الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - كِتَابُ الإِيمَانِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {3} } [الْبَقَرَة: 2 - 3].
وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمرَان: 19]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [الْمَائِدَة: 3]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمرَان: 85].
2 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ الْبُخَارِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ سُرَيْجِ بْنِ مَعْقِلٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ،
فَخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُرِيدُ مَكَّةَ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ؟ فَلَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكِلُ الْكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَتَقَفَّرُونَ هَذَا الْعِلْمَ، وَيَطْلُبُونَهُ، يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ؟ قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، مَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَأَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ
اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ".
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَمَلائِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» .
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ.
فَقَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا.
قَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عُمَرُ، هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟» ، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ كَهْمَسٍ.
وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ أَبُو حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ، قُتِلَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلِيَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهَا كُلَّهَا.
قَوْلُهُ: «يَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ» أَيْ: يَتَّبِعُونَ أَثَرَهُ وَيَطْلُبُونَهُ، وَالتَّقَفُّرُ: تَتَبُّعُ أَثَرِ الشَّيْءِ.
وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ» ، يُرِيدُ: مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ قَدَرٌ، وَلا مَشِيئَةٌ، يُقَالُ: رَوْضَةٌ أُنُفٌ: إِذَا لَمْ تُرْعَ، وَأُنُفُ الشَّيْءِ: أَوَّلُهُ.
وَقَوْلُهُ: «فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا» أَيْ: عَلامَتِهَا، يُقَالُ: أَمَارُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَذَا، وَأَمَارَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ، وَقِيلَ: الأَمَارُ: جَمْعُ الأَمَارَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَام رحمه الله: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ الإِسْلامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الاعْتِقَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ، لأَنَّ الأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الإِيمَانِ، أَوِ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الإِسْلامِ، بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قَالَ:«ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ» .
وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ جَمِيعًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمرَان: 19]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [الْمَائِدَة: 3]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ} [آل عمرَان: 85].
فَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الإِسْلامُ، وَلَنْ يَكُونَ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا، وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لأَنَّ أَصْلَ الإِسْلامِ: الاسْتِسْلامُ وَالانْقِيَادُ، وَأَصْلُ الإِيمَانِ: التَّصْدِيقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ، وَلا يَكُونُ صَادِقَ الْبَاطِنِ، غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذًا كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا.
وَقَوْلُهُ: «مَا الإِحْسَانُ؟» فَإِنَّ مَعْنَى الإِحْسَانِ هَهُنَا: الإِخْلاصُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مَعًا.
وَقَوْلُهُ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا» مَعْنَاهُ: أَنْ يَتَّسِعَ الإِسْلامُ، وَيَكْثُرَ السَّبْيُ، وَيَتَّخِذَ النَّاسُ السَّرَارِيَّ، وَيَكْثُرَ مِنْهُنَّ الأَوْلادُ، فَيَكُونَ ابْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ فِي مَعْنَى السَّيِّدِ لأُمِّهِ، إِذْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لأَبِيهِ، وَمِلْكُ الأَبِ رَاجِعٌ إِلَى الْوَلَدِ.
وَقَوْلُهُ: «وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ الْعَرَبَ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ الإِبِلِ وَرُعَاتُهَا، أَيْ: يَتَّسِعُ الإِسْلامُ، وَيَفْتَتِحُ هَؤُلاءِ الْبِلادَ، وَيَسْكُنُونَهَا، وَيَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَهْلَ النَّجْعِ لَا تَسْتَقِرُّ بِهِمْ دَارٌ.
وَقِيلَ: هَذَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمُ الرُّوَيْبِضَةُ، وَهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ
الْعَامَّةِ»، وَقِيلَ: الرُّوَيْبِضَةُ: تَصْغِيرُ الرَّابِضَةِ، وَهُوَ رَاعِي الرَّبِيضِ، وَالرَّبِيضُ: الْغَنَمُ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.
3 -
أَنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ الْخَلِيلِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، حَدثنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَجَبْتُكَ» .
فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ
عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ.
فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ» .
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ:«اللَّهُمَّ نَعَمْ» .
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ:«اللَّهُمَّ نَعَمْ» .
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ:«اللَّهُمَّ نَعَمْ» .
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ نَعَمْ» .
فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، بِمَعْنَاهُ
قَوْلُهُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: أَسْأَلُكَ، يُقَالُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ بِرَفْعِ نَشِيدِي، أَيْ صَوْتِي، وَالنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ: إِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ، سُمِّيَ
بِهِ نَاشِدَ الضَّالَّةِ لِرَفْعِهِ صَوْتَهُ بِالطَّلَبِ.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النِّسَاء: 1] أَيْ: تَطْلُبُونَ بِهِ حُقُوقَكُمْ، كَقَوْلِكَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، ثُمَّ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ
4 -
حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَلِّمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ،
إِمْلاءً، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا بَهْزٌ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ، وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ:«صَدَقَ» .
قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» .
قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» .
قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» .
قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» .
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ» .
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» .
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ» .
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» ،
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سُنَّتِنَا، فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا؟ قَالَ: «صَدَقَ» .
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» .
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزْدَادُ عَلَيْهِنَّ وَلا أُنْقِصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ الْعَبْدِيِّ.
قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ
وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو حَمْزَةَ النَّجَّارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، خَادِمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ، هُوَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي