الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ كِتْبَةِ الْعِلْمِ
137 -
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا مِنِّي إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ وَهْبٍ، عَنْ أَخِيهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ
قَالَ الشَّيْخُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كِتْبَةِ الْحَدِيثِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ، وَمِنْهُمْ: قَتَادَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ،
لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّا لَا نَكْتُبُ الْعِلْمَ» .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ الْعِلْمِ حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاءِ الأُمَرَاءُ، فَرَأَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى إِبَاحَةِ الْكِتْبَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ، فَقَالَ أَبُو شَاهٍ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ» .
وَالنَّهْيُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا، ثُمَّ أَبَاحَهُ، وَأَذِنَ فِيهِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ كِتْبَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلا يَخْتَلِطَ غَيْرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، فَيَشْتَبِهَ عَلَى الْقَارِئِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْكِتَابِ مَحْظُورًا، فَلا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«بَلِّغُوا عَنِّي» .
وَفِي الأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ إِبَاحَةُ الْكِتْبَةِ، وَالتَّقْيِيدُ، لأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ طَبْعِ أَكْثَرِ الْبَشَرِ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى حِفْظِهِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ، فَتَرْكُ التَّقْيِيدِ يُؤَدِّي إِلَى سُقُوطِ أَكْثَرِ الْحَدِيثِ، وَتَعَذُّرِ التَّبْلِيغِ، وَحِرْمَانِ آخِرِ الأُمَّةِ عَنْ مُعْظَمِ الْعِلْمِ.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:«قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، وَأَنَسٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ
وَكَانَ يُحَدِّثُنِي بِالْحَدِيثِ، فَأَكْتُبُهُ فِي وَاسِطَةِ الرَّحْلِ حَتَّى أُصْبِحَ، فَأَكْتُبَهُ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَال سَمِعْتُ أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ، وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَنْ نَكْتُبَ السُّنَنَ، فَكَتَبْنَا كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: نَكْتُبُ أَيْضًا مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: لَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، قَالَ: فَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ، فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ لَمْ يَكْتُبْ عِلْمَهُ لَا يُعَدُّ عِلْمُهُ عِلْمًا.
وَقَالَ أَبُو هِلالٍ: قَالُوا لِقَتَادَةَ: نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُ يُكْتَبُ، قَالَ:{عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52] وَقَالَ أَبُو الْمَلِيحِ: تَعِيبُونَ عَلَيْنَا الْكِتَابَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52].
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ» .
وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَنْسَاهَا، فَيَجِدُهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ، أَيَشْهَدُ بِهَا؟ فَقَالَ: وَهَلْ عَلِمْنَا إِلا هَكَذَا.