الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
خديجة أم المؤمنين
":
فأما أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم فكانت تدعى في الجاهلية "الطاهرة" وكانت تحت أبي هالة النباش بن زرارة، فولدت له هندا
خديجة أم المؤمنين:
"فأما أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها" أول خلق الله تعالى أسلم بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة.
قاله الحافظ أبو الحسن عز الدين بن الأثير، وأقره الإمام الذهبي، وسبقهما لحكاية الإجماع الثعلبي، وابن عبد البر، فسنت أحسن السنن، فلها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، "وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم" لقب لجندب بن حجر بن بغيض بن عامر بن لؤي، وفي نسخة بنت زائدة، بنت أبن الأصم، وهي وصف ثان لفاطمة لا لزائدة لئلا يوهم أن زائدة اسم لأمها مع أنه أبو هالة وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن بغيض بن عامر بن لؤي، وأم هالة قلابة بنت سعيد من بني كعب بن لؤي فكيفما دار نسبها دار في قريش، "فكانت تدعى" توصف أو تنادى "في الجاهلية الطاهرة" لتركها ما كانت تفعله نساء الجاهلية، "وكان تحت أبي هالة" واسمه فيما جزم به أبو عبيد، وقدمه مغلطاي "النباش"، بفتح النون، فموحدة ثقيلة، فألف فشين معجمة، وقيل مالك.
حكاه الزبير بن بكار والدارقطني وصدر به في الفتح، وقيل زرارة حكاه ابن منده والسهيلي، وقيل هند جزم به العسكري، وتبعه اليعمري "ابن زرارة" بن النباش بن عدي التميمي بميمين من بني تميم "فولدت له هندا" الصحابي، راوي حديث الصفة النبوية، البدري الفصيح البليغ الوصاف، وله ولد اسمه أيضا هند، فعلى قول العسكري أن اسم أبي هالة هند يكون ممن
وهالة وهما ذكران.
ثم تزوجها عتيق ابن عابد المخزومي، فولدت له جارية اسمها هند، وبعضهم يقدم عتيقا على أبي هالة.
ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها يومئذ أربعون سنة وبعض أخرى، وكان سنه عليه الصلاة والسلام إحدى وعشرين سنة، وقيل خمسا وعشرين، وعليه الأكثر، وقيل ثلاثين.
وكانت قد عرضت نفسها عليه،
اشترك مع أبيه وجده في الاسم، "وهالة" التميمي قال أبو عمر له صحبة.
وروى المستغفري عن عائشة قدم ابن لخديجة يقال له هالة والنبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فقال: هالة هالة هالة، وروى الطبراني عن هالة بن أبي هالة أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو راقد، فاستيقظ، فضم هالة إلى صدره، وقال هالة ثلاثة، "وهما ذكران" خلافا لمن وهم، فزعم هالة أنثى وإن مشى عليه الشامي هنا، ويرده قول عائشة ابن لخديجة، ومن ثم أورده في الإصابة في الرجال لا في النساء "ثم" بعد موت أبي هالة في الجاهلية "تزوجها عتيق بن عابد" بالموحدة والدال المهملة ابن عبد البر بن عمر بن مخزوم "المخزومي" القرشي، "فولدت له جارية اسمها هند" أسلمت وصحبت ولم ترو شيئا، قاله الدارقطني.
وقال الزهري: وهي أم محمد بن صيفي المخزومي، وهو ابن عمها.
قال ابن سعد: ويقال لولد محمد بنو الطاهرة لمكان خديجة، وقال بعضهم ولدت لعتيق عبد الله، وقيل عبد مناف وهندا، ثم كونه بعد أبي هالة هو قول الأكثر، وصححه ابن عبد البر، "وبعضهم يقدم عتيقا"، في تزويج خديجة "على أبي هالة" وهو قتادة وابن شهاب وابن إسحاق في رواية يونس قالوا: تزوجها وهي بكر عتيق، ثم هلك عنها، فتزوجها أبو هالة واقتصر عليه في معيون والفتح وحكى القولين في الإصابة "ثم" بعد موتهما معا عنها "تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها يومئذ أربعون سنة" كما رواه ابن سعيد، واقتصر عليه اليعمري، وقدمه مغلطاي والبرهان وصحح، وقيل خمس وأربعون، وقيل ثلاثون وقيل ثمانية وعشرون.
حكاها مغلطاي وغيره: أما قوله "وبعض أخرى" فينظر قائله وبها قدر البعض، "وكان سنه عليه الصلاة والسلام إحدى وعشرين سنة" في قول الزهري، "وقيل خمسا وعشرين" سنة "وعليه الأكثر" من العلماء، "وقيل ثلاثين" حكاه ابن عبد البر، وقيل غير ذلك، "وكانت قد عرضت نفسها عليه" بلا واسطة، كما عند ابن إسحاق أو بواسطة نفيسة بنت منية، كما رواه
فذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة،
الواقدي عنها، وقد قدمت ذلك ولا تنافي فإنها أرسلت له نفيسة أولا، فلما حضر كلمته بنفسها، وسبب العرض ما حدثها به غلامها ميسرة حين سافر معه في تجارتها وما رأته هي أيضا فيه من الآيات، وما رواه المدائني، عن ابن عباس أن نساء مكة اجتمعن في عيد لهن، فجاء رجل، فنادى بأعلى صوته أنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد، فمن استطاعت منكن أن تكون زوجا له فلتفعل فحصبنه إلا خديجة فأعرضت عن قوله ولم تعرض عنه "فذكر ذلك لأعمامه" فيه أن الله جبله على الاستشارة من قبل النبوة، "فخرج معه منهم حمزة"، كما عند ابن إسحاق، ونقل السهيلي عن المبرد أن أبا طالب هو الذي نهض معه، وهو الذي خطب، وجمع بأنهما خرجا معا، والخاطب أبو طالب؛ لأنه أسن من حمزة.
وروى أحمد والطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس والبزار والطبراني برجال ثقات عن جابر بن سمرة أو رجل من الصحابة والطبراني بسند ضعيف عن عمران، وهو والبزار بسند ضعيف عن عمار دخل حديث بعضهم في بعض أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى وهو شريك له إبلا لأخت خديجة مدة، فلما انقضت جعل شريكه يأتي يتقاضاها ما بقي لهما عليها فقالت له مرة أين محمد، قال قلت له فزعم أنه يستحيي، فقالت: ما رأيت رجلا أشد حياء منه، لا أعف، ولا ولا فوقع في نفس خديجة، فبعثت إليه، فقالت: ائت أبي فاخطبني، قال:"إن أباك رجل كثير المال وهو لا يفعل".
وفي حديث عمار مررت معه صلى الله عليه وسلم على أخت خديجة، فنادتني فانصرفت إليها ووقف عليه السلام، فقالت: أما لصاحبك في تزويج خديجة حاجة فأخبرته فقال: "بلى لعمري"، فرجعت إليها، فأخبرتها انتهى، فقالت له صلى الله عليه وسلم: كلم أبي وأنا أكفيك، وائت عند سكره، فأتاه صلى الله عليه وسلم، فكلمه، وكان أبوها يرغب أن يزوجه، فذبحت خديجة بقرة، وصنعت طعاما وشرابا، ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت: إن محمد بن عبد الله يخطبني، فزوجني إياه، ففعل فخلفته وألبسته حلة وضربت عليه قبة، وكذا كانوا يفعلون بالآباء، فلما سرى عنه سكره نظر ذلك، فقال ما شأني ما هذا، قالت: زوجتني محمد بن عبد الله، فلما أصبح قيل له أحسنت زوجت محمدا، قال أو قد فعلت؟ قالوا: نعم فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون إني زوجت محمدا وما فعلت، قالت: بلى، قال: أنا أزوج يتيم أبي طالب لا لعمري، قالت: ألا تستحيي تريد أن تسفه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران، فإن محمدا كذا وكذا، فلم تزل به حتى رضي، ثم بعثت إليه صلى الله عليه وسلم بوقيتين فضة أو ذهب، وقالت اشتر حلة واهدها لي وكساء، وكذا وكذا، ففعل، ولا تعارض بين هذه الأسباب لعرضها نفسها عليه، فإن
حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها صلى الله عليه وسلم وأصدقها عشرين بكرة. وزاد ابن إسحاق من طريق آخر: وحضر أبو طالب ورؤساء مضر: فخطب أبو طالب وقد قدمت خطبته في المقصد الأول عند ذكر تزويجها له صلى الله عليه وسلم. وذكر الدولابي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق خديجة اثنتي عشرة أوقية ذهبا.
وكانت خديجة -كما قدمته- أول من آمن من الناس،
من جملة أسبابة وصف أختها له، وهي تسمع بشدة الحياء والعفة وغيرهما، فأرسلت له أولا نفيسة لتعلم أله فيها رغبة، فلما علمت ذلك كلمته بنفسها، فكأنه أبطأ عليها بعض أيام، فذكرته لأختها فمر عليها مع عمار، فقالت لعمار ذلك، فوافق صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكلم أعمامه، فذهب معه اثنان "حتى دخل عليه" أبيها "خويلد بن أسد، فخطبها إليه" أي من خويلد لنفسه صلى الله عليه وسلم، "فتزوجها صلى الله عليه وسلم" بعدما تحيلت على أبيها بما ذكر؛ لأنه كان يرغب عن أن يزوجه والله هداها ووفقها، وكون أبيها هو الذي زوجها هو ما جزم به ابن إسحاق أولا، ثم صدر به هنا وهو ظاهر أحاديث المذكورين، وقيل أخوها عمرو بن خويلد، وقيل مها عمرو بن أسد، ورجحه الواقدي وغلط من قال بخلافه؛ لأن أباها مات قبل ذلك.
قال السهيلي وهو الأصح وبالغ المؤملي، فحكى عليه الاتفاق "وأصدقها عشرين بكرة" كما قاله المحب الطبري قائلا ولا تخالف بينه وبين ما يقال أصدقها عنه أبو طالب، لجواز أنه صلى الله عليه وسلم زاد في صداقها فكان الكل صداقا.
"وزاد ابن إسحاق من طريق آخر، وحضر أبو طالب ورؤساء مضر، فخطب أبو طالب، وقد قدمت خطبته في المقصد الأول عند ذكر تزويجها له" مصدر مضاف لمفعوله، أي تزويج أبيها له "صلى الله عليه وسلم" فسقط زعم أن الصواب تزوجها، نعم هو أولى فقط ويكون مضافا لفاعله، "وذكر الدولابي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق خديجة اثنتي عشرة أوقية ذهبا" ونشا، كما هو بقية كلام من نقل عنه، كما أسلفه في المقصد الأول، وقال: إن النش نصف أوقية، وكل أوقية أربعون درهما انتهى، وهو بفتح النون والشين المعجمة، وفي مسلم عن عائشة كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ذهبا ونشا، أتدري ما النش؟ قلت لا، قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم، فذلك صداقه لأزواجه، وهذا لصحته أولى ما ذكره ابن إسحاق أن صداقه لأكثر أزواجه أربعمائة درهم، ولزيادته فإن من ذكر الزيادة معه زيادة علم، فلعل ما وقع لبعضهم أنه أصدق خديجة أربعمائة دينار أصله درهم، ويكون بناء على كلام ابن إسحاق.
"وكانت خديجة، كما قدمته أول من آمن من الناس" على الإطلاق، كما حكى عليه الثعلبي وابن عبد البر وابن الأثير الاتفاق، وإنما الخلاف في أول من آمن بعدها، وتقدم الجمع ثمة.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه طعام -أو إدام أو شراب- فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني،
قال في الإصابة: وأصرح ما وقفت عليه في سبقها إلى الإسلام ما رواه أبو نعيم في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم جالسا مع خديجة إذ رأى شخصا بين السماء والأرض فقالت له خديجة: ادن فدنا منها، فقالت: تراه قال: "نعم"، قالت: أدخل رأسك تحت درعي ففعل فقالت: تراه قال: "لا"، قالت: أبشر هذا ملك لو كان شيطانا لما استحي ثم رآه بأجياد فنزل إليه وبسط له بساطا، وبحث في الأرض، فنبع الماء، فعلمه جبريل كيف يتوضأ فتوضأ، وصلى ركعتين نحو الكعبة، وبشره بنبوته، وعلمه اقرأ باسم ربك ثم انصرف فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال: سلام عليك يا رسول الله، فجاء إلى خديجة فأخبرها، فقالت: أرني كيف أراك فأراها، فتوضأت كما توضأ ثم صلت معه، وقالت: أشهد أنك رسول الله انتهى.
"وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم" لفظ الرواية، وفي الصحيحين أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، زاد الطبراني بحراء "يا محمد " لفظ البخاري في باب تزويجها وفضلها، فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك هو لفظ مسلم.
قال الحافظ: أي توجهت إليك، وقوله ثانيا، فإذا هي أتتك، أي وصلت إليك، ولفظ البخاري قد أتت بلا كاف "بإناء فيه طعام" أو" قال "إدام" بكسر الهمزة "أو" قال "شراب" كذا رواية الصحيحين بالشك من الراوي ثلاثا وللإسماعيلي فيه إدام أو طعام وشراب بالشك مرتين.
وفي رواية الطبراني أنه كان حيسا، "فإذا هي أتتك" أي وصلت إليك، "فاقرأ" بهمزة وصل وفتح الراء "عليها السلام من ربها" إضافة تشريف لها "ومني".
قال المصنف، وهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها، وسبقه إلى هذا ابن القيم في الهدى، فقال: وهذه فضيلة لا تعرف لامرأة سواها انتهى.
زاد الطبراني، فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام، وللنسائي عن أنس قال: قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقرئ خديجة السلام يعني فأخبرها، فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، زاد ابن السني وعلى من سمع السلام إلا الشيطان.
قال في فتح الباري: قال العلماء في هذه القصة دليل على وفور فقهها لأنها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السلام على الله، فنهاهم صلى الله عليه وسلم وقال:"إن الله هو السلام، فقولوا التحيات لله"، فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا
وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب" والقصب: اللؤلؤ المجوف.
يرد عليه السلام، كما يرد على المخلوقين لأن السلام من أسمائه، وهو أيضا دعاء بالسلامة، وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله، فكأنها قالت: كيف أقول عليه السلام، والسلام اسمه، ومنه يطلب، ومنه يحصل فيستفاد منه أنه لا يليق بالله إلا الثناء عليه، فجعلت مكان رد السلام عليه الثناء عليه، ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره فقالت: وعلى جبريل السلام ثم قالت: وعليك السلام، ويستفاد منه رد السلام على من أرسله وعلى من بلغه، والذي يظهر أن جبريل كان حاضرا عند جوابها فردت عليه وعلى النبي مرتين مرة بالتخصيص ومرة بالتعميم، ثم أخرجت الشيطان ممن سمع؛ لأنه لا يستحق الدعاء بذلك، وإنما بلغها جبريل بواسطة المصطفى، ولم يواجهها بالخطاب، كمريم قيل أنها نبية، وقيل لأنها لم يكن معها زوج محترم، فخاطبها.
"وبشرها ببيت في الجنة من قصب" بفتح القاف والصاد المهملة وبالموحدة "لا صخب فيه" بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت "ولا نصب" بفتح النون والمهملة فموحدة التعب فبشرها صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتخلف عن امتثال ما أمر به.
وقد روى أحمد والطبراني وأبو يعلى برجال ثقات وابن حبان عن عبد الله بن جعفر رفعه أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وروى الشيخان عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة الحديث.
وروى الطبراني برجال الصحيح عن جابر سئل صلى الله عليه وسلم عن خديجة، فقال: أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت قصب لا لغو فيه ولا نصب.
قال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين أعنى المنازعة والتعب أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة وعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عسير، فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها، "والقصب اللؤلؤ المجوف" كما ورد مفسرا في كبير الطبراني، من حديث أبي هريرة، ولفظه بيت من لؤلؤة مجوفة، وأصله في مسلم وعنده في الأوسط، عن فاطمة قلت: يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: "في بيت من قصب"، قلت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت".
قال السهيلي: النكتة في قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ إن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها، وكذا وقعت في هذه المناسبة في
قال ابن إسحاق: كان صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بخديجة إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رضي الله عنها.
وعن عبد الرحمن بن زيد قال: قال آدم عليه السلام: إني لسيد البشر يوم القيامة،
جميع ألفاظ هذا الحديث انتهى.
قال الحافظ: وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم تغضبه قط كما وقع لغيرها.
والمراد بالبيت، كما قال أبو بكر الإسكاف في فؤائد الأخبار بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها، ولذا قال لا نصب، أي لم تتعب بسببه، وقال السهيلي: لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت في الإسلام منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث صلى الله عليه وسلم ببيت إسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها، قال: وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وإن كان غيره أشرف منه، فلهذا جاء الحديث بلفظ بيت دون قصر انتهى.
قال الحافظ وفيه معنى آخر لأن مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسين، فجللهم بكساء فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره، ويرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة؛ لأن الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها، وعلى نشأ في بيتها وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها انتهى
"قال ابن إسحاق" في إسلام خديجة فآمنت بما جاء به من الله ووازرته على أمره فكانت أول من آمن بالله ورسوله، فخفف الله بذلك عن رسوله، "فكان صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بخديجة، إذا رجع" إليها "تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس"، تسهل عليه أذاهم، كأن تقول هم وإن قالوا فيك ما لا يليق، فهم يعلمون أنك بريء منه، وإنما قالوه حسدا، واستمر ذلك "حتى ماتت رضي الله عنها،" ومر حديث الصحيح في تقويتها له لتلقي ما نزل عليه، وذكرها خصاله الحميدة وذهابها به إلى ورقة. "وعن عبد الرحمن بن زيد" بن أسلم العدوي، مولاهم المدني "قال: قال آدم عليه السلام إني لسيد البشر يوم القيامة" من حيث الأبوة أو السيادة، لا تقتضي الأفضلية، فقد قال
إلا رجلا من ذريتي نبيا من الأنبياء، يقال له أحمد، فضل على باثنتين، زوجته عاونته فكانت له عونا، وكانت زوجتي على عونا، وأعانه الله على شيطانه فأسلم، وكفر شيطاني، خرجه الدولابي، كما ذكره الطبري.
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنة محمد، ومريم بنة عمران، وآسية امرأة فرعون".
ابن عمر ما رأيت أسود من معاوية، وقد رأى العمرين "إلا رجلا من ذريتي، نبيا من الأنبياء، يقال له أحمد، فضل علي باثنتين، زوجته عاونته، فكانت له عونا" قبل البعثة وبعدها، "وكانت زوجتي علي عونا" حيث زينت له الأكل من الشجرة، "وأعانه الله على شيطانه" قرينه الموكل به، "فأسلم" آمن بالله ورسوله، "وكفر شيطاني" إبليس لعنه الله.
"خرجه الدولابي، كما ذكره الطبري" الحافظ محب الدين في السمط الثمين في أزواج الأمين هذا الحديث وإن كان مقطوعا فلبعضه شواهد، فعند البزار عن ابن عباس، رفعه "فضلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه، فأسلم"، قال: ونسيت الأخرى.
وروى مسلم مرفوعا "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن"، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال:"وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
روى بفتح الميم، ورجحه عياض والنووي، وهو المختار وبضمها، وصححه الخطابي، "وخرج الإمام أحمد" وأبو داود والنسائي، والحاكم، وصححاه "من حديث ابن عبس أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أفضل نساء أهل الجنة" في ذكرها الإيذان بأنهن أفضل حتى من الحور العين، ولو قال النساء لتوهم أن المراد نساء الدنيا فقط "خديجة بنت خويلد" لسبقها إلى الإسلام ومواساتها وتعظيمها خير الأنام، وقال:"إني رزقت حبها" رواه مسلم، فتأمل قوله:"رزقت"، ولم يقل أحبها نجد فيه ما فيه من غاية التعظيم ونهاية التفخيم.
"وفاطمة بنة محمد" قال السهيلي: تكلم الناس في المعنى الذي سادت به فاطمة أخواتها فقيل لأنها ولدت الحسن الذي قال فيه جده: إن ابني هذا سيد، وهو خليفة، وبعلها خليفة، وأحسن من هذا قول من قال: سادت أخوتها وأمها؛ لأنهن متن في حياته صلى الله عليه وسلم فكن في صحيفته، ومات هو في حياتها، فكان في صحيفتها وميزاتها، وقد روى البزار عن عائشة أنه عليه السلام قال لفاطمة:"هي خير بناتي لأنها أصيبت في"، وهذا قول حسن انتهى.
"ومريم بنة عمران" لأن الله ذكرها في القرآن وشهد بصديقتيها، وأخبر أنه طهرها واصطفاها على نساء العالمين، وقيل بنبوتها.
"وآسية" بنت مزاحم "امرأة فرعون" المذكورة في القرآن، وهما من زوجاته صلى الله عليه وسلم في
قال الشيخ ولي الدين العراقي: خديجة أفضل أمهات المؤمنين على الصحيح المختار، وقيل: عائشة، انتهى.
وقال شيخ الإسلام، زكريا الأنصاري في شرح بهجة الحاوي، عند ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم: وأفضلهن خديجة وعائشة وفي أفضلهما خلاف، صحح ابن العماد تفضيل خديجة لما ثبت.
الجنة، كما عند ابن عساكر بسند ضعيف.
"قال الشيخ ولي الدين العراقي، خديجة أفضل أمهات المؤمنين على الصحيح المختار" عند العلماء بدليل هذا الحديث، والذي قبله من إقراء السلام عليها من الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة".
رواه البخاري، أي مريم خير نساء الأمة الماضية، وخديجة خير نساء هذه الأمة، كما قال الحافظ جاء ما يفسر المراد صريحا، فروى البزار والطبراني عن عمار رفعه:"لقد فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين" إسناده حسن انتهى، وقال في الإصابة: يفسره ما أخرجه ابن عبد البر عن عمران أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: "ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين" قالت: يا أبت فأين مريم، قال:"تلك سيدة نساء عالمها" انتهى، ولأنه صلى الله عليه وسلم اثنى على خديجة ما لم يثن على غيرها، قالت عائشة: كان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها.
رواه الدولابي وابن عبد البر وللطبراني، وكان إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، "وقيل عائشة" وضعف بحيث بالغ ابن العربي فقال: لا خلاف أن خديجة أفضل من عائشة، قالت في الفتح: ورد بأن الخلاف ثابت قديما، وإن كان الراجح أفضلية خديجة بما تقدم "انتهى" كلام الوليد.
"وقال شيخ الإسلام زكريا" بن أحمد "الأنصاري" العلامة، المحدث، الفقيه، الإمام الصوفي، مجاب الدعوة، صاحب التصانيف شهرته تغني عن تعريفه، وعمر نحو مائة حتى انقرض جميع أقرانه، وألحق الأصاغر بالأكابر، وصار كل من بمصر من أتباعه أو أتباع أتباعه، وتوفي سنة نيف وعشرين وتسعمائة "في شرح بهجة الحاوي" الذي قرئ عليه سبعا وخمسين مرة حتى كان تلميذه الشمس الرملي يقول: هذا شرح أهل بلد لا شرح بل واحد "عند ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وأفضلهن خديجة وعائشة، وفي أفضلهما خلاف" زاد في الروضة، ثالثها الوقف، "صحح ابن العماد والسبكي وغيرهما "تفضيل خديجة لما ثبت" عند الطبراني بسند جيد،
أنه صلى الله عليه وسلم لقال لعائشة رضي الله عنها، حين قالت له: قد رزقك الله خيرا منها فقال: "لا والله ما رزقني الله خيرا منها، آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس".
وسئل ابن داود أيهما أفضل؟ فقال: عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل عليه السلام من ربها على لسان محمد، فهي أفضل قيل له: فمن أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني" فلا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا.
ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم
والدولابي "أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين قالت له" لما غارت من كثرة ثنائه عليها واستغفاره لها قالت: فاحتملتني الغيرة، فقلت:"قد رزقك الله خيرا منها" ولأحمد والطبراني، فقلت: قد أبدلك الله بكبيرة السن، حديثه السن، فغضب غضبا شديدا، وسقطت في جلدي، وقلت: اللهم أذهب غيظ رسولك لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت، ولأحمد أيضا، فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير، "فقال:"لا والله ما رزقني الله خيرا منها، آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس".
زاد الطبري: "وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت مني الولد إذ حرمتوه"، ولأحمد " ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء"، وأصل الحديث في الصحيحين مختصرا، فخلفه صلى الله عليه وسلم على ذلك مع أنه صادق مصدوق بلا قسم، وتعديده مآثرها الحميدة أدل دليل على أنها أفضل من عائشة رضي الله عنهما.
"وسئل" الإمام أبو بكر "ابن" الإمام المجتهد الحافظ "داود" بن علي الظاهري: "أيهما أفضل" بالتذكير، كقوله تعالى:{بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} [لقمان: 34] وتؤنث أيضا وقرئ بأية أرض، "فقال: عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل" من قبل نفسه، "وخديجة أقرأها جبريل السلام من ربها على لسان محمد، فهي" أي خديجة "أفضل، قيل له فمن أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة" بفتح الموحدة، كما هو الرواية وحكى ضمها وكسرها أي قطعة لحم "مني" فلا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا".
قال السهيلي وهذا استقراء حسن، ويشهد له أن أبا لبابة حين ربط نفسه، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله جاءت فاطمة لتحله فأبى لقسمه، فقال صلى الله عليه وسلم:"بضعة مني"، فحلته قال: أعني السهيلي: "ويشهد لهذا" أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة في مرض موته لما أخبرها أنه مقبوض،
"أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم".
واحتج من فضل عائشة رضي الله عنها بما احتجت به من أنها في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها مع علي.
وسئل السبكي فقال: والذي نختاره وندين الله به، أن فاطمة بنت محمد أفضل، ثم أمها خديجة ثم عائشة،
فبكت فقال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم"، فضحكت، فهذا دليل على فضلها على أمها، وبهذا استدل السبكي.
قال في الفتح والذي يظهر أن الجمع بين الحديثين أولى، وأن لا نفضل إحداهما على الآخرى انتهى، يعني هذا الحديث وحديث أفضل نساء.
أهل الجنة خديجة وفاطمة، وقال في الإصابة وقد ذكر حديث خير نسائها خديجة، وقوله لفاطمة:"ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين"، يحمل على التفرقة بين السيادة والخيرية، أو على أن ذلك بالنسبة إلى من وجد من النساء حين قاله لفاطمة انتهى، وفيه نظر فإن المراد بالسيادة الخيرية، وهي الفضل كما صرح به في رواية أحمد وغيره وحمله على الموجودات حين الخطاب يأباه قوله:"نساء العالمين"، وهو في الصحيح، كما مر في ترجمتها؛ لأنه تخصيص للعام بلا مخصص، فقد ساوت أمها، وزادت عليها، كونها بضعة المختار، فهي أفضل منها، وقد صرح هو في الفتح في المناقب بما لفظه، قيل انعقد على الإجماع أفضلية فاطمة، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة انتهى، بل توسع بعض المتأخرين، فقال: فاطمة وأخوها إبراهيم أفضل من سائر الصحابة حتى من الخلفاء الأربعة، فإن أراد من حيث المبضعة، فمحتمل وإن كان الخلفاء أفضل من حيث العلوم الجمة، وكثرة المعارف ونصر الدين والأمة، "واحتج من فضل عائشة ضي الله عنها" على فاطمة، وهو أبو محمد بن حزم "بما احتجت" هي "به من أنها في الأخرة" في الجنة "مع النبي صلى الله عليه وسلم" التي هي أعلى الدرجات، "وفاطمة رضي الله عنها مع علي" ولا حجة في هذا وإلا لزم أنها وبقية أزواجه أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعلى درجة في الجنة من الجميع، وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة، ومن ثم قال في الفتح وفساده ظاهر، "و" قد "سئل السبكي" الكبير، والسائل له الإمام الأذرعي نزيل حلب ومفتيها عن جملة مسائل منها، هل قال أحد أن أحدا من نسائه صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ "فقال" في الجواب قاله من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نسائه على جميع الصحابة؛ لأنهن في درجته في الجنة، وهو قول ساقط مردود ضعيف لا مستند له من نظر ولا نقل، "والذي نختاره وندين الله به أن فاطمة بنت محمد أفضل، ثم أمها خديجة، ثم عائشة".
ثم استدل لذلك بما تقدم بعضه.
وأما خبر الطبراني: "خير نساء العالمين مريم بنت عمران ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون". فأجاب عنه ابن العماد: بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة، لا باعتبار السيادة.
واختار السبكي: أن مريم أفضل من خديجة لهذا الخبر، وللاختلاف في نبوتها، انتهى.
وقال أبو أمامة بن النقاش: إن سبق خديجة، وتأثيرها في أول الإسلام ومؤازرتها
قال: والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع، "ثم استدل لذلك بما تقدم بعضه" فقال والحجة في ذلك حديث الصحيح: أما ترضين، فذكره وما رواه النسائي مرفوعا "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة".
"وأما خبر الطبراني" عن ابن عباس رفعه: "خبر نساء العالمين مريم بنت عمران، ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون"، فأتى بثم المرتبة، فقدم خديجة المقتضى لفضلها على ابنتها، "فأجاب عنه ابن العماد، بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة، لا باعتبار السيادة" فلا شاهد فيه على أنها أفضل منها، على أن ابن عبد البر قد روى هذا الحديث عن ابن عباس سيدة نساء العالمين مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة ثم آسية.
قال ابن عبد البر: وهذا حديث حسن يرفع الإشكال، ونقله الفتح، وأقره، فقدم فاطمة، "واختار السبكي" أن مريم أفضل من خديجة لهذا الخبر وللاختلاف في نبوتها انتهى" ولم يتعرض للتفضيل بين مريم وفاطمة، واختار السيوطي تفضيل فاطمة على مريم بمقتضى الأدلة ففي مسند الحارث بسند صحيح لكنه مرسل مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها، وأخرجه الترمذي موصولا من حديث علي بلفظ خير نسائها مريم وخير نسائها فاطمة.
قال الحافظ بن حجر والمرسل يعتضد بالمتصل، وسبقه إلى اختيار ذلك الزركشي والخيضري والمقريزي كما مر، لكن يرد عليهم هذا الحديث المرتب بثم، وقوله في حديث الصحيح لفاطمة في مرض وفاته:"أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم"، نعم يعارضه حديث عمران أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة:"ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين"، قالت: يا أبت فأين مريم، قال:"تلك سيدة نساء عالمها"، أخرجه ابن عبد البر، ولم ينقدح لي وجه الجمع.
"وقاله أبو أمامة بن النقاش أن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام وموازرتها" مستعار
ونصرها وقيامها في الدين بنفسها ومالها لم يشركها فيه أحد، لا عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين. وتأثيرها عائشة رضي الله عنها في آخر الإسلام، وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من الأحاديث ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها، مما تميزت به عن غيرها، انتهى.
من الجبل واشتقاقه من الوزر وهو الثقل، "ونصرها" عطف تفسير، "وقيامها في الدين بنفسها ومالها، لم يشركها فيه أحد، لا عائشة، ولا غيرها من أمهات المؤمنين" فقد تكون أفضل من هذه الحيثية، "وتأثير عائشة رضي الله عنها في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من الأحاديث" وفي نسخة من الأدلة "ما لم تشركها فيه خديجة، ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها" فقد تكون أفضل منها بهذا الاعتبار "انتهى" كلام أبي أمامة، وكأنه أشار إلى أن جهات الفضل بينهما متفاوتة، كما قاله ابن تيمية.
قال في الفتح: وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله، فذلك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم، فعائشة لا محالة أو شرف الأصل، ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها أو شرف السيادة، فقد ثبت النص لفاطمة وحدها، قلت: أمتازت فاطمة عن أخواتها، بأنه متن في حياته صلى الله عليه وسلم، ومات هو في حياتها، وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم، فإن لخديجة ما يقابله، وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام، ودعا إليه، وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام، فلها مثل أجر من جاء بعدها، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله تعالى انتهى.
وقال في الإصابة: ومن طواعيتها له قبل البعثة، أنها رأت ميله إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها فوهبته له صلى الله عليه وسلم فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام حتى قيل إنه أول من أسلم مطلقا انتهى.
وفي الصحيح عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذ ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلى اصدقاء خديجة، قالت عائشة: فأغضبته يوما، فقلت: خديجة، فقال إني رزقت حبها.
وروى الشيخان عن عائشة ما غرت على أحد ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، فيقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له، كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول: إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد.
وروى ابن حبان عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالشيء يقول اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة، ولنمسك عنان القلم رغبة عن التطويل.
وماتت خديجة رضي الله عنها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بأربع، وقيل خمس، ودفنت بالحجون، وهي ابنة خمس وستين سنة، ولم يكن يومئذ يصلي على الجنازة، وكانت مدة مقامها مع النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة، وقيل أربعا وعشرين سنة.
"وماتت خديجة رضي الله عنها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين" على الصحيح، كما في الفتح والإصابة، زاد عن الواقدي لعشر خلون من شهر رمضان. "وقيل" قبلها "بأربع" سنين، "وقيل خمس" حكاهما في الإصابة، وقيل بست سنين.
حكاه في الفتح، وروى ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس، أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت، فقال: يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فاقرئيهن، مني السلام، فقالت: يا رسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال لا ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى، ورواه الزبير بن بكار بلفظ أنه دخل على خديجة وهي في الموت، فقال: تكرهين ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرا، أشعرت أن الله أعلمني أنه سيزوجني معك في الجنة مريم وآسية وكلثم، فقالت: الله أعلمك بهذا يا رسول الله؟ قال: نعم. وروى هو والطبراني بسند فيه من لا يعرف عن عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم أطعم خديجة من عنب الجنة.
أورده السهيلي بعد حديث الأخبار بالضرائر، فظاهره أنه أطعمها حينئذ، فكأنه لما أخبرها بهن والمقصود منها إخبارها في هذه الحالة بأنها زوجته في الجنة من جملة الزوجات الفاضلات، أكد الله إخباره، الصادق، وآتاه من عنب الجنة، فأطعمها إكراما لها وله صلى الله عليه وسلم.
"ودفنت" كما أسنده الواقدي عن حكيم بن حزام "بالحجون" قال: ونزل صلى الله عليه وسلم في حفرتها، "وهي ابنة خمس وستين سنة" كما في رواية الواقدي هذه وفي السمط أربع وستين وستة أشهر "ولم يكن يومئذ يصلي على الجنازة" لأنها لم تكن شرعت، "وكانت مدة مقامها مع النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة" على الصحيح، كما في الفتح، وهو المطابق الصحيح، وقول الأكثر أنه تزوجها، وهو ابن خمس وعشرين سنة، "وقيل أربعا وعشرين سنة" وأربعة أشهر قاله ابن عبد البر، وهو مطابق له أيضا بإلغاء الكسر في عامي الزواج والوفاة.
أما على أن سنة إحدى وعشرون، أو ثلاثون فلا يتأتى أن قالا إن موتها سنة عشر من البعثة، وفي مسلم عن عائشة إنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على خديجة حتى ماتت.
قال الحافظ: ولا خلاف فيه بين أهل الأخبار، وفيه دليل على عظيم قدرها عنده، وعلى مزيد من فضلها؛ لأنها أغنته عن غيره، واختصت به بقدر ما اشتراك فيه غيرها مرتين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عاش