحافظ، وأقوى ما يستدل به على تقديمه فاطمة على غيرها قوله صلى الله عليه وسلم "إنها سيدة نساء العالمين، إلا مريم"، وإنها رزئت بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته، فإنهن متن في حياته، فكن في صحيفته، ومات هو في حياتها، فكان في صحيفتها، ولا يقدر قدره إلا الله، وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته مصرحا به.

روى أبو جعفر الطبري في تفسيره عن فاطمة أنه صلى الله عليه وسلم ناجاني، فبكيت، ثم ناحاني فضحكت فسألتني عائشة فقلت أأخبرك بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي سألتني، فقالت: قال: "أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ امرأة من نساء المسلمين مثل ما رزئت، فلا تكوني مثل امرأة منهن صبرا" فبكيت، فقال:"أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم" فضحكت، وأصل الحديث في الصحيح بدون هذه الزيادة كذا في فتح الباري، وهو تقصير شديد عجيب من مثله، ففي روض السهيلي تكلم الناس في المعنى الذي سادت به فاطمة إخوتها، فقيل؛ لأنها ولدت الحسن الذي قال فيه جده إن ابني هذا سيد، وهو خليفة، وبعلها خليفة، وأحسن من هذا قول من قال: سادت أخوتها وأمها؛ لأنهن متن في حياته صلى الله عليه وسلم، فكن في صحيفته ومات في حياتها، فكان في صحيفتها وميزانها، وقد روى البزار عن عائشة أنه عليه السلام، قال لفاطمة:"هي خير بناتي، لأنها أصيبت في"، وهذا قول حسن أنتهى، "وكان يقبلها في فيها، ويمصها" بضم الياء "لسانه" ليختلط ريقه بريقها، فيصل جوفها فتعود بركته عليها، "وإذا أراد سفرا يكون آخر عهده بها" من أهله، فلا ينافي أن آخر عهده مطلقا صلاة ركعتين وإذا قدم أول ما يدخل عليها" بعد صلاة ركعتين بالمسجد، روى أبو عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو "أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم أتى فاطمة، ثم أتى أزواجه، وروى أحمد عن ثوبان كان صلى الله عليه وسلم

ص: 334

وقال عليه الصلاة والسلام: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"، رواه الشيخان. وقال لها: "أوما ترضين أن تكوني سيدة نساء

إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة، "وقال عليه الصلاة والسلام:"فاطمة بضعة".

قال الحافظ: بفتح الموحدة وحكى ضمها، وكسرها أيضا، وسكون المعجمة، أي قطعة لحم "مني" والتخصيص بذلك للمبالغة في رضاها، لما قالت له: زعم قومك أنك، لا تغضب لبناتك، وهذا على ناكح بنت أبي جهل، فقام صلى الله عليه وسلم فتشهد وقال:"إني أنكحت أبا العاصي، فحدثني فصدقني ووعدني فوفى لى وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد" فترك علي الخطبة، كما في بعض طرق الحديث في الصحيحين، فقد خرج على سبب فلا مفهوم له، فلا يرد أن أولاده كلهم بضعة منه، أو لأنه حينئذ لم يكن بقي منهم غيرها، كما أفاده الحافظ بقوله:"كان صلى الله عليه وسلم قل أن يواجه أحدا مما يعاب به، ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة، وكانت هذه الواقعة، أي خطبة علي بنت أبي جهل بعد فتح مكة ولم يكن حينئذ تأخر من بناته صلى الله عليه وسلم غيرها، وأصيبت بعد أمها بإخوتها، فإدخال الغيرة عليها مما يزيدها حزنا، "فمن أغبها أغضبني"، استدل به السهيلي على أن من سبها يكفر وتوجيهه أنها تغضب ممن سبها، وقد سوى بين غضبها وغضبه، ومن أغضبه كفر.

قال الحافظ: وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى، "رواه الشيخان" مختصرا بهذا اللفظ البخاري في مواضع، ومسلم في الفضائل من حديث المسور بن مخرمة، ومطولا بذكر السبب المذكور من حديثه أيضا، وزعم الشريف المرتضى أنه موضوع؛ لأنه من رواية المسور وفيه انحراف على علي، وجاء من رواية ابن الزبير، وهو أشد في ذلك ورد كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه، وصرح الترمذي بصحة حديث ابن الزبير.

قال الحافظ: وفيه أنه أفضل بناته صلى الله عليه وسلم، وما أخرجه الطحاوي وغيره: زينب أفضل بناتي، أصيبت في، فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته، بأن ذلك كان متقدما ثم وهب الله لفاطمة من الأحوال السنية والكمال ما لم يشركها فيه أحد من نساء هذه الأمة مطلقا انتهى، بل روى ابن عبد البر عن عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي وجعة، فقال:"كيف تجدينك يا بنية"؟ فقالت: إني لوجعة وإنه ليزيد ما بي ما لي طعام آكله، فقال:"يا بنية ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين" قالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال:"تلك سيدة نساء عالمها"، "وقال لها" لما أخبرها، بأنه ميت في عامه، فبكت، وقال "أوما ترضين أن تكوني سيدة نساء

ص: 335

المؤمنين"؟ رواه مسلم، وفي رواية أحمد: "أفضل نساء أهل الجنة".

وتوفيت بعده عليه الصلاة والسلام بستة أشهر،

المؤمنين"؟، رواه مسلم" وروى هو، والبخاري عن عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"مرحبا يا بنتي" ثم أجلسها عن يمينه، ثم أسر إليها حديثا، فبكت، ثم أسر إليها حديثا، فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما قبض سألتها، فأخبرتني أنه قال:"إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين، وما أراه إلا قد حضر أجلي، وأنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك" فبكيت، فقال:"ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين"؟ فضحكت.

"وفي رواية أحمد أفضل نساء أهل الجنة" فصرح بأفضل الذي قد لا تستلزمه السيادة، فعرف أنه المراد بها، لكنه استثنى مريم في حديثها عند الطبري، كما مر وكذا في حديث أم سلمة عنها في هذه القصة، قالت: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها عنه فقالت: أخبرني أنه مقبوض في هذه السنة، فبكيت، فقال:"ما يسرك أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم" فضحكت أخرجه أبو يعلى فلا يصح ما وقع في التقرير أنه لم يواجهها بذلك جبرا لها حال خطابها، وروى البخاري مرفوعا "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة"، وجزم القربطي أنها تلي مريم في الفضل للاختلاف في نبوتها ولظاهر الاستثناء بقوله إلا مريم، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42] واختار الزركشي في الخادم والقطب الخيضري، والمقريزي في الإمتاع أن فاطمة أفضل؛ لأنه لا يعدل ببضعته صلى الله عليه وسلم أحد، وقال السيوطي: في شرح نظمه لجمع الجوامع الذي نختاره بمقتضى الأدلة تفضيل فاطمة، ففي مسند الحارث بسند صحيح، لكنه مرسل مريم خير نساء عالمها، وفاطمة، خير نساء عالمها، وأخرجه الترمذي موصولا من حديث علي بلفظ "خير نسائها مريم وخير نسائها فاطمة".

قال الحافظ ابن حجر، والمرسل يعضد المتصل، وروى النسائي والحاكم بسند جيد، عن حذيفة رفعه "هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم عليَّ، وبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة"، وقال في كتابه إتمام الدراية في هذين الحديثين دلالة على تفضيلها على مريم، خصوصا إذا قلنا بالأصح أنها ليست نبية، وقد تقرر أن هذه الأمة أفضل من غيرها انتهى، والجمهور على أنها لم تكن نبية، كما قال عياض، بل حكى عليه الإجماع، وإن صحح القرطبي نبوتها، "وتوفيت بعده عليه الصلاة والسلام بستة أشهر"، كما في الصحيح عن عائشة.

ص: 336

لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة، قاله المدائني. وقيل توفيت بعده بثمانية أشهر وقيل غير ذلك، والأول أصح كذا قالوه فيما رأيته، وهو غير منتظم مع السابق فليتأمل.

وروي أنها قالت لأسماء بنت عميس: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد،

قال الواقدي: وهو الثبت، قال: وذلك "لثلاثون خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة".

"قاله" أي كونها بنت هذا السن، لا ما قبله، لما علمت أن موتها بعد أبيها بستة أشهر في الصحيح، وكونه لثلاث إلخ للواقدي، فزاد قدر عمرها "المدائني" أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الإخباري صاحب التصانيف وثقه ابن معين.

وقال ابن عدي ليس بالقوي مات سنة أربع وخمسين ومائتين، وقيل وهي ابنة أربع وعشرين سنة وصدر به في الفتح، وقيل إحدى، وقيل خمس وعشرين، وقيل ثلاثين، "وقيل توفيت بعده بثمانية أشهر".

قاله عبد الله بن الحارث، "وقيل غير ذلك" فروى الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار أنها بقيت بعد ثلاثة أيام، وقال غيره أربعة أشهر، وقيل: شهرين، وقيل: خمسة وتسعين يوما وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: شهرا واحدا، "والأول أصح، كذا قالوه فيما رأيته، وهو غير منتظم مع السابق" في وقت ولادتها وذلك ظاهر على أنه سنة إحدى وأربعين، "فليتأمل" أما على أنه قبل النبوة فمنتظمة لصدق القبلية، وكذا على أنه بخمس قبل النبوة لكن على التقريب، ثم عدم انتظام الأول إنما هو على قول المدائني في سنها، أما على ما صدر به الفتح من أنه أربع وعشرون فمنتظم.

"وروي أنها قالت لأسماء بنت عميس: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب" على نعشها، "فيصفها" جسمها من غلظ وضده، "فقالت أسماء: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة" حين كانت مهاجرة بها مع زوجها جعفر بن أبي طالب، "فدعت بجرائد رطبة، فحنتها" بنون، ثم فوقية، أي أمالتها، "ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا تعرف به المرأة من الرجل، أي ولا يعرف للمرأة تحته حجم "فإذا أنا مت، فاغسليني أنت، وعلي" زوجي، "ولا يدخل علي أحد".

ص: 337

الحديث أخرجه أبو عمر.

وفي حديث أم رافع سلمى أنها لما اشتكت اغتسلت ولبست ثيابا جددا واضطجعت في وسط البيت، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها، ثم استقبلت القبلة وقالت: إني مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد، ولا يغسلني، ثم قبضت مكانها، ودخل علي فأخبر بالذي قالت، فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك، ولم يكشفها ولا غسلها أحد، رواه أحمد في المناقب والدولابي وهذا لفظه مختصرا، وهو مضاد لخبر أسماء المتقدم.

قال أبو عمر: وفاطمة أول من غطي نعشها على الصفة المذكورة في خبر أسماء

"الحديث أخرجه أبو عمر" بن عبد البر، واستبعده ابن فتحون بأن أسماء كانت حينئذ زوج الصديق، فكيف تنكشف بحضرة علي في غسل فاطمة، وهو محل الاستبعاد، كذا في الإصابة، ولا يلزم من التغسيل انكشافها، فلا استبعاد، فتغسل، وهي مستورة، أو تصب وعلي يغسل، فعند ابن سعد عن محمد بن موسى أن عليًّا غسل فاطمة، "وفي حديث أم رافع سلمى" مولاة صفية، ويقال لها أيضا مولاة النبي وخادم النبي صلى الله عليه وسلم لها صحبة وأحاديث، ويقع في النسخ أم سلمى، وهو خطأ، فالذي في مسند أحمد وغيره أم رافع، واسمها سلمى، وهي مشهورة باسمها، وكنيتها، كما في الإصابة فصحف من قال أم سلمة "أنها لما اشتكت اغتسلت" ولفظ أحمد، وابن سعد عن أم رافع، قالت: مرضت فاطمة، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، قالت لي: يا أمه أسكبي لي غسلا، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، "ولبست ثيابا" لها "جددا" ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فجعلته "واضطجعت" عليه في "وسط البيت ووضعت يدها اليمنى تحت خدها، ثم استقبلت القبلة، وقالت: إني مقبوضة الآن" وفي رواية الساعة، وقد اغتسلت، "فلا يكشفني أحد، ولا يغسلني ثم قبضت مكانها، ودخل علي، فأخبر" من أم رافع، ففي رواية ابن سعد فجاء علي، فأخبرته "بالذي، قالت: فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك، ولم يكشفها، ولا غسلها".

"رواه أحمد في المناقب" بسند ضعيف، وكذا ابن سعد، "والدولابي" بفتح الدال، وضمها، كما تقدم مرارا "وهذا لفظه مختصرا، وهو مضاد" مخالف "لخبر أسماء" بنت عميس "المتقدم" فوقه، ولا يمكن الجمع بينهما، كما تعسفه من سود به وجه الطرس، بلا فائدة، فإن وجه المخالفة كونها دفنت بتغسيل نفسها، بلا غسل بعد الموت، وكون علي وأسماء غسلاها، بعده "قاله أبو عمر" بن عبد البر "وفاطمة أول من غطى نعشها على الصفة المذكورة في خبر

ص: 338

المتقدم، ثم بعدها زينب بنت جحش صنع بها ذلك أيضا.

وولدت لعلي: حسنا وحسينا ومحسنا، فمات صغيرا، وأم كلثوم وزينب.

ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقب إلا من ابنته فاطمة رضي الله عنه وانتشر نسله الشريف منها من جهة السبطين الحسن والحسين فقط، ويقال للمنسوب لأولهما:

أسماء المتقدم، ثم بعدها زينب بنت جحش، أم المؤمنين "صنع بها ذلك أيضا" فقول من قال إنها أول من غطي نعشها أي من أمهات المؤمنين.

وفي البخاري عن عائشة أن عليًّا صلى عليها، وكذا رواه الواقدي عن ابن عباس.

وروى ابن سعد عن عمرة، قالت: صلى العباس على فاطمة، ونزل هو وابن الفضل وعلي في حفرتها ولا خلف فكل صلى عليها، والإمام العباس، لأنه عمه فقدمه، وللواقدي عن الشعبي صلى أبو بكر على فاطمة، وهذا فيه ضعف. وانقطاع.

وروى بعض المتروكين عن مالك عن جعفر بن محمد نحوه ووهاه الدارقطني، وابن عدي، وقد روى البخاري عن عائشة لما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وقال الواقدي، قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي إن الناس يقولون قبر فاطمة بالبقيع فقال: ما دفنت إلا في زاوية في دار عقيل وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع "وولدت لعلي حسنا وحسينا" ريحانتي جدهما روى ابن منده، وأبو نعيم أن فاطمة أتت بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شكواه الذي قبض فيه، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك، فورثهما، فقال:"أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جودي وجرأتي" ومحنا" بضم الميم وفتح الحاء المهملة، وكسر السين المشددة "فمات صغيرا".

روى أحمد عن علي، لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء صلى الله عليه وسلم، فقال:"أروني ابني ما سميتموه" قلنا، حربا، قال:"بل هو حسن" فلما ولد الحسين فذكر مثله، قال:"بل هو حسين"، فلما ولد الثالث فذكر مثله، قال:"بل هو محسن" ثم قال: "سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر" إسناده صحيح.

"وأم كلثوم" قال ابن عبد البر ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم "وزينب" قال ابن الأثير ولدت في حياة جدها، وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان، "ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقب إلا من ابنته فاطمة رضي الله عنها" وذلك دال على شرف الإناث وبركتهن.

وروى مرفوعا "من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى"، وأخرج الترمذي عن زيد بن أرقم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي، وفاطمة والحسن والحسين:"أنا حرب لمن حاربتهم وسلم لمن سالمتم"، "وانتشر نسله الشريف منها من جهة السبطين الحسن والحسين فقط ويقال للمنسوب لأولهما

ص: 339

حسنى ولثانيهما: حسيني.

وقد يضم للحسيني من يكون من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإسحاقي، فيقال: الحسيني الإسحاقي.

فإسحاق هذا، هو زوج السيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسين بن علي، وله منها: القاسم وأم كلثوم ولم يعقبا.

وتزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة،

حسني ولثانيهما حسيني، وقد يضم" في النسبة "للحسيني من يكون من ذرية إسحاق"، المؤتمن "بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب" وإسحاق هذا صدوق. روى له الترمذي، وابن ماجه وينسب إلى أبيه، فيقال: الجعفري، ويقال: لمن هو من ذريته "الإسحاقي" بدل من نائب فاعل يضم، وهو من يكون "فيقال الحسيني الإسحاقي" نسبة إلى إسحاق المذكور، "فإسحاق هذا هو زوج السيدة نفسية" العابدة الزاهدة ذات الكرامات الباهرة ولدت بمكة سنة خمس وأربعين ومائة، ونشأت بالمدينة في العبادة، والزهادة تصوم النهار وتقوم الليل، ثم قدمت مصر مع زوجها فصار لها القبول التام حتى ماتت بها في رمضان سنة ثمان ومائتين فصلى عليها في مشهد لم ير مثله، بحيث امتلأت الفلوات، والقيعان، وأراد زوجها نقلها ودفنها بالبقيع، فسأله أهل مصر في تركها للتبرك، ويقال، بل رأى المصطفى في المنام، فقال له: "يا إسحاق، لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها".

"ابنة الحسن" الأنور. كان من سروات العلويين، وأشرافهم، وأجوادهم ولي أمرة المدينة للمنصور خمس سنين، ثم حبسه، حتى مات المنصور، فأخرجه المهدي، وأكرمه ولم يزل معه، وهو صدوق في الحديث فاضل روى له النسائي، توفي سنة ثمان وستين ومائة وهو ابن خمس وثمانين سنة.

"ابن زيد" المدني الثقة الجليل المتوفى سنة عشرين ومائة "ابن الحسن بن علي" بن أبي طالب، "و" ولد "له منها" لإسحاق من نفيسة "القسم وأم كلثوم" ولم يعقبا" فلا عقب لإسحاق منها، وله عقب من غيرا الذين ينسبون إليه، فيقال الإسحاقي، "وتزوج عمر بن الخطاب" في خلافته "أم كلثوم بنت فاطمة".

روى محمد بن أبي عمر العربي شيخ مسلم في مسنده، أن عمر خطب إلى علي بنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له، إنه ردك، فعاوده، فقال علي: أبعث بها إليك، فإن رضيت، فهي امرأتك، فارسلها إليه فكشف عن ساقها، فقالت: مه لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك.

ص: 340

فولدت له: زيدا ورقية، ولم يعقبا، ثم تزوجت أم كلثوم بعد موت عمر بعون بن جعفر، ثم تزوجت بعد وفاته بأخيه محمد بن جعفر ثم مات عنها فتزوجت بأخيهما عبد الله بن جعفر

وذكر ابن سعد، أنه خطبها من علي، فقال: إنما حبست بناتي على بني جعفر فقال: زوجنيها، فوالله ما على ظهر الأرض رجل، يرصد من كراستها، ما أرصد، فقال: فعلت، فجاء عمر إلى المهاجرين، فقال: رفئوني، فرفأوه، وقالوا: بمن تزوجت، قال بنت علي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي". وكنت قد صاهرته، فأحببت هذا أيضا وأمهرها أربعين ألفا، "فولدت له زيدا ورقية ولم يعقبا" فأصيب زيد في حرب كانت بين بني عدي فخرج ليصلح بينهم، فشجه رجل وهو لا يعرفه في الظلمة، فعاش أياما، وكانت أمه مريضة فماتا في يوم واحد. ذكره الزبير بن بكار.

وروى ابن سعد بسند صحيح، أن ابن عمر صلى عليهما، وساق بسند آخر أن سعيد بن العاصي هو الذي أمهم عليهما، "ثم تزوجت أم كلثوم بعد موت عمر".

روى الدولابي عن الحسن بن الحسن بن علي قال: لما تأيمت، دخل عليها أخواها فقالا: ها إن أردت أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لقيتيه، فدخل علي فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أي بنية إن الله قد جعل أمرك بيدك، فإن أحببت أن تجعليه بيدي، فقالت: يا أبت إني امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء، وأحب أن أصيب من الدنيا، فقال: هذا من عمل هذين، ثم قام يقول: والله لا أكلم واحدا منهما أو تفعلين، ففعلت، فزوجها "بعون بن جعفر" بن أبي طالب، ولد بأرض الحبشة، وقدم به أبواه في خيبر وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسم، وزوجه بها بعد عمر، رواه الدولابي، ونقله الإصابة في ترجمتها عنه، وهو منابذ لقوله في ترجمة عون، استشهد بتستر في خلافة عمر ولا عقب له، "ثم تزوجت بعد وفاته بأخيه محمد بن جعفر" ولد بأرض الحبشة، وذكره البغوي وابن حبان وغيرهما في الصحابة، وقال محمد بن حبيب هو أول من سمي محمدا في الإسلام من المهاجرين.

وذكر ابن عبد البر عن الواقدي، أنه يكنى أبا القاسم. قال: واستشهد بتستر، وقيل عاش إلى أن شهد صفين مع علي فقتل بها، وذكر المرزباني أنه كان مع أخيه لأمه محمد بن الصديق بمصر، فلما قتل اختفى ابن جعفر، ثم ذهب إلى فلسطين.

قال في الإصابة: وهذا يرد قول الواقدي استشهد بتستر، "ثم مات عنها فتزوجت بأخيهما عبد الله بن جعفر" أسن من أخويه، أحد الأجواد الصحابي ابن الصحابي، ولد بأرض الحبشة، مات سنة ثمانين، وهو ابن ثمانين.

روى النسائي بإسناد صحيح عنه لما قتل جعفر قال صلى الله عليه وسلم: "ادعو إليَّ بني أخي" فجيء بنا

ص: 341

ثم ماتت عنده ولم تلد لواحد من الثلاثة سوى الثاني ابنة توفيت صغيرة فليس لها عقب. ثم تزوج عبد الله بن جعفر بأختها زينب بنت فاطمة، فولدت له عدة من الأولاد، منهم، علي وأم كلثوم.

وتزوج أم كلثوم -هذه- ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فولد له عدة أولاد منهم فاطمة زوج حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وله منها عقب.

وبالجملة: فعقب عبد الله بن جعفر انتشر من علي وأخته أم كلثوم ابني زينب بنت الزهراء. ويقال لكل من ينسب لهؤلاء جعفري، ولا ريب أن لهؤلاء شرفا.

كأنا أفرخ، فأمر الحلاق، فحلق رءوسنا، ثم قال:"أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خَلقي وخُلقي، وأما عون فيشبه خَلقي وخُلقي"، ثم أخذ بيدي، فأمالها وقال:"اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه".

قال ابن سعد: فكانت تقول: إنى لأستحي من أسماء بنت عميس، مات ولداها عندي، فتخوف على الثالث، "ثم ماتت عنده، ولم تلد لواحد من الثلاثة سوى الثاني" محمد "ابنه، توفيت صغيرة فليس لها" لأمه كلثوم بنت فاطمة "عقب، ثم تزوج عبد الله بن جعفر أختها زينب بنت فاطمة، فولدت له عدة من الأولاد" خمسة "منهم علي وأم كلثوم" وعون وعباس ومحمد، كما في العجاجة الزرنبية، "وتزوج أم كلثوم هذه ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له عدة أولاد، منهم فاطمة زوج حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي، الأسدي، يكني أبا عمار.

روى عن أبيه وعائشة وعنه جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: ولاه أبوه البصرة، وذكر الزبير بن بكار أن حمزة وضع الركن حين بنى أبوه الكعبة، وأبوه يصلي بالناس في المسجد، اغتنم شغل الناس عنه لما أحسن منهم التنافس، وخاف الخلاف، فأقره أبوه "وله منها عقب، وبالجملة فعقب عبد الله بن جعفر انتشر من علي وأخته أم كلثوم ابني زينب بنت الزهراء" ومن ثم اقتصر عليهما أولا، ولم يذكر باقي أولادها، "ويقال لكل من ينسب لهولاء جعفري" نسبة إلى جدهم جعفر، ولا ريب أن لهؤلاء شرفا" لكنه ليس كشرف من ينسب للحسنين، وكم أطلق الذهبي في تاريخه في كثير من التراجم قوله الشريف الزينبي، ولا ريب أنهم تحرم عليهم الصدقة إجماعا؛ لأن بني جعفر من الآل، وأنهم يستحقون سهم ذوي القربي بالإجماع، وأنهم من ذرية النبي وأولاده إجماعا، ويدخلون في وقف بركة الحبش؛ لأن واقفها وقف نصفها على أولاد الحسن والحسين، والنصف الثاني على الطالبين، وهم ذرية علي من محمد بن الحنفية وإخوته، وذرية جعفر وعقيل، كما ذكره ابن المتوج في إيقاظ

ص: 342

وأما الجعافرة المنسوبون لعبد الله بن جعفر فلهم أيضا شرف، لكنه يتفاوت، فمن كان من ولده من زينب بنت الزهراء فهم أشرف من غيرهم، مع كونهم لا يوازون شرف المنسوبين للحسن والحسين لمزيد شرفهما، وكذا يوصف العباسيون بالشرف لشرف بني هاشم.

قال الحافظ ابن حجر في الألقاب: وقد لقب به -يعني

المتأمل قائلا: وثبت هذا الوقف على هذا الوجه، عند قاضي القضاة بدر الدين يوسف البخاري في ثاني عشر ربيع الآخر، سنة أربعين وستمائة، ثم اتصل ثبوته على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام تاسع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم اتصل ثبوته على قاضي القضاة ابن جماعة ذكره في العجاجة، "وأما الجعافرة المنسوبون" لعبد الله بن جعفر" من غير زينب، "فلهم أيضا شرف" لأنهم من بني هاشم ومن أولاد عمه صلى الله عليه وسلم، وتحرم عليهم الزكاة ويستحقون في سهم ذوي القربى وبركة الحبش، "لكنه يتفاوت، فمن كان من ولده من زينب بنت الزهراء فهم أشرف من غيرهم من ولده من غيرهم، وسلك المصنف الإطناب إذ كان يكفيه أن يقول وأما ولده من غير زينب، فلهم شرف دون شرف أولادها منها، "مع كونهم لا يوازون شرف المنسوبين للحسن والحسين" نسبة حق.

قال الحافظ: ولا التفات إلى من يدعي أنه منهم بغير برهان "لمزيد شرفهما" الذي خصهما به جدهما، فينسبون إليه صلى الله عليه وسلم دون غيرهما.

قال صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي أم عصبة إلا ابني فاطمة أنا وليهما وعصبتهما" أخرجه الحاكم عن ابر وأبو يعلى عن فاطمة فخص الانتساب والتعصيب بهما دون أختهما لأن أولاد أختهما، إنما ينسبون إلى آبائهم، ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفا ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته، وإن سفلن لكان كل ابن شريفة شريفا تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك، وليس كذلك كما هو معلوم ذكره السيوطي في السلالة الزينبية.

وهذا هو الحق وهو ما عليه ابن عرفة في قوله لابن الشريفة شرف ما ولا عليك من الهذيان في رده بما يشبه كلام العوام.

"وكذا يوصف العباسيون" والعقيليون ذرية عقيل بن أبي طالب والعلويون ذرية ابن الحنفية وغيره من أولاد علي "بالشرف لشرف بني هاشم" وقد كان اسم الشريف يطلق في الصدر الأول على من كان من آل البيت سواء كان حسنيا، أو حسينيا، أم علويا، أم عباسيا، أم جعفريا أم عقيليا، ولهذا نجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونا في التراجم، بذلك يقول الشريف العباسي، الشريف العقيلي، الشريف الجعفري، الشريف الزينبي، فلما ولى الفاطميون مصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط، فاستمر ذلك بمصر إلى الآن.

"قال الحافظ ابن حجر في" كتاب نزهة الألباب في معرفة "الألقاب: وقد لقب به، يعني

ص: 343

بالشريف- كل عباسي ببغداد وعلوي بمصر. وفي شيوخ ابن الرفعة شخص يقال له الشريف العباسي.

وأما عبد الله ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل مات صغيرا بمكة، فقال العاصي بن وائل: قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] .

واختلف: هل ولد قبل النبوة أو بعدها؟ وهل هو الطيب والطاهر؟ والصحيح: أنهما لقبان له، كما تقدم.

بالشريف كل عباسي ببغداد"؛ لأن الخلفاء به كانوا من بني العباس، "و" كل "علوي بمصر" لأن الفاطميين الذين كانوا بها من ولد علي من فاطمة بزعمهم، "وفي شيوخ ابن الرفعة شخص يقال له الشريف العباسي".

قال في العجاجة: ولا شك أن المصطلح القديم أولى وهو إطلاقه على كل علوي وجعفري وعقيلي وعباسي، كما صنعه الذهبي، وكما أشار إليه الماوردي من الشافعية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة، ونحوه قول ابن مالك وآله المستكملين الشرفا انتهى. "وأما عبد الله ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل" كما رواه ابن سعد بسند واه عن ابن عباس، "مات صغيرا بمكة"، لم تعلم مدة حياته لقلة الاعتناء بالتاريخ حينئذ، "فقال العاصي بن وائل" السهمي أبو عمرو "قد انقطع ولده فهو أبتر منقطع العقب" "فأنزل الله تعالى:{إِنَّ شَانِئَكَ} " مبغضك "{هُوَ الْأَبْتَرُ} " المنقطع عن كل خير، والمنقطع عقبه، ولا يرد أن له عقبا؛ لأن ابنيه عمرا وهشاما لما أسلما انقطع بينه وبينهما، فليسوا بأتباع له؛ لأن الإسلام حجزهم عنهم، فلا يرثهم، ولا يرثونه، وهم من أتباع النبي وأزواجه أمهاتهم.

وهذا يعارضه ما مر أن العاصي قال ذلك، فنزلت الآية لما مات ولده القاسم، كما أخرجه يونس في زيادات المغازي والبيهقي من مرسل محمد بن علي، والقاسم الأول من مات ولد، فيحتمل تعدد القول والنزول، وأخرج ابن جرير عن شمر بن عطية قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: لا يبقى لمحمد ولد وهو أبتر، فأنزل الله فيه:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} وعليه فنزلت في العاصي وعقبة معا.

وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي أيوب قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا: إن هذا الصاني قد بتر الليلة فأنزل الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخر السورة. وروى ابن المنذر عن ابن جريج قال: بلغني فذكر نحوه، فإن صح فقد تعدد نزولها بمكة والمدينة، "واختلف هل ولد قبل النبوة أو بعدها، وهل هو الطيب والطاهر والصحيح أنهما لقبان له كما تقدم" لأنه ولد بعد النبوة، وجرى المصنف في ذكره بعد فاطمة على القول بأنه أصغر أولاده من خديجة الذي صححه ابن الكلبي ولم يراع موته، كما صنعه

ص: 344

وأما إبراهيم فمن مارية القبطية، وسيأتي ذكرها في سراريه عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى في الفصل التالي لهذا في أمهات المؤمنين.

وولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وقيل ولد بالعالية، ذكره "الزبير بن بكار"، وكانت سلمى زوج أبي رافع "مولدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلته فبشر أبو رافع" به النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا، وعق عنه يوم سابعه بكبشين، وحلق رأسه أبو هند، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وتصدق بزنة شعره ورقا على المساكين، ودفنوا شعره بالأرض.

فيمن قبله. "وأما إبراهيم" آخر أولاده صلى الله عليه وسلم "فمن مارية" بتخفيف الياء "القبطية" وكانت بيضاء جميلة، "وسيأتي ذكرها في سراريه عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى في الفصل التالي لهذا في أمهات المؤمنين" وسرارية، كما هو في الترجمة الآتية، لكنه أسقطه هنا لئلا يتكرر مع قوله أولا في سراريه، "وولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة"، باتفاق كما في الفتح، "وقيل ولد بالعالية"، المحل الذي أنزل صلى الله عليه وسلم فيه مارية، وصار يقال لها مشرية أم إبراهيم، وهذا مستأنف لا معطوف إذ ليس مقابلا لمغايرة المكان للزمان.

"ذكره الزبير بن بكار" وفصله عما قبله إشعارا بأنه لا يساويه للاتفاق عليه، وكأنه ظفر في المكان بخلاف "وكانت سلمى" أم رافع تقدم ذكرها "زوج أبي رافع" أسلم أو إبراهيم أو ثابت أو همز أو صالح أو سنان أو يسار أو عبد الرحمن أو قزمان أو يزيد، فتلك عشرة، أشهرها كما قال أبو عمر الأول:"مولدة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ويقال: مولاة صفية، كما في الإصابة ولا تنافي؛ لأن مولاة عمة الشخص مولاته، كما قال البرهان "قابلته" التي تلقته عند الولادة "فبشر أبو رافع" زوجها "به النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا" إذ هو سيد الكرماء.

قال البرهان: هذا العبد لا أعرف اسمه، "وعق عنه يوم سابعه بكبشين" وفي العيون بكبش، فيحتمل أنه تعدد الذبح فأخبر من حضر التعدد به ومن لم يحضره بخلافه "وحلق رأسه أبو هند" البياضي مولى فروة بن عمرو البياضي من الأنصار قاله ابن إسحاق.

قال ابن السكين: يقال اسمه عبد الله، وقال ابن منده: يقال اسمه يسار، ويقال سالم، وفي موطأ ابن وهب حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هند يسار، وأخرج ابن السكن والطبراني عن عائشة أنه صلى الله عليه وسم قال:"من سره أن ينظر إلى من صور الله الإيمان في قلبه، فلينظر إلى أبي هند" شهد المشاهد بعد بدر.

وروى عنه ابن عباس وجابر وأبو هريرة، "وسماه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ" أي يوم سابعه، وتصدق صلى الله عليه وسلم "بزنة شعره ورقا" فضة "على المساكين".

قال البرهان: لا أعلم زنة الشعر، "ودفنوا شعره بالأرض" بأمره عليه السلام، "وفي

ص: 345

وفي البخاري: من حديث أنس بن مالك، أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعته إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف"،لحديث، وفيه: أنه بقي عندها إلى أن مات، والقين: الحداد.

ويجمع بينهما: بأن التسمية كانت قبل السابع، كما في حديث أنس هذا ثم ظهرت فيه، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

البخاري" ومسلم واللفظ له كما بينه في الإصابة في ترجمة أبي سيف، وكذا في الفتح في شرح هذا الحديث، فاللائق بالمصنف العز ولهما معا أو لمسلم خاصة "من حديث" ثابت عن "أنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال": وفي رواية ابن سعد خرج علينا صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فقال: "ولد لي الليلة غلام سميته" إبراهيم "باسم أبي إبراهيم، ثم دفعته إلى أم سيف" بفتح السين صحابية لم يذكر لها اسما في الإصابة فكأنه كنيتها "امرأة قين" بفتح القاف وسكون التحتية بعدها نون حداد "بالمدينة يقال له أبو سيف".

قال عياض: هو البراء بن أوس وزوجته أم سيف هي أم بردة واسمها خولة بنت المنذر، وتعقبه الحافظ بأنه لم يصرح أحد من الأئمة بأن البراء بن أوس يكني ابا سيف ولا أن أبا سيف يسمى البراء. انتهى. وأسقط تمام التعقب اكتفاء، أي ولا أن أم سيف تسمى خولة ولا إن خولة تكنى أم سيف إنما تكنى أم بردة "الحدث" تتمته، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعته فانتهى إلى أبي سيف وهو ينفخ بكير، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك، فذكر الحديث هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري عن أنس دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يابن عوف إنها رحمة، ثم اتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". "وفيه أنه بقي عندها إلى أن مات"، كما ترى "والقين الحداد" ويطلق على كل صانع يقال قان الشيء إذا أصلحه كما في الفتح، ففي هذا الحديث الصحيح أنه سماه صبيحة الولادة فيعارض ما ذكره أهل السير أنه سماه يوم سابعه، "ويجمع بينهما بأن التسمية كانت قبل السابع، كما في حديث أنس هذا، ثم ظهرت فيه" في يوم السابع، "وأما حديث عمرو بن شعيب" بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي الصدوق، المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة، "عن أبيه" شعيب بن محمد صدوق، ثبت سماعه "عن جده" عبد الله بن عمرو بن العاصي، فضمير جده لشعيب عند الجمهور، فالحديث موصول لا لعمرو وإلا كان مرسلا أوله

ص: 346

عند الترمذي مرفوعا أنه أمر بتسمية المولود يوم سابعه، فيحمل على أنها لا تؤخر عن السابع، لا أنها لا تكون إلا فيه، بل هي مشروعة من الولادة إلى السابع.

قال الزبير بن بكار: وتنافست الأنصار فيمن ترضع إبراهيم فإنهم أحبوا أن يفرغوا مارية له عليه الصلاة والسلام فأعطاه لأم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصاري، زوجة البراء بن أوس، فكانت ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار وترجع به إلى أمه. وأعطى صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل.

وقد تقدم أنه أعطاه أم سيف وبقي عندها إلى أن مات فيحتمل أن يكون أعطاه أولا أم بردة ثم أعطاه أم سيف وبقي عندها إلى أن توفي لكن قد روي أنه توفي عند أم بردة، فيرجع في الترجيح إلى الصحيح.

ويحمل على الجد الأعلى كما في الألفية "عند الترمذي مرفوعا أنه" صلى الله عليه وسلم "أمر بتسمية المولود يوم سابعه، فيحمل" كما قال المحب الطبري "على أنها لا تؤخر عن السابع لا إنها لا تكون إلا فيه، بل هي مشروعة من الولادة إلى السابع"، فلا يعارض فعله، أو على من يعق ويحلق ويتصدق، وتسمية إبراهيم قبله مع أنه فعل به ذلك لبيان الجواز وأن ذلك مندوب فقط.

"قال الزبير بن بكار" فيما أخرجه هو وابن سعد من طريق شيخه الواقدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: "و" لما ولد إبراهيم "تنافست الأنصار" رغبت "فيمن ترضع" منهن "إبراهيم" فكل واحدة منهن أرادته، ويستعمل التنافس في العرف في المشاحة؛ لأن الرغبة في الشيء تستلزمه المشاحة عليه ولو باللب "فإنهم أحبوا أن يفرغوا ماريه له"، أي يزيلوا عنها ما يشغلها عنه "عليه الصلاة والسلام" لما يعلمن من ميله إليها كما في الرواية، "فأعطاه لأم بردة" خولة "بنت المنذر بن زيد الأنصاري" من بني النجارة "زوجة البراء بن أوس" بن خالد من بني النجار أيضا، "فكانت ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار وترجع به إلى أمه،" وفي رواية ابن سعد وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه في بني النجار، "وأعطى صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل" لرضاعها، "وقد تقدم" في الحديث الصحيح "أنه أعطاه أم سيف وبقي عندها إلى أن مات".

قال الحافظ: فجمع عياض بينهما، فسمي أبا سيف البراء، وزوجته أم بردة خولة أم سيف قال: وما جمع به غير مستبعد إلا إنه لم يصرح أحد من الأئمة بأن البراء يكنى أبا سيف، ولا أن أبا سيف يسمى البراء، "فيحتمل" إن ثبت ما ذكره الواقدي "أن يكون أعطاه أولا أم بردة، ثم أعطاه أم سيف وبقي عندها إلى أن توفي" فتكونان جميعا أرضعتاه، "لكن قد روى" كما ذكر ابن عبد البر وغيره "أنه توفي عند أم بردة، فيرجع في الترجيح إلى الصحيح" لصحة سنده.

وقد قال أبو موسى المديني المشهور أن التي أرضعته أم سيف، وحاصل ما ذكره هنا تبعا

ص: 347

وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وكان ظئره قينا، فيأخذه ويقبله ثم يرجع. الحديث رواه أبو حاتم.

وفي حديث جابر: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فأخذه صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم ذرفت عيناه،

للحافظ في الفتح والإصابة أنهما امرأتان على الصحيح المشهور، وجعلهما القاضي عياض امرأة واحدة لها كنيتان وهو متعقب كما علمت.

فحزم المصنف في شرح البخاري بما لعياض فيه نظر، وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه رحمة كله.

"كان إبراهيم مسترضعا" أي رضيعنا، فالسين زائدا "في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت" زاد مسلم وإنه ليدخل، "وكان ظئره" بكسر المعجمة وسكون التحتية المهموزة بعدها راء، أي مرضعة، وأطلق عليه ذلك لأنه زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق على زوجها؛ لأنه لا يشاركها في تربيته، كما في الفتح "قينا" بالقاف حدادا بيان لسبب دخان البيت، وقد تسقط نقطة القاف من الكاتب، فتوهمت فاء، فجعلت نسخة، والرواية بالقاف في مسلم وغيره "فيأخذه ويقبله".

زاد البخاري وشمه، ففيه مشروعية تقبيل الولد وشمه "ثم يرجع الحديث" ذكر في بقيته قصة موته "رواه أبو حاتم" وابن حبان ومسلم في الصحيح، فالعزولة هو اصطلاح أهل الفن، "وفي حديث جابر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحن بن عوف، فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه".

قال الحافظ: أي يخرجها ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله يجود به.

وفي حديث أنس عند البيهقي يكيد قال صاحب العين: أي يسوق بها، وقيل معناه يقارب بها الموت، وقال أبو مروان بن سراج: قد يكون من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه قلع نفسه عند الموت بذلك، "فأخذه صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم ذرفت عيناه" بفتح المعجمة والراء والفاء جرى دمعهما.

زاد أنس في الصحيح، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله! قال الطيبي: فيه معنى التعجب والواو تستدعي معطوفا عليه، أي الناس لا يصبرون وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب منه مع عهده منه الحث على الصبر والنهي عن الجزع، فأجابه بقوله:"إنها رحمة"، أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة على الولد لا ما توهمت من الجزع انتهى.

وفي حديث ابن عوف نفسه عند ابن سعد والطبراني، فقلت: يا رسول الله تبكي أولم تنه عن البكار، فقال: "إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير

ص: 348

ثم قال: "إنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين ويحزن القلب ولا تقول ما يسخط الرب". خرجه بهذا السياق أبو عمرو بن السماك، ومعناه في الصحيح.

وتوفي وله سبعون يوما -فيما ذكره أبو داود- في ربيع الأول يوم الثلاثاء لعشر خلون منه، وقيل: بلغ ستة عشر شهرا

الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان، إنما هذا رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحم"، "ثم قال: "إنا بك" بفراقك، كما هو رواية الصحيح "يا إبراهيم لمحزونون".

قال ابن المنير عبر بصيغة المفعول لا الفاعل إشارة إلى أن الحزن ليس من فعله، بل من غيره ولا يكلف الإنسان بفعل غيره وهو العين والقلب، كما قال:"تبكي العين ويحزن القلب" لرفته، "ولا نقول ما يسخط الرب" وفي الصحيح:"ولا نقول إلا ما يرضي ربنا".

قال ابن المنير: أضاف الفعل إلى الجارحة تنبيها على أن مثل هذا لا يدخل تحت قدرة العبد، ولا يكلف الانكفاف عنه، وكأن الجارحة امتنعت فصارت هي الفاعلة لا هو، وأما نطق اللسان فيملك انتهى.

زاد في حديث عبد الرحمن بن عوف، لولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل مأتية، وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، "خرجه بهذا السياق" أي اللفظ "أبو عمرو بن السماك ومعناه في الصحيح"، من حديث أنس وقد قدمنا لفظه وليس في هذه الرواية زيادة شيء عليه حتى يعدل عن الصحيح إليه.

قال ابن بطال: فسر هذا الحديث البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط أمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى، وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه والرضاع وعبادة الصغير والحضور عند المحتضر ورحمة العيال وجواز الإخبار عن الحزن، وإن كان الكتمان أولى وفيه وقوع الخطاب للغير وإرادة غيره بذلك، وكلاهما مأخوذ من مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن يفهم الخطاب لصغره وكونه في النزع، وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق، وجواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق، قيل وفيه تقبيل الميت وشمه، ورده ابن التين بأن القصة إنما وقعت قبل الموت، وهو كما قال انتهى من فتح الباري، "وتوفي وله سبعون يوما فيما ذكره أبو داود" وحكاه البيهقي.

قال في الإصابة فعليه يكون مات سنة تسع انتهى، وتبرأ منه لنقل صاحب النور أن رواية سبعين يوما وهم، وجزم الواقدي بأنه مات سنة عشر "في ربيع الأول يوم الثلاثاء لعشر خلون منه" فهذا إنما هو على موته سنة عشر، "وقيل بلغ ستة عشر شهرا".

ص: 349

وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام.

وحمل على سرير، صغير، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال:"ندفنه عند فرطناه عثمان بن مظعون"، وروي أن عائشة قالت: دفنه عليه الصلاة والسلام ولم يصل عليه، فيحتمل أن يكون لم يصلوا عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه، أو لم يصل عليه في جماعة.

حكاه اليعمري لكن لم يقل "وثمانية أيام" نعم حكى في الإصابة وغيرها عن محمد بن المؤمل سبعة عشر شهرا وثمانية أيام، "وقيل" بلغ "سنة وعشرة أشهر وستة أيام".

وفي البخاري عن عائشة عاش سبعة عشر أو ثمانية عشر شهر على الشك، وعند أحمد بسند حسن عنها ثمانية عشر شهرا بالجزم، وكذا عنده عن جابر فهو أرجح الأقوال موافقته ما في الصحيح عنها وإن كان بالشك.

وقال ابن حزم مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وقيل مات في رمضان وقيل في ذي الحجة.

قال في الإصابة وهو باطل على القول بأنه سنة عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع إلا أن كان مات في آخر ذي الحجة انتهى، "وحمل على سرير صغير" من بيت مرضعته إلى البقيع، "وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع" وكبر أربعا.

أخرجه أبو يعلى وابن سعد عن أنس والبزار عن أبي سعيد وأحمد عن البراء وابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلا، والبيهقي في الدلائل من مرسل جعفر بن محمد وهي وإن كان في أسانيدا ضعف فبعضها يعضد بعضا، ومن ثم قال النووي، الذي ذهب إليه الجمهور أنه صلى عليه وكبر أربعا، "وقال:"ندفنه عند فرطنا" بفتحتين متقدمنا "عثمان بن مظعون" بالظاء المعجمة.

"وروي" عند أحمد والبزار وأبي يعلي، "أن عائشة قالت دفنه عليه الصلاة والسلام ولم يصل عليه" لاستغنائه بنبوة أبية عن الصلاة عليه التي هي شفاعة له، كما استغنى الشهيد بشهادته عنها أو لموته يوم كسوف الشمس، فاستغنى بصلاة الكسوف عن الصلاة عليه، أو لأنه لا يصلي على نبي، وقد جاء لو عاش كان نبيا، ورد بأنه قد صح أن الطفل يصلى عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:"صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم" ، وصح أن الصحابة صلوا عليه صلى الله عليه وسلم، ثم حديث عائشة هذا قال في الإصابة إسناده حسن وصححه ابن حزم، لكن قال أحمد في رواية حنبل عنه حديث منكر، وقال الخطابي حديث عائشة أحسن اتصالا من رواية أنه صلى الله عليه وسلم ولكن هي أولى.

وقال ابن عبد البر حديث عائشة لا يصح، ثم قال أعني ابن عبد البر "فيحتمل أن يكون" معناه "لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه" ولم يحضرهم "أو لم يصل عليه في جماعة، بل صلى عليه منفردا" فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء، وهو أولى ما حمل عليه حديثها، فلا يخالف ما أجمع عليه العلماء من الصلاة على الأطفال إذا استهلوا وهو عمل

ص: 350

وروي أن الذي غسله أبو بردة، وروى الفضل بن العباس، ولعلهما اجتمعا عليه.

ونزل قبره الفضل وأسامة، والنبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، ورش قبره وعلم بعلامة قال الزبير: وهو أول قبر رش.

وانكسفت الشمس يوم موته فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله،

مستفيض في السلف والخلف ولا أعلم من جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب، انتهى كلام أبي عمر، "وروي أن الذي غسله أبو بردة" اسمه هانئ على الأشهر الأنصاري، "وروي" أنه "الفضل بن العباس ولعلهما اجتمعا عليه" فلا تنافي بين الروايتين.

وروى ابن ماجه عن أنس لما قبض إبراهيم قال صلى الله عليه وسلم: "لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه" فأتاه فانكب عليه وبكى "ونزل قبره الفضل وأسامة" بن زيد "والنبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر" فرأى فرجة في اللحد فناول الحفار مدرة، وقال:"إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي". رواه ابن سعد "ورش قبره" بماء عليه بعد تمام دفنه.

روى ابن سعد عن رجل من آل علي أنه صلى الله عليه وسلم حين دفن إبراهيم قال: "هل من أحد يأتي بقربة" فأتى رجل من الأنصار بقربة فقال: "رشها على قبر إبراهيم""وعلم بعلاة" ليعرف بها "قال الزبير" بن بكار، "وهو أول قبر رش" وما روي أنه لقنه لما دفن فقال قل الله ربي، ورسول الله أبي والإسلام ديني، فبكت الصحابة وقالوا من يلقننا وبكي عمر حتى ارتفع صوته، فقال عليه السلام: ما لك، فقال: هذا ابنك وما بلغ ولا جرى عليه قلم ولقنه مثلك فما حال عمر، فبكى صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه، فنزل جبريل فسأله عن سبب بكائهم فأخبره فصعد جبريل ونزل بقوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} والقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يريد وقت الموت وعند السؤال فطابت الأنفس وسكنت القلوب فمنكر جدا. بل لا أصل له قاله الشامي، "و" عن المغيرة بن شعبة قال:"انكسفت" بوزن انفعلت، وهذا يرد على القزاز حيث أنكره، وكذا الجوهري حيث نسبه للعامة "الشمس يوم موته" أي إبراهيم كما هو الرواية فأبدلها المصنف بالضمير اختصارا "فقال الناس: إنما كسفت" بفتح الكاف والسين والفاء وحكى ضم الكاف.

قال الحافظ: وهو نادر "لموت إبراهيم" على ما كانوا يزعمون أنها لا تنكسف إلا لموت عظيم "فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الشمس والقمر آيتان" علامتان "من آيات الله" الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته أو على تخويف العباد من بأسه وسطوته، ويؤيده قوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] .

وزاد في رواية في الصحيح يخوف الله بهما عباده.

ص: 351

لا ينكسفان لموت أحد" رواه الشيخان. قيل: والغالب أن الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، فكسفت يوم موت إبراهيم في العاشر، فلذلك قالوا: كسفت لموته.

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن له مرضعا في الجنة"، رواه ابن ماجه.

ذكره الحافظ وقال المصنف: المراد كسوفهما لأن التخويف إنما هو به لا بذاتهما وإن كان كل شيء من خلقه آية من آياته "لا ينكسفان" بفتح التحتية وسكون النون وكسر السين "لموت أحد" إذ هما خلقان مسخران ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما، وفيه ما كان عليه من الشفقة على أمته وإبطال ذلك الاعتقاد، وبقية ذا الحديث ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله.

"رواه" بتمامه "الشيخان" قال الحافظ: واستشكلت زيادة ولا لحياته؛ لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت إبراهيم، ولم يذكروا الحياة، والجواب أن فائدة ذكرها دفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للإيجاد، فعمم الشارع لدفع هذا التوهم انتهى.

قال المصنف: أو تتميم للتقسيم، "قيل" في الاعتذار عمن قال ذلك، "والغالب أن الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، فكسفت يوم موت إبراهيم في العاشر" من الشهر عند الأكثر، وقيل في رابعه، وقيل في رابع عشرة وفي أنه ربيع أو رمضان أو ذو الحجة أقوال، "فلذلك قالوا كسفت لموته" فبين صلى الله عليه وسلم بطلان ذلك الاعتقاد ولأحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابنا خزيمة وحبان أنه عليه الصلاة والسلام قال:"إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك""وقال عليه الصلاة والسلام" لما توفي إبراهيم "إن له مرضعا" قال الحافظ بضم الميم في رواية الجمهور، زاد الإسماعيلي ترضعه "في الجنة".

قال ابن التين يقال امرأة مرضع بلا هاء مثل حائض، وقد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل، قال تعالى:{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] ، قال تبعا للخطابي، وروى مرضعا بفتح الميم، أي إرضاعا انتهى.

والمراد الجنس، فلا ينافي رواية مسلم وإن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة، وأكده بأن تنزيلا للمخاطب منزلة المنكر والشاك لمخالفة العادة وقدم الخبر إشارة إلى اختصاص هذا الحكم به لا كان، ولا يكون لغيره رضاع في الجنة بجسمه وروحه معا باثنين على صورة الآدميات من الحور العين أو غيرهن والتعدد لكمال العناية به، والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية بأن أعقب موته دخوله الجنة، وزعم أنه في البرزخ وأنه أعطى هيئة يقتدر بها على الارتفاع فيه فاسد لقوله في الجنة والذي أوقعه فيه قياس الغائب على الشاهد حتى إن بعضهم جعل هذا من المتشابه الذي اختص الله بعلمه.

"رواه ابن ماجه" من حديث ابن عباس وهو بعض الحديث الآتي قريبا نعم رواه البخاري عن

ص: 352

وقد روي من حديث أنس بن مالك أنه قال: لو بقي يعني إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لكان نبيا ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء. أخرجه أبو عمر.

قال الطبري: وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف يخص إبراهيم، وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبي نبيا، بدليل ابن نوح عليه الصلاة والسلام.

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: وأما ما روي عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم، انتهى.

قال شيخنا في "المقاصد الحسنة": ونحوه قول ابن عبد البر في تمهيده: لا أدري ما هذا، فقد ولد نوح غير نبي، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا؛ لأنهم من ولد نوح، انتهى.

قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من الحديث المذكور ما.

البراء بهذا اللفظ مختصرا، فاللائق عزوه له لقاعدة المحدثين أنه إذا كان في أحد الصحيحين لا يعزى لغيرهما إلا لزيادة، كما قاله مغلطاي، ولأنه سيذكر رواة ابن ماجه بتمامها قريبا جدا، فكان يحصل تقويته بعزوه هذه القطعة منه للبخاري، "وقد روي من حديث أنس بن مالك" موقوفا عليه "أنه قال لو بقي يعني إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لكان نبيا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء".

"أخرجه أبو عمر" بن عبد البر. "قال الطبري" الحافظ محب الدين: "وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف" نص من الشارع "يخص إبراهيم وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبي نبيا بدليل ابن نوح عليه الصلاة والسلام" وكذا أولاد آدم فإنه لم ينبأ منهم غير شيث، "وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات" الواقعة في الشرح الكبير للرافعي على الوجيز.

"وأما ما روي عن بعض المتقدمين" أبهمه أدبا لحكمه عليه بالبطلان "لو عاش إبراهيم لكان نبيا، فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم انتهى".

وإن هذا لهو المجازفة في الكلام، فالبطلان إنما يأتي ن جهة السند الذي هو المرقاة، لا من هذه العلل العقلية.

"قال شيخنا في المقاصد الحسنة ونحوه قول ابن عبد البر في تمهيده" شرح الكبير على الموطأ "لا أدري ما هذا فقد ولد نوح غير نبي ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا لأنهم من ولد نوح" كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]"انتهى".

"قال الحافظ ابن حجر، ولا يلزم من الحديث المذكور" لو عاش إبراهيم لكان نبيا "ما

ص: 353

ذكره لما لا يخفى، وكأنه سلف النووي، وقال أيضا عقب كلام النووي: إنه عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، قال: وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال في إنكاره ما قال.

وجوابه: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابي الهجوم على مثل هذا بالظن.

قال شيخنا: والطرق الثلاثة.

أحدها: ما أخرجه ابن ماجه وغيره من حديث ابن عباس: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى عليه وقال: "إن له مرضعا في الجنة، لو عاش لكان صديقا نبيا، لو عاش لأعتقت أخواله من القبط، وما

ذكره" ابن عبد البر" لما لا يخفى من أن الشرطية لا تستلزم الوقوع، "وكأنه سلف النووي" مستنده فيما قال، "وقال الحافظ أيضا" في الإصابة "عقب كلام النووي إنه عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة" ابن عباس مرفوعا وأنس وأبن أبي أوفى موقوفا لفظا، وحكمه الرفع؛ لأنه لا يقال رأيا "قال وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال في إنكاره ما قال" وأطنب في المقال، "وجوابه أن القضية الشرطية" كالحديث المذكور "لا تستلزم الوقوع" ففي التنزيل {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، وإنما الله إله واحد، "ولا يظن بالصحابي الهجوم على مثل هذا بالظن"؛ لأنه إساءة ظن بمن عدله الله في كتابه ورسوله في أحاديثه.

"قال شيخنا" السخاوي في المقاصد تبعا لشيخه في الإصابة فإنه ذكر فيها الأحاديث الثلاثة قبل رده على ابن عبد البر والنووي.

"والطرق الثلاثة أحدها ما أخرجه ابن ماجه وغيره" كالبيهقي "من حديث ابن عباس" قال: "لما مات إبراهيم ابن النبي صى الله عليه وسلم صلى عليه، وقال: "إن له مرضعا في الجنة" اثنين على صفة الآدميات، فيرضعهما بجسده وروحه معا، بخلاف سائر أطفال المؤمنين، فيرضعون من شجرة طوبى، وحاضنهم إبراهيم، كما أخرجه ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم من مرسل خالد بن معدان، وعبيد بن عمير أحد كبار المتابعين، ويؤيده حديث ابن عمر رفعه "كل مولود في الإسلام فهو في الجنة شبعان ريان يقول يا رب أورد علي أبوي"، ومعلوم أن رضاعهم إنما هو بأرواحهم لا بأجسادهم. قال ابن القيم وغيره: وفيه أنه سبحانه يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارئ إذا مات كمل له حصوله بعد موته انتهى.

"ولو عاش لكان صديقا نبيا" فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم يدفع إنكار من أنكره وإن كان في سنده مقال، فقد انجبر بالطريقين الآخرين "لو عاش لاعتقت أخواله من القبط" إكراما له "وما

ص: 354

استرق قبطي". وفي سنده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي، وهو ضعيف ومن طريقه أخرجه ابن منده في المعرفة وقال: إنه غريب.

ثانيهما: ما رواه إسماعيل السدي عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو عاش لكان نبيا، الحديث.

ثالثها: ما عند البخاري من طريق محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفي: "رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيرا، ولو قضي بعد محمد نبي عاش ابنه إبراهيم، ولكن لا نبي بعده".

استرق قبطي"، وفي رواية لوضعت الجزية عن كل قبطي ومارق له خال.

قال البرهان: الظاهر أن معناه لو عاش فيراه أخواله لأسلموا فرحا به وتكرمة له، فوضعت الجزية عنهم؛ لأنها لا توضع على مسلم، فإذا أسلموا وهم أحرار لم يسترقوا لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق، كذا قال وهو صنو ما قالاه في: لكان نبيا، فلا حاجة إلى هذا التكلف لأنه مدخول القضية الشرطية على أن من الخصائص أنه يخص عليه السلام من شاء بما شاء.

"وفي سنده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان" العبسي بالموحدة الكوفي "الواسطي" قاضيها اشتهر بكنيته، "وهو ضعيف" مات سنة تسع وستين ومائة، "ومن طريقه أخرجه ابن منده في المعرفة" أي في كتاب معرفة الصحابة، "وقال إنه غريب" لكن له شواهد كما علمت، ومنها ما عند ابن عساكر عن جابر رفعه "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا".

"ثانيها ما رواه إسماعيل" بن عبد الرحمن "السدي" بضم السين وشد الدال المهملتين أبو محمد الكوفي صدوق يهم، روى له مسلم والأربعة "عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو عاش لكان نبيا الحديث" بقيته لكن لم يكن ليبقى، فإن نبيكم آخر الأنبياء.

"ثالثها ما عند البخاري من طريق" شيخه "محمد بن بشر" العبدي أبي عبد الله الكوفي، الثقة الحافظ المتوفى سنة ثلاث ومائتين، "عن إسماعيل بن أبي خالد" الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت من رجال الجميع، توفي سنة ست وأربعين ومائة، "قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى" بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة، كما ضبطه الكرماني في مواضع منها في شرح هذا الحديث واسمه علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي الصحابي، ابن الصحابي آخر من مات بالكوفة من الصحابة سنة سبع وثمانين، "رأيت" لحذف أداة الاستفهام، وفي رواية ابن منده من طريق إبراهيم بن حميد عن إسماعيل قلت لابن أبي أوفى: هل رأيت "إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال" زاد ابن منده نعم كان أشبه الناس به "مات صغيرا، ولو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي. عاش ابنه إبراهيم ولكنه لا نبي بعده" فلم

ص: 355